رواية صمت الفتيات - بقلم الكاتبة خديجة السيد - الفصل الخامس والعشرون
رواية صمت الفتيات
بقلم الكاتبة خديجة السيد
الفصل الخامس وعشرون
رواية
صمت الفتيات
ضغط حمزه على فكيه بقوة وهو لا يزال لا يصدق ما سمعه مني وإني قد تعرضت للتـ..ـحرش الجـ..ـنسي مره ثانيه وقد عشت هذه التجربة المؤلمه مره اخرى! ثم همست بشفيتن المرتجفة
= طول الوقت لما أي بنت بتتعرض للمواقف اللي زي كده بنحس بالعار بس من ايه محدش عارف منا ولا حتى أني عاوزه احكي بس مش قادره لاني حاسه ان ما حدش هيفهمني
مسحت دموعي وقد تنسيت الألام التى تعصف بـ..ـجسدي وقلت بوهن
= الخذلان اللي واجهته في الموقف ده كان صعب.. وان ازاي اواجه القرف والوجع دي اصعب حاجه في الحياه! انك تواجه الوجع اللي جواك.. نفسي بجد اعيش حياه ما فيهاش خوف ولا قلق من الناس
لن يفهمنا أحد ، جميعهم يظنون أننا نبالغ ، جميعهم يتهموننا بالبؤس ، جميعهم فلاسفة حينَ لا يخُصهم الأمر ، يعتقدون أنّ الحل سهل ، لن يشعر أحد بما نشعر به ، فنحنُ نتحدث عن أمر أشعلَ في قلوبنا ناراً صعب إطفائها ، أمر جعلنا نشفق على أنفسنا من شدة قسوته ، أمر قطعنا فيه آلاف الأميال تفكير ولم يمشوا فيه خطوة واحدة ..كم هائلة تلك المسافة بين ما نشعر به وبين ما نستطيع شرحه للآخرين لذا توقفنا عن الحديث فلا تلومونا ، لا أحد يهتم ، وحدها قلوبنا التي تحترق.. و هؤلاء الذين نرتدي أقنعة لنرضيهم.. أو نخفي حقائقنا خوفا من نظراتهم الينا .. لا يستحقون الشكر ولن نسعد هكذا معهم أبدا.
اكملت حديثي وقد اغمقت عيناي بالألم
= انا جايز اكون مغلطش بس انا قبلت بالغلط و متكلمتش و هو ده عين الغلط ..انا سكت لما كان مفروض اتكلم.. و ما تكلمتش في الوقت اللي كان مفروض اقول فيه لأ..
فرت الدماء من عروق حمزه و قد شحب وجهه بشدة فور ادراكه ما نطقت بتلك الكلمات المؤلمه امامة ليصمت عاجز على الرد فلا يعرف ماذا يجب عليه أن يتحدث حتي يخفف عنها؟ لكن دائما يقف امامها متجمد وهو يستمع الى معاناتها الصعبة فهي بالتاكيد تمتلك قوه خارقه داخلها لتتحمل كل هذا الالام، فهو لم يري في حياته فتاه مثلها ما زالت تصارع مع الحياه بعزيمه رغم كل ما حدث لها.. تنهد بعمق شديد وقال بصدق
= عارفه يا ريحانه ساعات بقف قدامك في نقط كتير ومبقاش عارف ارد عليكي او اقول لك ايه ممكن يهون عليكي لانك بصراحه بتتكلمي في حاجات مهمه جدا وللاسف ناس كثير بتعاني منها وبتسكت وبنبقى خايفين نواجهه
نظرت إليه ثم اطلقت صيحة عالية ساكنة تخرج من عمق نزيف قلبي الذي بدي كالثور الهائج..انهكتها الحياه و نجحت في تدميري...
حمحم حمزه قائلا باستفهام حتي يغير الموضوع
= مش عايزه تكملي قصتك للناس انا زي ما وعدتك مستمر بالنشر والناس بقت شبه تقريبا مستنين بفارغ الصبر تسمع باقي الحكايه؟.
