-->

رواية كما يحلو لها بتول طه - الفصل الرابع والعشرون النسخة العامية 2

     رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية كما يحلو لها

- تابع قراءة الفصل الرابع والعشرون -

النسخة العامية


الصفحة السابقة



دام الصمت لعدة لحظات مما جعل دماء "عمر" تحتقن بالرعب ليتفوه والده في النهاية بنبرة لينة بما أدهشه تمامًا:

-       أنا عارف إنك بتحبها أكتر من الأولانية، مبقاش ليك حِجة دلوقتي بعد ما رجعتلها، اظبط حياتك وارجع شغلك وكفاياك تضيع في وقتك لغاية كده!

 

لقد فعل هذا من أجله فالرسالة الواضحة هي أن عليه اظهار امتنانه الشديد له على فعلته العظيمة، لابد من أن يفعل، لا بل والده لا يبحث عن الامتنان وحسب، بل امتثال جميع أوامره والابتعاد عن نواهيه، العودة للعمل ونجاحه بقضايا كثيرة، السيطرة على زوجته، يريد نسخة "عمر الجندي" الذي لتوه ابتعد عن "يمنى" من جديد.. حسنًا، له هذا مؤقتًا..

 

-       عندك حق يا بابا، أنا الفترة اللي فاتت أنا كنت فعلًا متضايق عشان موضوع طلاقنا ده، بس كل حاجة بقت احسن..

 

لا يملك المزيد من الكلمات، ولا يملك سوى الريبة بما قد يظنه والده، ولكن ربما قد يتقبل، قد يختلف الأمر كذلك عندما يراه يذهب لعمله ويُكمل تلك القضية، وقد آتى مفعول كلماته بإنهاء المكالمة دون مشاحنات أو جدال كلامي، فقط هدنة مؤقتة دامت بينهما والتي بدورها لم تستمر للكثير من الوقت على كل حال!    

--

الثالثة صباحًا..

 

-       عارف المشكلة في ايه، إنه بقا قدامي طول الوقت، وأنا مش عارفة استحمل، وخايفة من كل حاجة، حاولت اركز في الشغل، أو في إني بقا في ايديا حاجات كتيرة مكنتش معايا زمان، ممكن نتطلق، ممكن يعملي كل اللي أنا عايزاه، أنا اهو برا البيت وبشرب وبكلمك وهو معندوش مانع.. حتى النوم مش عارفة أنامه!

 

احتست المزيد من كوبها ولم تلحظ مغادرة الجميع بينما عامل البار بهذا الفندق يستمع لها كنوع من أنواع الاستجابة لعميل لديه ليس إلا فحاول أن ينبهها قائلًا:

-       يمنى، أنتِ شربتي كتير، في حد هيوصلك ولا اطلب عربية توصلك البيت!

 

ابتسمت له ثم وضعت الكوب الذي انتهى فارغًا ولم يعد به قطرة واحدة ثم ردت قائلة:

-       يمنى آه، معايا السواق ومعايا ناس كتير.. ما قولتلك إني بقيت اعرف اعمل كل حاجة غير زمان..

 

تحدثت له بنبرة ثملة بشدة إثر كل ما احتسته ثم سألته:

-       الكوكتيل كان حلو اوي، بس ممكن اشتري هنا من الأوتيل ويسكي؟

 

نهضت لتوشك على السقوط ولكنها تمسكت بالمقعد بجانبها إلى أن وجدت اتزانها ورفعت ابهامها له عندما تأهب لسقوطها لتتحدث بابتسامة وبلاهة:

-       أنا تمام.. كل حاجة تمام، شكلي قربت اعرف أنام.. هاتلي بس 3 ازايز ويسكي من النوع ده..

 

اشارت بسبابتها وهي تحاول تبين النوع ثم تحدثت قائلة وهي تشير له بعبث تام ودون وعي لما تفعله:

-       لا لا لا، خليه من ده!

 

حاولت رفع شعرها بعد شعورها الشديد بحرارة جـ ـسدها ففشلت وكذلك لم تفلح محاولتها بالتخلص من سترتها فقط وهي لا ترى بوضوح وكادت أن تقع ولكن هناك من امسك بها فتفقده العامل باستغراب ثم سأله:

-       حضرتك تعرفها؟

 

أومأ له بالموافقة ثم رد باقتضاب:

-       أنا جوزها!

