رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بتول طه - الفصل الخامس والأربعون
رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه
حصريًا لمدونة رواية وحكاية
بعد مرور عدة أيام...
- أنا حقاً فخورة بك... ولكن لا أريد لك أن تتعلق بهذا وتهمل دراستك، فقط أنهي الدراسة الثانوية بمجموع مرتفع واختر الكلية التي تريدها وأعمل معي كيفما شئت... عليك أيضاً أن تُركز بكل كبيرة وصغيرة هنا بهذه التفاصيل وألا تغفل عنها نِهَائِيًّا، عليك أن تهتم بكل الإدارات وكل العاملين لديك وأن تبقى مركزاً دائماً لأن كل هذا سيُصبح لك ولي
شجعت "روان" أخيها "فارس" بتلك الكلمات الداعمة بينما عقب على كلماتها بحماس:
- سأذهب لكلية إدارة الأعمال حتى أستطيع مساعدتك، وأنت ستهتمين بالجزء التقني فأنتِ بارعة به
- لك كل ما تشاء حبيبي الصغير، وأنا واثقة أنك ستكون رجل أعمال ناجح للغاية بيومٍ ما
ابتسمت له ثم داعبته بيدها لتقرص على وجنته بمرحٍ فتحدث هو حانقًا:
- كفِي روان لقد أصبحت رجلاً ولا يمكنك فعل هذا بي
- وأنا أيضاً أرى أن تكفي روان
تدخل صوته الرخيم لتسقط ابتسامة "روان" وأدركت أنه لتوه قد عاد من عمله واختلفت ملامحها بشدة بينما صاح فارس له وهو يتجه نحوه:
- عمر لقد أتيت، كيف كان يومك؟
احتـ ــضنه ليبادله باقتضاب هائل كي يتهرب من تلـ ــمسه لظهره وأجابه بابتسامة:
- بخير، أرى أنها لا بد من أن تكف عن أفعالها، أنا دائمًا ما اتفق معك بالرأي صديقي الصغير!!
سرعان ما حلقت عينيه بتفحص نحو روان التي لم تنظر له وتظاهرت بالعمل وكأنه غير متواجد بالأنحاء حولها واستمرت في اجتنابه تمامًا وتجاهله وكأنه شفاف لا يُرى بالعين المُجردة!
لقد برعت حقاً تلك الأيام الماضية أن تخفي اشتياقها له وغضبها منه على حدٍّ سواء وأمهلته فُرصة أن يقوم بتطليقها، لم تُظهر حاجتها قط لوجوده بالقرب منها ولا مطالبتها بأن يُخبرها بحقيقة التشابه بينها وبين هذه الفتاة التي رأتها معه بنفس الصورة، تخدع نفسها بتلك الرائحة المتعلقة بثيابها صباح كل يوم وبسماع صوته كلما اجتمعا مع أخيها وأمها ليتناولوا العشاء أو الغداء... نعم يؤلمها الاشتياق ولكن هذه الحقيقة الجارحة لها بأنها مجرد تعويض لامرأة أخرى أو تشابهها فهذا ما لم تحتمله!
- سنتناول الغداء معاً اليوم كما وعدتني، أليس كذلك؟
استمعت لأخيها يتحدث له بحماسٍ ولكنها ادعت أنها تعمل ومنشغلة بما أمامها لتستمع للمزيد بمنتهى الإنصات:
- نعم... سأصطحبكما إلى مطعم رائع! لن تتذوقا مثل طعامه في أي مكانٍ آخر
سرعان ما تدخل صوتها المعترض ونست تمامًا أنها تدعي الانشغال وقالت مُعقبة:
- لدي عمل كثير ولن أذ ...
- لا روان أرجوك... لقد أنهينا كل شيء أرجوكِ من أجلي، لم أذهب معكِ لأي مكان منذ مدة وأنت دائمًا ما تكوني منشغلة، فقط هذه المرة ولا تُفسدي خطتنا!
قاطعها بتوسل لتتنهد "روان" ولم تُرد أن تُحزن أخيها فقالت على مضض وهي تُغلق حاسوبها:
- حسناً سأبدل ملابسي وسنذهب... انتظرني إلى أن آتي!
ذهبت معهما وتركت فارس يجلس بجانب عمر ولم يكفا عن الثرثرة معاً، وتظاهرت بأنها تفعل شيء ما على هاتفها ليلاحظها عمر ليطرق الشك قلبه مرة أخرى ولكنه أوشك واقترب أن يعرف إلى من تذهب... فكل ما وجده من وقتها وهو يتبع معها ذلك الهدوء الشديد لا يُشير سوى لابن خالتها "وليد"! ولكنه في انتظار دليل أخير ووقتها يُقسم أنه لن يرحمها لو وجد بينهما أي شيء يُشير إلي ذلك!
