رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بتول طه - الفصل الرابع والأربعون
رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه
حصريًا لمدونة رواية وحكاية
جلست شاردة بطبقها وهي تحاول التحمل حتى تنقضي هذه الزيارة وتستطيع أن تواجهه بما رأت بمفردهما حتى لا يكون الأمر على مرأى ومسمع من جميع أفراد أُسرته فلاحظت والدة "عمر" شرودها الشديد وعدم تناولها أيا من طعامها فسألتها باهتمام وعناية لحالها:
- روان عزيزتي هل أنتِ بخير؟
تفقدتها بقلقٍ وهي تنتظر أن تجيب تساؤلها لتهمهم "روان"
عند استماعها لاسمها ثم حمحمت وأجبرت ابتسامة وأجابتها سريعًا وهي حَقًّا لم تستمع
للسؤال:
- عفوًا كنت أفكر ببعض شئون العمل، لم أستمع للسؤال...
استغربت والدته لمدى شرودها الشديد وكررت بود تساؤلها:
- كنت فقط اطمئن عليكِ عزيزتي فأنتِ لم تتناولين شيئًا وتبدين شاردة
وشاحبة للغاية، هل أنتِ بخير؟
نظفت حلقها مرة أخرى وابتسمت من جديد بصعوبة ثم ردت مُجيبة:
- نعم أنا بخير، أفكر بعدة أشياء بالعمل ليس إلا...
تناولت بشوكتها بعض الطعام لتبتلعه بإجبار وهي تدعي أنها تُكمل من
طعامها التي لا تود أكثر من أن تتركه وتذهب بعيدًا عن الجميع وفجأة تدخل
"عُدي" بصوته وهو يقول:
- تبدو متعبة أمي...
التفت له عمر ناظرًا بتأفف لتلاحظهما عنود من على مسافة بينما واصل
حديثه:
- لقد سهرت كثيراً ثم استيقظت مبكراً وساعدتني في مشكلة بالعمل،
لولاها لم أكن لأفلت من تلك الورطة... حقاً أدين لها بالكثير...
اتخذت من كلماته ذريعة لما تمر به ورأت أنها حيلة جيدة للتهرب
فقالت:
- أنا بخير... فقط أشعر بالتوعك ربما لقلة نومي واضطرابه بسبب ليلة
أمس... أعذروني قليلاً فلأذهب لأستلقي
ابتسمت نحو الجميع بلباقة متناهية ثم نهضت وكادت أن تذهب ليتفقدها
"عمر" متفحصًا ثم تحدث مخبرًا إياها:
- أظن أنه يجب أن نعود للمنزل حتى تستريحي
نهض هو الآخر وانتظر بهدوء أن تقول شيئًا بينما لاحظ أن مُقلتيها
تجاهه تصرخان بالكثير مما لا يفهمه لتنهض عنود مثلهما ثم تكلمت باستياء شديد:
- لقد وعدتني روان بأنها ستقضي اليوم معي... لا عمر أرجوك لا تعودا
الآن... دعها تسترح قليلًا ثم اقضيا اليوم معنا...
التفتت لها "روان" بابتسامة مُعتذرة ثم حدثتها قائلة:
- أعدك أننا سنفعلها لاحقاً وسنذهب للتنزه وسيكون يوماً للفتيات فقط،
ولكن اعذريني اليوم فأنا لست على ما يرام
تعجب عمر من نبرتها المليئة بالحُزن وكأنها على وشك البُكاء فهو لا
يعرف ما السبب خلف حزنها الشديد هذا ووجدها تواصل حديثها الذي وجهته للجميع وهي
توزع نظراتها بينهم:
- لقد استمتعت بقضاء اليوم معكم... سآتي مرة أخرى أعدكم... بعد
إذنكم...
استأذنت الجميع باحترام وودعتهم ليبادلوها ثم غادرت ليتابعها
بعينيه متسائلًا بداخله عن تلك الملامح الغريبة التي تعتلي وجهها، وبعد عدة أسئلة
وجهها له الجميع ولم يجد بالطبع إجابة عنها تبعها ليرى ما الذي جعلها تبدو بهذه
الطريقة الغريبة!
❈-❈-❈
دخل الغرفة ثم أغلق الباب بهدوء خلفه ليراها شرعت بالفعل في تجميع
أغراضها ورأى تصميمها الشديد على المغادرة وكأنها ليست هي نفس المرأة التي طالبت
بالقدوم لقضاء عدة أيام بصحبة أُسرته فسألها بنبرة فارغة من المشاعر:
- ماذا بك؟ هل حدث شيء؟
سقط صوته على مسامعها لتشعر بنبرته الجافة التي لن تتغير أبدًا
وشعرت بمدى سذاجتها الشديدة لتصديق رجل مثله بأنه يعشقها ويحاول أن يتغير معها وكل
تلك التفاهات التي ظنت أنها قد تجعل من زواجهما زواجا ناجحا وسعيدا!
لم تجبه وظلت تجمع أشياءها ولم تعره أي اهتمام وتصرفت وكأنها وحدها
بالغرفة دون وجوده ليزفر بضيقٍ ثم تكلم مخمنًا:
- هل تتصرفين هكذا بسبب لكمتي لعدي... هو يستحقها
أخبرها وظل يتابعها بنظره بنفاد صبر ولكنها لم تعقب على قوله فاتجه
نحوها ثم جذب ذراعها بعنف وصرخ بها:
- واللعنة! أنسيت كيف تحترمينني وتجيبينني؟ يبدو أنني تهاونت معكِ
كثيراً حتى تعامليني هكذا، ما الذي حـ...
كاد أن يُكمل ولكنها باغتته بصفعة قوية ولم تكترث بالجحيم التي
اشتعلت بعينيه ولا تلك النظرات القاتلة التي أوشكت على اقتلاع قلبها من مكانه بل
لو كان عليها مواجهة أي شيء فهي لا بد لها أن تواجهه بمنتهى الصلابة حتى تُنهي هذه
الحياة الموترة للأعصاب التي باتت أسوأ فترات حياتها بأكملها!
- أجل لقد نسيت... أو لنقل تناسيت أنك شخص مريض ومختل ولكني عاملتك
باحترام وتسامح وغفرت لك كل فعلاتك الشنيعة... ولكن حقاً ما لم أتوقعه هو أن تكون
كاذبا ومخادعا!! إياك أن تتبعني أو تحدثني أو تحاول الاقتراب مني!
صرخت بوجهه ثم تناولت هاتفها لتحضر السائق بينما أخذت تجمع بقية
أشيائها بحقيبتها ولم تكترث له على الرغم من خوفها الهائل من ردة فعله وذهبت متجهة
للشرفة وما إن رأت اقتراب هذا الموكب من السيارات والحراسة التي فرضها عليها من
منزل أبيه حتى تناولت نظارتها الشمسية وخرجت لتودع الجميع الذين كانوا لطفاء معها
للغاية عكسه هو ولم تجد سببًا لاختلافه عنهم وكأن كل ما فعلته منذ قدومها هو فقط
اكتشاف المزيد من تصرفاته السخيفة التي لا مبرر ولا سبب لها!
أوشكت على أن تذهب للسيارة حتى تغادر فناداها "عدي"
فتوقفت قبل دخولها والتفتت ناظرة له وأجبرت ابتسامة مقتضبة على شفتيها وحدثته
قائلة:
- نعم عُدي
- أعتذر على ما حدث صباح اليوم، أنا وعمر لطالما كنا هكذا... وشكرًا
لكِ مرة أخرى على كل ما فعلتيه معي بشأن العمل
ابتسم لها بصدق وامتنان ثم أضاف قبل أن تقول هي شيء:
- أرجوكِ اعذري طباع أخي الحادة، هو معروف بها منذ أن كان صغيرًا...
أومأت له ثم حاولت أن توسع من تلك الابتسامة المجبورة لتبدو في
النهاية ابتسامة انكسار جلية على ملامحها ثم حدثته لتنتهي وتغادر بعيدًا عن
الجميع:
- سأهاتفك عدي... لا تشكرني على شيء ولا تتردد في طلب أي شيء مني...
أخبرته ثم ودعته بإيماءة صغيرة ودلفت السيارة بعد أن ساعدها وفتح
لها باب السيارة بلباقة بينما أشتعل "عمر" من عدم سماع ما تحدثا به
وانطلقا ولم يتفوه أحدهما بكلمة للآخر طوال الطريق وحاول أن يتماسك ألا يتحدث عن
تلك الصفعة التي صفعته بها وهو يُفكر كيف سيُحاسبها عليها فآخر مرة فعل كان على
وشك خسارتها للأبد...
وصلا منزلهما ونزلت "روان" بسرعة وتحججت بالإرهاق بعد أن
سلمت على الجميع حتى تُصبح وحدها وتوجهت لغرفتها ومنها إلى الحمام وأوصدته خلفها
جيدًا كي لا يستطيع أن يقوم بإتباعها وفتح الباب وفتحت الصنبور لتقف تحت المياه
تبكي بحرقة لشعورها بخداع عمر لها طوال الفترة الماضية...
ربما كانت غبية منذ البداية، ربما كانت ساذجة بشأن العلاقات في
المطلق، قد تكون مريضة وتشعر بالرعب من اهتزاز صورتها بأعين الجميع وتريد فقط أن
تكون امرأة سعيدة بزواجها، لا تريد أن تكون فاشلة ولقد ابتلاها قدرها بعشق رجلٌ
مريض مثله... قبلت كل هذا، ظنت أنه مع الوقت سيتغير، سيكونان أفضل، حاولت آلاف
الأمور معه، حاولت تفهم ساديته وحاولت أن تُرضيه وتقبلت كل ما به، ولكن أن تصبح
مجرد بديل لامرأة أخرى، هذا لن تتحمله!
الآن كل شيء يبدو منطقيا، تزوجها في غضون أيام وهو يجعلها توقع على
عقد زواجهما دون حتى شهود، يستطيع فعل الكثير والكثير ودائمًا ما شتتها بالكثير من
الحُجج المنطقية واللا منطقية، وكانت على قدر هائل من الغباء ألا ترتاب بالأمر!
ما الذي سينفعها به الجميع الآن عندما تنظر لفحميتيه وهي ترى بهما
انعكاس صورتها التي هي مجرد صورة أخرى لحبيبته التي عشقها لسنوات... يا له من كاذب
ومخادع!! يا له من حقير، اشتد نحيبها الذي كانت تحاول أن تكتمه وظنت بتواجدها هنا
بالحمام أسفل هذه المياه الدافئة سيُهدئ من وطأة ما تشعر به ولكنها غبية وتزداد
غباءً ببقائها هُنا!
ما الذي تفرقه الآن عن أي امرأة ضعيفة فاشلة لا تستطيع أن تتملك
زمام أمور حياتها؟ ما الذي أدت إليها كل محاولاتها مع هذا الرجل الملعون الذي يكذب
ويكذب ويتمادى بكذبه؟ تقسم أنها أسوأ حالًا من تلك النساء التي تثرثر بأنها لا
تمتلك حَلًّا مع زوجها ولا تملك شيئًا تستطيع النجاة من زوجها باستخدامه... ولكنها
لن تكون بمثل هذا الضعف...
يكفيها محاولات، ويكفيها عشقًا لرجل كل يوم ستكتشف عنه المزيد
والمزيد من الأسرار والألغاز التي لا تنتهي، لقد حاولت معه بدل المرة آلاف
المرات... ولقد كان لديه كل الوقت ليُخبرها، ولقد سألته هي بدلًا من المرة مئات
المرات عن علاقته بها ولكنه لم يُعطها تفاصيل تُذكر! ولكن لا، لن تكون مجرد بديلة
لامرأة ثانية... قد تتحمل الكثير من أجله ولكن ليس هذا! لقد طفح بها الكيل من كل
ما هو عليه وبه!
جمعت شتات نفسها ثم خرجت للغرفة لتنظر لعمر الذي بدا كالوحش لحظة
افتراس فاقترب منها ليتطلع لعينيها الداميتين ليدرك أنها كانت تبكي بشدة ليسألها
مُطبقًا أسنانه بعنفٍ حتى كادت أن تتهشم:
- تحدثي وأخبريني ماذا حدث وإلا أقسم أن...
- ستطلقني عمر بمحض إرادتك
تحدثت بكبرياء لتقاطعه بحرقة ثم واصلت:
- أم تريده خلعاً؟
نظرت له بغرور بطرف عينيها والغضب ينهمر من عسليتيها وكمْ احتقرت
نفسها أنها كانت بمنتهى الضعف منذ البداية ثم توجهت لغرفة ملابسها وأبدلتها ولم
تكترث إذا كان ينظر لها أم لا!!
تبعها وهو لا يُصدق ما تقوله وقد ظن بالفعل أنه قد تخلص معها من
تلك الفكرة بانفصالهما وهو إلى الآن لا يجد سببت منطقيا يستطيع أن يفهم خلاله ما
الذي دفعها للتصرف بهذه الطريقة الغريبة ثم حدثها قائلًا:
- هل جننتِ روان؟ ما الذ ...
- بل عاد لي عقلي... لقد اكتشفت كم أنت إنسان مخادع، لا تحبني، كمْ
أردت أن تدفعني لشخص لم أكن عليه... فلننهي هذا بعقلانية وهدوء، تحلى بالاحترام
الذي تشتهر به أمام الجميع ولتتركني وشأني
لم تترك له الفرصة أن يُكمل أي من كلماته التي قد اكتفت منها
بالفعل بالأيام الماضية بل منذ بداية زواجهما فاقترب منه وحاوط ذراعيها برفق
وحدثها بنبرة هادئة عكس ذلك اللهيب الغاضب الذي يفتك به بداخله:
- روان أنا أعلم أنني بالغت مع عدي ولكنه أثار استفزازي حقاً وأنا لا
أحتمل من يُفكر بأن ينظر لكِ، أنت لا تعلمين كمْ كنت غاضباً... أعتذر لكِ... لكن
لا تُفكري بالطلاق لمجرد شجار بيني وبين أخي... أقسم أنني أعشقك وأحاول من أجلك أن
أتوقف عن كل ما لا ترضى به... صدقيني أنا أفعل... وطوال الفترة الماضية أنتِ رأيت
هذا بنفسك!
تحدث بلهفة وأعين ينهمر منها الصدق وكادت أن تُصدقه ولكنها لن تكذب
عينيها بعد ما رأته بغرفته فابتعدت عنه كي تتخلص من لمسته التي تنعكس عليها، لم
يعد عليها أن تُصدق رجلا كان بمنتهى البساطة يُمكنه أن يُخبرها عن الأمر!
رطبت شفتاها وحدثته بهدوء وهي قاصدة ألا تنظر له:
- عمر أرجوك يكفي... إنه ليس بسبب عدي فأنا لست من تدخل بعلاقة أخوة
أو أقرر كيف عليكما التصرف معًا...
تريثت ثم ابتلعت وتظاهرت بالقوة لتنطق حلقها ثم واصلت:
- إن كنت تعشقني مثل ما تقول فأنا لم أعد أجد بداخلي نفس المشاعر لك
بعد اليوم، لي الحق أن أختار بأن ننهي زواجنا، ليذهب كل واحد مننا بطريقه دون جدال
أرجوك!
تحدثت ثم حاولت أن تكتم أنفسها كي لا يرى ولا يستمع لبكائها الذي
فاض من عينيها رغمًا عنها ولم تستطع أن تنجح بها لتنفجر بالنحيب دون أن تنجح في
الصمود ليذهب وهو يحاول أن يتفقد ملامحها بينما هي لا تزال تحاول أن تبتعد عنه
فصاح بغضب يتآكله:
- واللعنة فلتخبريني ما الذي حدث وسبب كل هذا روان؟
نظرت له بأعينها الباكية التي استطاع قراءة ذلك الحزن الدفين بهما
وهي ترمقه بامتزاج من نظرات الاحتقار واللوم ثم نشجت:
- لا تتحدث لي إلا إذا قررت أن تُطلقني...
حاولت كتم دموعها مرة ثانية بصعوبة لتتفاقم صعوبة الأمر عليها أكثر
عندما لمحت تلك الغمامة على مقلتيه وكأنه سيبكي من أجلها حَقًّا!! أسيفعلها الآن؟
يا له من رجل كريم يملك الأحاسيس المُرهفة ويبكي من أجلها!!
فشل تمامًا في استنتاج ما الذي دفعها للحزن والبكاء بهذه الطريقة
ولم يستطع أن يعرف ماذا بها وبعد نظرات عديدة بينهما وهي تحاول أن توقف بُكاءها
ذهب صافعاً الباب خلفه لتنتحب من جديد باكية بشدة ...
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوعين
- حسناً... يبدو أن بسبب طفولته وشعوره بأنه لا يعيش نفس الحياة التي
يعيشها أخوه قد شعر بتميزه عليه، هو يقارن بينه وبين أخيه الصغير، صب كل تركيزه
على أن عدي يمزح ويحيا كالأطفال العاديين بينما هو يستيقظ بمواعيد وينام بمواعيد
وحتى أن مثل هؤلاء الأطفال لا يشعرون بنفس الاهتمام إذا مرضوا وهم صغارة ولا
يجدونه، فلا توجد أمهم بجانبهم ولا من يرعاهم بحب واهتمام لذا بدأت صلابته في
تغييره وما إن شاهد عدي يكبر أمامه بدأ في صب عدوانيته عليه وعلى ما يملكه من
أشياء حتى أصبح يبغضه ولكن ليس لشخص عدي نفسه بل من تصرفات والده اتجاههما...
ووالده كذلك شعر بالتقصير لذلك يحاول أن يعوضه، لذلك قام بنقله من المدرسة كما
أخبرتني بنفسك ويُطري عليه كثيرًا ويفضله عن إخوته، كنوع من التعويض ولكنه ليس
التصرف الأمثل حيث أدى هذا للتفرقة بين الأبناء!!
استمعت إلى ذلك التفسير من قِبل المستشارة الزوجية التي قصت عليها
ما حدث أثناء زيارتها وما تحدث به والده وتمييزه الشديد له والافتخار به على عكس
إخوته...
- لا يهم هذا الآن... هذا شأنه هو ووالده وأُسرته وليس شأني!
تنهدت روان بعمقٍ وهي لا تزال تشعر بأنه كاذب وأنه قام بخداعها ثم
قالت ببرود:
- لقد طلبت الطلاق منه أو سأرفع قضية خلع غداً إذا لم أجد منه
استجابة لمتابعة الأمر بهدوء
زفرت بألم بعد أن انتهت من قولها بينما سألتها "مريم"
باهتمام:
- لماذا تطالبين الآن بالطلاق وترين أنه الحل الأفضل من وجهة نظرك،
هل هذا لشعورك بأن الأمر مستحيل معه طبقًا لاضطراب شخصيته السادية وعدوانيته في
التصرفات أم فقط من أجل رؤيتك لمثل هذه التصرفات تصدر منه تجاه أخيه أيضًا؟
فكرت لوهلة مطنبة بالأمر ثم تحدثت بتردد:
- اعلم أنكِ اخبرتيني عن طبيعة مرضه، وأنه كذلك لن يُعالج إلا لو خضع
بنفسه وبمحض إرادته للعلاج، وأن كل هذا سيستلزم وقتًا كبيرًا للغاية ولن يحدث بين
ليلة وضحاها... ولكنني لن أكذب حقيقة أنه تغير منذ ذلك اليوم بمنزله الجبلي، حتى
أنني أشعر به يحاول أن يحتضنني كل يوم عندما أذهب للنوم أو أدعيه دون أن يتجادل
معي بشيء، نوعًا ما يُعد هذا تَغَيُّرًا به، دون ذلك الضغط الذي كان يُمارسه علي
دائمًا بالسابق، وأستيقظ وأشعر برائحته على ملابسي وهو حتى لا يغضب مثل قبل ولا
زالت علاقته بفارس وأمي على أحسن حال ولكن كوني مجرد نسخة طبق الأصل من حبيبته
السابقة!!
تعجبت "مريم" لما سمعته بينما وجدت صوتها يختنق بالدموع
التي لم تستطع "روان" أن تسجنها بعينيها أكثر من هذا لتنساب على وجنتيها
فنهضت لتناولها منديلًا كي تجفف به وجهها وعلمت أن الأمر بهذا الزواج لم يعد هين
بعد وجود الكثير من العراقيل المخادعة التي لا ينفك زوجها يباغتها بها!
❈-❈-❈
- أيروقك ما حدث؟ أيعجبك أن ترى هذا؟ هل أنت سعيد بذلك الابتعاد
بينكما؟ ولا أعلم الغيب حقًا لأخمن ما الذي غير رأيها هكذا!! هل تصرفك مع أخيك أم
أنك فعلت ما يُغضبها دون ملاحظتك! لا أستبعد هذا عنك في الحقيقة!
تحدث هذا الصوت بداخله مؤنبًا ليرد فَصِيحًا بنفسه:
- واللعنة كف عن الكلام!
مسح عمر وجهه بحنق ثم خلل شعره بعنف ليعود ليفكر ما الذي حدث حتى
تطلب منه الطلاق مجدداً ولكن لم يتركه ذلك الصوت بداخله ليلاحقه بالمزيد:
- هي لا يُعجبها تلك الطريقة التي تتعامل بها، بالطبع لن تتحمل أن
تكمل حياتها مع شخص مثلك... أرأيت حتى عدي يحاول أن تكونا بخير ولكنك لا زلت تغلق
كل باب لمحاولاته بوجهه وترده خائبًا، إلى متى ستبغضه على أمر لم يكن له يد به؟...
لقد قاربت على الرابعة والثلاثين، مثلك يملك عائلة وهو في منتهى السعادة، إلى متى
ستستمر هكذا؟
صرخ بداخل نفسه حتى كادت رأسه أن تنفجر من شدة صراخه:
- أنا أحاول!! أقسم أنني أحاول... لقد صفعتني للمرة الثانية ولم أفعل
أي شيء، لقد تحكمت بي بل وتطلب عنفي وأنا لم أبالغ بأي من أفعالي معها، ما الذي
حدث لها أنا لا أدري، فقط عندما قامت بزيارة أُسرتي ورؤيتها تضحك هكذا مع رجل آخر
تثير غيرتي بجنون ولم أتحم ...
قاطعه صوت نفسه زاجرًا:
- هو أخوك... أتظن أنه قد ينظر ...
- أنا لا أثق به
قاطعه هو الآخر ولم يدع لنفسه الفرصة بالإطناب بمزيدٍ من التفكير
حتى يصدر عن عقله المزيد من الكلمات التي تتركه غاضبا ومصابا بصداع رأسٍ لا ينتهي
ولكن لم يتركه ضميره ليفجعه سائلًا:
- وماذا عن روان ألا تثق بها هي الأخرى؟
ابتلع لوهلة وهو مشتت بين ما يظنه وبين تلك الحقائق التي يُفجعها
به صوت عقله فتردد مُفكرًا:
- بلى ولكن...
استمع لصوت نفسه يزفر هاكمًا بصحبة ضحكة ساخرة ولم يسمح له
بالتفكير من المزيد وباغته قائلًا:
- ولكن ماذا؟ ألا ترى كيف كانت تتصرف مع أسرتك بأكملهم؟ ومساعدتها
لعدي وإنقاذه من تلك الورطة؟
لم يُعجبه ذلك التفكير الذي شفق به على "عدي" وزجر نفسه
مغمغمًا بداخل رأسه:
- ليذهب للجحيم أنا لا أكترث له!
سخر من نفسه بل وتفكيره تجاه كل شيء بينما كاد ذلك الصوت أن يُطنب
بالمزيد:
- حسناً فلتـ...
قاطع أفكاره صوت هاتفه ليتلقى اتصالاً من أحد حراس
"روان" الذين قام بتعيينهم لها فأجاب مُهمهمًا بانزعاج:
- سيدي أريد أن أخبرك شيئاً قد لاحظته... إن السيدة تذهب يومين
بالأسبوع لإحدى البنايات وتمكث لمدة ساعة ونصف ثم تعود للشركة...
عقد حاجباه باستغرابٍ شديد ثم تساءل بصرامة:
- منذ متى يحدث هذا؟
أجابه الرجل برسمية:
- منذ حوالي شهرين
صرخ به غاضبًا بقسوة:
- وأنت أيها الوغد تأتي لتخبرني بهذا الآن!!
توتر الرجل ثم همس بتردد:
- عذراً سيدي ولكن...
لم ينتظر ليستمع لمزيد من الترهات وقاطعه سائلًا بأنفاس متسارعة:
- أتعرف إلى من تذهب بداخل هذا العقار؟
أجابه على الفور:
- لا سيدي ولا نستطيع أن نتبعها، إن السيدة تغضب وقد...
- يا لهم من حفنة أغبياء!!
لم يُعط الرجل فرصة بقول أي شيء فلقد وصل لما يُريد أن يعرفه
بالفعل ولن يُفيد أن يستمع لتبريرات واهية وتحدث بلهجة آمرة غاضبة:
- هل سألت حارس العقار أو الأمن المخصص له؟
توتر الرجل أكثر لسماع لهجته هذه وقال بأسف:
- لقد فعلنا سيدي ولكن الرجل تحجج بأنه هناك الكثير من الشقق تجارية
وإدارية وعيادات لذا لم نجد أي معلومة!
تمتم بسُباب متوالي ثم أطبق أسنانه حتى كاد أن يهشمها وصرخ به:
- فلترسل لي بالعنوان فورًا!
صاح به ثم أنهى المكالمة ليرى العنوان الذي لم يبعد عن شركتها
كثيراً ليجري اتصالاً آخر ليعرف إلى من تذهب دون علمه:
- أرسلت لك بعنوان عقار يقع بمنطقة * * * *... أريد كل أسماء من يملك
شققها هم وآبائهم وأمهاتهم وطبيعة عملهم، اليوم أريد الملفات التي تحتوي على
معلوماتهم على مكتبي ولا تُسلم إلا لي شخصياً!
تحدث ببرود يناقض غضبه الذي يستعر بداخله وبمنتهى الهيمنة أنهى
المكالمة دون أن يستمع لرد الطرف الآخر ليتآكله الشك والارتياب نحوها وبما
تفعله...
بدأ بالتفكير وربط الأحداث ببعضها البعض، هل تتغير هكذا لإعجابها
بشخص آخر؟ ولكنها قبل أن تطلب منه الطلاق كانت طبيعية للغاية... بل كاد التيقن
بسعادتها التي تتضح على ملامحها وبطريقتها معه، هل يُمكن أنها كانت تخدعه بكل هذا
التغير وأنها غفرت له ما فعله منذ تلك الليلة بمنزله الجبلي وهي طوال هذا الوقت
تفعل شيئًا لا يعرفه؟ ما الذي حدث لها فجأة؟! لا بد وأن تغيرها الشديد هذا خلفه
سببًا لعينًا ويا ويلتها لو أن هذا السبب له علاقة بالذهاب لهذا العقار!!
جلس يزفر أنفاسه التي احترقت من الغضب، لا يثق بنفسه، ولا بها، وكل
تلك التخمينات الشيطانية برأسه لو كانت صحيحة لن يتهاون معها أبدًا!
عليه الانتظار أولًا والتحقق من الأمر، علها تكون ذاهبة لواحدة من
صديقاتها على الرغم من يقينه أنها لا تملك أصدقاء!! ولكن لو كانت تذهب منذ حوالي
شهرين كما أخبره هذا الحارس فهي بدأت بالذهاب فور انتهاء إجازة زواجهما، عندما
ابتعد عنها بدأت هي في الذهاب لهذا العقار!!
عليه التوقف عن التفكير حتى يرى المعلومات لملاك كل شقة، وقتها سيُصبح على يقين تام بكل أفرادها ولا بد من أن يصل لمعلومة عن الشخص الذي تذهب له!