-->

قراءة رواية جديدة مشاعر مهشمة الجزء الثاني لشيماء مجدي- الفصل 23 -2

 قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى





رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

شيماء مجدي



رواية مشاعر مهشمة الجزء٢

الفصل الثالث والعشرون 2

❈-❈-❈



للعودة الصفحة السابقة


مع حلول المساء، تجمع أفراد عائلة "مجد" في بيته، كتجمع عائلي معتاد، ومُتفَق عليه منذ وقت مضى، بعدما انتهوا جميعا من تناول وجبة العشاء، انقسموا إلى حزبين، النساء جلسن في الداخل، حيث الثرثرة النسائية المعتادة بينهن، والرجال جلسوا في الحديقة، ليتبادلوا أطراف أحاديث العمل المعتادة بينهم، ولكن تلك الجلسة حملت على غير المعتاد حديثا حصريا، لما حدث مع "مجد" صباح اليوم، وهو حضور "عاصم" المباغت، وإلقائه على سمعه حديثا غريبا، وتساؤلا أغرب، وبعد أن انتهى من سرد تفاصيل الحدث، تساءل "عدي" بغرابة شديدة:


-يعني إيه معني الكلام ده؟


مط "مجد" شفتيه بغير علم، فلم يتوصل إلى المغزى من سؤاله، أو حتى السبب، مردفا في هدوء:


-معرفش، ومعرفش ايه اللي خلاه يفكر في حاجة زي دي.


انبجست الظنون على عقل "جاسم"، وتساءل في تشكيك:


-تفتكر دي لعبة جديدة عايز يلعبها عليك وبيشيل العين من عليه بالطريقة دي.


هز "مجد" وجهه في نفي، ورد عليه بذات النبرة الهادئة التي يتسم بها صوته:


-لأ محستش، وكان غريب النهارده على غير المعتاد منه.


عقد "عدي" حاجبيه، وتساءل في استفهام:


-غريب ازاي؟


رد عليه في استيضاح لا يخلو من الغرابة:


-كان مشوش ومتلجلج ونظراته ونبرة صوته كانوا مليانين حزن، تقريبا ده مش عاصم اللي اعرفه خالص.


ران الصمت بينهما، وكل منهما يفكر في سبب وجيه لما حدث، وعندما زاد صمت "مجد" عن الحد، وسهمت عينيه في الفراغ، سأله "جاسم" في استشفاف:


-بتفكر في إيه يا مجد؟


حول نظره له، وزفر مطولا، ثم أخبره بعد تفكير:


-عاصم شكله اتكسر فعلا بعد موت ابوه، مكانش مجرد كلام قاله من زعله على موته يوم العزا.


انفرجت شفتا "جاسم" إلى الجانب، قائلا بسخرية:


-معقولة! عاصم بكل جبروته اتكسر بموت أبوه؟


عقب "مجد" عليه في جدية:


-انت متعرفش ابوه كان بالنسباله إيه.


سأله "عدي" في هدوء:


-كان بيحبه يعني؟


عاد "مجد" بظهره على كرسيه، وشرح له طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين كل "عاصم" ووالده، مرددا:


-مش حب قد ما كان اعتماد، كمال كان دماغ عاصم، وعينه اللي بيشوف بيها، تقدر تقول إنه كان طوع أبوه في كل حاجة، وهو اللي ممشيه، يقوله يمين يروح يمين، شمال شمال، فطبيعي يبقى تايه وضايع من غيره، بس الغريب الكسرة اللي شوفتها في عينيه.


بم تخلُ نبرة "جاسم" من السخرية وهو يعلق على جزء بعينه مما قاله "مجد":


-محسسني إنه كان طوعه في الخير.


انزعجت تعبيرات "مجد" قليلا من نبرة الآخر الهازئة، لعدم أخذه في الحديث شاكلة مرحة من البداية، وتكلم بتوضيح لتلك النقطة التي علق عليها "جاسم":


-هو أصلا مكانش طوعه عشان ده اللي ربنا أمر بيه، هو كان بيسمع كلمته خوفا منه، كمال كان شديد وقاسي جدا، عاصم نفسه بكل اللي شوفتوه منه، ميجيش ذرة من طباع كمال وشره.


هز كل من هما وجهه في إيماءات متفاوتة في التعبير، وبعد مضي لحظات قليلة، لمح "عدي" قدوم زوجاتهم نحو موضع جلوسهم، لذا قال بنبرة مازحة:


-بقولكوا إيه، غيروا الكلام عشان العصابة جاية.


استنفر "جاسم" إطالة الحديث عن "عاصم"، خاصة مع تساؤلات زوجاتهم المستفسرة، إذا علم بشيء مما سرده "مجد"، واستحسن قوله، قائلا بضيق:


-يكون أحسن، مش عايزين القعدة كلها تبقى سيرته.


تابع "مجد" اقترابهن منهم في صمت، بينما رد "عدي" على قول الآخر بنبرة متهكمة:


-لو عرفوا إننا بنتكلم عنه، هيقلبوها تحقيق وعمل إيه، وهيعمل إيه ومش هنخلص.


آثر ثلاثتهم الصمت، في حين أصبح الأخريات بجوارهم، وبعدما جلسن على المقاعد الشاغرة قبالتهم، أردفت "طيف" بنبرة مرحة:


-نقعد معاكم شوية.


رمقها "مجد" بنظرة عابثة، مرددا ببعض التهكم:


-انتوا قعدتوا خلاص مش لسه هتقعدوا.


صدح صوت ضحكاتهم المرحة، مع تبادل أطراف الحديث الممازح فيما بينهم، لم يستمر "مجد" في الردود المتسلية معهم لوقت طويل، فقد ألزمه ذهنه بالتفكير في أمر "عاصم"، ورغم أن كل مرة يلتقي به تتقد شرارة القلق بداخله منه -حتى وإن كان اللقاء عابرا، أو لم يصدر منه ما يدعي للقلق- إلا أن تلك المرة لم ينتابه قلق منه، ولكن حالته -بكل ما رآه اليوم عليه- تدعي للقلق.



❈-❈-❈



سيطرت "داليا" على انفلات أعصابها من ندائه الهادر، الذي ضاعف من وجيب قلبها، بل وأشعرها بتردد ضجيجه في أذنها للحظات، ثبطت من توترها، وتوجهت نحوه بخطوات متمهلة، تراءى لها أثناء سيرها صوبه حالته الواجمة، ووجهه المشدود، ولكن ما طمأنها قليلا، هو عدم زجره لها، أو تعنيفها، ظنا منها أن حالته المنزعجة، راجعة لإمساكه بها جالسة مع عائلة أخيه، جلست على طرف الفراش جواره، وعندما لم ينبس بأي كلمة لبعض الثواني، قررت كسر حاجز الصمت بينهما، اقتربت منه في جلستها أكثر، ونظرت مليا إلى وجهه العابس، وحاجبيه المنعقدين، مددت يدها نحو وجهها، ومررت إبهامها بلمسة ناعمة على عقدة حاجبيه وهي تتساءل برقة:


-مالك مكشر ليه؟


بغير أن ينظر لها، أو تزول تكشيرة وجهه، رد عليها في وجوم موجزا:


-حصل مشكلة عندي في الشغل.


ضمت شفتيها للحظة، ثم سألته بهدوء حذر:


-يعني مش متضايق مني عشان كنت قاعدة مع مامة أخوك ومراته؟


سحب نفسا مطولا، ثم زفره دفعة واحدة، في تعبير عن انزعاجه الداخلي، ورد عليها بفتور يحمل الضيق:


-مش فارق، وجودهم بقى أمر واقع، يا اتعايش معاه، يا إما هتعامل بطريقة هتعمل مشاكل، وأنا مفيش فيا دماغ لأي مشاكل تانية دلوقتي.


ترددت لوهلة في الإفصاح عن رأيها بهم، حتى لا تثير غضبه، ولكنها حسمت رأيها في الأخير، وأردفت بتريث:


-هُمِّ شكلهم طيبين على فكرة.


نظر لها من طرف عينيه، بنظرة مزعوجة من سذاجتها، وأخبرها مشددا:


-بلاش السذاجة والطيبة الزايدة بتاعتك دي يا داليا.


شجعها رده الغير منفعل، على التحدث إليه بما تشعر به تجاههم باستفاضة، قائلة في صوت مليء بالطيبة:


-والله مش سذاجة، بس هما فعلا شكلهم طيبين، ومامة عز ارتحتلها جدا، وزينة كمان جميلة، وابنها يونس قمر خالص شبهك على فكرة، حتى طنط قالت إنك شبه أونكل كمال عشان كده.. 


عند تطرقها لنقطة الشبه الجامع بينه وبين والده، حتى اعترى النفور وجهه، وصاح بها بصوت اخشوشن بغتة:


-طب خلاص يا داليا.


زوت ما بين حاجبيها، مع شعور التلبك من تغير نبرته، وتساءلت ببعض الخوف الذي يحمل التوتر:


-خلاص إيه؟


لم يبغِ أن تتوتر الأجواء بينهما مجددا، خاصة وأنه لم يمر الكثير من الوقت على خلافهما الأخير، وابتعادها عنه عندما يتشاجران، يرغمه على ألا يتسبب في أي نزاع بينهما، لذا طرد دفعة من الهواء الساخن، مستحثا نفسه على الهدوء، وأخبرها في صوت خبا منه الإنفعال:


-خلاص مش عايز كلام كتير، عشان حقيقي مش متحمل اسمع حاجة، وتعبان بجد.


كان مترائيا لها تعبه، فالإرهاق كان باديا على وجهه بشدة، لذا غيرت مجرى الحديث، إلى آخر ذي مغزى، بصوت هامس، مغرٍ، وهي تتلمس صدره بلمسات أنثوية باعثة على الإغواء:


-لو تحب أنا ممكن اضيع التعب ده في ثواني.


مال برأسه نحوها، يرمقها بنظرة مطولة، وقبل أن تضيف المزيد، فاجأها باقترابه منها، مجبرا جسدها على التمدد، ثم توسد حضنها، مريحا رأسه فوق صدرها، تعجبت من حالته، ومبادرته بالذلك النوع من القرب، فلم يسبق أن بادأ هو بالتقرب منها، وأبدى تلك الحاجة إلى ضمة منها، ابتسمت في نفسها، شاعرة بتحسن علاقتهما إلى حد كبير، وأخذها منحدرا جديدا، ينبئ بتقوية أواصرها، وفي خضم شرودها، التقطت أذنيها صوته المتعب وهو يقول باختناق:


-حاسس إني مخنوق أوي.


شعرت بوخزة في قلبها، وبصوت متأثر سارعت في الترديد:


-بعد الشر عليك يا حبيبي.


ضم جسده إليها بشكل أكبر، فحاجته إلى الشعور بدفء حبها الصادق كانت شديدة، كونه لم يعد يملك سواها، فقد أصبحت تخيفه احتمالية فقدها، أو ابتعادها وتركه وحيدا دونها، تنفس الهواء بصوت عالٍ لعدة مرات متتالية، معبرا عن الضيق الحم الذي يختلج صدره، في حين كانت تمسد "داليا" على ظهره، وسألته بحنو شديد بعدما استشعرت وجد خطب ما يوغر صدره:


-مش عايز تتكلم في حاجة؟


شعرت بإيماءة رأسه الرافضة فوق صدرها، وبعد مرور عدة ثوانٍ، سألته مرة أخرى:


-طب مش هتغير هدومك؟


لم يرِد أن يحرم نفسه من ذلك الشعور المفعم بالألفة، والذي يشيع في نفسه رويدا رويدا الراحة من عناء اليوم، وما تلقاه من خبر سيء يخص عمله، منتهيا بمقابلة "مجد" التي كانت -لأول مرة- باعثة على الحزن في نفسه، تنهد مطولا، وقد هدأ تنفسه عن ذي قبل، وأخبرها في صوت بدا متريثا أكثر:


-خليني كده شوية، حاسس إني أحسن.


ارتسمت بسمة رائقة على شفتيها، وحاولت أن تحتويه في أحضانها، بالطريقة التي تغمره بما يحتاجه في الوقت الراهن، ولكن قطع عليهما لحظتهما الخاصة، بكاء الرضيع الذي صدح في أرجاء الغرفة، حينها رفع "عاصم" رأسه من فوق صدرها، ونظر إليها في بعض الضيق، ثم عاد بظهره على الفراش، بينما هي اعتذرت منه بنعومة، قبل أن تنهض من جواره:


-طيب أنا هقوم ارضع رائف عشان بيعيط، وبعدها نشوف طريقة سوا نضيع بيها تعبك.


ارتسمت بسمة باهتة على شفتيه، ولكنها تحمل الامتنان لوجودها الداعم له، والذي يشد من أزره، وما كادت تلتفت حتى حال دون تحركها مسكته لساعدها، نظرت له بنظرة متسائلة عما يريد، أجاب هو تساؤل عينيها مرددا بطلب مشبع بالحاجة لها:


-هاتيه وتعالي هنا، رضعيه وانتي جنبي.


أمارات المفاجأة من أسلوبه، كانت ظاهرة للغاية على تعبيرات وجهها، وانطلقت بقوة من نظرات عينيها، ولكن سعادتها بتلك الطريقة الجديدة كانت طاغية، ابتسمت له في محبة شديدة، وقالت له في خنوع محبب له:


-حاضر.


نهضت عن الفراش على عجالة، متوجهة نحو الزاوية الموضوع بها سرير رضيعيها، وكما توقعت كان "رائف" هو الباكي من بين الرضيعين، حملته وعادت به إلى السرير، لكي ترضعه جوار زوجها كما طلب، في تلك الأثناء كان ذهن "عاصم" قد شرد في الكارثة التي حدثت في عمله، وهي سقوط المجمع السكني التي كانت مسئولة الشركة عن إقامته، توقع أن تلك الحادثة لن تكون سوى بداية، ف"توفيق العاصي" شره لا ينتهي، وإذا صح القول فهو الذي يعد نسخة مصورة من والده، في شروره، وطغيانه.


الوحدة الخانقة التي أصبح يعاني منها خاصة بعد وفاة والده، وشعوره بانكسار ظهره، ومجابهة أزماته بمفرده دون معين، ربما يشعر أنها أفضل من وجوده الذي كان يفرض عليه أن يرتكب مصائب لا حصر لها، فبكل الطرق كان يدفعه إلى التفكير بشكل إجرامي، بل ويبث الشكوك في رأسه تجاه أي أحد حوله، وكانت "داليا" هي آخر من جعله يشك في ولائها له، حتى عكر عليهما صفو حياتهما، وبالرغم من أنه كان يؤذيها بكل الطرق في الماضي، سيرا على خطا والده، إلا أنه أصبح نافرا من نفسه الماضية، المؤذية من بعد وفاته.


ولكن معالجته لنفسه، من ساديته، وميله الغير مبرر للعنف، وتلذذه بإيذاء الغير، وغيرها من الطباع البغيضة داخله، تبوء بالفشل في كثير من الأحيان، تغلبه على أفعاله، وردود أفعاله الذي اعتاد عليه كنمط حياة، من الصعب عليه أن ينجح به، فالطبع يغلب التطبع، فبداخله تنشب حرب ضارية تتآكل به، كلما منع شيطان نفسه، عن التحكم به، ولكن ماذا عساه يفعل أمام سنوات جعلت منه شخصا حقيرا، في نظره قبل أن يكون في نظر غيره، وأصبح التغيير أمرا يحتاج لمعجزة، والمتسبب الأول والأخير في تدميره، هو والده.


أنه لأمر قاسٍ أن ينقسم قلبه ما بين حزن على فراقه، ونفور من تخيل صورته فقط في مخيلته، ولكن ما أضحى ييقن منه، أن بغضه لكل شيء يتعلق به بالغا، حتى الشبه بينهما، يجعله باغضا على نفسه، رؤية وجهه في المرآة، حرك وجهه إلى اتجاه زوجته، وهو يكز على أسنانه باختناف، كانت قد انتهت من إرضاع الصغير، ووضعته على صدرها، تربت على ظهره، حتى يتجشأ، وجهها كان ظاهرا إلى والده، مما جعل "عاصم" يتمعن النظر به، في بادئ الأمر، كانت نظرة أبوية حانية، يناظر بها طفليه تلقائيا دون تحكم منه.


ولكن عندما فتح الصغير عينيه، ونظر إلى وجه والده، تبدلت أمارات "عاصم" كليا، فقد رأى في نظرته وزرقة عينيه، نظرة والده له، ارتسم النفور على وجهه شيئا فشيء، وما ضاعف من نفرانه له، ملامحه الشبيهة إلى حد بالغ بجده، أكثر من تشابه "عاصم" له، لاحظت "داليا" في ذلك الوقت نظرات زوجها الغريبة إلى طفلهما، بل واشتداد عضلات وجهه، حينها سألته باستفهام:


-في إيه يا عاصم؟


دون أن يبعد حدقتيه عن الصغير، الذي كان يبتسم له بتلقائية، أخبرها بنفور شديد:


-ابعديه.


توقفت عن الربت على ظهر وليدها، وضمت ما بين حاجبيها بغرابة شديدة، مرددة ما قاله:


-ابعده!


حينها لم يستطع "عاصم" مجاراة النظر إليه، رفع عينيه نحو وجه زوجته، وصاح بها بعصبية شديدة، صدمتها، وتسببت في صراخ الرضيع:


-ابعديه بقولك، مش طايق ابص في وشه.


يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شيماء مجدي من رواية مشاعر مهشمة، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كاملة