-->

رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بتول طه - الفصل الخمسون

     رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه 

حصريًا لمدونة رواية وحكاية


الفصل الخمسون

رواية كما يحلو لي - النسخة القديمة





أخذ يكيل إليه الضربات لكمة تليها الأخرى وهو يحاول أن يلكمه بأقصى ما لديه من قوة حتى استحث غضبه وبدأ أن يبادله اللكمات ففي البداية كان في حالة تُشابه الانفصال عن الواقع وبعدها بدأ في الاستفاقة ومن ثم بدأ يُدافع عن نفسه ليُسدد له هو الآخر اللكمات حتى خارت قواهما ولهثا وانقطع عنهما الهواء فتوقفا بإشارة سبابة "عمر" الذي طالب بوقتٍ مستقطع للاستراحة فصاح به "عدي" غاضبًا بلهاثٍ متثاقل:

- أتجلس مثل النساء تبكي أم ماذا بك؟ أتحولت فجأة لرجلٍ لا يعلم ما الذي عليه فعله؟



رمقه بلهاثٍ يحاول خلاله الصمود في إمرار بعض الهواء إلى رئتيه ثم هتف به بغضب:

- تبًا لك، ليس لك شأن بي!!



تعالى وانخفض كل من صـ ــدريهما بسرعة رهيبة وهما يحاولان استعادة وتيرة أنفاسهما الطبيعية ليسأله "عدي" وقد بدأت أنفاسه في الهدوء:

- حسنًا ... سأفعل... ولكن هل تحبها؟!



انتظر أن يستمع منه لأي إجابة ولكنه لم يجبه فذهب إليه ولكمه بوجهه مجددًا وصاح به:

- أتحبها أيها الوغد؟



ضيق عمر عينيه وأحاط خصره ليرفعه بعنف ثم ألقاه أرضاً وأخذ بركله كالمجنون وحدثه بصياحٍ غاضب:

- إن... لم... أكن... أحبها... لماذا... أنا... كالعا . هرة... أمامك... ابكي كالنساء!



أخبره وبين كل كلمة ركلة ليجذبه من قدمه ليسقط هاوياً بجسده أرضاً وتألم ظهره بقسوة فاعتـ ــلاه عدي ولكمه بوجهه من جديد ثم صرخ به:

- كن رجلاً لأجلها إذن... استعد رباطة جأشك... أين هدوءك؟ أين سيطرتك؟ أتريد أن يتهامس الجميع خلف ظهرك كم أنت مخنثاً أم ماذا؟ قم واللعنة عليك لتستعيدها... كن حنوناً وليناً لها فقط... اِبْكِ بحضنها وليس أمام الجميع، حتى أنا أيها الوغد لا أريد أن أراك هكذا... أين حيلتك الآن؟ أين قوة تماسك أعصابك؟ عد لتكون عمر يزيد الذي يتبول كل مخنث عندما يُذكر اسمك أمامه... فق واللعنة لا تكن كعا . هرة!



حدقا ببعضهما ثم تركه عدي وذهب لمؤخرة السيارة ليزيح تلك الدماء عن وجهه ثم اتبعه عمر في صمت وأراح جسده على السيارة بجانبه ثم سأله بهدوء بعد أن سيطر كلاهما على ذلك الغضب الذي يغلي بداخل عروقهما:

- أتظن أن صديقك سيتكتم عن تقرير حالتها؟



رفع كتفيه ثم أخفضهما وأجابه قائلًا:

- لا أعرف... هو متعاطف معها كثيراً... ولو منها لن أتركك لتفلت بفعلتك!



حدق أمامه بأرضية الطريق السوداء ثم فكر قليلًا بالإجراءات التي يتخذها الأطباء في هذه الوقائع وتحدث بهدوء معقبًا:

- سيتوقف هذا عليها عندما تتحدث عما حدث لها!



توقف لبُرهة ث التفت له واستطرد بتحد:

- كما أن ذلك الوغد إذا تكلم أقسم أنني سأغلق مشفاه...



نظر له عدي متعجباً ولكن لم يكترث له ثم تلمس وجهه حتى شعر بالوجع وغمغم متألمًا:

- اللعنة عليك... لقد أفسدت لي وجهي



رمقه "عمر" بحقدٍ ثم حدثه بغيظ:

- صدقني هذا أقل مما تستحق...



تركه وعاد ليدخل السيارة وصاح به:

- هيا تحرك... علينا تغير ملابسنا التي أفسدتها بغبائك والعودة إليها!!

❈-❈ -❈



- روان... أعلم أنكِ لا تريدين رؤيته، وما فعله لا يُعد إلا جنوناً محضا ولن أستميل قلبك بأنه كان مدمراً وحالته بشعة، لن تصدقي أنه هو نفسه عمر القوي الصلب، لو فقط وقعت عيناكِ عليه وهو كالطفل يبكِي ومرتعد ألا تتقبليه مجدداً لكنتِ ترأفتِ به قليلاً... لقد فسر الأمر بأكمله تفسيرا خاطئا، وأنتِ لم تخبريه قط بذهابك للطبيبة!



نظر لها وهو يتابع التحدث إليها منذ وقت ليس بهينٍ علها تستجيب له لتتحرك شفتاها بسخرية وهي تلويها لأحد الجوانب ليعلم أنه بات مستحيلاً أن تغفر له فأكمل عدي وهو يُنظف حلقه وتوسل لها:

- مهما يكن، عليكِ أن تخرجي من صمتك، عليك أن تتحدثي وتواجهي الجميع... لو فقط علمت أمك قد ت...



قاطعته بتساقط دموعها في صمت تام ليبتلع عدي بغصة ليشعر بازدياد صعوبة الموقف عليه وحاول أن يتابع كلماته:

- كما أنني أعي تماماً أنكِ تفهمين كل شيء، وأعي أيضاً أنك امرأة قوية، أقسم لك ألا أدع عمر يمسك بسوء مجدداً ولكن عليك الاستفاقة، ليس من أجل أمك ولا أخيك ولا حتى العمل ولا عمر نفسه بل من أجل ذلك الطفل الذي ليس له ذنب...



نظرت له بتعجب ودهشة وكأنها تجمدت ولم تتنفس حتى وسلطت نظرها عليه بصدمة ليُردف بعد أن قرأ الكثير من الأسئلة بعينيها:

- نعم روان أنت حامل بالشهر الثاني... أتريدين أن يأتي ذلك الطفل ليرى والدته ضعيفة هكذا؟ أهكذا كنت تتخيلين نفسك كأم مسؤولة عن طفل ليس له ذنب بمن هو والده ولا ما الذي حدث بينه هو ووالدته؟



أراد أن يستفزها بتلك الكلمات حتى تقول أي شيء وتخرج من تلك الصدمة حتى ولو غضبت تجاه الجميع وصرخت به هو نفسه وقد نجح لتصرخ باكية ليحاول ألا يبدي مفاجأته لاستجابتها السريعة له وزفر براحة دون أن تعتلي ملامحه أنه أخيراً أخرجها من زوبعة أفكارها التي ربطت لسانها لبعض الوقت.

- لا تخبرني أنني سأكون أما لابن ذلك المختل



نشجت بعنـ ــفٍ وهي لا تصدق هذه الحقيقة الكارثية فتلمس يدها بدعمٍ وتمنى بداخله ألا يراه عمر الآن وإلا سيقتله بيديه وقد يظن الكثير من الظنون حتى بعد كل ما حدث فهو لا يأمن ما قد يتخيله بعقله الذي يُفسر الأمور بشكل خاطئ دائمًا...

- أنا بجانبك روان، لن أتركه ليفعل شيئاً مجدداً... اهدئي...



ربت على كتفها برفقٍ ودعم أخوي ليدخل عمر بتلك اللحظة وانهمرت من عينيه نظرات فتكت بأخيه وكاد أن يصبح صريعًا لتلك الرمقات الجحيمية لتمسك روان ذراع عدي بيدها اليسرى السليمة ثم نظرت لعمر وكأن خوفها الذي لطالما حملته بداخلها تجاهه اختفى للأبد كما أن وجود عدي بجانبها شجعها كثيرًا على مواجهته ثم صرخت به مُتخلية عن كل أفكارها وأوجاعها:

- لا أريد رؤيتك... غادر واذهب إلى أي جحيم بعيدا عن عيني، لا تمكث بنفس المكان الذي أنا به... هل هذا واضح؟



أخيرًا استطاعت أن تسمح لهذا الكبرياء بعينيها بالعودة بعد أن احتقرت نفسها على كل مرة فرطت به أمامه، لم تكن روان زوجته التي عهدها الأشهر الماضية، بل تلك الفتاة التي أرادته أن يترافع لها عن قضية يوماً ما بنفس الجبروت لديها بإلقاء أوراقه أرضاً... لقد عادت مرة أخرى وها هي تقوم بمواجهته دون أخذها في الاعتبار أي شيء سوى التخلص من رؤية وجهه!



تلبك لسانه ولم يعد بمقدرته أن يصوغ جملة واحدة بينما هي ترمقه بنظرات ينهمر منها لهيب الغضب والاحتقار ليحاول أن يُكلمها:

- روان... اهدئي لق ...



لم تسمح له ولا لنفسها بسماع تراهات لن تُفيد ولن تُصلح من شأن ما فعله وصرخت به ونظراتها المحتقرة تتخلله كالخناجر لتُفتك به:

- أعلم أنك مغتــ ــصب عا هر ومريض بأمراض العالم بأكمله، ولكنك لست غبياً... اخرج من أمامي الآن وإلا أقسم لك سأقاضيك!! وحتى لو لم أحصل على شيء يدعمني أمامك يكفي كل ما سأفعله بك أمام الجميع!!



صرخت به حتى سمع الجميع صراخها وأوشكت الممرضة التي أتت فور سماعها على أن تحقنها مجددًا ببعض المهدئات ولكنها نظرت بأعين الجميع وصاحت من جديد:

- أنا بخير فقط اتركوني وحدي واجعلوا هذا الرجل يذهب بعيدًا عني وسأصبح بأفضل حال ... لا أحتاج لعدة عقاقير لن تُفيدني بشيء!



تعجب الجميع لما قالته وهي تشير نحوه بينما اطمأنت بوجود "عدي" بجانبها وكأنها تستمد القوة منه لينظر عدي لعمر ففهم ليرمقه بنظرات جافة كادت أن تحرقه ولكنه كان عليه أن يخرج ففعل وبدأت هي بالهدوء قليلًا!



انتظر حتى أصبحا بمفردهما بالغرفة مرة أخرى ثم همس لها بجدية قائلًا:

- روان... أريد أن أخبرك شيئاً...

- ماذا هناك عدي؟



سألته هامسة بوهن وكأنها تحتاج لمعرفة المزيد، لا يُصدق أحد على ما يبدو أنها لا زالت تحت تأثير الصدمة بعد ما حدث على يده بيومٍ وليلة فقط لارتيابه بها فحمحم ثم بدأ في الكلام:

- أنا لم أحدث عمر بعد في هذا ولست متأكداً ماذا سيكون قرارك ولكن أدهم قد...



نظرت له بتعجب فهي لا تدري من هو أدهم واستطاع فهم سؤالها الذي اتضح بمُقلتيها فسرعان ما وضح لها:

- أدهم صديقي الذي يملك المشفى التي تمكثين بها وبعد رؤية التقرير لم يستطع السكوت وقد أبلغ الشرطة



ابتلع عدي بخوف مما قد يحدث لأخيه ولكنه لن يجبرها على شيء.. فمهما بلغت علاقته هو وأخيه يظل في النهاية حقها الذي لا بد لها من أن تمتلكه بالكامل ولن يكون من المروءة محاولة تدليس الأمر فقط لينقذ أخيه من معرفة الشرطة بالأمر! عليها هي أن تقوم إما بإكمال البلاغ أو بالتنازل عنه، هذا شأنها وحدها وليس عليه التأثير عليها ولن يحاول أن يفعل!



لقد أصبح في موقف لا يُحسد عليه، عليه أن يؤيد كليهما وعليه أن يُقدم الدعم سواء لها أو له، وهذا كل ما يستطيع فعله، فهو لن يستطيع أن يختار صفا واحدًا منهما ويترك الآخر!



تنهد ثم استطرد كلماته ليقول:

- وجود أي شخص بجانبك الآن ممنوع منعًا تَامًّا حتى يأتي المُحضر لأخذ أقوالك فيما حدث لكِ... ولولا مساعدة أدهم لنا لما كنت أنا وعمر معك الآن... لقد هاتفت رحمة مُربيتك عمر لتسأله عن الثوب الممزق والدماء التي على الفراش فأخبرتها أنكِ تعرضتِ لحادث وظننت أن الجرح صغير وستستطيعين التغلب عليه بمساعدة بعض الإسعافات الأولية ولكن عندما رأيتِ الجرح وازدادت الأوجاع ذهبتِ للمشفى...



زم شفتيه باقتضاب ثم حمحم ليُداري إحراجه من الأمر وتابع:

- لقد كنتِ وقتها تحت تأثير المُهدئ لذا اختلقت تلك القصة الواهية... على كل حال علي أن أغادر الآن... بالطبع لن أطلب منك أن تدلي بشهادة خاطئة ولا أن تتركي حقك، فقط افعلي ما يريحك روان... سآتي لك بعد أن يغادر المُحضر لأتفقد حالك وأطمئن عليكِ...

ابتلعت روان بعد ما أخبرها به عدي لتقع في حيرة من أمرها، هي متأكدة حتى ولو اتهمت عمر ومعها العديد من الأدلة مثل كاميرات المراقبة بالمنزل والحراس الذين شاهدوهما وهما يتواجدان بالمنزل وكذلك قد يصل الأطباء والتحاليل إلى أنه من فعل بها كل هذا ولكن تعلم نفوذه وبراعته ليفلت منها، الإدلاء بالحقيقة لن يعذبه مثلما تريد أن تراه يتعذب مثلها... وبعد رؤيته يومًا ما وهو يترافع لها بواحدة من القضايا هي على يقين أنه سيفلت منها وخصوصًا أنها زوجته وليس هناك ما يدعم الزوجة ضد زوجها من قوانين! حتى ولو كان هو الجاني!

ظلت تفكر وترتب كلماتها واستعادت شجاعتها التي فقدتها بسببه لبعض الوقت، أو لتقول لبعض الأشهر بسبب سذاجتها وتصديقها بالمشاعر والعشق، ولكن منذ الآن فصاعداً سيكون الأمر لها وحدها، ستقرر كل شيء ولن تفكر به بعد اليوم... هو مجرد جماد في حياتها وما إن فرغت من استخدامه ستلقيه بأقرب سلة مهملات...

تهاوت دمعة قد سببها قلبها الذي تألم لتفكيرها ولكنها قد طاوعت قلبها كثيراً من قبل ولن تفعل بعد اليوم!... لم يعد يُفيد البُكاء ولا التنازل ولا محاولات التغير والثقة به، يا ليتها منذ البداية قامت برفضه، ولكن لعنتها اليوم أنها باتت تحمل طفله!

❈-❈-❈



- أنت تدركين سيدتي أن عليك الإدلاء بالحقيقة حتى أستطيع مساعدتك، لذا تحدثي ولا تخافي شيئًا!!



تهكمت بداخلها وكأن هذا الرجل الذي قد حضر لأخذ أقوالها عن كل ما تعرضت له سيستطيع أن يُساعدها عندما يعلم الجميع أن المحامي المرموق ابن المحامي الشهير اللذان لهما سمعة لا يستطيع أحد سوى معرفتها وتقديرها قد قام باغتصابها، إدماء وجهها بصفعاته القاسية، وكسر واحدة من يديها، وتسبيب نزيف شديد لها بسبب ممارسة عنيفة!



ابتلعت بمرارة وهي تُفكر بما عليها فعله ثم تنهدت وهي تنظر للرجل خافية لقهرها الشديد الذي يلم بها ثم حدثته قائلة:

- لست خائفة من شيءٍ... سأخبرك الحقيقة كاملة...