-->

قراءة رواية جديدة كما يحلو لها بتول طه - الفصل 26 عامية 2

      رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية كما يحلو لها

من قصص وروايات 

الكاتبة بتول طه

تابع قراءة الفصل السادس والعشرون

النسخة العامية

العودة للصفحة السابقة


 

-       عايزة تمشي ليه؟ إيه اللي حصل بينك وبين روان؟!

 

سألها "عمر" الذي رأى حديث كلتاهما ولكنه لم يستمع لشيء فنظرت له بتردد وقالت متلعثمة:

-       أنا بس عايزة امشي عشان عندي كورس وكنت ناسية معاده..

 

ابتسم بسخرية بعد أن رأى كذبها واضح على ملامحها وأدرك أنه لم يفقد هذه القدرة بعد ثم حاول أن يُكلمها بهدوء:

-       قوليلي ايه اللي حصل، انا شوفتكم وانتو بتتكلمو مع بعض، متخافيش مش هيحصل مشاكل عشان فاهم إن يونس وأخته وجوزها موجودين..

 

ارتبكت أكثر وأومأت له بالرفض وهي تُدرك أنها لا يُمكنها الثقة به:

-       مفيش حاجة صدقني، انا كنت بسلم عليها عادي!

 

التوت شفتاه بسخرية، من تلك النظرة التي رآها على ملامح "روان" فهم جيدًا أنها كانت توبخها، ربما هو لا يعرف أخته جيدًا ولكنه يستطيع فهم "روان" من مجرد نظرة واحدة.. وبالطبع تلك الإجابة من أخته لن يتقبلها وصمم على أن يعرف ما الذي يحدث!

-       لو مكانك هاحكي، ولو مكانك هيبقا عيب اوي تسيبي أهل خطيبك وتمشي وهم لسه جايين.. قولي يا عنود إيه اللي حصل!

--

جلس يعبث بطعامه بعد أن اجتمع كل الحاضرين على مائدة واحدة وأصبحت أصواتهم كضوضاء في خلفية ما يُفكر به، توقفت يده عن تحريك شوكته ولكن عقله لا يتوقف عن الصراخ به، إن لم يتدخل بشكل منطقي وحاسم فيما تفعله وفي مساعدتها على التخلص من تلك الأسباب التي تجعلها تتصرف هكذا ستُصبح امرأة أخرى يبغضها الجميع، وستنتهي بمفردها، وبعد تجربة هذا الأمر لسنوات وإدراك ما يعنيه الأمر، هو لا يريد لها ذلك!

 

كيف عليه أن يتحين الفرصة المناسبة؟ كيف عليه أن يُثبت لها بأنها لا تستحق أن تصبح هكذا؟ وكيف عليها أن يبث بها الطمأنينة بعد كل ما فعله بها؟ ستكون غبية لو تقبلت أي نوع من أنواع المساعدة منه، وسيكون كاذب وناقض لعهده لو استخدم معها الاجبار حتى ولو كان لمصلحتها، الأمر بات معقد بشكل يفوق التخيل، ليته مات قبل هذا، لماذا وضعه والده في هذه الورطة؟!

 

نهض فجأة ثم غادر الجميع دون قول كلمة واحدة وسيطر الشحوب على وجهه لتتساءل "يارا" هامسة:

-       فيه حاجة ولا ايه؟

 

هزت كتفيها بعدم اكتراث واكملت تناول طعامها ليفعل "يونس" هو الآخر حيث سأل "عنود" الجالسة بجانبه:

-       هو اخوكي دايمًا كده غريب، ايه اللي حصل خلاه يقوم؟

 

اجابته باقتضاب وهي تجلس رغمًا عنها بعد أن أقنعها "عمر" بأنه ليس من الصائب المغادرة وترك الجميع:

-       مش عارفة، تلاقيه اتضايق من حاجة.

