قراءة رواية جديدة كما يحلو لي الفصل 57 الكاتبة بتول طه
رواية كما يحلو لي - النسخة القديمة
حصريًا على مدونة رواية وحكاية
رواية وقصه جديدة تنشر حصريًا من قصص و روايات
الكاتبة بتول طه
وهي النسخة القديمة لـ رواية كما يحلو لي غير النسخة الجديدة المعدلة
قراءة الفصل السابع والخمسون
تفقدت جدولها لتجد أن هناك العديد من الأعمال تنتظرها لتنهي الكثير وتعيد توزيع العمل فهي قاربت على أن تأخذ إجازة طويلة لا تقل عن ستة أشهر أو ربما سنة... لا تعلم ولكنها الآن تستطيع الاعتماد على عدي كثيراً وما إن ينته فارس من دراسته الثانوية سيساعد عدي أيضاً..
ابتسمت بمرارة لتشرد بالعديد من الأفكار وأخذت تتخيل، ودت لو أن عمر بجانبها مجدداً على تلك الأريكة، ودت لو توقظه كلما شعرت بأنها تريد أن تتناول فاكهة ما أو شيئاً لاذع الطعم كمْ تمنت يومًا ما وهي مجرد فتاة تتخيل الحياة الزوجية أن زوجها سيكون بجانبها عندما تكتشف جنس الجنين..
بقرارة نفسها تعترف وتقر أنها تشتاق له، ولكنها لن تذهب له لتخبره- أنا أشتاق لك ولننهي هذا ولنعود أفضل مما كنا يوماً ما – بعد كل ما حدث لها... ولو حتى كان امتثاله للعلاج حقيقيا هي لا تزال تشعر بالرهبة!
بكت في صمت وحنق وأخذت تغلق كل النوافذ بحاسوبها بسرعة غاضبة وهي لم تعد تدري كيف لها أن تُقرر بشأنه، لا تحب كل هذا الشتات الذي باتت تعيش به منذ بداية زواجهما وشعرت بغضاضة تجاه مشاعرها التي لا تتوقف نحوه!!
كادت أن تغلق محرك البحث ولكنها رأت ذلك الخبر الذي جعلها ترتعد بشأن الحادثة لتجذب هاتفها سريعًا وهاتفت "عدي" لتصرخ بهاتفها بمجرد قيامه بالرد عليها:
- متى آخر مرة رأيته واللعنة لا تكذب على!!
أجابها بنبرة يتضح عليها قلقه من صراخها وحاول أن يُهدئها:
- اهدئي روان... لقد كان بمنزله صباح اليوم وأخبرني أنه لا يستطيع الذهاب لعمله ولقد أخبرته أنني سأتناول معه الغداء اليوم!
تحدثت بلهفة مرة ثانية وصوتها يظهر عليه الخوف الصريح:
- عدي!! كيف تخبرني بأنه لم يذهب لعمله وأنا أرى الآن خبر ذلك الحادث بعيني؟
أجابها بتلقائية:
- لا أدري... ولكن...
تريث مدعيًا عدم معرفته بمكان عمر ثم واصل:
- سأبحث عنه لا تقلقي ... هل تستطيعين تفقد منزله ربما عاد هناك وأنا سأرى إن كنت سأجده بأحد المستشفيات؟؟
تحدث مخبرًا إياها بقلق زائف ولكنها صدقته لتصيح به وهي لا تدري لماذا كل خلية بجسدها تقشعر من مجرد حدوث أمر كهذا له:
- منزل ماذا الذي سأبحث به؟ ألا تسمع؟! أقول لك حادثا!
ابتسم عدي على خوفها دون أن يوضح لها ذلك واطمأن أنها لا تزال تعشقه بشدة ثم حدثها قائلًا:
- أنت تعلمين كمْ يكره الإعلام... ربما هذا العنيد صمم أن يذهب لمنزله واستدعى الطبيب، ربما أخبر محمود أن يساعده... حقاً لا أعلم، سأبحث كما أخبرتك بالمستشفيات وأنتِ حاولي أن تعرفي أي شيء من الحراس مثل متى غادر؟ وهل عاد أم لا؟ هل ترك هاتفه أم لا؟ ساعديني... لا أستطيع أن أفعلها وحدي
تعالت أنفاسها المتوترة من شدة قلقها ثم حدثته بالموافقة لتقول:
- حسنًا عدي... وداعاً الآن
أنهت المكالمة لتغادر مسرعة علها تجد شخصا يخبرها ما الذي حدث... لا تستطع أن تُصدق أنه قد حدث له أمر... هي لن تُربي هذا الطفل وحدها، ولو حدث له شيء هي لا تظن أنها ستسامح نفسها على بقائهما آخر فترة من حياته دون أن تتحدث معه ودون رؤيته ولو لمرة واحدة!
