-->

رواية - كما يحلو لي - نسخة حصرية (النسخة القديمة) - بقلم بتول طه - الفصل الثاني والثلاثون


 رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه 

حصريًا لمدونة رواية وحكاية



 هذه الرواية  لا  تتحدث  عن  السا دية والترويج لها أو الغرض  منها  مناقشة  اضطراب السا دية.

بينما تتحدث  عن  علاقة  أحد  أطرافها سا دي  والطرف  الآخر  يرفض  هذا بكل  كبرياء  بل  ولم  يتعود على  أن  يتحكم  به أحد.

 

فيا  تُرى  كيف  سيستمر  كل  منهما  مع الآخر؟



تصنيف الرواية

روايات رومانسية، رومانسيه، حب، اجتماعية، دراما، قصة، خيالية، قصص رومانسية، روايات للكبار


حوار الرواية

حوار باللغة العربية الفصحى، لهجة فصحى


حصريًا لمدونة رواية وحكاية

❈-❈-❈


الفصل الثاني والثلاثون



- ما اللعنة التي ستشكل فرقًا على كل حال؟

 

تساءلت وهي تتطبع كلمات البحث أمامها ظلت تبحث عن الكثير حتى شُتت عقلها أكثر وأكثر... وجدت الكثير والكثير وهناك ملايين الآراء المتضاربة بشأن الأمر بحثت عن الفرق لتعلم أن هناك اختلافا كبيرا بين الرجل المسيطر والسادي مثلما أخبرها من قبل!

الكثير من منتديات غريبة، أكملها غربية، بالطبع من سيتحدث عن أمور تتعلق بالجانب الجنـ ـسي بهذه الحُرية لن يكون سوى بمجتمع غربي!

تنهدت بشرود وهي تستغرق بالتفكير وعقلها يُمانع تقبل الأمر لتُفكر بينها وبين نفسها، هي ترى الاستمتاع بعينيه كلما آلمها! هل هذا مسيطر أم هناك بعض السا دية بشخصيته؟ عندما كانا بالغرفة سَوِيًّا أخبرها عند البداية أن تتحدث عما يؤلمها وما ترفضه ولكنه لم يتوقف بعدها! وكأنه يستمتع بكل صرخة وتألم منها؛ ما الذي تتعامل معه؟ من هو حَقًّا؟ وماذا يريد منها؟ هل كل ما أراده المتعة فقط؟ ما المتعة والسبب خلف هذا؟ وعلى الرغم من كل ما مر لا تستطيع الاقتناع بالأمر!

 

وكذلك لم يأت معها أما أُسرتها بأكملها بعد أن قام حَرْفِيًّا بطردها وصرفها عن منزله، وهي أول مرة تعود بعد غياب طويل، وهي عروس لتوها، كان عليه التواجد بجانبها كأي زوج حتى ولو كان بينهما الكثير من المشاكل... اللعنة... هي تشعر أن عقلها سينفجر حتمًا؛ عليها التحدث لأي أحد بأقرب فرصة ممكنة، أحد مختص، وإما هذا الزواج يستحيل أن تنجح به دون فقد عقلها، ستصبح مجنونة حتمًا لو استمرت في محاولاتها الفكرية كي تفهم تصرفاته!

 

وأخيراً اتخذت قرارها فيما ستبدأ به بعد تشتت هائل ثم أغلقت حاسوبها بعد ما توصلت له من معلومات ساعدتها في اتخاذ قرارها، وما زال هناك أملًا بداخلها تجاهه... لا تعلم ما سبب هذا الأمل البغيض بداخلها بعد كل ما رأته معه بتلك الأيام الماضية واختبرته!

 

 

 

حسن، هناك الكثير من الإجابات بداخلها لهذا، رغبتها في عدم الفشل أمام الجميع، أحكام الناس وهم يتحدثون عن "روان صادق" الفتاة التي بعد رفضها للكثير من عروض الزواج تحصل على الانفصال بعد شهر واحد من زوجها، وهناك أيضا رغبة مُلحة بداخلها أن ترى بعض السعادة على وجه والدتها، لقد كانت كلمات مُربيتها صحيحة، لم ترها بمثل هذه السعادة سوى بيوم حفل عُرسها، ومنذ قليل، وهي بالكاد رأتها بمثل هذه الفرحة منذ وفاة والدها! ولتترك سببا أخيرًا مثلها كمثل أي فتاة تحمل بداخل قلبها بعض المشاعر للرجل الذي تزوجت منه... مشاعر كراهية وإعجاب على حد سواء!

 

ما هذا الخرف الذي تُفكر به؟ كيف تعجب فتاة برجل وتكرهه على حد سواء؟ يبدو أن كثرة التفكير والتشتت أفسدت مقدرتها على صوغ ما تشعر به وتقرره في الآونة الأخيرة!

 

حاولت أن تغمض عينيها علها تشعر ببعض الاسترخاء وهي تعيد ظهرها للخلف لتشعر مجددًا بذلك الألم الذي يشتد التلقائية منذ أن قسى عليها بمنتهى القسوة وهو يلقي بها أرضًا ويقيم معها علا قة حميـ ــمة بمثل هذه الطريقة لتنفجر غضبًا بداخلها ثم نهضت بغيظ من حوض الاستحمام وارتدت رداء الاستحمام وعقدت رباطه حول خصرها وتوجهت للغرفة ثم تطلعت جـ ــسدها وتفحصته بالمرآة لتجد وجود آثار أو علامات عليه بعد ما فعله معها، لتشعر بالتقزز وهي بمفردها، أتنص سعادة الزوج أن تتقبل أن يفعل بها هذه الأفعال التي تؤدي لتتخضب بمثل هذه العلامات؟!

