-->

رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بتول طه - الفصل الرابع والخمسون 2

    رواية كما يحلو لي - النسخة القديمة

حصريًا على مدونة رواية وحكاية


بقلم بتول طه 

- تابع قراءة الفصل الرابع والخمسون -


الصفحة السابقة


توسعت ابتسامته على الرغم من ذلك الحزن بمُقلتيه بينما لم يُصدق "عُدي" ما سمعه وأحس أنه يقاطع محاولاته كضيف غير مرغوب به بالأنحاء وهما يتحدثان بهذه الخصوصية وبنفس الوقت لا يأمن ما الذي قد يحدث بينهما لو تركهما وغادر لتنظر هي له بتعجب غاضبة لتُحدثه بحزم:

- أتعلم... ليس عليك أن تتظاهر هنا، عدي يعرف كل شيء، يعرف أنك من أغتـ ...

- ولأن عدي يعرف كل شيء يعرف كمْ اشتقت لكِ ولا أريد أكثر من رؤيتك والتواجد معكِ



قاطعها بنبرة هادئة وهو ينهمر من عينيه لوعة اشتياقه لها بصحبة ندمه الذي يتمنى منها أن تتفهمه وتُصدقه هذه المرة ليبتسم عدي خلفه وأومأ لها بالموافقة وأخذ يتصنع بعض الحركات البهلوانية التي تتوسلها أن توافقه ليزداد عبوس ملامحها ثم صرخت به:

- انظر... لا تظن أن طريقتك اللينة تلك والنظرات الجديدة والمعاملة اللطيفة ودعوة طعام وكل هذه الترهات سأنخدع أنا بها... عدي يعرف، الجحيم تعرف، تشتاق، تبكي دمًا كل لحظة بيومك حتى... أنا لا أكترث وكف عن التعامل معي دون ضرورة قصوى!! هل سمعتني؟!



أشارت بإصبعها السبابة محذرة إياه ليتوقف عن الابتسام ورسم ملامح الجدية على وجهه ثم حدثها بنبرة خافتة متسائلًا:

- أتعرفين ماذا روان؟



اقترب منها أكثر ولم يكترث بوجود عدي بصحبتهما ولكنه لم يعد لديه سوى المحاولة واقتناص كل الفُرص المتاحة له معها لتبدأ هي في أخذ خطوات للخلف لتبتعد عنه كردة فعل تلقائية وهو يتابع خطواته في اتجاهها ليستمر في اقترابه منها وأردف متكلمًا:

- كنت أظن أن النساء تبالغ، وتلك الأبحاث اللعينة ليس لها أساس من الصحة ولكن أقسم لكِ


تريث لبرهة ناظرًا لها وهو يتابع خطواتها المتراجعة التي أوشكت على جعلها تتعثر وكادت أن تقع بالفعل ولكنه أحاط خصرها وهو يُكمل حديثه لها في منتهى الجدية بعدما اقترب وجهه من وجهها وباتت تشعر بأنفاسه الدافئة:

- هرمونات الحمل تؤثر بكِ حبيبتي... لقد أثبتِ لي أن ظني خاطئ



رمقها بانتصار متشف وعينيه تلتمع بالمرح ليسمع قهقهات عدي من خلفه على ما قاله لتضيق ما بين حاجبيها ثم لكمته بصدره وصاحت به:

- ابتعد عني!!!


رمقته بغضب وتصاعدت أنفاسها بارتباكٍ جلي لاقترابه منها ليتركها ببطء وتريث بعد أن وقفت ثم التف لينظر لعدي ويبادله ابتسامة ثم تكلم بنبرة مسموعة استطاع كلاهما تبينا قوله خلالها:

- سأبتعد بأحلامك صغيرتي!!



 توجه للمنضدة ثم جلس وتفقد هاتفه قبل أن يستمع الجميع لطرقات على الباب:

- هيا قد وصل الطعام...



سابقها عدي ثم جلس قبلا منها عندما دخلت مساعدتها الشخصية وتركت الطعام على المنضدة وغمغم ببعض الامتعاض بمجرد مغادرتها:

- ظننت أنني سأموت من شدة الجوع بسبب تفاني عملية زوجتك الشديدة ولكن أنت منقذي اليوم يا رجل



نظر له عدي بينما أخذ يحضر الطعام أمامه بصحنه ليقابله عمر بنظراتٍ ساخرة ولكنه تراجع عندما تذكر تلك الكلمات من جلسته صباح اليوم وقال محاولًا المزاح:

- ماذا لو أخبرتك أنها منذ أن عادت من سفرها وهي تتعامل معي بعملية لدرجة أنها توقظني بالضرب الآن!



تعالت أصوات عدي الضاحكة وتساءل باندهاش:

- حقاً؟! عمر الجندي يُضرب... تباً!! أريد أن أرى تلك اللحظة بنفسي، صوريها لي روان أرجوكِ!!



نظر عدي نحو روان التي بعدت عنهما لتجلس على مكتبها وكأنها لا تراهما ولم تستطع مشاركة أي منهما في ذلك العرض السخيف بأن كل شيء بات بخير وتغير الأمر وكأنها نست ما حدث لها ليغمغم هو له دون تفكير منه فيما سيقوله وزجره:

- تذكر من أنت عدي... لا تبالغ!!



قلب شفتيه واصطنع عبوساً مزيفاً ليبدو سخيفا ثم همس له:

- آه نسيت... هذا فقط لها، واللعنة لماذا تميزها عني؟ أنا أخوك الصغير، أنا أولى منها في المزاح بشأنك!



استفزه قول أخيه فصاح به بجدية متناسيًا محاولته في إصلاح علاقتهما:

- كف عن السخافة أيها الوغد



رمقه بغلٍ حقيقي ثم نهض واتجه نحو روان وجذب يدها لتنهض رغمًا عنها وجعلها تتبعه غصبًا لتتأفف وهي تنهاه قائلة بإرهاق:

- قلت لا أريدك أن تلمــ ــسني ولا أريد طعاما... يكفي أنك تسبب لي الإزعاج حتى بعملي!! اذهب واتركني وشأني!


زفرت بضيق فدفعها برفق لتجلس بالكرسي خلفها رغمًا عنها ثم ركع أمامها وجذب الكرسي بعنف لتتوسع عيناها في دهشة لتقترب منه وهمس بأذنها :

- أتتذكرين كيف كنت أتعامل مع من لا يريد أن يأكل؟ سأستمتع بصوت ضحكاتك حبيبتي حقاً، ولكن إذا كنت لا تريدين أن تكرري تلك اللحظة أمام عدي فستأكلين بنفسك!



رمقته لوهلة وهي تتذكر أولى تلك اللحظات التي شاركها بها وظنت وقتها أنها تستطيع امتلاك زواج سعيد طبيعي بعيد عن الكثير من تقلباته وعنفه بينما رمقها هو بتردد وترقب بآنٍ واحدٍ منتظرًا ولو بعض الصفح منها ولمحة وحيدة من عشق كليهما شعرا بمدى مصداقيته يومًا ما...



استمرا في تبادل النظرات لبعض اللحظات وشيئًا فشيئًا سببت أنفاسه قشعريرة بجسدها ورائحته الرجولية داعبت خلايا جسدها بالكامل لتعض على شفتها السفلى ونظرت له بحنق وأومأت على مضض ليتنهد هو بمشقة ثم أفسح لها المجال فبدأت في تناول الطعام لينهض هو وهمس بأذنها الأخرى وابتسامة لينة تداعب شفتيه:

- فتاة جيدة



ذهب ليجلس بجانب عدي لينظر له بلؤم وهمس له بخفوت:

- سمعت كل شيء دار بينكما! فلتحصل على غرفة تجمعكما وتوفر لكما بعض الخصوصية!



التهم المزيد من الطعام بينما رمقه "عمر" بلمحة جانبية وهو يشعر بالغيظ يكاد يُفجر عروقه وعقب بسخافة:

- لا أكترث أيها البغيض



تمتم بها ليشير له عدي بهدوء منبهًا إياه ليتطلع براون تأكل بشراهة ونهم وكأنها لم تأكل منذ سنوات ليتمتم وهو يُتابعها بغير تصديق:

- الأمر حقيقي! هذه الهرمونات لا ترأف بالنساء!! يتبقى أن تتناولي المائدة نفسها!



تابعها بصدمة ليضحك عدي خلفه فهمس عمر بأذنه كي لا تسمعه:

استخدم واق أرجوك ولا تخطئ مثلي، ستلتهمك زوجتك أنت الآخر!

انفجر عدي ضاحكاً ولكن لم تكترث روان فهي تشعر بالجوع الشديد ولا تريد أن تتوقف عن تناول الطعام ولو للحظة.

❈-❈-❈


بعد مرور أسبوع

- هو يحتاج الدعم من الجميع، منك ومن أسرته، أنتِ خاصةً تعلمين ما هو عليه أكثر من أي شخص آخر، ربما تغيره معكِ مؤخراً يدل على أنه يحاول أن يكون أفضل... لا تنسي أنكِ أتيت هُنا منذ الوهلة الأولى لتحاولي إنجاح هذا الزواج!



تحدثت إليها "مريم" لترمقها "روان" بتردد وهمست متوترة:

- أنا خائفة، ربما سيعود مجدداً لما كان عليه، ربما سيغضب فجأة أو سيعيد تكرار عنفه!!



أومأت لها بتفهمٍ وهي تعلم أن ما مرت خلاله لم يكن بهينٍ فحدثتها قائلة:

- عزيزتي، أقدر خوفك، أعلم أن ما حدث كان عسيرًا ولم يكن سهلا عليكِ ولا حتى عليه، وأقدر قرارك بأنكِ لم تطلبي الانفصال عنه بشأن جنينك ولكن أنت تعرفينه، إذا ود أن يأتيك أو يعود مجدداً لما كان عليه لما كان سمح لكِ بالأصل أن تبتعدي، هل قرارك الأخير هو أن تستسلمي وتقلعي عن المحاولات ولا تريدين من هذا الزواج سوى أن يلعب هو دور والد طفلك ليس إلا؟!



وقعت روان في حيرة وهي لا تستطيع أن تتعامل وكأنه لم يحدث شيئاً فلاحظت مريم توترها وقررت التدخل كمحاولة منها في توضيح المزيد من الأمور لها، فهي بالنهاية مستشارة زوجية، نجاح زوجين بالنسبة لها هو أهم شيء، والانفصال ليس بالحل الأمثل بالنسبة لها:

- انظري... لا ينبغي أن أخبر أحدا بهذا لأنه يعتبر من أسرار المرضى ولكن سيد عمر يأتيني بشكل منتظم منذ ذلك اليوم لك بالمشفى وأخبرني كل شيء، أعلم أنه لم يخبرك بأنكِ تشبهينها ، أعلم بأنه لم يصارحك بالكثير من ماضيه كطفل ورجل وشاب، أدرك مدى معاناته وتأثره كلما سمع تلك الحقائق اللاذعة مني...

لذا تستطيعين أن تثقي بأنه يريد فعلاً التغير وأنه يريد أن يكون شخصاً أفضل... وإلا لماذا سيأتي بشكل منتظم ويداوم على أن يحضر جلسات العلاج ويُحرز به تقدما ملحوظا؟ برأيي أرى أنه يتحسن، أرى أنه يحاول من أجلك ومن أجل نفسه وحتى من أجل طفلكما حتى يكون رجلا مؤهلا ليغدو شخصا طبيعيا ويعمل بجدية على علاقاته وعلى تحسين شخصيته!



اندهشت روان مما سمعته لتنفجر العديد من الأفكار بعقلها، هل عليها أن تقف بجانبه الآن؟ أم عليها الثأر لنفسها؟


 ابتلعت وهي تشعر بالتشتت ثم رطبت شفتاها وحدثتها بمخاوفها قائلة:

- لقد أردت أن أساعده منذ البداية، تماديت دون اكتراث على الرغم من إدراكي أنه يمكن أن يسبب لي الأذى حتى أتعرف على كل شيء به، أردته أن ينسى كل شيء وتنازلت عن روان التي أعهدها من أجله فقط، لم ألح عليه كي يقص لي ماضيه حتى يخبرني عنه بسهولة وقتما يحلو له، عندما عرفت أن له علاقة وذكر اسم يمنى صممت على البقاء بجواره، عندما لم يسمح لي بأن ألمسه فعلتها حتى ولو لم يكن يحب ذلك بالبداية حتى أبرهن له ذلك الشعور عندما تقترب منه المرأة التي تحبه وبجنون، ذلك الرجل الذي أراه أمامي لم أعتده من قبل، ولكن هل سيستمر معي هكذا أم سيتغير؟ لقد اعتدى علي بمنتهى السهولة ظناً منه بأنني خنته، لم يخبرني كم أشبهها واللعنة هل وقع لي فقط لأنني أبدو مثلها؟



ظلت تفكر وتفكر منذ وقت انتهاء تلك الجلسة بصحبة "مريم" التي تظن أنه يتحسن حق، لا يزال بداخلها جزءا يريد التأكد، هناك شيئًا يلح عليها بعنفٍ ويريد أن يعرف ما الذي سيحدث عندما يغضب مجددًا!!

هل سيقتلها هذه المرة؟ أم سيعتدي عليها؟ أم سيظن أنها خائنة؟ أم سيعاقبها بالتقييد والصفع والعلاقة العنـ ــيفة؟!



صممت بداخلها أن تستفزه مجددًا، كيف ستأمن على طفلها معه إن لم يخضع لاختبار حقيقي لترى ما الذي سيفعله وقت غضبه الشديد؟ هي لا تستطيع أن تثق به من جديد! ولتواجه الحقيقة المُرة، ما أصبحت تعيش به منذ تلك الليلة المشؤومة ليست بحياة طبيعية ولو استمرت بهذه الطريقة لن تكون!!



لن تتطرق للرجال وللغيرة كي تختبره، ربما تلك هي النقطة السوداء الوحيدة بداخله، ربما لأنه رأى من يحب من قبل مع رجل آخر، حسناً... ستجرب اليوم شيئاً آخر معه، وسترى وقتها ما الذي سيفعله!



انتظرته طوال الليلة وظلت تراقب سياراته من النافذة في الظلام التام حتى تأكدت أنه قد أتى وتصنعت النوم بحرفية حتى تظاهرت بانتظام أنفاسها حتى لا يدرك أنها لا زالت مستيقظة، حاولت عدم النوم بشتى الطرق حتى شعرت به قد انتهى من استحمامه وشعرت برائحته بالقرب منها وبالكاد حاولت ألا تتحرك أو تتغير ملامحها...


لا تدري لماذا لم تعد تستمع لخطواته ولا تحركاته وترقبت وهي تتصنع النوم وما أن شعرت بشفتيه على جبينها لم تستطع أن تتماسك، ادعت الإنزعاج الشديد، ليس أمامها غير هذا الحل وإلا ستفقد سيطرتها على الإدعاء والتظاهر وسيكشف ما تفعله وخاصة لو شعر بكثرة نبضاتها المتعالية التي قاربت أن تهشم صــ ــدرها!


بدأت تهمهم بكلامات غير مفهومة، حتى هو تعجب من ردة فعلها، وفجأة بدأت في الصراخ، عليها أن تدعي كل شيء حتى لا تظهر أمامه بأنها كاذبة وتدعي النوم فصاحت بتلعثم هائل:

- ابتــعــــد عـــنــي!!!



اجبرت أنفاسها على التصاعد وكأنها تُعاني من حلم مزعج واطبقت جبينها وآخذت في الصراخ:

- يـكفـي أرجوك.. لا تفعلها.. عمر أرجوك توقف!



بالرغم من إدعائها إلا أنها تذكرت كل شيء وتواترت تلك الأحداث لتنفجر بعقلها وكأنما تحيى بتلك اللحظة مرة أخرى وهو يعتليها ويقوم بصفعها واتهامها بالخيانة..


تذكرت كيف بدا يومها، كيف كانت نظراته لها وكأنه يحتقرها، كيف كان قاسياً معها، كيف سبب لها الآلم، تحوله معها تماماً وكأنه لم يحبها ولم يشعر تجاهها بأية مشاعر أبداً..



انسابت الدموع من عينيها الغامضتين وبدأت في النحيب حتى شعرت بأصابعه تجفف دموعها برفقٍ دون أن يتحدث ودون أن يحاول أن يوقظها من ذلك الكابوس ولكن لم تهتدي بعقلها سوى لحقيقة واحدة ليس لها ثاني، هو لا يزال يستمتع عندما يراها تتألم أمامه!!


تساقطت المزيد من دموعها، تحول الأمر لنحيبٍ شديد، شعرت أنها اخطأت بمنتهى السذاجة لو حتى فكرت في أنه يستطيع أن يفعلها حتى ليُصبح والد طبيعي دون اضطرابات، هو من الواضح أنه يخدع "مريم" مثل ما يخدعها!!


ارتجف جــ ـــسدها بالبُكاء لتشعر بأنامله تجفف وجنتيها برفقٍ وكأنه يستمر بالتمتع والإنتشاء من رؤية ملامحها المتألمة بشدة، يا له من سادي وضيع لا يستمتع سوى بتألم الغير!! ويا لها من ساذجة.. كان من المفترض عليها أن تتركه، لا تملك ولو ذرة من الكبرياء أو الكرامة، بل أنها تدفع نفسها لتُصبح مجرد امرأة تستحق الاحتقار من الجميع، حتى هو نفسه!



تعلم بقرارة نفسها أنها كانت تبحث عن أمل من جديد معه، كانت تريد له أن يتغير ولو بمقدار أنملة، تريد أن تُصدق حقًا أنه يستجيب للعلاج ولكنها اخطأت بمنتهى الغباء الشديد!


كادت أن تدفعه ولكنه فاجها بصوتٍ باكي ونبرة مبحوحة من شدة البُكاء:

- استيقظي روان

يُتبع..