 

أخرج بطاقته الائتمانية وهو يناولها له ليهز الآخر رأسه واتجه ليجلب ما طلبته وسحب المبلغ كامل من تلك البطاقة بينما ابتلع بمرارة مما بات يواجهه مؤخرًا سواء منها أو مما تحولت إليه حياته لترفع وجهها نحوه واتسعت ابتسامتها وارتفعت أناملها لتعبث بوجنته:

-       ده يونس اللي حكيتلك عليه.. يستاهل مش كده!

 

عقد حاجباه غير متفهمًا لما تعنيه ولماذا تُعرفه بهذا الاسم ولكنه أدرك كيف كانت ثملة فيستحيل أن تفعل ما تفعله بوقت يقظتها على الإطلاق لتقول بابتسامة:

-       مش قولت هتسيبني براحتي، زي ما قولت اننا مش هندخل الأوضة تاني، وقولت إنك مش هتخبي عليا، وقولت إنك بتحبني وعمرك ما هتؤذيني، كل مرة بتقول حاجة مبتحصلش، أنا كنت متأكدة إنك هتطلع كداب! خلاص كده..

 

التمع الحزن بمقلتيها بالرغم من ملامح وجهها غير الواعية ليقاطعهما العامل من جديد:

-       اتفضل..

 

تناول بطاقته ليجد كيس ورقي طُبع عليه اسم الفندق وبداخله ثلاث زجاجات من مشروب لم يتبين نوعه فنظر له باستغراب ليخبره مُكملًا:

-       المدام طلبتهم.

 

هز رأسه له بالموافقة وأعاد البطاقة لجيبه ثم تناول الحاوية الورقية بما فيها وسترتها من المقعد المجاور لمقعدها وقد تملك منه اليأس الشديد تجاه كل ما يحدث ولكنه سألها باقتضاب:

-       هتعرفي تمشي؟

 

همهمت بالموافقة لتقول بزفرة ساخرة:

-       طبعًا هعرف، لو تشوفني وأنا خارجة اجري من البيت وأنا فاكرة إني هموت هتعرف إني مريت بالأسوأ!

 

أطبق أسنانه بغيظ متألمًا من ذكرها للأمر بهذه السهولة بينما ابتعد قليلًا ووقف مستعدًا لسقوطها من جديد ليخبرها بهدوء:

-       طيب يالا عشان الوقت اتأخر اوي.. السواق مستنيكي برا

 

شعرت بكل ما حولها يتأرجح بشدة وأدركت أنها ثملة ولكنها لا تفهم لماذا آتى الآن فسألته بتريث غير مقصود بكل حرف تنطقه:

-       هي الساعة بقت كام؟   

 

اجابها متنهدًا وهو يتفقدها بحسرة على ما أصبحت عليه:

-       تلاتة وشوية..

 

خبطت بيدها على رأسها بتلقائية لتشعر بتأرجح كل ما حولها يزداد ثم غمغمت بنبرة أوشكت على البُكاء:

-       يعني ملحقتش الـ conference call الـ client هيقول ايه عليا دلوقتي

 

شعر بالقلق وتوقع سقوطها في أي لحظة الآن لترنحها الذي يشتد وأخبرها بهدوء بدلًا من نقل امرأة ثملة سينقل امرأة ثملة وهي تبكي، الاختيار الأول أفضل على كل حال:

-       تلاتة الفجر مش تلاتة العصر.. هتلحقي متخافيش

 

التفتت له وأومأت بالإنكار وتابعت بثمالة على ما يبدو تزداد فاقترب منها أكثر:

-       لا أنا خايفة، أنا مش عايزاك معايا، ابعـ

 

كان هذا آخر ما قالته بعد أن شعرت بتوعك معدتها يشتد كما اشتدت رغبتها في التقيؤ ولأول مرة في حياته يلعن نفسه لاقترابه منها بعد أن فسدت أغلب ملابسه والقليل من ملابسها!

 

مسحت على فمها لتهمس دون وعي منها:

-       كوكتيل كان حلو بس تقيل اوي، أنا عايزة أنام.

 

تماسك أمام كل ما يحدث وقرر أن يعذرها مرة أخرى وخصوصًا بعد أن اتضح أن ترنحها يزداد بشدة ورد معقبًا باستياء ليحاول أن يُلهي عقلها قليلًا:

-       طيب تعالي ندخل الحمام الأول قبل ما نمشي وبعدين هنروح ننام..

 

لم ينتظر للمزيد من الوقت خوفًا لو اعادت فعلتها واتجه سريعًا للحمام وفي هذا الوقت لم يتوقع أن يتواجد الكثير بالداخل على كل حال ولكن بعد تفكير سريع وهو يحيط خصـ ـرها بيده التواجد في حمام الرجال أفضل بكثير من حمام النساء على الأقل سيستطيع أن يتحدث لرجل وهو ينهاه عن النظر بأريحية بدلًا من أن تقوم امرأة بتوبيخه على تواجده بحمام النساء..