 

ابتسم ثم همس لها لكي لا يستمع لهما أحد:

-       بقولك إيه أنا بصراحة لا بفهمه ولا بفهم روان ولولا إن كنت عارف إنك جاية أنا مكونتش جيت، روان بقت دراما كوين وأنا مبحبش النكد بصراحة.. بس هو متفهميش ايه اللي حصل بينهم وليه اتطلقو؟

 

تنهدت باستغراب من هذا السؤال الذي فكرت به كثيرًا بينما رأت "عدي" يستأذن من الجميع ويذهب تابعًا "عمر" لتجيبه باقتضاب:

-       مش عارفة بجد وأنا حكيتلك كذا مرة إني مبحبش اتدخل في حاجة تجيب وجع الدماغ

 

همهم بتفهم ثم عقب:

-       طيب حلو، أنا كمان كده، ومبحبش النكد خالص

 

هزت رأسها بينما ابتلعت ذلك الطعام بالإجبار فهي لا يسعها الانتظار حتى تغادر هذا المنزل بينما أخذ يعبث هو الآخر بطبقه ثم حدثها بنبرة خافتة:

-       بجد يعني الطبق حاس سبيا عنك وبيضحكلي..

 

رمقته بنظرة جانبية باستغراب ثم نظرت بطبقه لتجده كون بطعامه شكل لوجه مبتسم مما جعلها تبتسم على ما تراه ليضيف بزفرة:

-       اخيرًا ضحكة واحدة حلوة من ساعة ما جيت.. مش ناوية بقا تفهميني مالك من ساعة ما ابتدينا ناكل؟

 

نظرت له بارتباك واجابته بخفوت:

-       هبقا اكلمك في الموبايل واحكيلك!

--

-       فيه ايه يا عمر؟ قُمت ليه من على الأكل؟

 

سأله "عدي" بينما لم يقترب منه حيث ولى له ظهره ورآه يُدخن بشراهة وكأنه يلتهم ما بيده بدلًا من ذلك الطعام الذي غير رأيه فجأة تجاهه وترقب سماعه لإجابته بينما اجابه باقتضاب:

-       مفيش حاجة، امشي وسيبني ولو سألوك قولهم جاتله مكالمة مهمة.

 

اندهشت ملامحه وهو لا يفهم ما خلف كل ما يحدث فتعجب منه:

-       ثانية واحدة، أنت اللي عامل العزومة دي، وأنت صاحب الفكرة، لما أنت مشغول ومش جاهز للموضوع كله عملته ليه؟

 

كل ما فكر به هو أن يلتفت نحوه ويصرخ به، هو ليس صاحب الفكرة، ولم يُرد أي من هذا الهراء الذي يحدث، وآخر ما يود التفكير به هو رؤية أناس والتظاهر أمامهم أن كل شيء بخير، هو لديه آلاف من الأفكار التي تسيطر على عقله أهم بكثير من تناول الغداء مع جمع غفير لا يكترث له على الاطلاق!

 

-       عُدي لآخر مرة بقولك امشي وسيبني شوية وأنا هاجي وراك!

 

هو يعرف مليًا أن هي السبب خلف كل ما يحدث، وأنها بالطبع بادرت وأخبرت الجميع أنه من يريد ذلك، ولثقته بها صدق في البداية أن الأمر مجرد حدث طبيعي، وقد يحسن هذا من صورتهما قليلًا خصوصًا لو وصل الأمر لوالده، ولكن أن ينظر له الجميع بهذه النظرة وكأنه رجل لا يفهم ما يفعله، والأسوأ أنه يظهر بمظهر الغبي الذي لا يستطيع فعل أي شيء ولا حتى تبادل كلمة مع أحد..

 

بالرغم من كل ما يجري، لو بمجرد قوله كلمة واحدة وتحدث عن الأمر وأن هي من فعلت كل ذلك سيبدأ كلاهما بتبادل الإشارة بأصابع الاتهام لبعضهما البعض، بالإضافة إلى نظرة كل فرد قد تمت دعوته اليوم إليها، وبعدها قد يحدث كارثة الاعتراف أمام الجميع، ويُدرك حقيقة واحدة ليس هناك غيرها، هو المُذنب بعد كل شيء.. وفي نفس الوقت لن يتحمل أن يصيبها أحد بكلمة عابرة تصيبها بالإزعاج، يكفي ما لاقته وحده على يد والده، ويكفيها تحولًا لامرأة أخرى لم يعد يعرف من هي!