❈-❈-❈
أخذت تتفقد منزله مهرولة بسرعة بعد أن أخبرها الحراس أنهم رأوه يعود مع محمود وهو الوحيد الذي مسموح أن يذهب معه حتى بوابة منزله ولا يعرفون أكثر من هذا... تفقدت غرفة الجلوس، غرفة مكتبه، حتى المطبخ ولكنها لم تجده بالطابق السفلي فتوجهت للأعلى ومن ثم التقطت أنفاسها براحة بمجرد وقوع عينيها عليه ثم هتفت به متلهفة وعبراتها آخذة في حجب عسليتيها دون أن تفر بعد:
- هل أنت بخير؟ الحادثة... ما الذي... أنت تكذب أليس كذلك؟ لقد كان كل هذا مجرد ادعاء لتثير قلقي!
توقفت من تلقاء نفسها بعد أن رأته بأفضل حال ممكن على الرغم من الإرهاق البادي على ملامحه وفقدانه للوزن ولكنه ليس مُصاب كما ادعى ذلك الخبر الذي قرأته لتبدأ في فهم أن ما قرأته لم يكن أكثر من إشاعة!
حدجته بغضب ما إن رأته جالساً على ذلك الكرسي ذي المسندين بغرفته وتذكرت العديد من الذكريات المريرة ولكنها طردتها في لمح البصر من مخيلتها لتجده ينظر لها ولا يتحرك، هو حتى لم يحرك جفنيه فصرخت به:
- لماذا لا تتحدث إلي ؟... ما تلك الحادثة؟ وهل كانت حقيقية أم خبرا ملفقا؟ لا تدعني وحدي للتخمينات بعقلي!
رمقها مبتسمًا بمرارة وعينيه تفيض بالألم ثم سألها بخفوت:
- هل تكترثين لأجلي؟
- أيها الغبي أنا أحمل طفلتك... أتظن أنني لا أكترث؟ أتظن أنني أريد أن أراك متألماً؟ أيدفعك عقلك أن تتخيل أنني أود أن أرى بك مكروهاً
صاحت به غاضبة وملامحها مندهشة من سؤاله الغبي ليرفع حاجبيه وتساءل بتلعثم متلهفًا:
- هل هي فتاة؟
تنهدت هي براحة بعد أن رأته بخير ثم هزت رأسها باستنكار من هذا الخبر الذي دفعها للرعب وليس لمجرد الخوف وأومأت له بهدوء بتأكيد على سؤاله لتراه يبتسم بمرارة ثم تابع:
- متى علمتِ؟
أجابته ببعض التردد لتقول:
- منذ شهر ونصف... منتصف الشهر الرابع تحديدًا
لاحظته ينهض من جلسته ثم تابعته وهو يقترب منها فلم تبتعد ونظرت له ليسألها مواجهًا إياها بلوم جلي بنبرته:
- لماذا لم تأتِ إلي روان؟ لماذا لم تحدثيني؟
فاضتا مقلتيه بالألم والانكسار لتشرد هي بالأرضية اسفلهما ولكنها شعرت أنه متماسك أكثر هذه المرة من آخر مرة كان يبكي بها فأجابته بخفوت:
- كنت أرتب أفكاري ومشاعري التي تخبطت كثيراً الفترة الماضية... كنت أعيد حساباتي... كنت أود أن تأتي أنت وتخبرني أنك اشتقت لي ولن تستطيع أن تبتعد، وأنك نادم، أعلم أنك قلت هذا بالفعل ولكنني لم أرد أن أشعر أنك تستسلم وتتركني، كنت أريد المزيد منك عمر!
