رواية - كما يحلو لي - نسخة حصرية (النسخة القديمة) - بقلم بتول طه - الفصل الثالث والثلاثون
رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه
حصريًا لمدونة رواية وحكاية
هذه الرواية لا تتحدث عن السا دية والترويج لها أو الغرض منها مناقشة اضطراب السا دية.
بينما تتحدث عن علاقة أحد أطرافها سا دي والطرف الآخر يرفض هذا بكل كبرياء بل ولم يتعود على أن يتحكم به أحد.
فيا تُرى كيف سيستمر كل منهما مع الآخر؟
تصنيف الرواية
روايات رومانسية، رومانسيه، حب، اجتماعية، دراما، قصة، خيالية، قصص رومانسية، روايات للكبار
حوار الرواية
حوار باللغة العربية الفصحى، لهجة فصحى
حصريًا لمدونة رواية وحكاية
❈-❈-❈
الفصل الثالث والثلاثون
أخذ عقله يكرر تلك الكلمتين مُفكرًا بينما خلع ربطة عنقه ورمى سترته
دون اكتراث وجلس يحاول أن يهدئ من روعه وغضبه الذي يحثه على صفعها بقسوة.
تمسك بكل ما لديه من سيطرة وبدأت أنفاسه في الهدوء، فقط لولا أنه أخذ
على نفسه عهداً ألا يقترب منها لمدة عشرة أيام لكان فوقها الآن يلتهم تلك
الكرزيتين اللتين تتحدثان دون اكتراث كعقابٍ لها ألا تتفوه بما لا تعيه ولا
تُدركه، يود أن يشعر بطعم دمائها حد اللعنة وهي تتألم مطالبة إياه بأن يتوقف عن
أفعاله.
يحاول بكل ما أوتي من قوة احتواء ذلك اللهيب المتقد بداخله
الذي لم يقل الأحداث التي لا ترأف به منذ معرفتها وهو على يقين إن لم تتعقل معه
بكلماتها لا يدري إلى متى سيُسيطر على نفسه أمامها...
أغلق عينيه بحنق ثم ابتلع بصعوبة وما إن بدأ في مطالعة إحدى أوراق
قضية أمامه حتى فُتح الباب دون الطرق عليه أولًا فتأكد قبل أن يرفع وجهه من هي
الوحيدة التي تستطيع فعلها. فهذا ليس بأمرٍ جديد عليها... ولقد اختبر كلاهما نفس
الموقف من قبل!
توجهت نحوه ثم وضعت القهوة على مكتبه بعد أن أغلقت الباب خلفها فلقد
تناولتها هي من "رحمة" وأحضرتها له ثم قالت هامة:
- وما السر وراء جفائك لي سيد عمر؟ وما تلك الحراسة
المشددة؟ أتعلم أن الن أهرب أن...
بالطبع لن يُجيب على الجزء الأول من تساؤلها واكتفى بأن يُجيب ما
يحلو له من سؤالها بمنتهى البرود الجامد المقتضب بلذاته دون أن يلمحها ولو حتى
بطرف عينيه كي لا يحدث ملا يُحمد عقباه بعد كل مرة حاول بها أن يكف نفسه عنها:
- الحراسة لدواعي أمنك لأن لدي الكثير من الأعداء...
تقدمت نحوه لتتساءل بصدمة وملامح مذهولة:
- أي نوع من الأعداء الذي يستلزم أن اذهب لعملي بثلاث سيارات وعشرة
رجال عمر؟
استكمل تجاهله لها دون أن ينظر إليها وتكلم بنبرة توحي بأن لا طائل
من النقاش معه بينما أجاب سؤالها بمنتهى الثبات ذو الجمود الذي لا يُقهر:
- عدوٍ فُجع بخسارته لأمواله والحكم عليه بالسجن المشدد لخمسة وعشرين
عامًا، أو آخرا خسر تجارته بالممنوعات، أو والد ذو نفوذ لشاب طائش قتل آخر بالخطأ
وحكم عليه بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة... أعداء كثير روان! لن أغامر
بالمساومة عليكِ لأي منهم!