 

دخل بسرعة ثم ترك الحقيبة الورقية بجانبها وبجانبها سترتها وقام برفعها قليلًا لتستقر بجانب الحوض على المنطقة الرخامية المحيطة به وخلع قميصه ووضعه جانبًا وآتى ببعض المحارم الورقية وبدأ أولًا في تنظيف ملابسها قدر الإمكان بدلًا من الذهاب بهذه الهيئة للخارج وانخفض على احدى ركبتيه ليرى ما إن كان بنطالها وحذاءها نالا نصيبًا كما حدث له وطوال الوقت السابق تابعته بعسليتيها الثملتين في صمتٍ شديد وبمجرد اقتراب يده من نهـ ـديها سألته بضحكة تلقائية:

-       أنت بتعمل ايه؟

 

أجاب وهو منهمك في التخلص من اثار ما أفسدت به ملابسهما:

-       بنضف هدومك، هكون بعمل إيه يعني..

 

مدت يدها بتلقائية وهو جالس أمامها لتمررها بشعره مما جعله يتوقف لبرهة ورفع عينيه نحوها ليلمح التلاعب بنظرتها لتحدثه قائلة:

-       كده أحلى، بس مش زي زمان!

 

سخر بداخله على ما يتلقاه منها الآن، يبدو أنه لن يرى منها ذلك الجانب سوى بثمالتها أو في أحلامه ليتجنب قولها وأكمل ما يفعله لتوقفه هذه المرة وهي تُمسك بيـ ـده أسفل منحنـ ـياتها البارزة تمامًا وأخبرته بحروف تقطعت من تأثير الكحول:

-       عارف لو مكونتش سكرانة، كنت قطعتلك أيـ ـدك دي..

 

هز رأسه بإنكار وحاول أن يتخلص من يـ ـدها التي توقفه بحركة هادئة وهو يعقب بنبرة غير مُهتمة:

-       بس انتِ سكرانة

 

ازادت من حِدة قبضتيها على يـ ـده وحدثته باستياء اتضح بنبرتها:

-       ما أنا مش عايزة اشرب، أنا كنت بطلت تمن شهور بحالهم، ورجعت تاني، مبقتش اعرف أنام غير كده..

 

جذب يده بقوة هذه المرة ولمـ ـساتها تحرقه بنيران الألم ثم نهض بعد أن انتهى وذهب لقميصه لتتابع جـ ـسده نصف العا ري ولكنه هاودها في كلماتها لكي لا تفقد وعيها الآن، هو حقًا ليس باللياقة المطلوبة لحملها للخارج ولا يريد أكثر من الحصول على بعض النوم:

-       مبتناميش غير ازاي؟

 

استندت برأسها على الحائط بجانبها وحاول هو أن يسرع بتنظيفه لملابسه لكي يتحمل ارتدائها حتى الوصول للمنزل لتجيبه بصوت استطاع أن يجد بكل حرف نطقته جلاء الحزن به:

-       ما أنا بفكر كتير في كل اللي حصل، وبيجيلي anxiety attacks وباخد الأدوية بس مبنامش، أنا منمتش بقالي يومين وعندي حاجات مهمة اوي بكرة!

 

توقف عن فعله ثم التفت لينظر لها بخزي وشعر بعجزه الشديد على ما توصلت له والتقت اعينهما لبرهة لتتابع بما لم يُرد استماعه:

-       بفضل افتكر لما كنت بتحبسني، وأنا لوحدي في الضلمة، ولما نت في الأوضة الباردة أوي دي، ولو نمت بحلم بعقارب وتعابين.. مبقتش اعرف أبطل تفكير، مش مصدقة إني هونت عليك وعملت فيا كل ده، أنت كنت بتحبسني وبتضربني، كان أهون إنك تضربني بالمسدس.. ليه عملت كده يا عمر؟

 

حدقها بخزي بينما تكومت الدموع على مُقلتيها وبلقاء عابر بين أهدابها انسابت على وجنتيها لتدفعه لفعل المثل وكلما قارب على التحدث بشيء لم يستطع تكوين جملة واحدة قد تصوغ ما يشعر به حقًا تجاه ما فعله، ولو حدثها بآلاف التفسيرات لن تكون كافية أبدًا لتبرر لها فعلته وأدرك بداخله أنه يستحق كل ما يحدث له وكل ما تفعله به ولو أن ما تفعله هو أنها تضر نفسها في المقام الأول!