همست لتفر دمعة آخذة سبيل هروبها على وجنتها اليسرى وبعدها سرعان ما تتابعت الدموع في التواتر عندما حدقته بعينيه ليسألها وملامح الإعتراض اللينة تتضح على وجهه:
- حقا! ألا ترين أنكِ تبالغين؟
- أبالغ!!
همست متعجبة وابتسمت بسخرية ثم أردفت:
- أتعلم أنني أردت أن أعرف كل شيء عنك، أن أساعدك، أن تنسى كل ماضيك وتبدأ حياة جديدة معي، ولكنك لم تواجهني... لم تخبرني بكل شيء بل وتفعل ما تراه وما تريده وما تدركه أنت فقط، لماذا لم تسألني أين كنت أذهب؟ لماذا صدقت ما أردت أن تصدقه وكأن الجميع هم الجناة وأنت المجني عليه؟، هل فكرت أبداً كيف شعرت عندما رأيت تلك الصورة؟ شعرت وكأنك تزوجتني فقط لأنني أشبهها، وكأنما تنتقم من خيانتها بي، أظن أنك سادي بسبب...
- نعم... نعم انا سادي بسببها
قاطعها صارخاً بنفاذ صبر ثم استطرد مواصلًا:
- نعم، معك حق... أنا سادي بسبب تلك العاهرة، لقد كنت مسيطرا وأصبحت ساديا فقط لأنني عندما أرى الألم على كل النساء أشعر وكأنني أعذبها هي... عندما أرى النساء مقيدة أمامي كنت أرى بهن يمنى، كنت أعذبهن بعنف، كأن هذا حقي بعدما فعلته هي بي... أرأيتي لماذا جن عقلي وقررت أن تصبحي
- زوجتي فقط بيوم وليلة.. لإيلامك فقط، لأراكِ تتعذبين أسفل يدي فقط لأنك تشبهينها، وأصبحت أعاقب نفسي كلما آلمتك أو رأيت ذلك الجزء السادي المتخلف بي وبقراراتي تجاه علاقتنا.. أتعلمين أنني قصدت إيقاعك في الأخطاء فقط لأحظى بعقابك ولأشتت عقلك كيفما يحلو لتلك الشياطين السادية بداخلي؟ ولكن.. هل..
تألم متنهدًا قبل أن يسألها ولكنه سيطر على تلك الصعوبة التي تمنعه من المواصلة وتابع:
- هل شعرتِ بندمي كلما ما رست تلك السادية عليك؟ كل مرة بعدها ظللت أعاقب نفسي، مرة بالابتعاد، ومرة بفعل شيء يصعب علي فقط لإرضائك، وتارة أخرى بمحاولاتي الفاشلة في أن أوافق على ما تريدين، ولكنني سئمت.. سئمت وكرهت هذا، أبغض هذا ليس لأنني لا أريد المحاولة ولكن لأنني أحبك.. وقعت في حب تلك العسليتين.. تلك الفتاة البريئة التي تتظاهر بالقوة، عشقت تلك الفتاة التي تملك رباطة جأش لم أراها في حياتي من قبل.. هذه الطفلة التي أرادت ان تحتمي بأي شخص جيد من أمثال مراد الزهيري وكل تلك أشباه الرجال الجائعة.. وقعت بالحب من جديد، بل وقعت بالحب لأول مرة بحياتي، علاقة جعلتني أشعر وكأنني ولدت من جديد، رأيت وشعرت بحبك لي، شعرت لأول مرة أنني مرغوب، ليس لشهرتي ولا لسمعتي واسمي ولا حتى لأموالي، فقط لي أنا.. رأيت كم وددتِ الإقتراب مني، أن تلمسيني، أن تشاهدي كل ما أنا عليه، هل تظنين أنني لم ألاحظ كل تلك المرات التي طلبتِ أنت بنفسك أن أعاقبك أو أن آخذك لغرفة المتعة؟
حدق بعسليتيها الممتلئتين بالدموع ثم تمتم غاضبًا:
- اللعـنة!!
