رواية - كما يحلو لي النسخة القديمة بتول طه - الفصل الثالث والأربعون
رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه
حصريًا لمدونة رواية وحكاية
هل يشعر بالغيرة من أخيه؟ هذا لا تُصدقه، هل وصل به انعدام الثقة حتى لأخيه الذي يُفترض أنه يعرفه منذ سنوات؟ وكلمات والده تلك لم ترحها، ما الذي يقصده بعدوانيته؟ ما الذي يفعله؟ ولماذا هو يشعر كثيرًا بالفخر ب "عمر" خاصة أكثر من "عدي" و "عنود"؟ هل هذا لأنه محام مثله بنفس مجاله ويُشابه قلبًا وقالبًا؟ ولا حتى طريقة تعامله مع أخيه جعلتها تشعر بالراحة، بالمقارنة مع ما أخبرها به والده اليوم وبين أفعاله وتصرفاته وقلة حديثه عن ماضيه الذي لم يحدث تضاربت أفكارها أكثر وظنت ظنا كاد يُقارب اليقين بأن أحدهم يختلق الكذب لا محالة!
انتهت من الاغتسال دون أن تصل المياه لشعرها ثم ارتدت ملابسها بعد أن جففت جسدها وخرجت تتجه صوب الباب تمامًا وأعلنت بحسم وهي تلمحه يجلس يُطالع كتابا ما بيده:
- سأذهب لتناول أي عصير، وسآتي على الفور! فهناك لهيب يسري بداخلي ومن الأفضل ألا يواجهه أَيًّا منا!
تابعها ببرود قاتل وهو لا يعجبه لهجتها المُحذرة إلى أن اتجهت وأغلقت الباب وزفرت بإرهاق، لولا أنها انغمست ببعض البرمجة اليوم وإصلاح هذه الأنظمة لكانت فقدت عقلها، تبدو أن عائلته مجنونة مثله، ولكنها لن تستسلم سوى لمعرفة ما تريد معرفته والحصول على سبب منطقي لذلك الاضطراب الذي يلحق به!
مشت آخذة خطوات كي تحصل على أي سائل بارد يُهدئها قليلًا بينما توقفت وهي تُفكر مَلِيًّا، يبدو أنهم بأكملهم عائلة جيدة ولكن لم يكن بينها وبين أخيها مثل هذه المعاملة بيومٍ من الأيام! قد يكون هذا لاختلاف فرق السن بين "عمر" وأخيه وكذلك بينها وبين "فارس" ولكنها كذلك لم تجد أي علاقة مميزة تجمعه بأخته الصغيرة التي تصغره بكثير من السنوات... أطنبت بالتفكير لتجد كيف أن كل العائلة كانت تُدافع عنه باستمات و"عدي" يمزح أثناء تناولها الفطور... هناك شيء غير منطقي!!
حاولت التفكير بالكثير من الأشياء ولكنها لم تجد سبيلًا بين كل هذا التشتيت لتتنهد وقررت أن تقص كل شيء على تلك المستشارة الزوجية علها تستطيع أن تُساعدها بالأمر!!
❈-❈-❈
استيقظت لتشعر بالظمأ ومحاوطة ذرا عيه لخـ ـصرها بعنف لتنفلت من أسفل يده بحرص ألا توقظه فاستطاعت أن تفعلها بعد صعوبة ثم تفقدت الوقت لتجدها السادسة والنصف صباحاً وذهبت للمطبخ بعدها لتجد "عدي" جالس هناك بجانبه كوب لمشروبٍ ما فسألته بنبرة ناعسة:
- ألا زلت مستيقظاً؟
- تبقى شركتان...
أجابها ثم ارتشف من قهوته بينما توجهت هي للمبرد وصبت كأسًا من المياه لتتناوله عله يذهب بظمئها بينما استطردت كلماته ببعض الإرهاق والتهكم:
- مر الكثير وتبقى القليل على كل حال... لا أدري متى ستتوقف مشاكل العمل اللعينة هذه!!
همس بينما صب تركيزه على ما أمامه بالحاسوب فتوجهت لصنع القهوة فلقد ذهبت رغبتها بمتابعة النوم بالفعل وقررت بداخلها أن تحاول معرفة المزيد عن تلك العلاقة المتوترة بينه وبين زوجها وما السبب بها ولكنها لن تسأله مباشرة وحدثته قائلة:
- سأستكمل العمل معك حتى ننتهي سريعًا
أخبرته ثم ذهبت لإحضار حاسوبها وجلسا يعملان ثم باغتته بالحديث بعد مدة كي لا يُلاحظ تحرقها شوقًا لمعرفة الكثير من التفاصيل وسألته مُدعية العفوية على الرغم من كل تلك الأفكار التي لا تتوقف برأسها:
- لماذا أنت وعمر هكذا، ألستما صديقين بما أنكما أخوان؟
سألته ليضحك ساخرًا لها ثم حدق بها وحدثها هاكمًا:
- أنا وعمر... أصدقاء؟، هذا مستحيل!!
توقف لهنيهة ثم استكمل حديثه:
- نحن مختلفان للغاية... كل مننا في عالم آخر لا يُشارك به أخوه!
- لماذا؟!
عقبت متسائلة بتلقائية تمنت أنها تتضح على وجهها بصحبة بعض نظرات الاستغراب كما أنها تضرعت بداخلها أن يكون "عدي" ثرثارا على عكس أخيه حتى تستطيع معرفة المزيد منه عن أي شيء بحياة زوجها...
- حسناً...
همس مُعقبًا ثم تنهد بتفكير وكأنه يُزيح ثقلا من فوق صدره أولًا حتى يستطيع المتابعة وبعد هنيهة فعل:
- هو أكبر مني بأربع سنوات وأغلب الوقت وأنا صغير لم يكن بالمنزل لدراسته بالمدرسة العسكرية وحتى حينما كان يأتي بالعطلة كان قليل الحديث على عكسي كنت ثرثاراً للغاية... دائماً ما كنا نتشاجر... كان هو بارداً للغاية بينما أنا كنت أُحب الكرة وكل تلك الألعاب الصبيانية وأتذكر أنني كنت أتذلل له ليلاعبني ولكنه كان يأبى فبدأت بتكوين صداقات لي بعيداً عنه... بعد أن قام بصدي بطريقته الغريبة... عمر دائمًا ما تجديه بين طيات الكتب والسكون والهدوء المبالغ به ولم أكن أنا مثله أبدًا! كنت أحب الصخب والألعاب والصداقات الكثيرة وشيئًا فشيئًا لم تنشأ بيننا علاقة قوية منذ أن كنا صغارًا فلم ننجح بفعلها بعد أن صرنا رجالا...
توقف عن الحديث واستطاعت أن ترى الاستياء جليًا على ملامحه فتعجبت باهتمام:
- لماذا كنتما تتشاجران؟
زفر بعمق وسيطر على وجهه المازح دائمًا بعض الوجوم وأجابها:
- كان دائماً يُدمر ألعابي، كان يذهب مع أبي لشركته وكانا يرفضان أن أذهب معهما، وفي وقت عطلته كانت أمي تتفرغ له تماماً بحجة أنه لم يمكث معها لأشهر، لم أكن أمانع حقاً ولا أبغض ذلك بل وددت التقرب له ولكن كان يرفض دائماً حتى بدأ في التغير...
حك "عدي" رأسه كمن يحاول أن يتذكر شيئًا حدث منذ زمن ثم استطرد متابعًا:
- بالجامعة، أظن عندما كان بالمرحلة الثالثة... أصبح يبتسم ويضحك ويمازح ولكن بالطبع بحرص شديد وبحدود ومن ثم تغير كثيراً عندما أنهى فترة تجنيده وأصبح حاد الطباع تجاه الجميع وذهب وبدأ في تكوين شركته الخاصة وكان بالكاد يُرى بالمنزل ومن ثم ابتاع لنفسه منزلاً، وتوسعت شركته ليوسعها لأكثر من فرع حتى اكتسبت شركات المحاماة خاصته سمعة جديرة بالاحترام وحتى أعتى القضاة كان يحترم كل المحامين لديه، وظلت تزداد شهرته فدخل عالم الاقتصاد والاستثمار بالكثير من الأشياء حتى أنا أذهب لأماكن لأكتشف صدفة أن أخي يملكها... أنا حقاً فخور به ولكنه دائماً يُعاملني بجفاء وصلابة منذ أن كنت صغيراً ولا أدري لماذا!! لذا ليس لدي أي إجابات عن هذا السؤال تحديدًا سوى أن أخي كان وحيدا يُحب وحدته وكانت أفعاله شرسة وعدوانية للغاية!
سكت ليعتلي الحزن ملامح "روان" عندما اختلفت ملامحه للأسف أكثر منها للاستياء وهمست ببعض التلعثم:
- حقاً اعتذر لك...
- لا لا، لا تعتذري... لقد تعودت... كما أنني أستفزه بطريقتي ولكني أقسم أنني أمازحه فقط، ولكن أنا أتفاخر بأخي، أخٌ كمثله يدعو للتفاخر أمام الجميع ويبدو أنه سعيد معكِ... لم أظن أنه سيتزوج حقاً بيومٍ ما ولكنه أدهش الجميع بقراره فجأة...
قاطعها بمرح وسرعان ما تخلص من ذلك الاستياء الذي كان يظهر عليه ثم واصل كلماته:
- بل أرى أنه سعيد للغاية، يكفِ فقط تلك النظرة التي تعبر عن حبه الشديد لكِ، أتمنى لكما السعادة كما أتمنى أن أحظى بفتاة رائعة مثلك روان أستطيع أن أكمل حياتي معها...
ابتسم لها ابتسامة صادقة بعيدًا عن ذلك التلاعب الذي يدعيه أمام "عمر" فقط لإثارة حفيظته ومُضايقته لتبادله مثلها وأخبرته بلطفٍ ولباقة:
- شكراً لك عدي... أتمنى أن تجد تلك الفتاة يوماً ما
تنهدت وحاولت التركيز فيما أمامها وهي يتآكل عقلها لماذا كان يُعامل عدي بتلك الطريقة؟ ولماذا هو عدواني، ما الدافع لكل ذلك؟!
- صباح الخير لك أيضاً أخي العزيز
فجأة تحدث "عدي" لتُنبهها كلماته لترفع "روان" نظرها الذي اتجه نحو "عمر" حيث وجه له أخوه الكلمات منذ أقل من جزء من الثانية لتجده استيقظ للتو وعلى ملامحه أثار النوم ولم تستطع أن تُفسر تلك النظرة الجديدة بعينيه التي تزداد ظلمة وقتامة كلما كان "عدي" بالقرب منها وإلى الآن لا تستطيع أن تُصدق بشأن الغيرة التي تراها على ملامحه كلما كانت بصحبته أو تساعده أو حتى تتحدث عنه!
- صباح الخير
ابتسمت له وهي تُلقي عليه تحية الصباح ولكنه أومأ باقتضاب مبالغ به بالكاد تحركت رأسه وهو يفعلها وذهب ليصنع القهوة في صمت ليبادلها "عدي" نظرة تعجب وهمس بشفتيه دون صوت:
- حاد الطباع
طريقته بصحبة ملامحه المازحة دفعتها للضحك بصوتٍ مسموع ليلتفت لهما عمر غاضباً وصاح بكليهما:
- واللعنة، ما الذي يحدث هنا؟
لم يكترث لما سيُصيب أي منهما بسبب كلماته فلقد اكتفى منذ الأمس بمضايقة عدي له بمثل هذه السخافة ليتلمس أخوه اللذة والمتعة بمضايقته التي يستطيع أن يفعلها بمنتهى السهولة فأجابه وكأنما سؤاله غاية في الجدية:
- تساعدني تلك الأميرة الفاتنة بكارثتي... هذا كل شيء
نظر عدي بطرف عينه لوران ثم أعاد نظره لعمر باستفزاز منتظرًا أن يرى الغيظ على ملامحه بينما أردف الآخر بمنتهى البرود الشديد:
- لقد حكمت على نفسك عدي!
اقترب منه بخطوات غاية في الهدوء دون تعجل وبمجرد استقراره أمامه لكمه بفكه لكمة قوية لتغطي روان فمها الذي سقط بدهشة ثم نهضت لتحول بينهما ولا تعرف ما الذي استدعى كل جنونه هذا!!
- تباً لك... لقد آلمتني أيها الوغد
صاح عدي به بينما مسك فكه متألماً وصاحت به "روان" متعجبة:
- ما بك عمر؟ ما الذي حدث لكل هذا؟
رمقته باستغراب غاضبة وهي لا تُصدق فعلته التي فعلها بمنتهى الأريحية وكأنه شيء تلقائي طبيعي لم يخطئ به ولكن ما جعلها تشعر بالذهول كانت كلماته التالية التي تساءل بها بمنتهى الاستهجان:
- أيروقك مغازلته لكِ منذ الأمس أم أنتِ كفيفة لا ترى ما يحاول فعله وقوله؟
شاهدها برمقات من فمحميتيه بمنتهى الغضب وحدق بها لتشعر بالخوف من تلك النظرة بعينيه ولكنها صمدت وتماسكت وكلمته باعتراض تام لمبالغته بالأمر:
- هو فقط يمزح عمر... أنت حقاً لا تطاق! كيف لك أن تتخيل أن أخاك يفعل هذا!
صاحت به غاضبة ثم أمسكت بالحاسوب وتوجهت للغرفة حتى تبتعد عن تصرفاته المختلة التي لا يتوقف عنها منذ الأمس ليحاول "عدي" أن يوقفها مُعتذرًا:
- أنا أعتذر روان، لم أقصد أن...
كاد أن يُكمل كلماته ولكنه توقف من تلقاء نفسه عندما تركتهما بخطوات متعجلة وغادرت دون أن تستمع للمزيد... التفت "عدي" نحوه ثم سأله باستنكار:
- هل أنت مجنون أم ماذا؟ أتغزل بها!! هل أنت بوعيك لتقول مثل هذه الكلمات أم إنك فقدت عقلك؟
رفع حاجبيه وهو يقف واضعًا يداه بجيبيه بمنتهى الغطرسة ثم قال بلهجة متقززة يختفي خلفها غضبه من السبب الحقيقي الذي خلف كل ما يفعله:
- أنت منذ رؤيتها وأنت تتغزل بها أمامي... ما بك، ألم تربك السيدة مها الجندي على الاحترام؟ أتظنها إحدى عاهر اتك التي تقضي مع إحداهن ليلة ثم تتركهن؟ ألا تظن أنني أعرف طريقتك المقززة مع النساء وأعلم بكل قذارتك كي أكون مُسْتَعِدًّا عندما تغرق بإحدى مصائبك؟ أتظنني لا ألاحظ نظراتك لها واستفزازك لي خلال التغزل بها والثناء عليها ظَنًّا منك أنها ستستجيب لهذا الوجه الزائف الذي ترتديه؟ أقسم لك إن فعلتها مجـ...
قاطعه متكلمًا بصدمة امتزجت بغضبه هو الآخر الذي اندفع بدمائه ثائرا على كلمات أخيه المجنون:
- اللعنة عليك أيها البغيض!! وحتى إذا كنت زير نساء أظنني سأنظر لزوجتك؟ أتظن أن عقلي سيسمح لي بالنظر لها مثلما أنظر لبقية النساء؟ أنا أعتبرها كعنود، هي أختي أيها المتخلف الغبي... وحتى إذا امتدحتها فهي تستحق الإعجاب ولكن كَأُخْت لي... كالمرأة التي تُسعد أخي بعدما كنت تحيط نفسك بتلك الجدران المحصنة كي لا يقترب منك أحد بعد تلك الفتاة التي كنت بعلاقة معها أثناء جامعتك، لو فقط تعلم كم سعدت عندما رأيتكما وأنت تبتسم بجانبها أو تبدو حياتك سعيدة! تأتي أنت لتُسمعني مثل هذه الكلمات!
توقف لوهلة وهو يرمقه بلوم ثم تابع بقهر:
- لماذا فقط لا تتقبلني كأخيك؟ لماذا كل شيء أفعله تواجهه بصرامة وتعاديه بجفاء... لماذا عمر منذ أن كنت صغيرًا بدلًا من أن تكون أخي الكبير الذي يُدافع عني واحتمي بك وأصادقك وتشاركني ما أفعله كنت تبغضني للغاية وكأنني شرذمة؟ أتدري كم تمنيت أن نصبح أصدقاء ونقترب من بعضنا البعض ولكنك طالما أغلقت الباب بوجهي أمام كل محاولاتي! لماذا تعاملني هكذا وكأنني تقصدت أن أفعل بك أمر ما لا أعرف عنه شيئًا؟
تريث واعتلت نبرته الحزن وواصل:
- لو فقط ترى كمْ أتفاخر بأنك أخي أمام الجميع ما إن يذكرك أحد أمامي، لو تنظر لترى أنك مثلي الأعلى وليس أبي، لو تشعر بأنني أحاول أن أجذب انتباهك حتى تلاحظني وأحاول أن أكون مثلك بل وأقلدك أحيانًا ولكنك لا تكترث... لا تظل تحمل لي سوى الكراهية التي لا أعلم سببها منذ أن كنت صغيرا!! أنت شخص مريض... حقاً هناك شيء بك ليس بطبيعي ولا منطقي!
هز رأسه بحزن ثم استطرد بينما الآخر ينظر له بكراهية وهدوء مبالغ به:
- أنت أسوأ رجل اضطررت أن أتعامل معه بحياتي بأكملها! تجعلني أندم أشد الندم على كل لحظة أملت أن نكون مثل أي أخوين بيومٍ ما... يا لسوء حظ زوجتك وكل من يتعامل معك! لا أعرف كيف يستطيعون فعلها... سأغادر عمر... ولكن لاحقًا ستندم على ما تفعله معي!
رمق بعضهما البعض بنفور بينما استمعت هي لكل ما تكلما به وأحست بخطواته لتختبئ بسرعة قبل أن يراها أحدهما وما إن مر "عدي" حتى تريثت لوهلة وهي تُفكر بتلك الكلمات التي دارت بينهما، بداخلها تشتت عقلها الذي أخبرها ألا تتحدث له الآن، لم تتصور أنه يعامل أخاه بهذا الجفاء، هو حتى لم يدافع عن نفسه بأي كلمات بل تقبل الأمر وكأنه شيء عادي وأمر مسلم به، هل هذا كله بسبب والده؟ أهو من زرع بينهما الكراهية؟ أم أن عمر كره التمييز بينهما لأن عدي كان يحظى بالجو الأسري الهادئ بينما عمر كانت حياته مختلفة عنه مثل ما أخبرها برسالاته؟ أطنبت بتفكيرها أكثر وبم عليها فعله ولأي منهما تذهب لتُصلح الأمر لتحسم قرارها واتجهت صوب الغرفة مباشرة وهي تُكمل تفكيرها كيف ستصلح مما حدث ولكن عليها أولًا الهدوء حتى تستطيع اتخذا قرارا مناسبا وتعمل على الأقل على حل سوء الفهم الذي انتشر بعقل "عمر" وكذلك عليها أن تتأسف لأخيه على تلك الكلمات التي رماها به.
❈-❈-❈
لم تشعر بالوقت وشردت بإنهاء العمل أمامها، لم تلحظ أنها انتهت بل وأخذت تشرد بما حدث بين عمر وأخيه ولم يجذب انتباهها إلا إحدى الطرقات لتنهض متوترة وهي تتمنى أنه ليس عمر. من الطارق؟!
صاحت بتوتر من خلف الباب وهي لا تريد مواجهة أَيًّا منهما بعد بينما أتاها الرد ليُطمئنها قليلًا:
- أنا عنود
نهضت واتجهت لتقوم بفتح الباب لها بينما حدثتها الأخرى بمجرد التقاء أعينهما بنبرة مرحة:
- أين أنتِ... نحن ننتظرك حتى نتناول الإفطار معاً، هيا ارتدي تلك الملابس، أتمنى أن تعجبك وأسرعي لأننا ننتظرك بالأسفل
تحدثت عنود بلهجة متسرعة وببراءة وبعينيها شعلة من الحماس لقضاء اليوم معهما فابتسمت لها بود وردت قائلة:
- حسنًا، سأبدل ملابسي وسآتي في الحال...
- هيا ستقضين معي اليوم بأكمله... يكفي أنه أبي وعُدي سرقاك مني أمس ولن أسمح لأحد غيري أن يستحوذ على وقتك...
أخبرتها ثم غادرت لتصيح بصراخ وهي في طريقها للأسفل:
- لا تتأخري، سننتظرك روان ولن نتناول طعامنا دونك
أوصدت الباب خلفها لتبتسم روان وتنظر للملابس التي معها لتعجبها كثيراً على الرغم من أنها ليست معتادة على مثلها ثم تطلعت بالغرفة وأمعنت النظر لتفاصيل غرفته التي نست بخضم أحداث أمس أن تتفقدها لتغمغم باعتراض:
- تبدو باردة مثلك أيها البارد
تمتمت ثم أوصدت الباب بالمفتاح وأخذت ترى كم أن الغرفة منظمة ويغلب عليها اللوني الرمادي والأسود، ذهبت لتتفقد الأثاث ثم مكتباً صغيرا بأحد أركان الغرفة لتفتحه كي تتفقد ما الذي قد يحويه لتجد بعض الأوراق، ثلاثة كتب، سلسلة مفاتيح قديمة...
فتحت درجًا آخرا لتتفقد ما بداخله لتجد عدة أوراق مطوية فرفعتها لتجد أسفلها بعض الصور فامتدت يدها لأحدها وهي تظن أنها مجرد صور قديمة له لتشعر بالصدمة الهائلة مما رأته بأم عينيها بواحدة من تلك الصور القديمة!!
حاولت أن تتماسك وهي تبحث بطيات عقلها عن معنى الذي تراه، اجتمعت العبرات لتحول بينها وبين تلك الصورة فاعتصرت عينيها لوهلة حتى تستطيع تبين ما هذا الذي تراه...
مدت يدها للصورة بأيدٍ مرتجفة ثم قلبتها لتتأكد من حدثها وتاريخها الذي دون على ظهرها ثم تمعنت بها من جديد لتجد أن الدموع تتهاوى رغماً عنها...
فما كان منها إلا أنها أعادت الصورة مرة أخرى لمكانها وتوجهت لتبدل ملابسها وسرعان ما توجهت للأسفل حيث ينتظرها الجميع مثل ما أبلغتها أخته كي لا تتأخر من باب اللباقة ليس إلا وأقسمت بداخلها أنها لن تمكث للمزيد من الوقت مع هذا المجنون المختل!!
يُتبع..