 

شعر باختناقه يزداد بينما أغمضت هي عينيها وانساب المزيد من العبرات بين أهدابها ولم تقم بالنظر له من جديد وتوقفت عن البكاء لتستريح رأسها أكثر وسقطت خصلاتها لتخفي ملامحها فترك ما بيده ثم مرر أنامله على وجهها لكي تستفيق وابعد تلك الخصلات عن وجهها وحدثها بنبرة حاول أن يجعلها مُنبهة لكي تستجيب له:

-       روان، أنتِ صاحية..

 

همهمت له بالموافقة لتهمس بإرهاق:

-       بس بحاول أنام!

 

تنهد وهو يلعن نفسه قبل أي شيء آخر وارتدى ملابسه دون الاكتراث لكونها أفضل مما كانت عليه منذ قليل أم لا ثم ساعدها على ارتداء سترتها وقام بإجراء مكالمة سريعًا:

-       احنا خلاص طالعين اهو، جهز العربية بسرعة قدام باب الاوتيل اللي دخلت منه..

أنهى مكالمته ثم حملها بصعوبة شديدة هي وتلك الزجاجات الذب لا يُصدق أنها ستتناولها على الاطلاق واتجه للخارج وبداخله لا يتمنى سوى أن يموت بطريقة تقنع والده حتى تتخلص هي منه ويتخلص هو من نفسه..

 

قام بوضعها في السيارة ثم تردد لبرهة ولكنه لم يستطع تركها فركب بجانبها وطوال الطريق لم ير سوى انعكاس لصنع خلقه بيده، ليت يداه قُطعت قبل أن يفعل بها ما فعله!

 

رأى تلك الملامح المنزعجة بصحبة أنفاسها المتعالية المنتظمة وهي غارقة في النوم لتمتلئ عينيه بالدموع التي لم يستطع السماح لها بالفرار حتى حجبت رؤيته ولم يعد يستطيع تحمل هذا الألم فذهبت عينيه لأرضية السيارة طوال طريق العودة!

--

 

توقفت السيارة أمام باب المنزل مباشرة فترجل للخارج ثم التفت للجهة الأخرى وناداها بهدوء:

-       روان، قومي احنا وصلنا، اطلعي كملي نوم فوق.

 

أطلقت غمغمة غير مفهومة وملامح مستاءة لا تعبر سوى عن الرفض الصريح لما يقوله ليزفر بضيق ثم اتجه نحو السائق ليسأله:

-       هي سابت شنطتها في العربية؟

 

اجابه السائق وهو يهز رأسه بالإيجاب:

-       ايوة حضرتك، أنا بس حطيتها في شنطة العربية بدل ما تروح يمين ولا شمال

-       طيب هاتها.

 

ذهب الرجل لنهاية السيارة وهو يخرج حقيبتها منها فتناولها "عمر" وبحث سريعًا عن مفتاح المنزل فوجده فامسك به بيده واقترب ليحملها بينما هي في حالة قاربت من الاغماء الكامل واتجه فورًا نحو الباب ليوقفه واحد من الرجال وهو يمنعه باحترام:

-       معلش بعد اذن حضرتك هي قالت إنك متطلعش..

 

اطبق أسنانه بعنف وهو لم يعد به مثقال ذرة من طاقة للتشاجر مع أحد ليحدثه ببرود وثقة شديدتان:

-       المفروض بمنظرها ده اسيبك تشيل مراتي لغاية سريرها وأقف اتفرج عليك عشان بس ممنوع ادخل، لما تبقا تصحى وتقولك متدخلوش متبقاش تدخلني، خد المفتاح وافتح الباب بدل ما أنت واقف كده وأنا مش هطول ونازل.. وابقا اديها المفتاح بكرة بنفسك!

 

ابتلع الرجل وعلى وجهه امارات التوتر فزجره قائلًا:

-       أنت مستني ايه ما تخلص

 

تحرك وجهها بانزعاج بينما فعل على مضض ما أخبره به "عمر" الذي اتجه فورًا للصعود نحو غرفته بعد أن تحمل مشقة ثقلها بمعاناة، لقد فقدت الوزن ولكنه يشعر بأنه لم يعد مثل السابق من كُثرة تلك الأدوية اللعينة التي تجعله كسول للغاية!

 

بمجرد تركها خلع ملابسه بالكامل واتجه بتلقائية ليضعها بصندوق الملابس المتسخ ليتوقف لبرهة بعد أن أدرك أنه لن يستطيع أن يجد هذه الملابس لاحقًا فلقد صار هذا بيتها وليس بيته فترك الملابس أرضًا ثم اتجه لغرفة الملابس بينما وجد كل ملابسه أرضًا بهمجية شديدة وخاصتها فقط مُعلقة ومطوية كما كانت دائمًا!

 

استغرب قليلًا الأمر ولكنه أخرج منامة لها واتجه نحوها وهو يخلصها من حذاءها ثم اقترب ليخـ ـلع عنها ملابسها لكي يبدلها بأخرى نظيفة بينما لم تساعده بالكامل وهمهمت من جديد بإزعاج وعندما اقترب من بنطالها تكلمت بضيق وصوت نعس:

-       فيه ايه؟ عايزة أنام شوية بس!

 

زفر حانقًا على ما تفعله ليقوم بوكزها بخفة وناداها:

-       روان اصحي عشان تغيري هدومك..

 

لم تعطه استجابة تُذكر فقرر قوله فلم تُعره اهتمامًا من جديد ليضيق عينيه نحوها بانزعاج وقرر أن يتركها هكذا ولكنه لم يتخيل سوى ردة فعلها صباحًا عندما تهرول للخارج متسائلة ما الذي حدث وهي غاضبة ولا يستبعد أن تتناسى كيف تبدو وتظهر للجميع بمظهرها هذا أو حتى لو نظرت من النافذة أو الشرفة سيراها كل هؤلاء الرجال!

 

حدق بتفاصيلها لبرهة وهو يبتلع ولم يشعر بما يفعله غير بعد عدة لحظات فحاول أن يسيطر على هذا التفكير الخاطئ الذي لا يدري من أين آتى واقترب رغمًا عن أنفها يجعلها ترتدي هذه الملابس شاءت أم آبت!

نجح في فعلها بينما تذمرت مطلقة غمغمة لم يستطع التعرف على معناها لتفتح في النهاية عينيها وكلمته بغضب وما زالت اثار ثمالتها تسيطر عليها:

-       أنت عايز ايه بقا قولتلك سيبني أنام

 

لم تُفكر حقًا في أي شيء سوى رغبتها بالنوم والراحة من كل ما مر عليها باليومين الماضيين ليرد معقبًا:

-       مش هاسيبك نايمة كده من غير هدوم عشان تصحي الصبح وتجري برا والناس تشوفك

 

ازداد الانزعاج على ملامحها ثم غمغمت:

-       ما انا بنام من غير هدوم دايمًا..

 

تفقدها وهي تفتح عينيها بصعوبة شديدة وتحاول تحاشي الضوء الذي سبب لعينيها الألم الشديد ليسخر منها قائلًا:

-       كان زمان، ومكنش فيه حد واقف تحت الشباك وقدام البيت

 

انزعجت من عدم الراحة الذي تشعر به وردت بغير وعي:

-       مش مهم، ما أنت مش زي زمان، امشي واطفي النور يا اما هندهلك الأمن

 

حدقها لبُرهة متعنًا في ملامحها ولم يتخيل للحظة ولو حتى بأحلامه أن تعود هنا لنفس الطرف من فراشه ليبتسم ممتنًا لتلك الخطة اللعينة برأس والده وامتن له بشدة على إعطائه ولو مجرد لمحة من على مسافة بأن يراها أمام عينيه بنفس مكانها الذي عهده واندلع الندم لينثر قلبه لأشلاء كلما أدرك حقيقة أنهما لم يصبحا مثل السابق بينما فجأة وجدها تنهض وهي منزعجة على وشك البُكاء وهتفت به:

-       اطفي النور، مش عايزاك جنبي، قولتلك احنا مينفعش نرجع زي زمان أبدًا بقا ومفيش حاجة من اللي في دماغك هتحصل، قاعد هنا معايا ليه.. سيبني أنام أرجوك!

 

سرعان ما جذبت الغطاء فوقها وولته ظهرها ثم اتكأت على جانبها الآخر ليلمح هيئتها للمرة الأخيرة ثم همس بتنهيدة مُعقبًا على كلماتها:

-       مستحيل نرجع زي زمان!

 

أكد على قولها لنفسه قبل أي أحد آخر ثم اتجه ليُطفأ الأنوار وارتدى نفس ملابسه من جديد ثم اتجه نحو الخارج وهو يحاول منع نفسه عن تفقد المنزل بمحتوياته؛ بل رفض أن يأخذ حتى القليل من الملابس دون موافقتها هي على ذلك ليتجرع وحده ما تبقى له من ألم ليلة غريبة معها لم يكن ليتصورها بخياله ولو أقسم له الجميع أنها قد تفعل كل ذلك!

 

يُتبع..