رواية كما يحلو لها بتول طه - الفصل الثالث والعشرون النسخة العامية
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية كما يحلو لها
الفصل الثالث والعشرون
النسخة العامية
وقع اخر تلك العقود أمامه بعد أن
أحضرها له "باسم" وتركها لأمن بوابة منزلها الخارجية وهذه المرة كتب
تفصيلًا ما يحتويه المنزل بمنافعه وكذلك مؤخر صداقها وتنازله عن عصمة الزواج فلم
يعد هناك سبيل للفرار مما تريده هي، بقرارة نفسه هو متأكد أنه منذ مدة صار لا يرتكب
ولا يفعل ولا حتى يُفكر إلا كما يحلو لها!
نهض من على مقعده بعد أن ترك الأوراق
جانبًا لتوقع هي الأخرى غير مكترثًا بأنه لا يملك الآن سيطرته الشاملة على كل ما
يخصه، فهذا الزو اج ولو تم بالإجبار فهو لم يكن مثل المرة الأولى، ولكنه ينزعج
بشدة لاختفائها وكأن كل هذا الجمع لم يحضر من أجلها!
- حد
يبلغها إن كل حاجة جاهزة وناقص امضتها
ألقى بكلماته بنبرة لم يتضح عليها مشاعر
سواء كانت إيجابية أم سلبية وهو يحدق من النافذة التي تطل على حديقة منزلها وهو
ليس بداخله الطاقة للحديث مع أي شخص ليلاحظ اقتراب أحد منه ولكنه كان
"بسام" الذي سمع لسؤاله المقتضب الواضح:
- إيه
اللي حصل بينكم؟ من أول ما اتطلقتو لغاية النهاردة!
وكأن بيده أن يجيبه على ما لا يعرفه
ولا يفهمه ولا يملك الشجاعة الحقيقة للإجابة عليه، أحيانًا يضطر المرء للكذب، ليس
أمامه حل آخر سوى أن ينطق بكلمات غير واضحة لعل هذا الجمع ينفض ويستلهم القليل من
الهدوء:
- كان
فيه بيني وبينها مشاكل، افتكرنا طلاقنا هيحلها، بس لما اخدنا فرصة وبعدنا عن بعض
لقينا ان الاحسن نرجع تاني!
ارتقب
لجزء من الثانية أو ربما أقل، فأدرك أنه لم يقتنع بحرف بمجرد رده التلقائي:
- لو انتو بتعملو الأحسن على الأقل هتكونوا
مبسوطين، وأنا عارف روان كويس، هي مش مبسوطة، وأنت قاعد ساكت من ساعة ما دخلت
البيت، فيه حاجة محدش فاهمها، ليه اتطلقتو، وليه رجعتوا لبعض؟ أنا مبقتش صُغير
عشان تسكتوني بكلمتين!
التفت
له مُعطيًا إياه لمحة جانبية من عينيه الباهتتين وأكمل تسليط نظره نحو الخارج
ليُجيبه بنبرة هادئة:
- أنا مش بسكتك، وأنا عن نفسي مبسوط إننا هنرجع
لبعض وهي وافقت، مشكلة روان إنها خايفة، وعشان اثبتلها إن جوازنا المرادي غير
المرة اللي فاتت أنا اتنازلت عن العصمة قدامكم كلكم!
عقد
حاجباه وتفسيره لم يكن ليوضح له الأمر على الإطلاق بل يُزيده صعوبة ليتحدث
مستفسرًا بتلقائية وغضب من شعوره وكأن كلما نطق هو أو حتى أخته لا يزيد الأمر سوى
تعقيد:
- أنا عارف إنها خايفة، بس مش خوف إنها متطلقش منك،
لأ، روان فضلت خايفة أيام وشهور وبتتعب ومبتعرفش تنام، عايز تفهمني إن بس السبب هو
موضوع العصمة؟ وإنك لما جيت واتكلمت معايا قبل كده كان عشان بس إنها مش عارفة
تطلق؟ أختي مكنش فيه حد جانبها غيري، وشوفت كويس إيه اللي بيحصلها، كلامك وكلامها
مجاوبوش على سؤالي، أنا شايف إنها زي ما هي، إيه اللي حصلها لدرجة إنها مبقتش لا
بتنام ولا بتاكل ولا حتى بتتكلم معانا بشكل طبيعي؟! وليه أنت ضربت نفسك بالمسدس
وكنت عايز تموت نفسك؟
شُل
لسانه، لا يمكنه النطق له والاعتراف أنه قام بتعذيبها حتى الموت لمرات متتالية، هو
لا يقدر على النطق لنفسه بذلك، ليته كان يستطيع فعلها والتخلص من هذا العبء الذي
يحمله!!
- بسام!
استمع
كلاهما لصوتها المُنادي فذهب إليها وقبل أن يسألها قامت بإعطائه تلك العقود الأخرى
غير وثيقة الزواج بينما همست له لكي لا يستمع لهما أحد:
- تخلي الورق ده معاك لغاية ما أجيلك الصبح واروح اخلصه،
متخليش الأمن يدخل أي حد بعد ما نمشي، لا عدي ولا عمر ولا باباه، ولا أي حد من عنده،
فاهم؟
توجس
من كلماتها وهي تتعامل بانعدام ثقة لم يرها تتعامل به قط ثم سألها مُسرعًا:
- انتي هتروحي معاه؟
هزت
رأسها بالموافقة لتتنهد وهي تنظر نحوه بلمحة عابرة:
- محتاجة أنا وهو نتكلم في حاجات كتيرة أوي.. سيبني
براحتي!
بالطبع
سيبوء معها بالفشل لو حاول أحد اقناعها بأمر مخالف، ولكن إن كانت هي من تريد ذلك
فلتفعل ما يحلو لها، إن لم تقم بإخباره بالفعل بما حدث لن يُفيد أن تخبره بما
سيحدث، ولكن ذلك القلق الذي بداخله دفعه لسؤالها:
- انتي متأكدة من اللي انتِ بتعمليه ده؟
تسلطت نظرة تشفي واضح لم تضح لأعين
أخيها حيث وقف "عمر" ثم هزت رأسها بابتسامة لاءمت نظرتها ثم اتجهت لتخبر
"هدى" بتجهيز حقائبها للذهاب وصعدت للأعلى
حيث غرفتها!
غادر المأذون بالفعل وتبعه
"يونس" وما زال "عمر" يتخذ من تلك النافذة حجابًا يتوارى خلفه
فتلك الأفكار المتسارعة بعقله لا تخبره سوى بضرورة موته التي ستقوم بحل كل هذه
الورطة العصيبة، لوالده، ولها، وربما قد يستلهم بعض الراحة الأبدية لغفوة وبعدها
سيعذب عذاب دائم من نوع اخر، يستبدل عذاب بعذاب، لم يكن من الأخيار طوال حياته على
كل حال..
علاقات محرمة، عمل حرام، ليس لديه
علاقة واحدة جيدة أو خير يشفع له، وما يفعله بالآخرين لن يُلق به في جنات النعيم!
يا لها من نهاية سوداوية له!!
زفرة متثاقلة بهموم لا تنتهي ومستقبل
أسود يلوح أمام عينيه ولمحة سريعة إلى ساعة يده أدرك خلالها أن الساعة عبرت
الثالثة صباحًا بقليل وهو في أمس الحاجة لإجبار نفسه على الذهاب للنوم قبل أن
يفاجئ بنوبة هوس أو اكتئاب جديدة لتصيبه بمزيد من العجز أو الجنون الذي لن يفيد أي
منهما في ورطته الجديدة.
التفت خلفه ليتفقد ما الذي يحدث لينظر
نحو أخيها وهو ما زال لا يدري هل عليه أن يلومها على فعلتها أم يتخلص من شعور
القهر أم يذهب ليتوسل والده أن يقتله بدلا من حكمه القاسي عليه بزواجهما من جديد
وكان عليه أن يتخلص في النهاية من هذا التأخير الذي لن يفيد في شيء ولكن لن يبدو
منطقيا أمام والدتها وأخوها أن يتوجه لهم بالكلام بدلا منها فمسح بعينيه غرفة
الاستقبال خشية من أن تجتمع أعينهما في لقاء عابر من جديد فلم يجد لها اثرًا ليسأل
الجميع:
- هي روان واحت فين؟
أجابه "عدي" بينما تابعه
"بسام" بنظرات مترقبة النهاية لكل ذلك ورأى الاستغراب جليًا على عيني
والدتها:
- طلعت
اوضتها تجهز حاجتها!
