-->

رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بتول طه - الفصل السادس والأربعون

    رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه 

حصريًا لمدونة رواية وحكاية


الفصل السادس والأربعون


بعد مرور يومين...

-       وليد هاشم الدمنهوري!!

تمتم وهو يحاول أن يُسلط تركيزه على ذلك الاسم ليتأكد من هو من ملف آخر أحضره عندما تحرى عن "روان" بالسابق عندما أراد أن يتزوجها، هو يعرف أنه ابن خالتها اللعين، ولكن هل يُمكن أن يكون بينهما أي علاقة تربط بينهما؟!!

 

شعر بغضبه يزداد بداخله حتى قارب على الانفجار ثم توجه ليغير ثيابه ويلحق بها للحفل، فهي الآن تمتلك زوجاً ويجب أن يعرفه الجميع، وسيرى ما بينها وبين "وليد" بعد أن تأكد أنه سيذهب إلى هذا الحفل هو الآخر بما أنه رجل أعمال، وإذا تأكد مما يشك به لن يرحمها وسيقتلها بيديه لو ثبتت تلك الظنون بداخله عليها!

 

هو يحاول أن يتريث حتى تأكده وتيقنه من الأمر كي لا يفسد علاقته بها خصوصًا بعد آخر مرة لهما معًا، يراقبها ويتابعها أمام عينيه لا يجد أي علامات على تواجد علاقة فيما بينهما، ولكن لماذا تذهب إلى هذا العقار اللعين وما الذي تفعله؟

 

ربما لو رآهما أسفل عينيه سيتيقن بنفسه، ربما هي مخادعة بارعة للغاية وتستطيع أن تخفي كل ما تفعله، وربما هي تلح بطلب الطلاق منه لتستطيع أن تكون معه!! يُقسم أن لو تفكيره بشأنها حقيقي لن يدعها لتفلت من بين يديه!

--

دخل فالتفتت الأنظار جميعها له ليتعجب الجميع وخصوصًا من يعرف من هو، منذ متى يذهب عمر الجندي لتلك الحفلات؟ يعلم الجميع بأن له مكانة تحترم في الاقتصاد ولو أنه اشتهر بأنه محام يخاف الشياطين لو واجههم بواحدة من القضايا بل ويركعون أمامه لدهائه وإيجاده الثغرات ولكنه يملك الكثير من الاستثمارات التي لا حصر لها مما تجعله رجل أعمال بطريقة أو بأخرى، بينما اندهشت النساء لجاذ بيته الصارخة وهو فقط لم يكترث إلا بتلك المرأة التي ارتدت فستاناً داكن الحمرة ليصرخ نهداها وذراعاها الأبيضان الممتزجان بالحمرة من فتحاته وتفحصها جيداً ليرى "وليد" يجلس على يمينها و "عُدي" أخيه يجلس جانبها على يسارها وهي تمزح معه ولم تلتفت له إلا عندما سكت الجميع واستمعت لبعض الهمهمات والناس يرمقونه بانتباه فالتفتت حتى رأته فتحولت ملامحها للضيق ولكنه تقدم ونظر نحو ابنة خالتها بكراهية وحدثه بهيمنة طاغية:

-       أظن أن هذا المقعد يخصني!!

 

تأففت "روان" من تصرفه وزفرت بضيقٍ من تلك الطريقة الفظة التي تحدث بها مع "وليد" ابن خالتها بينما لاحظ "عدي" غيرته الشديدة من مجرد جلوسه بجانبها فحاول أن يُحل الموقف بطريقة لبقة:

-       اجلس مكاني عمر... سأنضم إلى زملائي...

-       لا بل أريد هذا المقعد وأحمل رقمه...

 

قاطعه بنبرة هادئة وابتسم باستفزاز إلى "وليد" الذي تعجب له من تصرفه الغريب، فبدلًا من أن يُصافحه ويتعرف عليه لأنه بالنهاية يحمل صلة قرابة نوعًا ما معه، فقد عامله بفظاظة وطريقة غير مقبولة...

غادر الكرسي حتى لا تحدث مشاحنات لطريقته الغريبة على الرغم من أنه ود أن يتشاجر معه بشأن طريقة حديثه ولكنه علم أنه سيلفت الانتباه لكليهما فذهب حتى لا ينتبه لهما أحد!

 

بمجرد استقراره على المقعد حدثه "عدي" متسائل باستغراب و "روان" تنظر له بغضبٍ ينهمر من عينيها وحاول أخيه أن يخفض من نبرته قدر المستطاع:

-       لماذا تحدثت له بتلك الطريقـ...

-       اصمت عدي... لا تدخل بالأمر... أنا أعرف ما بينهما جيدًا

 

قاطعه ببرود وأظلمت عيناه بتلك الأفكار التي أخذت تندلع برأسه بمجرد رؤيته بجانبها وهي تتحدث له وتضحك معه لتلتفت له "روان" بدهشة على ما قاله بينما صُدم "عدي" مما سمعه ليباغتها قائلًا:

-       هل ظننتِ أنني لا أعرف أنك تذهبين له بشكل أسبوعي؟

 

نظر لها بشر واختفى ذلك الحنان والحب بعينيه الذي كان يحاول أن يُظهرهما طيلة الفترة الماضية ليحل محلهما القسوة والشر بل والانتقام، فهو ليس بغبي، تلك الجلسة التي تجلسها معه وهذه الطريقة التي تتحدث بها مع ابن خالتها لا بد من أن هناك ما مهد الطريق لها لتُصبح بهذه الألفة والتعود!!

 

أطلقت زفرة مصحوبة بصوت تعجب ثم حدثته باستنكار لحديثه:

-       هل أنت مجنون... ما الذي تقـ...

-       اصمتي وإياك والتحدث

 

همس مقاطعًا إياها ثم ابتسم لواحدٍ من المصورين باستفزاز ثم اقترب وحا وط خـ ــصرها غارساً أصابعه بعنف وهمس بأذ نها كي لا يستمع لهما أحد:

-       يبدو أنني قد وثقت بعا هرة... تريدين أن تتخلصي مني لأجله... سأريك كيف ستصبحين فتاة جيدة وسأعمل على أن تكوني زوجة محترمة!! من الواضح أنكِ قد نسيتِ كل ما علمتك، ولكنني سأذكرك به جيدًا عزيزتي!

 

وقعت تلك الكلمات التي نطق بها بمنتهى البرود على مسامعها كالصاعقة وأوشكت على الدفاع عن نفسها بيد أنها تراجعت في آخر لحظة فهي لم تعد تكترث لما يقوله ولا يظنه وهي تطالب بطلاقها منه منذ أيام الآن وهو لم يقم بأي ردة فعل فعقبت على كلماته بتحد ولم تهتم بم سيشعر واندفعت قائلة:

-       وليد مُعجب بي منذ زمن، قد يكون أفضل منك وليس لديه تلك السادية المرضية... لقد أخطأت بالاختيار عزيزي

 

ابتسمت له بأحمر شفاهها القاني ثم قبلته على وجنته وابتسمت أمام العدسات وكأنهما أفضل زوجين بالحياة ثم همست له:

-       سنتقابل بالمحكمة بعد يومين وأوشكت حريتي على الانبثاق... لماذا لا أحظى بوليد هو وسيم للغاية، أليس كذلك؟

 

رفعت أحد حواجبها بتحد لاذع وشاهدته بثقة شديدة ولم يستطع عدي تفسير كلامهما وما إن أقترب أحد رجال الأعمال ليحيي عمر استطاعت أن تفلت من قبضته المتملكة على خصرها بعد أن شعرت بالاختناق الذي يُسببه لها!

 

ابتلعت تلك الغصة وهي تتذكر تلقيبه إياها بالعا هرة وهي لا تعلم ما السبب خلف ذلك ولكنها لن تصمت وتنصاع وتخضع للعناته بعد الآن فاتجهت بنظرها نحو أخيه وحدثته قائلة:

-       هيا لنرقص عدي

 

أخبرته بدلال مبتسمة ليبتلع عدي في حذر بعد أن نظر لعمر الذي بدا منشغلاً ولكنه يلاحظ كل شيئاً جيداً بعيون الصقر خاصته ولن يفلت منه لو فعلها!

أتى صوتها مرة أخرى لتتعجب منه وكأنها لا تعرف مدى تردده الظاهر عليه:

-       هيا عدي... ماذا تنتظر؟

نهضت وتوقفت بجانب مقعده لتُمسك بيده بينما اضطرب هو بداخله، أمام أعين الجميع هو أخو زوجها وبينهما صلة قرابة وثيقة، أمّا بداخل رأس أخيه فهو يعلم أن توابع فعلته لن تكون جيدة..

-       أسترفض طلبي أمام كل هذا الجمع الغفير؟

سألته بدلال وابتسامة بينما نظر حوله ليتنهد قائلًا على مضض:

-       حسنًا  ولكن رقصة واحدة فقط

توجها معاً ليرقصا ولكنها لم تر تلك النظرات الحارقة التي وجهها لها وهو يحترق بداخله، ربما تظن أنها تمزح أو حتى ستحصل منه على الطلاق الذي تنادي به منذ أيام دون سبب مقنع، ولكن يبدو أن الأمر بأكمله اتضح الآن أمام عينيه، زوجته العزيزة تقبل أن تتواجد مع أي رجل آخر سواه هو، سواء ابن خالتها أو أخيه ولكن ليس هو... جيد للغاية، ليتها انتبهت له الآن ولتلك النظرات المستعرة بشر حتمي سيُهلكها، لو تنظر له مباشرةً ستتمنى أنها لم تأت من الأساس ولم تنهض ولم تبدأ باستفزازه وتحديه!

ربما لم تكن بالذكاء الكافي عندما اختارت هذا الثوب وهذا المظهر بقرارها أن تلتصق بملازمة كل من "عدي" و "وليد"... أتظن مثلًا بهذا الرداء الذي حدد كل إنش  بجـ سـدها وكشف منه الكثير ستجعله يندم على أفعاله معها، أو تظن أنها تتحداه، ربما سيلقنها درسًا قاسيًا بمنتهى القسوة وهو يوضح لها أنها لم يكن عليها أن تتحداه بالبداية ولا تفعل هذه الأفعال التي لا تليق سوى بالعا . هرات، ليتها فقط دافعت عن نفسها بالصراخ وطلب الطلاق لسبب منطقي بدلًا من مجاراته بهذا... لم تكن تُفكر ما الذي ستفعله بعودة غضب عمر مرة أخرى... فعلى كل حال تاريخهما لا يخلو من زيارتها للبيت الجبلي الخاص به، ويبدو أن لينه معها ورفقه ومحاولته في أن يتوقف عن ميوله معها قد أنساها ما الذي يستطيع فعله... وإن لم يكن بالعشق الذي فتته بداخله ودمرته بالكامل، ليكن بطريقة أخرى، سيجبرها على التفكير آلاف المرات قبل حتى أن تتفوه بكلمة له، أو تتخذ قرارا كقراراتها المتهورة التي لا تتوقف عن أخذها منذ أن غادرا منزل والديه!

 

طوال الليلة لم يكترث بمن يحدثه أو يريد أن يُفاتحه بشأن استثمار ما، ولا لهؤلاء الصحفيين المندسين ليعرفوا واحدًا من تصريحاته، فقط ظل ينظر لها طوال الليلة ويتابع تحركاتها بعيني صقر يتلبد للانقضاض على فريسته حتى يلتهمها، يتمنى أن يجذبها من شعرها أمام الجميع وأن تركع أمام كل هؤلاء الرجال ليعرفوا أنه يمتلكها وحده، يريد أن يفتت هذا الكبرياء والتحدي والثقة الزائفة التي تدعي بها وكأنها لا تعرف مع من تتعامل!

 

ظل يتابعها بنظراته القاتلة وهو لا يُصدق أن بعد كل ما حاول أن يفعله لأجلها هي مصممة حَقًّا في استكمال هذه الحرب الباردة بينهما إلى أن اكتفى من الترقب والمتابعة ووجد قدميه تستجيب تلقائياً لينظر لظهرها بأكمله الذي قد ظهر من هذا الثوب الذي يود تمزيقه لتحديده  لجــ ــسدهابهذه البراعة وكأنه صنع لها هي فقط كما أن نهد يها الباديين من أمام قد سلبا عقله وبمجرد التفكير بها أمام  صــ ــدر أخيه الذي يُلازمها الآن منذ ساعة توجه على الفور لهما وبداخله يريد أن يختلي بها بعيدًا عن أعين الجميع، لتصبح له هو فقط بعد أن يلقنها درسًا بأن زواجهما لن يكون سوى كما يحلو له..

 

سيخرج أولئك الشياطين من رأسها، تلك اللعنة التي تسمم رأسها بالابتعاد عنه أو خيانته كما هو واضح، سيُدمر كل ما برأسها من أفكار حتى تصبح لا تتنفس سوى بإذنه وحده!

 

--

-       سيقتل أحدنا الليلة بما نفعله، وما الذي تحدث به عن وليد هل هو...

 

تمتم لها "عدي" وهو يحاول بكل ما يملك من استطاعة ومقدرة ألا يقترب منها كثيرًا وهو يلاحظ مشاهدة أخيه لكليهما...

-       أنا قد أفعل أي شيء ولكن لن أخونه، لست أنا من أستطيع إيلام شخص أعشقه، ولكن اتهامه الليلة قد فاق الحدود بأكملها عدي!!

 

تريثت هنيهة بعد أن حدثته ثم تابعت بنبرة يغالبها الحزن الشديد:

-       لقد عرفت كمْ جُرح بالماضي ولن أفعلها، وبالنسبة لكلماته فأنا لا أكترث له على كل حال، عدي... أنا رفعت دعوة طلاق على أخيك... لقد عرفت الكثير عنه... لقد رأيت صورته مع يُمنى ووجدت هذا التشابه بيننا، لم أكن لأتوقع أنه تزوجني فقط بهذه السرعة لأنني أشابهها... قد أتحمل الكثير من أجل أن ينجح زواجنا وقد أتأمل بالكثير وقد أصبر... ولكن أن يكون الدافع لزواجنا فقط هو مشابهتي لها... لن أقبل هذا أبدًا!

 

زفرت بحزن وسيطر الانكسار وخيبة الرجاء على نبرتها وملامحها على حد سواء بينما تمتم اخيه بصدمة:

-       يمنى!

 

شعر بالتوتر ليعقد حاجبيه بينما همست هي له:

-       نعم يُمنى، كنت أتوقع أن يخبرني أي أحد منكم، أنت أو والدتك أو والدتك أو حتى عنود... ولكن لم يحاول أحد أن يُنبهني بهذه الحقيقة قط!

 

ابتلع بارتباك وهو يومئ لإنكار ثم رد معقبًا بدهشة:

-       عن نفسي لقد ظننت أنه أخبرك بالأمر، ظننت أنكِ تعلمين!

 

أومأت له بالإنكار وكادت أن تتابع بالمزيد ولكن قاطعهما قدوم عمر وتحدث لهما قائلًا:

-       ألا يكفي عهــ ــرًا بملازمتك للجميع... زوجك أولى من أخيه وابن خالتك، أليس كذلك؟

 

نظر لهما باحتقار ثم جذبها دون مقدمات من يـ ــدها بقسوة دون أن يكترث لمن يراه ليراقصها فسارت هي معه مضطرة كي لا تلفت الأنظار إليهما ولم يُصدق ما سمعه عدي للتو... وكأن عمر ليس على ما يرام بتكراره لفظاظته الشديدة وتلك الطريقة التي جذب بها "روان" وملامحه التي ارتسم عليها الهدوء الذي يسبق العاصفة...

 

هو يعرف كم هو حاد الطباع ولكن لماذا يبالغ هكذا فهي زوجته على كل حال، لماذا يُشير من بداية الليلة بكلمات غريبة لها ونظرات قاتلة وكأنها أجرمت بحقه؟

 

توتر عدي لما قد يفعله أخوه ويبدر منه فتصرفاته غير متوقعة بالمرة وتآكله القلق الشديد بداخله ولم ينظر إلا لهما طوال الأمسية وهما يتراقصان أمام هذا الجمع وظلت عيناه تتابعهما استعدادًا لأي شيء قد يفعله أخوه...

--

-       ماذا؟ هل تحاولان ألا تلفتا النظر إليكما بما أن زوجك بالأنحاء؟ أم هذا المخنث يتألم عندما يراكِ معي؟

 

أخبرها بابتسامة هادئة أقرب للبرود المُستفز ونظراته تقتلها ولكنه لم يبتعد عنها ولم يفعل ما يدل على أنه ينوي على الابتعاد لتضيق ما بين حاجبيها باستنكار وكادت أن تنفي عن نفسها تلك الاتهامات التي يوجهها لها منذ بداية الليلة ولكنها قد أرهقت من التحدث معه في المُطلق فحدثته بلذاته وهي تخفي ذلك الانكسار بداخلها:

-       فلتظن ما تشاء... ربما لا أريد أن ألفت الأنظار، ربما هو يتألم... ظن ما شئت عمر، فلقد اكتفيت منك ومن أفعالك!!

 

رآها تتحدث له باستفزاز ليدرك أنها حَقًّا لم تعد تشعر بالخوف منه ولا تحمل له أي اعتبار، لتصمم إذنا على ما تريده ولترى ما الذي سيفعله بامرأة التي هي في الحقيقة زوجته، وعصاه ضاربة بكل ما هو عليه عرض الحائط!!

 

ترددت بداخلها لوهلة من ملامحه لتشعر بأنها أوشكت على سماع دمائه تغلي بعروقه من شدة تلك النيران المستعرة التي تؤججها ولكنها حاولت الصمود أمامه والتشبث بقرارها، فكل ما ظنت أنه عشق بينهما ما كان إلا محاولة منه أن يحولها لامرأة أخرى!!

قر بها له أكثر وهبطت يـ ـداه على خـ ــصرها لتبتلع من هذا الارتباك الساري بدمائها بينما وجدته يهمس لها وكأنه يُغا زلها على مرأى من الجميع حتى ظن كل من يراهما أنهما مجرد زوج وزوجة غارقان بالعشق حتى الثمالة:

-       أتعلمين تلك الرائحة العفنة التي تفوح من القاذورات؟ هي مثل رائحتكما معًا، ولكنني أعرف جيدًا كيف أتعامل مع القاذورات، هل تسمعين عن صناعة إعادة التدوير؟ أنا رجل أحب الاستثمار وألا أقف فقط عند كوني محاميا جيدا، أستطيع أن أخرج منك منتجاً رائعا عندما أقوم بإعادة تدميرك ووقتها سأغتنم الأرباح الهائلة...

 

سريعًا دفعها للدوران بتحكم بواحدة من الحركات الراقصة وقد بدأ الجميع بالفعل بتسليط أنظارهم عليهما بانتباه لحركاتهما الرائعة وتناغمهما البادي لكل الأعين ولكن لا يعرف أحد ما يدور بينهما من حرب باردة!

جذ بها مُجددًا ليستكمل تلك الرقصة وابتسامته لا تزال لا تنبئ سوى بالشر الوشيك على إيقاعه بها وفحميتيه تحتقرانها بجحيمٍ تتلظى كلما التقت بعسليتيها الفاتنتين ثم غرس أصابعه بخـ ــصرها وقربها له أكثر حتى قارب أن يُصبحا جسدًا واحدًا فهمست له بمرارة:

-       ابتعد عني عمر، أنا أكرهك، لم أعد أطيق الاقتراب منك...

 

أخبرته وهي تنظر له بلوم بعد تلك الكلمات المحتقرة لها ثم انتزعت نفسها بقوة بلحظة من تراخيه وتوجهت مبتعدة ليسحق أسنانه غاضباً فاقترب منه" عدي "عندما لاحظ كيف ابتعدت عنه وحدثه بهمسٍ وقلق:

-       عمر!! ما الذي تقوله عن روان لقد ...

-       لا تتدخل بيني وبين زوجتي، هي ليست إحدى فتياتك لتلهو بهذا الشأن

قاطعه محذرًا إياه ونظرات الكراهية المتأهبة له تنهمر من فمحميتيه بينما تابع إلي أين اتجهت هي ولكن لم يتقبل أخوه هذه الكلمات ليرد مُعقبًا بحرقة من شدة اضطهاده وتعليق كل ما يحاول فعله على علاقاته بالنساء:

-       هل جننت لتتحدث لها أمامي بتلك الطريقة؟ أنت تتهمها بالخيانة أمام أخيك، هل حقاً أنت متأكد حتى من تلك الكلمات أو حتى خيانتها لك؟ وهل حَقًّا ترمي بهذه الكلمات لتتهمها بفعل الأمر معي أو مع ابن خالتها؟ هل فقدت عقلك أيها الغبي؟

 

تحدث له بمشاعر تفيض قلقًا على أخيه وزجته وملامحه بأكملها مستنكرة الأمر عل تلك الكلمات تُنبهه على ما يفعله منذ بداية الليلة معها ومعه وقد يُلاحظ أحد ما يتفوه به ووقتها ستكون فضيحة بلا شك، هذا فضلا عن أن لا بد من أن يكون مخطئا بشأن زوجته التي لا يختلف اثنان على سُمعتها المعروفة بها من نزاهة واستقامة... لا يعرف كيف له أن يتهمها بهذا وقوله عن عهر وما إلى ذلك... لا بد من أنه أصبح مجنونا أو مريضا فِعْلِيًّا... وليس مجرد مبالغة بتلقيبه بأي منهما! هو لابد أنه أصبح مختلا!

-       أتمثل الآن أمامي البراءة أم تقف بالصف منتظرًا لأن تتخلص مني ثم من وليد ليحين دورك، أنا أفهمك جيدًا عدي وافهم ما تريد فعله وخصوصًا معها منذ أن قمنا بزيارة منزل أبي وأنت تدعي أن هناك مشكلة بعملك حتى تقترب منها!

 

عقب على كلماته نظر له باحتقار لتتسع عيناه بذهول من تفسيره للأمر بهذه الطريقة الخاطئة تمامًا وكأنه يتحدث بمنتهى الثقة مُصدقًا لتراها عقله المختل وكاد أن يصرخ به أمام الجميع ولكنه حاول التماسك كي لا يلفت الأنظار وأطبق أسنانه والكلمات تتفلت من بينهما:

-       شكراً لك أخي المختل المجنون الذي لا يتوقف عن أفكاره العجيبة هذه... واعلم أن لو روان آخر امرأة بالعالم لن أتمناها لي ولو للحظة واحدة... أتعلم لماذا؟ لأنها زوجة أخي الأكبر الذي لا أريد إلا أن أراه بخير... أتمنى أن تستعيد رشدك، أتمنى حقاً أن تدرك كمْ تحبك زوجتك وتكترث لك ولكنك مُغيب مجنون لا تدري ما تفعله!!

 

رمقه بحزن وهو لا يزال شاعرًا بالصدمة من الكلام الذي وقع على مسامعه للتو ثم تركه خلفه وهو لا يتحمل أن كل مرة يحاول الاقتراب له خلالها يغلق كل الأبواب بوجهه بهذه الطريقة الفظة اللاذعة وكأنهما ليسا بأخوين!!

--

نظر نحو "روان" متابعًا إياها بأعين الصقر الذي لم يعد يحتمل للانقضاض على فريسته المُغرية التي لا تضاهيها امرأة عشق بقلبه ولا فتنة بنظره وأنظار الجميع حولها الذين يود أن يقتلع أعينهم حتى يكفوا عن رؤيتها!

رآها توشك على أن تراقصا "وليد" ابنة خالتها الذي لا يستبعد أن يقوم بقتله الليلة بعد كل تصرفاته التي تدفعه أن يرتاب بوجود علاقة خفية بينهما وهنا لم يستطع السيطرة على غضبه الذي دفعه للتوجه نحوهما على الفور...

-       روان سنغادر

اقترب منها بينما حاول التحكم في أعصابه وعين عدي تتابعهما لأنه قد أدرك أن عين أخيه تفيض بالشر والانتقام ومحاولته الفاشلة في أن يجعل الجميع يظنون أنه بخير لن تُفلح معه بعد تلك السنوات التي عرف بها من هو "عمر الجندي" جيدًا...

 

التفتت ناظرة له باحتقار بعد تلك الكلمات التي لا تستطيع أن تغادر رأسها ثم هتفت به بخفوت قدر الإمكان والكلمات تتوالى من بين شفتيها الملونتين بالأحمر القاني ولم يرها سوى شفتين مطليتين بالخديعة التي تظن أنها ستفلت بها:

-       هل أنت غبي لا تفهم كلماتي، أنا أطالبك بالطلاق، مما يعني أنني لم أعد أريدك، لذا أنسى تمامًا كل ما تحاول أن تفعله من بداية هذه الليلة ولا لن أغاد...

 

قاطعها بجـ ـذبه ليـ ــدها من جانب "وليد" الذي تعجب لتصرفات هذا الرجل الذي تزداد غرابة شيئًا فشيء منذ بداية هذه الليلة، فلقد انتظر أن يقوم مثلًا بالتعرف عليه أو التحدث معه بلباقة بينما لم يجد ردة فعل بداخله سوى النفور لهذا الرجل الذي تزوجت منه ابنة خالته!!

 

تابعها وشعر أنها تسير معه بغضبٍ رغمًا عنها ليزداد تعجبه أكثر بداخله، ولكنه ظن كذلك أنهما مثلهما مثل أي زوجان قد يكون هناك بعض المشاحنات أو الخلافات بينهما وترك الأمر ليمر مرو الكرام، فهو يستحيل أن يتدخل بينهما لمحاولة حل الأمور بعد ما لمسه منه من فظاظة وطريقة تفتقر للباقة والتهذيب بمعاملته!

 

سارت معه ويـ ــده تقـ ـبض على معصـ ــمها كانت كالقبضة الفولاذية التي ظنت أنها لن تستطيع أن تفلت منها أبدًا على الرغم من محاولاتها العديدة في الإفلات لأكثر من مرة ولكن لم تفلح بأي منها فصاحت به وهما بطريقهما:

-       هل جننت أم ماذا لتجعلني أغادر هكذا أمام الجميع!

 

التفت لها بأعين تشتعل غضبًا حتى كادت أن تقسم أن أعينه سيندلع منها لهيب سيقوم بحرقها حية بينما حدثها بجفاءٍ ونبرة أرعبتها:

-       كلمة أخرى وسأقتلك أمام تلك الأعين... وستموتين كالعا  هرة التي خانت زوجها، كم سيبدو واقع تلك الكلمات على مسامع أمك وأخيكِ رائعًا، ألم ترتابي ولو لمرة واحدة بأن خديعتك وما تفعليه سينكشف للجميع!

ضيقت ما بين حاجبيها بسبب كلماته الغريبة التي لم تفهما أبدًا ولم تفهم كذلك ما أين آتى بهذه الكلمات وحدثته باستنكار ونبرة استفهامية وهو يدفعها لداخل المصعد بقوة:

-       خيانة ماذا التي تتحدث عنها أيها المجنـ...

 

وما إن دلفا للمصعد حتى أوقفها عن إكمال كلماتها بصفعة شديدة تأثر على إثرها عنقها وأذنها حتى هي لن تنساها طوال عمرها وشعرت وكأنما أصيبت بالصمم جراء شدة يـ ــده!

 

لهث بأنفاس تسارعت من شدة أجيج تلك اللهيب الثائرة بدمائه تغلي كالبركان وحدثها بتشفٍ زاجر:

-       تذكري تلك الصفعة كلما واتتك الجرأة للتحدث معي بمثل هذه الطريقة أيتها العا  هرة!

ابتسم لها بتشف وهو لا يدور برأسه سوى أن يُعذبها لتتساقط دموعها من هول ما استمعت له وجراء صفعته القاسية، فمنذ بداية الليلة ومنذ قدومه وهي لا تدري لماذا يُلقيها بالاتهامات الغريبة والآن يتحدث عن الخيانة، تقسم أنها لم تُفكر ولو لمرة واحدة بأي شخصٍ سواه، بل هذا ضد مبادئها تمامًا... يستحيل أن تفعل أمرا مشينا كهذا!!

 

توجها للمرأب وهو يدفعها رغمًا عنها وهي لا تزال تحت تأثير الصدمة من كلماته ثم أخذ سيارته وتوجه بهما لمنزلهما وقد قاربت الواحدة صباحاً فلم يكن أحداً مستيقظا فجذبها من يدها للأعلى وتبعته رغماً عنها مهرولة حتى غرفتهما وكررت للمرة الألف وهي تهتف به:

-       ما الذي تفعله وخيانة ماذا؟ هل فقدت عقلك أم أنت مجنون؟! أي لعنه تتحدث عنها عمر؟

--

-       أخوك بدا غريباً للغاية، لماذا يتصرف هكذا؟ أهو غيور لهذه الدرجة أم ماذا؟

 

تحدث وليد لعدي الذي حاول أن يتجاذب أطراف الحديث معه بعد مزاح ومحاولة أن يجعله يثمل ليعرف ما حقيقة الأمر فمغادرته هو وزوجته بهذه الطريقة جعلته يرتاب بالأمر بشدة وأجابه بمرح وهو يرفع حاجبيه ثم أخفضهما:

-       لن تصدق هو حتى يشعر بالغيرة على روان مني

 

زفر وابتسم ببعض الثمالة وهو يحتسي من مشروبه الكحولي ثم عقب على قوله:

-       جيد أنني لم اتزوجها، الآن ترى مع من تتعامل! حَظًّا موفقًا لها!

 

احتسى المزيد من كأسه بينما رمقه "عُدي" باستغراب وسأله محاولًا أن يُخفي إلحاحه في معرفة الأمور:

-       هل كنت ستتزوجها؟

 

أومأ له بالموافقة وهو يحتسي أكثر ثم أجابه:

-       نعم... لقد حدثت والدتها فهي خالتي ولكنها رفضت فلم أعر الموضوع اهتمامًا، كنت أظنها مجرد فتاة مناسبة ليس إلا!

 

قلب شفتيه ثم أردف بتعجب:

-       وهل أصبحتما أصدقاء بعدها؟

 

أومأ له بالإنكار وابتسم ببعض السماجة وحدثه بسخرية:

-       أنا وروان أصدقاء!! يستحيل هذا!! هي لا تكترث إلا بالعمل وأمها وأخيها فقط... أنا وأختي لا نراها إلا نادرًا، كأنها لا تملك سوى العمل ولا تتوقف عن العمل حتى بت أظنها آلة تعمل دون توقف...

 

احتسى من مشروبه مرة أخرى حتى شعر عدي أنه أصبح ثملاً فسأله وهو يتفقده بحرصٍ متفحص:

-       لم ترها إذن ولا تتقابل معها خصوصًا بالفترة الأخيرة؟

 

انتظر استماع أجابته فلقد ارتاب لدرجة ظن خلالها أن كلمات أخيه قد تكون صحيحة بشأنهما وأجابه "وليد" بمنتهى التلقائية:

-       لا نحن أقرباء ولكننا أغراب... قلما نلتقي... أنا دائماً مشغول بسفري على كل حال... لقد عدت للتو منذ يومين

 

أومأ له عدي ثم تنهد في راحة باعترافه، شعر بصدق وليد لا يعلم لماذا ولكن هناك شيئاً ليس بمنطقي إطلاقاً، إذا كانت روان قد رفعت عليه قضية، وأخبرته أنها رأت يمنى وعلمت بأمر مشابهتها لها، وأنها لن تخون من تُحب، ما الذي يَعْنِيه هذا؟!

-       اللعنة!!

 

تمتم عدي ثم هاتف أخيه منتظرًا أي رد منه ولكنه لم يجبه أبدًا على الرغم من كثرة المرات التي ظل يتصل به خلالها ولكن لم يجد أي استجابة منه...

 

قرر أن يذهب حتى يتأكد من كل شيء بنفسه لأنه لو أخبر عمر بشيء خاطئ لن يحتمل ما قد يفعله به فهو يعرف تصرفاته القاسية المتهورة بشأن الكذب وحمد الله أنه لم يجب مكالمته... 

--

دفعها على السر ير ليختل توازنها ووقعت رغمًا عنها على الفر اش خلفها ثم أغلق الباب خلفه وتوجه لها بصفعة قاسية أخرى وهو يرمقها باحتقار وصاح بها:

-       أهذا ما أردتِ أن تثــ ــيرين به الر جال الليلة وهم ينظرون إلى جـ ــسدك الذي تتضح تفاصيله أم أردتِ أن تجعليني أشعر بالغيرة على ما أوشكت على فقده من بين يدي؟

 

انقض فوقها  ليُمــ ــزق  ثوبها ليبتسم بين أنفاسه اللاهثة بفعل الغضب وحدثها بمزيد من الاستحقار:

-       أم ذلك المخنث هو من أختاره لكِ؟

 

جذب شعرها بين يديه بقسوة لتدمع عيناها في صمت ولم تجبه على أي شيء بينما نظرت إليه مفزوعة وأومأت له بالإنكار وهمست له بين بُكائها:

-       أنا لا أفهم ما الذي تتحدث عنه، لا أدري أي مخنث وأي رجل تتحدث عنه، عمر أنا لم أفعل شيئا سوى أنني أردت الانفصال عنك وحسب

 

أجابته والكلمات تتفلت من بين شفتيها بذعرٍ هائلٍ وسط تساقط دموعها التي لم تتوقف ورمقته لتشعر بالفزع مما هو مُقبل عليه بملامحه تلك!

كان مخيفاً كما لم تره من قبل، شعرت وكأنه لن يعاقبها، بل انهمر الاحتقار الشديد من عينيه لها بمصاحبة أجيج الغضب المستعر بداخله في آن واحد ولم تعرف حقاً من أين له بأنها تذهب لوليد كل أسبوع لو كان مقصده حقيقيا من تلك الكلمات، لا تعرف ما الذي يقصده، ولا كيف دفعت به ظنونه أن يرتاب بأمرها بهذه الطريقة!

ابتسم لها وهمس بنبرة متشفية وكأنه لا يقوم بكل هذا المجهود بصفعها وتمز يق ثوبها ومحاولته في صد  يـ ــديها التي تدفعه عنها ومحاولات فرارها منه المتكررة التي يصيبها أكملها بالتحكم والهيمنة مانعًا إياها من التحرك أسفــ ــله:

-       سأدعك تفهمين كل شيء

أكمل تمز يق الثو ب لترتعب من ملامحه التي تحولت ليبدو كالشيطان ثم بدأ في خلــ ــع سترته ليلقيها أرضاً ثم أراح ربطة عنقه ليجذبها بيده واقترب من روان ليقيد سا عديها خلــ ــف ظهرها بقوة بربطة عنقه وبعدها أمـ ــسك بحزامه ولم يُفكر حتى بخـ ــلع باقي ملا بسه بينما نهض للخلف ونظر لها بغضبٍ والتماع عينين كرجل فقد عقله فصاحت به باكية:

-       ما الذي ستفعله عمر، هل فقدت عقلك؟ ما الذي تظنه بي؟

 

صرخت به ليقترب منها وانهال عليها بصفعات متتالية ثم حدثها بأنفاسٍ متلاحقة:

-       عندما تتحدثين مع من يملكك تتحدثين باحترام.. وسأنسيكِ عهــ ــرك هذا حتى يتقوم سلوكك، يبدو أنني كنت ساذجا مغفلا لأصدق ببراءتك المُزيفة... لقد قمت باكتشاف كل ما تفعلينه! لم يعد يُفيد إنكارك في شيء أيتها العا هرة!

 

صاح بها ثم ابتسم ليرتجف جسدها فزعاً من منظره وملامحه التي تزداد شَرًّا وكأنه سيقتلها بالفعل من شدة هذه النظرات لينهمر المزيد من دموعها بينما تابع كلماته:

-       وتأكدي إذا أطلقت صر خة واحدة سيستيقظ الجميع حتى يرى السيدة روان المحترمة وهي تُعامل كالســا قطات تمامًا وامرأة خا ئنة لزوجها تستحق أن تُرجم حتى الموت!

 

لم يتوان للحظة واحدة وابتعد وبدأ في جلــ ـــدها بحز امه متشفيًا من كل ما كانت تخدعه به وبقرارة نفسه لن يكترث حتى لو لفظت أنفاسها الأخيرة أسفـ ــل يــ ــديه، فهي امرأة قامت بخيانة زوجها ومن حقه أن يقوم بقتلها!!



يُتبع..