زفر بعمق وحاول صياغة مشاعره تجاه كل ما حدث ثم حدثها بحرقة ليقول:
- أنتِ كنتِ تأمرينني بفعل ما يحلو لكِ حتى تستطيعي أن تعرفي من أنا حقاً... عرفت كيف تخرجين السادي بداخلي ولقد دمرتيه تماماً حتى بلحظة انهار أمامك... أتتذكرين عندما كنا بذلك المنزل الجبلي؟ لم أستطع أن أُكمل، لم أود أن أكمل هذا معك... لأول مرة لا أريد المرأة أمامي أن تشعر بالألم، وعندما رأيت تلك العلامـ...
توقف مقطباً جبينه كلما تذكر كيف بدا جـ ــسدها بسبب أفعاله وعذابه لها ليحتقر نفسه وتابع بمرارة يبتلعها بحلقه:
- رأيت كيف أدمى جــ ــسدك بسببي وددت لو أبتر يداي فقط لأنهما عذبتاكِ بهذا الشكل... لأول مرة أنظر لكِ لأنهار أمام نفسي، أتعلمين كم هو مؤلم أن أسقط من نظر نفسي؟ رأيتك وحولك تلك الدماء، كنت خائفا، لم أدر كيف أتصرف، أصبحت طفلاً صغيراً مجدداً... لولا وجود أخي لفقدتك روان...
شعرت بألمه الشديد لتقترب منه وهي تبكي وهمست لتمنعه عن متابعة كلماته:
- يكفي... لا تتـ...
- أتعلمين لماذا ابتعدت وظللت بمنزلي؟
قاطعها بحرقة سائلًا ثم أردف مجيبًا سؤاله:
- أتظنين أنني قوي وأستطيع الابتعاد؟! أتتخيلين أنني بعد كل ما مر بيننا سأصبح سعيداً وأنتِ لست بالقرب مني؟ وددت أن أتعالج تماماً... أن أبرأ مما أنا عليه... أذهب لمريم كثيراً ظناً مني بأنني سأتعالج هكذا بسرعة، وددت أن أكون جيداً، وما تمنيته حقاً وحلمت به كل ليلة هو أن تشتاقي لي... انتظرتك كثيراً... كنت أحسب كل دقيقة تمر، كنت أستيقظ طوال خمسة وخمسين يوماً وأتمنى أن أجد رسالة منك أو مكالمة، أنا لم أنم، لم أتذوق طعم النوم الذي كنت أهنأ به بالقرب منك... كمْ وددت أن أعود حتى لتلك الأريكة لأنم عليها براحة مدركاً أننا أسفل نفس السقف نتنفس نفس الهواء... يكفي فقط أنكِ كنتِ قريبة مني
توقف لتتهاوى المزيد من دموعها في صمت وتألمت وأعينهما تتلاقى بعجز مشتاق لنسيان كل ما مر بينهما بأي طريقة لتصيح به منتحبة ونشجت:
- توقف عن الكلام... يكفي
أومأ لها بالرفض وهو لم يعد لديه الطاقة لحصار تلك الكلمات بداخله دون أن يتحدث بها، ففي جلساته الأخيرة لقد بات التحدث بالنسبة له أمرًا أفضل بكثير من الصمت، لو كان يود أن يستعيدها عليه إذن الإفصاح عن كل ما يمر به:
- أتعلمين لماذا قمت بتزوير خبر تلك الحادثة؟ لأنني أردت أن أرى ردة فعلك، أردت أن أراكِ لأنني لا أستطيع أن أبتعد عنكِ... واللعنة لقد جربت هذا وكنت أموت بداخلي كل يوم، أتعلمين فقط لماذا أنت هنا الآن لأنك الوحيدة من تستطيع مساعدتي، أعلم... أعلم ومتأكد من أنني مريض... لم أكن أستطيع أن أثق بطبيب أو صديق لأنني سأصبح علكة المجتمع ولكن استمددت القوة منكِ...
سكت لوهلة وهو يبتلع غصة ملوحة دموعه التي لم تفر بعد ثم صاح متألماً بدموع حبيسة:
- أنا لست سادي الطباع، أنا أصبحت ساديا بين يوم وليلة... لم ولن يوجد من يعالجني غيرك...
سكت برهة مبتسماً باستهزاء وأردف:
- أنا لم يتبق لي أحد غيرك بحياتي كلها! سامحيني روان وعودي لي... أقسم لقد تغيرت وأود أن أتغير أكثر... ساعديني، فقط ابقي بالقرب مني... هل تدركين أنني خائف؟ أرتعد كلما اقتربت منك، خائف أن أؤلمك، خائف من تلك النظرة التي تنظرين لي بها وكأنني سأسبب لك الألم مرة أخرى وكأنك ترين أنني مغـ ــ ــتصب لعين وسأ ...
- قلت لك توقف أرجوك!
صرخت به مقاطعة بعد أن رأت أوجاعه، على الرغم من تحدثه كثيراً ولكن سيطر الألم على نبرته تعلم أنه لا يتحدث بكثرة هكذا إلا عندما يكون متألما، علمت أنها بالغت ذلك اليوم عند تظاهرها بالخوف منه، أدركت أن هناك شيئاً به قد أنكسر، هو حتى لم يواجهها ولم يقترب منها مثلما يفعل كل مرة...
- ساد الصمت بينهما، كل منهما يعاتب الآخر بسكوت تام، يريد أن يخبرها كم يود أن تسامحه، يعلم أنه كان مُقصراً ولكن أهناك بشر لا يخطئ؟ أهناك من هو كامل؟ ألا تلاحظ محاولاته في أن يكون شخصاً أفضل؟ لماذا لا تستطيع أن تتفهم هذا؟!
همست له بلومٍ وعسليتيها تناشده معاتبة إياه ولكن بينها وبين نفسها دون التفوه بكلمة:
- ألا تستطيع أن ترى بتلك النظرة الثاقبة أنني أتيت لك؟ لماذا لا تعانقني الآن حتى ينتهي كل شيء؟ لماذا لم تأتيني وتخبرني كي نبدأ من جديد مرة ثانية؟ على الرغم من كل ما حدث من قبل ولكنني دائماً أقبل، أقبل كل شيء منك... أفعل لك كل ما تريده، سادياً كنت أم حتى لا تريد الإفصاح لي عن العديد مما خبأته أنا لم أتركك، كنت بجانبك بغرفة واحدة، لا زلت زوجتك، أحمل طفلتك، أنتظر أن تخبرني أي شيء واللعنة لماذا أنت صامت ولا تخبرني بكلمة حتى... تظن ماذا الآن بقولك عودي إلي وأنك تغيرت؟ هل علي أن أجلس أسفل قدميك لأتوسلك أم ماذا؟!!
لم تحتمل أفكارها الغاضبة تلك الكلمات لتدرك بعد قليل أنها شردت ولم تلحظ حتى أنه غادر الغرفة، وجلست على هذا السرير الذي جمعهما لمراتٍ ومرات تفكر بكل شيء، هي لا تتعامل الآن مع ذلك الرجل السادي بل تتعامل مع شخص آخر جديد لا تعرفه...
- هذه آخر مرة أتنازل له، سأذهب له لآخر مرة، ولكن أقسم إذا حدث شيئاً مجدداً سأ ...
توقف صوت أفكارها لتنهمر دموعها لإدراكها التام بأنها لن تستطيع الابتعاد عنه... تعلم أنها تحبه وتريده أياً كان ما هو عليه... هي إذا أرادت الابتعاد كانت ستفعلها منذ زمن ولكنها تريد عمر وبأي طريقة وليست لديها الشجاعة لتتركه، تعرف مدى ضعفها أمامه حتى ولو تظاهرت بالقوة لسنوات ستنهار أمامه هو فقط بالنهاية...
- غبية، لقد أخبرك بها قولاً وفعلاً!!
تحدثت لنفسها وتوجهت للأسفل لتبحث عنه، كفكفت دموعها، أخذت قرارها أنها لن تترك هذا المنزل إلا وهما بأفضل حال...
أخذت خطواتها على الدرج لتسمع صوتاً نسائياً يبكي فحاولت ألا تصدر صوتاً وتملكها الفضول لتصل لذلك الصوت الصادر فأخذت خطوة أخرى لتُصدم مما تراه وتمسكت بدرابزين الدرج خشية من أن تقع فبالكاد حملتها ساقيها مما أدركته للتو...
اقتربت لتستمع للمزيد مما يحدث وأنصتت مَلِيًّا:
- أنت لا تعرف، كدت أن أفقد عقلي ما إن علمت أنك لست بخير وعلمت خبر الحادثة، أنا كنـ...
- اخرسي!