تعجب من تلك الإجابة، ما الذي تريد أن
تعده وهي بالفعل لديها كل ملابسها ومتعلقاتها الخاصة بمنزله؛ أو حتى يكون صادقًا،
الذي كان منزله!
سلط انظاره نحو "بسام" ثم
حدثه قائلًا:
- مالوش
لازمة، كل حاجتها لسه زي ما هي، حد يعرفها اننا لازم نمشي عشان الوقت اتأخر
لم يتغير شعوره تجاهه ونظر نحوه بضغينة
بينما لم يفهم لماذا يتعامل وكأنه مجرد ضيف وليس من تزوجها منذ دقائق مضت فحدثه
مخبرًا إياه بقليل من السخرية المتعجبة لكل ما يحدث:
- اطلع
قولها، انتو مش رجعتو لبعض وحليتو مشاكلكم!
هو لم يقتل شخص قط، ولكن يبدو أن هذا
الفتى سيكون أول من سيشجعه على هذا الفعل!! تنهد ثم اتجه ليصعد متجهًا لغرفتها
التي بالكاد تبين طريقها فهو لم يأت لهذا البيت منذ فترة كبيرة واعتمد على ذاكرته
التي لم تعد تتحمل المزيد من الذكريات ولم يعد هناك مقدار ذرة بها لتسع ولو ذكرى
واحدة أخرى!
❈-❈-❈
وقف أمام باب غرفتها وتردد لوهلة قبل
أن يُلقي بنفسه في هذا الهلاك الذي تصيبه به واستجمع شجاعته ثم طرق على الباب وحبس
أنفاسه من تلك المواجهة التي لا يدري ما الذي قد يسفر عنها ليستمع لصوتها يقول:
- ادخل!
تردد لوهلة ولكنه قام بفتح الباب وقبل
أن يعرف أين مكانها في الغرفة بسبب عينيه اللعينتين وخشيتهما في عدم النجاح في
النظر لملامحها واستمع لصوتها المرتجف الذي اختلف مائة وثمانين درجة عن تلك النبرة
التي اجابت بها منذ أقل من ثواني:
- أنت
عايز ايه؟ وطلعت ليه أصلًا؟
تأزمت ملامحه بينما لم تفهم ما شأنه في
تحاشي النظر لها وكأنه يمتلك شعور حقيقي بعدم تحمله النزر لها، يا له من مرهف
المشاعر!
- حاجتك
لسه في البيت زي ما هي، والوقت اتأخر.. يا ريت نمشي وابقي كملي باقي حاجتك بعدين!
ضيقت عينيها ناظرة له وهي تحافظ على
مسافة كبيرة بينهما ولم يتعد هو أكثر من خطوة بجانب الباب وازدادت شجاعتها قليلًا
فهي تعلم أن هناك الكثير بالأسفل سيستمعون لها لو قامت بالصراخ أو المناداة كما أن
"هدى" ستأتي بعد قليل فتحدثت بتشفي وبمنتهى الهدوء وهي تخبره بنبرة نجحت
لتستفزه:
- تقصد
الحاجات القديمة بكل اللي هتفكرني بيه، بلاش قرف!
رأت انعكاس صفي سنانه من شدة اطباقه
لهما ليلتفت ويغادر فأوقفته وهي تقول بغطرسة:
- روح
قول للأمن يجهزو هم والسواق!
شعر بأن هذا البيت سيتحول لمراد لو
انفجر غضبه مما تفعله ولكنه لم ينطق بكلمة واحدة بينما تذكرت هي آلاف المرات التي
كان لا يسقط على مسامعها سوى تلك الأوامر وتبريراته الواهية بل وإهانته لها
وتشبيهها بالحيوانات ووصفها بكم هي غبية، يتبقى فقط أن تجعله يركع أرضًا وهو يتوسل
لها بأنه سيمتثل وسيفعل كل ما تريده!
❈-❈-❈
تابعت عينيها بصمت شديد
هذا الطريق الذي استغربته للغاية منذ عامان، أمّا اليوم فلقد أوشكت على مغادرة
السيارة التي ستقف أمام بوابة منزله مباشرة دون حصانه، أو لتصحح هذا التفكير،
حصانها!
انتظرت بغطرسة شديدة أن
يقوم السائق بفتح الباب لها هو أو أحد أفراد الأمن الذين آتت معهم إلى هنا ورفضت
رفض قاطع أن تذهب معه بسيارته، فلو كان يظن أن وجود اسمه ببطاقتها سيُغير من الأمر
شيئًا لابد من أن يكون فقد عقله بالكامل!
عم صمت شديد وكأنها
وُجدت بعالم آخر غير الذي تتواجد به بالفعل، لم تر سوى تلك الملامح التي جعلت
أمواج من ذكريات كثيرة تتلاطم على رأسها دون توقف، كم من مرة رأت هذا المنزل أو
لمحته وبعدها اختبرت أسوأ ما يكون، إهانة، عنف، جنون محض، حرمان من أبسط حقوق
البشر في الحياة، لا يُمثل لها سوى سجن، وهذه المرة لا تعرف إن كانت ستفلح في التماسك
عندما ترى كل ركن بداخله، هذه الليلة لن تمر بسلام!
-
مدام روان، حضرتك محتاجة
حاجة؟
همهمت باستفسار بينما
رأت هذا الرجل ينظر لها بتعجب فأومأت له بالرفض تلقائيًا وأحست بقدمها تأبى التحرك
للدخول كما تابعت نفس الرجل بعينيها وهو يغادر واستمعت لصوت سيارة أخرى مُقبلة
فالتفتت خلفها لترى احدى سياراته تقترب فنادت الرجل من جديد:
-
استنى.. أنا عايزة الأمن
حوالين البيت كله، ولو الموجود مش كفاية اتصل بشركة الأمن وقولهم إني محتاجة عدد
أكبر، وفيه اسطبل هنا، محدش يدخله ولا يدخل البيت غير لما تعرفوني!
التفتت مرة ثانية وهي
تراه يصف سيارته لتستمع لرد الرجل عليها:
-
حاضر يا مدام!
تنهدت وهي تحاول دفن ذلك
الرعب بداخلها وبدأت في أخذ الخطوات بصعوبة شديدة باتجاه البوابة وحاولت السيطرة
على أنفاسها التي بدأت في التصاعد تلقائيًا دون تحكم منها وبحثت بتوتر عن المفتاح
الخاص بداخل حقيبتها بينما وجدت يده تمتد لتفتح الباب لتتخذ خطوتين للخلف بعيدًا
عنه عندما لاحظته ثم تساءلت بعصبية واضحة:
-
أنت رايح فين؟
حاول كظم غيظه عما استمع
له، حسنًا لقد أصبح المنزل ملكها ولكن على الأقل هو لديه أشياء عديدة تخصه
بالداخل!!
حدق بالأرضية واجابها
باستعجال مختصرًا كلماته:
-
هاخد حاجتي وامشي!
تفقدته بغيظ شديد بينما
عقبت على كلماته بحدة:
-
بعدين، الوقت اتأخر ولازم
أنام، امشي من هنا!
زفر بضيق بينما شعر بأن
غضبه سيتفلت منه بأي لحظة الآن لتُكمل هي بسخرية:
-
هات المفتاح ده، أظن أنت
قُلت هتقعد في بيت أختك، ولا المرادي كنت بتكدب في كل حاجة بردو!
تناول نفسًا مطولًا وهو
يحاول السيطرة على نفسه ولسانه لو نطق بحرف واحد سيتضرر واحد منهما، لا هي تستحق
ذلك ويُدرك أن بعد أفعاله الأمر لن يكون هين بالنسبة لها، وهو نفسه ليس في حاجة
للمزيد من الضرر، ربما سيكون عليه المغادرة والاتفاق معها وديًا على ما يريد أخذه
من الداخل.. الغضب لن يفيد!
أخذ خطوتان للخلف
مبتعدًا وقام بإخراج المفتاح من تلك الدائرة الفضية التي تتصل بسلسلة مفاتيحه وقدم
يده دون أن ينظر لها لكي تتناوله مثل ما أرادت بينما طال الوقت ولم يشعر سوى
بابتعادها واتجاهها نحو الباب فرفع عينه بتعجب وهو يراها تقوم بفتح الباب ولحسن
حظه لم تكن تنظر له ثم استمع لها وهي تُخبره:
-
اديه لحد من الأمن
والتعامل ما بيني وبينك يبقا عن طريق حد تاني!
دخلت ثم أغلقت الباب
بحدة في وجهه دون أن تلتفت له ليشعر بأن كل ما يحدث أصبح يفوق حد تحمله ليحك رأسه
مُفكرًا وقبل أن يفعل ويذهب لرجال الأمن مثل ما أخبرته استمع لصوت صراخها وصوت
النباح على حد سواء!
لوهلة شعر بالتشفي من
الرعب الذي وصل لأذنيه وكأن كل ما فعلته به طوال اليوم قد تلقته دُفعة واحدة،
أوفيد وفينوس لم يروها أبدًا وبالطبع لن يتقبلان وجودها!
لاقترابه من الباب كان
لديه الفرصة ليُسرع قبل هؤلاء الرجال ودلف للداخل سريعًا وكان كافيًا له خطوة
واحدة حيث نادى كلاهما بحزم:
-
أوفيد، فينوس!
نظر لها كلاهما بتلك
الأعين المُرعبة لتشعر بتجمد الدماء بعروقها ولكن هدأ نباحهما بمجرد وجوده وذهبا
إليه على الفور لتبتلع وهي تلتقط أنفاسها بينما تعجبت متى وكيف أصبح يربي ليس كلب
واحد بل اثنان!
تابعت ثلاثتهم بعسليتيها
الخائفتين وهي ترى كيف يلهوان معه وكيف يبتسم هو لهما ويربت عليهما بينما بدأت
أصواتهما تختلف ووثبا للأعلى ليلعقاه فتقززت مما رأته فورًا ولكن رؤيته يبتسم وفي
غاية السعادة معهما جعلتها تحترق بداخلها لتندفع في صياح:
-
اطلع برا أنت والكلاب
دي، واياك يدخلو البيت ده تاني!
-
قولتلك ادخل أخد حاجتي
انتي اللي رفضتي..
غمغم بينما لم تُفسر
قوله ومنظرهم أصابها بمزيد من الغضب الذي دفعها للشعور بمزيد من التوتر وقبل أن
تصرخ بهم من جديد اتجه للخارج وهو يناديهما ليتبعاه على الفور وأغلق الباب خلفه!
❈-❈-❈
تفقدت كل ما حاوطها من
تفاصيل، كانت لتختار أن تكون ميتة بدلًا من رؤيتها من جديد، ليت والده ترك لها الاختيار
وهو يهد دها بقتـ لها بدلًا من إيذاء والدتها وأخيها أو الزواج من ابنه مرة أخرى، تقسم
أنها كانت لتنصاع له على الفور..
اكتفت عينيها بإطناب النظر
لكل ما وقع حولها وهي تعا نق نفسها بذراعيها، وكلما مر جزء من الثانية كلما تذكرت
الكثير مما كانت واضحة للغاية فيه منذ البداية، هي لم تُرد أي شيء سوى حياة طبيعية
مع زوج يعشقها، لم تتمن أكثر من هذا!
الذكريات لا تتوقف عن
جرف عقلها لهوة عميقة من الألم، تود أن تصرخ دون توقف إلى أن تنتهي حياتها، لا
تستطيع إيقاف تلك الذكريات، منذ أول مرة وطأت بها قدمها هنا إلى آخر مرة كانت تفر
هاربة من مكان مثل لها خليط من ذل وإهانة وجنون ورغمًا عن أنفها عشق ترسخ بداخلها
لا تدري كيف تتخلص من اثاره إلى اليوم..
- مضيتي؟
- تمام.. بما إنك بقيتي مراتي قانونًا فكل حاجة هتمشي على مزاجي..
- تقصد ايه بإن كل حاجة هتمشي على مزاجك؟
- هتعرفي بعدين.. دلوقتي هترجعي بيتك..
- ولو مش عايزة اروح دلوقتي، ايه اللي هيحصل يعني؟؟
- خدي بالك انتي هتعملي لنفسك مشاكل كل ما جادلتيني وطولتي في الكلام معايا أو اتصرفتي تصرف أنا مش موافق عليه.. حاولي تعقلي وتسمعي الكلام ومش هاكرر كلامي تاني..
هذا الحوار دار بالخارج،
بالقرب من الاصطبل عندما مشت لتبحث عنه ثم عادت للداخل، في هذه البقعة تحديدًا، بأول
يوم دخلت به هذا البيت، يا لها من غبية، كيف لم تلحظ كل ما يبدو عليه من غرابة اطوار؟
كيف لم تجد بتلك الكلمات هوسه بسيطرتها على كل دقيقة في حياتها؟ كان الأمر واضح،
أو على الأقل فهمت اليوم أن الأمر كان واضحًا!
يا له من كاذب مخضرم، لم
يفعل سوى أنه قام بالارتياب بشأنها، وقلب حياتها رأسًا على عقب، حولها من مجرد
فتاة لا تؤمن سوى بالنهايات السعيدة إلى امرأة مجنونة بمعنى الكلمة، بمجرد حديث واحد
تجد نفسها تعاني لالتقاط نفسها وضربات قلبها لا تتوقف عن التسارع، وكأنها لم
تتعامل في حياتها مع أناس قط!
جففت تلك الدموع التي
انسابت منها دون أن تدري وامسكت بحقيبتها لتتجه إلى الأعلى لتجد نفسها تتوقف رغمًا
عنها ناظرة لنفس هذا المكان أسفل الدرج، المزيد من الذكريات البشعة داهمتها دون أن
تستطيع الصمود أمامها ولا حتى الإبطاء منها بأي شكل من الأشكال!
- أرجوك.. أرجوك متبعدش المرادي.. أرجوك يا عمر.. بلاش تبعد..
- بصيلي وقوليلي بالحرف من غير كسوف عايزاني اعمل ايه، وأنا اوعدك لو اتكلمتي مش هابعد..
- عايزة اكمل للآخر.. ارجوك متبعـ..
- اتحايلي عليا يا روان، اترجيني وانا هاعمل كل اللي انتي عايزاه
كيف تقبلت منه كل هذا؟
بل كيف بعد كل هذه الأفعال الدنيئة كانت تظن أنها يمكنها النجاح مع شخص مثله، لو
كان هو أسوأ رجال الأرض فلابد من أنها أغبى النساء على تحمل كل هذا، ليتها كانت
ماتت بدلًا من والدها ولم يكن عليها رؤية نفسها من جديد بذاكرتها وهي لا تُمثل سوى
فتاة ساذجة أمام كاذب محترف ومتلاعب!
مشت سريعًا تحاول الصمود
أمام كل ما ينهمر على رأسها واتجهت للأعلى لتتوقف بين نفس الغرفتين، هنا ذكريات مريرة
وهنا الذكريات الأسوأ، كيف عليها أن تختار بينهما؟
حاولت الصمود قليلًا أمام كل ما تراه وشعرت بحرقة الألم بداخلها بين تلك الدموع التي تنساب منها دون تحكم واتجهت متأهبة نحو غرفته وبداخلها شعور هائل من التشفي بأنها أصبحت تملك أمر لطالما كان يخصه وبمجرد فتح أنوارها وجدت ذلك الباب اللعين الذي كان يقود لغرفته الجحيمية قد تغير بالكامل ولق اختفى ذلك الجهاز الذي كان يعمل ببصمة يده فتوجهت على الفور نحوه وقامت بفتح الباب لتجد مساحة شاسعة لغرفة كل أدواتها مكتبية ولقد اختفى كل ما كانت عليه هذه الغرفة بالسابق لتدخل بنوبة بكاء جارفة جعلتها تسقط أرضًا والكثير مما تذكرته أصبح مستحيل حدوثه الآن بعد هذا التحول الذي باتت تراه بين بكائها!