رواية كما يحلو لها بتول طه - الفصل الثالث والعشرون 2 النسخة العامية
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية كما يحلو لها
تابع قراءة الفصل الثالث والعشرون
النسخة العامية
في نفس الوقت...
جلس على مقعد يطل على
حمام السباحة بينما جلس كلبيه أسفل قدميه بجانبه بعد أن أوقفهما عن النباح المستمر
لكل هذا الجيش الذي آتت معه هُنا ثم ترك هاتفه على المنضدة أمامه وهو لا يدري كيف
ستمر عليه الليلة، لو ذهب وتركها هناك من سيخبر والده، ولو فكر في الذهاب إليها لن
يريد تخيل ما الذي سيحدث، حتى مفاتيح منزل أخته بالداخل، لا يعرف كيف ستصبح حياته
بعد هذا الزواج الذي لم يكن في حسبانه على الاطلاق!
أغمض عينيه وهو يحاول
التفكير في حل منطقي بينما شعر بالاختناق الشديد مما تحولت إليه حياته مؤخرًا
بالإضافة إلى ما تتحول إليه بالفعل، كلما ظن أنه مر بالأسوأ هناك ما يُثبت له أن
هناك المزيد من السوء ليأتي!
فتح عينيه وتسلطت مباشرة
على هذا المنزل الذي يحتوي كل حياته، ربما حياته كلها، لا يدري هل عدم امتلاكه له أمر
جيد أم سيء، ولكن هذا الشعور بداخله بأنه فقد شيء من الأشياء التي يُحبها كان
يُصيبه بالقهر الشديد.. لا يستطيع سوى وصفه بذلك!
هي والمنزل وحصانه وكتبه
التي كانت رفيقه الدائم، لقد فقد كل هذا وفقد نفسه، لم يعد يتبقى معه سوى أوفيد
وفينوس.. لم يعد يتبقى سوى مقر عمله، بعض الأدوية، والقليل من الملابس، وتلك
الدفاتر اللعينة التي تحمل الكثير مما لا يستطع البوح به.. لم يعد سوى يُفكر بكل
الحلول المنطقية التي ستساعده على تحمل الأيام القادمة التي على ما يبدو ستحمل له
الأسوأ على الإطلاق!
لو قام بتطليقها من جديد
سيغضب والده، من الممكن أن يُطلقها بالسر دون العلن، ولكنها تملك بالفعل أمر نفسها
سواء بالطلاق أم باستمرار الزواج، كيف سينهي عمله بأكمله؟ وكيف سيتقبل والده هذا؟
مجرد قضية واحدة وتوقف عامان عن العمل فعل ما فعله، ما باله لو قرر حقًا أن يترك
عمله للأبد؟!
ألمته رأسه من شدة
التفكير ثم أمسك بهاتفه وكاد أن يتحدث لسائقه ليجد أن الساعة قد عبرت الرابعة
فجرًا فتردد لجزء من الثانية بداخله ولكن قرر أن يستشعر نبرة صوته أولًا ليرى ما
إن كان مستيقظًا أم لا:
-
محمود، أنت صاحي؟
آتاه رده بنبرة ناعسة
حاول أن يخفيها ولكنه لم ينجح بمحاولته:
-
أيوة صاحي، حضرتك عايزني
اجيلك؟
هز رأسه بإنكار ثم حدثه
بتعجل:
-
لا، بكرة الصبح ابقا
تعالى.. عندي مشاوير كتير، هننزل الساعة تسعة!
أنهى مكالمته وتعلقت عينيه بشرفة غرفته عندما
لاحظ تلك الأنوار تظهر خلف زجاج النوافذ والشرفة؛ أو التي كانت غرفته، يا تُرى هل
هي بأفضل حال الآن عندما حصلت على كل ما كان لديه؟
لا يتمنى سوى أكثر من أن
تصبح أفضل، بكل مصداقية يتمنى هذا، ليت أي منهما يصبح بخير، لو هذا سيساعدها على
أن تكون بحال أحسن مما رآها به الأيام الماضية فلتفعل، لتملك كل شيء كان يملكه هو،
على الأقل سيكون واحد منهما بخير بعد كل ما حدث!
تشبثت عيناه بالشرفة
والنافذة، متأملًا أن يفهم ما الذي تفعله، مر عليه الوقت وكأنه لا يمر، ظن أنه مكث
لسنواتٍ عدة لا تنتهي، وكلما زاد اطناب نظره كلما تجرع ذلك الألم الذي يفتح عيناه
على حقيقة أن كل شيء بات مختلف للغاية ولو حدثت معجزة، لن يُمكنه أبدًا إعادة
الماضي لما كان عليه، وخصوصًا بينهما!
❈-❈-❈
السابعة صباحًا..
لم تجد وصفًا بداخل
عقلها يستطيع وصف ذلك الشعور الذي مر عليها بالساعات السابقة، ألم، ذكريات، عهود
ووعود نقضت بأكملها، توتر وأرق، ثم كلما حاولت أن تتخلص من أي من هؤلاء وجدت نفسها
في نفس الدائرة من جديد!!
لن تفيد الرياضة، ولن تُفيد
هذه العقاقير اللعينة سوى لوقت من الزمن لا يتعدى ساعتان، ونفس الدوامة تُعاد من
تلقاء نفسها..
كل هذا الوقت بالمصحة
والتأهيل النفسي والعلاج والمجموعات ومشاركة أفرادها بحديث عن كل ما مروا به أثناء
انعقاد مجموعات الدعم، لم يُفد على الإطلاق، فتلك التي فقدت زوجها والأخرى التي فقدت
ابنها، وتلك التي تخلصت من ادمانها، جميهم لم يختبروا ما اخترته هي.. لعلهم الآن
يجتمعون سويًا لمجموعة دعم جديدة، وربما قد تشعرن بتحسن، أما عنها هي فهي تعلم ما
الذي سيجعلها تتحسن جيدًا، رؤيته في أسوأ حالاته!
تركت تلك الكوب لتسقط
أرضًا متهشمة لأشلاء بعد أن انتهت من تناول كل المشروب الداكن بداخلها ثم أمسكت
ببساط صغير لممارسة الرياضة واتجهت للخارج ورأت الرجال ما زالوا يحيطون منزلها فلم
تكترث بإلقاء الصباح عليهم ثم تحدثت لواحد منهم:
-
روح قوله يقوم من المكان
ده ويمشي من هنا دلوقتي، وممنوع يدخل البيت!
وقفت عاقدة لذراعيها بينما
اتجه الرجل ليُنفذ ما قالته وتابعتهما من على مسافة فاتجه الرجل ليخبره بالذهاب
ولكنه أدرك أن هذان الكائنان المُلطخان الأبيض والأسود لا يحبذان فكرة اقترابه على
الإطلاق فحافظ على مسافته:
-
يا أستاذ اصحى لو سمحت!
لم يستجب له منذ المرة
الأولى فناداه مرة ثانية بينما نهض كلًا من أوفيد وفينوس وتأهبان له بشراسة وبدأ
أوفيد بالزمجرة استعدادًا لإطلاق العنان لنباحه فنادى الرجل بنبرة أعلى:
-
يا أستاذ اصحى!
لم يُكمل ما ود قوله
بينما استيقظ "عمر" على صوت نباح كلاهما وهذا الضوء المزعج حوله جعله كالضرير
وأدرك أنه قد سقط في النوم رغمًا عنه فاقترب ليربت على كلاهما وهو يتحدث لهما بصوت
ناعس:
-
اسكتوا وبطلو دوشة..
نهض واتجه نحو الرجل
الذي لاحظه واقفًا في انتظار شيء ما منه فسأله بملامح ناعسة:
-
ايه فيه ايه؟
اجابه لعله ينتهي من مما
لا يفهمه هو نفسه فهي لتوها تزوجت منه ولا يعرف تحديدًا ما حدث بين رجل وامرأة
لتتركه طوال الليلة خارج المنزل:
-
مدام روان محتاجة المكان
فمعلش بعد اذنك
توقف الرجل عن المتابعة
ففهم ما يُرمي إليه لينظر خلفه إلى كلبيه ونظرة وحيدة منه كانت كفيلة لكلاهما
بمتابعته ولا يدري ما الذي تصورته عن تعريف الزواج على ورق بالنسبة لها، على الأقل
لديه الحق في أن يجلس على مقعد فوق الأرض التي تخصه!
اتجه لرجل آخر قبل أن
يذهب من هذه الناحية من البيت ثم كلمه قائلًا:
-
بلغ مدام روان إن ليا
حاجات في البيت عايز اخدها!
هز له الرجل رأسه
وأجابه:
-
حاضر.. أول ما ترجع
هبلغها..
استغرب قوله ثم تفقد
ساعته وتثاءب رغمًا عنه وتذكر ما الذي حدث منذ لحظات، ألم تكن تريده أن يترك
المكان الذي يجلس به؟ إلى أين ذهبت إذن؟!
سأله بتعجب من كل ما
يحدث:
-
هي راحت فين بدري أوي
كده؟
اجابه الآخر بتلقائية:
-
هي بتلعب رياضة كل يوم
الصبح!
رفع حاجبيه وهو يقلب
شفتاه متعجبًا والتفت خلفه حيث حمام السباحة ليلمحها من على مسافة وعلى ما يبدو هي
تقوم بممارسة اليوغا ليقع في حالة لا تنتهي من الاستغراب من كل ما تحولت إليه، لم يستيقظ
من استغرابه سوى على حقيقة واحدة، كل هؤلاء الرجال يشاهدونها وهي تتواجد أمامهم
بهذه الهيئة!
تفقد وجوههم بأكملهم
ليجد الجميع ينظرون بالأرضية وليس هناك من ينظر لها ولكنه لا يستطيع أن يثق بأي
منهم، وقتها لم ير أمامه سوى جـ ــسدها الذي يستطيع الجميع النظر له فضلًا عما رآه
بحفل خطبة أخته والأمر كان بمثابة النهاية له!
اتجه نحوها مباشرة غير
مكترث لأي أحد من الرجال أمامه فوق واحد من الرجال يحول بينه وبينها فكانت دفعه
منه بشكل مباشر أمر واضح لكلبيه بفهمه، هذا من الأعداء وصوت نباحهما كان كفيل
بالتعبير عن شراستهما التي قد تتحول لعضة موجعة لواحد من هؤلاء الرجال لو فكر بالاقتراب
منه!
انتبهت على الصوت ونهضت
من مكانها ونظرت تجاه الصوت لتجده مُقبل نحوها بملامح غاضبة فلم تستطع عدم الشعور
بالرعب منه وأشارت إليه بعدم التقدم ثم صرخت به:
-
مش قولتلك متقربش مني،
إيه، مبتفهمش؟
تحاشى النظر إليها
وحدثها بنبرة خافتة ثم قال:
-
اسمعي، أنا مش جاي عشان
أقرب منك، اعملي اللي أنتِ عايزاه بس مينفعش اللي أنتِ بتعمليه ده والناس بتتفرج
عليكي، ادخلي جوا أو مشيهم واعملي اللي يريحك!
رفعت حاجبيها باندهاش وعقدت
ذراعيها بتحفز ثم تحدثت متسائلة باستهزاء:
-
على الأقل مفيش واحد
منهم يتجرأ يعمل اللي أنت عملته فيا! بقالي كتير بعمل كده قدامهم من يوم ما رجعت
من أمريكا ومحصليش حاجة، فمتفتكرش إن كلامك ده هيقنعني، وبعدين أنت تمشي من هنا
وتاخد كلابك دي معاك ومش عايزة اسمع صوتهم المزعج ده!
تحامل على هذا الغضب
الذي يسري بدمائه ليتحدث محذرًا من بين أسنانه ولكنه ما زال يحدق بالأرضية وكلاهما
يتجاهلان صوت نباح كلبيه الذي بدأ يشعر بخطورة ما يستطيع كلاهما فعله:
-
انتي مدخلة الأمن بتاعك
وأنا متكلمتش وسايب الأمن بتاعي برا مع إني ممكن بمكالمة واحدة يكونو قدامي، مش هينفع
تمشي أبدًا بالأسلوب ده ما بينا عشان مش هنخلص، بس طول ما أنتِ اسمك على اسمي قدام
كل الناس دي تراعي إن اسمك متجوزة وحتى لو على الورق، يا إما الموضوع في منتهى
السهولة تروحي تخلعيني وتبقي تعملي اللي انتِ عايزاه!
أطلقت ضحكة ساخرة ليحتدم
الجدال بينهما وهي تتحدث بنبرة متشفية:
-
وهو لما انت متضايق اوي
كده ما تطلق أنت!
