رواية - كما يحلو لي - نسخة حصرية (النسخة القديمة) - الفصل الثاني والأربعون
رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه
حصريًا لمدونة رواية وحكاية
هذه الرواية لا تتحدث عن السا دية والترويج لها أو الغرض منها مناقشة اضطراب السا دية.
بينما تتحدث عن علاقة أحد أطرافها سا دي والطرف الآخر يرفض هذا بكل كبرياء بل ولم يتعود على أن يتحكم به أحد.
فيا تُرى كيف سيستمر كل منهما مع الآخر؟
تصنيف الرواية
روايات رومانسية، رومانسيه، حب، اجتماعية، دراما، قصة، خيالية، قصص رومانسية، روايات للكبار
حوار الرواية
حوار باللغة العربية الفصحى، لهجة فصحى
حصريًا لمدونة رواية وحكاية
❈-❈-❈
الفصل الثاني والأربعون
في صباح اليوم
التالي...
تفقد مظهره
بالمرآة وهو يرتدي ملابس غير رسمية مناسبة لزيارة أفراد عائلته اليوم، بداخله يميل
أنه قد قرر قرارا سيئا بالفعل لموافقة "روان" على ذهابهما ولكنه لا يريد
أن يُثير المزيد من الشكوك...
على غير هدى
ظن أنه يسير نحو الأفضل معها، هو لا يريد أن يخسر هذه المرأة بكل ما يشعر به تجاهها،
وبنفس الوقت لا يريد أن يخسر ذلك البناء الذي شيده لسنواتٍ كثيرة من رسم صورة معينة
لنفسه بأعين الجميع... على كلٍّ كان هذا سيحدث عاجلًا أم آجلًا، الواقعية كان لا بد
لها من التدخل بين طيات الماضي الذي يعيش به!
خلل خصلات
شعره التي لم تتعد أي منها طول سبابته ومنذ أمس تتكرر كلمات عدة برأسه، كلمات ظن أنه
لن يكون عليه أن ينتبه إليها ولا يكترث لها، وعلى الرغم من محاولاته أن يُشغل عقله
عنها لا يزال صدى صوت القادة الذين يأمرونه بتقصير شعره لا يزال يرن بأذنيه وكأنهم
لتوهم أخبروه بكل أحكامهم ليلة أمس وليس من سنواتٍ كثيرة مضت!
بحركة تلقائية
رفع خصلاته وثبتها بِوَاحِد من المستحضرات لتبدو أقصر وهو يوقف صوت القادة الهادر برأسه
حتى انزعج من رؤية ملامحه بالمرآة ففر إلى الخارج ليوقظها بعد أن يصنع لها الطعام ويطمئن
عليها بعد الكثير من العلاقة الحميمة التي لا بد من أنها أنهكتها، وكأن حالها يُحتم
عليه أن يتيقن بأن تكون بأفضل صحة أولًا...
وضع الطعام
جانبًا ثم توجه إليها متلمسًا وجنتها بأنامله برفق لتشعر هي بلمساته الدافئة لتهمهم
بنعاس وبمجرد حصوله على عسليتيها لاقاها بابتسامة رائقة للغاية:
- صباح الخير
صغيرتي الفاتنة
توسعت عينيها
بفزع لملامحه التي بدت غريبة عليها ونهضت متكئة على يديها وهي تُحدق به بنعاس
وسألته:
- لماذا تبدو
هكذا؟ ما الذي فعلته بمظهرك؟
تنهد ناظرًا
لها ثم أجابها مُخفيًا الحقيقة:
- لقد سئمت
الشعر الطويل، نوع من التغيير ليس إلا...
أحضر الطعام
ليُقربه إليها ثم تحدث بنبرة آمرة دون أن يُبالغ:
- تناولي فطورك،
واغتسلي واستعدي للذهاب
حمحمت وقد
اطمأنت قليلًا بعد ظنه رجلا آخرا تمامًا غير الذي تزوجته بملامحه تلك التي لا تُذكرها
سوى بالمحامي المتعجرف الذي لاقته بالسابق والآخر السادي المُخيف والثالث الذي يكد
بعمله ثم تساءلت بعفوية:
- إلى أين
سنذهب والوقت لا يزال باكرًا؟
حدق بالنافذة
التي فتحها للتو ليسمح بدخول بعض الهواء وأجابها دون أن ينظر نحوها بنبرة فارغة من
المشاعر بينما بعقله يعلم مدى انضباط من بهذا المنزل واستيقاظهم المُبكر الذي لا يفلته
أي منهم:
- سنذهب لمنزل
والداي كما اتفقنا... كما أن الوقت ليس باكرًا، لقد أنهى والداي فطورهما للتو
الآن استعادت
ذاكرتها من تشويش اَلنُّعَاس ثم تفقدته لتجده هادئا كثيرًا على غير المُعتاد لتتنهد
وبداخل عقلها تتساءل متى سيُكف عن إرهاقها بتصرفاته الغريبة؟
❈-❈-❈
لن يُشتتها
بمزاجه الرائق المستمر، ولا بملامحه التي تبدو جذابة بكل الطرق الممكنة، ولا لطفه وتغزله
بها وابتساماته أمام عائلته لها، هي تريد الآن أن تصل لكل الأسباب، أن تقترب أكثر،
تدنو إلى الأعماق كما كان يتوجب عليها فعله منذ البداية، على الأقل في فترة الخطبة
بينهما... اليوم تُدرك فداحة خطئها بأنها أضاعت الكثير من الوقت والإشارات التي لو
كانت انتبهت لها كتحكمه وغموضه وتسلطه وعجرفته لكانت اليوم بعيدة كل البُعد عن هذا
السبيل الذي يعج بالغموض والافتراضات...
بادلته الابتسامة
أسفل أعين أُسرته وجميعهم يتناولون الطعام ووالده تركهم منشغلًا بحديث هاتفي، ومن الواضح
أن "عُدي" لا يزال متأثرًا ببعض النوم على الرغم من أنهم يتناولون الإفطار
بالفعل ولكنه كان غائبًا عن مائدتهم، وهي تتمنى لو تنفرد بوالدته قليلًا كي تسألها
أو على الأقل تحاول معرفة الكثير عنه خلالها دون أن يستمع لها... فبعد معرفة زوجها
لن تكون غبية بالإفصاح عما تريد أن تصل له... وهي تقسم أنها لن تترك هذا المنزل دون
إجابات كثيرة ومعرفة من هو ذلك الشخص بتقلباته وهل هناك من يُشابهه أم لا!
- لم أتخيل أن عمر سيكون متزوجاً يوماً
ما... اعتقدت أنه متزوج بعمله فقط
تكلمت "عنود"
أخته بدهشة ثم تناولت بعض الطعام وابتلعت ثم واصلت كلماتها:
- ولكن أستطيع أن أرى أن هناك من استحوذ على
وقته بأكمله حتى لا يرانا لأشهر
غمزت مازحة
لتطلع لوران لتبتسم لها في المقابل مبادلة إياها لتنهاها والدتها قائلة:
- عنود كفي
عن المزاح مع أخيكِ، روان فتاة رائعة كما أنني سعيدة بسعادتهما معاً...
انتهت والدته
للتو من حديثها بينما سمعا صوتاً رجوليا ينضم لهما:
- أتفق معك بأنها فتاة رائعة...
تحدث "عُدي"
أخيرًا بعد أن لاحظت أن ملامحه بدأت في استعادة وعيه قليلًا وترك آثار اَلنُّعَاس جانبًا
لينضم لمائدتهم ثم اقترب من "روان" وقبل يدها بنبل ولطافة ولكن الطريقة نفسها
استفزت "عمر" ليشعر بالغضب ينفجر بعروقه وحدثها قائلًا:
- مرحباً زوجة أخي...
ابتسم لها لتتورد من تصرفه وكأنه يبدو
كرجل من زمن عتيق ثم جذبت يدها وبادلته الابتسامة باقتضاب وتحدثت له سائلة
بعفوية:
- عدي... كيف حالك؟
لاحظ أبوهما انزعاج "عمر"
من على مسافة ومبالغة "عدي" في التصرف الذي يُعهد عنه بما أنه زير نساء
مخضرم بينما أجاب تساؤلاها الذي وجهته له بابتسامة متلاعبة:
- بخير بعد أن رأيت أخي وزوجته...
توقف لبُرهة ونظر لأخيه ثم سأله بنبرة
أقل حماسًا:
- كيف حالك عمر؟
أومأ له في صمت واتضح على ملامحه
الانزعاج الشديد، واختار ألا يتحدث معه لأنه تأكد لو تحدثا الآن سيكون شجارًا مروعًا
ولم يرد أن ترى "روان" أمرا كهذا بأول زيارة لهما!.
جلس عدي بجانب عنود وطلب صحناً له وشرع
في تناول الطعام معهما وبين الحين والآخر يتطلع لوران برغبة افتعلها بسهولة وآتت نظراته
مُغازلة إياها ليسحق عمر أسنانه ويزداد غضبه وبالكاد سيطر على نفسه من شدة استفزاز
أخيه له...
تابع والده ما يحدث حوله وقرر أن
يُخفف قليلًا من هذا التصادم الشديد بين كل من عمر وعدي وقال:
- كم أنا محظوظ لأحظى بهذا اليوم وأنتم مجتمعون حولي هكذا
تعجبت "روان" والتفتت نحو
والده عندما استمعت لقوله وتساءلت بعفوية شديدة:
- ألم تجتمعوا من قبل وتناولتم الطعام معاً كعائلة سَوِيًّا؟
هز كتفيه بعفوية وتريث لبرهة قبل أن
يُجيبها وكأنه بات يتذكر الكثير من التفاصيل التي مرت على هذه العائلة:
- لم تكن تتوافق أوقاتنا، فأنا دائماً بالعمل وعمر مثلي دائم الانشغال
بقضاياه وأعماله الأخرى، عدي يأتي نادراً للمنزل فوقته مقسما بين عمله وسفره وأصدقائه...
يا لها من صدفة حتى يأتي اليوم ويمكث معنا... وعنود كذلك بين الجامعة وبين أصدقائها...
نحن بالكاد نجتمع...
أخبرها مُضيفًا ابتسامة أنهى بها حديثه
لتشعر بتغير نبرة أبيه عندما تحدث عن عدي عكس عمر، بينما امتازت نبرته بالعفوية وهو
يتحدث عن ابنته، لتلاحظ أن نبرته امتلأت بالفخر به وكما أنه قال مثلي وكأن هذه وحدها
جائزة من نوع ما أو صفة محمودة... فتعجبت روان له لماذا لا يتحدث عن "عدي"
و "عنود" بنفس الطريقة ولكنها بادلته الابتسامة باحترام ولباقة!!
- صدفة جيدة للغاية أن أكون متواجدًا اليوم ونجتمع سَوِيًّا...
تحدث عدي مبتسمًا بخبث وأكمل تناول
طعامه بينما لم تتوقف تحديقاته لروان وكاد عمر أن يلكمه أمام الجميع متخيلًا إدماء
وجهه ولكنه تحلى بالسيطرة وحاول استلهام البرود والصبر عكس تلك النيران التي تستعر
بداخله...
- لقد انتهيت وسأذهب للخارج قليلاً
تحدث عمر بجمود معلن لتشعر به"
روان "فتابعته بنظرها حتى غادر وتعجب لملامحه المُختلفة التي ناقضت لطفه
وهدوءه معها منذ الصباح وبالطبع اختلفت اختلافا شاسعا عن ملامح ذلك الرجل الذي رأته
طوال يوم أمس معها!!
- هكذا هو سوداوي المزاج... لا يعرف المزاح لعقله سبيلًا ولطالما أخذ
الأمور بجدية مبالغ بها!!
ضحك" عدي "بعد تعقيبه على
مغادرة أخيه المفاجئة بينما لاحظ أبوه استفزازه للأمر وهو كذلك يتحدث أمام زوجته
التي لأول مرة تقوم بزيارتهم بينما تحدثت" عنود "بزجر:
- اتركه كما شاء عُدي... دع الأمر يمر دون جدال بينكما!
رد أخوها عليها بمنتهى البرود وهو يُكمل
تناول طعامه:
- دائماً ما تدافعين عنه... أتعلمين كمحامية له وأنا لا أعلم؟ أم قررت
فجأة تغيير تخصصك؟
تابعته والدته بزجرٍ من عينيها وحذرته
بجدية:
- كف عن إثارة المُشكلات، عدي!!
رفع يديه باستسلام وأضاف بنبرة هادئة:
- أنا فقط أتساءل ليس إلا!
تناول الجميع الطعام ولم يكف عدي
عن المزاح بهذه السخافة لتبدأ روان بالتأكد من أن عدي وعمر لم يتوافقا وكأن بينهما
عداوة خاصة من نوع ما، كما أن والده يفخر بعمر كثيراً عكس عدي، وعنود أخته أيضاً تبدو
في صف عُمر بينما أمهما كانت لا تفرق بين الجميع فهي لطيفة مع أولادها دون انحياز لجانب
مُعين...
جلس الجميع سوياً يتناولون القهوة
بغرفة الجلوس وانضم لهم عُمر وأتى والده رأت والده يقترب منهم جميعًا ليزداد احتباس
أنفاسها بداخلها فهي كلما أمعنت النظر به تتشتت أكثر من ملامحهما المتشابهة، بنظراتهما
الثاقبة المتماثلة، وحتى بعض الحركات العفوية بتحركهما إلا أن هذا الرجل يجعلها
تشعر بالارتباك واحتباس أنفاسها بطريقة عفوية دون تحكم منه وكأن به شيئًا يجعله يفرض
سيطرته على الجميع لتُقارن من جديد بينه وبين" عمر "لتجد مدى تقاربهما ثم
انتبهت من تفكيرها عندما سألها أمام الجميع مباغتها بتوجيه الحديث إليها بينما انشغل
الجميع بالحديث الجانبي:
- كيف يُعاملك عمر؟
ابتسمت له بلباقة وقفت في المنتصف
بين اللباقة والرسمية كما هي عادتها مع العملاء:
- بأحسن طريقة ممكنة.
أصر أن تجلس
روان بالقرب منه ولا يزال عدي يحدق بها بجرأة وإعجاب لم يرق أي منهما لعمر وفقط أراد
أن ينتهي هذا اليوم على خير دون أن يقتلع عينيه بيديه قبل مغادرة الجميع...
أومأ لها بطريقة
غريبة للغاية لم تفهمها ولم تعرف ما الذي يقصده من هذه الإيماءة لتتعجب لها بينما
ارتاب "عمر" من حركته تلك، فوالده لا يفعلها إلا عندما يتهكم بداخله على
شيء وما جعله يرتبك أكثر هو سؤاله الذي تفوه به بلطفٍ ناطقًا إياه بين ابتسامة
رسمية:
- هل تمانعين
أن تنضمي لي لبعض الوقت؟
بادلته بنفس
الابتسامة التي تلقتها منه وأجابته لينضم كلاهما للنهوض:
- لا مانع لدي
على الإطلاق...
نهض وقدم ساعده
لها لتعانقه يداها وهو يبتسم إليها بود ثم أوشك كلاهما على الابتعاد ليُعلن
والده:
- والآن دعوني مع زوجة ابني قليلًا...
ابتسمت هي وتبعته
حتى جلسا بغرفة مكتبه ولكنها تشعر وكأنما وراء كل هذا شيئًا ما فهذه تُعتبر المرة الأولى
لانفرادهما بمفرديهما وشرع هو في الحديث لتنصت له باهتمام:
- كنت أظن أن عمر بتحكمه اللاذع لن يجد فتاة لتتحمله
ولكنك أدهشتِني حَقًّا روان... كيف تتحملينه؟ ألا يُمثل لكِ هذا مشكلة؟
تفحصها والده
بعناية وفراسة لتعلم أن "عمر" عندما أخبرها يومًا ما أنه يُشابه أباه لم
يكذب عليها، كما تأكدت أن والده يريد أن يصل لمعرفة شيئًا عنه من خلالها وازداد توجسها
بداخلها واندفعت عدم الراحة لتغزو دمائها كالجراد ولكنها حاولت التماسك أمامه
وأجابته:
- ليس هناك مشاكل... صدقني نحن بأفضل حال، وتحكمه
هذا شيء مألوف... رجل محامي مثله، هو سيد عمله، أستطيع تفهم هذا جيدًا أم نسيت أنني
أدير أعمال أسرتي بنفسي...
أجابته بابتسامة
عملية لتوصل له أنها لن تبوح بشيء بينما تأكد هو أنها تُخفي الكثير، فهذا ليس الذي
ينتظره منها، ولا من ابنه نفسه ولقد لاحظ مَلِيًّا أن هناك نوعًا من التحدي بنبرتها
فتكلم وكأنما يتجاذب أطراف الحديث:
- لقد ورث مني
العديد من الصفات، شخصيته مماثلة لشخصيتي كثيرًا في السيطرة والتحكم، لن تستطيع أي
امرأة التعامل معنا بسهولة، لذا أتأكد الآن من مدى ذكائك للتعامل معه والاستمرار هكذا
دون عقبات... هنيئًا لكما
أنهى جدية حديثه
بابتسامة لم تلمس عينيه لتتأكد أنه يعرف الكثير عنه وربما أكثر من والدته لتُفكر أن
بحديثها معه قد تتوصل لما أتت لأجله فتكلمت قائلة:
- أرى أنك بزواجك
على أفضل حال أيضًا... بل هو زواج ناجح للغاية، لديك رجلين تفتخر بهما، ابنة قد يحسدك
الجميع عليها، وزوجة رائعة... كما أرى أنك حنونًا مع الجميع ورجلا ذكيا ومحترما، يكفي
فقط سمعتك ومشوار نجاحك وأي...
قاطعها بزفرة
ضاحكة احتوى خلفها ملامحه الساخرة:
- أنتِ
مُحقة
تعجبت لإجابته
التي تعج بالثقة بالنفس أو ربما ازداد الأمر ليتحول لنوعٍ من الزهو والتفاخر لتجده
يواصل كلامه:
- لم تعرفيني
من قبل... لنقل إن تقدم العمر والشعور بالمسؤولية غيرني كثيرًا، ولكن لا يزال الطبع
يتحكم بالإنسان، مثلاً لقد فرضت على عمر الكثير منذ أن كان صغيراً بغرض الحماية وأن
يُصبح رجلاً جاداً لأراه يتحول أمام عيني لشخصية عدوانية حتى منذ أن كان صغيراً، لذا
اتبعت نهجاً مخالفاً مع عدي وعنود ونوعاً ما شخصيتيهما مختلفتين كثيراً عن عمر... لذا
كان قراري يومها أن انقله من المدرسة بعد أن ازدادت عدوانيته بشكلٍ ملحوظ!
تريث أبيه لبرهة
متوقفًا عن الحديث ثم تابع في النهاية:
- وعلى الرغم من أنهما يبدوان مرحان عن عمر وطبيعيان
أكثر منه دون هذا الجمود والبرود ونزعته التحكمية ولكن عمر من أحبه وأعتبره أقرب أبنائي
لي بل وأنجحهم...
تعجبت "روان"
لمدى تفرقة أبيه بينهما وكأنه يُصرح بهذا بمنتهى الأريحية ولكنها كانت فرصة لمعرفة
الكثير عنه فسألته بعفوية:
- أتقصد لأنه
يُشابهك؟ وما الذي تقصده بشخصيته العدوانية؟
ادعت هي الدهشة
وعدم الفهم والاهتمام لعلها تعرف شيئاً عنه لتحصل منه على تنهيدة ممتزجة بألم وهز رأسه
بدبلوماسية وهو يُشعل سيجارًا ضخم لتشعر أنه يماثله أيضًا بشأن التدخين وأجابها بنبرة
حزينة نوعًا ما:
-
لقد اخترت أن يذهب عمر لمدرسة عسكرية منذ الصغر
حتى ينمو كَرَجُل صارم ولا يُفسد بمال أبيه واجتماع الفتيات حوله ودلال أمه الزائد
له، وكل عطلة له كان يبدو وكأنه مُشتاق لحنان أمه ودلالها المبالغ به فهي شعرت أيضاً
وكأنها لا تمكث معه كثيراً لذا صبت اهتمامها له وحده وأهملت أخواته واستمر هذا الوضع
حتى فجأة عندما أصبح بالمرحلة الإعدادية لاحظت كمْ كان عدوانيا، كان يُدمر الألعاب
الخاصة بعُدي... لاحظت عدم راحته، كان غريبا، صلابته ازدادت بشدة، شخصيته تطورت كثيرًا
ليُصبح قاسيًا، حتى أنني أتذكر ذلك اليوم وكأنه الأمس...
تريث لوهلة ليستشف من ملامحها أي تعبيرات فلم
يجد سوى أنها ابتلعت وأصغت لإكماله باكتراث بينما بداخلها علمت أن أحدهما يكذب، إما
هو وإما والده ولكنها انتظرت لتستمع فأكمل قالبًا شفتيه بانزعاج وحزن مما جعلها تستشعر
أن كلماته حقيقية ولا يكذب بها:
- عُدي كان لديه جرواً يُحبه كثيراً وكان دائماً
يمكث بالحديقة لحساسيتي المفرطة من الكلاب، كنت أتمشى خارجاً ولاحظت عُمر يقوم بركل
الجرو ثم حاوط يديه حول عنقه كمن يريد خنقه بل وإزهاق روحه ولكنني ناديته فترك الجرو
والتفت لي وكأنه لم يفـ...
توقف عندما تواجد "عمر" بالقرب منهما
وقاطعهما:
- ألا يكفي أن تبقى معك لكل هذا الوقت؟
اشتقت لكِ عزيزتي
سرعان ما لاحظ تلك الملامح المُتعجبة على وجه
"روان" والتعبيرات الحزينة بل والمتألمة على وجه أبيه ولكنه لم يُفصح عن
فضوله بمعرفة بماذا كانا يتحدثان ليتحول وجه أبيه كلمح البصر لابتسامة تماثل كثيرًا
ابتسامته هو نفسه ليُحدثه قائلًا:
- لقد أوشكت على استدعائك... أريد أن آخذ رأيك
بقضية ما، الجميع خائف من المرافعة وكأنهم جرذان في جحورهم!
أدرك بمنتهى السهولة أنه يغير مجرى الحديث وتوجس
بداخله لو كان حدثها عن أي شيء يتعلق بماضيه ليومئ له بينما لفتت "روان"
انتباههما بلباقة:
- وأنا عمر أريد أن أحظى بوقت للفتيات، سأجلس
مع والدتك وعنود قليلًا
أخبرته ثم ابتسمت لكليهما بلباقة وأومأت
كعلامة على وداعها المؤقت لكليهما بعد أن شعرت بعدم راحتها للتواجد معه بغرفة
واحدة بعد ما سمعته من والده الذي لم يترك لها ولو نظرة واحدة تشعرها بالراحة من ماضي
"عمر" وهو طفل صغير ثم توجهت للخارج وما إن أغلقت الباب حتى حررت أنفاسها
المكتومة وهي تشعر كأنها تخلصت من عبء ما تنهدت بخوف وتمتمت بداخلها:
- اللعنة!! لم أكن أتصور هذا بحياتي، هما
حَقًّا متشابهان كتوأم متماثل!
فكرت باقتناص فرصة مع والدته وهي تفكر خلال طريقها
إليها، تشعر بداخلها الشتات يزداد من هول ما أدركته، هل تزوجت كاذبًا يُخبرها أن الأمر
بمدرسته مجرد اختلاقًا منه، أم أن والده هو الكاذب ولماذا يكذب؟ ولماذا سألها عن
الأمر؟
ابتلعت وحمحمت لتحاول أن تطرد تلك الأفكار وتوجهت
لغرفة الجلوس لتبحث عن والدته وأخته وبطريقها لاحظت "عُدي" يسند حاسوبه على
منضدة جانبية بالرواق ويتحدث خلال هاتفه منشغلًا:
-
كيف لهذا أن يحدث! أريد الأوغاد المسؤولين عن غرف الخوادم لأحاسبهم
بنفسي... كمْ شركة تأثرت؟
انتبهت على صياحه واتجهت لتقف بالقرب منه باهتمام لترى ما
إن كانت تستطيع أن تساعده بشيء حتى رأت أنه يُحاول الدخول على إحدى قواعد البيانات
فسألته:
- عدي... هل كل شيء على ما يُرام؟
لم تلحظ أنه كان لا يزال يتحدث للطرف الآخر بإحدى سماعات
الأذن اللاسلكية سوى بأنه تحدث موجهًا كلماته لشخص آخر:
- سأهاتفك لاحقاً حتى أرى حلا لتلك المصيبة
أنهى محادثته ثم رفع رأسه ناظرًا لها وأجابها باقتضاب:
- بعض المشكلات بالعمل...
زفر بعد أن أعاد وجهه نحو شاشة حاسوبه وأخذ يبحث عن حل لما
أمامه وزم شفتيه بضيق بينما نظرت هي الأخرى لما ينظر له وقالت مقترحة
بابتسامة:
- فلتخبرني ربما أستطيع المساعدة، كلانا يعمل بنفس الاختصاص،
هل نسيت؟
زفر مجددًا بعصبية وخلل شعره بغضب ليقول باستياء:
- أحد الأوغاد استطاع أن يلج للخادم بمستخدم وكلمة مرور
ودمج ملفات حوالي عشر شركات ببعضها البعض وقد غير كلمة المرور خاصتنا و...
قاطعته وهي ترى انزعاجه فقالت محافظة على ابتسامتها
اللبقة:
- اهدأ... سآتي بحاسوبي وسأحاول المساعدة... سأذهب لأنتظرك
عند المائدة التي تناولنا عليها الطعام صباحًا، ستكون الأجواء أفضل بالخارج
توجهت لتحضر حاسوبها وبداخلها تظن أنهما سيجلسان بمفردهما
وستستطيع استخلاص بعض المعلومات عن "عمر" منه واتجهت لتجلس وأخذت تحاول فك
يشفره المستخدم الذي كان يحاول عدي الدخول به وأحضرت ورقة وقلم بجانبها وكتبت بها كلمة
المرور الجديدة وما إن حضر "عدي" وجدتها قد استطاعت حلها ليُفرج فاه بدهشة
وتساءل:
- كيف استطعتِ أن تفعليها؟
رفعت نظرها وتفقدته بابتسامة انعكست على عسليتيها من سؤاله
الساذج ثم أخبرته:
- فقط اجلس وحاول الدخول بذلك الرمز
أشارت له على الورقة التي طبعت عليها الرمز من قليل ثم واصلت
إعطاءه المزيد من التعليمات:
- حاول أن تأتي لي بمصادر بيانات كل شركة على حدة ثم سنقسمهما
لتعمل على استرجاع البيانات لكل قاعدة تخص الشركة ولكننا نريد أن نعرف كل الوحدات
الخاصة بالشركات حتى لا ينقص شيئًا بنظامها وسنراجعها معا... لا تقلق قد يأخذ
الأمر خمس ساعات، لقد قمت بها من قبل... كما أن غدًا عطلة نهاية الأسبوع فلن يلاحظ
أحد من تلك الشركات أنه تم إدماج ملفات أخرى لديهم، ولو تساءل أحد فلتقل إنه مجرد تحديث
روتيني وسيستعيد النظام عمله، علينا البدء فقط بمن يعمل بالعطلات...
نظر لها "عدي" بمزيد من الدهشة وأخذ يفعل ما تمليه
عليه تمامًا وهو لا يُصدق أنها تستطيع فعلها بهذه الدقة ولم يظهر أي ملامح للاستياء
على وجهها وجلس بجانبها وشرع كلاهما في تنفيذ ما قالته إلى أن نداها طالبًا بالمزيد
من مساعدتها:
- روان
همهمت له دون أن تلتفت كي تحاول التركيز فيما أمامها
ليقول:
- انظري لا أعلم لماذا هذه الوحدة لا تريد الاندماج لنظام
هذه الشركة
قالت وقد شرعت في الوقوف بالفعل متجهة نحوه:
- دعني أرى
تفقدت ما ينعكس على شاشة حاسوبه ثم سرعان ما عللت له سبب
عدم الاندماج:
- هذه فقط لأنك نسيت أن تفعل لها سماح المرور لأن يبدو أن
ما تعمل عليه شركة عقارية
دنت أكثر ليتساقط
شعرها بعفوية ويغطي جانبها الأيسر بالكامل بينما "عدي" على يمينها وواصلت
تحدثها له:
- وأيضاً أكتب
هذا الكود حتى يمنع مرور أي أحد بالتعديل بالوحدة إلا لك فقط... إنها أيضاً تُفيد ببقية
الوحدات... لا تنساها أبدًا
اقتربت أكثر
لتستمر بالكتابة لتنحني وهي لا تعلم أن "عمر" قد انتهى بالفعل مع والده
منذ قليل وهو يشاهد كلابهما في صمتٍ منذ مدة إلى أن فاق الأمر تحمله ليُحدثها
مُنبهًا بتساؤل هاكم:
- ما الذي تفعلينه
روان؟!
استمعت لصوته
يسقط على مسامعها من خلفها مباشرةً فلم تكترث لمواجهته ولم تر نظرة الصقر الذي يوشك
على الاقتناص وكادت وحدها أن تفتك بهما لقربهما الشديد وظلت تكتب باقي الكود أمام
"عدي" بينما تتآكله الغيرة الشديدة، كما يشعر بكذبها بعد أن أخبرته أنها
ستجلس مع والدته ليجدها تجلس مع أخيه الذي لا يثق به أبدًا!
تحدثت والكلمات
تتفلت من لسانها على مُكثٍ لصبها كل تركيزها على ما أمامها:
- هناك مشكلة
صغيرة وأساعد عدي بها...
زفرت عند الانتهاء
ثم وجهت حديثها إلى "عدي" وهي تقول:
- والآن قد عدلتها
لك... أكمل الباقي وسأنتهي أنا من الآخرين
ذهبت لتُكمل
باقي الخمس شركات أمامها بمنتهى الحماس وكأنها سعيدة للغاية بما تفعله ليقترب منها
عمر واضعًا يديه بجيوبه مُدعيًا البرود ثم أخبرها بتصميم وأعينه تثقبها بنظراتٍ
متوعدة:
- هيا...
سنغادر!
كادت أن تتحدث
ليسبقها "عدي" موجهًا كلماته إلى أخيه بتذمر:
- وتأخذها مني
يا رجل!! لن يحدث... قد تتدمر سمعة شركتي إن لم أنهي هذا الآن... وأنا لن أجد ببراعتها،
زوجتك رائعة، تعلم ما تفعله ولن يستطيع أحد أن يعمل بهذه البراعة سواها!
لم تُعجبه تلك
النبرة المتملقة أو حتى لو كان ما يقصده حقيقي فنهاه بجمود وهو يسحق أسنانه غيظًا:
- عدي!! راقب
كلماتك وأنت تتحدث عن زوجتي... هيا لنذهب روان
أمرها لتبتلع
وقد رأت غضبه وتلك النظرة بعينيه قد عادت متخلية عن تلك النظرات المبتسمة التي دامت
لأيام فنهضت لتُحدثه برقة:
- عُمر... لم
يحدث شيئاً... لا تغضب هكذا
تلمــ ــست
ذراعه على حذر وواصلت:
- هناك شخص عبث بنظام عشر شركات لدى عدي ودمج
معلوماتها وإذا اكتشف عملاؤه خللا في النظام سيؤدي لمشكلات وقد ينهون التعاقد معه...
سننهي هذا بأقرب وقت ممكن قبل اكتشاف أحد أي شيء
حاولت أن توضح
له الأمر ليزفر بغضب لتحاول هي أن تُكمل حديثها:
- عنود تنتظرني
ووالدتك كذلك وسنتناول الغداء معًا... سأحاول أن أنتهي سريعًا كي ننضم لكم على الغداء...
همست له بتوسل
كل لا يستمع إليهما أحد:
- للتو وجدت
ما يُشغلني ويشتتني عن التفكير فيما عانيت به الأيام الماضية، وأنا سعيدة بالفعل منذ
أن أتيت إلى هنا، أرجوك لا تترك الغضب يُفسد الأمر
تفحصها مَلِيًّا
ليهمس ببرود واقتضاب:
- حسنًا...
ذهب وجلس أمامهما
وظل يتابعهما في صمت ليزداد يقينه بداخله فيما يتعلق بخبرة "روان" ومساعدتها
لأخيه، هي كالعادة يشع منها هذا التسلط الفطري والتحكم وأخيه لا يُمانع بل يمتثل لكل
ما تقوله، لينبهه هذا لما حدثه به والده منذ قليل!
هو لا يعلم
عن مجالهما الكثير ولكنه قد عرف أن شركة "عُدي" لا بأس بها ويعرف أن أخيه
جيد بعمله ولكن بما أنه يجلس الآن أمام "روان" كالطفل الصغير يفعل كل ما
تمليه عليه جعله يُعيد تفكيره بأكمله، لم يظن أنها حقاً قد تجعل الجميع ينصاع لها دون
مجهود يُذكر.
انتشله صوت
أخيه من أفكاره وهو يصيح:
- انظري ما
فعله هذا الوغد اللعين!
خلل شعره حانقًا
لتنظر "روان" بحاسوبه وخرجت ضحكتها بشكل استفز "عمر" للغاية...
منذ أن تزوجها حتى الآن لم يرها تضحك هكذا ليشتعل غضبًا فوق غيظه بصحبة ما تكلمت به
مع والده الذي لا يعرفه إلى الآن ولم يُفصح عنه أي منهما حتى جعله كل ما يختبره اليوم
يريد أن يؤلمها بأي طريقة وشكل ممكن!
احتقنت ملامحه
غيظًا ليجدها تهمس بين بقايا ضحكتها:
- لصٌّ ظريف
للغاية... أعد تسمية الأصناف عُدي حتى ننتهي من هذا ولا تضيع الوقت!
أنهت كلماتها
بابتسامة ليتعجب "عمر" من طريقتها الآمرة التي لاحظها، متحكمة وبنفس الوقت
لا تخلو من الرفق، هل يا تُرى هذا ما يدفع الجميع لفعل كل ما تُريده؟ ... أم أنه عكس
"عدي" تمامًا مثل ما كانا دائمًا وهو لا يرى بتحكمها مُشكلة وتعامل مع كلماتها
بطريقة تلقائية؟
ظلا يعملان
وأوشك "عمر" على أن يجذبها ويغادران هذا المنزل دون العودة مرة أخرى وملامح
الغضب تتآكله ونظرة عيناه توشك على أن تقتل "عُدي" أولًا ثم إهلاك صلبة الرأس
هذه ثانيًا، هذا كل ما استطاعت أن تفسره من نظراته التي تحرقهما بشلالات منجرفة من
التوعد الخفي... كم ودت أن تعرف لماذا كل هذا الكُره تجاه أخيه؟
لو فقط يغادر
ويتركهما سويًا لاستطاعت أن تعرف المزيد، ولكنه ظل ملازمًا لهما على الرغم من مرور
الوقت، تناول الغداء مع اُسرته، ذهاب اخته لمحاضرة بجامعتها ثم عودتها، كل هذا حدث
وهو لا يترك عينيه لتذهب بعيدًا عن كليهما ولو للحظة واحدة... ربما عليها أن تنتظر
إلى أن يسأم ويذهب ويتركهما وشأنهما... فلقد أوصلت له بكل افعالها أنهما يعملان ليس
إلا!
دلكت عنقها
بتعب ثم تثاءبت وقد عبرت السابعة ليلًا:
- أظن الطعام
جعلني أشعر بالخمول... أريد بعض القهوة
التفت لها "عدي"
وهو يُدلك ما بين عينيه:
- فكرة جيدة،
لقد أُرهقت من الجلوس كذلك... سأخبر أحد العاملين ليحضرهما...
نهض وهو يسأل
أخيه:
- هل تريد
البعض؟
أومأ له بالإنكار
دون مبادلته ولو كلمة واحدة فلم يستغرب الآخر الأمر وتركهما مبتعدًا لتنهال نظرات الغضب
الصريح من "عمر" اتجاهها واختلفت ملامحه بشراسة واضحة ليتكلم بنبرة
خافتة:
- اللعنة لماذا
تساعديه؟ فلتدعيه ليحترق أو ليتعفن، هو ليس بطفل كي لا يستطيع حل مشاكله بنفسه... لماذا
تكترثين من الأساس؟
ضيقت ما بين
حاجبيها مُستنكرة قوله وردت بصوت هادئ كي لا يلتفت إليهما انتباه من بالمنزل:
- ماذا بك عمر...
لقد احتاج لمساعدتي كما أنني منذ عرفت عُدي وهو يُعاملني باحترام ولطف... ما الخطأ
في أن أساعده؟ ولماذا أنت غاضب هكذا؟! ما الخطأ في أن اساعد أي شخص؟ بل هو أخوك...
تعقل رجاءً وكف عن قول المزيد من الترهات!
اشتد
غيظه واحتقن وجهه مما أدى لتعالي صوته قليلًا:
- لا أهتم أخي
أو غيره... هناك عشرات الموظفين أسفل يده، فليستعنن بهم، لم يجب عليك أن تساعديه منذ
البداية... وهيا ستتناولين القهوة وسنعود بعدها... لقد اكتفيت اليوم من تصرفاتكما معًا!
كادت دماؤه
أن تنفجر بالمزيد من غيظه بينما رمقته بعسليتين استعرت غضبًا وقد طفح كيل تحملها لتزجره
بين أسنانها المطبقة بغيظ:
- أحقًا ما
تفعله؟! هل أنت غاضب لأنني أقدم له المساعدة؟ وما الذي تشير إليه بتصرفاتنا معًا؟ أنت
إما مجنون أو مختل أو تعاني من اضطرابٍ ما تخفي حقيقته عن الجميع!
نظرت له وقد
لانت ملامحها ببعض الحُزن وواصلت حديثها له:
- ألا تشعر
بعد أن العمل في المُطلق هو أكثر ما يُسعدني... ألا تكترث ولو للحظة واحدة أن تتركني
أفعل ما يُسعدني حتى بعد كل ما مررت به معك! ألا تملك ولو لمحة من الرحمة فيما يتعلق
بي!
شاهدته وعسليتيها
على مشارف البُكاء واللوم ينهمر من عينيها بينما لم يُصبه كل هذا سوى بالمزيد من الغضب
ليهمس لها متوعدًا:
- أعدك أنكِ ستحاسبين على كل هذا روان ولكن ليس الآن
أطبق أسنانه
محاولًا ألا يتهور ويدع شياطينه تخرج عليها أمام الجميع لتخبره حانقة:
- فلتفعل ما
شئت، لم أعد أكترث... لم يعد هناك ما يخيفني من توعدك
أتى "عدي"
يحمل القهوة ونظر لهما حتى شعر وكأن هناك شيئًا ليس على ما يُرام من ملامح كلاهما فوضع
قهوتها بجانبها لتخبره بلباقة:
- شكرًا لك
لمحته لمحة
سريعة وهي تبتسم له بامتنان ثم أخفت عينيها بشاشة الحاسوب أمامها بينما تحدث بلباقة
متمنيًا أنه ليس سببا من أسباب ما تشاجرا بسببه كما يبدو من ملامحهما فهو لا يحتمل
الجدال مع "عمر" ولا يود أن يفتعل مشاكل معه خاصةً وأن لديه الكثير يتوجب
عليه فعله:
- لا تشكريني...
أنا حقًا لا أملك الكلمات لأخبرك كم أنا ممتن لمساعدتك... لا أعرف لولاك لما سيطرت
على هذه الكارثة... بل أنا من على أن اشكرك واشكر عمر كذلك، لقد بدلت زيارتكما إلى
محنة وهذه ليست ذكرى جيدة لكِ عن أول يومٍ تقضيه بمنزلنا
أخبرها ثم توجه
لأخيه بنظرات الامتنان ولكنه لم يبادله حتى نظرة واحدة فجلس أمام حاسوبه وكرر
كلماته:
- شكرًا لك
عُمر... وأعتذر لك عما حدث... أعدك أنه لن يتكرر
لم يُعجبها
هذه النبرة وكأنها فعلت شيئا جللا بينما الأمر بسيط ولا يحتاج سوى للوقت فابتسمت له
قائلة:
- ليس هناك
داعي عُدي... لم أفعل شيئًا وحدي قد ساعدتني أيضًا
ابتسامتها له،
مرة أخرى!، هل تريد منه أن يجعلها تركع أمام أعين الجميع على ما تفعله وهو يقوم بتلقينها
درسا على فعلتها؟ بل وهي ترد بدلاً منه وكأنه ليس موجودا بالأساس! جيد للغاية... لو
انتظر هنا يُشاهدهما مستمعًا لكل ما يحدث عن قرب سينفجر غضبًا حتمًا!
تطلع لكليهما
أمامه بينما عاد كلاهما ليعملان وكأنها لا تلاحظ من يحترق أمامها! نظر إليها بوجه محتقن
ورمقاته أصابت جـ ــسدها بقشعريرة فجائية لينهض بالنهاية وهو يُزيح الكرسي خلفه بغضب
ليتجه لغرفته وأبدل ملابسه وتناول واحدًا من الكتب التي لا تزال متواجدة لديه ليحاول
قتل الوقت بأي طريقة ممكنة وجلس يقرأ ببعض سطوره عله يُثني عقله عن كل ما يدور به من
افكار!
❈-❈-❈
لم يُفلح الأمر
ولم تُثنيه تلك الكلمات عن تخيله اياها وهي تحاسب على كل ما تفعله فعاد أدراجه متجهًا
إليهما وقد أوشكت على الواحدة صباحًا ليجدهما جلسا بغرفة الجلوس كل واحد على أريكة
يحمل حاسوبه ولكن ما إن رآها تجلس بفستانها الذي وصل أعلى ركبتها بقليل اثر جلستها
على الأريكة التي تختلف عن الكرسي السابق وهي تعاكس ساقيها بأنوثة كاد أن يصفعها ولكنه
سيطر على نفسه بكل ما لديه من قوة ليتحدث ببرود قاتل وهي لا تلاحظ من يحترق أمامها
من شدة تركيزها بالعمل:
- لقد تأخر الوقت وأظ...
- حقاً عمر لقد تأخر... لما لا تبقيان حتى
الغد؟ غرفتك بالأعلى كما هي لم يتغير بها شيئاً وباستطاعة روان أن تستعير ملابسا
من عنود، كما أننا نستطيع قضاء الوقت معكما غداً بني...
قاطعته والدته عندما
تحدث إلى "روان" ليتنهد وكاد أن يتحدث بينما سبقته هي:
- أنا موافقة أمي... لديك عمر الآن لتقنعيه!!
ابتسمت بخبث
ليغلق عمر عينيه بحنق ليحاول ألا يغضب أمام والدته وهو يحترق غيظًا بداخله وحدثها
قائلًا:
- حسناً أمي
من أجلك أنتِ فقط...
عاد لينظر نحوها مرة أخرى بعد أن فرغ من التحدث لوالدته ثم تحدث لها
بجفاء عانى من أن يُخفيه:
- أظن عليكِ تبديل ملابسك والذهاب للنوم، لقد استيقظنا
مبكرًا اليوم!
همهمت وهي تتثاءب ثم همست:
- أنا
حَقًّا متعبة
رفعت شعرها للأعلى ودلكت عنقها علها تنتهي من ذلك الألم
ليشرد هو بعنقها المرمري الذي يريد أن يُدميه ثم لاحظ أن "عدي" ينظر لها
وكاد أن يقتلع عينيه بيده ولكنه وقف بينهما حتى لا يستطيع أن يراها..
لاحظ ما يحاول أخوه فعله فسلط نظره على شاشة حاسوبه ثم حدثها
بامتنان:
- سأكمل
أنا... باقي أربعة شركات على كل حال، إذا تبقى شيئًا سأنهيه غدًا، شكراً لكِ روان على
مساعدتك ووقتك
أومأت له بالرفض عله ينتهي وقالت مُعلنة بوضوح لعل زوجها
الغريب يفهم أن ما تقدمه من مساعدة ليس به شيء:
- لا
تشكرني عُدي أنت مثل أخي، وإذا توقف معك شيء اتركه لي صباحًا ولا تقلق، أنا معتادة
على الاستيقاظ باكرًا... ليلة سعيدة
عقب على كلماتها بابتسامة ممتنة لما فعلته بل واستمرارها
لتقديم المساعدة:
- طابت
ليلتك
توجهت مع "عمر" للأعلى حيث غرفته التي لم ترها
قبلًا وما إن دلفا حتى أغلق هو الباب خلفهما لتقول هي بحماس:
- هذه
غرفتك... لم أرها من قبل
كادت أن تذهب لتفقدها لتجده يجذب ساعدها بعنف مرغمًا إياها
على الالتفات ونظر لها بقسوة وحدثها بين أسنانه بأنفس التهبت غضبًا:
- إذا
كنتِ تريدين أن تمر هذه الليلة بسلاملا أريد أن أسمع صوتك اللعين حتى
نذهب من هنا وسنغادر بالصباح بعد تناول الفطور معهم، هل هذا واضح؟
تفقدته باستغراب وهي تحاول انتقاء الكلمات التي سترد بها
فقالت:
- عمر
أنا لم أفـ..
قاطعها بزجرٍ خلال نبرته التي يحاول كتمها كي لا ترتفع ولكنها
بنفس الوقت لم تخل من التهديد الصريح:
- تجادلين
من جديد، تصممين على إغضابي، أجيبي سؤالي اللعين، أم تريدين أن ينتبه الجميع على صراخك!
نظرت له باندهاش وتساءلت داخلها لماذا غضب هكذا من أمر تلقائي،
ولكن مع رجل مريض مثله هي عليها أن تتوقف عن التفكير فيما يُغضبه وفيما يُسعده بل وما
يُحزنه فجذبت ساعدها من قبضته ولم تكترث للألم الذي شعرت به وانتقت كلماتها مَلِيًّا
وهي تنظر له بجرأة وقالت بتحدٍّ صريح:
- سأسكت
إذن، ولكن ليس لخوفي منك أو مما ستفعله... بل خوفاً على صورتك أمامهم من ظنهم أنك قد
فشلت في زواجك من بدايته! أنا أفضل منك في هذا!
رمقته دون خوف ولكنه رأى الاحتقار الخالص ينهمر من عسليتيها
ثم أخذت ملابس قد أحضرتها سابقًا ودلفت للحمام حتى لا يتجادلا أكثر من هذا..
يُتبع..