-->

رواية - كما يحلو لي - نسخة حصرية (النسخة القديمة) - بقلم بتول طه - الفصل الرابع والثلاثون

 

 رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه 

حصريًا لمدونة رواية وحكاية


 هذه الرواية  لا  تتحدث  عن  السا دية والترويج لها أو الغرض  منها  مناقشة  اضطراب السا دية.

بينما تتحدث  عن  علاقة  أحد  أطرافها سا دي  والطرف  الآخر  يرفض  هذا بكل  كبرياء  بل  ولم  يتعود على  أن  يتحكم  به أحد.

 

فيا  تُرى  كيف  سيستمر  كل  منهما  مع الآخر؟



تصنيف الرواية

روايات رومانسية، رومانسيه، حب، اجتماعية، دراما، قصة، خيالية، قصص رومانسية، روايات للكبار


حوار الرواية

حوار باللغة العربية الفصحى، لهجة فصحى


حصريًا لمدونة رواية وحكاية

❈-❈-❈


الفصل الرابع والثلاثون


رمقته بارتجاف بشـ ــفتيها لم تستطع منعها وهي تحاول أن تكتم الكثير من الكلمات الغاضبة التي لن تُفيد بمثل هذا الوضع، فهي لن تكسب شيئًا بالتحدث لرجل خائن مثله يتركها لأيام ليذهب ويقوم بقضائها مع واحدة من عاهــ ــراته ... كيف كانت بمثل هذه السذاجة وهو يخبرها بالسابق عن حقيقة علاقاته السابقة بينما هي لم تنتبه أن هذه العلاقات قد تعود من جديد ويعود هو لواحدة من نسائه بعد زواجهما؟

 

حاولت كبح غضبها قدر المستطاع وهي تقابل عينيه باحتقار هائل وهتفت به:

-       ماذا تريد؟ دعني واذهب لعاه ...

-       أرى أنكِ نسيت في تلك الأيام كيف تتحدثين بأدب، ولكن سأقوم هذا السلوك فيما بعد

 

رفعت حاجبيها باندهاش وهو يُلقيها بتلك الكلمات التي أخبرها بها بمنتهى الهدوء الذي عاكس شدة وقسوة قبضته القوية حول معصمها وهو يمنعها من الذهاب والمغادرة! بأي حقٍّ يتحدث عن أدبها بالحديث وهو في حقيقة الأمر يقضي وقته مع النساء دون علمها؟ ألا يُدرك مدى فداحة ما ارتكبه بحقها؟!

 

وجدته يجذبها لتسير معه مجددًا لداخل المكتب لتصيح به:

-       اتركني عمر، اتركني وشأني... أبعد يدك عني

 

توقف بصحبتها أمام "صوفيا" تمامًا التي لا زالت تحت تأثير الدهشة مما رأته من ملامح بل وأسلوب تتعامل به زوجته معه، فبعد سنوات من معرفة وممارسة السادية هي تعلم جيدًا أن هذه ليست طريقة رجل سادي مع امرأة أمامه... الأمر فقط لا يتعدى مجرد زواج عادي وزوج يركض خلف زوجته كي لا تفهم الأمر بطريقة خاطئة...

 

حمحم وهو يتحدث بعقدة حاجبين ثم تفوه بنبرة معتدلة:

-       صوفيا باتسي، صديقتي الوحيدة

 

رمقته وما زالت تشعر بالغضب بينما أكمل هو سريعًا كي يوضح الأمور لها أكثر وهو يقوم بتعريف كل واحدة على الأخرى:

-       روان زوجتي...

 

صمت لبرهة وتفقد ملامحها بتفحص ليرى عدم اقتناع "روان" بأي حرفٍ نطق به، هي الأخرى لا زال الحنق يعتريها وتنظر لها وله نظراتٍ حارقة لا توضح سوى أنها لا تزال مصممة على موقفها تجاه الأمر...

 

نهضت "صوفيا" من مقعدها ثم اتجهت صوبها بابتسامة مناسبة دون مبالغة ثم أخبرتها بالعربية وهي تقوم بمد يدها لتصافحها:

-       سعدت برؤيتك روان...

 

 لاحظت بعد أن فاقت من دهشتها أن هذا ما يتوجب عليها فعله لتساعده على حل هذا اللغط ولكن روان أبت أن تبادلها المصافحة ورمقتها بتعال ليقطب "عمر" جبينه وتبادل لمحة سريعة مع "صوفيا" التي قلبت شفتيها بتعجب من تصرف زوجته التي وزعت المزيد من النظرات بينهما وسألتهما باستنكار شديد:

-       هل انتهيتما؟

نظرت لكليهما من جديد نظرة خاطفة مُصممة على عدم تقبلها لكل ذلك الهراء الذي يدور حولها لتتناول نفسًا طويلًا ملأت به رئتيها ثم زفرته وتكلمت بزهوٍ قائلة:

-       حسن، لأجيب أنا هذا السؤال، يبدو أنكما انتهيتما من هذا العرض الرائع... جيد... لدي الكثير من الأعمال وظننت أنني أستطيع التحدث إليك ولكنك تبدو مشغولا... سأراك لاحقاً بالمحكمة وأنا أحصل على طلاقي منك سيد عمر!

 

أعطت له نظرة صارخة بالتحدي والتحفز ثم صممت على مغادرتها بعد أن انتزعت يدها من قبضته بأقصى ما لديها من قوة ليأتي صوته المفزع بتحذير ووعيد:

-       فكري بأخذ خطوة واحدة خارج هذا الباب وستندمين أشد الندم روان!!

تيبست مكانها ثم التفتت له لترى نظراته الحارقة المصوبة عليها ولكن صوته اللعين لا يزال هادئاً لتتعجب حقاً... كيف له أن يكون كجبل الجليد هكذا وهي تحترق داخلها على كل ما رأته بل ويقوم بتهديدها بمنتهى البرود والسكون وكأن شيئًا لم يكن؟

 

تنهدت "صوفيا" بعمق وتنحت عن فكرة مصافحتها فعلى ما يبدو أن زوجته لن تكون ودودة معها بينما حدثته بنبرة خافتة بالإيطالية:

-       يبدو وكأنها تغار عليك عزيزي كثيرًا... هذا غضب الغيرة العمياء.. على ما يتبين لي أنها امرأة غيورة بالمطلق!!

 

مالا يعلماه أنها تفهم الإيطالية جيدًا، فهي لم تقضي سنوات عُمرها هباءً دون تعلم الكثير من الأشياء ومن ضمنها اللغة الإنجليزية، الفرنسية والإيطالية والقليل من اليابانية!! أيظنان أن سيدة أعمال مثلها كانت لسنواتٍ عديدة لا تُسلط تركيزها سوى على المكانة الاجتماعية والعمل والدراسة لن تفهمهما؟ يا لهما من سُذج! قد تكون معدومة الخبرة بالعلاقات ولكنها ليست بجاهلة فيما يتعلق بأمور كثيرة أخرى!!

توجهت "صوفيا" نحوها وقد تغيرت نظرتها كثيراً إليها وطريقتها جعلت "روان" تتعجب أكثر بداخلها، هناك شيئاً ما بتلك الفيروزيتان الحادتان غير مريح بتاتًا لا يجعلها تطمئن نحوها وكأن هناك شيئًا تعلمه ولا تعرف هي عنه شيء، كما أن ثقتها واعتداها بنفسها لم يلق إعجابها فلقد تعودت هي أن تكون محط أنظار الجميع وليست امرأة أخرى تشاركها هي وزوجها المكان بين تلك الأربعة جُدران...

 

فجأة وجدتها تتكلم بعربية مُتقنة وثقة لاذعة بنفسها بمنتهى الهدوء وهي توجه حديثها إليها:

-       أظن أننا سنتفق روان، ربما أول مقابلة بيننا لم تكن جيدة ولكن بالطبع سأراك لاحقًا لنُعيد تعارفنا على بعضنا البعض بطريقة لائقة...

 

أضافت ابتسامة لطيفة لتظن "روان" بداخلها أن لولا الموقف وغضبها تجاه "عمر" ستبادلها مثلها ولكن تظاهرت بالاندهاش الكاذب رافعة حاجبيها مما قطب جبينها وهي تتفقدها لتراها تذهب لتُمسك بحقيبتها وهي تستعد للمغادرة بينما اقتربت من "عمر" وهي تُغمغم له بشيء حاولت أن تستمع له مَلِيًّا:

-       زوجتك مثـ ــ ــيرة للغاية عمر... سأغادر قبل أن تنتهي صداقتنا بتحـ ـــ ــرشي بها، وكن ذَكِيًّا ولا تترك الصدفة لتجمع بيني وبينها أبدًا!

 

كلمته بالإيطالية ظن منها أن "روان" لن تفهم كلماتها وحاولت الأخرى أن تخبئ فهمها لها ولكل ما قالته وألا تظهر ملامح الدهشة والتعجب على وجهها بسبب ذلك الاعتراف الذي خرج للتو من بين شفتي صوفي وتابعتها إلى أن صفق الباب خلفها لتعيد نظرها نحوه لتجده لا يزال ناظرًا لها بهيبة وبرود ويديه بجيبي بنطاله وظلا يتبادلان النظرات في صمت فهي حتى بعد ما استمعت له رؤية هذه المرأة لم تجعلها تطمئن.

 

هي حتى لا تعلم هل تريد تفسيرا لما رأته؟ أم أنها تبحث عن سبب كي تدفعه للحديث معها بأي شكل من الأشكال بسبل انعدام الحديث بينهما لأيام؟ أم تنتظر إقراره بخيانته لها وسبب ابتعاده عنها؟ وهل حقاً هذه المرأة قصدت ما قالته كإطراء على ملامحها ومظهرها أم أن هناك سببًا آخر خَفِيًّا يقع خلف كلماتها التي قصدت أن تقولها بالإيطالية على الرغم من معرفتها للعربية؟

 

سلط نظراته المتفحصة عليها، ربما يبدو بتلك الحالة الهادئة والملامح المُهيبة بينما بداخله كانت هناك حربًا ضارية لا يستطيع تحملها وحده، يتحدث لنفسه صارخًا، عل صراخه بعقله يهون عليه رؤيتها التي تُصيبه بزلزالٍ تام يخسف كيانه ليُبدله برجل آخر ضعيف لم يعرفه قط...

 

تباً لتلك الظروف!! وتباً لكِ روان!! واللعنة على تلك النظرات، لو فقط تعلم أنني لا أستطيع أن أرى امرأة أخرى غيرها، لو تتفهم أن تلك الأيام شتت عقلي كالطفل الذي ابتعد عن أمه فجأة، كيف لها أن تتوقع أنني كنت مع امرأة أخرى وتركتها؟ كيف لها أن تظن أنني حقاً أستطيع فعلها؟! لو تراني مشتتاً بالقرب منها وهي نائمة كل ليلة أتمنى فقط أن أقبل جبينها وأنا أتفقد ملامحها كصائم الدهر الذي ينظر لكوب مياه لكانت فهمت أن كل ما يدور بعقلها الآن ويُسبب هذه النظرات ما هو إلا كذب... ولكن يسيطر خوفي على، لو اعترفت لكِ بهذا لن تُعامليني أبدًا بالمثل، ولن تُسير الأمور إلا كما يحلو لكِ... وهذا لن اقبله أبدًا...

 

تثاقلت أنفاسه الغاضبة من تفكيره وابتلع جفاف حلقه بينما سقط صوتها الغاضب على مسامعه وهي تقول:

-       هل ستظل صامتاً للأبد... هيا لدي الكثير لأفع ...

 

قاطع تلك النبرة التي تصرخ بالعصيان وعدم الخضوع ليتكلم آمرًا بمنتهى البرود المُستفز:

-       اركـ ــعي تحت قدمي روان

 

نظرت له بتمرد تام ولم تذعن لما قاله من تراها، لتوه يهجرها ويجالس امرأة أخرى وأول ما يتفوه به هو إحدى أوامره التافهة، فليذهب للجحيم، لن تفعلها، بل وستُجيب بمنتهى الاستفزاز والبرود مثله:

-       لا...

لم تحصل سوى على ابتسامة لم تلمس عينيه ثم أخذ يدلك أسفل فمه وذقنه بسبابته بحنقٍ وهو يرمقها بنظراتٍ جعلتها تبتلع ولكنها صمدت أمامه وهي تحاول أن تستلهم القوة بداخلها بينما تكلم بمنتهى الهدوء من جديد وهو يقول:

-       تذكري أنكِ قلت هذا...

 

التفت وهو يتركها وتوجه لمقعد مكتبه وكأنها ليست أمامه أو متواجدة معه بخضم نقاش وحديث بل وكأنه لم تجده زوجته منذ دقائق بصحبة امرأة أخرى لتندهش من بروده المستفز أكثر فتوجهت لتقف أمام مكتبه وواجهته مصيحة بحرقة وهي لم تعد تتحمل هذه الأفعال منه:

-       أنت ماذا؟ هل أنت غبي أم وغد لعين؟ حقاً من أنت؟ كنت تمارس تلك السا دية المريضة عليّ، تتحكم وتستفزني، تكيل لي العذاب والصفعات ثم تقابلني ببضع هدايا وخطاب رقيق وبدايات جديدة، ومن ثم تبتعد عني وتتجاهلني تماماً لأجدك مستلقيا هنا ولا تلقي بالاً لمن تتعذب بالابتعاد عنك ومع امرأة لم تذكرها لي من قبل لأكتشف أنها صديقتك الوحيدة؟

 

أومأت بالإنكار وهي لا تُصدق أن ما تفوهت به للتو يُعبر عن قصتها معه ثم ابتسمت بسخرية على حالها وهي تقول بنبرة هدأت قليلًا بخيبة أمل ورجاء به:

-       لقد عنيت ما قلت منذ قليل، لا أريدك بعد الآن، ولا أريد أياً من تلك الأمراض النفسية التي تخصك، والأسرار والاكتشافات، ليس لدي وقت حقاً لكل هذا، سأخلعك وليذهب كلاً منا بطريقه... أو طلقني بهدوء دون شجار وليذهب أيضًا كلانا بطريقه... لا أظن أنني سأتحمل المزيد من هذه الترهات !

لم تعد قادرة على تحمل كتلة الاستفزاز تلك واحتدمت دماؤها بالغيظ ثم رمقته بنظراتٍ غاضبة وتوجهت فورًا كي تغادر لتجد الباب موصدًا لا يريد أن يتحرك من مكانه... حاولت فتحه مرة ثانية ولكن دون جدوى لتزفر وهي تغمض عينيها ثم صاحت بغلٍ:

-       هل أغلقت الباب دون علمي؟ لا اصدق حَقًّا ما تفعله

 

تابع صياحها الغاضب بمنتهى البرود وكأنه أصبح جبلًا متجمدًا وهو لا يزال محافظًا على هدوئه حتى الآن لتلتفت له ثم صرخت به من جديد:

-       أيها الحقير ذو العلاقات المتعددة دعني أغادر لدي الكثير لأفعله، لن أضيع يومي بالبقاء مع رجل خائن مثلك!

 

اكتفى بمتابعتها بمقلتيه الفحميتين وقابلها مجددًا ببرود تام وهو فقط يحصي ويعد تلك الأخطاء ليكون عقابها وبالاً عليها فهو ليس الرجل الذي يتقبل مثل هذه المعاملة من امرأة!

لم يكترث لاتهامها غير الصحيح ونظر فيما أمامه من أوراق بتركيزٍ وكأنها شفافة هي وصوتها الصارخ لتأتي بخطواتٍ تُعلن عن غضبها حتى دون أن يلمحها وحدثته مجدداً ولكن أتت نبرتها هذه المرة مُرهقة:

-       هل حقاً ستفعل هذا؟

 

انتظرت أي رد منه أو إجابة أو حتى ولو جملة واحدة بينما استمر على ما يفعله لتتنهد تنهيدة مطولة وهمست بتوعد وهي تطلق أنفاسها الملتهبة بالغيظ:

-       حسنا سأُريك!!

 

تملكها الغضب وارتفع أحد حاجبيها بتحد ثم التفتت لتتفقد ما في مكتبه لتقوم بالعدو نحو كوب من المياه كالمجنونة وأمسكت بالكوب ثم رمته على وجهه وملابسه والأوراق التي أمامه غير مكترثة لردة فعله ولكنه لن يستمر على أسلوب رجل الجليد هذا لمزيد من الوقت ولن تدعه ولن تسمح له بفعلها!

 

نظرت لوجهه الذي لا يزال بارداً ثم زفرت متخلصة من بعض غيظها بِانْتِصَار هائل وهي تظن أن بعد ما فعلته ستجعله يُحرك ساكنًا وحدثته قائلة:

-       والآن دعني أغادر!!

 

أخبرته ظناً منها بأنه سيدعها ولكنه نهض بمنتهى الغرور ولم ينظر لها حتى ثم توجه لغرفة داخل مكتبه لتتبعه لتراه بدأ بتبديل ملابسه فتفقدته بأعين غير مُصدقة ما يفعله وهي تعقد ذراعيها بتحفز، لوهلة تفقدته وهي تشعر وكأنها اشتاقت له واشتاقت لقربه منها، لو فقط يستطيع أن يشعر بتلك النيران المستعرة بداخلها لما فعل أَيًّا من هذا، لو يفهم ما حدث لها بتلك الأيام لما تجرأ وأقدم على الابتعاد عنها، لماذا يريد أن يصعب الأمر عليها باكتشاف أنه في النهاية رجل خائن؟

 

زجرت نفسها عن تلك الأفكار وهي تحمحم بخفوت، فهو في النهاية لا يستحق كل ما فعلته لأجله وكل ثانية أضاعتها في التفكير به، لم يعد عليها إعطاؤه المزيد من المبررات التي لا يستحق أَيًّا منها ولا يستحق المزيد من المحاولات من أجله!

 

 

التفت لها فجأة ليرى عينيها المرتبكتين تتفقد جـ ــسده ونظر اتها التي تعبر عن اشتياقها له ولكنه تظاهر بعدم الاهتمام عكس ما يدور بداخله من ر غبة في تمز يق كل إنش من جـ ــ ــسدها بشــ ــفتيه وأسنا نه وهو يستمتع بقربها بعد تلك الفترة اللعينة من الابتعاد عنها!

 

توجه خارجاً ورمى تلك الأوراق المُبتلة بصندوق القمامة أسفل مكتبه وأعاد طباعتها بأخرى جديدة جافة من حاسوبه ثم جلس ليستكمل عمله بينما يُفكر عقله في معاقبتها على ما تفعله بألعن اَلسُّبُل التي لم تخطر على بالها، نعم يشتاق إليها، ولكن رجلا سا ديا مثله لن يقبل سوى العقاب أولًا وبعدها سيأتي كل اشتياقه لها وهو على يقين أنها ستستجيب له وستتقبل كل ما سيفعله بها!

 

تابعته بنظرها والغضب ينهال من عينيها ويسري بدمائها الانتقام من تصرفه هذا وغيظها يحتدم بداخلها لتحدثه بنبرة خافتة مليئة بالاستخفاف والاستهزاء الواضح:

-       كن رجلاً بالغاً وأفهم أن لدي الكثير لفعله مثلك، أنا الأخرى لدي عمل... دعني أذهب عمر

ظنت أن نبرتها تلك ستجذب بعضًا من انتباهه لما تخبره به منذ مُدة الآن ولكنه لم يُجبها ولو بحركة واحدة ولا حتى نظرة سريعة وكأنها لا تتواجد بالحياة وباتت كشبح تستحيل رؤيته وظل متظاهرًا بتسليط تركيزه على تلك الأوراق لتصل لذروة استفزازها لتصرخ به مرة أخرى:

-       اللعنة قلت لك افتح الباب عمر، ألا تفهم ما أقول؟

 

أطلقت صراخا مكتوما بغيظ وهي تشعر وكأنها تحترق بداخلها على ما يفعله معها وهنا قد استنفدت كل ما لديها من صبر فتوجهت مهرولة ثم ألقت كل ما يعلو مكتبه أرضًا حتى حاسوبه نفسه ثم نظرت له عله يُستفز أو تصدر منه كلمة واحدة ويقول أي شيء أو يدعها تغادر هذه الجدران ولكنه للمرة الثانية أعاد طبع الأوراق ليثير غضبها أكثر وليعطيها فرصة حتى يُضاعف عقوبتها فهو سيتذكر كل هذه التفاصيل وهي تتوسله أن يتوقف لاحقًا ومثل صراخها الغاضب اليوم سيُخرج منها صرخات متوسلة وهي تناشده بتضرع وخضوع أنها لن تفعلها من جديد معه... فلترتكب المزيد من الحماقات إذن ويُقسم أنه لن يغفر لها أيا منها!

توسعت عيناها الذاهلتان من أفعاله لتصيح به:

-       لا!! أنت لا تُصدق حقاً...

 

أكمل عمله بمنتهى الهدوء وكأن كل ما يحدث حوله عبارة عن لا شيء ليعلو صراخها به:

-       أيها الوغد دعني أغادر حالًا

 

هو أيضاً أكمل استفزازه لها مثل ما تفعل هي معه لتصرخ به من جديد وهي تقترب منه وباتت تتفوه كالمجنونة لا تعي أي مما تقوله ولا تفعله:

-       ألا تعي ما أقول، أريد المغادرة، لا أريد رؤية وجهك المقزز أيها الخائن، لم أعد أطيق التواجد معك بنفس المكان، أنت رجل قاس وخائن وكريه ولا أصدق أنني انتظرت طوال حياتي الرجل المناسب لتأتي أنت في النهاية بكل ما أنت عليه لتحول حياتي لتُصبح عذاب جحيمي بكل ما أنت عليه، لقد اكتفيت، ولقد طفح الكيل منك... تبتعد وتقترب وتبتعد بميولك وطريقتك الغريبة تلك... لم أعد أتحمل أي تفاهات أخرى منك... لقد أوشكت على فقد عقلي بسببك... طلقني أو دعني أغادر وأطلق نفسي منك أو افعل أي لعنة ولكن ابتعد عني واغرب عن وجهي بملامحك المقززة فأنا أكرهك عمر... أكرهك وأكره كل ما بك!

 

صفعته بكل ما لديها من قوة وهي تلهث بعد أن أزاحت الكثير من الأعباء التي أثقلت صدرها وكأنما ما فعلته وما قالته أهدأ ذلك الأجيج المغتاظ الغاضب بأجيجه المستمر بداخلها لتخمد نيرانها المستعرة بداخلها بينما هو اكتفى برفع عينيه لها وهو يرمقها بنظرة جمدت الدماء بعروقها.

أدركت أنها إن لم تُصلح الأمر سريعًا بأي مبرر كان سيفتك بها لا محالة!...

مقلتاه، بهذه النظرة، بصحبة فعلتها، وصوت أنفاسها المذعورة ولهاثه الملتهب من شدة غضبه قد يتسببان في مقتلها على يديه، لا تستطيع سوى التصديق بهذا!

 

شعرت بالخوف منه ثم أخذت خطوتين للوراء متقهقرة كإعلان منها على الاستسلام التام لتجده يتحدث في هاتفه ونظرته المُرعبة لا تزال عليها، حتى جفونه لا تتلاقى، فهمت وتأكدت أن ما سيفعله معها سيكون أصعب من أي مرة أخرى... فهي مرتها الأولى التي تقوم بصفعه بهذه الطريقة! لُعنت ثقتها بنفسها ولعنت صلابتها التي دفعتها لفعل ذلك به! فمن سيُنقذها منه الآن؟

 

ما الذي ستفعله الآن بتلك الملامح المرتبكة الخائفة؟ ما الذي يُمكنها فعله ليُثنيه عن تحول ملامحه لتُصبح مُرعبة بهذه الطريقة؟ ولماذا يتحدث مع أحد؟ ما الذي سيفعله بها؟

 

أغلق أول مكالمة التي لم تستطع أن تلاحظ تفاصيلها من خوفها الشديد منه حتى تحولت ملامحها برعبٍ شديد لتبدو كالمذعورة التي سيُنطق حكم الإعدام عليها وعقلها الذي يبحث ويفتش عن ردة فعله التي سيقوم بها تجاه هذه الصفعة التي صفعتها به، هي لا تعرف ما الذي قد يفعله جراء فعلتها وشعرت وكأنه يخفي عنها شيئًا ما بهدوئه المرعب الذي ارتعدت من أن يكون سابقًا لعاصفة لا يُمكنها تحملها!

 

وجدته يتحدث بنبرة لطيفة على الرغم من الملامح المُخيفة التي رُسمت على وجهه وهو يقول للطرف الآخر على هاتفه:

-       ستحدثك الآن

 

أخبر من على الهاتف ثم شغل مُكبر الصوت وأومأ مُكتفيًا بإشارة من حاجبه الأيسر وهو يُسلط نحوها فمحميتيه المستعدتين لقتلها لتتحدث "روان" بوجل وشـ ــ ــفتين مرتجفتين:

-       آلو...

-       ابنتي كيف حالك... الآن عمر يهاتفني كل ساعتين ليقوم بالاطمئنان علي ولكن أنتِ لا أعرف عنك شيئا... سيصبح ابني البكر بدلاً منك

 

اتسعت عيناها بتعجب وخوفٌ منه في نفس الوقت عندما خرج صوت أمها المازح ليتردد بغرفة مكتبه حولهما وابتلعت وهي تجد الكلمات المُناسبة التي يحاول عقلها أن يدفعها لصوغها وحمحمت لتتحدث ببعض التلعثم فخوفها من ملامحه لم يتغير بداخلها:

-       عفـ... عفوًا أمي ولكن كان لدي الكثير من الأعمال والعطلة سنـ...

 

توقفت عن الكلام عندما لاحظت نظرات عمر التي اشتعلت النار بداخلها وهو يُحذرها مُشيرًا بسبابته أمام شفتيه وكأنه يُخبرها أن تتحدث بطريقة طبيعية لتبتلع بذعرٍ منه وأعينها ينهمر منهما الخوف الشديد وحمحمت مرة ثانية بينما أكملت والدتها بمنتهى العفوية ظَنًّا منها أن ابنتها حزينة بسبب ما قالته لها وهي تلومها ولكنها فقط كانت تقصد المزاح معها:

-       أعرف حبيبتي... فلتقضي وقتاً سعيداً معه، أرى أنكما كنتما منشغلين بالأعمال بالأيام الأخيرة وبالكاد تلتقيان على العشاء، ربما تحتاجان أن تقضيا بعض الوقت سَوِيًّا... استمتعا بوقتكما عزيزتي...

ماذا؟ وقت ماذا التي تتحدث والدتها عنه؟ ما اللعنة التي أخبرها بها أثناء عدم ملاحظتها؟ يا لها من غبية، لم يكن عليها التركيز بخوفها منه ولا بملامحه... ولماذا يبدو صوت والدتها كوداع من نوع ما؟ ما الذي يُخطط لفعله معها؟

ارتجفت شـ ــفتاها وهي تقول بخفوت وتردد من شدة رهبتها منه:

-       ممم... حسناً أمي ... أوصلي سلامي لفارس... وسآتي قريبًا... وداعًا...

 

لا تعلم ماذا عليها أن تقول لتنهي المكالمة مع والدتها بعد تلك النظرات المُرعبة منه المُسلطة عليها كوعيدٍ خالص لها فلم تستطع سوى أن تُشارك بتلك اللعبة الخبيثة التي يقوم بها ثم رأته يتجه نحوها وأمسك بها قابضًا على يدها بشدة لتتحول عيناها للذعر التام وهي تهتف به:

-       ماذا؟ ماذا ستفعل؟ لم أقصد أنـ...

تلعثمت وشعرت بجفاف حلقها وعينيها ترتجفان من شدة خوفها فابتلعت جفاء حلقها وتهدجت أنفاسها بتوترٍ هائل من نظراته المُخيفة وحاولت أن تفلت قبضتها منه وملامحها تناشده أن يتوقف ولكنه لم يستجب لها ليجذبها بقسوة شديدة وهو يتناول مفاتيح سيارته وحافظة نقوده ثم اتجه وهو لا يزال يجذبها وغادرا مكتبه تحت أنظار الجميع فهو لا يكترث بأي أحكام عليه فهذا مقر عمله وهذه زوجته وسيفعل كما يحلو له وليس لأحد شأن بهذا.

--

كانت تطالعه وتتفقده بين الفينة والأخرى أثناء قيادته للسيارة بوجلٍ من ملامحه المخيفة التي أرعبتها وجعلت رجيف قلبها المتسارع لا يتوقف ونظرات عينيه القاتمتين تجعلها تود البُكاء من شدة خوفها منه...

ندمت أشد الندم أنها نظرت له طوال هذه المُدة وهو لا يزال لا يتفوه بأي حرفٍ ولا كلمة، لا تدري لماذا لا يفعل، سألته مرارًا وتكرارًا الكثير من الأسئلة واعتذرت عن فعلتها ولكنه لم يُبد أي اكتراث لأقوالها ولم يُجب أي من أسئلتها التي قامت بإلقائها عليه...

ركزت أخيرًا وسلطت عينيها على الطريق أمامها وتمنت بداخلها أن يهدئ من سرعة السيارة الجنونية ولكن دون جدوى...

 

حاولت من جديد أن تتحدث معه عله يُجيبها:

-       هل لك فقط أن تخبرني إلى أين سنذهب... أنت تقود من حوالي ثلاث ساعات عمر... متى ستجيبني؟

 

 

همست أسئلتها بخوفٍ وتضرع عله يستجيب لها ليلتفت لها ناظرًا بمنتهى الجفاء والقسوة لتخاف أكثر وتمنت أنها لم تسأله ولع نت بداخلها آلاف المرات على هذا القرار الذي أخذته منذ الصباح بعقلها الغبي الذي اقترح عليها أن تأتي له بقدميها واكتفى هو بإعادة نظره ليُسلطه نحو الطريق ولم يبد منه أي ردة فعل تُذكر...

 

ظل يقود بسرعة جنونية وهو يُفكر كثيرًا بما سيفعله معها هذه الليلة ولو لم تكن يومًا الخامة المُناسبة كي تُصبح امرأة خاضعة، ستصبح رغمًا عن أنفها... لقد تنازل عن الكثير من ماضيه، تنازلا على رفضها الدائم، وتنازل عن الكثير من المشاعر، ربما حان الوقت أن تتنازل هي كي تُصبح خاضعته وتتصرف كما يحلو له!

 

استمر بصمته الذي كان أكثر من المألوف بالنسبة لها ولم يُبادلها ولو نظرة واحدة وسلط نظره على الطريق أمامه محاولًا التماسك بآخر ذرات صبره إلي أن يصلان... لا يُفكر سوى بعصيانها الدائم وظنها بأنه تملك زمام الأمور وثقتها بأنها تستطيع فعل كل ما يحلو لها! هذا لن يستمر، لن يتحول هو للمرأة الضعيفة التابعة بهذه العلاقة وهي تقوم بصفعه كما يؤدب الرجل زوجته!

 

عقدت ذراعيها في صمت تام ليأتيها صوته قاطعاً الصمت المُريب حولهما بعد مُدة ليست بالقليلة وهو يُكلمها بلهجة مُلقية للأوامر:

-       ألغي مواعيدك غداً... ستجدين رقم مساعدتك بهاتفي

 

اندهشت مما يقوله وذُهلت من احتفاظه برقم مساعدتها الشخصية وقبل أن يلتفت لها ليوجه لها نظرة من نظراته المرعبة فعلت ما أمرها به تجنباً لجدال جديد معه وهو في تلك الحالة وأثناء مهاتفتها لعلا توقف عند إحدى محطات الوقود ليملأ السيارة مرة أخرى ثم أكمل ما يقارب ساعتين لتجد أنهما بطريق بين الجبال وهي حقاً لم يسبق لها أن أتت هنا من قبل... إلى أين يتجهان تحديدًا؟ ولماذا عليه أن يقود هذه المسافة الطويلة دون استخدام أي من طائرتيه؟

 

استمر رعبها في التصاعد وهو يُسيطر على دمائها التي تظن أنها توقفت عن السريان بعروقها ولكنها لا تفهم خُطته المُتبعة معها... فهذا ما يُريده تمامًا... أن يصبها بالذعر ويُسبب لها الألم النفسي والعقلي قبل الجسدي... فهو لم ولن يتعرض أبدًا لصفعة من امرأة!

 

توقف أمام العديد من الرجال المتشحين بالسواد ويحملون الأسلحة، ضخامتهم مرعبة بحق، مظهرهم مهيب أكثر من هؤلاء الرجال الذين عينهم لحمايتها شَخْصِيًّا... الكل ينحني له باحترام ورسمية وكأنهم يعرفونه... على الرغم من هذا لم يبادلهم هو حتى الإيماءة، في هذه اللحظة هي لم تدر بمن تزوجت حقاً، هل هو رئيس عصابة ما؟ هل يفعل شيئا غير قانوني وهو محامٍ مشهور؟

 

مجرد هذه الفكرة التي تسربت إلى داخل عقلها من المنظر المحيط أفزعها تماماً وهو جاذباً ذراعها بقبضته الفولاذية ليمشي مرغمًا أيها على اتباعه لما يقارب خمس دقائق حتى دخل بهذا المنزل الذي يبدو وكأنه نُحت بداخل الجبل نفسه... كيف له حتى الحصول على منزل مثل هذا بين الجبال والطرق المنعزلة؟

 

تطلعت حولها بسرعة لترى كم أن طراز المنزل غريب... وكأن به عبق التاريخ... فخماً للغاية ولكن طرازه وكأنه يعود لأحد الملوك بحقب تاريخية ساحقة... ألوان الخشب البني المتآلفة، اللون الأحمر القاني والتفاصيل المذهبة والأرض الخشبية المصقولة... كمْ يختلف هذا كثيراً عن طراز منزله العصري للغاية... كيف له أن يحصل على منزل بكل هذه التفاصيل؟ ويا لسذاجتها هي حتى لا تعلم ما يملكه زوجها بالفعل!

 

نزل درجا طويلا مظلما ثم فتح بابا حديديا يبدو ثقيلا للغاية لتُقابل بظلام حالك خلف ذلك الباب لتجد قبضته ارتخت من عليها لتشعر بالخوف أكثر وسط كل هذا الظلام الممتزج ببرودة المكان وكأنها بشتاء قارس، شعرت بأنفاسه الساخنة المتهدجة باضطراب الغضب على عنقها لتبتلع في رعب ثم ابتعدت تلك الأنفاس شيئاً فشيئاً حتى سمعت صوت ارتطام الباب الحديدي لترتجف ذعرًا من أفعاله وكل هذه اَلظُّلْمَة حولها ولم تكن سوى مجرد جزء من الثانية بالنسبة لها حتى تُدرك أنه قد تركها وحدها في هذه العتمة اَلْمهيبة للنفوس وذهب...



يُتبع..