 

-       أنا زهقت من أسلوبك ده بجد بعد كل حاجة بتحصل، أنا مبقتش فاهم أنت ليه بتعمل كل ده!

 

شعر بتثاقل هذا العبء على صدـ ـدره وكأنه يختنق بفعل كل من حوله وبكل الأحداث التي تتلاحق في توالي عجيب، لم يعد يحتمل، وآخر ما يُفكر به هو تفسير حرف واحد لأخيه الذي لن يكترث بمجرد مغادرته لهذا المنزل!

 

التفت له بعد أن نبهته كلماته من تفكيره وقرر أن يجرب لأول مرة أن يتعامل بطريقة مختلفة معه لعل الأمر يكون أفضل، فتلك النصائح التي يستمع لها بنفس الروتين الممل في جلساته مع "مريم" لابد من أن يكون لها تأثير في شيء ما:

-       هفهمك كل حاجة، بس مش دلوقتي، مش هلحق احكيلك ونسيب الناس برا، عشر دقايق وهرجعلك!

 

أومأ له باقتضاب ثم توجه للخارج وغرق هو في تفكيره من جديد، لابد له من مناقشة جادة بصحبتها، ولابد له من تحمل اليوم بما فيه إلى أن يذهب الجميع، لم يعد هناك حل سوى ذلك، بالرغم من أنه لا يفقه بأي شكل من الأشكال كيف سيحصل على لحظة واحدة قد تصدقه بها، أو حتى تنفذ ما يُريده، هو لا يملك الشجاعة بطلب أمر منها، هو لا يعرف كيف يرفع عينه بملامحها، فكيف عليه أن يقنعها بأن تكون أفضل من هذه النسخة التي أصبحت عليها بفعل يده؟!

--

مساءًا في نفس اليوم..

 ودعت كلًا من والدتها وأخيها بعد أن ذهب الجميع، ولأول مرة تم الأمر بود على النقيض من كل تلك الأيام الماضية، لاحظ كلاهما كيف كانت أفضل اليوم، ولكن ما لا يعرفاه هي تلك الرسائل المُبطنة بمعاني أخرى التي استمرت في توجيهها طوال الساعات الماضية، ولم يفهمها سوى "عمر" الذي كان يحاول التحمل والسيطرة على نفسه لكي لا يفقد أعصابه أمام الجميع!

 

تابعتهما بعسليتيها وهما يغادران بتلك السيارة وكل ما أرادته هو الصراخ بهما بأن يبقيان معها، لا تريد لهما الذهاب، لا هما ولا أي شخص كان يتواجد منذ قليل، تُدرك بقرارة نفسها أنها باتت مذعورة من فكرة تواجدها معه، حتى ولو يبعد بينما بعض الجدران وعدة رجال من أمن وحراسة يتقاضون مبلغ قليل شهريًا أقل بكثير مما تنفقه في مجرد حقيبة لا ترتديها سوى كل فترة مرة!

 

حاولت السيطرة على ذلك الاختناق الذي أصابها برغبة في البُكاء، والتفتت لتدخل المنزل مرة ثانية لتشعر بأنها تسوق نفسها بنفسها للجحيم المستعر الذي لن يتركها وشأنها إلا وهي تبكي على كل لحظة تتذكرها بهذا المنزل..

 

لم تكترث لتواجده بالقرب منها واستمرت في أخذ خطواتها ليوقفها متكلمًا بهدوء:

-       ممكن تستني، محتاج أتكلم معاكي!

 

حديث، كلمات، شتات، تذكير بماضي لا تنساه ولا تستطيع الفرار منه، برود، استفزاز، استهانة بمشاعرها، لا وألف لا، هي ليست مستعدة لذلك!

 

لم تلتفت له ولكنها توقفت لتقول:

-       اليوم كان طويل وتعبانة وعايزة أنام وكمان ورايا شغل عايزة أخلصه.. ومظنش اصلًا إن فيه حاجة نتكلم فيها!

 

أوقفها قبل أن تتحرك قدمها بأخذ خطوة جديدة نحو الداخل ولكنه انتقى كلماته:

-       ممكن ادخل معاكي وتسيبي الباب مفتوح، لو عايزة حتى تندهي ناس اكتر تكون برا يكون كده أحسن؟

 

نظرت لهاتفها بين يديها وفكرت لوهلة دون أن تنظر له وحاولت السيطرة على خوفها اللعين، لتطرأ لها فكرة جيدة للغاية، حسنًا لو كان يُريد هذا، على كل حال لقد قررت أن تجعل حياته جحيم ولا تريد رؤيته سوى مُعذب دائمًا!

 

التفتت نحوه فوجدته كعادته مؤخرًا لا ينظر لها وابتعدت خطوتان للجانب ثم أخبرته:

-       ادخل واستناني..

 

اتخذ خطواته نحو الداخل لتبتسم بتشفي على ما سيحدث بهذه الليلة بينما اقتربت من رجل من رجال الأمن وهي تناوله هاتفها:

-       اكتب رقمك هنا..

 

طبع ارقامه بينما قامت هي بحفظ الرقم ثم حدثته بعجرفة:

-       الباب ده متتنقلش من قدامه الليلادي، لو كلمتك ادخل على طول وهات تلاتة كمان معاك، وأنا هاسيب الباب مفتوح!

-       حاضر يا مدام.

 

دخلت وهي تحاول التماسك قدر الإمكان بالرغم من ضربات قلبها المتصاعدة، لا شيء يجعلها تتحمل سوى تذكر ملامحه طوال اليوم، وهو يبدو كالمشتت التائه بين الجميع بعد أن جعلته يبدو بمظهر المغفل..

 

-       استنى شوية وهاجي.. ويا ريت متفكرش تطلع فوق..

 

تحدثت بكلماتها وهي تتجه للأعلى، قد تبدو أنها تتحدث بعجرفة وهي تلقي بأوامرها ولكنها في الحقيقة كانت تموت رعبًا في الثانية ألف مرة..

 

ضيقت من مسكتها على هاتفها ودلفت الغرفة سريعًا ثم اغلقتها وتأكدت أنه لن يستطيع الولوج سوى بكسر هذا القفل وولجت للكاميرات المعلقة بأنحاء المنزل لتجده جالس بجانب الباب لتزفر بارتباك ولاح بعقلها تلك الفكرة الرائعة التي ستجعله يحترق أمام عينيها..

--

 بعد مرور ساعة ونصف..

 

جففت تلك المياه المتبقية على جـ ـسدها ثم أخذت تدق في الهاتف ورغمًا عنها ابتسمت، هل حقًا يقوم بترتيب المنزل ويقوم بتنظيفه، يا له من مهووس.. أو ربما لا يريد أن يأتي أحد فجأة ويعرف أن "عمر الجندي" طفل صغير يُفسد ترتيب المنزل.

 

نظرت لنفسها بالمرآة وتفقدت خصلاتها التي لم تبتل واصلحت من زينتها التي تعرف تمامًا كيف تضعها بالمقدار المناسب لتبرز حُسنها جيدًا بتلك الألوان الهادئة ثم اتجهت لتتناول رداء نوم انثوي غير فاضح، وفي نفس الوقت يجعل من ينظر لها مصابًا بالتشتت، اللون الذهبي الهادئ، كما يُشتته تمامًا.. وعا ر الظهر، كما أجبرها أن ترتديه يومًا ما، كما أن هناك تلك الساق الرائعة المكشوفة ولن تظهر سوى بجلوسها أمامه.. ولو فكر بالاقتراب، مجرد التفكير سيدخل هؤلاء الرجال وسيمسكون به وهو يتعرض لها، وسيراها الجميع هكذا، والاختيار له في النهاية!

 

نظرت بشاشة الهاتف من جديد لتجده منهمك فيما يفعله لتتوسع ابتسامتها المتهكمة بينما اتجهت لتقترب من المرآة بعد أن ارتدت الثوب وعدلت من ذلك اللون الذي يصبغ شفتيها بلون طبيعي تمامًا يقارب لون الشفتان الطبيعي وحاولت استلهام الهدوء وهي تتنفس بانتظام ورتبت شعرها الذي اكتسب طولًا لتنسدل موجاته على ظهرها وكتفيها وامسكت بالهاتف لتجد أن الساعة قد عبرت منتصف الليل وجعلت رقم هذا الرجل أول ما قد تجده بمجرد ولوجها للهاتف ثم اتجهت للأسفل..

 

لم تُمسك سوى بهاتفها وبمجرد وقوفها بمنتصف الدرج نادته:

-       عمر!

 

استمع لصوتها فاتجه نحو مصدر الصوت وظل يثبت نظره على احدى الجدران وهو يفكر بتلك الكلمات التي جهزها بداخل رأسه طوال الأمسية وقبل أن ينطق بحرف سألته بعجرفة:

-       عايز ايه؟

 

حاول كظم غيظه من تلك النبرة التي سمعها وأجابها:

-       مظنش هنفضل نتكلم واحنا واقفين كده، ممكن تقعدي، فيه حاجات كتير هنتكلم فيها..

 

التوت شفتيها بسخرية على قوله ثم حدثته بلهجة آمرة:

-       لما اكلمك تبُصلي، ولا نسيت إن ده كان أسلوبك!

 

أغمض عينيه لجزء من الثانية وهو يطلق زفيرًا نافذ الصبر من تصرفاتها ورفع عينه نحوها بغضب ليلعن نفسه على الوقوع بعشق امرأة بهذا الحُسن!

 

كانت تكفيها تلك النظرة بمقلتيه، هذه النظرة التي تجعلها تشعر بأنها المرأة الوحيدة في الكون وسائر النساء لا يرتقين لحُسنها، هذه هي النظرة التي كانت تتلعثم أمامها ولا تدري كيف ترد على كلماته أيًا كان ما يقوله من ترهاته وهو يتغزل بها.

 

-       روح اقعد بس جنب الباب، أنت عارف أكتر من أي حد إن ملكش أمان!

 

ازادت من قبضتها على هاتفها بينما رأته يبتلع، لم يفعلها على الفور، ظل يتابعها باشتياق لو كانت تستطيع تفسير نظراته وملامحه إلى الآن، أو لو كان صادق فيما يشعر به تجاهها!

 

قرر أن يتجنب هذه التخيلات التي اكتظت برأسه تجاه ما يراه، لقد بقي منتظرًا كل هذا من أجل مجرد حوار بسيط ليكون اتفاق فيما بينهما، لن تضيف تلك الرغبة التي انفجرت به فجأة أي منهما على الاطلاق!

 

ذهب ليجلس على اقرب مقعد بجانب الباب وتحاشى النظر إليها بينما توجهت هي إلى حيث بقيت تلك الزجاجات منذ ليلة أمس وتناولت زجاجة منها واتجهت بعدها لتسكب منها القليل بإحدى الأكواب ثم سألته وهي لا تتذكر سوى سخريته منها بالسابق لأنها تلك الفتاة التي لا تتجرأ على فعل أمر جامح وسألته بصوت مرتفع لكي يصل إليه سؤالها:

-       تشرب؟

 

اجابها دون تضيع المزيد من وقته في كل ما تفعله وقال:

-       لا شكرًا..

 

ابتسمت بتشفي ثم وضعت قطعتين من الثلج وتوجهت لتجلس أمامه مباشرة ووضعت ساق فوق الأخرى وتحدثت له بثقة اجبرتها بالرغم من كل تلك المخاوف التي تشعر بها بداخلها:

-       أنت عارف إن الباب مفتوح، ولو بس عليت صوتي أو اتصلت بحد هيجو هنا جري.. قول عايز ايه بس متفكرش تقوم من على كُرسيك!

 

تقوم بتهديده، هذا جيد للغاية، وكأنه لا يستطيع التصرف في هؤلاء الرجال في لمح البصر!

-       وللمرة المليون لما اكلمك تبُصلي..