زفرت حانقة ثم توجهت لتبدل ثيابها إلى ملابس مُريحة ثم اكتفت بتخليل أصابعها بشعرها دون أن تعقده وتوجهت للفراش لتلمح من جديد تلك الرسالة التي تنتظرها لقراءتها لتزفر بحنق وزمن شـ ــفتيها وتوجهت لتجلس وبمجرد مـ ــس جـ ــسدها للسرير شعرت بالألم بنهاية ظهرها لتلعن بداخلها كل الرجال وليس هو وحده وحاولت الاستلقاء كي تنام علها تحصل على بعض الراحة ولم تكترث لتفقد كل ما أعده إليها ولكن من جديد هي تفشل!

نهضت جالسة مرة أخرى وامتدت أناملها بتردد لتتلمس هذا الصندوق وقامت بفتحه وتفقد محتوياته لتجد به رسالة، ما الذي يود قوله؟ إنه مجرم سابق؟ هذا وحده ما ينقصه، فهي تُصدق أنها رأت أسوأ ما به ولا تتوقع أن هناك المزيد ففتحت الظرف تمزقه بغيظ لتجد أن الرسالة قد كُتبت بخط يده الذي لا تتذكر أنها رأته قبلًا وشرعت في القراءة:

يبدو أنني لست معكِ الآن لهذا قد تسلمتِ هذا الخطاب... قررت يومًا ما أن أعطيه لكِ دون وجودي، ولقد كتبت هذا بعد ولقد كتبت هذا قبل زواجنا بيومين...

 عليك التحمل قليلًا إلى نهاية رسالتي، أنا لم أقم بكتابة رسالة من قبل... هذه مرتي الأولى... وأنتِ لا تحتاجين لمعرفة كمْ عدد الورقات التي انتهت بسلة المُهملات وسبقت هذه الأوراق بيدك... تحملي رجاء فلقد عانيت أنا الآخر وأنا أكتب هذه الرسالة...

لا أعلم حقاً كيف تطورت علاقتنا وأنتِ تقرئين هذا، لربما نحن بأفضل حال، وأتمنى أننا لسنا بحالة يُرثى لها، فأنا أعلم جيدًا أنني لست الرجل الأفضل، ويصعب للغاية التعامل معي... وبداخلي أتمنى أنكِ تقرئين كلماتي بعد مرور الكثير على زواجنا. ِ...

أياً كانت المرحلة التي نمر بها سَوِيًّا في وقت قراءتك كلماتي، كل ما اطلبه منكِ هو أن تصبري... الصبر هو الحل الوحيد مع رجل حاد الطباع، بل، والمزاج أيضًا... ولكنه على يقين أنه يعشقكِ...

أعلم أنني لست شخصا سلسا المعشر، ولكنني أعلم أنني اخترتك حتى تكوني زوجتي وشريكة حياتي، ومؤخرًا أشعر بأنني محظوظ لوقوعي في عشقك روان...

أريد أن نصبح كيانًا واحدًا، أن نحظى بالسعادة معًا حتى ولو كنتي غير سعيدة الآن... كل ما اطلبه منكِ هو أن تنتظري وترفقي بي، أنا لم أمر بهذا قبلك، كل شيء جديد عليكِ هو جديد علي أنا الآخر...

نحن نتشابه روان... نتشابه أكثر مما تتخيلين... كل هذا جديد علينا نحن الاثنان، أعلم أننا نريد الأفضل بكل شيء...

أعدك سيكون كل شيء بخير فقط ثقي بي ودعي الوقت يمحو كل ذكرى تتمنين أنها لم تتواجد ولم تحدث من قبل...

أنا أشعر بالكثير نحوك، مجرد رؤيتك حتى ونحن نتجادل تُسعدني، النظر إليك يَكْفِينِي عن كل شيء آخر بالدنيا... ثقتي بأنني بالقرب منك تمنحني القوة والشجاعة بأن أقدم على الكثير... أتمنى بأنك تشعرين بالمثل...

سأرتكب الأخطاء، سأتعثر، سأغضب وسأصمت، سنتحدث وسنتجادل، كل هذه تخمينات ليس من المستبعد حدوثها، ولكن ما يستحيل حدوثه هو أن أتوقف عن عشقك بعض ما ظننت أنه يستحيل أن أقع في العشق مرة أخرى...

لقد جعلتِ المستحيل واقعًا وممكنًا، لذا؛ أنا متأكد أنه بعد مرور المزيد من الوقت يُمكنكِ جعل الممكن مستحيلا...

لو هناك امرأة ستُغيرني لن تكون سواكِ أنتِ... لقد قمتِ بفعلها مرة وأظن أنكِ ستفعلينها آلاف المرات بكل سهولة...

ولكن مع الوقت روان، لا تتغير اَلدُّنْيَا بين ليلة وضحاها وكلانا نسلك طريقًا غريبًا جديدًا علينا لأول مرة في حياتنا ولا نعلم ما نهايته... الوقت هو الحل الوحيد كي ننجح معًا...

سأحاول وأنا على ثقة بأنكِ لن تخذليني في النهاية، ولو فعلت أنا وخذلتك لن أتوقف عن طلب الغفران منكِ حتى تغفري... ولو أن هذا مغاير لكل ما تعودت عليه لسنوات ولكنكِ تستحقين أن أثابر من أجلك...

 

زوجك.. عمر يزيد

 

حتى رسالته لا تُسبب سوى الشتات! امتلأت عيناها بالدموع المكتومة وابتلعت ثم نظرت للرسالة من جديد ولتلك الحروف المكتوبة بأنامله وبحثت لوهلة بداخلها وهي تحاول أن تصوغ ما تشعر به، لتجد كلمة واحدة تعبر عما بداخلها بعد قراءتها لهذه الكلمات، لم تكن سوى أنها تائهة!

لم تدرِ متى انسابت عبراتها المكتومة ولكم من الوقت استمرت في ذرف الدموع وهي تُمسك بالرسالة بيديها، هل هي تبكي من أجل ما واجهته معه منذ قليل أم منذ ما واجهته معه منذ البداية؟ ويا لتوقيت رسالته، دائمًا ما يؤثر عليها بحفنة كلمات أو تصرف لطيف يبدر منه، حتى لو لم يكن متواجدًا أمام أعينها يستطيع فعلها...

هي تترك نفسها لتُصبح فريسة كلماته، ربما عليها أن تتناسى مقدرته على تشتيتها، ستترك رسالته جانبًا الآن، عليها التفكير مَلِيًّا في القادم... اعتصرت عينيها وهي تُمسك برأسها وبكائها يزداد في محاولة لإيجاد ما قرارها معه، ولكن يبدو أنها لن تتوقف أبدًا لتتساءل بداخلها لماذا يحدث لها كل ذلك؟

لن تُنكر أنها تريد أن تُصبح سعيدة معه، هذا ما تثق به وتأكدت منه، ربما عليها أن تحاول أكثر قليلًا... ربما سيتغير يومًا ما... ولكن بعد ماذا؟ هل بعد أن يُصيبها كسر بأحد أطرافها؟ أو بعد أن تفقد عقلها؟ أو بعد أن تستمع لطبيب يُخبرها بأن زوجها مجنون؟ إلي أي درجة سيؤذيها ثم سيُخبرها بأنه لن يفعلها من جديد؟ اللعنة عليه، وعلى الزواج، وعلى رجال العالم بأكملهم!

تركت الرسالة على المنضدة الجانبية لفراشها ثم نظرت في باقي الصندوق وفتحت صندوقاً صغيراً أحمر لتجد به خاتم زواج وورقة صغيرة كُتب بها:

أعلم أننا لم نذهب سوياً لاختيار خاتم الزواج ولكن أتمنى أن يعجبك هذا ولك الاختيار إذا كنتِ تودين أن تختاري غيره فالعنوان أسفل الورقة

نظرت للخاتم الذي بدا رقيقاً للغاية ولكنه يصرخ بالفخامة. هبطت أول دمعة ممتزجة بابتسامة صغيرة ثم نظرت بداخل الصندوق لتجد علبة أخرى مستطيلة... ففتحتها ثم قرأت ما بداخلها...

لم أقم بِإِهْدَائِك شيئاً بمناسبة زواجنا ولكن ستجدين طائرة للسفر حيث أعلم أنكِ تسافرين كثيراً وأخرى أصغر قليلًا حتى تأتي لزيارتي وقت عملي ربما تودين أن نتناول الطعام وقت راحتنا سوياً وأعلم أن مكان عملي بعيداً نوعاً ما، كلمي أحد الرقمين بالأسفل وقتما شئت أن تقلعي بأي منهما...

اندهشت مما قرأته للتو ثم نظرت بالصندوق لترى شيئاً آخر بصندوق ولكن كان حجمه متوسطا لتفتحه وتجد به مفتاحاً مُعلقاً بسلسلة مفاتيح من الذهب الخالص ومعه ورقة ففتحتها وقرأتها

حافظي على هذا المفتاح واحمليه معكِ دائماً، يوماً ما ستفتحين به مكانًا منعزلًا بعيدًا بداخله قلبي الذي أسرته بداخله منذ سنوات!

لم تدر لماذا استمرت في ذرف الدموع، ارتسمت على شفتيها ابتسامة، هي تريد أن تُصبح سعيدة معه، هذا ما تثق به وتأكدت منه، ربما عليها أن تحاول أكثر قليلاً... ربما سيتغير يوماً ما...

وضعت كل ما جلبه جانب بصحبة رسالته ثم توسدت الفراش خلفها وهي تُفكر من أين عليها البداية؟... حسن عليها الهدوء حتى تستطيع التفكير بوضوح، وأهم ما يجب أن تُجيب عليه أمام نفسها، هل هو وكل ما هو عليه بغرابة أطواره اللاذعة، يستحق المثابرة من أجله؟ هل الأمر بأكمله كاف لتثابر من أجل المشاعر التي تسيطر على كيانها بأكمله كلما كانت معه أو كلما فكرت به؟! الكثير من التساؤلات وفي النهاية لا تجد أبدًا بداخلها إجابة واحدة على أي من هذه الأسئلة العديدة!!

--

 

تفقدت الوقت ولم تُصدق أنها قد سقطت في النوم حتى الثانية صباحًا، ما الذي ستقوله والدتها ومُربيتها الآن وهو ليس بجانبها حتى الآن؟ بالطبع ستذهب أفكارهما بعيدًا بشأن نومها الثقيل كذلك!

تفقدت الغرفة حولها وهي تفرك وجهها لتجد انعدام كل الآثار على تواجده، حسنًا، يبدو أنه لم يأتِ، هذا أفضل... ولكن ما الذي سيقولونه من خلف ظهرها إنها عادت دون زوجها؟ فليذهب للجحيم بعد فعلته، على كل حال ستستطيع التنفس قليلًا دون فحميتين تدفعها للارتباك!

ألم يقل إنه لديه قضية وسيأتي بالمساء كما أخبرها وهو يقوم بصرفها من منزله؟ تمتم عقلها مُفكراً وحاولت ترتيب أفكارها، لقد فقدت حياتها بأكملها بسبب تواجدها مع شخص مثله، ربما عليه العودة إلى روتين حياتها اليومي... ممارسة الرياضة، الاغتسال، تناول الفطور ثم الخروج من المنزل، واليوم لن تذهب حتى للعمل قبل أن تستنشق بعض الهواء الذي لا يُشاركها به...

أخذت تُفكر بالكثير من الخطط التي عليها فعلها ولكن آلام جسدها التي كُيلت لها الأيام الماضية وكذلك صباح اليوم عملت بأكملها على تثاقل جفنيها مرة أخرى وهي تتثاءب وذهبت للنوم...


--

 

دخل الغرفة في هدوء وتمنى ألا تكون مستيقظة فالساعة قاربت على الرابعة صباحاً، توجه لسريرهما ثم خلع حذاءه واستلقى بمنتهى الحذر بجانبها فهو لا يريد أن يواجهها، لا يستطيع أن يفعلها بعد، ضميره لن يُريحه إذا فعلها... هو لا يزال مستمرا في عقابه لنفسه على ما فعله بها ولكنه بنفس الوقت لا يُريد إثا رة التساؤلات حولهما من كل من يبقى معهما بالمنزل!

ظل يُحدق بها، يريد أن يحتضنها ويدفن وجهه بعنقها ولكنه يعلم أنه ليس من حقه، ليس له أن يستحل هذا وهو في فترة عقوبة فرضها على نفسه من أجلها، لا يجرؤ على أن يفعل ما يحلو له وهو يعلم جيداً أنه لم يتغير من أجلها بعد...

تفقد ملامحها التي للتو امتنع عن التحديق بها والتنعم بتواجدها بجانبه لمجرد عدة ساعاتٍ قليلة ليشعر كمْ كان غَبِيًّا للغاية بفعلته التي فعلها، يا ليته لم يتصرف هذا التصرف معها ويا ليته لم يُعاقب نفسه هذا العقاب العسير... ربما اختياره بكامل إرادته أن يبتعد عنها هو أسوأ ما يكون...

اكتفى بمتابعة تلك الأنفاس المنتظمة الرقيقة وتلك الشفتان التي تمنى لو التقمهما بقبـ ــلة رقيقة علها تدرك أن فعلته تلك لم تكن سوى بسبب أنه لا يتحمل مجرد عناق بسبب أنه يُذكره بالكثير مما يُريد نسيانه...

تنهد بإرهاق وحاول أن يسترخي بجانبها وهو يشاهدها في هذه الظلمة التي تعانق الغرفة وتشبث بالضوء الخافت المنبعث من نافذة الغرفة الذي ساعده في تبين ملامحها المثالية وحاول أن يحصل ولو على ساعتين من النوم فهو يُدرك أنه عليه المغادرة قبل أن تستيقظ هي!

--

استيقظت في تمام السابعة بعد أن حظيت بنوم مريح لم يتسنى لها أن تحصل على مثله بمثل هذه الراحة بالأيام الماضية التي كان خلالها مُحاصرًا لها... تعجبت للغاية لأنه لم يكن بجانبها مثل ما عاهدها أنه سيأتي ولكنها شعرت برائحته الرجولية تعم المكان من أول شراشف السرير إلى الأجواء بالغرفة حولها التي توضح أنه كان هنا منذ قليل...

 

بحثت عسليتيها عن آثاره بالغرفة ثم هداها عقلها لتفسير وحيد وتمتمت لنفسها:

-       ربما هو بالأسفل...

 

فكرت لوهلة ثم حاولت أن تجلس ناهضة على الفراش وهي تتثاءب وحاولت إزالة آثار النوم من على وجهها ثم توجهت لآخذ حمامًا سريعًا تُنشط به جسدها استعدادًا لليوم وخرجت بعد ما انتهت سريعًا وهي تجفف شعرها بمنشفة صغيرة وتفاجأت عندما سقطت عيناها على المنضدة الصغيرة بجانب السرير فوجدت هاتفها يعتليها لتهمس بتهكم:

-       يا لك من كريم أَيُّهَا العُمر

أكملت ما نهضت لفعله وتوجهت لغرفة الملابس الملحقة بغرفتهما وبعدها ارتدت ملابسها ثم توجهت للأسفل لتناول فطورها كمثل يوم صباحي بصحبة أُسرتها استطاعت الاطمئنان قليلًا بأنه لا يزال هناك ولو بعض الملامح مما تعودت عليه يومًا ما، صوت والدتها ومُربيتها، تعجل أخيها للذهاب إلى مدرسته، عناقه لها وقبلته الخاطفة وهو يُمسك بحقيبته، لقد اشتاقت لهذا!

ربما كونها أصبحت متزوجة هذا هو الاختلاف الوحيد، اختلاف جعل حياتها تتغير جَذْرِيًّا، جعلها تشرد وتتشتت ثم تعاني حتى تستطيع مشاركة من حولها أطراف الحديث، عذرًا، لماذا هاتف والدتها وأخيها ولم يهاتفها؟ وأين هو وهي تكاد تقسم أنها شعرت بتواجده بطريقة ما؟ أم، هو يتجنبها منذ ما حدث؟! أَيًّا كانت الإجابة، فليذهب للجحيم، هي لا تكترث!

اقتربت لتأخذ مقعدها ثم تحدثت إلى أخيها وهي تعانقه بشوقٍ جارف:

-       لقد اشتقت إليك فارس

بادلها أخوها العناق بحفاوة شديدة وهو يشدد من ضمها إليه وعقب قائلًا:

-       وأنا أيضاً... لم أكن أتوقع من قبل أن المنزل سيبدو هكذا من دونك... لا تفعليها مرة أخرى رجاء

 

ابتسمت له وهي تفصل عناقهما وتفقدته بملامح مشتاقة له ثم سألته:

-       كيف حال دراستك؟

 

أكمل تناول فطوره سريعًا كي لا يتأخر ثم أجابها قائلًا:

-       بخير... شارف هذا العام على الانتهاء

 

أومأت له بالتأكيد ثم قالت ببعض التشجيع:

-       حسناً هذا رائع، ستبدأ بالذهاب للعمل معي بداية من هذه العطلة الصيفية... عليك أن تُسَاعِدنِي قليلاً فأنت أصبحت رجلا بالغا الآن...

 

عقب على كلماتها بسماجة ولكن دون أن يبالغ:

-       أنا رجل أيتها السخيفة منذ الأزل... ما دخل أن أكون رجلًا بالدراسة؟!

 

تناول البعض من طعامه مجددًا ثم سألها ببعض الحماس:

-       ولكن أحقاً سأبدأ بمعرفة كل شيء؟ كيف يسير العمل وما الذي يُمكنني افعله عندما أصبح رئيس الشركة بأكملها؟

 

ابتسمت له بفم ممتلئ بالطعام وابتلعته سريعًا لتجيبه فتطلعتهما والدتهما بحب ممتزج بالحزن وقد دمعت عيناها ولكن لم يلحظها أَيًّا منهما وهما منشغلان بحديثهما الجانبي:

-       تعلم أولًا كل التفاصيل وبعدها لتصبح رئيس الشركة أو اي شيء تريد... خطوة بخطوة عزيزي...

 

نظر "فارس" نحو والدتهما ثم حدثها باستياء:

-       آه ... أمي أرجوك لا تفعليها ... أنتِ فقط لا تُصدقين أنني كبُرت الآن، حتى روان ترى ذلك

 

أومأت له بالإنكار وابتسامة صغيرة علت شفتيها ثم حدثته قائلة:

-       أنا سعيدة من أجلكما صغيري، ولكن عليك أن تفعل كل شيء تخبرك به روان... هل لدينا اتفاق؟

أومأ لها وهو ينهض بتعجل:

-       نعم نعم... لدينا اتفاق... هيا كي لا أتأخر... أراكما لاحقا

 

قبل يد أمه ثم عانق روان وغادر لمدرسته وما إن غادر حتى نهضت روان للذهاب لعملها مُقبلة يد أمها هي الأخرى ولكن بداخلها هي تصمم أن تحظى ببعض الوقت بمفردها دون العمل فِعْلِيًّا كي يستريح ذهنها قليلًا ولم تُرد إثارة أي تساؤلات عنه ثم توجهت للخارج كي تبدأ يومها وهي تحاول تحمل آخر لحظات مع كل الأعين التي تشاهدها وهي تقنع نفسها أنها ستُفكر ببعض صفاء الذهن بعيدًا عن كل من يُحيط بها ولكنها وجدت بمجرد لمس قدماها الأرضية أمام بوابة المنزل عشرة رجال يشبهون لاعبي المصارعة طولًا وعرضًا وسائقها وثلاث سيارات أقل ما يقال عن هذا المنظر إنه موكب لشخصية مهمة وليس لمجرد امرأة تزوجت للتو بالسادسة والعشرين من عمرها!...

 

حاولت التحكم بصدمتها وحثت نفسها أن تتخلص من عدم مقدرتها على التحرك وهي تنظر نحو الرجال والسيارات بذهول ثم تقدمت لتتساءل بصدمة وملامح مذهولة بعد أن حاولت أن تحصل على بعض من التماسك:

- ما هذا؟ من أنتم وما الذي تفعلونه هنا؟

 

تحدث رجل برسمية وهو حتى لم ينظر لعيناه مباشرة وقد كان لائقاً بالاحترام ليجيبها:

- سيدتي نحن هنا لحمايتك... هذه أوامر سيد عمر وسنذهب معكِ أينما تريدين... لدواعي أمنك كما أصدر السيد تعليماته... ثلاث رجال سيقودون السيارات... رجل أمن يلازمك بالسيارة، والسيارتان المتبقيتان ستحمل كل واحدة منهما ثلاث رجال أمن... بالطبع سيارة تسبقك وسيارة خلفك سيدتي...

 

سيدته؟! لأول مرة يُناديها أحد بمثل هذه الرسمية بل وهذا اللقب! نعم... لقد أصبحت متزوجة وهذا ما تحاول أن تتعايش مع حقيقته بشتى الطرق إلى اليوم... فهناك جزءًا بداخلها لا يزال لا يتقبل حقيقة الأمر...

ابتلعت وهي تهمس بتساؤل وهي لا يزال الذهول يعتلي ملامحها ولم تلحظ أن صوتها كان مسموعًا بوضوح:

- أي نوع من الحماية يستلزم أن اذهب لعملي بثلاث سيارات وعشرة

 

ظن رجل الأمن أنها تسأله حَقًّا عن الأمر فأجابها من جديد برسمية:

-       عفوًا سيدتي هذه هي التعليمات لحمايتكِ كما أخبرنا السيد عمر ولن نستطيع مخالفتها

 

حمحمت لتدرك أنه استمع لتساؤلها الذي لم تصدق أنه غادر شفتيها ليُصبح سؤال بصوت ملحوظ ولكنها بالطبع لم يعجبها ما سمعته للتو فقالت بلهجة آمرة:

-       حمايتي من ماذا؟ لا أريد شيئاً غير سائقي وسيارتي الخاصة... هيا اذهبوا وغادروا

 

لا يزال الرجل لا ينظر لها ثم تحدث بخشونة دون أن يتخلى بنبرته عن الرسمية المُطلقة:

-       عفواً سيدتي ولكننا نطيع الأوامر فقط... لن نستطيع المغادرة إلا بتعليمات من السيد عمر نفسه

 

رفعت أحد حواجبها وهي تشتعل غضبًا بداخلها على ما استمعت له من هذا الكائن الذي يُشابه الجبل العتيق لتتشدق بانزعاج:

-       حسناً، سنرى هذا...

 

أخرجت هاتفها ثم هاتفته وهي تشعر وكأنما الغضب يسير بعروقها بدلًا من دمائها وأقسمت لو كان فقط أمامها ستدفعه للجحيم بيديها حتى يتوقف عن تخريب حياتها بتصرفاته وأفعاله التي تجعلها تشعر وكأنه يخنقها وليس يتزوجها أو يعشقها!

ظلت تهاتفه ولكنه لم يجبها ولم يستجب لأي من مكالماتها، عاودت الاتصال ثلاث مرات وهي تطرق على الأرضية بحذائها والغيظ يتآكلها ولكنه لم يستجب بالرد مُطلقًا!!

بدأت في فقدان الأمل بأن يُجيبها وهي تهاتفه للمرة الخامسة وتفقدت الوقت لتزفر بضيقٍ وهي لا تريد أن تضيع وقتها بكل ما لا يُفيد ولم ترد أن تتأخر فتحدثت بلهجة آمرة بحنقٍ من شدة غيظها:

-       لنذهب الآن...

 

أومأ الرجال ثم بدأ كل منهم يتجه لمكانه وتوجهت لداخل السيارة فتوجه أحد الحراس بجانب السائق الخاص بها بعد أن فتح لها باب السيارة باحترام ورسمية هائلتين ثم توجهت لعملها وهي التي كانت تظن أنها تستطيع استلهام بعض الوقت بمكانٍ هادئ ولكنه نجح بمنتهى البراعة في تعكير مزاجها وشتت أفكارها بخصوصه هو نفسه وما عليها أن تقرره بشأنه بداخل عقلها!.

--

 

دخلت مكتبها لتجد مساعدتها الشخصية "علا" تُحييها برسمية وهي تخبرها:

-       صباح الخير، مبارك لكِ سيدتي... حمدًا لله على سلامتكِ

 

بادلتها ابتسامتها بأخرى مقتضبة وهي بداخله تل عن آلاف المرات على تلقيب الجميع لها بهذا اللقب بل ويقومون بمباركتها على هذا الزواج الغريب من زوجٍ غريب الأطوار لا تعرف كيف عليها التصرف مع رجل مثله!

 

أكملت الطريق لتدخل إلى مكتبها بينما تبعتها الأخرى وحدثتها قائلة:

-       شكراً لك علا... أريد قهوة أرجوكِ ثم هيا لنرى ما الذي لدينا

 

أشعلت حاسوبها وجلست وسرعان ما غرقت بدوامة العمل التي لا تستطيع الصمود أمامها منذ سنوات، فهي تعشق العمل، كما أن موت والدها جعل الأمر بالنسبة لها مسئولية حتمية لا تستطيع رفضها أو التخلص منها، لطالما عملت وعملت وأفنت نفسها بالعمل كالآلة تمامًا التي لا تتوقف عن العمل وأحيانا حتى لا تشعر بتأخر الوقت أو بمروره وهي تُسلط تركيزها على عملها طيلة سنوات!...

أومأت لها مساعدتها بالموافقة ورأتها تقوم باستدعاء من يُحضر لها القهوة بينما تفقدت هي بريدها الإلكتروني لتجد كم العمل كثيرًا بمبالغة ليست منطقية أبدًا، هي حتى لن تستطيع أن تنتهي منه لأيامٍ...

--

 

لقد ظننت أن إخفاقك بالعمل كان سببه مرض ابنتك، ولكن تأتي في غضون أيام اضطررت فيها لغيابي عن العمل وتُفسد ثلاث مشاريع بهذه الطريقة وكأنك شاب يتدرب لا يفقه شيئًا عن نظام سلسلة التوريدات وأنت من المفترض أن تكون قدوة نظرًا لكونك مدير القسم!

 

 لم أكن أتوقع هذا منك أبدًا وأنت تعمل هنا منذ أكثر من عشر سنوات... لتعلم إذن أن لديك ثلاث أشهر ليس إلا لإعادة تقييمك، إن لم أجد خلالهم تطور بمستواك الوظيفي سأعلمك ولن انتظر سوى استقالتك ببريدي الإلكتروني! غادر رجاء قبل أن أفقد أعصابي عليك وأنا لا أكن لك سوى الاحترام...

 

زفرت متخلصة من ذلك العبء والمشقة التي دامت لتفاوض دام لأربع ساعات وهي تُشاهد هذا الرجل يغادر مكتبها بعد أن تخلصت من حديثها معه الذي كان بمنتهى الصرامة وأغمضت عينيها وهي تتخلى عن سيدة الأعمال وتعود لتلك الفتاة التي لا تدري ما عليها فعله بينما وجهت ظهرها ناهضة لِوَاحِد من أفضل المديرين الذين تملكهم وهي لا تدري ما سبب تدني مستواه بهذه الطريقة وانتظرت استماع إغلاق باب مكتبها لتستدعي "عُلا" بعدها التي سرعان ما تواجدت أسفل أعينها لتنظر لها بأعين مُعتذرة وهي تحاول أن تؤازرها بعدة كلمات:

- اعتذر لكِ سيدة روان، صدقيني لم أرد أن أول يوم لكِ بعد إجازة زواجك أن يكون على هذه الكارثة...

 

ها هي من جديد تستمع لها وهي تُلقبها بسيدة "روان" يبدو وأن كثيرا من الأمور تغيرت بالفعل:

- لا عليكِ عُلا...

 

نظفت حلقها وهي تتساءل بارتباك:

-       عذرًا ولكن لو كان هناك بعض الوقت فأنا لدي الكثير من الأوراق تحتاج إلى توقيعك، هل لديك بعض الدقائق؟

 

نعم... نعم لديها كل الوقت لتفعل كل شيء سوى أن تحصل على القليل من صفاء الذهن... ابتسمت زافرة بخفوت ثم توجهت لمنضدة اجتماعات بمكتبها لتجيبها:

- بالطبع علا... لدي كل الوقت... اتبعيني واجلسي...

بدأت مساعدتها في إمرار الأوراق لها التي قرأت عناوينها سريعًا وهي توقع دون التفات للتفاصيل فهي تثق بها أكثر من أي أحد بهذه الشركة، فلقد عملت مع والدها والآن هي تعمل معها وبينهما ثقة لا نهائية منذ سنوات ولا تنسى أبدًا تفانيها بالعمل...

--

زفرت ما برئتيها وهي تحاول أن تدلك عنقها من الإرهاق بعد أن انتهت من كمٍّ هائل لا بأس به كاليوم الأول بعد عودتها من إجازة زواجها لتقول بإرهاق:

-       لقد أصبحت التاسعة علا... هيا غادري وسأستكمل أنا المتبقي قدر استطاعتي والبقية سأكملها غدًا

 

نهضت وهي تُمسك بدفتر التوقيعات ثم أضافت وهي تخبرها بعملية ونبرة جادة يتضح عليها الإرهاق:

- بلغي قسم الموارد البشرية أن يبدؤوا بإجراء بعض المقابلات لوظيفة هذا الرجل الذي بات يُفسد كل شيء، وأريد تقييمات كل الموظفين بقسمه فربما قد نستفيد بترقية أحدهم لو كان يملك المهارات اللازمة... أريد تقييماتهم على الأقل للخمس سنوات الماضية، لا أريد الموظفين الجدد...

 

جلست على مقعد مكتبها وهي تتفحص هذه الأوراق مرة أخرى كي تتأكد مما توقع عليه:

- سأترك لكِ الأوراق المتبقية على مكتبي عندما انتهى منها وستجديها بالصباح... تستطيعين الانصراف لو وددت، ولكن فقط قومي بطلب بعض القهوة لي رجاء حتى أستطيع أن أكمل كل هذا...

 

أخبرتها لتوافق الأخرى وهي تومئ لها بالموافقة لتقول:

- حسنًا... شكرًا لكِ سيدة روان على سماحك لي بالمغادرة باكرًا... فقط أود أن أعلمك أن ابنة السيد حاتم مدير القسم بعد فحوصات عِدة لن تستطيع السير مجددًا... ربما هذا ما يؤثر عليه... وغدًا ستجدين كل ما طلبتِه ببريدك الإلكتروني، ليلة سعيدة...

 

كادت أن تغادرها بينما أوقفتها بصدمة مما استمعت له وقالت:

- انتظري علا... لا تتحدثين للموارد البشرية... يكفي العاملين لدينا... سننتظر قليلًا بعد... وليكن تحذيرا له أن يتنبه قليلًا فهذا عمله ولو استمر بالإخفاق به لن يكون هذا جيدًا له أو لنا...

 

أومأت لها بالتفهم ثم غادرت لتُغلق "روان" عينيها في شتات هائل بين غريب الأطوار الذي تزوجته وبين مسئوليات العمل وبين الكثير مما لا تعرفه لتجد نفسها من جديد تغرق بدوامة العمل اللانهائية...

 

بعد حوالي ساعة ونصف شعرت بأنها لا تستطيع مواجهة تعبها الشديد فهاتفت "روان" سائقها وتوجهت للمغادرة وما إن جلست بالسيارة أخذت تتفقد هاتفها ولكن لا شيء منه، لم يقم بالرد على أي من اتصالاتها ولم يخبرها بأي شيء ولو حتى عبر رسالة قصيرة لتتنهد بحيرة مصحوبة بالإرهاق الشديد من كثرة مجهودها طوال اليوم ثم طار حاجباها بدهشة مُفكرة بكل ما يفعله يدفعها للتعجب لتهمس بينها وبين نفسها:

-       هل أردت فقط أن تتزوجني ثم تختفي بعدها؟ متى ستكف عن التصرف بطريقة غريبة أيها العمر؟!

 

فكرت وهي تغلق عينيها مستمتعة ببعض الهدوء القليل فلم يكن الطريق طويلًا حتى منزلهما الجديد... فهو ابتاع لها هذا المنزل بالقرب من المقر الرئيسي لشركاتها فترجلت من السيارة بنفسها بمجرد الوصول بعد دقائق قليلة دون مساعدة من أحد من رجال الأمن الذين عينهم لها ثم دخلت عبر بوابة المنزل تجر قدميها بإرهاقٍ شديد بعد انتهاء يوم كانت تظنه لن ينتهي لكثرة الأعمال المتراكمة خلال تلك الأيام التي غابتها فأنهت كل المطلوب. لتقف للحظة بصدمة وهي تراه جالسا على رأس المائدة يتحدث بأمرٍ ما بنبرة هادئة لم تُفسر ما يقوله من كلماتٍ خلالها لتتعجب فهذا مكان والدتها ولكنه لم يعرها أي اهتمام يُذكر وكأنها شفافة غير مرئية بالنسبة له، ومن ثم "فارس" جالس على يمين والدته ومقعدها على يساره فارغ لتتعجب لماذا لا يزال الجميع مستيقظا حتى الآن فلقد تأخر الوقت للغاية!

توقف عن الحديث ما إن لاحظ وجودها ثم فتح هاتفه ينظر به وكأنه مشغول بأمرٍ ما عليه فلم ترد أن تتجادل معه أمامهما وتثير المُشكلات أمام العاملين بالمنزل ففضلت السكوت حتى يُصبحا وحدهما بمفردهما...

 

جلست على مقعدها وهي تحاول إخفاء غيظها الهائل منه واكتفت بإلقاء التحية على الجميع باقتضاب:

-       مساء الخير...

 

ابتسمت لها والدتها بملامح يشوبها القليل من القلق:

-       كيف حالك ابنتي وحال العمل؟ تبدين مرهقة!

 

ابتسمت لها وهي تبتلع طعامها ثم إجابتها بنبرة لينة:

- فقط عدم الذهاب للعمل منذ بداية زواجي راكم الكثير من الأعمال ولكن قد اهتمت بالأمر، لا تقلقي، سيعود الوضع كما كان بالسابق في غضون أيامٍ قليلة...

 

فجأة تدخل أخيها وهو يحدثها متسائلًا:

- أستطيع المُساعدة الآن أليس كذلك؟

 

ضيقت ما بين حاجبيها وهي تبتسم باستغراب له ليوجه فجأة كلماته إلى "عمر" وهو يسأله:

- أستطيع أن أفعلها أليس كذلك عمر؟

 

نظر له باهتمام بانتظار رده لتتعجب أنه يناديه هكذا بل ويهتم بسماع رأيه فيبدو أن علاقتهما بالفعل قد توطدت دون دراية منها لتجد زوجها قد وجه نظره له وأجابه ولكنه لم ينظر لها وتجاهلها تمامًا:

- بالطبع، أنت ذكي وستستطيع فهم العمل بسرعة... هكذا فعلت وأنا بعمرك، كنت اذهب مع أبي للعمل بالفعل حتى عندما كنت أصغر منك!

 

تدخل صوت "روان" بنبرة حازمة وهي تتحدث إلى أخيها:

- لن تفعل أي شيء حتى تنتهي من امتحانات الفصل القادم... أظنني وضحت هذا قبلًا آلاف المرات وللتو تناقشنا بالأمر بالصباح أثناء تناولنا للفطور!

 

انزعج "فارس" من حزمها الشديد ورفضها المتكرر أن يذهب للعمل ليقول برفض:

- ولكن روان لقـ..

 

قاطعته بنبرة حاسمة لا تحتمل النقاش:

- فارس!! لا أريد مناقشة بهذا، أنا قد وعدتك بمجرد إنهاء اختباراتك ستأتي معي كل يوم بإجازتك...

 

اشتعل "عمر" من طريقتها، هي بالفعل مليئة بالتحكم والكبرياء والحزم بل والسيطرة في آن واحد، حديثها هذا يُبين له أنها لن تُصبح أبدًا ولن تقترب مما يُريد، طاعة ماذا الذي يبحث عنها بها، لن يحدث ولو بأحلامه حتى، ولكن عقله الذي لن يستسلم ويحثه على المثابرة، فكل ما يحاول فعله، هذا النهج الذي يتبعه معها الذي كان مُغايرًا لأي نهج تعامل به قبلًا مع أي امرأة قد يدفعه لبعض الاطمئنان، فهي ليست مثل غيرها، ووجود العشق بينهما قد يُغير الكثير ويدفعها هي الأخرى أن تطيعه في كل ما يُريد... هكذا حاول أن يُسكن نفسه قليلًا تجاه كل ما يسمعه ولا يقبل به، فهو ليس أخيها الصغير على كل حال!

هو لا يريد حَقًّا للأمر أن يفسد بعد كل ما وجده معها، لا يريد أن يترك نفسه أن يستمع للمزيد من الكلمات التي تغضبه، فيكفيه أنه يحاول ألا يتهور معها بالكثير من التصرفات التي تحثه على معاقبتها وتركها لتلك السادية بداخله وهو يلحق بها الكثير من الآلام ولكن عقله الذي لن يستسلم لا يزال يحثه على جذبها من شعرها ليعاقبها وحدهما ويعلمها ألا تتحدث هكذا في وجوده أمام الجميع... ووقع بدوامة من أفكاره المتضاربة تمامًا!

تنهد أخيها ثم تكلم باقتضاب:

-       حسنًا روان... سأفعل ما تريدين... سأذهب كي أنام حتى لا أتأخر عن مدرستي صباحًا... طابت ليلتكم...

 

تحدث وهو ينظر للجميع ثم نهض متوجهًا لغرفته لتُحدثها والدتها بملامح حزينة ونبرة لائمة:

- لم يكن عليكِ أن تتحدثي معه هكذا

 

ظل يتابع حديثهما بنظراتٍ باردة لا تعبر عن شيء، هو حتى لم يتوقف عن تناول طعامه بمنتهى الهدوء بينما عقبت على كلماتها بحزم:

- أمي... أنتِ تعلمين كم هو عنيد، ولحوح للغاية، ولكن طريقته تلك لن تجعله يصل لما يُريد... عموماً تبقى الفصل الدراسي القادم... هو لا يزال بمرحلة الدراسة، لا أريد أن أرهق عقله بالمزيد الآن، على الأقل عليه الانتظار إلى أن يُصبح بالجامعة!

 

نظرت أمامها كي تكمل طعامها فهي لن تجعل كلمات والدتها تُعكر مزاجها بما تبقى من هذا اليوم الطويل ولكنها شعرت بأنها قد بالغت وأصابها تأنيب الضمير فتحدثت والدتها من جديد بلين وهي تحاول أن تشرح لها الأمر:

- فقط ترفقي به قليلًا روان، أنت تعلمين كيف يجدك ناجحة وهو يريد أن يكون مثلك ليس إلا، كما أنه يحبك بجنون وكلمة منك في غير محلها قد تجعله يحزن

 

تنهدت وهي تتوقف عن تناول طعامها ونظرت نحوها باهتمام ثم حاولت أن توضح المزيد من الأمور لتشرح لها هي الأخرى بينما لم تتخل عن حزمها ولكنها فكرت أن تعود لإكمال طعامها فهي لن تجعل بروده وعينيه الثاقبتين تجاهها تقف أمام شهيتها فهي لم تتناول شيئاً طوال اليوم:

- حبيبتي... فارس لا يزال صغيرًا، أريده أن يستمتع، أن يحظى بالأصدقاء ويتمتع بهذه السنوات، أن يُسلط تركيزه الآن على دراسته، لاحقًا سيكون عليه أن يتحمل الكثير من المسؤوليات حتى ولو لم يختر تخصص البرمجة مثلي أنا وأبي على الأقل سيكون عليه المُشاركة بإدارة الشركات معي... لذا لن أتنازل ولن أترفق بشأن دراسته ولا بشأن أن يعيش كمثل بقية الفتيان بعمره... إنه رجلي الوحيد ولا أريده أن يشعر بالضغوطات من صغره... أريد رؤيته سعيدًا حتى يكون رجل مستعد لتحمل المسئولية، أمّا الآن فأنا لا أريده أن يتحمل أعباء ليست مناسبة لعمره الصغير... صدقيني سيشكرني لاحقًا وسيفهم كل ما صممت عليه!

 

فجأة انتفض جـ ــسده عندما انتهت من حديثها ناهضًا لتتعجب هي من طريقته ولكنها لمحت الغضب يلوح على وجهه ثم تكلم ولكن بابتسامة مقتضبة:

- طابت ليلتكِ أمي...

 

دنا ليُقبل يد والدتها ناهضاً لتتعجب من طريقته ولكنها لمحت الغضب به لتدخل رحمة بنفس الوقت ليتكلم بلهجة آمرة:

-       أريد بعض القهوة بغرفة المكتب، على العمل على إحدى القضايا المهمة

 

لم يتوقف ليستمع لأي شيء آخر ولم يتوجه لها ولو بكلمة واحدة مما أشعلها بداخلها غضبًا ولم تكن تعلم هي أو أي أحد أنه يوشك على أن يُحطم المنزل بمن فيه.



يُتبع..