مرت هكذا جميع السنوات عليا وانا اكبر؟؟ أصبحتُ قليلة الكلام مع الجميع وكثيرة الشرود ، هادئة بمظهر ثابت رغم الضجيج الذي يسكُنني حتى اعتقدوا اهلي اننا انطوائيه ولا أحب الجلسات الاجتماعيه مع الاغراب قبل عائلتي نفسها، لم أعُد أجيد الإقتراب من أحد وماعادت التجمعات تجذبني ، أصبحتُ أخاف من عائلتي و العـ..ـلاقات ورسم أحلام ورديّة ، أميل دائماً إلى الوحدة رغم كوني ليست المخطئه ، هكذا سارت الأمور معي وانا اكبر، تغير كل شيء بلحظة، لقد أعطَيت كل الأشياء الجيدة دفعة واحدة وردت إلَيَّ بكل السوء الذي يسكُن العالم أجمع..لست بنادمة أبداً ولكن ما يؤلمني أنّ كل شيء سكبت عليه من روحي رحل ، كأنّ روحي المنهكة أصابت كل من ألفَها..
وكل فتره كنت.. أحتاج فقط من حين لآخر أن أنعزل و أبكي كثيراً ، و أحتاج أن أتنازل عن قناع القوة الذي أرتديه .. أنا بخير و لكني أحتاج أحياناً أن أعبر عن كوني.. لست بخير ...!!
مررتُ بلحظات شَعرت فيها أن مَخزوني من التحمل قد نَفذ واني لن أَحتمل أكثر من ذلك، خسرتُ كل شيء، شعرت كثيرًا أنها نقطة النِهاية، وأنّ نِهايتي قد حانت، لكن لا شيء من هذا حدث. لم أَمُتْ.. وها أنا أحتمل أكثر، والآن وبمرور الخسائر أتعلم جيدًا من أكون، أُدرك حجم قوتي، وأَعرف جيدًا أنه مهما فسد كُل شَيء يجب أن أنجو.
كبرت حتي دخلت الى الجامعه و كنت و مازالت دائما ابتعد عن الجنس الاخر، اشعر دائما بالخوف و الاضطراب لما هو قادم؟ لم أكون صداقات مع فتيات ولا مع شباب كنت في الماضي امثل اني انطوائيه ولا احب العـ..ـلاقات حتى اصبحت بالفعل لا أحب العـ..ـلاقات مع الاغراب ولا الاقارب.. وفي نهايه اليوم اختبئ في حضن الصمت حين ادرك بأن ما احاول شرحه لن يفهمني احد مُطلقاً.
وضع والدي فنجان القهوة أعلي الطاوله بعنف مكتوم قائلا بحده
= وبعدين يا ريحانه ده خامس عريس ترفضي ويكون كويس وما فيهوش عيب وأحد وحش وانتي برده ترفضي من غير حتى ما تقعدي معاه ولا حتي تشوفيه، هتفضلي كده لحد امتى؟
أخفضت بصري وانا اجيب عليه بصوت مخنوق
= لحد ما ياجي نصيبي انا قلت لكم مش مستعجله على الموضوع مش عارفه ليه انتم اللي مستعجلين ومصممين تجوزوني بالغصب
ظهر الغضب والضيق علي ملامح والدي قبل أن يتحدث قائلا بصرامة
= سامعه بنتك يا نشوي بتقول ايه؟ طب ردي عليها أنتي، احنا لحد دلوقتي غصبناها على حاجه، وانا لو كنت بفكر بالطريقه دي كنت زماني جوزتها من غير حتى ما اخذ رايها ولا واقعد في الشهور احايل فيها عشان توافق تقعد مع اي عريس وتشوفه بس
تنهدت أمي قليلاً وهي تنظر إليه بعدم رضي وتهتف بجدية
= يا حبيبتي هو حد دلوقت غصبك واحنا صحيح لو عاوزين نغصبك ما كناش اخذنا رايك كل الحكايه نفسنا نفرح بيكي وانتي فعلا على راي ابوكي زودتها قوي عماله ترفضي في العرسان من غير ما تقولي لينا اسباب مقنعه
نظرت إليهم مطولاً قبل أن انهض واتحدث بعصبية
= في إني مش مرتاحه ومش بفكر في الجواز دلوقتي حلو كده ده سبب كفايه ومقنع ليكم ولا لاء؟
كنت لستُ بخير هذه الفترة ولا أحد يعلم ما انا بي ، أفكّر كثيراً ولا أنام جيداً ، سُكوتي مفاجئ ودقات قلبي موجِعة ، أتألم كثيراً لكن بصمت ، لم أرغب في مجاورة أحد ولا المَيل على كتف أحد ، لم أرغب في أن يكون لروحي رفيق واتحدث معه ، لم يعد تسعفني المحاولات حتى مع أحدهم بينما بعد ذلك نعود غرباء كما كنّا ، ما فائدة أحد بجانبي وكل ليلة لا يُجاورُني سوى البكاء والخيبة.. لستُ بخير أبداً ولكن إن سالني احد ساجيب أنني في أحسنِ حال..
لم يتوقفون عائلتي حاول موضوع الارتباط وكل ليله يتناقشون معي بالهدوء والشد حتى اقتنع واوافق علي أن ارتبط بشخص ويصبح زوجي ورفيقي في الحياه!! كانت بالنسبه لها ستكون فرحه كبيره لكن اليه ستكون نكته سخيفه، فكيف ان ارتبط بشخص وانا داخلي كل ذلك الاسرار الخفيه اعتقد يجب ان اصارحه اولا؟ وهذه كانت اصعب خطوه إليه! فكيف اتحدث وانا اعاني من الصمت كل ليله.
بعد مرور شهرين لم يكن امامي غير الموافقه حتى اتخلص من كثره الحديث والشكوك حولي وارتبط بشخص يكبرني بثلاث سنوات إبن صديق لي والدي لكن كانت هذه اصعب فتره إلي لأن اكتشف جانب في اخر لم كنت اعلم عنه شيئاً؟؟ الخوف والاشتمزاز من خوض تجربة الزواج كلما تخيلت حياتي بعد الزواج كيف ستصبح اشعر انني اريد ان اتقيا من الفكره.. فعقلي يخليني بمخيلات وتفاصيل طفولتي المؤلمه.. ورغم عني اضع مقارنه داخل عقلي وما كان يفعله عمي معي سوف يحدث في زواجي او هذه ستكون طبيعه العلاقه الزوجيه بيننا.
لاكتشف اني اصبحت مريضه نفسيا واحتاج الى علاج.. من ذلك التفكير المقزز.. لذلك لم تستمر خطوبتي طوال وفسختها انا بعد اصرار كبير مني لشعوري بالذنب وضمير يؤنبني إني اذا اكملت في هذه العـ..ـلاقه وانا اعلم ما يصيبني فلا استطيع ان اظلم شخص معي ليس له ذنب.
بالطبع دخلت في صراع مع عائلتي وظلوا يلوموني على ما فعلته لكني كنت مصره علي فسخ الخطوبه، ولم اخاطر مره ثانيه للدخول في علاقه دون أن أفصح عن جزء من معاناتي أولا واصارح من سوف يشاركني حياتي عن تلك الحقائق!! مهما حدث؟
عقد حمزه حاجبيه باقتضاب هاتفاً بفضول
= ولقيتي الشخص ده؟ لقيتي اللي تقدري تحكيله علي كل حاجه عنك ويصدقك ويفضل مكمل معاكي وهو قابل ومتفهم حالتك؟
نظرت إليه عده ثواني و همست بصوت خافت وأنا اتذكر و يدي تمر برفق فوق الأخري بحالميه
= كان زميل لي في الجامعه، أنا كنت دائما اصلا كل سنه بحاول على قد ما اقدر اتجنب اي صداقات من الرجاله والبنات في الجامعه.. بس لما شفته حاجات كثير جوايا اتحركت واتغيرت ناحيته هو بالذات، وانا كمان حسيت أنه جوه حاجه من ناحيتي من اهتمامه الكبير معايا واحترامه لي وانه عمره ما اتعدى حدودو معايا.. كل دي حاجات خلتني اعيد التفكير من ناحيته مش عارفه اذا كان اعجاب ولا حب بس كان احساس حلو اول مره احسه
ثقلت انفاسي وأنا أتابع حديثي باعين تلتمع بالشغف