قاطعها بصرامة وابتلع متألماً ولكنه أخفى تعبيراته جيداً خلف قناع البرود ولم ينظر لها وهي تتوسل وتتذلل له، لن يصدق بكاءها ولا رضوخها الزائف بعد كل ما عاناه بسببها!
- أقسم لك لقد ظُلمت أنت حتى لم تسألني ماذا حدث، سيدي أرجوك، أعطي لي الفرصة كي أخـ...
- أسألك؟! يكفي ما رأيته بعيني... أياً كان السبب لن أصدقه
قاطعها مرة أخرى ساخراً وهو بكل ما يملك من قوة أخفى ذلك الألم بداخله كلما سمع صوتها أو لمحها، يكفي أنها من حولت حياته لجحيم!
- لقد حاولت آلاف المرات أن أصل لك ولكنك كنت تصدني ... فقط عاقبني كيفما شئت، أفعل ما تريده، ولكن يكفي بعداً، لقد أضطررت لهذا، لقد هددني بقتل أبي فقط اسمعني ودعني أشرح لك لم أستـ...
- بعد عشر سنوات تريدين أن تشرحي لي؟! لا أظن هذا
أخبرها بقسوة وغرور ولم يترك لها الفرصة بأن تُكمل ولو جملة واحدة مما تود قوله لتتعجب روان مما تراه، لقد تغير بدقائق، رأت ذلك الرجل مرة أخرى الذي عهدته يوماً ما، على الرغم من أنها تشبهها كثيراً... نفس الملامح ونفس لون الشعر... فقط عيناها بلونهما الأخضر لكن عدا ذلك تكاد ترى نفسها بجسد آخر أمامها وكأنها تنظر بالمرآة... وما اندهشت له أكثر أنه هو عمر نفسه الذي تغير بلحظة... أدركت أنه منكسرً امامها فقط، ذلك الرفق واللين لها هي وحدها... ولن تجعل يمنى لتأخذ ذلك منها بأي شكل كان!!
- فقط لو تعلم أنني كنت خائفة على والدي، لقد ظللت بذلك الصراع كثيراً، وما إن توفي حتى تـ...
- أتظنين أنني لا أرى جشعك وطمعك؟ أتظنين أنني لا أفهم ما الذي حدث؟ ما إن توفى والدك حتى أخذتي تبحثين عني، لقد رفضت مقابلتك كثيراً بعملي، لقد عرفت كل مكان ذهبتي إليه كل مغفل أقمتي معه علاقة، وعندما كنت بالقرب منك كنت تستطيعين إخباري كل شيء هذا حتى وإن هددك أحد كان عليك أن تلجئي لي ولكنك فقط أستخدمتي عهرك بالحصول على صفقات ومعاملات قذرة... اخرجي خارج منزلي ولا تأتي هنا مرة ثانية وإلا سأقتلك بيدي...
ابتسم بسخرية ابتسامة لم تلمس عينيه وتريث ملتقطًا أنفاسه بعد أن قاطعها من جديد وواصل كلماته:
- حتى لن ألوث يدي، سأمحيك عن الوجود بطريقتي، يكفي قضية اختلاس أو تلاعب أو صفقة غير مشروعة
حدثها بمنتهى الهدوء والغطرسة ولم ينخدع بتذللها الزائف بالرغم من أنه يتألم كلما لامسته أو تعالى نحيبها وناشدته متوسلة:
- لماذا لا تعطيني الفرصة حتى أشرح لك... لقد مررت بالكثير وتـ...
- هل أنتِ صماء؟
قاطعتها روان تلك المرة ليلتفتا معاً لها لتقترب منهما ونظرت ليمنى بعجرفة واحتقار مشمئزة منها وهي لا تزال تكمل ادعاءها بتوسل عمر وعقدت ذراعيها بتحفز ثم حدثتها بغطرسة:
- اخرجي خارج منزلنا وإلا سأحدث الأمن ليتخلصوا منكِ!
صاحت بنبرة تهديد حتى تعجب عمر من طريقتها فجففت يمنى دموع التماسيح التي ظنت أنه سيُصدقها وتوقفت عن البكاء في ثوانٍ والتفتت لها لتقترب منها وهي تواجهها بتحفز!
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول من رواية كما يحلو لي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية