رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 1
رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب
الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق
رواية جديدة
الفصل الأول
" نيران بجوف الجليد "
صوت حفيف ثوب زفافها على الأرضية الرخامية ، وهى تدور بالغرفة ، جعل الخوف والقلق ينهش قلبها متسائلة بغياهب عقلها عن مكان وجود زو جها الآن ؟ فمنذ أن خرجت والدتها من الغرفة ، من أجل إخبار أبيها بأن يرسل أحد للبحث عن أسباب تأخر كرم فى المجئ، وهى لم تعود ثانية ، بل ظلت هى بمفردها فى الغرفة ، تشعر بأن جدرانها تكاد تطبق عليها من شدة شعورها بالضيق والإختناق ، فما معنى تصرفه هذا ؟ هل عاد لعناده ، وسيتركها بهذا الوقت الحرج ؟
فبالحديقة جمع غفير من المدعويين ، بإنتظار خروج العروسان ، اللذان تأخرا بالخروج عن الوقت المعتاد لمدة زمنية تقدر بساعتين كاملتين ، فبعد أن يأست من زرع الغرفة ذهاباً وإياباً ، وبعد أن شعرت بسحق باطن كفيها من كثرة فركهما ببعضهما ، أرتمت على الفراش وأنخرطت بالبكاء
– ليه يا كرم ؟ ليه تعمل فيا كده يا حبيبى
قالتها هند ونشبت أظافرها بأغطية الفراش البيضاء ، والتى أصرت والدتها على تزيين السرير بها من أجل الليلة ، فخدشت قماشها الحريرى الرقيق ، وعلقت الخيوط بأظافرها المطلية بلون يشبه لون الذهب ، فهى كانت تمنى نفسها بأن الليلة لن تلتحف بتلك الأغطية فقط ، بل ستلتحف بساعديه القويتين ، وستغنيهما حرارة عواطفهما عن الحاجة للأغطية ، التى ستقيهما الشعور بالنسمات الباردة
– كرم
نادت إسمه همساً وبلوعة ، فلما هى التى ليس مقدرًا لها بأن تنعم بحبه ، فكلما إجتازت عقبة للوصول إليه ، تجد العديد من العقبات الأخرى ، ولكنهما لم ينشأ بينهما خلافاً ، فأمورهما كانت على خير ما يرام حتى البارحة ، فلما فعل ذلك ؟
أجفلت قليلاً عندما شعرت بيـ ـد تلمـ ـس ذراعها من فوق القماش الملتصق به كإنه جلد ثانِ لها ، وهى مستلقية على الفراش ودافنة وجهها بين طيات أغطيته ، فربما والدها ووالدتها جاءا من أجل مواساتها بعدما عصفت بكيانها رياح الخيبة والخذلان ، فسرعان ما رفعت رأسها ، لتسألهما إذا كانا علما أى شئ عن زو جها المفقود
ولكنها فغرت فاها عندما أبصرت كرم جالساً بجوارها على حافة الفراش ، فقفزت على قدميها ووقفت قريباً منه تحدجه بنظراتها المستاءة قليلاً ، ولكن لم يكن إستياءها بقدر شعورها بالسعادة كونها تراه أمامها سليم معافى ، ولم يمسه سوء أو مكروه
– أنت اتأخرت ليه كده يا كرم رد عليها
قالت هند بنبرة مستاءة ، لعله يفصح عن أسباب تأخره كل هذا الوقت
ولكن لم يرد جواباً على سؤالها ، بل أنه ترك مكانه ، وأقترب منها وعانـ ـقها بحـ ـرارة ، كادت تذيبها بين يـ ـديه ، فكلما فصل العناق بينهما ، يمسح وجهها بكفيه من آثر بكاءها ، ويعود ليعانقها مرة أخرى
