-->

رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بتول طه - الفصل الثامن والأربعون

    رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه 

حصريًا لمدونة رواية وحكاية


الفصل الثامن والأربعون



-       هل هي بخير؟

صاح متأهبًا وهو يتجه نحو أول طبيب غادر الغرفة ليُحدثه مُطمئنًا:

-       لا تقلق لقد تعرضت لعنف بشع وفقدت الوعي إثر الصدمة والدماء التي فقدتها، من الذي فعل بها هذا؟ لقد أنقذنا الجنين بأعجوبة، لم نكن نتوقع أننا سنفعلها ولكننا استطعنا أن نسيطر على النزيف...

 

رفع حاجبيه بذهول ثم تساءل باستنكار:

-       جنين ماذا؟ هل تتحدث عن المرأة بالداخل نفسها؟ هل تتحدث عن روان صادق؟

 

أومأ له الطبيب بالموافقة وأجابه مؤكدًا:

-       نعم... هي حامل بالشهر الثاني، الأسبوع السابع تحديدًا...

 

وقعت على مسامعه الجملة ليُصعق مما أدركه وخلل شعره مغمضًا عينيه وابتلع بغصة وهو لا يُصدق أنه كاد أن يؤذيها بل ويؤذي طفله الذي لم يولد بعد!!

-       هل يُمكنني رؤيتها؟

 

تساءل عمر وانتظر إجابة الطبيب الذي أجابه بنبرة معتدلة:

-       لا أظن أنها قد تستطيع أن تتعرض لأي شيء يثير أعصابها وستفيق في خلال الساعات القادمة وعلينا أن نبقيها تحت المراقبة تحسبًا لو عاد النزيف من جديد

 

نظر له الطبيب باحتقار وانزعاج واستطاع عمر أن يقرأ هذا بسهولة بعينيه، فهي ليست مرته الأولى في قراءة الوجوه وهذا الطبيب هو الآخر ليس جديدًا بمعاملة النساء اللائي تتعرضن للعنف على يد أزواج لا يفقهون شيئًا بمعاملة النساء برفقٍ وفورًا ارتاب به!!

-       لم أكن لأستشيرك على كل حال

 

تمتم عمر مُعقبًا بغرور غير آبه لتلك النظرات التي يُلقيها بوجهه ودفع الطبيب دالفاً لداخل الغرفة الماكثة بها ولم يستطع أن يمنعه أحد!!

سرعان ما تدخل "عدي" مُعتذرًا:

-       أعتذر لك أدهم... هو متعلق بها كثيراً... أرجوك أن تتكتم على حالتها وسأخبرك كل شيء...

 

توسل له عدي وذهب معه لمكتبه ليحاول أن يلفق أي حجة منطقية بما حدث وبما أدى لذلك الأذى والعنف الذي انعكس عليها!...

--

-       أخبرني إلي أي طابق كانت تذهب؟

صاح غاضباً ليرى كل من أمامه كأعدائه وهو جالس منتظرًا أول ضياء للنور حتى يرى ذلك الحقير الذي سيتسلم نوبته بالسادسة صباحًا حيث إن زميله الذي يسبقه لا يعمل بأوقات قدومها ولم يستطع أن يتعرف عليها خلال صورتها...

 

أخذ يتجول وهو يتضرع بداخله أن يمر الوقت سريعًا بينما شعر وكأنه يمر كسنوات وليس نصف ساعة وبمجرد حضوره جذب حارس العقار من أعلى ملابسه ليرتعد الرجل من ملامحه المرعبة ويرتجف أسفل يديه بعد أن أراه صورة لروان ثم تحدث برعبٍ قائلًا:

-       نحن لا نتحدث بخصوصيات أحد سيدي لا يُمكنني إخبارك!

 

رفع حاجبيه باندهاش وهو يغلي بداخله ثم حدثه بمنتهى البرود الذي يناقض مشاعره ثم همس له بسخرية:

-       أحقا، ألا تعرف من هو عمر الجندي؟!

 

سرعان ما لكمه بقوة ومن جديد جذبه لينظر له بتصميم على قتله إن لم يتحدث بينما زجره مُحذرًا:

-       انطق وإلا اقسم لك سألفق لك قضية وسيُحكم عليك بالإعدام وستلقى حتفك إن لم تخبرني!

 

ابتلع الرجل بأنفاس لاهثة ثم أجابه بتلعثم:

-       الط ... الطابق الثامن... سيدي... تذهب إلى الدكتورة مريم!

 

تلعثم الرجل من شدة فزعه ليدفعه عمر تاركاً إياه ليصطدم الرجل بالجدار وراءه بعنف ثم توجه كالمجنون للمصعد فلم يأتي فاستخدم الدرج وهو لا يعلم ما بداخله من مشاعر تسوقه للبحث خلف ما كانت تفعله مع هذه المرأة... هل يريد أن يكتشف خيانتها له حتى لا يشعر بالذنب لما فعله بها؟ أم يريد أن يكتشف براءتها من كل هذا؟! أم هو حَقًّا فقد عقله من كل ما يحدث له وكل ما حدث لها على يده؟!

 

لهث من شدة المجهود الذي استلزمه للصعود ثمانية طوابق وجلس على الدرج بعد أن أدرك أن الساعة لا تزال السادسة صباحًا وبالطبع لن تأتي الطبيبة بهذا الوقت!!

صورتها بالجبس والأجهزة الطبية حولها لا تغيب عن عقله، الكدمات بوجهها وتلك العلامات بصنع يده هو فقط، ذلك النزيف الذي أرعبه، واللعنة!! هي تحمل طفلهُ! لقد كاد أن يقتلهما بيديه...

 

وقف أمام الباب كالمجنون عندما حضرت "حسناء" لتقوم بفتح العيادة لِيَصِيحَ بها:

-       واللعنة أين مريم تلك... هل أنت مريم؟

 

تآكله الغضب بينما شعرت الفتاة بالخوف من ملامحه وحدثته بنبرة مترددة:

-       سيدي لست أنا ولكن هل لديك موعد مسـ...

-       انظرِ إلي أيتها التافهة... كلمة أخرى وسأقتلك بيدي، أمريم تلك بالداخل؟

 

قاطعها غاضبًا وسرعان ما أحاط عنقها بيده حتى حاولت أن تتخلص من يده وعينيها تتوسع في رعب منه لتومئ له بالإنكار وهمست بتلعثم:

-       لا، لا سيدي هي ستحضر بعد نصف ساعة من الآن... يمكنك الانتظار!

أجابت رعباً من منظره ليدفعها لترتطم بالباب وأشار لها بأن تقوم بفتح العيادة بينما توجه ليبحث بنفسه عن مكتب تلك الطبيبة التي اكتشف الآن أنها تعمل مستشارة زوجية ومعالجة نفسية!!

--

جلس ينتظر قدومها وهو يقوم بعد تلك الثواني وبداخله جحيم لا تنتهي من بين صدمة ما فعله وبين بحثه عن أسباب فعلتها الغبية التي جعلته يرتاب بأمرها وبمجرد حضور "مريم" وقف ناهضًا ليسألها بلذاعة:

-       هل أنت مريم؟

 

تعجبت الطبيبة منه مُضيقة ما بين حاجبيها وهي ترى ملامحه المُرتبكة الغاضبة أمامها وأجابته قائلة:

-       نعم أنا مريم... ولكن مـ..

-       ماذا كانت تفعل زوجتي هنا؟ أخبريني الآن وإلا أقسم سأساويكِ بالتراب... تحدثي قبل أن ينفد صبري!!

 

قاطعها بفظاظة بينما تمالكت "مريم" الموقف وأجابته بمنتهى الثقة والهدوء فهي لا تستبعد أي حالات انهيار أو صدمات من الكثير من المرضى فهي ليست جديدة بهذا المجال:

-       سأتحدث ولكن من أنت حتى أستطيع إخبارك؟ من هي زوجتك؟

 

ابتلع ليُجيبها بهمسٍ نادم وبعض التلعثم:

-       زوجتي هي روان صاد...

-       سيد عمر الجندي؟

 

قاطعته بدهشة ليتعجب من معرفتها له بمجرد نطقه لاسم زوجته بينما أشارت له نحو مكتبها وقالت له:

-       تفضل بالجلوس بمكتبي...

 

ابتلع عندما عرفته ببعض التوتر ثم صاح بها:

-       ليس لدي وقت لتلك التفاهات... أخبريني كل شيء... وإلا سأ...

-       صدقني سيطول الوقت... تفضل واجلس فقط وأعطني فرصة وسأخبرك بكل ما تريد معرفته

 

قاطعته وابتسمت له ابتسامة دافئة لم تتلاءم مع غضبه وأنفاسه الثقيلة ليجلس بنفاد صبر على مقعد أمام مكتبها وظل يستمع لها ولكل التفاصيل التي جعلت روان تأتي لها ليوصد عينيه متألماً ويفركهما بأصابعه ثم خلل شعره ليخبرها في النهاية:

-       أتقصدين أنها طلبت الطلاق لأنها عرفت أن يُمنى تشبهها؟

 

أومأت له بالموافقة وأجابته بهدوء كي لا تُثير أعصابه:

-       أجل... هي تصورت أنك تزوجتها لأنها تُشبهها فقط، لم تقتنع للحظة واحدة أنك أحببتها، ظنت أنك كنت تريد أن تستبدلها بيمنى، وأن تحولها لخاضعة، وأحياناً كانت تظن أنك تنتقم منها بإيلامك إياها لأنها تُشبهها... كان عليك الاعتراف لها بأنها تُشبه يمنى وأنك تُحبها هي ولم تعد تكترث ليمنى بعد الآن ولكنك لم تُصارحها بهذا الأمر منذ بداية زواجكما

 

زفر وهو يُدلك جبينه بعصبية ثم تمتم قائلًا:

-       تباً!! لقد ظننت أنها تخونني!

 

تآكله الندم على ما فعله بها وملامحها لا تريد أن تغادر رأسه وهي تقسم له أنها لم تفعل شيئًا وتمنى لو أنه صدق كل ما قالته ونبهه من أفكاره صوت هذه الطبيبة التي لو لم تكن تذهب لها لما حدث كل ذلك وقالت متعجبة:

-       تخونك؟!

 

تعجبت مريم ثم ابتسمت بمرارة وواصلت كلماتها:

-       هذه المرأة بالكاد تستطيع إيذاء عصفور... هي تحبك بجنون، لقد أتت لي فقط حتى تكون سعيدة معك وتبحث عن طريقة تتعامل بها معك وتُصلح زواجكما... أنت حقاً لا تعرف كمْ تُحبك ولك...

-       يكفي

 

قاطعها متألماً بنبرة خافتة ثم حدثته قائلة:

-       أنا لا أعرف ماذا فعلت معها ولكن عليك أن تُصلح كل أفعالك...

 

التوت شفتاه بسخرية لاذعة وقال باستهجان:

-       كيف لي أن أُصلح أي شيء... فقط كيف يُمكنني فعلها؟!

 

تفاقم الحزن على وجهه كلما تذكر ملامحها المرتعدة أمامه وهي تصرخ وتترجاه أن يتوقف بينما حدثته الطبيبة لتقول:

-       سأحاول أن أُساعدك، كما أنك تُحبها وستعرف كيف تعيد كل شيء كما كان بل وأفضل، وكبداية يُمكنك الخضوع للعلاج ... وقتها يُمكن أن تُسامحك!

 

عقد حاجبيه متعجبًا وتفحص ملامحها ثم سألها باستغراب:

-       علاج ماذا؟!

 

ابتلعت "مريم" قبل أن تجيبه وتريثت لبرهة ثم نظرت له مَلِيًّا وأجابته في النهاية بثقة:

-       أنت تُعاني من اضطراب الشخصية السادية سيد عمر!

-       عفوًا، هل لديكِ مشكلة مع ميولي؟

 

رفعت حاجبيها مما أدى لتقطب جبينها وأجابته بمنتهى الثبات:

-       لا سيد عمر، بل السا دية ليست ميولا، مما تعلمته لسنوات هي اضطراب حقيقي يُصيب الرجال أو النساء على حد سواء... كذلك الماز وخية هي مرض، فالسادية هي أن توقع الألم بشخص والماز وخية هي أن تتوقع من الشخص الآخر أن يؤلمك... مهما تعددت أسباب نشأة هذه الاضطرابات ومهما كانت أشكالها سواء الطرفان يؤلمان بعضهما البعض جَسَدِيًّا وحتى نفسيًا أو أن هناك طرفا في العلاقة لا يسعد سوى بتلقي الألم فكلاهما مصابان باضطراب من الاثنين إما السا دية أو الماز وخية...

 

حدقته بنظراتٍ ثابتة لترى مدى تأثير كلماتها عليه ليومئ هو بالإنكار ساخرًا من كلماتها ورأت تهكمه يقبع بداخل عينيه وهو يقول:

-       ربما تتحدثين عن هذه الدرجة التي يقتل بها رجل أو امرأة شخص آخر بغرض الاستمتاع ليس إلا! سوى ذلك الأمر فقط ميول ومتعة ورغبة!

 

اتسمت بإعطائه نظرات حاسمة ثم سألته بنبرة مُعتدلة:

-       سأسألك سؤالًا سيد عمر، قد يكون بعيدًا قليلًا عن حديثنا هذا ولكن، هل تود أن تصبح بخير مع زوجتك؟

ضيق ما بين حاجبيه وهو يتفحصها ولم ينطق ولو بحرف واحد فاستطردت هي بثبات ونبرة واثقة:

-       من غضبك الشديد الذي رأيته منذ قليل لا يفسر سوى أنك علمت بقدومها في ظروف ليست بهينة نِهَائِيًّا، وأتيت مهرولًا إلى هُنا كي تستكشف مصداقيتها أو تبحث عن حلٍّ ما، وكنت تقول منذ قليل إنك لا تدري كيف ستُصلح كل شيء، لذا لا بد من أن هناك أمرا جللا قد حدث بينكما...

 

توقفت لبُرهة وهي تتفحصه ثم أردفت سريعًا:

-       هل قمت بإيذائها سيد عمر؟

 

تفقدها لوهلة وهي تُعطيه تلك النظرة بأن كذبه لن يُفيد ولم يعد منه نفع فاكتفى بالنظر إليها بصلابة ولم يُجبها واحتفظ بهذا الإقرار لنفسه بينما باغتته بسؤالها الذي لم يكن يتوقعه:

-       هل استمتعت أثناء إيذائك لها؟

عقد حاجبيه وابتلع وتصاعدت أنفاسه بارتباك وبعد بُرهة نهض قائمًا لتُضيف هي باستسلام عندما رأته يُقارب المغادرة:

-       الإجابة بينك وبين نفسك على هذا السؤال هي الكفيلة التي ستُثبت لك ما إن كنت مصابا بهذا الاضطراب أم لا!!

 

نظف حلقه بترددٍ بينما عينيها تقابلانه باعتدال حتى لا يشعر بالحكم عليه ولم تبالغ بملامح وجهها ليُحدثها بتثاقل لسانه وهو ينطق الكلمات:

-       سآتي لك مرة أخرى... عذرًا على ما فعلت

 

شعرت بلمحة من الحزن والألم تُسيطر عليه لتجده يجر قدماه بصعوبة متجهًا للمغادرة فحدثته بنبرة مُعتدلة قائلة:

-       سأنتظرك سيد عُمر...

 

أومأ لها باقتضاب وهو يتجه خارجاً لترتعب "حسناء" فور رؤيته ونهضت مبتعدة عنه لتراه هادئاً عكس ما كان عليه منذ ساعة.

هبط على الدرج شارداً بفداحة ما فعله بها، تهاوت واحدة من دموعه التي جففها مسرعاً وظل كالشليل لا يعرف ما الذي عليه فعله ولا حتى إلى أين يُمكنه الذهاب؟!

وصل للطابق الأرضي ليتوجه لحارس العقار بانكسار وتحدث بصوت مهزوز ليندهش الرجل من هيئته فلقد ناقض كل ما كان عليه عندما رآه ولكن الرجل حافظ على مسافة بينهما كإجراء احترازي غير آمنًا تصرفاته:

-       وليد هاشم الدمنهوري... بأي طابق يقطن؟

 

ابتلع الرجل وهو يتفحصه مَلِيًّا ثم أجابه بارتباك:

-       الأخير... الثامن عشر!

 

أجابه الرجل على حذر خوفاً منه فهو لا يزال يتذكر ملامحه التي لن ينساها أبدًا وحافظ على نفس المسافة بينما سأله مُجددًا:

-       هل يأتي دائماً هنا؟

 

تسائل بهدوء ممتزج بحزنٍ ولكن لم يَغِبْ عن عينيه تفحص الرجل الذي أمامه ليُجيبه الحارس بتأهب:

-       آخر مرة آتى هنا منذ ما يقارب سنة أو أكثر

 

أومأ له مُطلقًا زفرة مُطولة ثم ذهب بوهنٍ ليدخل سيارته وشلت جميع أطرافه ولم يستطع القيادة من شدة التفكير التي انتهت كل أسبابه إلى صدمة عصفت بكيانه!!

--

ها هو جالس بمفرده بين تلك الغمامة الكثيفة من دخانه، لم يُفده أن يتغير، ولم يُفده محاولة أن يكبح نفسه عنها، وربما لن يفيد بعد الآن أن يُفكر وحده بما يظنه عنها، لقد استسلم تمامًا إلي فكرة وحيدة، لم يرها سوى خائنة!! وكأنما ترسخ في عقله أن هذه هي حقيقة النساء جميعًا مهما كانت تبدو بريئة ومفتقرة للخبرة في العلاقات بل ومخلصة وتعشقه، لقد تهيأ عقله تمامًا أن النساء كلهن خائنات... وأصبح الأمر بعقله حقيقة مُسلم بها كالشمس التي لا يُمكنها أن تشرق سوى من مشرقها!

هل هو حَقًّا مريض؟ كان هذا سؤالا يستدعي انتباهه! وحقيقة ذلك السؤال الذي وجهته له تلك الطبيبة تجعله يشعر بالحيرة، لقد استمتع حقًا بالأمر معها بالمرة الأخيرة... استمتع وهو يؤلمها بشدة إلى درجة أوشكت على جعلها ميتة!!

 

لو كان هو مريضا إلى هذه الدرجة التي يسعه خلالها أن يقتل نفسا بشرية، لماذا إذن لم يستمع لصوت أفكاره اللعين وهو ينبهه من الأمر؟ لماذا تغير فجأة معها وأصبح جيدًا معها وبمجرد تخيل أن هناك بينها وبين شخص آخر علاقة خارت كل محاولاته في الإصلاح؟ هل هذه هي الحقيقة؟ أنه لا يصلح للعيش كأي إنسان طبيعي مع زوجته التي يعشقها؟

انتبه عندما تساقطت بقايا سيجارته على ساقيه وهو جالس خلف عجلة القيادة ثم رمق هاتفه ليُفكر بمن يهاتفه، ليس هناك أصدقاء، و "صوفيا" هي كل من يعرفه عن الأصدقاء وبالطبع لن تأتي بين ليلة وضحاها حتى تقوم بمواساته هذا لو كان للمواساة فائدة من الأساس!

 

امتدت أنامل يده المُرتجفة إلى هاتفه وهو يُفكر بهذا الأمر آلاف المرات، كبرياءه الذي نما منذ سنوات بأنه يستحيل أن يحتاج لأحد كان مكانه أسفل حذائه الآن... ولكن لو كانت مُحقة بشأن إخلاصها له فعلى ما يبدو هي محقة أيضًا بشأن أخيه!

-       عدي... أحتاج لمساعدتك

 

تحدث بهاتفه بمجرد رد "عدي" على مكالمته وإجابته له ليستغرب من نبرته التي لم يعهدها فأردف بقلقٍ متعجبًا:

-       أين أنت؟ وهل أنت بخير؟

-       لا أظن أنني بخير، ولا أظن أنني سأكون، أنا لست بخير فقط، ربما أنا مجنون كذلك، قد أبعث لك بعنوان الـ...

-       هل تبكي؟!!

 

قاطعه أخوه بينما أجهش الآخر بالبُكاء فسرعان ما لحقه مستطردًا:

-       فقط أرسل لي عنوان مكانك، سآتي إليك على الفور!

 

أنهى عدي مكالمته وهو لا يُصدق أن عمر وصل لتلك المرحلة التي يبكي بها، بعد ما يقارب من ثلاثين عامًا مع نفس الأخ، هذه مرته الأولى في أن يستمع لصوته الباكي، بل ومهاتفته لطلب شيء منه!

أنهى المكالمة وهو يُرسل بأنامل مُرتجفة عنوانه إلى أخيه ثم همس بين بكائه:

-       ستتركني... ستتركني... هي تكرهني... لقد اتهمتها ظلمًا.. لن أستطيع أن...

 

تعلقت بقية كلماته بصوت نحيبه كالطفل الصغير مختنقًا بدموعه التي تهاوت كما تهاوت علاقته براون وأصبح مدركاً أن ما فعله بها لن تغفره له... لن يجرؤ على مواجهتها... على الرغم من ألامه وحبه لها أدرك أن الابتعاد هو الحل الوحيد لهما، واستسلم تمامًا لحقيقة واحدة، عشقه لم يكن سوى دمار لها وله منذ البداية!



يُتبع..