-->

رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بتول طه - الفصل الخمسون 2

رواية كما يحلو لي - النسخة القديمة

بقلم بتول طه 

- تابع قراءة الفصل الخمسون -

الصفحة السابقة








حمحمت ثم تحدثت بضعفٍ يُلائم حالتها وحاولت أن تبدو صادقة قدر الإمكان:

- لقد كنت أنا وزوجي بالحفل الذي أقيم لرجال الأعمال ليلة أمس، ولكني أردت أن أغادر وانتظرته، دلفنا للمصعد سَوِيًّا حتى المرأب ثم تركته بالسيارة بعد أن طرأ له أمرٌ هام بالعمل وكان عليه استقبال المُكالمة والتحدث... علمت أني سأنتظره بالسيارة إلى أن ينتهي حيث إننا لم نحضر السائق معنا هذه الليلة فشعرت بالملل وأردت أن أستنشق الهواء قليلاً لذا ذهبت من بوابة خلفية حتى لا يداهمني المصورون والصحفيون أنت تعلم كم هذا مزعج بالطبع...




تنهدت وهي ترى الرجل يقوم بكتابة أقوالها وحاولت أن تختلق بقية القصة الداعمة لتلك القصة التي أخبرها بها "عدي" ثم أكملت:

- لقد تركت كل متعلقاتي بالسيارة معه وأخذت بالسير ولم ألحظ أنني ابتعدت نوعًا ما فكان هناك شخصان ملثمان بالسواد بالكاد رأيت أعينهما فجذباني لرواق مظلم ثم... ثم...




توقفت وبكت في صمت وهي تتذكر كل ما فعله "عمر" لتستحضر تلك الصورة الحقيرة التي عذبها بها وهو يرتاب بأمرها، هذا كان الحل الوحيد أمامها لتستطيع البُكاء بهذه البراعة كي تلتمس شفقة هذا الرجل ولكنها كانت نجحت بالفعل حيث إن المُحضر أمامها صدقها وحاول أن يُهدئ منها وهو يقول:

- فقط حاولي أن تساعديني حتى أستطيع أن أساعدك بالمقابل، أستطيع أن أراجع كاميرات المراقبة وأعرف من هم... أرجوكِ أكملي وسأعمل جاهداً حتى نحصل على أي دليل يُعرفنا عليهم... هل لاحظت مثلًا علامة أو ملابس أو هاتفا أو كانوا يستخدمون سيارة أو أي شيء نستطيع معرفة الأمر خلاله؟




أكملت بُكاءها وهزت رأسها له بالنفي ثم همست:

- يا ليتني رأيت شيئًا كنت لأخبرك به فورًا... ولكنني أظن أن الباب الذي استخدمته كان للعاملين وليس هناك أي كاميرات لتسجيل الأمر ولكن ابحث أرجوك !!




حاولت أن تجفف دموعها وهي تحارب عقلها أن يتخلص من صور الأحداث التي حدثت بليلة أمس بينما أومأ لها الرجل بتفهم ودون بعض الأشياء أمامه فتوسلته قائلة:

- أرجوك، لا أريد جلبة وضوضاء... أنت تعلم كم أنا امرأة معروفة في وسط الاقتصاد كما أن زوجي رجل مسلط عليه الأضواء ويكفي فقط أنني استطعت أن أعود للمرأب ولولا وجدوه بجانبي لكنت... لا أدري... لقد تخلصت منهم بأعجوبة بعد أن قيداني وقاما باغتصابي وعندما فرغ مني رجل كاد الآخر أن يقترب عندما ادعيت أنني أصبت بالإحباط من محاولة الدفاع عن نفسي ولكن لم أكن لأحتمل ودفعته بعيدًا عني بكل ما امتلكت من قوة وأخذت أهرول ويداي مقيدتان حتى أنني أصبت بعدة جروح كما سترى في التقرير... لولا أنني استطعت العودة نحو زوجي كانا ليتبعاني و...




أجهشت بالبكاء من جديد وهي لا تُصدق أن عليها التستر عليه ففي النهاية هي لن تستطيع أخذ حقها كما تريد لو أنها اعترفت بحقيقة ما حدث وحتى ولو أخبرت هذا الرجل بالحقيقة سيتصدى للأمر وسيستطيع الإفلات، هذا فضلًا عن أنه لا يوجد ما سيدعمها قَضَائِيًّا أمام زوجها... أقصى ما تتأمل به هو الخُلع ليس إلا!




توقفت عن البكاء عندما حدثها الرجل قائلًا:

- سنرى ما يُمكننا فعله، ولكن لو لزم الأمر علينا أن نتعامل مع الأمر برسمية كما ينبغي، لن نستطيع التكتم على الأمر!




اتسعت ملامحها مُدعية الذعر ثم هتفت به:

- أتعني أن الجميع سيعلم؟ كل من يعرفني سيكون على دراية بما حدث لي؟ لا أرجوك، افعل ما أريده، فقط أغلق البحث، اجعلها ضد مجهول، يكفي أن زوجي استطاع إحضاري للمشفى وأنا سأصبح بخير




تساقطت دموعها لتشعر وكأنما قلبها يحترق لكذبها ومبرراتها الواهية بينما سألها وهو يحتار بأمرها:

- هل تتهمين أحدا؟ هل هناك أي أعداء لكِ؟




ابتلعت بمرارة، لن تستطيع أن تقول إن زوجها أصبح ألد أعدائها وهو من تجرم بحقها بهذه الطريقة، لا تستبعد لو ذهب هذا الرجل لأخذ أقواله سيتركه وهو مقتنع تمام الاقتناع أنه أفضل رجل وزوج خُلق في الحياة!




هي تعلم جيدًا أن حتى الفتاة التي تقوم برفع دعوى اغتصاب على مجرد رجل غريب عنها أقصى ما يُمكن فعله هو الحصول على سجن قليل المُدة وغرامة تافهة، فما بال امرأة متزوجة تدعي على زوجها بأنه اغتصبها؟ وسجنه القليل بل وتلك الأموال القليلة لن تجعلاها لا تشعر بأنها رخيصة للغاية لا تستحق!




أومأت له بالإنكار ثم أجابته وهي تضرع بداخلها أن يذهب مقتنعًا ويتركها وشأنها:

- لا... ليس هناك أحد... أرجوك أريد أن أنتهي من هذا، يكفي ما عانيته وأنا الآن امرأة حامل لا أستطيع أن أتأثر أكثر من هذا




صدقها الضابط ولكن هناك شيئاً مفقودًا بكلماتها، وكأنها تحمي أحد، أو ربما هي مشتتة فهي منذ قليل طلبت منه صراحةً أن يبحث والآن تتراجع بما أرادته ليبدو الأمر غريبًا ليستغرب أكثر لقولها الذي نطقت به:

- أنا أتنازل، فقط أريد الانتهاء من كل هذه التحقيقات وأغلق كل شيء أرجوك




توسلت له روان ليقطب الرجل جبينه ثم أعطى لها ورقة وقلم لتوقع بصعوبة بسبب إصابة يدها ثم توجه الرجل خارجاً وأوصد الباب...

❈-❈-❈

- اقترب منها مرة أخرى وسأقطع يدك أيها الوغد

صاح عمر غاضباً ولكمه مجددًا وهما جالسان بواحدة من الغرف القريبة إلى حين انتهاء هذا المُحضر من أخذ أقوال "روان" فهتف به من جديد محاولًا أن يشرح الأمر له:

- لقد احتاجـ...

- واللعنة لا تبرر لي جلوسك بجانبها بتلك الأعذار التي لن أتقبلها


قاطعه بينما لكمه مرة أخرى وما إن لمح الضابط بالرواق دفع عمر بعيداً ثم توجه له على عجل ثم سأله مُستفسرًا:

- هل نستطيع الآن الدخول إليها؟


توقف الرجل ورمقه بنظرات ملأتها الريبة لمظهره ثم سأله:

- هل تعرض لك أحد؟ هل يهددك أحد بش


سرعان ما قاطعه فهما ليسا بحاجة للمزيد من إثارة الريبة حولهما:

- لا لا... لقد... كان... لدي مباراة للملاكمة


ضيق الرجل عينيه في إنكار وكأنه لا يُصدقه بينما تابع كلماته محاولًا أن يبدو مُقنعًا قدر الإمكان:

- أتمرن كثيراً وأحب العراك ولكن بالطبع بشكل قانوني


ابتسم عدي حتى يُصدقه الرجل ولكنه هز الضابط رأسه بإنكار مستهجن ثم سأله:

- أين زوجها؟


ابتلع "عُدي" بوجلٍ وهمس بتردد مجيبًا إياه بنبرة استفهامية:

- لماذا؟ هل كل شيء بخير؟


وجد نظرات الرجل تزداد ريبة نحوه فسرعان ما حاول أن يتصرف بتلقائية:

- حسنًا هو موجود هُنا بتلك الغُرفة... ولكن هل عليك أن تأخذ أقواله؟ هل لديك تصريح بهذا؟


حدقه الرجل مَلِيًّا ثم ابتلع وهو يعرف أنه لا بد من أن يكون معه الإذن بهذا ثم تذكر أنه على وشك أن يأخذ أقوال محام شهير معروف بسمعته وإن لم تكن وثائقه كاملة كما ينص القانون لن يستطيع الإفلات منه فزفر الرجل بضيق ثم قال على مضض:

- حسن، سأحضر الإذن بهذا... على كل حال تستطيعون الآن الدخول، ولكن سأعود لاحقاً إذا أردت الأخذ بأقوال أخرى


تحدث له الضابط حانقًا ليبتسم له "عدي" بقليل من لمعة الانتصار بعينيه ولكنه أردف:

- شكراً لك... لقد أرهقناك حتماً... هذه بطاقتي وتستطيع أن تهاتفني بأي وقت!


مد له عدي بطاقته التي حملت أرقامه الشخصية ليحدق بها الضابط ثم أومأ له برسمية وحدثه باقتضاب:

- والآن... أستأذنك في الذهاب لزوجة أخي


ذهب عدي ليقلب الرجل شفتيه امتعاضاً ويحك ذقنه مفكراً بأقوال روان ليحاول أن يمزجها بما يراه أمامه عله يجد شيئاً منطقياً بهذه القضية الغريبة التي تغيرت بها أقوالها بنفس الوقت في غضون لحظات!...

- حاسوباً عدي... أريد حاسوباً واتصالا سريعا بالبيانات...


تحدثت له بلهفة ما إن رأته دالفاً ليتعجب لها وكاد أن يستفسر بالمزيد بينما بادرته بلهفة:

- أرجوك اذهب ليس هناك وقت


تحدثت له ليحسم أمره وذهب ليفعل ما طلبت منه ورأى أن أفضل حل أن يتصرف من المشفى نفسها فتوجه إلى واحدة من مواظفات الاستقبال وبعد صعوبة بإقناعها أخذ حاسوبها وذهب مهرولاً لروان لتقع عليه نظرات عمر المتعجبة ولم يستطع أن ينتظر أكثر من هذا ليجدهما جالسين معاً ليسحق أسنانه في غضب

- ماذا تفعلان؟


صاح بهما ولم ينظر أحدهما له وصبا تركيزهما على الحاسوب ليكور عمر قبضتيه في غضب بينما نظرات الدهشة تعتلي وجه عدي من براعة روان التي لم تلبث كثيراً حتى استطاعت كسر قاعدة بيانات الفندق الذي كانا به بتلك الليلة المشؤومة


زفر بضيق ثم تكلم سائلًا بنبرة حانقة:

- هل سيُجيبني أحدكما أم سـ...


أحاول أن أخفي حقيقة أنك مغــ ـــتـصب عا هر عن أعين الجميع


تحدثت روان مُقاطعة إياه بينما لم تنظر له ليشعر عدي وكأنما صُب عليه ماء مثلجاً بينما تجمد عمر أمامها لا يدري ماذا يقول...


جلس عمر أمامهما لمدة ساعتين على الأقل وقد نفد صبره وبداخل عقله آلاف التخمينات لما قد تتحدث به، يعلم أن ما فعله ليس بهين، يعلم أنه قد ترك نفسه ليُصبح ضحية لعقله الملتاع بظن أن النساء بأكملهن خائنات... ولكنها عليها أن تعلم أنه لم يستطع سوى التصديق بعد كل ما كان يدور حوله...


 ما أخبره به حراسها، طلبها للطلاق الذي لم تتوان عنه، استفزازها له، وأخيرًا بتلك الليلة كانت تتعامل مع ابن خالتها بطريقة لم تدع له سوى الارتياب بهما!!


حسنًا ، هذا ليس بمبرر كاف... كل تلك الأفكار الواهية ليست كافية... ربما كان عليه أن يبحث جيدًا، ولقد أخفق بشدة... دمر كل شيء... ولكنه لن يقبل سوى أن تغفر له!!


جلس يرمقهما بملامح غابت وسط تلك الكدمات التي ماثلت بعض الكدمات على وجه أخيه ولكنها لم تكترث لتتساءل عن الأمر واكتفت بالتركيز فيما تفعله حتى أزاحت الحاسوب ليُمسك به عدي ونظر لها بتعجب وقال بإطراء حقيقي:

- بحياتي لم أظن أن فتاة تستطيع فعلها!! أنتِ بارعة حقاً بهذا...


تكلم لها باندهاش وعلامات الفخر تعلو ملامحه لتنظر له وكأنها سمعت كل هذا من قبل ثم سلطت نظراتها التي امتلأت بالاحتقار لعمر ثم تحدثت بهدوء وكبرياء لتزجره:

- أظنني أخبرتك بأنني لا أريد رؤية وجهك أمامي وقد وضحت هذا من قبل... تفضل خارجًا


رفع أحد حاجبيه بعدم قبول وقد عادت غطرسته مرة أخرى ورمقها مُسلطًا فحميتيه عليها بنظرات لم تفهمها ولكنه حمحم ثم تحدث بهدوء وعينيه تأبى مغادرة عينيها:

- لن أفعل حتى نتحدث!!


انتظر ساكنًا بإصرارٍ ينهمر من كل ملامحه وحاول "عدي" أن يتحدث ولكنه رمقه بنظرة أسكتته تماماً وأعاد نظره نحو "روان" التي اندهشت مما قاله لترفع حاجبها هي الأخرى بتحد ثم تحدثت موجهة الكلام إلى أخيه بينما لم تتراجع عن طعنه بخناجر الاحتقار من بين عسليتيها:

- عدي... كل شيء بالعمل أريدك أن تتابعه لي حتى أصبح بخير، هاتفني كل يوم حتى تخبرني بكل شيء وسأحاول أن أعمل معك ولكنني لن أستطيع الذهاب للشركة بحالتي هذه


تفوهت بمنتهى السيطرة والتحكم بينما لم تزح عينيها عنه وكأنما تخبره أنها لا تكترث له ثم أملت بالمزيد من التعليمات على مسامع أخيه ولم تتوقف لبرهة عن الاشمئزاز منه بداخلها:

- أبلغ فارس وعلا بكل شيء، أعلم أنني أبالغ بإلقاء كل تلك المسؤوليات لتقع على كاهلك وحدك ولكنني لا أستطيع أن أثق بأي شخص غيرك الآن...


تهاوت كلماتها عليه وكأنها تقصد تمامًا أن تخبره بأنها لم تعد تثق به ليسحق أسنانه ناظرًا لها ومشاعره تتضارب بداخله ليشعر بالندم من كل ما يحدث فثلاثتهم يعرفون أنه السبب في كل ما حدث ولكنها فاجأتهما وهي تقول:

- عفواً عدي... هل تستطيع أن تتركني معه قليلًا؟ وتذكر ألا تغلق الحاسوب حتى يستكمل نقل البيانات...


لا زالت تحدق بعمر ليبتلع عدي ودون أي اعتراض منه توجه للخارج وهو حتى لا يستطيع أن يُصدق أي شيء مما يحدث، كما أنه لا يستطيع أن يرفض طلبها له...

- نهض عمر ليقترب منها حتى يجلس مكان عدي لتنهاه بتأهب شديد:

- إياك وأن تقترب مني... إذا كنت تريد التحدث إذن التزم مكانك وقل ما شئت وحاول أن تنتهي بسرعة حتى أنتهي أنا الأخرى من أمرك! أليس هذا ما سيجعلك تغادر كما قلت؟!


رأى الكبرياء جليًا على ملامحها ليتوتر من تلك النظرات المصحوبة بالاشمئزاز والاحتقار على حدٍّ سواء ثم عاد لكرسيه ليحمكم محاولًا أن يصوغ كلماته التالية ولكنها سأمت الانتظار فحدثته بنفاد صبر:

- هيا... هات ما عندك...


نظف حلقه مرة ثانية وهو ينظر لها بارتباكٍ جلي ثم خفتت نبرته بانكسار وهو يناشدها:

- أعلم أنني بالغت وأنا أعتذر لكِ... لقد أخبرني أحدهم أنكِ كنت تذهبين لذلك المبنى وعندما علمت أن وليد يملك شقة بتلك البناية...


تريث وابتلع عاقدًا حاجبيه وهو لا يرى أن أي كلمة مما قالها كانت سببا منطقيا لفعلته الشنيعة ثم أكمل بهمسٍ وغصة بحلقه:

- أنا آسف روان، لم أكن أعرف أنكِ تذهبين إلى الطبيبة مريم ولكنني قابلتها و... وقولك بأن أطلقك وتلك الدعوة التي...


زفر كل ما برئتيه وتألمت ملامحه بينما لم تتغير ملامحها قيد أنملة وظلت تنظر له بتحد وبين الحين والآخر ترمقه باحتقار وغرور مشمئزة من كل ما تستمع له لتجده يواصل كلماته وهو يتضرعها :

- اغفري لي روان... أعلم أنني بالغت ولكنك لم تفكري حتى بالتحدث معي، وقمتِ باستفزازي كثيرًا، وصممتِ على أمر الطلاق حتى جعلتِ الشك يُسيطر علي بأنكِ فقط تريدين التخلص من الزواج لتُصبحي مع رجل غيري!! لم تحاولي حتى أن تدافعي عن نفسك، لقد... لقد... أخبرني عدي بأنكِ... أقصد... لقد...


تلعثم بينما لم تستطع روان تقبل اعتذاره، هي ترى كم هو متألم وكم كان صعباً عليه التحدث ولكنها لا تستطيع أن تتقبل منه أي تبريرات أو أعذار، نظراتها صوبت نحوه بعبرات حجبت مُقلتيها وهي لا تزال بنفس هيئتها على الرغم من تصاعد رجيف قلبها وهي ترى ملامحه التي لم تعد تُمثل لها سوى الأذى والكراهية وتركت له الفُرصة حتى يُكمل ما ود قوله:

- لقد أسأت الفهم، وبالغت، وتسببت لكِ بالكثير... سامحيني روان أرجوكِ


سكت ثم نظر لها بأعينِ امتلأت بالندم والذنب وترغرغت مقلتاه بالدموع لتبتلع هي وظلت ترمقه بنفس النظرات وكأن كل ما أخبرها به لم يؤثر بها...

- أهذا كل ما عندك؟ هل انتهيت؟


سألته بهدوء وحنجرتها تحاول دفع تلك الكلمات بصعوبة بين غصة دموعها التي تحاصرها بأعجوبة ليتطلع لها بألم ثم اختلطت ملامحه بالكثير من الأسئلة وانهمرت إحدى دموعه ليُجففها سريعًا بسبب رؤيته لتلك العبرات التي تأبى الفرار من عينيها وكلما حاول أن يُكون جملة مُفيدة انعقد لسانه فلم يجد سوى أن يومئ برأسه كإجابة على سؤالها لتبتلع هي بمعاناة ثم حدثته بمشقة:

- جيد إذن، اخرج... اخرج واتركني وغادر!


أتت نبرتها الآمرة لتفتت كل أمل ولو ضئيل داخله بأن يكسب غفرانها على ما فعله وذهل تمامًا وتيبس بمقعده وهو يحاول أن يبحث بطيات عقله عن أي ذريعة تجعلها تتقبله من جديد، ولكنه باء بفشلٍ تام!!

- عمر أنا لا زلت متعبة... اخرج ولا أريد أن أعيدها... اذهب... لم أعد أريد رؤيتك!


تحدثت بنبرة غالبها البُكاء الذي تحاول التهرب منه بينما ظل ناظرًا لها وانهمرت دموعه بصمتٍ لتشيح بنظرها بعيدًا عنه ليتنهد هو ثم حدق بها وهمس متسائلًا بوهن:

- ألن تسامحينني روان؟ أقسم أنني أخطأت، وندمت على الأمر، وفهمت فهمًا خاطئًا، ولن أعيدها مجددًا!


حاولت التغلب على ذلك البُكاء المُلح ثم ابتسمت له بمنتهى الثقة وأجابته بنبرة مرتجفة:

- ربما...


اتسعت ابتسامتها إلى أن أصبحت ابتسامة دافئة لتحصل منه على اللهفة بملامحه ونهض ليقترب منها وكأنه استطاع التنفس مجددًا ظنًا منه أنها حقًا قد تكون ستفعلها بعد أن شعر باختناق دام لسنوات ولكنها عرفت أخيراً كيف لها أن تعبث بعقله لتوقفه بمنتصف طريقه إليها وهي تهمس له لتستفزه:

- بأحلامك!!


اشتعل غضبًا سرعان ما تحول لإحباط وانهمرت دموعه من جديد وهو يرى على ملامحها التشفي والإشمئزاز ليتنهد بقهرٍ وهمس لها مُعقبًا بين نحيبه:

- اعرف جيدًا كيف أحقق احلامي روان!

رمقها للمرة الأخيرة ثم جفف تلك الدموع ونظر لها وكأنما فحميتيه تعاهدانها بوعود غير منطوقة ثم التفت وذهب مغادرًا ليصفع الباب خلفه بغيظٍ وتركها لتترك اخيرًا الحرية لتلك الدموع التي قامت بأسرها طوال فترة وجوده معها وبكت بحرقة وضعف على كل ما حدث لها منذ أن عرفته وأنفجر برأسها جولة جديدة من زوبعة الأفكار التي لن يتقبلها قلبها أبداً...



يُتبع..