فما أن إبتعد عنها وأسند جبينه لجبينها ، قال بصوت هامس مرتجف :
– أنا أسف لو كنت أتأخرت عليكى يا حبيبتى
شعرت بإرتجاف جـ ـسده أسفل يديها الموضوعتان على صـ ـدره ، فعلى الرغم من حرارة عناقه العاطفى ، وعبارة إعتذاره التى ختمها بتلك الكلمة " حبيبتى " التى طالما تمنت سماعها منه ، إلا أن كل هذا لم يجعلها تشعر بأنه بخير ، بل ربما هو يخفى عنها أمراً
رفعت عيناها لعينيه ترنو إليه بقلق وهى تقول بصوت خافت :
– مالك يا حبيبى حاسة زى ما يكون فى حاجة مخبيها عليا ؟ وليه إنت أتأخرت عليا ده كله ، قولى يا حبيبى إيه اللى مضايقك
تبعت حديثها بتمسيد كفها الرقيق والناعم على وجنته ، لعل يعلم صدق إهتمامها به ، فنظراتها الحانية ملؤها العديد من الأسئلة عن سر أفعاله اليوم ، أو إذا صح القول منذ الأمس ، فشروده زاد عن الحد ، الذى يجعلها تقنع عقلها بأنه بخير ، وأنه ربما ذلك عائد لشعوره بالتوتر أو الإرتباك من أجل حفل الزفاف أو إتمامه لزو اجه منها ، ولكن كيف يكون ذلك صحيحاً ، وهو الذى عانقها منذ برهة بشوق ، كإنه لم يعد بمقدوره الإنتظار أن ينتهى حفل الزفاف ويصبحا بمفردهما
أمعن كرم النظر بها ، فتنفس بعمق محاولاً التخفيف من حدة تلك المشاعر ، التى أثقلت قلبه فغمغم بنبرة هادئة :
– هند أنا .....
لم يكن الوقت لصالحه ليكمل عبارته ، إذ صدحت صوت الزغاريد على باب الغرفة من خالته ، التى رافقها عدد من النسوة ، من أجل مرافقتهما من باب الغرفة إلى حيث يقام حفل الزفاف بحديقة المنزل
فأقتربت منه خالته وقـ ــبلته على وجنتيه وهى تقول بسعادة :
– مليون مبروك يا حبيبتى ، ربنا يتمم بخير يلا يا عرسان علشان الناس قلقت من تأخيركم
رافقتها دموعها من أنها اليوم ستضع إبنتها الوحيدة بين يـ ـدين من أحبته كولدها ، والذى تقاسم حبها وحنانها مع إبنتها المدللة ، فرفعت يـ ـد هند ووضعتها بين كف كرم العريض ، وإحتضنت كفيهما معاً بين كفيها ، كأنها بذلك تعبر عن مدى مباركتها لتلك الز يجة
بلل كرم شـ ـفته السفلى بطرف لسانه ، فشـ ـفتيه أصابهما الجفاف ، كأنه أرتوى من ماء البحر المالح ، الذى لا يجعل المرء يشعر بالإرتواء ، بل يزيد من شعوره بالظمأ ولهفته للماء ، فهاتان الساعتان الماضيتان ، كان يصارع قلبه وعقله ، فعقله وكبرياءه ما أنفكا عن جلده بسياط التأنيب على أنه سيرضخ لأن يكون لعبة بيـ ـد زو ج خالته إشتراها من أجل الترفيه عن إبنته المدللة ، ولكن غلبته عاطفته كالعادة ، ولم يشأ أن يتسبب لهم بفضيحة تتغنى بها ألسن الجميع ، من أن العريس فر ليلة الزفاف
– يلا بينا يا هند