❈-❈-❈
جلسوا ثم طلب كل واحد منهم ما يريده وتحاشت روان النظر لعمر حتى قطع فارس الصمت بسؤاله الحماسي:
- هل سأذهب معك لحفلة التكريم؟
- لا عزيزي أنت لم تتعد السن القانونية بعد، بمجرد ما تصبح بالواحدة والعشرين من عمرك سأدع كل هذا لك وحدك، فأنا حَقًّا لا أحب الظهور بمثل هذه الحفلات!
أجابته روان ليعتلي الحزن ملامح فارس من رفضها للأمر بينما تسائل عمر باهتمام:
- حفلة ماذا؟!
أجابه أخوها بنبرة حزينة لأنه لن يحضر:
- حفلة لرجال وسيدات الأعمال حتى يكرمون بها... لقد تكرمت روان السنتين الماضيتين وأنا فقط أود أن أحضرها بشدة بعد يومين من الآن!! لماذا لا يُمكنني الذهاب! قوانين غبية!
اقترب ليهمس بأذ نها متسائلًا بغضب أخفاه حتى لا يُلاحظ أخوها:
- متى كنتِ تنوين إخباري؟
انتظر مترقبًا إجابتها دون أن يبالغ أمام فارس فلم تجبه وقاطعهما هاتف فارس ليجيب وتبادل جزءًا من الحوار مع واحد من أصدقائه على ما يبدو ثمم تريث وسألها:
- أنا حقًا أود البقاء معكما، ولكن هل أستطيع أن ألتقي بأصدقائي؟
سمحت له أخته وأجابته:
- نعم ولكن اذهب بصحبة الحارس وواحد من أفراد الأمن
رأت الحنق باديًا على وجهه وقبل أن يجادلها كلمته بهدوء لم يَغِبْ عنه التحكم:
- إما هذا وإما العودة للمنزل أو البقاء معنا... الاختيار لك
ترقبته بهدوء وأكملت تناول طعامها ليتحدث فارس لصديقه:
- حسناً أعرف ذلك المكان... ربع ساعة وسأنضم لكم... وداعاً
نظرت له روان بصرامة غير مُصدقة أنه قد رد بالفعل على صديقه وسيذهب وسرعان ما أخبرها:
- سأذهب مع السائق والأمن كما تريدين، لا تنظري لي هكذا
تنهدت باقتناع ثم ودعت أخاها وكذلك قام بتوديع عمر ثم ذهب لتلاحظ تلك الأعين التي تشاهدها باشتعال الغضب بهما وسألها مرة ثانية:
- أكنت تنوين الذهاب دوني؟
زفرت بضيقٍ ثم حدثته هاكمة :
- ولماذا تكترث؟ ألم تصلك دعوة الخلع؟
استمرت في تحاشي النظر إليه بينما انتظرت سماع إجابته:
- بلى وصلتني... ولكن ستقع الدعوة وسترين أنني أملك آلاف الحُجج والحيل ولن تحصلي على الطلاق مني روان!
تحدث بثقة وغرور ورفض قاطع لا يحتمل النقاش ليقرر أن يستمر في هذه اللعبة التي باتت تصيبه بالغضب ونفاد الصبر على حد سواء... فلقد بات كل ما تفعله من تجاهل وتجنب له وكذلك ذهابها لهذا العقار الذي لم يتكرر بعد إلى الآن أكثر مما يستطيع الصبر عليه ووقت المواجهة قد اقترب حتمًا ولن يدعها لتتحكم بالمزيد من هذه العلاقة التي كادت أن تُفقده سيطرته على نفسه التي يحاول أن يتشبث بها منذ أيامٍ كثيرة تعذب بها آلاف المرات وهو ينتظر منها ردة فعل واحدة!
ابتلع وظل مرتقبًا قولها ليجدها ترمقه بتحد وكبرياء لاذع من عسليتيها وحدثته بنبرة مُصممة:
- سنرى!! ولكن تذكر أنك من أردت أن نذهب للمحاكم وتلك الضوضاء حول محامٍ مشهور مثلك لن تكون جيدة ولن تكون بصفك وأنا وأنت نعلم هذا جيدًا!!
أخبرته ليضحك ساخراً لتشعر بالاستفزاز ولكنها أكملت مسلسل التجاهل ثم نهضت لتُمسك بحقيبتها وهي تجمع اشياءها وتحدثت له مودعة وهي ترفع أحد حاجبيها كمن ظفر بشيء ما:
- لقد أتيت هنا من أجل فارس ليس إلا... وداعًا!!