التحمت أسنانه في عراكٍ بفعل
استفزازها له لتتابع قائلة:
-
ولا أنت مش قادر تقولها
تاني وما صدقت يبقا اسمي على اسمك! أظن بابا دلوقتي فخور بيك جدًا!
دفعته بكلماتها ليقترب
منها بغضب ورفع عينيه لها وهو يقبض على ذر اعها غير مدركًا لما يفعله بينما رآها ستصرخ
فحاوط فـ ـمها بيــ ـــده ثم حذرها بنبرة بالكاد استمعت لها من بين أسنانه:
-
لو عملتها دلوقتي أنا مش
ضامن بابا ممكن يعمل فيكي أنتِ وأهلك إيه، نهدا كده ونعقل لغاية ما نشوف صِرفة
وأعرف أطلقك من غير مشاكل، واسمعي، لو جبتيلي الدنيا كلها عشان تمنعك عني محدش
هيعرف يعملي حاجة!
التحمت اعينهما في نظرة
مليئة بتوعد منها وغضب منه بينما استمع كلاهما لاستمرار نباح كلبيه ليجد واحد من
الرجال يقترب منه وهو يمنعه:
-
ميصحش كده يا أستاذ عمر،
وبعد اذنك شوف حل مع الكلاب عشان مش عايزين يسكتو!
شعر بارتفاع وتيرة أنفاسها
التي انعكست على يديه ورأى الذعر مختلطًا بتلك الرمقة الانتقامية البحتة من عينيها
بينما شعر برجل يُمسك به وهو يقول:
-
بعد اذنك..
التفت له وهو يتركها ثم كان
الوحيد المناسب لإخراج كل نوبة غضبه عليه:
-
أنت اسمك ايه؟
استغرب الرجل من سؤاله
بينما شعر بها خلفه تتحرك بسرعة ولكن لا يدري إلى أين وسلط كامل تركيزه على هذا
الرجل:
-
ياسين
هدأ للغاية واستعد
لاستمتاعه بما سيحدث حالًا ثم كلمه بمنتهى البرود ليقول:
-
وأنت يا ياسين مش فاهم
أنك تمد ايدك على عمر الجندي دي معناها ايه؟ اللي شغلتك عندها مفهمتكش جوزها يبقا مين؟
يا ريت بقا متعملهاش تاني بدل ما البسك تهمة واوديك ورا الشمس، التعامل معايا يبقا
بالكلام وباحترام عشان المرة الجاية لو حصلت ايدك دي هتقطع!
رمقه باحتقار وأدرك أنه
لو مسه سيكون خطأ يُحسب عليه وكظم غيظه قدر المستطاع ثم تابع بغرض اخافته ليس إلا:
-
المرة دي هيبقى كفاية
اوي عليك إني احرمك من شغلك!
تركه وغادر ثم نادى كلًا
من كلبيه بغضب:
-
اوفيد، فينوس!
التفت كلاهما إليه بالرغم
من استمرار نباحهما على هؤلاء الرجال ولكنهما ذهبا إليه على الفور ليتوجه نحو
سيارته وقام بفتح الباب ليدخل كلاهما بالمقعد الخلفي وبعدها دخل هو بمقعد السائق
وانطلق مبتعدًا وهو لا يدري إلى أي مكان سيذهب في هذا الوقت من الصباح الباكر!
❈-❈-❈
قُبيل التاسعة صباحًا..
وقف أمام باب سيارته بعد
أن فشل في الذهاب لمكان آخر للذهاب إليه بصحبة كلاهما قبل أن تُصبح الساعة التاسعة
فهذا هو موعد جلسته اليوم بصحبة "مريم" ولم يجد سوى تناول فطوره وكوب من
القهوة بداخل سيارته هو وأوفيد وفينوس وأدرك الآن ما معنى أن يكون لديه منزل وهناك
من يعتني به وهو غائب عنه!
اضطر أن يلتقي بسائقه
هنا وهو الوحيد الذي يثق بأنه لن يُنقل لوالده كل كبيرة وصغيرة إلا بعد ضغط شديد
منه أو تهديد صريح، لا يعرف هل عليه تغير الطاقم الأمني بأكمله للمنزل أم ماذا
عليه أن يفعل أو حتى كيف سيتصرف بما ورط به نفسه!
-
صباح الخير
-
صباح الخير يا محمود..
رد تحية الصباح بملامح
متجهمة ثم تحدث له وهو يفرك جبهته ليقول:
-
اشتريلهم أكل وأطباق
ووديهم مؤقتًا بيت المقطم لغاية ما اليومين الجايين دول يعدو وأنا هبقا اروحلهم..
اقترب من كلاهما وهو
يربت على رأسيهما فاندفعت فينوس لتلعقه وهو يُكمل مداعـ ــبتها مما جعله يبتسم
لوهلة رغمًا عنه، لقد كان اقتراح "مريم" بامتلاكهما جيد للغاية ولكنه لم
يعد يملك الوقت لأي من هذا!
-
وصلهم، وشوف أي حد
يتابعهم عشان هتبقا معايا الفترة الجاية، ونبقا نتقابل في الشركة كمان ساعتين كده..
عايزك تجهزلي كذا حاجة!
هز رأسه بالموافقة
واجابه باقتضاب:
-
حاضر..
تركهم وغادر بعد أن أغلق
سيارته بينما اتجه للأعلى وجلس منتظرًا إلى أن أصبحت التاسعة وخمس دقائق وهو كل
غرضه من اليوم أن يجد طريقة واضحة وسهلة يستطيع أن يُرتب بها كل ما يدور بعقله،
فضلًا عن البوح بكل ما يمر به، والفترة الماضية، تبًا، هو لا يدري كيف سيتحدث بكل
ذلك!
قام بالدخول لغرفة
"مريم" الذي بات حافظًا لتفاصيلها ورآها بملامحها المعتادة وابتسامتها
البشوشة التي ستتحول الآن على الفور بمجرد سماعها للتالي:
-
متسألنيش عامل إيه، وأظن
ممكن تكوني خمنتي ليه مجتش الكام جلسة اللي فاتو!
اتسعت ابتسامتها له وهي
تضيق عينيها باستفسار وسألته:
-
ايه اللي حصل؟!
تنهد وهو يُطلق ضحكة
ساخرة ثم حاول تلخيص الأمر:
-
الديباكين جابلي رعشة في
ايدي رهيبة، مستحيل اخده تاني، وبعدين الفترة اللي فاتت ابتديت انسى اخد الدوا،
ورجعت اشرب، وبعدين نوبة هوس، وروحت المستشفى قعدت فيها حوالي أسبوعين وكام يوم،
حاسس الأدوية جابت نتيجة بس لسه فيه شوية اعراض حاسس إني لسه مش عارف احدد هي ايه
بالظبط..
أومأت له بالموافقة
بينما اختلفت ملامحه وهو يقول بسخرية:
-
ورجعت لروان!
عقدت حاجبيها باستفسار
ليُكمل قائلًا:
-
يعني، مش راضين احنا
الاتنين عن الجواز بس حصلت ظروف اضطرتنا نرجع لبعض!
هزت رأسها بتفهم وسألته:
-
اتواجهتو في أي حاجة من
اللي حصلت وكانت السبب في الطلاق؟
أومأ لها بالإنكار وأطلق
تأتأة بالرفض لتعيد نفس السؤال عليه الذي تكرر منها من قبل أكثر من مرة:
-
طيب، حاسس إنك قادر
تتكلم عن ده حتى معايا؟
ابتسم بسخرية وهو ينظر
بغير اتجاه وجهها وهز رأسه بالإنكار ثم رد بنبرة خافتة اتضح عليها الحزن وهو
يتنهد:
-
أنا مش قادر حتى اكتب عن
الموضوع!
قرر أن يغير مجرى الحديث
سريعًا ثم حدثها ليقول:
-
انا عايز اغير الدوا، الموضوع
كان صعب جدًا آخر مرة، كمان أنا حسيت في بداية النوبة إني مبنامش، وبقيت نشيط، بس
مقدرتش اتحكم فيها بعد كده، الحاجة الوحيدة اللي نجحت فيها هو اني احس بنفسي شوية!
دعمته بكلماتٍ أدرك أنها
لن تصيبه سوى بالمزيد من الإحباط:
-
كويس جدًا، على الأقل
دلوقتي بقيت فاهم، إن لما حاجة زي دي تحصل لازم نغير الدوا على طول ويكون فيه حد جنبك..
حدق بها لوهلة وعقد
حاجباه ثم أخبرها بتهكم:
-
بس اللي مش كويس إني
فهمت أن روان بمجرد ما بشوفها حاجة بتتغير فيا، بتأثر فيا على طول، ممكن استحمل أي
حاجة بس كلامها مبستحملوش! أول ما شوفتها مقدرتش اتحكم في اعصابي، شربت، ونسيت
الدوا، نسيت كل اللي كنت بعمله طول السنة اللي فاتت، كأني رجعت لنقطة الصفر!
أجلت حلقها وهي تنتقي
كلماتها لكي تنفي له تلك المشاعر السلبية:
-
لو رجعت لنقطة الصفر مش
هتيجي وتقولي نغير ادويا وأنت أصلًا بنفسك اللي بتفسر إيه أكتر حاجة بتحفز نوباتك،
عمر أنت محتاج تقرر، يا تتواجه معاها في كل حاجة يا تبعد عشان أنت بنفسك اللي
بتقول إنها هي اللي بتحفزلك النوبات.. وبعدين أنت بتعرف تسيطر على نفسك كويس جدًا،
وبتعرف تتحكم في اعصابك، كمان ليه مرجعتش تلعب رياضة زي زمان، أنت بنفسك اللي قولتلي
إنها كانت بتخلي ذهنك صافي، وأنا شايفة إنك لو استمريت عليها تاني مع الأدوية وفهم
اعراضك نفسها والنمط بتاع النوبات هتتحسن أكتر.. ولا أنت رأيك إيه؟
شرد بعينيه لوهلة
وبداخله تدوي ضحكة ساخرة، ممارسة الرياضة، من أين له الوقت لهذا، يشعر وكأنه أصبح
رجل بالمائة من عمره لا يستطيع النهوض من مكانه ببعض الأوقات، يذهب للرياضة ويترك
كل هذا! يا له من حل واقعي للغاية!
-
هحاول ارجع تاني ولو حتى
نص ساعة الصبح.. بس مش عارف في ضغط الشغل اللي عندي هاعمل ايه!
ما زال كل شيء معه مبهم،
وجزء من النص لابد أن يكون مفقود معه بكل جلسة، لقد بدأت بالشعور بأنها لا تنجز
معه أي شيء، ولكن ما يجعلها تصبر قليلًا هو ارادته ومثابرته على العودة مرة أخرى!
-
مش كنت قررت إنك هتسيب
شغلك وتشوف حاجة تانية ولا حسيت إنك اتسرعت في قرار زي ده؟
سألته وانتظرت إجابة
منطقية لتجده يتهكم بقوله:
-
تُقصدي متأخر في قراري،
بس لقيت نفسي ماسك قضية صعبة ومش عارف هاكسبها حتى ازاي!
عقدت حاجبيها باستفسار
ولم تقنعها اجابته فسألته مرة ثانية:
-
مش بيتعرض عليك القضايا
ويا بترفضها يا بتقبلها؟
سلطت كامل تركيزها على
ملامحه التي اختلفت للضيق وهو يزفر مجيبًا:
-
بابا اللي جاب القضية،
ولقيت نفسي في نص كل اللي بيحصل!
-
اعتقد كنت قولتلي إنك
هتواجهه في الموضوع ده، أنا فاهمة إنك بتحبه جدًا وعارفة العلاقة ما بينكم عاملة
ازاي، لكن متوصلش لأنه يفرض عليك شغل تشتغله..
قلب عينيه ثم نظر لها
بابتسامة لم تصل لعينيه وعقب على كلماتها:
-
بابا عايز يشوفني ناجح
بس بطريقته هو، بيحاول يساعدني من وجهة نظره، وإني اسيب المجال كله ده هيبقا صدمة
بالنسباله!
-
وضغط بالنسبالك وأنت
فاهم كويس الضغط بيوصلك لإيه!
كلماتها نظريًا منطقية،
أمّا واقعيًا عندما تُنفذ لن يكون الأمر هين على الإطلاق بأن يذهب ويخبر والده
بالأمر، فهو يتذكر مرة ألقى الكلمة أمامه ولاحظ مدى رفضه للأمر!
-
أكيد هسيب المجال،
القضية دي تخلص واخد القرار، تفاصيلها كلها حاسس إنها زي ما تكون حياتي كلها أنا
وروان بطريقة مختلفة شوية.. عشان كده قررت أكمل فيها للآخر..
تنهد ثم تابع بعد أن
لاحظ صمتها ليقول:
-
المُشكلة إني حاسس إن
ورايا حاجات كتير، والتفكير مبيوقفش، سواء في اللي حصل زمان أو اللي هيحصل بعد
كده.. يمكن الأدوية هتساعد تاني بعد النوبة أو لو اتغيرت تجيب نتيجة.. مش عارف
احدد حاجة دلوقتي.. ومظنش فيه حاجة اكتر من كده اقولها النهاردة!
قال كلماته ثم نهض من
فوق مقعده بعد أن تفقد ساعته وألقى بعينيه نحو أوراقها في انتظار خليط جديد من تلك
السموم التي لابد من أن يتناولها إن كان يريد البقاء بخير بالأيام القادمة وتهرب
سريعًا من تلك الأسئلة والتمارين وخوضها في كونه رجل سادي فهو في غنى عن هذه
الدوامة..
❈-❈-❈
بمنتصف الليل..
تفقد تلك الغرفة التي لم تحتوي على الكثير من الأثاث سوى
مكتب وكرسيه ودولاب ملابس وفراش ومنضدة جانبية له وبُساط صغير، ستكون هذه الغرفة بمنزل أخته
الذي لم تطأه قدميها بعد أفضل بكثير من النوم على مقعد في العراء، لقد كان اليوم
طويل على كل حال بين الذهاب لتوثيق تلك العقود والذهاب لإحضار هذه الغرفة وليس لديه أدنى استعداد للذهاب إليها والتفاوض معها على ملابسه أو
اشياءه، يكفيه أنه يملك مفتاح هذا المنزل الذي أحضره سائقه من أخته!
الأدوية، الثلاث دفاتر، بعض من أوراق القضية، والقليل من
الملابس التي أحضرها بعد ذلك الوقت اللعين بالمصحة، هذا على كل حال أفضل بكثير من
ليلة أمس..
تناول آخر ادويته لليوم ثم توجه للحمام غير مكترثًا بعدم
احضاره لمنشفة ؛ أو لعدم امتلاكه لواحدة من الأساس، ووقف تاركًا نفسه أسفل تلك
المياه لوقت طويل وعقله ملغمًا بآلاف الأفكار التي يمنعها عن الانفجار بأعجوبة،
يذهب ليطلقها ويستمر الأمر بينهما متزوجان أمام الجميع وبينهما يعرفان الحقيقة ثم
ماذا؟! هذا حل مرفوض!!
يذهب لوالده بعد فترة كبيرة بعد أن يكسب هذه القضية
ويخبره بأنه سيُطلقها، لأنه لم يعد سعيد معها.. هذا على الأقل يحتاج لعامٍ
بأكمله.. هل ستصبر هي؟!
هناك حل آخر، يقتل نفسه، هي ووالده، والقضية، والمعالجة
النفسية، وكلبيه، سيتخلصون جميعهم مما يجعل حياتهم الأسوأ على الإطلاق!! يقتنع
بهذا، حتى "عدي" نفسه سيسعد بخبر موته!
هل سيؤذيها والده بعد موته؟ لقد اتهمها بالفعل مرة بأنها
من قتلته، موته ليس الحل، أليس كذلك؟!
أغلق المياه وبمجرد أن فعلها استمع لصوت جرس الباب لا
يتوقف لدرجة أنه ظن أن هناك عطل ما به ولكن تلك الخبطات المتوالية على الباب جعلته
يشعر وكأن هناك شيء ما يحدث كما أن هاتفه لا يتوقف عن الاهتزاز فمسك به وأمسك
بملابسه التي لتوه قام بالتخلص منها ليخفي بها نصفه السُفلي ووجد أن من يتصل به هو
الحارس الخارجي لبوابة منزله وبمجرد فتحه للباب التقت اعينهما لتصيح به:
- يعني ايه ممنوع اخرج بعد الساعة اتناشر من البيت؟! لو البوابة دي متفتحش أنا مش هاسكت واللي يحصل يحصل!!
يُتبع..