 

أطبق أسنانه كمحاولة أخيرة لكظم غضبه لتقوم بتغير وضع الهاتف بأن لا يقفل شاشته أبدًا وعدت رقم هذا الرجل ثم وضعت الهاتف بجانبها وارتشفت من كأسها ونظرت له بعسليتين متشفيتين وهمهمت له لتسأله للمرة الأخيرة:

-       قول، عايز ايه؟

 

شعر بأنه مشتت للغاية برؤيته لها ولملامحها ولكل تلك الفتنة التي يراها منها ليُدرك أن ليس هناك ما تغير تجاه تلك الرغبة التي تتقد به تلقائيًا كلما رآها ولكنه حاول السيطرة على الأمر وبدأ في كلماته:

-       اللي حصل النهاردة ده، أنا فاهم إن أنا السبب في كل حاجة، بس عنود ملهاش ذنب، ومكنش أبدًا ليه أي لازمة إنك تخليني اجيب اكل الناس مش بتحبه، والبيت اللي اول مرة في حياتي اشوفه كده، لو شايفة إن دي الطريقة الصح في إنك تاخدي حقك مني أنا معنديش مُشكلة، بس مفتكرش إن أي حاجة حصلت بيني وبينك كانت قدام حد غيري أنا وانتي، عمر ما دخلت حد ما بينا، وكل اللي اتفقنا عليه هو مجرد وقت لغاية ما نلاقي حل ونتطلق

 

كان عليه السكوت عندما تحولت ابتسامتها من صغير لأخرى توسعت حتى كادت أن تدوي حولهما وهو يرى أنها لا تأخذه على محمل الجد على الإطلاق ليُردف سائلًا:

-       أنتِ شايفة إني بهزر في كلامي؟

 

ارتشفت القليل وهمهمت بالإنكار ثم ردت باقتضاب:

-       لا طبعًا، أنت أصلًا مبتعرفش تهزر!

 

زفر بنفاذ صبر وهو يشعر بغضبه يزداد على طريقتها التي لا يبدو أنها ستتغير أبدًا ليجدها تنهض فجأة وهي تُمسك بهاتفها بين يديها لتقول ببرود:

-       يعني أنت عايزني اتصرف على مزاجك وأنا باخد حقي منك ومدخلش ما بينا حد، أو من الآخر يعني مستعد تتهان وتتهزأ زي ما كان بيتعمل فيا بس لوحدنا.. تمام!

 

لقد تعلمت منه الكثير، والذي لم يتعلم من تجربة صعبة سيكون غبي، ولقد كانت غبية بعدم تعلمها من الكثير مما حدث بينهما، ولكن ليس هذه المرة!

 

تعالت أنفاسه الغاضبة على سماعه لتلك الكلمات منها، إهانة، هل هذا ما تريد أن تفعله؟ مجرد إهانة، هل هذا كل شيء حقًا؟ أهكذا ستشعر بأنها أفضل؟! لحظة واحدة، لماذا لا يقوم باختطافها ليُذكرها بمن هو؟! يبد أنها نسيت!

 

-       طيب أنا عندي فكرة حلوة اوي..

 

قالت جملتها وهي تتجوه نحو المطبخ وتابعها وهو لا يفهم ما الذي تفعله بينما امسكت بهاتفها وأخذت تقوم بالتفتيش عن شيء ما إلى أن امسكت ببعض العبوات وقامت بسكبها أرضًا ليدرك أن هذه حبيبات من الرز النيء وشيئًا فشيئًا أدرك ما تفعله تمامًا ولكنه رفض تصديق الأمر ليجدها عادت لتجلس أمامه بنفس جلستها السابقة ثم نظرت لملامحه المصدومة وهي تقول بملامح ساخرة وكأنها تتصنع الجدية:

-       أوعدك إن مفيش حاجة هتحصل تاني زي النهاردة، ولا حتى هسهر برا لوش الفجر، وهنخرج سوا ونرجع سوا قدام الناس، وهاقنع الكل إننا كويسن لو..

 

تريثت لبرهة ثم ابتسمت بتشفي وتنهدت وهي تتابعه باستمتاع لتتابع:

-       لو قومت، وقلـ ـ عت، ونزلت على رُكبك، وتمشي لغاية هناك وترجع تاني على الطريق اللي أنا رسمته ده!

 

اتسعت ابتسامتها في النهاية وهي تتذكر أن هذا كان من المرات الأولى التي يُعاقبها بها هنا في هذا المنزل لتضيف بسخرية وهي ترفع الكوب إليها:

-       كان نفسي أطلعك الأوضة فوق بس تقريبًا أنت عملت renovation (تجديد) غير كل حاجة فيها!

 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه من رواية كما يحلو لها، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة