-->

رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بتول طه - الفصل السادس والخمسون

     رواية كما يحلو لي - النسخة القديمة

حصريًا على مدونة رواية وحكاية


بقلم بتول طه 

 الفصل السادس والخمسون




بعد مرور شهر ونصف...

-       أستطيع ملاحظة تحسن علاقتك مع أخيك، الخطوة التي أخذتها بالبوح لروان بالعديد من الأمور كانت خطوة إيجابية أيضاً، ولكن لماذا غادرت وأنت من كان مصمما على ألا تتركها وأنك ستحاول، ما الذي تغير فجأة هكذا؟

سألته "مريم" لينظر لها ثم شرد ببقعة فارغة بأرضية مكتبها وحدثها مُجيبًا:

-       لا أعلم...

 

تنهد بوجع ثم أردف ببعض التلعثم:

-       أنا خائف... للأسف أشعر بالخوف كلما اقتربت منها!

 

ضيقت ما بين حاجبيها باستفسار ثم سألته:

-       أفصح لي... هل تخاف لأنك تظن أنك لن تسيطر على نفسك وستؤلمها مجددًا عند المما رسة ولن تسيطر على نفسك أم خائف أنها لن تتقبلك ولن تسمح لك بالاقتراب منها؟ أم خائف بشأن علاقتكما في المطلق وأنها لن تغفر لك؟

 

خلل شعره بتوتر وتريث قبل أن يجيب ليزفر بعمق وأجابها مترددًا:

-       لا أظن أنني أستطيع أن أؤلمها، يكفي ما وجهناه معاً حتى الآن ولكن...

 

ابتلع بعد أن توقف من تلقاء نفسه وأكمل بانكسار بعد أن بحث على عدة كلمات منطقية تستطيع صوغ ما يمر به وما يشعر به:

-       خائف ألا تغفر لي، لم أستطع مواجهة الحقيقة المحتملة، ربما تريد أن تبتعد للأبد، وربما تريد الانتظار، لهذا ابتعدت أملاً في أن يتغير شيء، أملاً في أن تتناسى وتسامحني، شهر ونصف ولم تهاتفني ولم تتحدث لي، ولكن أبدأ يومي بذلك الأمل الضئيل بداخلي بتغير فكرتها عني قليلاً، لذا لم أستطع حتى أن أطلقها أو آخذ قرار غير الابتعاد دون الانفصال خشية من قرارها هي...

 

-       أنت تعرف أياً كان قرارها عليك أن تواجهه، لن تتهرب من الحقيقة حتى ولو كان هذا خطؤك من البداية، عليك تحمل النتائج والتعلم مما حدث كي لا تقع به مرة ثانية

 

 

حدق بها لوهلة مُستنكرًا ثم حدثها باعتراض على قولها:

-       عذراً دكتورة، ولكن أتظنين أن حتى ولو واجهت خطئي واعترفت به مراراً وتكراراً وقد صممت هي أن تبتعد للأبد، سأستطيع أن أبدأ مرة أخرى مع إحدى النساء؟! لا أظن أنه تبقى بداخلي شيئاً، لن أستطيع أن أبدأ بعلاقات مرة ثانية... أتعلمين حتى عندما ألمح تلك الغرفة أشعر وكأنني لا أستطيع أن تطأ أقدامي داخلها، سواء روان أو غيرها، لن أستطيع أن أكن هذا الرجل السادي أو المسيطر حتى، ربما بالماضي كنت أستطيع أن أفرغ ما أشعر به من غضب على أي امرأة، أو ربما كنت أجبرت روان على تحملي ولكن كأنني فقدت هويتي وهناك خوف بداخلي لأكون مع امرأة مرة ثانية...

 

همس بآخر جملة لتدرك مريم أنه يتعرض لانتكاسة كما أنه فقد ثقته بنفسه للتعامل مع النساء والتواصل معهم جسدياً، يحتاج لدعم كبير من جميع الجوانب ولن يستطيع التداوي إلا بوجود من يشجعه ويدعمه وهناك اكتئاب وحالة من اليأس التام يمر بهما...

--

-       كيف حالك روان؟

 

تنهدت بعمق وهزت رأسها بالنفي وهي حَقًّا لا تدري ما الإجابة على سؤالها ثم قالت بتردد:

-       لا أعلم... مشتتة كثيراً، كل شيء حولي يبدو وكأنما فقد روحه، كأن هناك شيئاً مفقودا وكأن...

-       شيئاً مفقودا أم شخصا هو المفقود، روان؟

 

قاطعتها لتتفحصها لتحاول روان عدم النظر إليها مباشرة ثم حمحمت وتساءلت بارتباك:

-       فقط أخبريني كيف حاله؟ أهو يتحسن؟ هل أصبح أفضل أم مازال خا...

-       ماذا؟! تقصدين خائفاً؟

قاطعتها مريم بالرغم من  أن هذه هي ليست الطريقة المُتبعة الصحيحة التي يُفترض أن تعمل بها ولكن هذه الدوامة وهي بينهما بدأت تؤثر عليها بشكل شخصي وكل منهما لا يُريد أخذ قرار وتفقدتها لتومئ لها روان في صمت وكادت أن تبكي ولكن مريم بادرت بالحديث:

-       طالما تحبينه هكذا ولا تطيقين البُعد، لماذا لا تذهبين إليه؟ لماذا هذه المرة تتهربين ولا تريدين مواجهة نفسك؟ هل أنت خائفة أم لا تثقين به وبتغيره ومداومته ومتابعته للعلاج؟ أتعلمين... أنا فقط كنت أخبرك أخباره من قبل لأنني ظننت أنه لن يستطيع مواجهتك ولكن هو أخبرني ماذا حدث... وأرى من تلهفك عليه أيضاً أنك تصدقينه... لذا يجب عليك أنت أن تأخذي قرارك... سواء أن تعودي له أو تتركينه، كما أنني أظن أنك تكابرين ويملؤك العناد وتريدين فقط أن تثبتي له ولنفسك أنك أقوى منه ولكن ليس لرفضك له شَخْصِيًّا، وما بدر منه منذ شهورٍ الآن يثبت لك أنك أنت الأقوى، منذ أن بدأنا سوياً أخبرتيني أنك تريدين مساعدته، ماذا تنتظرين بعد؟ أم قد غيرتي رأيك فجأة؟ ولو كنت لا تريدين العودة له لماذا لم تطلبي الطلاق مثل ما حدث قبل تلك الليلة؟ هناك آلاف النساء يربين أطفالهن وحدهن دون الزواج، ما الذي يجعلك متمسكة به إلى الآن؟

 

ارتبكت أكثر من الإفصاح عن الحقيقة التي لا تثق بها بداخلها بينما الأخرى طرقت على عقلها بتلك الكلمات بمنتهى القسوة لتقول بتردد من جديد:

-       لم أغير رأيي ولكن كأنني أبحث عن شيء ولا أعلم ما هو، هناك حاجز بيني وبينه يمنعني من التقدم وأخذ خطوة تجاهه

 

تنهدت بعمقٍ ثم حدثتها بنبرة جادة:

-       أرى أنك أنت حاجز نفسك، أنت من تمنعين ذاتك على إنهاء كل هذا أو الاستمرار به عليك أن تأخذي القرار بنفسك... لا يُمكنني أنا أو أي أحد أن يخبرك بما تفعلينه وبما تريدينه روان

--

-       لم أعد أستطيع فعلها عدي... بعدها عني يقتلني حَيًّا كل يومٍ آلاف المرات، أشعر وكأن قلبي يحترق كلما استيقظت وأدركت أنها ليست بالقرب مني!!

 

تحدث ثم ارتشف من قهوته ليحك عدي رأسه مفكرًا ليسأله وهو يتفحص ملامحه:

-       لماذا لا تذهب لها مرة أخرى... أرى أنها لم تعد غاضبة مثلا قبل وأصبحت أفضل بمرور الأيام!

هز رأسه ثم زفر بعمق وتحدث مستهجن بسخرية على نفسه في المقام الأول:

-       أنت لم تر شيئًا... تنظر لي وكأنني قاتل متسلسل!! لا أريد أن أقترب أنا منها مجددًا أليس أنت من كان هناك بالمشفى ويوم المكتب عندما أحضرت الطعام لنا جميعاً؟ ألم تر وتلاحظ كيف عاملتني؟ واللعنة أنت لم ترها تستيقظ من كوابيسها لتنظر لي وكأنني إبليس مجسد في هيئة بشرية!

 

أخبره عمر شارداً بحزن ليضحك عدي عليه فبادله نظرة غاضبة ليرفع كلتا يديه باستسلام وسرعان ما تراجع:

-       حسناً... حسناً... كلماتك تضحكني، ماذا أفعل أنا؟ أنت السبب بهذه الضحكة!

 

ضيق عينيه نحوه بحقد وأردف بضيق:

-       أتدري؟! لم يكن علي التحدث لطفل مثلك...!

 

نهض بغضب وكاد أن يغادر مكتب عدي فصاح به ليوقفه:

-       وجدتها... لدي فكرة رائعة وستدركان أيها الطاووسان كمْ يعشق أحدكما الآخر

 

تعجب من تلقيبه الغريب وكرر متعجبًا:

-       طاووسان!!

نظر له رافعاً حاجباه ليومئ له أخوه بالتأكيد ثم تحدث مُفسرًا:

-       نعم، كل واحد منكما يمثل دور المغرور مثل الطاووس وأنتما بالحقيقة مجرد عصفورين هشين!

 

أطلق تأتأة وهو يشعر بالسأم من كلمات أخيه ونهاه زاجرًا:

-       كف عن هذا وأخرج خارج قفص الحيوانات الذي أنت به الآن... أخبرني ما هي الفكرة أيها الذكي...

 

حدقه بنفاد صبر بينما تكلم "عدي" بمنتهى الثقة ليقول:

-       حادثة زائفة وبضعة أخبار بالصحف والمواقع وستأتيك لاهثة... أنا واثق تماماً فيما أقول!

 

عقد حاجبيه وملامحه باتت استفهامية كما أتى سؤاله:

-       ومن أين لك بهذه الثقة سيد واثق؟!

 

هز كتفيه بعفوية ثم أجابه:

-       فقط أنت لم ترها كلما ذُكر اسمك أمامها مؤخراً وكيف تستمع لي أو لفارس عندما نتحدث عن أخبارك أمامها أو إذا اجتمعنا بك أو تناولنا الغداء سوياً... تبدو متلهفة للغاية فقط لمعرفة أي شيء عنك

 

تعثرت عمر ملامح الجدية وشعر بضربات قلبه تتعالى وازداد توتره وهمس مستفسرًا بخفوت:

-       أحقاً ما تقول؟

 

أومأ له بالموافقة ثم حدثه بسخرية من تساؤله:

-       تلك الفتاة تحبك بجنون... هل ظننت غير ذلك؟

 

سأله عدي ليلتزم عمر الصمت وأخذ يفكر هل ستكترث حقاً إذا حدث له شيء أم لا؟ ليرمقه متفحصًا وبعد تفكير استمر لعدة لحظات تحدث موافق إياه ليقول:

-       حسنًا ولكن سنفعل الأمر وفقًا لما أقول!


يُتبع..