= فضلنا كده سنه ونصف ما بنتكلمش عن حاجه تخص علاقتنا بس كان في تلميحات بطرق ثانيه منه، لحد نهايه السنه و وقت التخرج اتفاجئت انه بيطلبني للجواز كنت فرحانه جدا بس فرحتي اتطفتي في ثانيه لما افتكرت اللي انا مخبياه طول الوقت.. وافتكرت برده الوعد اللي انا اخذته على نفسي ان اذا دخل راجل في حياتي ثاني لازم اصارحه بالحقيقه عشان ما احسش بالذنب من ناحيته
أردف حمزه متسائلا مضيق عيناه بتركيز عليه
= وحكيتلي كل حاجه حصلت معاكي زي كده بالتفصيل؟
وكاني هنا قد رجعت مره ثانيه الى ارض الواقع، وقد امتلئت عيناي بالدموع
= بعد خطوبتنا باسبوع صممت انه لازم يعرف، و حكيتله بس مش كل حاجه، قلتله ان انا اتعرضت لي اعـ..ـتداء جـ..ـنسي بس ما قلتلوش مين اللي عمل فيا كده ولا انه حد من اهلي قريب مني، كالعاده بقول نص الحقيقه وانا خايفه من رد الفعل
عقد حمزه حاجبيه بدهشة وقال بفضول
= وعمل ايه بعدها
اجابته بصوت مرتجف وأنا امسح عيني بيدي بجمود
= اختفى!
نظر إليه حمزه باضطراب قائلا بعدم فهم
= بمعنى ايه اختفى كان عاوز وقت يعني يفكر ويراجع نفسه هيقدر ولا لا يكمل معاكي؟
ظليت اتطلع اليه بصمت عدة لحظات و الألم ظهرت علي ملامحي بسهولة وضربه من جديد ممزقاً بقلبي.. لكنني تنحنحت قائله بعدم مبالاه بالنهاية و أنا احاول ان ابدو متماسكه
= لا اختفى بالمعنى الحرفي يعني ما بقاش يظهر في حياتي اختفى وما لقيتهوش بعد كده قدامي وما اعرفش راح فين لحد دلوقت، بس مش محتاجه تفكير كثير اكيد بعد عني عشان حس أنه مش هيقدر يكمل مع واحده زيي
عندما رأي حمزه الالم يرتسم على وجهي فور سماعه كلماتي تلك التي اشعرتني بالإهانة حينها، هز رأسه وهو يده تضغط بقوة على اطار الطاوله أمامه ثم زفر بحنق قائلاً و أنا ارفع وجهي اليه
= ريحانه ما تقوليش على نفسك كده وانا اسف يعني بس هو انسان جبان لان حتى لو مش قادر فعلا يكمل معاكي بعد إللي عرفه عنك كان على الاقل يقف قدامك ويقول لك انه مش عاوز يكمل بس عشان هو جبان ما قدرش يواجه! لكن انتي ما لكيش ذنب انتي كنتي ضحيه وكنتي عاوزه تكوني صريحه معاه وما تكذبيش عليه.. انما هو اللي مش قد المسؤوليه ولا اد الحب اللي حبيتيه لي، عشان كده بكل بساطه اختفى وهرب... بس انتي ما تستاهليش كده ولا انك تحسي لحظه واحده انك قليله في نظر اي حد مهما كان مين
اومأت برأسي بصمت فقد كنت بحاجة إلى تلك الكلمات بهذا الوقت اكثر من اى وقت مضى حتى اهدئ ما يثور بداخلي من خوف و قلق فانا أصبحت كلما أسير بطريق جديد اعلم مدى قذارة الناس المحيطة بهم... اخذ حمزه ينظر إليه بحنان محاولة تهدئتي و امتصاص حزني فقد كان يعلم مدى صعوبة ما يحدث عليا..
ثم رأيته متناول من بين جيبه منديل أبيض من القماش المطرز بشكل جميل واضعاً اياه فوق الطاولة امامي وهو يتطلع إليه مبتسم بهدوء وبعدها لينهض للخارج..
بينما أنا استغربت ثم رفعت يدي بتردد لأخذ المنديل لامسح دموعي دافناً بوجهي وانا أتنفس لاشتم رائحته فيه بعمق ابتعدت قليلا على وجهي وقد فتحته لأجد مكتوب عليه بخط صغير بالخيط الذهبي "الأمل لا ينطفي" لاجد نفسي ابتسم بخفه دون اراده.
❈-❈-❈
تشدد جـ..ـسد زبيده بذهول وصدمه فور سماعها كلماته الاخيرة تلك و صوت اسماعيل الغاضب يعصف بانحاء الارجاء بقسوة
= سؤالي هنا انتي كنتي فين من كل ده؟ عايز اعرف ما كنتيش تعرفي ولا عندك خبر عن القرف اللي بيعمله ابنك في بنات الناس ومع اكثر من واحده.. ردي عليا كنتي فين من كل ده؟
قـبـل عـده سـنـوات!
في أحد المدرسة المشتركه بين صبيان وفتيات، بداخل مكتب المديره كان هناك صياح واصوات عاليه والجميع يتحدث في نفس واحد.. بينما هتفت زبيده بنفاذ صبر وضيق
= انا مش فاهمه منكم حاجه ممكن واحد بس اللي يتكلم عشان نسمع بعض، دلوقتي حضرتك اتصلتي بيا وجبتيني على ملا وشي وقلتلي ابنك عمل مصيبه اديني جيت، ايه هي المصيبه اللي عملها بقي
صمت الجميع قليلا لتتحدث الاخصيه الاجتماعيه بالمدرسة قائله بجدية
= يا مدام زبيده الطالب حمدي كذا مره نلاحظ عليه سلوك غريب ومش كويس ،يعني لما الاطفال بينزلوا مع بعض حوش الالعاب بيستغل أن البنات بيلعبوا و بيدخل وسطيهم ويفضل يضايقهم ..الاول قلنا انه طفل مشاغب وبيلعب وبيغلس عليهم عادي.. لكن لما توصل انه يحـ..ـضن ويـ..ـبوس البنات اظن لازم اقول لحضرتك واجيبك عشان تتصرفي
عقدت زبيده حاجبيها بدهشة و استنكار قائله بعدم فهم
= اتصرف في ايه ما انتي قلتيها بنفسك طفل صغير وعاوز يلعب وبيغلس عليهم عادي مش اكثر
اتسعت عينا الاخصيه بصدمه وغضب مكتوم من اجابتها وعدم اهتمامها بالموضوع لتقول بلهجة ساخره
= يعني حضرتك شايفه لما يحـ..ـضن ويـ..ـبوس بنت زميلته في المدرسه هنا بالغصب كده لعب! لا معلش ده اسمه تـ..ـحرش، ولازم ابن حضرتك يعرف ان السلوك ده غلط من دلوقتي و لازم يتعاقب عليه كمان عشان ما يكرروش ثاني
لويت زبيده شفتها بسخرية واستهزاء فهي لا ترى أي خطوره بالامر لتقول قبل ان تستدير اليها مغمغة بحدة و نفاذ صبر
= تـ..ـحرش مره واحده، ده طفل عنده تمن سنين حضرتك واعيه علي كلامك انتي مالك مكبره الحكايه كده ليه ما تركزش معاه وهو مش هيعملها ثاني، هو ده يفهم يعني ايه تحرش اصلا ده طفل صغير
كادت أن تتحدث الاخصيه مره ثانيه بحده لكن اوقفتها المديره باشاره بيدها بهدوء لتتحدث هي قائله بوقار
= استاذه زبيده الموضوع كبير اصلا وهي بتبدا من السن ده الجـ..ـسم والعقل بيبدا يوعى ويركز في اللي حواليه وهو فعلا لو موضوع كان اتكرر مره واحده ومعدهاش ثاني كنا ما ركزناش معاه ولا جبت حضرتك لحد هنا، وبعدين جاءلنا شكوى من زمايله البنات في الفصل معاه اكثر من مره، الافضل تخلي بالك منه من دلوقت بدل ما يضيع والموضوع يتطور معاه.. ولازم تقعدي معاه وتفهمي هو بيتفرج على ايه ولا بيشوف إيه عشان يعمل السلوك ده
تحول وجهها إلى اللون الأحمر بعصبية شديدة ، ونهضت بحدة عندما شعرت من الطريقة التي تتحدث بها أنها تعني أنها كانت أم مهملة في تربية طفلها. صاحت بصوت حازم جدا.
= لا انتي زودتيها قوي وانا هخلي ابني مثلا يتفرج على ايه عشان يتعلم حاجات زي كده ما تحاسبي على كلامك ،ما هو العيب عليا انا، أنا إللي جبت ابني مدرسه زي كده كنت فاكرها محترمه شوفي انتي يا حضره المديره اللي أنتم بتعلموا للاطفال اصلا قبل ما تحاسبيني، و ما تجيبوش اهمالكم فيا
***
بداخل منزل زبيده كانت زبيده تقف بداخل غرفه حمدي البالغ من العمر اربعه عشر عاماً، فكانت تنظف الغرفه باهتمام حتي وصلت الى مكتبه لتفتح الادراج لتنظفها من الداخل لكنها توقفت عما تفعله بدهشة عندما وجدت بعض المجلات الابـ..ـاحـ..ـيه والصور لفتيات عـ..ـاريـ..ـة بدون ملابس تقريبا، شهقت زبيده بعدم تصديق و شعرت بالاشمئزاز منهم.. ليدلف في نفس اللحظة حمدي من الخارج الذي تجمد مكانه من الرعب عندما وجد والدته تمسك هذه الاشياء بيدها، ابتلع ريقه بصعوبة بالغة وهو يتقدم منها بتوتر شديد
= يا ماما قلتلك بدل المره عشره ملكيش دعوه باوضتي وانا اللي هاروقها بنفسي برده بتدخلي الأوضه من ورايا
نظرت إليه بحده وقالت بصوت غاضب
= هو انت مفكر نفسك قاعد في لوكنده انا ادخل الاوضه اللي تعجبني يا بيه وبعدين ما تداريش في الكلام ايه القرف ده، ايه المجلات والصور الزباله دي بتعمل ايه في الاوضه
صمت حمدي بخوف وقلق يفكر ثم هتف مرتبك
= دي بتاعه واحد صاحبي ونسيها معايا
ضغطت زبيده علي شفتها بغيظ شديد ثم قالت بحده
= يبقى ترجعله على طول وما تصاحبش اشكال زي كده تاني فاهم
اوماء برأسه عده مرات بارتباك بينما ألقت والدته المجلات والصور بوجهه وهي ترمق حمدي بنظرات تملئها الاشمئزاز
= امسك الله يكسفك ده انا مش قادره ابص فيها كاتك القرف انت وصاحبك
❈-❈-❈
كان حمدي يسير في المنزل بخطوات مذعورة وهو يستمع إلى صياح والدته من النافذه في الخارج مع احد الجيران، ظل حمدي واقفة في مكانه بتصلب يتطلع باعين متسعة بالخوف حين اقتربت منه والدته بوجه قاتم، ليقول متسائلا باستفسار بصوت متوتر
= في ايه يا ماما؟ صوتك طالع بره مع مين هو انتي كنتي بتتخانقي مع الجيران
اقتربت والدته منه بينما اخذ جـ...ـسدها يهتز من شده الغضب الذي كان يعصف بداخلها هاتفه بنبره شرسه
= تعالي هنا يا أستاذ يا اللي على طول جايبلي المشاكل ووجع الراس مع الناس.. هو انت صحيح بتقف على ناصيه الشارع مستني بنت عمك محمود اللي ساكن في الدور الخامس وضايقت بنته او لمـ..ـستها
نظر لها حمدي و وجهه شاحب من شدة الخوف والرعب بأن يتفضح امره وتعرف والدته الحقيقه بان بالفعل يتـ..ـحرش بابنه صاحب العمارة، ليندفع قائلا بسرعه ولهفه
= دي كذابه طبعا وانا هعمل حاجه زي كده ليه انا مالي ومالها ده هي اللي حاولت تكلمني وكانت عاوزه تديني رقم تليفون البيت بس انا ما رضيتش تقوم تلبسني مصيبه .. اوعي تصدقي حاجه زي كده يا ماما انا عمري ما هعمل كده طبعا
زمجرت زبيده من بين اسنانها وقد اوشكت علي ان تفقد السيطرة علي غضبها وهي تقول بحده
= انا برده قلت كده تلاقيه هو عشان متغاظ مننا و عاوز يمشينا من العماره ويبيعها بسعر اعلى.. فتلاقيه فكر يجيبها من الناحيه الثانيه ويقولي ربي ابنك إللي بيضايق بنتي في الراحه و الجايه لاما تمشي من هنا
هز رأسه بسرعه حمدي مرددا بالتاكيد حتى ينفي التهمه عنه
= ايوه بالضبط كده.. تلاقيه عشان عاوز يمشينا من العماره.. وبعدين هي مين دي اللي ابصلها دي طفله ما كملتش سبع سنين قدي دي عشان اجي جنبها ولا افكر اعاكسها حتي
هزت رأسها بضيق لتقول بنبرة غليظة حادة يتخللها التهكم
= بس بعينه بالعند فيه انا قاعده فيها طالما وصلت انه يتبلى علي عيالي بالباطل
ظل اسماعيل يقف بمكانه عدة لحظات بجمود و هو يتطلع الى والدته باعين مظلمة ممتلئة بالغضب العاصف قبل ان يقول بصوت ساخراً بحده
= وانتي كنتي بتصدقيه على طول وتثقي فيه للدرجه دي؟ يعني كل اللي حواليكي كانوا غلط وهو الوحيد اللي صح
ابتلعت الغصة التى تشكلت بحلقها وهي تتذكر
جميع ما حدث و الشكاوي التي كانت دائما تاتي إليها بسبب ابنها حمدي لكنها حينها لم تأخذ خطوه واحده ضده للعقاب ولا للتحدث معه عن اخطاؤه لتقول هى بينما تقاوم بصعوبة الدموع التى انسابت بصمت على وجنتيها و هى تدرك بانه ليس لديها اعذار ولا أحاديث لها فائده له
= مش هنكر اني اوقات كثير كنت بصدقهم أو أشك بس كنت بكذب نفسي وبكذبهم هم كمان واقول لهم لا ابني ما فيش احسن منه ولا في اخلاقه وتربيته وعمره ما يعمل حاجه زي كده غلط أبدا، انا ابني دائما صح و عمره ما يكذب ولا العبه تطلع منه.. كان لازم اطلع ابني بريء في نظرهم ونظري انا كمان!! و كنت بقول طيش شباب وهيروح لحاله لما يكبر ويتجوز هيعرف يفرق بين الصح والغلط بس ما توقعتش ان الامور توصل لكده أبدا
هتف اسماعيل بصوت ممتلئ بالغضب
= وهو هيعرف الصح والغلط منين اذا كان امه نفسها مش معترفه انه غلطان وبتدافع عنه وعن اخطاؤه وبتلاقيله حجج واعذار عشان يفضل مستمر في الغلط
ليتوقف لحظات وعقله يراجع كلماته ليشعر بالم حاد بين ثبات قلبه يعتصره بعنف وقسوه ، ليتحدث وهو يشعر بتانيب الضمير فهو ايضا كان يزيف حقيقه المجتمع الى ابنته مثلها
= وانا كمان كنت بصور حقيقه المجتمع وارسم لي بنتي حقيقه ثانيه مزيفه عشان ما تتصدمش بالواقع. ويا ريت جاءت على كده وبس لا كمان كنت بجيب الغلط على الضحية زيي زي غيري ،يمكن تكوني انتي السبب كمان عشان ربيتينا كده من البدايه
اتخذت زبيده خطوة نحوه و قد ألمتها سماعه كلماته تلك ولكن توقفت عندما رفع اسماعيل عينا ينظر بعجز الي والدته التى اشتد بكائها مما جعله يومأ برأسه نحوها بحزن هامساً لوالدته بصوت مختنق
= وانتي كمان السبب في اللي وصل له ابنك بسبب دلعك الزياده لي، انا فاكر إني كنت دائما بقول لك زمان خفي دلعك الزياده لي انتي كده هتضري مش هتصلحي بس انتي كنتي دائما شايفه انك صح وتقوليلي سيبني اعوضه، على الأقل انت واختك شفتوا ابوكم وعشتوا معاه شويه قبل ما يموت.. لكن هو يتيم الاب من وهو عنده سنتين وما لحقش يشوفه ويشبع منه.. وادي النتيجه في الاخر اول ناس اذاهم هم اهله فرحانه دلوقتي مبسوطه بتربيتك ولا لسه؟
أنزل رأسه بعجز وقله حيله و هو يهتف بشراسة و غضب و قد بدأ يفقد السيطرة على غضبه فكل ما يحدث يضغط على اعصابه و قوة تحمله سيجن حتماً
= انا كنت بعتبر ابنك أبني أنا كمان مش اخويا بس، و رغم ان احنا من ام واحده بس، لكن عمري ما حسسته بالفرق ده وكنت بحاول اعوضه واعتبرته اخويا بجد وفي الاخر يطعني في ظهري ويؤذيني الاذيه دي قوليلي انا عملت له ايه عشان ما يلاقيش غير بنتي ويكسرني بيها الكسره دي.. قوليلي ايه الغلط اللي انا عملته مع ابنك عشان يضرني في بنتي ويوجعني كده، قوليلي انا قصرت في ايه عشان يحسرني على شباب بنتي كده ويوجع قلبي عليها
اجابته زبيده قائلة و القلق و الخوف عليه يعصفان بداخلها وهي تمسح بيدها المرتعشة الدموع العالقة بوجنتيها
= حقك عليا انا يا ابني معلش
اتسعت عينا بشراسة ليجز علي اسنانه المطبقة بقسوة ليصيح باعين ممتلئة اخيراً بالادراك... كما لو كانت هناك غمامة على عقله و تم ازالتها، صائحا بعنف شديد
= معلش! ليه هو ابنك كان داس على رجلي بالغلط.. بس ليكي حق تشوفيها حاجه عاديه ما انتي عمرك ما هتحسي بيا ولا تتخيلي انا حاسس دلوقت بايه ،انا حاسس نفسي مش راجل ما قدرتش احمي بنتي وما زلت عاجز ومش عارف اعمل ليها ايه مش قادر حتى اطلب منها تسامحني! ما هي هتسامحني على ايه ولا ايه؟ على اهمالي ليها واني ما كنتش الاب اللي هي تستاهله ولا صدقتها ولا كنت جنبها في اكثر وقت محتاجه لي، ولا عارف اجيبلها حقها ومن مين من اخويا؟ اقول لك على حاجه انتي بتحمدي ربنا أن إبنك دلوقت مات، عشان انا اللي كنت زماني قـ..ـتلت بيدي دول لو كان لسه عايش..
وضعت والدته يدها فوق فمها بضعف وهى تنفجر باكية بشهقات ممزقة بيأس ثم تحرك وهو يسير بثقل على قدميه قائلاً بهدوء يعاكس الاعصار القائم بداخله
=جايز مش هقابله في الدنيا بس اكيد هقابله في الاخره و ساعتها عمري في حياتي ما هسامح!
اشعلت كلماته تلك الالم الذي ينبض بداخلها وقد تذكرت والدته أن الذنب الذي فعله ابنها ليس قليل علي المغفرة والتسامح فهو توفاه الله وهو كأن يفعل ذنب شنيعه من الكـ..ـبائر ولم يفكر في التوبه طول حياته مطلقاً ولا فكر بأن الله شديد العقاب.
يـتـبع.