رواية صمت الفتيات - بقلم الكاتبة خديجة السيد- الفصل التاسع والعشرون
رواية صمت الفتيات
بقلم الكاتبة خديجة السيد
الفصل التاسع والعشرون
رواية
صمت الفتيات
رغمَ حظّي السيء وكل شيء..
رغم الصفعات القوية التي نالت منّي ، رغمَ التعب الذي تجَلّي في ساحتي ، رغمَ فُقداني لكل ما أحببت ، لازلتُ أحتفِظ بهدوئي وأرتدي ثوبَ الصبر ، وأراقب الحياة من نافذة روحي متسائلة:"ماذا ينتظرني بعد؟؟"
بداخل السجن بالتحديد داخل مكتب المامور، جلس امامي أبي وهو يتطلع إليه مبتسم بهدوء قدر الإمكان
= طمنيني عليكي يا حبيبتي عامله ايه
هززت رأسي بسرعه وأنا أتساءل بلهفه شديد
= انا تمام طمني على ماما عامله ايه هي كويسه؟
إبتلع ريقه بصعوبة و هو ينظر إليه بابتسامه صغير علي ثغره
= اه يا حبيبتي بخير ما تقلقيش عليها هي بس مستحملتش الصدمه انها تسمع خبر موتك واحنا واقفين مش بايدينا حاجه نعملهالك بس هي بقت كويسه ما تخافيش عليها
ابتسمت أنا أيضا ابتسامة صغيرة ثم استطرد بنبرة ليست هنا بل شاردة تصف تلك الضجة التي تسيطر عليه بداخلي
= حاسه انها مش بخير وانت بتقولي كده عشان ما تقلقنيش ،هي بجد كويسه
تنهد اسماعيل بقوه يتمالك نفسه وهو يقول بصوت مخنوق
= لازم كلنا ما نبقاش كويسين اللي احنا بنمر فيه مش سهل علينا اننا نشوف بنتنا الوحيده اللي تعبنا في تربيتها و زعلنا على زعلها واتوجعنا على تعبها ، بس اننا نشوف اللي حصل ليها قدام عينينا واحنا مش قادرين نعمل ليها حاجه، ده اكبر اذيه لينا عشان احنا بنحبك بجد وما لناش غيرك
نظرت إليه مرة اخرى وهمست متابعة ببلاهه طفلة لا تدري ماذا تُحيك الحروف بفاهها
= ليه كل الكلام ده هو انا عمري شككت في حبكم لي
شعر اسماعيل بقلبه يهتز بعنف، يهتز رعبًا من القادم..ثم تهدج صوته اكثر قائلا
= جايز تكوني بينك وبين نفسك حسيتي كده في اي لحظه، بس لما تحسي كده ارفضي الاحساس ده على طول يا بنتي عشان احنا عمرنا ما هنكون قاصدين اي حاجه من اللي حصلت وعارف ان اي كلام عمره ما هيصلح اللي فات.. بس احنا حقيقي بنحبك وما لناش غيرك، و ربنا وحده اللي عالم احنا حالتنا عامله ازاي من ساعه اللي حصل وعرفناه.. بس لو ربنا اراد وبقيتي ام هتعرفي ان انتي ساعات من كثر حبك في اولادك ممكن تاذيهم وانتي مش واخذه بالك
اسرع يهز رأسه بنفي وانا ارى الدموع على حافه جفنه بقهر مريرة
= بس ده طبعا غلط لازم نديكم حريتكم ونثق فيكم.. والاهم نهتم بيكم ونواعيكم من الدنيا، سامحيني يا حبيبتي سامحيني يا ريحانه عشان ما كناش قد مسئوليتك يا بنتي
هززت رأسي نافية بابتسامة خالية من المشاعر
= انا مش زعلانه من حد منكم لاني زي ما شفت ايام وحشه شفت برده معاكم ايام حلوه من حب واهتمام ومش هقدر انكر كده.. ممكن بس كان ناقصني شويه تركيز وعي زياده وحاجات ثانيه كنت طمعانه الاقيها فيكم
وسرعان ما هتف أبي وهو يقول بنبرة حنونه يطمني
= ما تخافيش احنا مش هنسيبك ابدا ولا هنتخلى عنك، هنرفع قضيه و هنطعن في الحكم بس لازم الاول والد هديه يرضي يخلي بنته تعترف بالحقيقه
ثم تعمق النظر لعيني المتحجرة بالدموع وأكمل بصوته الذي يحمل لونًا واضحًا من الألم والسخط خلفه
= غبي بيغلط نفس غلطتي زمان.. مش عارف ان اللي هو مستمر فيه ده هيبكي عليه بدل الدموع دم قدام و دي اكبر اذيه لبنته بيضع حقها، و يخرس صوت الحق ويوريها قدام عينها هو قد ايه جبان و السكوت هو الحل
حركت رأسي ببطء ليخرج صوتي مبحوحًا لينًا كخشبة رقيقة لا تستطع ان تغرق وسط المياه ولا حتى ان تنفذ من موجاتها
= ما عادتش تفرق يعني ايه اللي هيحصل لما الحقيقه تظهر في حاجه هترجع زي الاول
همس اسماعيل بتلقائية مغموسة بالألم
= بس هترجعي لي حضننا ثاني انا وامك، وترفعي راسك وسط الناس، عشان العار والفضيحه الحقيقيين ان احنا نسكتكم، والاهم انك مش هتتعدمي وتبعدي عننا
سرحت قليلاً في تلك الليلة المأساوية التي حولت حياتي للعبة طاولة يتحكمون بها الذئاب، ثم عضت على شفتي بأسى.. لو سالوني ماذا يفعل الظلم في ذلك العالم لردت صراحة انه تجمع كله ليصبح سوطًا يجلدني بلا رحمة !
= ما فيش حد بيـ..ـموت مرتين يا بابا، وانا مت من زمان وانا حيه.. أنا مت من بدايه اللي حصلي وانا صغيره واتعرضت لحاجات كثير وحشه كانت اكبر من سني وأني استوعبها وافهمها
اسوأ ما يصيب الانسان ، أن يـ..ـموت حياً .!
فزمجر في أبي مسرعًا وكأنه يحذرني من مصير أسود قد حدث بالفعل وانتهى
= ليه ما حاولتيش يا ريحانه ان شاء الله غصبا عننا تفهمينا ..كان لازم تحاربي اكثر من كده وتعملي اي حاجه عشان توصلي لينا اللي بيحصل
ابتسمت متهكمة بقوة وصاحت بغضب
= هو انتم ثاني هتجيبوا الحق عليا عشان سكت، انتم ما فيش حاجه بترضيكم أبدا.. اتكلم تسكتوني اسكت تلوموني.. انا ما بقتش عارفه بجد ايه اللي بيرضي المجتمع ده
هز رأسه بضيق بسرعه وكأنه يبحث داخله علي أي مبرر لارجاع الزمن الي الخلف لكن بكل بساطة لم يحدث والماضي لم يعود.
= مش قصدي والله يا بنتي بس كل ما افكر في اللي حصل باتضايق من نفسي قوي اني ما كنتش جنبك كفايه عشان كده كان نفسي تعملي اي حاجه عشان تعرفيني ..كان لازم تخلينا نسمعك بالعافيه كنتي حاولي بدل المره اثنين و100 طالما في الاخر في مره من المرات هنسمعك لما نزهق
اجبت بقلب متمني متوجع بقدر تمنيه
= يمكن عشان ما لقيتش الامان في بيتي وسطيكو كفايه.. عشان احاول كثير كده
رفع أبي كفي يضغط عليه بحنان بسرعة محاوله التخفيف عني وهو يقول بصوت مؤلم يملاوا الكسره
= هو احنا كنا وحشين قوي كده ونخوف للدرجه دي؟ بس ليكي حق انا بتكلم في ايه اصلا انتي كان عندك خمس سنين انتي اللي كنتي محتاجه مساعده وان احنا نقرب منك ونفهمك من غير ما تطلبي كمان
رفعت عيناي المليئه بالدموع بغزاره وكاني احدهم يزحني في قبر مظلم بعتمه سوداء!!.. وإن لم يكن قبر بالمعنى الحرفي ولكني حياتي تشبه القبر وبكثرة
= انا ما قصدتش وحشين بس في حاجات كثير ما كنتش فاهماها ولا مستوعبها.. وبصراحه كمان كنت خايفه من رد فعلكم ..ايوه كان من حقي الخوف ده وما تبصليش كده.. كنت بقول لنفسي لما ده رد فعلهم وهم بيسمعوا مجرد البدايه كده! امال لما اقول الحقيقه كلها رد فعلهم هيكون ايه؟ هل هينصره هو عليا ولا هينصروني انا
شعرت أني اركض.. و اركض وكأني في سبـاق.. سباق النجاح فيه سيكون نصر العمـر والهزيمـة مرارة لاذعة سترافق ذلك العمر !! لكن رغمًا عني سقطت اكثر من مرة متعثرة ارضًا وكل شيء يُعاكسني حتى اقدامي... ولكن شعر أبي بي وشد على يدي بقوة محذرًا بحدة
=هو انتي متخيله يا بنتي ان ممكن كنت اعرف اللي كان بيعمله فيكي وهاسكت اكيد طبعا لا! ولا انا ولا امك كنا هنرضي بالظلم والمعاناه اللي انتي شفتيها ونسكوت.. ليه تفكري كده؟
حاولت التمسك كالطفلة خائفه... لكن مهلاً ولمَ كما ؟! فانا بالفعل مازالت طفلة في بداية عامي الثالثة و العشرين لكن قسوه الزمان كانت مرت علية لتعطيني سن فوق سني الأصلي اضعاف، وخرج صوتي مبحوحًا
= فكرت كده عشان حضرتك وماما لما كنتم بتشوفوا في الشارع حاجه شبه كده كنتم بتمشوا وتعملوا نفسكم مش شايفين ولا بتقفوا وتساعده حتي، لا وكمان لما كنت بسالك هو ليه الراجل ده بيعمل كده كنت بتجيب الحق على البنت وتقول لي هي اللي غلطانه، مع ان حضرتك ضابط وماما مدرسه يعني المفروض يكون عندكم وعي كفايه.. بس للاسف ربتوني زي ما انتم اتربيته على العادات والتقاليد اللي كلها غلط .. سبتوني لي الدنيا افهم لوحدي بس كنت بفهم بعد ايه فوات الاوان
احمر وجه أبي من الاحراج بينما لاشعر بأنفاسي المضطربة سقطت في حفرة عميقة... قاسية وموجعة لتلك الروح التي تناجي الرحمة في قلوب مغشية ! ثم رفعت رأسي فجأة اتحدث بقوه من وسط دموعي
= العيب مش في لبس البنت يا بابا ولا انها تحط مكياج زياده ولا أنها تمشي من غير حجاب! ولا الحل عشان ما حدش يبص لي ويـ..ـتحرش بيا ألبس واسع.. كلها طبعاً حاجات مذكوره في دينا ولازم نعملها ما فيش اختلاف عليها، بس العيب ما كانش في كل ده أصلا العيب مش في البنت نفسها العيب في الراجل اللي بيعمل كده والناس!
اكملت و ازدادت بكائي و شعرت وكأني اصحبت في معركة دامية، معركة لن تنتهي الا بانتهاء احد وهي روحي فيها ! لكن روحي ليست كافيه أيضا
= التـ..ـحرش والاغـ..ـتصاب زي ما كان بينول البنات اللي مش محجبه واللي بتلبس قصير.. كان برده بيحصل للبنات المحجبات والمنقبات والاطفال وكبار السن حتي.. ومش لازم ابدا عشان حد مد ايده على واحده ولمـ..ـسها تبقى هي إللي اديت الاشاره عشان يتمادى براحته.. كان نفسي تعلموني أن مفيش شئ يبرر التـ..ـحرش وأنه عليا أني ادافع عن نفسي وما اهتمش ولا احط في دماغي بردة فعل الناس، عشان انا مش بعمل حاجه غلط انا باخذ حقي
ضغطت على يدي بخوف وبدأ قلبي يرتعد بين ضلوعي و يتردد بأذني كلمات مُخيف كأنها تصلب جسدي وتقول بصوت قاسي :- اريد كل شيء.. كل شيء حلو في حياتك.. قلبك لأدميه وروحك لأقتلها بالحياة.. وجـ..ـسدك ليحمل علاماتي فتكون علامات مميزة تذكرك بعار ونجاسة عائلتك ! هتفت بنبرة مقهوره بيأس
= عشان الاعـ..ـتداء الجنسي مش اذاي نفسي بس.. لا نفسي و جـ..ـسدي؟.. بس عشان احنا عايشين في مجتمع دائما بيلوموا علي البنت ولو اتكلمت يبقي قليله الادب ومش خايفه علي سمعتها لكن الولد له حريه التصرف..
حينها أغمضت عيناي باستكانة غريبة... وكأني اسبح وسط احزاني وقلت بنبرة متحشرجة
= انتم بكلامكم ده خليتوني مبقاش عندى ثقة فى نفسى، انا بقيت ابص لنفسى فى المراية كتير اوي واقول هو انا فيا حاجة غلط؟ يعنى انا مش كويسه ولا محترمه عشان بخلي حد يتـ..ـحرش بيا ولا يبصلي بصه مش كويس ،ولا اللي كان بيعمله عمي معايا انا السبب في؟
لا يدري أبي ما يقول لي التخفيف عني ولكنه شعر انه سيء....سيء جدًا، فتح فمه للتحدث لكن فرت هاربة الكلمات مثل أدراج الرياح، ولكنه حاول فك عقدة لسانه وهو يقول بنبرة يلوح منها التوتر
= لا طبعاً اللي عمله معاكي عمك بالذات ما لكيش دخل فيه
اصبحت فجاه اضحك بهيسترية وأنا أنظر لابي الذي كاد يبكي تأثرًا بحال أبنته الميؤس منها وقلت له
= شوفت بقى كلامكم كان مؤذى قد ايه، أنتم اذيتوني كتير اوى بسبب الافكار اللي دخلتوها في دماغي دي وان طول الوقت ابقي حاسه العيب فيا انا مش فيهم
ابتلعت غصة مؤلم كانت كالأشواك تمزق حلقي وأنا ابتلعها متحدثه بمرارة
=انت حميتني ايوه بس ممكن تكون عملت اكبر غلطه انك حميتني من اللي بره و نسيتني نحميني وتحذرني من اللي جوه؟ خلتني اقتنع زيك أن الاذيه عمرها ما هتجيلي منهم، مع ان اهل بيتي هما اكثر ناس اذوني
كان اسماعيل صامت... يحدق بها بشفقة حقيقية والحزن يستوطنه بتلقائية على تلك المسكينة ابنته ومعاناتها التي لم تنتهي.. زفر بعنف مع كل حرف تتحدثه وهو يتخيل معاناتها والمها، و الدموع متحجرة في عيناه ولكنها ترفض الخضوع لسطوة الانهيـار..
كل شىء يمر، تلك حقيقة مؤكدة، لكن قبل أن يمر.. يأخذ معه طاقة كبيرة، وبعض من الروح ، والعمر المتبقي فيه، كنت الهث بصوت مسموع و اتحدث بسرعة لدرجة أن جـ..ـسدي بدأ يرتعش بعنف مُثير للشفقة وانا اتمسك بيد أبي بقوه كحماية....
= وكنت محتاجاكم في حياتي اكثر من كده، مش وقت ما اقول انا محتاجه بس! وكان نفسي لما ابقى مختلفه معاكم في امر تتناقشوا معايا وتفهموا انا عاوزه اوصل ليكم ايه من غير ما اقعد المح بكلام عشان ادخل في حوارات ثانيه.. كان نفسي تبطلوا تفهموني غلط! كان نفسي اصلا تفهموني انا عاوزه ايه؟ كان نفسي احس بالامان.. الامان اني مبقاش خايفه طول الوقت وانا بقول اللي جوايا..
عقد اسماعيل ما بين حاجباه هامسا ببحة متأثرة
= ياااه يا ريحانه هو انتي كبرتي للدرجه دي
عضت شفتي بتهكم وكانت الحسره بعيني واضحه وأنا أردفت بصوت مكتوم
= مش قلت لحضرتك كنت محتاجه منكم تفهموني الدنيا اكثر من كده اديني فهمتها لوحدي وفهمت حاجات كثير قوي ثانيه
دائماً يوجد في القلب أشياء أكبر من أن تُقال ، ففي قلب كل منا غرفة مغلقة نخاف طرق بابها حتى لانـبـكي .ليس كل هاديء خالي البال و كل صامت لا يبالي ، ففي الهدوء والصمت ألف حكاية وحكاية أكبر و أعمق من أن تصفها كل الكلمات و اللغات ، فلنا حياة داخلنا تختلف تماماً عن الحياة التي يرانا فيها الآخرون. فخلف كل صمت حكاية لا نريد أن نبوح بها والصمت ليس أن تقبض على لسانك ، الصمت أن تقبض على قلبك.
ظليت أبكي كالطفلة تبكي استوطنها العجز كما حياتها كلها وهي تمسك بقدم والدها ترفض رحيله، بينما اسماعيل عيناه جامدة تخفي الانهيار خلفها... يحبس دموعه بصعوبة ويشعـر.... يشعر....آآ أنه لم يستطع التمسك أكثر من ذلك ليكشف الستار عن ضعفه ودموعه التي بدات تتساقط بحزن شديد عليا..
لينهض يقترب مني بخطوات ثقيله وأنا مازلت أخفض وجهي و ابكي بحرقه، حينها رفع عيناه بملامحه المتألمة ليفتح يده الإثنين كأنه يخبرني بان ارمي هموم العالم كلها داخله فهو سندي.
لم انتظر ولا لحظه لاترمي بأحضانه فجأة و اشهق ببكاء عنيف.. بكاء كنت اسداد بصعوبة... بجدار واهي من التماسك... ولكن ذاك الجدار لم يعد قادر على استيعاب قدرًا اكثر من البكاء الحاد......! ليربت أبي فوق حجابي برقة وحنان والدموع تغلبه ليبكي بشده اكثر وأنا أيضاً.
وبعدها بدقائق معدودة في نفس اللحظه دلف العسكري لياخذني الى الحبس مره ثانيه، وخرجت معه بالفعل، ليخرج اسماعيل ليقابل رشوان بوجهه الذي نظر إلي دموعه بدهشة وعطف ثم قال بتوتر محاوله تخفيف خجله منه
= اسماعيل تعالي اغسل وشك في حمام مكتبي.. بلاش تمشي في الشارع كده وانت بتعيط!
رفع اسماعيل عيناه الدامعة له وهي يسرح في صندوق العادات والتقاليد قائلا :- الصبيان لا تبكي و الدموع لا تعرف مكان في حياتهم، الضعف والبكاء فقط للفتيات..!!
اقسم اسماعيل داخله لو كان يحمل بيديه فآس لي كان ضرب بالحائط كل هذه العادات والتقاليد التي ذبحت اجيال كثير بسبب هذا التفكير الخاطئ ومنهم أبنته!
وبالفعل ألتفت بجسده ليخرج من المكتب وسط الجميع و دموعه مازالت مستمرة بالسقوط وبدأ بعض الناس ينظرون إليه بدهشة بينما هو لم يبالي و كانه قد تجرد من تلك العادات والتقاليد التي تحت مسمى العار، فما هو العار في ذلك؟ شعر بالحزن الشديد على أبنته ولم يتمالك نفسه باحساس الذنب وبدأ بالبكاء، فلما يخفي هذه المشاعر ويكتمها داخله وكأنها فضيحه الي صاحبها..
بعد فتره طويله وصل إلى مدفن حمدي! وهنا سمح لكل شيء يثور داخله... يهيج ويضرب جدار روحه بعنف أن ينفجر قائلا
= مش عارف رجلي جابتني هنا ازاي؟ ولا اشمعنى انت بالذات اللي جيتلك دون عن الناس كلها وانا في الحاله دي
تنفس اسماعيل بصوت مسموع وهو يقول ساخرًا
= بس اكيد مش حبا فيك انت بقيت دلوقتي اكبر عدو لي، واكثر واحد بكرهه في حياتي، شفت الدنيا بعد ما كنت بالنسبه لي ابني مش اخويا دلوقتي بقيت عدو!
أخفض بصره الي المدفن بينما هو يشعر بجرح داخله ينزف وهو يضغط عليه مغمضًا عيناه لا يصدر آآه حتى... ليقول بنبرة غل
= نفسي تكوني قدامي دلوقت ونفسي تجاوبني على اسئلتي وتقول لي عملت في بنتي كده ليه؟ ليه تكسرني وتحسرني عليها، عملتلك ايه عشان تعمل فيا كده رد علـيـا .. انت مش عارف وصلتنا كلنا لايه سبب عاملتك دي! لا وكمان ما اكتفتش بي بنت اخوك وبنات كثير تانيه ضيعتهم ،و نشوي مرميه في المستشفى بسبب صدمتها في بنتها اللي اتحكم عليها بالاعدام عشان كـلـب زيـك
حينها زمجر به في المقابل وكانت تلك الروح داخله تغيب عن وعيها وهو يصيح بصوت عالي
= ما كانش لازم تمـ..ـوت دلوقت ما كانش لازم تبقى انت إللي تحت التراب وهي في السجن بتشيل ذنوب كنت انت السبب فيها، وبتدفع ثمن اخطاء ما كانتش هي اللي ارتكبتها، المفروض كنت أنا إللي قتلك بيدي مش هي.. انت فعلا تستاهل المـ..ـوت بس هي ما تستاهلهوش.. ما ينفعش اللي بيحصل ده..
اقترب إسماعيل فجاه و وقف أمام القبر ثم بدأ ينبش قبر أخيه وهي يصيح بشكل هيستيري مرددا
= أيوه ما كانش ينفع هي اللي تقتلك كان لازم انا اللي اقـ..ـتلك.. هي ما لهاش ذنب انا السبب انا اللي دخلتك بيتي وامنتك عليها وانت دمرتها.. لازم انا اللي اقـ..ـتلك، هي ما لهاش ذنب عشان تتحاسب عشان واحد زيك حيوان وما عندوش ضمير.. اطلعلي لازم تعيش وأنا اقتلك.. فاهم!! انا اللي مفروض اقـ..ـتلك مش هي.
ظل يصرخ دون وعي بأعلى صوته بهذا الشكل وهو يحاول يزيح الرمال عن قبر شقيقه حمدي، كان معتقد بهذا الطريقه سوف يجده حي! وبعدها ينتقم منه اشد انتقامه.. لكن هذا لم يحدث بالتاكيد فالميت لا يحي.!!
يـتـبع