ابتسمت بسخرية وهي تتفقده بغيظٍ عاقدة ذراعيها ثم هسهست ساخرة:
- لدي الكثير من الأعداء فأُجبر روان على الشعور
بالاختناق... يا له من تفكير سليم وقرار ملائم...
رمقته وهو جالس كالصخر الصلد لا يتحرك لتصيح به بندية هائلة:
- واللعنة أنظر لي وأنا أتحدث معك…
أحست بالاستفزاز يكتسح دماءها لينتهي بغضبها من عدم نظره إليها
وكأنها ليست أمامه من الأصل لترفع أحد حاجبيها وهي تكاد تشعر باحتراق يُلم بسائر
كيانها من تجاهلها الذي يستمر به، ففي حقيقة الأمر هي التي يُفترض أن
تتجاهله بعد ما فعله معها وهو يجعلها تعود لأول مرة بعد انتهاء عُرسهما وإجازتهما
بمفردها أمام الجميع لتصرخ به:
- ألم تستمع لكل...
قاطعها بهمسٍ كفحيح الأفعى وهو يُشدد من نطقه للكلمات:
- اذهبي لغرفتك الآن
استمعت لصوته الهادئ بريبة تدب الرعب في النفوس من تلك الطريقة التي
نطق بها الحروف، وأكمل تجاهله لها، لم ينظر لها واستمر في تجاهلها، فقط ارتشف
قهوته وكأنه لا يكترث لها على الإطلاق ولا لتواجدها أمامه ولكن هذا كان بمثابة
أقصى درجات التحمل التي يُمكن أن تتحملها!
رمقته بنظراتها المغتاظة التي تعكس لهيب غضبها وهو يرتشف من قهوته
بمنتهى البرود لتنتعش ذاكرتها بسبب جلسته تلك بتلك المرة التي دخلت عنوة عليه
بمكتبه ولوهلة شعرت أن حظها سيئا لتصرفها يومًا ما باندفاع، فلولا ذهابها له
بنفسها لما كانت انقلبت حياتها رأسًا على عقب بسبب معرفته وقررت بداخلها أن تعدل
عن غضبها وغيظها وأن تحاول التحدث بطريقة أفضل حيث إن تحدي رجل مثله، وبعد تجربتها
للكثير معه، لن يكون تصرف ذكي منها!
- حسن إلى متى سيستمر تجاهلك لي وأنا من المفترض أن
أكون من أتجاهلك ولست أنت!!
انتظرت وظنت أن بعد تبديل
نبرتها لتُصبح هادئة سيُجيبها بينما لم تحصل منه على أي ردة فعل ولو حتى نظرة
واحدة بينما لا يزال ينظر بما أمامه ويتجاهلها تمامًا فحدثته مرة أخرى بمزيد من
الهدوء عليها تحثه على النظر لها حتى:
- عمر!!
ما الذي تقصده بفعلاتك وحديثك مع الجميع سواي؟ ما الذي أخطأت به لتُعاملني
هكذا؟
بالطبع، بخبرتها المنعدمة
بالعلاقات في خضم علاقة مستنزفة مثل هذه لا تستطيع بعد أن تُلاحظ أنها تُلقي
باللوم على نفسها وتشعر بتأنيب الضمير وكأنها بالفعل ارتكبت خطأ بحقه!! هذا ما
يدفعها إليه بشخصيته وهذا ما تتقبله دون وعي منها تاركة نفسها لتغرق بالمزيد من
التوتر النفسي الذي لا نهاية لها منه!
تجرعت حلقها بمرارة وهي
لم تكن لتحلم بأنها من تقف أمام رجل تتوسل نظرة إليها وبعد كل ما فعلته من أجله
ومن أجل أن يسعدا سَوِيًّا يأتي هو ليعاملها بمنتهى الجفاء والصرامة وكأنه حدد
فجأة أنها لا تستحق مجرد نظرة أو نقاش لتشعر بالغضب يملؤها من جديد وتكومت العبرات
لتحجب عسليتيها وهي لا تزال تشاهده ببروده وهو يرتشف من قهوته بين الحين والآخر
ورغمًا عنها تجرع عقلها الكثير والعديد من الذكريات المريرة بصحبته!
