-->

قراءة رواية جديدة كما يحلو لها بتول طه - الفصل 26 عامية

     رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية كما يحلو لها

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

الفصل السادس والعشرون

النسخة العامية



ادعت أنها تتابع حديث والدتها بينما في الحقيقة كانت تتابعه هو وهو يهرول ليقوم بصنع العديد من المُقبلات و"بسام" يُساعده في ترتيب المنزل وهو لا يدري كيف عليه أن ينجز كل شيء، لا تُفكر سوى بتلك المرة وهي ترتدي ملابسها وتجري مذعورة من هذا المنزل عندما ذهبت لعملها بعد أطول إجازة في حياتها رأت بها مرارة تحكم شخص في حياتها، لا، بل كان مرعوبة حتى وهي بعيد عنه وكانت مشتتة تائهة من أجل اتخاذ قرار بالذهاب إلى أي مكان غير شركتها وتحاول أن تسلط تركيزها على عملها!

 

شردت بدرج المنزل الداخلي وهي ترى نفسها ترتدي ملابس لا تناسبها لأنه فقط أراد هذا، تشاهد تلك الخطوات المرتجفة منها وهي تحاول الهروب منه ومن ميوله كما يُسميها بأن تعود لنفس تلك الغرفة مرة أخرى بل وتُقبل قدمه، أنفاسها تعالت لا إراديًا، بالرغم من أنها ترتدي ما يحلو لها وباتت لا تفعل إلا ما يحلو لها، سيطرت عليها دوامة من التفكير الذي يدفعها للتوتر ومنه إلى نوباتها التي تتركها لا تحصل على قسط كافيًا للنوم بصحبة تشنجات حلها الوحيد هو الغرق في الثمالة!

 

-       روري، سمعاني يا حبيبتي؟

 

نبهها سؤال والدتها فالتفتت نحوها بينما حاولت نسيان ذلك الموقف سريعًا وارغمت نفسها على رسم ابتسامة وهي ترد مجيبة:

-       ايوة يا مامي سمعاكي..

 

استغربت والدتها من ملامحها ولاحظت تلك المشقة التي اتضحت عليها لتستفسر باهتمام:

-       مالك كده يا حبيبتي وشك اتخطف واصفر وبتنهجي، أنتِ كويسة؟ حابة نروح لدكتور؟

 

ابتلعت بعد أن انتبهت لما تمر به ونهضت واقفة وتلعثمت لوهلة:

-       لا لا، دكتور ايه.. أنا..

 

ضيقت ما بين حاجبيها ثم حاولت أن تجد مبررًا لما تمر به وكذلك سبب لهروبها من الموقف:

-       أنا بس افتكرت task مهمة نسيت اعملها assign لحد وكنت بحاول افتكر، شكلي نسيت خالص في وسط زحمة الشغل، ثواني هروح بس اتأكد وابعت ايميل واجي..

 

اتجهت هاربة بسرعة للأعلى بينما بحثت عن حقيبتها وتناولت قرصين منها وهي تبتلع كلاهما دون قطرة مياه واحدة لتنظر لكل التفاصيل حولها ولم تعد ترى سوى مواقف شتى جمعتهما، ويا لغبائها الفادح، هي من فعلت بنفسها ذلك، تحت مسمى العشق بالطبع، تبًا للعشق وتبًا له هو نفسه، سترد له هذا الصاع أضعاف مضاعفة، لن تدع هذا اليوم ليمر دون أن تترك له ذكرى سيئة لتؤلمه كما تتألم هي.. لا تعرف هل تبدأ بالإهانة، أم بالكذب، أو ربما بالاثنان فلقد فعلهما بالسابق وهو في كامل سلامته دون نوبات على الاطلاق!

 

استمعت للجرس فاتجهت للأسفل لترى من القادم فوجدت أنه "عدي" وقد اصطحب "عنود" معه لتلتوي ابتسامتها المتوعدة واتجهت بخطوات كعارضات الأزياء نحوهما وسرعان ما أوقفتهما وهما في طريقهما إليه فعلى ما يبدو أن هناك اتفاق مسبق بينهما لتصافح أخوه الذي سألها بابتسامة:

-       ازيك عاملة ايه؟ ايه السرعة دي؟ عزومة كده بسرعة؟

 

نظر لها مضيقًا عيناه باستفهام بينما لم تترك يـ ـده والتفتت خلفها بلمحة سريعة وتلك الخصلات المموجة تتحرك في تناغم لتعطيها المزيد من الأنوثة ثم حدثته بامتنان زائف:

-       بجد عايزة اشكرك على وقفتك جنبي، مش عارفة لولاك كان ايه اللي ممكن يحصل.. كل حاجة اتفقنا عليها ماشية زي ما هي، عزومة عزومة، خلينا نقضي مع بعض وقت أكبر..

 

ظلت ممسكة بيـ ـده بين يديها وهي واثقة وبشدة أنه يحترق خلفها بما يراه، مجرد أي شيء يخص "عدي" لطالما كان بمثابة ضربة في مقتل بالنسبة له، لم تعد تكترث للباقة والاحترام مثل اكتراثها لإصابته بإزعاج دائم..

-       لا متقوليش كده، انا معملتش حاجة يعني..

 

ابتسمت له بعذوبة وهي تتفقده بينما قالت مُطرية:

-       شكلك حلو على فكرة بالـ formal، مستغربة مبتلبسش كده على طول ليه!

 

ابتلع مستغربًا مما تقوله بينما لمح "عنود" بجانبه التي لم تأخذ حتى فُرصة في تبادل التحية معها بل ولم تحصل منها على نظرة واحدة إلى الآن فجذب "عدي" يـ ـده من بين يديها ثم استئذن منها ليقول:

-       لا ساعات بلبس بدل عادي، معلش هشوف بس عمر وارجعلك..

 

أومأت له بابتسامة ثم أخبرته:

-       أوك، بس بسرعة عشان فيه موضوع عايزاك فيه..

 

تركها وغادر وهو ينظر نحو "عمر" بأعين متوسعة بتساؤل بينما ترك كلتاهما خلفه لتتحدث "عنود" إليها بابتسامة وهي تقول متسائلة:

-       وحشتيني اوي، عاملة ايه؟

 

اعطتها نظرة احتقار من أعلى رأسها لأخمص قدميها ولم يتضح على ملامحها مشاعر تذكر وكأنها باتت تملك مقلتين زجاجيتين على النقيض من تلك النظرات التي كانت تنهمر على وجه أخيها منذ ثواني واجابتها ببرود واقتضاب هائل:

-       تمام.

 

التفتت وهي تغادر ولم تنس أبدًا تلك المكالمات التي لم تتوقف عنها وهي تهاتفها لعلها تجد لها حل يُذكر، ربما "عدي" لم يُجبها كما لم تفعل هي، لكنه في النهاية قام بالمحاولة حتى بعد كل ما حدث، أمّا تلك الطفلة فهي لم تفعل، وكل ما حدث تركها مصممة على ألا تنسى، وألا تغفر!

 

تعجبت "عنود" من فعلتها لكل هذا البرود الذي تلقته منها بصحبة نظرتها الغريبة التي لم تنظر بها لها أبدًا واتجهت نحو أخويها وهمست لكلاهما متسائلة:

-       هي روان مالها؟ متضايقة من حاجة ولا ايه؟

 

سلط "عمر" تركيزه على تقطيع ما تبقى أمامه وهو يحاول أن يُسرع بينما أجاب سؤالها بتنهيدة:

-       أحسن ليكي وليها اتجنبيها.

 

لم يُفكر بالنظر إليها بينما استغربت من قوله ليضيف "عدي" بابتسامة ساخرة:

-       مش من عوايدي اتفق معاه في حاجة بس كلامه المرادي صح!

 

رمقه "عمر" بانزعاج ثم حاول أن يترك هذا جانبًا الآن وحدث أخته قائلًا:

-       ممكن تساعدينا في تحضير الحاجة أو ترتبي في البيت مع "بسام" أو ممكن تروحي تتفرجي على البيت بتاعك..

 

رفعت حاجبيها ونظرت حولها مليًا لتتساءل:

-       هو البيت ماله عامل كده ليه صحيح؟

 

ضحك "عدي" بخفوت وهو ينظر نحوه بتشفي ثم اجابها ليقول بنبرة تحمل اثار الضحك:

-       المدام زعلانة منه شوية بس فبتعلمه الأدب، فمنعت تنضيف الأسبوع.

 

ترك ما بيديه وأخذ ما قاله على محمل الجد وصاح به:

-       انت هتستعبط ول عايز ايه بالظبط من كلامك ده!

 

رأت تلك الملامح الغاضبة على وجهه فابتلعت بوجل حقيقي لتحمحم وهي تحاول أن تحتوي هذه المشادة الكلامية بينهما قبل أن يتفاقم الموقف أمام والدة روان وأخوها لتقول:

-       طيب عدي روح ساعد بسام وأنا هساعد عمر.

 

رمقها بغضب لم يكن مقصودًا أن يتجه لها وقال معقبًا:

-       مش عايز مساعدة من حد، روحوا نتو الاتنين اعملو أي حاجة بعيد عني..

 

جذب السكين وتابع دون أن ينظر لأي منهما ولأول مرة يشعر بمثل هذا الاجبار لتحمل ما لم يختره بنفسه:

-       وأنت تابع الديلفري وشوف جاي امتى لو عامل نفسك مهتم وعايز تساعد..

--

تابعت كل شيء بعينيها واكتفت بالتشفي وهو يقف كالمشتت بين كل ما يفعله، تعرف بقرارة نفسها أن "عمر الجندي" لا يستطيع أن يظهر بمظهر غير جيد أمام الغرباء، تحفظ عن ظهر قلب أنه لا يطيق المكوث في مكان غير مُرتب، وملامحه المنهمكة فيما يفعله بغضب شديد ستكون رائعة عند نهاية هذا اليوم، لينتظر فقط وصول أبناء خالتها، سيُجن جنونه، كما حدث لها بذلك العشاء منذ ما يقارب عام ونصف العام.. هناك الكثير مما عليه اختباره وهو في مزاج رائق بعيد كل البُعد عن الاكتئاب أو الهوس، ولتوه أنهى العلاج ولابد من أنه يتناول العديد من مثبتات المزاج الآن حتى يقارب من الاتزان.. ليحكم بعين رجل واعيًا على ما سيحدث وسترى كيف سيتعامل.

 

استمعت لجرس الباب من جديد فاتجهت نحوه لتجد "عنود" تسبقها له لأنها كانت في الحقيقة قريبة ليست إلا فنهتها بزجر قائلة ببرود:

-       رايحة فين، أنا صاحبة البيت مش أنتِ، والناس دي جيالي مش جاينلك..

 

توقفت "عنود" مكانها باندهاش وهي تتفقدها بغير تصديق ورأت كيف ترحب بجميعهم بينما ذلك الود غير الطبيعي نحو "يونس" جعلها تحترق غيظًا.. هي فقط لا تعرف لماذا تعاملها هكذا؟

 

-       وحشتيني.. بصراحة احلى صدفة، مكنتش تخطر على بالي

 

همس لها بعد أن انتهى من ترحيب "روان" به بينما سيطر على وجهها وجوم غريب لأول مرة يراه على ملامحها مما جعله يسألها باهتمام:

-       ايه ده مالك فيه ايه؟

 

هزت كتفيها كدلالة على عد المعرفة بينما لم تجد بعد سبب لكل تلك التصرفات الغريبة من "روان" تجاهها فأجابته دون أن تفصح فهي ليست احدى عادتها التي تشتهر بها:

-       لا مفيش، أنا مستغربة حوار العزومة ده مش أكتر

 

عقد حاجباه وابتسم متعجبًا:

-       ليه يعني اشمعنى؟ هو انتي كده دايمًا ضد الفرح بأنواعه؟ الناس عاملين عزومة، مش لازم يبقا فيه مؤامرة كونية يعني وراها، ولا حابة تروحي من دلوقتي؟ ابعت معاكي سواق يا حبيبتي؟

 

عبست ملامحها لسخريته منها بينما قاطعتهما "روان" وهي تتفقدهما بنظرات تعجبت لها "عنود" ولا تدري لماذا عادت مرة أخرى فهي لتوها صافحته بود أكثر من اللازم، ولتوها قد عاملتها بطريقة فظة للغاية، ما الذي تريده الآن:

-       ايه هتفضلو واقفين هنا؟ اتفضلو جوا معانا..

 

انزعج "يونس" من كلماتها ثم عقب بضيق:

-       روان يا حبيبتي ما تروحي تشوفي وراكي ايه وتسيبنا احنا هنا مبسوطين! عاملك اوي مشكلة بوقفتي هنا، مبسوط أنا بالوقوف كده زي ما أنا!

 

قلبت عينيها بانزعاج وسرعان ما انضم لثلاثتهم "عمر" الذي نظر له تلك النظرات التي تجعله يبتلع واكتفى بسؤاله باقتضاب:

-       ازيك؟

 

لا يدري لماذا إلى الآن لا يستطيع تحمله فمد يده ليصافحه واجابه:

-       تمام أنت عامل ايه؟

 

أومأ له باقتضاب بينما شعرت "عنود" بالإحراج فهي لا ترتاح أبدًا بوجود "عمر" ليُضيف "يونس" بابتسامة لبقة:

-       حلوة فكرة العزومة، بقالنا كتير متجمعناش كده..

 

ضيق عينيه نحوه بغيظ فهذا المخنث بالطبع لم يأت سوى إلا من أجل التواجد بصحبة "عنود" ليحدثه قائلًا:

-       ما احنا ملحقناش نعمل حاجة ساعة كتب كتابي، فكان لازم نتجمع!

 

نطقها بتأكيد بينما حدق به بطريقة غريبة جعلت "عنود" تشعر بمزيد من عدم الراحة لتتدخل "روان" قائلة بضحكة:

-       مرة سمعت افيه في فيلم، فكرني اوي بالموقف اللي حصل ده، عريس الغفلة، يومها عمر كان عامل كده بالظبط..

 

رمقته بنظرات احتقار بينما لم يرد النظر لها لأنه لو فعل قد يقتل أخيه وهذا المخنث بالإضافة إليهما جثتها ولو تدخل "بسام" لن يمانع بأن يقتل أربع اشخاص ولا يمانع على الاطلاق قتل نفسه بعدها!

 

-       أنا هروح اقعد مع مامي ويارا..

 

أخذت خطوة مبتعدة بينما لحقتها "عنود" التي رأت من الأفضل أنها تغادر كلاهما وتلحق بها فلابد من تفسير لكلما تفعله معها منذ أن التقت بها اليوم:

-       روان استني أنا عايزة اكلمك في موضوع..

 

اوقفتها فالتفتت لها بغطرسة شديدة وعقدت ذراعيها بينما رمقتها بنظرات ذات مغزى بأن تأتي بما عندها وتابعهما "عمر" من على مسافة ليرى نظرات "روان" الغريبة للغاية تجاه أخته وحاول أن يستمع للحديث بينهما بينما لم يفلح في التعرف على حرف واحد!

-       ممكن افهم فيه ايه؟ أنا مضايقاكي في حاجة؟

 

قلبت شفتيها وكأنها لا تعرف ما الذي تتحدث عنه وردت بفظاظة:

-       وهو انتِ هتضايقيني في ايه اصلًا.. هو احنا بنتكلم اساسًا ولا فيه بيني وبينك أي تعامل؟!

 

كادت أن تغادرها من جديد بينما اوقفتها الأخرى وردت بغضب على تلك العجرفة الغريبة التي تعاملها بها:

-       افتكر اخر مرة روحتلك بيتك انتي طردتينا كلنا بعد ما وضحتلنا انك مش عايزة لا تعرفينا ولا تشوفينا!

 

نظرت لها "عنود" بتحفز بينما ارتسمت ابتسامة سخرية على شفتي "روان" التي عقبت بمزيد من العجرفة:

-       تقصدي بعد ما أخوكي عمل اللي عمله وباباكي اتهمني ان انا اللي ضربته بالمسدس وبعد ما كلمتك كتير اوي ومردتيش عليا وده كنت اكتر وقت محتاجاكي فيه وملقتكيش جنبي؟!

 

تفقدتها بنظرة ناقمة مرة أخرى مثل التي سبقتها منذ قليل ثم أضافت بمنتهى البرود:

-       إني اطرد حد اتخلى عني وعيلة بتتهمني بمصايب دي أقل حاجة تستحقوها، وكويس اوي إني عزمتك في بيتي النهاردة!

 

تركتها وغادرت بينما صُدمت الأخرى بشدة من تلك الإهانة الشديدة وهي لا تفهم ما الذي يحدث لكل ذلك، هي تعرف أن هناك الكثير من الأشياء قد حدثت بالفعل بينها وبين "عمر" ولكن أن يصل الأمر لمثل هذه الإهانة، هذا لن تقبل به على الإطلاق!

 

اتجهت سريعًا بتحفز شديد نحو "عُدي" وهي في أعلى قمم غضبها ولم تتعرض قط لمثل هذه المعاملة من شخصية كانت تظنها من أفضل الشخصيات التي تعاملت معها يومًا ولكن أن تقوم بإهانتها بمثل هذه الطريقة واقتربت منه لتتحدث بحنق هائل من بين صفي أسنانها:

-       عدي لو سمحت هتروحني ولا اكلم السواق واروح معاه؟

 

استغرب من سؤالها، هل هي مختلة؟ هي بالكاد ترى "يونس" ولطالما وافقت على أي دعوة من "روان" وكذلك "عمر" لتوه قد اعطى لها منزل بأكمله كهدية، هل هذه الفتاة مجنونة مثل أخيه؟

-       تروحي ايه! ما احنا هنرجع مع بعض يا بنتي زي ما جينا!

 

تعالت أنفاسها غضبًا ثم أخبرته بلهجة لا تحتمل النقاش:

-       أنا مش هاقعد هنا ثانية واحدة، لو سمحت عشان ميحصلش مشاكل مع بابا توصلني زي ما جبتني!

 

رفع حاجبيه باندهاش فسألها:

-       ممكن بس تفهميني ايه اللي حصل؟

 

فكرت لوهلة بالأمر وعيناها تحترق بالغضب كلما تذكرت تلك الكلمات المُزرية اللاذعة التي سمعتها وأدركت أنها لو بدأت في الحديث ستُسبب جدال هائل وهي ليست في حاجة لخسارة "يونس" ولا حتى افتعال مشاكل بينه وبين ابنة خالته فالموقف نفسه سيكون صعب أن يُصبح فجأة مضطر أن يدعم طرف من الأطراف، كما أن تلك اللطمة من "عمر" التي لم تنسها إلى اليوم قد تحدث من جديد على مرأى ومسمع من الجميع، ومجرد تخيل منظرها في وسط هذا الجمع وهو يتطاول عليها من أجل زوجته جعل عينيها تدمع قهرًا، فهي تعلم أن في النهاية لابد لها من أن تهرب بذكائها من أي مُشكلة وإلا لن يوجد هناك من سيحميها وكالعادة ستكون هي الوحيدة التي ليست لديها أحد للوقوف بجانبها!

 

-       من غير ما افهمك يا عدي، أنا لو مروحتنيش دلوقتي حالًا هتصرف أنا ويبقا ربنا يسهلها بقا مع بابا.

 

قلب عينيه بضيق وسألها مرة ثانية:

-       طيب هنقول إيه للناس اللي لسه مكملوش عشر دقايق دول، مش هيبقا كويس إنك تمشي أول ما خطيبك يجي.

 

سلطت نظرتها نحو الأرضية ثم امسكت بهاتفها وعقدت ذراعيها ثم نبهته من حالة الاستغراب الذي وقع بها وأخبرته وهي تشعر بالاختناق من الموقف وكأنها ليست مُرحب بها بالرغم من أنها ظنت أن اليوم سيكون واحد من تلك الأيام الجيدة في أيامها السوداء المتشابهة:

-       هقولهم اني تعبت أو طلع عندي كورس وأنا كنت ناسية، واتفضل لو سمحت شوف هتعمل ايه وعرفني!

 

زفر متعجبًا وهو ليس لديه المزيد من الأعصاب ليفقدها على محاولة معرفة ما الذي حدث لها فهي لا تريد التحدث فليكن!

-       ماشي، هاعرف بس عمر اننا ماشين وهنروح.. مش هاتيجي تسلمي عليهم معايا؟

 

اكتفت بأن تومأ بالإنكار له ليتركها ويغادر متأففًا ولكنها حاولت السيطرة على تلك المشاعر البغيضة التي تدفعها للبكاء، ذلك الشعور بالانكسار عندما تظن أن كل شيء بخير، وخصوصًا في العلاقات الإنسانية، فكل صورتها عن "روان" أنها امرأة جيدة لم تعاملها سوى بأفضل الطرق، وربما كانت تكن له الاعجاب والاحترام، لكن فجأة يتحول الشخص معك في المعاملة مائة وثمانين درجة، الموقف نفسه يجعلك تشعر كم أنت هين في أعين الآخرين، وبالنسبة لها لطالما كانت مهمشة لا أهمية لها.. وتلك الكلمات التي القتها على مسامعها منذ لحظات كانت جارحة للغاية لفتاة لا تملك الكثير من العلاقات بالفعل، وكانت دائمًا ما تحمل لها بقلبها المشاعر الإيجابية ولولا أخيها السخيف لكانت اقتربت منها كثيرًا!

 

لن يفهم أحد، لن يفهم ما معنى أن تطالب بالمساعدة في وقت حاجتك ويردك من أمامك خائبًا، ولن يفهم أحد معني أن تعاني الإهانة والضعف بل؛ والعجز الشديد حتى تتمنى أن تموت بدلًا من أن تحيا العذاب، لن يتخيل أحد ما معنى أن تصبح وجوه الجميع بيضاء بعقلك ورأسك وتتوقف مخيلتك عن العمل، ولن يستشعر أحدهم ألم الخوف والذعر إلا لو مر به حقًا، وكتفسير لما فعلته "روان" لم يكن سوى أمرين، الأول هو تلك النفسية التي انتهكت بليالٍ فقدت بها وعيها ودمائها مسممة وأدركت أنها من فعلت هذا بنفسها ولم يساعدها أحد فلهذا هي لا تكترث بالآخرين، والثاني هو تلك المرارة الانتقامية بداخلها أن تصبح نسخة أخرى منه وهي تعامل الجميع بنفس الطريقة دون أن تستثني منهم أحد، ربما الظالم كان مظلوم يومًا ما، مثله هو تمامًا!

 

-       عايزة تمشي ليه؟ إيه اللي حصل بينك وبين روان؟!

اكمل قراءة الرواية

الفصل السادس والعشرون

رواية كما يحلو لها

بقلم الكاتبة بتول طه

تابع قراءة الفصل