قالها كرم وهو يمد ذراعه لها قليلاً لتتأبطه ، فإحتضنت ذراعه بكفها برقة ونعومة ، تكاد تشعر بسريان الدماء بذراعه المفتول العضلات ، ولكن إنزلقت يـ ـدها سريعاً حتى وصلت لكفه وتشابكت إيـ ـديهما سوياً ، مفضلة أن تشعر بدفء يـ ـده ، لعله يخفف من شعورها بالبرد المفاجئ ، ولا تعلم هل شعورها بتلك الرجفة الخفيفة عائد للطقس المائل للبرودة ، وكونها ترتدى ثوب زفاف أكمامه ذات قماش ناعم وخفيف ، أم أن هناك سبباً أخر جعل البرودة تسكن أوصالها
– يلا بينا يا حبيبى بس كلامنا لسه مخلصش
قالت هند وهى تهمس قريباً من أذنه ، فخرجا من الغرفة يتبعهما والدتها والنسوة ، يلقين عليهما أوراق الورد وحبيبات الملح الناعمة ، وصوت الزغاريد يصدح بأذنيهما ، هبطا الدرج بحرص وكرم يساعدها برفع ثوبها الثقيل ، لكى لا تتعثر به أثناء هبوطها الدرج ، فوصلا للحديقة فتعالت الصيحات والتصفيق الحار ، كأن المدعويين يعبرون عن سعادتهم برؤية العروسان أخيراً ،أقترب منهما والد هند وسيمات وجهه تطفح بالبشر والسرور ، من رؤية إبنته صارت اليوم عروساً ، وأن من تزوج بها شاب لم يجد خصاله الحسنة ، بأى شاب من شباب تلك الفئة المسماة بالأثرياء
فضم إليه إبنته بحنان وهو يقول بصوت أصابته الحشرجة من تلك الغصة العالقة به ، والناتجة عن تجمع الدموع بمقلتيه :
– حبيبة قلب باباكى أنتى يا هند مليون مبروك وتعيشى العمر كله فى سعادة وهنا
رفعت هند ذراعيها وطوقت أبيها ، وردت قائلة وهى تحاول جاهدة السيطرة على تلك العبرات التى أحرقت جفنيها :
– الله يبارك فيك يا بابا وربنا ما يحرمنى منك أبداً يارب
تركها أبيها وأقترب من كرم يقدم له تهانيه ومباركاته ، فضمه إليه وربت على ظهره وهو يقول بخوف والد على إبنته :
– خلى بالك منها يا كرم أنا معنديش أغلى منها فى حياتى ، عارف أنك هتحافظ عليها ، مش عايز دمعة واحدة تنزل من عينيها يا كرم لأن دموعها غالية عليا أوى ، لدرجة أن ممكن أعمل أى حاجة فى الدنيا علشانها
– متقلقش يا عمى على هند ، هى فى عينيا
قالها كرم وتصنمت ملامح وجهه وتحجرت عيناه ، هل والد زوجته يقدم تصريحًا مبطنًا لخداعه له ، أم أن حديثه يندرج تحت بند خوف والد على إبنته ، التى لم يكن له أبناء غيرها ، ولذلك يشدد من رجاءه له بأن لا يجعل أى مكروه يصيبها ، ويستدعى بكاءها ، فربت على ظهر زو ج خالته بألية وسرعان ما أنفض المشهد العاطفى بين والد العروس وبين زو ج إبنته
توافد العديد من المدعوين لمصافحة العروسان وتقديم التهانى والمباركات ، وما أن جلسا بالمكان المخصص لهما ، همس كرم بشئ من السخط لكثرة الأعين الراصدة له :
– الواحد إيده وجعته من كتر الناس اللى سلم عليها
فهو صافح العديد من الرجال والنساء ، فمن الرجال من نظر له بحسد كونه إستطاع الزو اج من إبنة رجل ثرى ، يعلم الجميع مدى ثراءه وأعماله ومركزه الإجتماعى والسياسى ، كأنه فاز بجائزة اليانصيب الكبرى ، فكم من شاب تنافس على الزو اج منها ، ولكن باءت محاولتهم بالفشل ، ليأتى الآن ذلك الشاب الفقير والشبه معدم بالنسبة لتلك الطبقة المخملية ، ويتزوج من إحدى ربيباتها
وصل صوت همساته الساخطة لأذنى هند ، ولكنها لم تفهم ما يهمهم به لنفسه ، فلمست ذراعه بأطراف أنامها قائلة بإهتمام :
– فى إيه يا كرم بالظبط مالك مش على بعضك ليه كده
حاول إيهامها بأن كل شئ على ما يرام ، فأخذ يـ ـدها بين إحدى يـ ـديه وتشابكت أصابعهما سوياً ، فرد قائلاً بإبتسامة ، لم يحسن أن يسكن بها شئ من الدفء أو البهجة :
– أبداً يا حبيبتى مفيش حاجة ، جايز بس علشان مش واخد على جو الناس الأغنياء ونجوم المجتمع ، فحاسس أن غريب وسطكم
– غريب وسطنا
قالتها هند وهى تقطب حاجبيها ، فما دلالة حديثه هذا ، وعن أى إناس يتحدث ، ولما يقلل من شأنه ، فهى لا يعنيها شئ سواه هو ، سواء كان ثرياً أو معدماً ، ولا تريد سوى أن تكون الحياة بينهما قائمة على الأخذ والعطاء من مبدأ الحب ولا شئ أخر
فأكملت حديثها وهى تمعن النظر برماديتيه ، لعلها تستخلص سر ذلك الجفاء والبرود ، اللذان تلبساه فجأة :
– كرم أنا ليه حاسة أنك من إمبارح وأنت متغير ، ومش على طبيعتك حتى تصرفك النهاردة غريب وكلامك أغرب
أسدل كرم جفنيه وندت عنه زفرة حارة ، وما أن فتح عيناه وهم بالرد عليها ، رآى وجه مألوف له ، فقال بعفوية :
– نورهان
إنتبهت هند على لفظه لذلك الإسم ، الذى لم تعلم لمن يكون ، ولكن ما أن تتبعت نظرات عينيه ، حتى رآته ينظر لفتاة تقف على مقربة منهما تضع حول عنقها كاميرا وتلتقط لهم العديد من الصور ، فأنزعجت هند من إبتسامة الفتاة لزو جها ، ولكن زاد أمر إقترابها منهما أن جعل الغيرة تعصف بقلبها ، خاصة بعدما رآتها تمد يـ ـدها لكرم
فصافحته قائلة بإبتسامة هادئة :
– ألف مبروك يا كرم
صافحها كرم ونظر إليها متسائلاً بفضول :
– الله يبارك فيكى أنتى بتعملى إيه هنا يا نورهان
إبتسمت نورهان إبتسامة عفوية وهى ترفع الكاميرا بين يـ ـديها ، فقالت وهى تمد يـ ـدها لتصافح هند :
– ما أنا قولتلك قبل كده إن أنا بشتغل فى جرنال ، وطبعاً النهاردة فرح مش عادى علشان العروسة بنت راجل أعمال وسياسى معروف ، فطبعاً الجرنال بعتنى علشان أعمل مقال عن الفرح ، ألف مبروك يا عروسة
بُهتت هند من حديث نورهان العفوى ، فهى لا تعلم من تكون ، ولا تعلم ما سر معرفة بزو جها ، الذى أختفت من وجهه معالم الإنزعاج فجأة ما أن رآى تلك الفتاة ، ولكن رغم شعورها المميت بالغيرة ، إلا أنها صافحتها بهدوء ، حتى لا تنفعل وتجذب الأنظار إليهم
إرتدت نورهان بخطواتها قليلاً للخلف وهى تقول بلطف:
– ممكن بقى أخدلكم كام صورة حلوين بس وأنتوا واقفين مش قاعدين
نهض كرم من مكانه وأخذ يـ ـد هند ، وأخذت نورهان تملى عليهما تلك الوضعيات الملائمة لإلتقاط الصور ، حتى شعرت هند بالسأم وردت قائلة بفظاظة ، ليس لشئ سوى أن تلك الفتاة تتحدث وتمزح مع زو جها :
– مش كفاية كده ولا إيه أصل الصراحة زهقت يا أنسة
أزدردت نورهان لعابها وردت قائلة بإبتسامة مرتجفة من أثر شعورها بالإحراج :
– أه تمام وأسفة لو كنت أخدت من وقتكم كتير
إبتعدت نورهان عن مكان وجودهما ، فقبل أن يعرب كرم عن إستياءه من أسلوب هند الفظ فى صرفها ، كانت الموسيقى الخاصة برقصة العروسان تصدح بالمكان
إسودت رماديتيه وهو يطالع وجه زو جته المحتفن بدماء الغضب والغيرة ، إلا أنه فضل الصمت حتى تنتهى رقصتهما ، ولكن لم يكن لديها الصبر الكافى للإنتظار ، فحدقت فى عينيه بقوة وتساءلت :
– مين دى يا كرم وتعرفها منين ، باين عليكم أنكم تعرفوا بعض كويس
رد كرم بصوت لامبالى ، وكأن الأمر لا يعنيه :
– علشان أريحك يا هند دى نورهان اللى رجعت إسكندرية علشان أخطبها ورفضت لما عرفت إن أنا متجوز
أر تعشت يـ ـديها اللتان تحط بهما على كتفيه ، فنظرتها إليه آلمته ، فحاول تخفيف وطأة تلك الضغوط التى إكتنفتهما معاً ، فأبتلع ما أمكنه من لعابه الذى شعر بمرارته فجأة ، فاستأنف قوله بنبرة هادئة لينة وعطوفة :
– هند مفيش داعى أنك تحسى بالغيرة منها ، واللى باينة فى عينيكى ، اللى بينى وبين نورهان متعداش صداقة عابرة وأنا من ساعة ما هى رفضتنى مشوفتهاش إلا النهاردة وبمحض الصدفة
بعد إنتهاء رقصتهما ، تجمع حول هند العديد من الفتيات ، ففضل كرم الإبتعاد قليلاً عن مكان تواجدهن ، ولكن حظه العثر جعله يقف على مقربة من مجموعة مؤلفة من رجال ونساء تتعالى أصوات ضحكاتهم ولم ينتبهوا على وجوده ، ولكن ما سمعه منهم كان كنصال الخنا جر المسـ ـمومة
فمن بينهم قالت سيدة وهى تدنى برأسها وتضع يـ ـدها على فمها لتكتم صوت ضحكاتها المترافقة مع حديثها :
– أنتوا عارفين العريس شغال إيه ، بيقولوا كان شغال مدرس فى مدرسة هنا وأتنقل الصعيد دا غير أنه محلتوش أى حاجة دا حتى ساكن فى حارة ، يا خبيتها هند الصاوى أتجوزت واحد هيعيشها فى فقر ، دا تلاقى مرتبه ميجيبش حق جزمة واحدة من اللى بتلبسهم ،وهى اللى كانت عايشة فى عز وهنا وباباها معيشها فى نعيم
رد أحد الرجال قائلاً بإبتسامة هازئة :
– ماهم بيقولوا مراية الحب عمية ، أصل العريس يبقى إبن خالتها ، ومتخافيش بكرة اللى أنتى شيفاه محلتوش حاجة ده هيعبى جيوبه من فلوس حماه ، بس طلع واد شاطر قدر ياكل عقل هند الصاوى ، اللى مفيش شاب قدر إنه يخليها توافق على جوازها منه ، دا واد لعيب على حق ، لعبها صح وحط الكورة فى الجون ، وهنياله عروسة مال وجمال
إستمر الحديث بينهم على هذا المنوال ، حتى شعر كرم بتمزيق نياط قلبه على سماعه إساءتهم له وظنهم السئ به ، فكز على أسنانه ليكبح جمـ ـاح دمعاته التى ألحت عليه كسبيل لأن يعتق عينيه من ذلك الشعور الذى يشبه الحـ ـرق ، من تجمع العبرات بمقلتيه ، فما أن وصل للحد ، الذى لم يكن لديه متسع لسماع المزيد من حديثهم الساخر والمؤ لم ، إبتعد بهدوء من المكان ولم يشعروا به ، فرآى هند تلتفت برأسها بحثاً عنه ، فخطى بخطواته تجاهها
– معلش لو كنت خليتك تقلقى أو تدورى عليا
قالها ما أن عاد لزو جته وشد على شفتيه ليرسم تلك الإبتسامة المتكلفة ، وكأنه صار متحجر الشعور والقلب ، لا يفعل شئ سوى أن يبادل الجميع إبتساماتهم المزيفة ، بإبتسامة أشد زيفًا ، ويتمنى لو أن تنتهى الساعات المتبقية لهذا الحفل ، الذى شعر فيه بغربته كإنه إحدى الدمى ، التى تتراقص على أنغام الفلوت ، سعيدة بتقديم دورها على أكمل وجه ، فى حين أنها لا تتعدى كونها كومة من الخشب أو البلاستيك ، تقف على مسرح الحياة ، يتناوبون على مشاهدتها و النظر إليها ، وأحياناً يصفقون لها على أنها إجتهدت وإستطاعت الترويح عنهم ، فما أن ينتهى دورها ، سيتم وضعها بمكانها لحين الحاجة إليها بوقت أخر
فأستطرد قائلاً بآلية:
- أنا تحت أمرك
فذلك هو دوره بأن يبهج نفس إحدى فتيات المجتمع المخملى ، بأن تتخذه زو جًا يغدقها بتلك العاطفة التى خلقها الله بين الرجل والمرأة ، فهو حتى يخشى لفظ تلك الكلمة التى تفسر وضعه الحالى حسبما ما رآه من زيف وخداع ، ولكن ما فتأت نفسه توسوس له بأن لا يتعدى كونه عا هرًا سيتم شراءه مقابل المال من أجل قضاء وقت لطيف مع تلك الفتاة المسماة زو جته ، حتى وإن كان كل شئ سيتم بمشروعية تامة وموثق برابط الزو اج المشروع
❈-❈-❈
ظلت ميس تحدق بشرود فى سقف الغرفة ، التى تمكث بها بالمشفى ، تزامناً مع مرور يدها على بطنها صعوداً وهبوطاً ، فذلك الخواء الذى تشعر به بداخلها ، لم يكن فقط لفقدانها جنينها ، والذى فقدته بذات اليوم الذى علمت بوجوده داخل أحشاءها ، ولكن هناك خواء من نوع أخر ، ذلك الخواء الذى سكن قلبها ، ما أن رآت ذلك الجانب المتو حش والعنـ ـيف من زو جها ، الذى تخلى عن أى أسلوب متحضر بالتعامل معها ، بل بدا كإنسان بدائى شـ ـرس ، من تلك العصور التى لم يكن بها أى مظهر من مظاهر الحضارة ، سوى إستعمال القوة البدنية فى إخضاع الطرف الأخر
أخرجها من شرودها سماعها صوت إدارة مقبض الباب ، فلعل الطبيب جاء من أجل الإطمئنان على أحوالها الصحية ، التى ساءت منذ الأمس ، بعد علمها بشأن إجهاضها ورؤيتها لعمران ، فهو ما أن خرج من الغرفة بوقتها ، ظلت تبكى وتصرخ وتنوح ، حتى جاء الطبيب وحقنها بإبرة مهدئة حتى تكف عن حركتها المفرطة وإهتياجها الغير معتاد ، فحتى الآن لا يعلم جدها أو خالها أو والدتها بشأن ما حدث لها ، وربما كان هذا أفضل ، فهى لاتريد أن يراها أحد وهى بتلك الحالة
أنفتح الباب ولكن القادم لم يكن الطبيب ، بل زو جها عمران ، والذى ما أن رآته حتى صاحت به بحنق :
– أنت جاى ليه يا عمران
أغلق عمران الباب خلفه ، وخطى بقدميه عدة خطوات ، حتى وقف على مقربة من سرير المشفى ، فرد قائلاً بصوت حمل بين طياته الندم :
– جيت علشان أشوفك وأطمن عليكى يا حبيبتى ، عاملة ايه دلوقتى يا ماسة
وضعت يـ ـديها على أذنيها ، وصاحت فى وجهه برفض لحديثه الناعم أو لمناداته لها بإسمها التحببى :
– بس إسكت يا عمران ، أنا مش طايقة أسمع صوتك ولا حتى عايزة إسمع منك كلمة تانية ، أرجوك سيبنى وأخرج
ولكن لم يستمع عمران لرجاءها ، فهى لا تعلم بأى حال صار منذ ما حدث بينهما ، فلو شقت قلبه أو جسده لنصفين ، ربما لن تجد منه إعتراض أو صرخة إحتجاج ، فهو كان يمنى نفسه دائمًا بأن يرزقه الله بطفل ويمنحه إسم والده " مراد " ليعود إسم "مراد الزناتى " يصدح ثانية بين أرجاء المنزل ، ولكن بحماقته إستطاع ضياع تلك الأمنية ،والتى كانت تحملها زو جته بأحشاءها ، التى لم يعشق قلبه سواها هى ، ولم يستطع التفريط به لأنثى غيرها ، ولكن ها هى الآن لم تعد تطيق رؤية وجهه ، فما أن تراه حتى تظل تبكى وتنوح ، كأنها رآت وحشًا أو مسخًا دميمًا
تجاهل إحتجاجها لرؤيته ورجاءها له ، فأقترب أكثر من فراشها ودنا منها حتى كادت تختلط أنفاسهما سوياً ، فإلتعمت الدموع بعينيه وهو يقول بصوت نائح ويـ ـداه تمسد على رأسها :
– أنا أسف يا حبيبتى أسف ألف مرة أن عملت فيكى كده وضيعت الحاجة الحلوة اللى كنت مستنيها
بخيانة إحدى عبراته لعينيه ، سقطت على وجنتها اليمنى ، فجعدت جبينها بعد شعورها بتلك الدمعة السا خنة تلا مس بشرتها ، مدت يـ ـدها وأزالتها بطرف إصبعها بجمود وبرود ، فهى حتى غير قادرة على كراهيته ، ولم تعد قادرة على الشعور بأى من تلك المشاعر التى كانت تفيض حلاوة وعذوبة بينهما ، فهذا هو عمران ، الذى إشتهت نفسها قربه منها ، وكانت تتحين الفرصة من وقت لأخر بأن تقضى برفقته أوقاتاً حالمة خاصة بهما ، فلما الآن تشعر بكل هذا البرود واللامبالاة ، كأن تم فصل قلبها عن جـ ـسدها ولم يعد به أى شعور إنسانى يمكن أن تشعر به تجاهه
مدت يـ ـديها ودفعته عنها وهى تقول بنبرة خالية من الحياة:
– خلاص يا عمران مبقاش ينفع أسفك ولا ندمك ، خلاص كل حاجة راحت حتى الحب اللى كان ليك فى قلبى مات ساعة ما عرفت أن خسرت إبنى ولا بنتى فى اليوم اللى عرفت فيه بموضوع الحمل ، حتى ملحقتش أفرح بحملى زى أى واحدة بتحب جو زها ومبسوطة أنها هتخلف منه ، مكنتش أتخيل فى يوم أنك معدوم الإحساس والإنسانية لدرجة أنك تعتدى عليها بالو حشية اللى عملتها ، أنت قبل ما تأذى جـ ـسمى أنت أذيت قلبى ونفسى وكسرتنى ، ومبروك عليك كده تبقى حققت إنتقامك ، أنا خلاص أتكسرت يا عمران ، كسرت قلب بنت النعمانى يابن الزناتى
وضعت كفيها على فمها ، حتى لا يعلو صوت بكاءها أكثر ، ولكن ما أن سمع عمران قولها بشأن أنها لم تعد تكن له أى حب بقلبها ، كأنه أصيب بضربة قوية على رأسه ، وعن أى إنتقام تتحدث ، فهو إنتقم من ذاته ومن قلبه أبشع إنتقام ، بأن أضاع فرصته الأولى لإنجاب وريث له
رمشت عيناه عدة مرات ، قبل أن يقول بتيه :
– إنتـ ـقام إيه يا ميس ، ليه مش عايزة تصدقى أن حبى ليكى أتغلب على فكرة الإنتـ ـقام ، ومن أول ما بقينا لبعض ، أنا مكنتش بفكر فى حاجة إلا إزاى أسعدك ، بس أنتى اللى فهمتى كلامى مع غزل غلط ومش عايزة تصدقينى وعنادك هو اللى وصلنا لكده
إبتسمت ميس بسخرية وقالت وهى تمسح عينيها :
– دلوقتى الغلط بقى عليا أنا ، وإن أنا السبب فى اللى وصلنا ليه ، فعلاً عندك حق وعلشان كده بقولك إحنا مننفعش مع بعض تانى يا عمران وكل واحد فينا يروح فى طريق ، لأن الحياة بينا مش هينفع تستمر ، فطلقنى يا عمران
تهدل فمه وكست خطوط الإجهاد جانبيه ، فهو على علم ودراية بما تشعر به ، ولن يأخذ حديثها الآن على محمل الجد ، فربما حزنها لفقدانها جنينها وماعانته من آثار إعـ ـتدائه الوحشى عليها ، جعلها تفكر من منطلق أن الفراق بينهما سيكون الحل الأنسب
فندت عنه نهدة عميقة ورد قائلاً بهدوء بعدما جلس على طرف الفراش مواجهًا لها ، ولم يكتفى بالجلوس ، بل أخذ كفها الأيسر بين يـ ـديه ،وربت عليه بحنان وهدوء :
– حبيبتى أنا عارف إن أعصابك تعبانة وأن اللى حصل مش سهل عليكى ، بس بلاش تهدى كل حاجة فى لحظة غضب
– ومقولتش الكلام ده ليه لنفسك ، قبل ما تعمل اللى عملته
قالت ميس وهى تحاول سحب يـ ـدها من بين كفيه ، ولكن فشلت فى سحبها ، وذلك عائد لإحكام قبضتيه عليها ، فكفت عن محاولة جذبها ، حتى لا تشعر بالإنهاك والإرهاق أكثر
– عارف إن غلطت يا ميس ، وأنك مجروحة منى ، ومش لاقى كلام أدافع بيه عن نفسى ، غير أن أقولك سامحينى
قالها وترك يـ ـدها بعهدة إحدى كفيه ، بينما راح بكفه الأخر يمرره على وجهها ، لعله يستجلب عطفها ، أو أن يرى إلتماع خضراوتيها ، مثلما كان معتاد أن يرى بريقهما الملتمع ما أن تشعر بإقترابه منها ، ولكن لم يرى بعينيها الغائرتان سوى الشعور بالخذلان ، بل إنها أطبقت جفنيها حتى لا تراه
فاستطرد قائلاً بلين ورفق وصوت ملتاع بنيران عشقها :
– سامحينى يا ماسة عمران
بشعورها بتمرر إبهامه على شـ ـفتيها ليمحى عنهما تلك الرطوبة ، التى نتجت عن تدفق عبراتها الغزيرة والتى بللت وجهها بأكمله ، قبضت بيـ ـدها الحرة على ملأة السرير البيضاء ، تخشى أن تضربها موجة ضعف من الحنين إليه ، والتى مازال أثره متراكماً بغياهب عقلها ، فهى حاولت طرد كل مشاعر الحنين والإشتياق وكل ما كانت تشعر به تجاهه ، ولكن يبدو ما زال تأثيره عليها حاضراً
فأزدرت لعابها وقالت بضعف لم تحسن إخفاءه بنبرة صوتها المرتجفة:
– عمران أرجوك أخرج برا
اكمل قراءة الفصل
رواية جديدة
لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
للكاتبة سماح نجيب