حاول التحمل قد استطاعته
وترك مقعده وتوقف عن تناول القهوة التي لم تفرغ بعد ونهض مغادرًا نحو النافذة دون
أن ينظر لها لأنه لو فعل وتلقى منها المزيد من التراهات لن يستطيع سوى أن يؤلمها
ويُعاملها كما كان يُعامل أي امرأة أخرى، وحتى لو كانت مختلفة فإهانتها كان أكثر
مما يتحمله، ربما قد عاهد نفسه أنه سيحاول من أجلها، وربما يحاول أن يتجاهلها
ليُفرض على نفسه عقاب الهجر والجفاء والابتعاد، ولكن أن تستمر في السيطرة على كل
ما تريده لن يحدث أبدًا... . لن يتركها لتُفسد قراراته التي قررها بنفسه!
ولاها ظهره وأمسك بكلتا
يداه يعقدهما ببعضهما البعض بنفاذ صبرٍ علها تُدرك أن التحدث معه الآن لن يُسفر
عنه سوى المزيد من غضبه الذي يكتمه ليستمع لخطواتها وهي تتبعه لتحتل تعابيره عقدة
حاجبيه وهو يحاول التحامل أكثر على غضبه بداخله بينما لم يستطع منع نفسه للإنصات
لكلماتها التي تردد صداها حولهما كلما همست أو صرخت وكأنه في جحيمٍ تُعذبه كلما
تواجدت حوله وفي حقيقة الأمر هو يُريد أن يهرع إليها معانقًا إياها ضَامِنًا لها
بالقرب من قلبه الذي تندفع خفقاته بتوال مجنون كلما أصبحا معًا بنفس المكان...
عج عقلها بالكثير من
الأحداث التي شاركتها معه لتصيح على مقربة منه بعد أن تبعته:
- أنا
أتحدث معك أيها الو غد اللع ين انظر لي وأنا آت...
ولم تستطع أن تُكمل بسبب
مقاطعته إياها بعد التفاته نحوها بنظرة جمدت الدماء بعروقها، كان مرعبا، شعرت
بالخوف، سواد عينيه مخيف حد الموت، لن تكذب هي فقط تتمنى الآن لو لم تأتِ وتتحدث
معه.
أدركت أنها إن لم تُصلح
الأمر سريعًا بأي مبرر كان سيفتك بها لا محالة! مقلتاه، بهذه النظرة، بصحبة
فعلتها، وصوت أنفاسها المذعورة ولهاثه الملتهب من شدة غضبه قد يتسببون في مقتلها
على يديه، لا تستطيع سوى التصديق بهذا...
ابتلعت وهي تنظر لمخارج
غرفة المكتب فإما الحديقة الملحقة بالمنزل وإما هذا الباب ليتصاعد رجيف قلبها
بمزيد من الرعب ثم لمحت النافذة لترى أنها ستتعثر حتمًا لو غادرت منها فهمست
لتحاول أن توقفه عله يغفر لها فعلتها واتجهت نحو باب الغرفة بخطوات بطيئة كي لا
يُلاحظ وهي تتفقده برعبٍ ثم تكلم آمرًا إياها بهدوء لا يتوافق مع نظرته المُخيفة
لم تستطع تفسيره سوى بأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة:
- ستتجهين
إلى غرفتك وأمامك 15 دقيقة كحد أقصى للنوم... إن وجدتك مستيقظة لا تلومين إلا
نفسك على ما سيحدث لكِ
على الفور تحركت قدماها
رغمًا عنها وكأن كلماته كانت بمثابة زر قام بالضغط عليه حتى يُحقق الامتثال
والإذعان لأوامره اللع ينهى التي لا تنتهي أبدًا ولكن هناك جزءًا بداخلها ممتن
أنها تخلصت من ملامحه المُخيفة التي أربكتها ودفعت رجيف قلبها للتعالي حتى قارب
صوته على الفرار من ضلوعها مسببًا لها الألم الخالص!.
❈-❈-❈
بعد مرور تسع أيام...
عشرة أيام وهو فقط يغادر
باكراً ويعاملني بجفاء وقلما أراه بالمساء ومن ثم لا يشاركني الفراش، لا يعاملني
كزوجته، واللع نة عليه أين ذهب هذا الشخص الذي كان معي طوال الشهر الماضي؟!
تشتت عقلها من كثرة
التفكير به، فهو لم يُشاركها الحديث طيلة الفترة الماضية سوى هذه المرة بمكتبه
ومنذ وقتها لم يختبر أي منهما الحديث سَوِيًّا، لم يتشاركا ولو حتى بتحية صباحٍ
وحيدة، وهذا الأمر جعلها تحترق بداخلها آلاف المرات...
حاولت أن تسلط تركيزها
على بقية عملها المتأخر، تدخل بمثل نفس الدوامة كل يوم من السابعة صباحًا حتى
المساء، وكل يوم لع ين لا تجده بجانبها وكأنها امرأة بها عيب ما حتى يتركها زوجها
بمثل هذا الجفاء الذي لا نهاية له... وهي فقط لا تعلم ما جُرمها الذي ارتكبته ولا
حتى لماذا تحول ليُصبح معها بمثل هذه الطريقة الغريبة التي لم تكن تتوقع أنها
ستبدر منه بعد كل ما عايشاه قبل انتهاء إجازتهما...
- ولكنه
يعامل أمي وأخي وحتى رحمة باحترام، ما الذي حدث له؟
تمتمت بدهشة محاولة تفسير
ما يحدث له بهذه الآونة الأخيرة كما كانت حالتها لأيام وعلى الرغم من محاولاتها
العديدة في أن تُلهي عقلها عن التفكير بالأمر لترد له صاع جفاءه وتجاهله إياها لا
تُفلح ومن جديد تجد نفسها مولعة بمعرفة سبب ما يحدث بينهما...
أغلقت ذلك الكتاب بيدها
ووضعته بحنق في درج مكتبها بعد أن أرهقت نفسها باستيعاب أكبر كَمٍّ من المعلومات
لتفهم عمر، أصبحت الآن تقرأ بعلم النفس، بالإضافة إلى السادية التي إلى الآن كل
شخصية وكل كاتب يتناولها من وجهة نظره البحتة وعلم النفس يصرخ بأنها مرض صعب يحتاج
لسنوات كي يتخلص منه صاحبه أو صدمة شيدة قوية مفجعة لتُغير صاحبها!...
أغمضت عينيها وهي لم تعد
قابلة لهذا الضعف الشديد الذي أصبحت به والتفكير المتواصل والبحث واسترجاع تصرفاته
وأحداث علاقتهما منذ بدايتها إلي نهايتها بهذا النقاش بمكتبه الذي لم يتفوه به سوى
بعدة كلماتٍ قليلة لا تسمن ولا تغني من جوعها الشره للتحدث معه ثم شعرت بالأسى على
حالها الذي تبدل بأكمله منذ أن تزوجته...
لن تستمر أبدًا بهذه
الطريقة مع زوج مثله لا يُقدر حتى وجودها واحتياجاتها لزواج طبيعي مثلها كمثل أي
امرأة أخرى، بل في حقيقة الأمر لقد تحملت الكثير من تراهاته لمحاولة إرضائه
وإسعاده وإيجاد أرض وسطية فيما بينهما ليحتدم عقلها بالكثير من القرارات أمامها
لتتحدث لنفسها مُقررة:
- أنا
لن أنتظر كل هذا، لن أدعه ليُعاملني هكذا، يكفي كل ما تحملته وأنا أحاول معه،
سأراه وسأتحدث معه وليعطيني سببًا لكل ذلك الهروب والتجاهل وإلا لن أكترث حتى
لو أنهينا كل شيء بيننا الآن! سيكون أفضل على الأقل بدلًا من تفكيري المتواصل
الذي يؤرقني...
آخذت قرارها وتوجهت
لتنفيذه دون أي تريث ولا تراجع، لقد طفح الكيل من تجاهله واستسلامها له، هذه
الشخصية الضعيفة لم تكن عليها يومًا ما ولقد جعلها هذا الزواج برمته هشة مهترئة لا
تقوى على فعل شيء مما جعلها تشعر بالتقزز تجاه نفسها واتجهت لتغير كل هذا الأمر
بأكمله! فإما الآن وإما أبدًا...
❈-❈-❈
- لقد
أُرهقت صوفيا من كل شيء... أنا بالكاد أتحمل الابتعاد عنها... لقد سأمت كل
شيء هي تُفقدني سيطرتي، لم تفعلها أي امرأة معي أنا فقط...
تحدث إلى هذه المرأة
بنبرة مُستاءة وهو يَرْثِي على حاله بكل ما لم به منذ أن أصبحت بحياته ولم يعد
يدري ما الذي عليه فعله بشأنها!
"صوفيا باتسي"
المرأة الوحيدة بل والشخص الوحيد الذي تعرف عليه ويستطيع أن يُلقبها بالصديقة...
فمهما حدث يستحيل أن تقع وتنشأ بينهما أي علاقة كانت... يعشق كم أنها مباشرة، واضحة،
تعرف ما الذي تريده بمنتهى السهولة وتستطيع ببراعة أن تجد حل لكل الأمور...
لم يكن يدري أن الصدفة
التي جمعته بها بيومٍ من الأيام كانت لتؤدي إلى صداقتهما التي تمتاز بعدم التصميم
على إرهاق الطرف الآخر... تأتي لزيارته مرة كل عام ويذهب هو لزيارتها عندما يتفرغ
ولم تستنكر الأمر قط... كل علاقته معها مُريحة... ربما لو كانت متواجدة بجانبه
طوال الوقت كانت لتُفيد بالكثير من الأمور ولكن كما اتفقا قبلا، لا علاقات، لا
مطالبات، ولا شيء سوى صداقتهما... فلقد حاولا بالأمر مرة ولم يفلح أي منهما... هذا
ما عرفها لأجله على كل حال...
وها هي اليوم تجلس لتستمع
شكواه بسبب المرأة التي يغرق بعشقها كل يوم أكثر من اليوم الذي سبقه، من كان
ليُصدق هذا؟!!
- حسنًا...
لو كنت لا تستطيع أن تمنع نفسك وهي لا تقبل بالأمر فعليك الاختيار... إما ما
أنت عليه وإما هي... هذا بالطبع إن كنت لا تأخذ باحتمالية أن يكون لك علاقات
خارج إطار الزواج! الأمر يعود لك... وعليك أن تقرر بهذا الشأن وعند آخذك
لقرارك عليك أن تُنفذه... كلانا يعلم جيدًا أن ميولنا أمر والعشق أمر آخر ولن
تتفق ميولنا السادية مع جميع من نعشقهم!
زفرت زفرة مطولة وها هي
بكلماتها تُنبهه من جديد لإدراك ما يتيقن بشأنه بالفعل وهو كالشارد بين كل هذه
الأمور ليقول باستياء:
- لقد
سأمت أنا لا أريد أن أكمل هذا العذاب والعقاب دون رؤيتها... هذا هو اليوم
العاشر على كل حال، أفكر كمجرد برهان لحسن نواياي أن أقوم بدعوتها عل...
لم يُكمل حديثه وهو يسمع
الباب يُفتح دون استئذان وهو يدرك أنها هي فقط من تستطيع فعلها فتاريخها ليس بهين
معه في هذا الأمر وكأنها لا تكترث بما قد تفعله قراراتها المفاجأة بشأنه فنهض ليرى
ما إن كان اعتقاده صحيحًا ونظر لها بهدوء ولم تتحرك صوفيا ونظرت لها بدهشة وتباعدت
شفتاها من دخول روان ليصيح عقلها:
- أَحَقَّا
عمر... أهذه هي روان! أنت رجل مجنون!
صُدمت روان مما تراه ومن هي
حتى تجلس أمامه هكذا ليبدو هو بتلك الراحة والتقبل، الأمر يتعلق بامرأة أخرى سواها
إذن!! هذا ما كان يفعله بالأيام الماضية وهو بعيد عنها... ولكن يستحيل أن تكون هي
المرأة التي تقبل رجلا يستبدلها بامرأة أخرى!
عقدت ذراعيها ونظرت لها
ثم حولت نظراته له مطالبة بتفسير فعيناها تتحدث بكل شيء يدور بعقلها وسيطر على
ملامحها الغضب اللاذع وبدأت في طرق الأرض أسفلها بحذائها بينما ابتسمت صوفيا
بداخلها على ما تراه!!
نهض هو بمنتهى الهدوء
والثقة ثم توجه نحوها بملامح لا تستطيع قراءة ما تعكسه من مشاعر أو ردود أفعال
ودون أن يبادلها النظرات التي استطاع أن يتخلص منها بمنتهى البراعة سألها ببرود
مستفز:
- لماذا لم تخبريني أنكِ قادمة؟
ابتسمت هاكمة ثم واجهته ناظرة له بغيظٍ احتدم بدمائها وتشدقت:
- أخبرك لتخبئ عاهر تك أم...
قاطعها محذرًا بلهجة قاسية:
- رواان !!
هزت رأسها وهي ترمقه باستحقار وشعرت وكأنها تذبل بداخلها لشدة
سذاجتها وغبائها، كانت تحاول أن تُسعده، تُرضيه وتطيعه، تنتظره وهي تلتهم الحروف
بعينيها كل يوم فقط لتحاول تفسير ما هو عليه، ظنت أنه قد عشقها بالفعل، ظنت الكثير
من الظنون بشأنه ولكنه مثله مثل أي رجل خائن حقير! لا يختلف عن الرجال في شيء!
حاولت السيطرة على رغبتها بالبُكاء وتحلت بآخر ذرات الكبرياء
المتبقية بداخلها أمامه فهذه العلاقة المتوترة قد استنزفت كل ما بها وأخبرته بتقزز
ونظرات محتقرة له:
- الآن أتفهم لماذا ابتعدت عني تلك الأيام الماضية...
تغللته بمزيد من الرمقات الكارهة ثم ابتسمت بسخرية ورفعت أحد حاجبيها
في تحد لتقول بمنتهى الإصرار:
- استعد لقضية خلع سيد عمر... أراك لا حقاً بالمحكمة، ولا
تفكر بأن تحاول معي من جديد... لم أعد أريدك بعد الآن!
ابتسمت له مجدداً ولكن باستفزاز هذه المرة وتحد ثم وجهت له ظهرها
لتغادر مكتبه بمنتهى الكبرياء تاركة كل ما سيتهشم لأجله عقلها وقلبها خلفها فهي،
الفتاة التي نادى الكثير بحُسنها وذكائها وشخصيتها، تتزوج من رجل غريب الأطوار
مثله، وتصبر وهي تعامل بالقسوة والجفاء وتتحمل، تعامل بالعنف وتتحمل، تعامل
بالتجاهل وتتحمل، وفي النهاية يستبدلها بامرأة أخرى جالسة معه بمكتبه وهو يستلقي
أمامها... جيد أنها لم ترهما يقيمان علاقة حميمة سَوِيًّا... هذا ما ينقص!
لقد تغير الأمر، لن تعود لسابق عهدها معه أبدًا، ولو حتى نادى بآلاف
البدايات الجديدة لن تقبله وليفعل ما يحلو له، ولكنها لن تتراجع عن فعل ما يحلو
لها هي الأخرى!!
أكملت طريقها نحو باب مكتبه وهي بداخلها تستعيد الكثير من الأحداث،
لا بل رأسها تستعيد كل ما شاركته معه، منذ أن أخبرته بأنها تريده أن يعمل لها على
القضية ضد "مراد الزهيري"، تلك المشاهد تُلبك استطاعتها الرؤية، وهي
تجلس أسفل قدميه، وهو يُلقبها بسباب قذر، وهي تتحمل قسوته عليها، تحاول أن تتماسك
ولكن العبرات حجبت مُقلتيها العسليتين وهي تقوم بإدارة مقبض بابه للمغادرة وقبل أن
تفعلها وتغادر للخارج شعرت بقبضته القوية على معصمها مانعًا إياها من المغادرة
لتبتلع بغيظ امتزج بالانكسار ثم التفتت له لتقابله بمقلتين باتت عبراتهما كشرار
جحيم مستعر لن يخمد ولن يخبت بعد الآن!
يُتبع..