-->

رواية نعيمي وجحيمها أمل نصر - الفصل السابع والستون

 رواية نعيمي وجحيمها 

بقلم الكاتبة أمل نصر



رواية نعيمي وجحيمها


الفصل السابع والستون




داخل قفصه المُحكم بالسياج الحديدية كان يستمع ويتابع مبهورًا لمرافعة هذا المحامي الغريب، والذي أتى له منذ عدة شهور كنجدة من السماء، ليُخصله من العديد من القضايا بفضل دهائه الغير عادي في تشتيت المحكمة وإدخال العديد من الشهود الذين يشهدون فقط لصالحه، وإن لم يوجد، فهو يشكك في الشهادة الحقيقة للآخرين، لقد أصبحت الجلسات إليه كحلقة تلفزونية ممتعة وتستحق المتابعة الجيدة حتى تنتهي، ولماذ لا يفعل وقد تمكن الرجل من تخفيف الحكم في قضيته مع جاسر الريان بفضل تلاعبه المتقن إلى أقل عدد من الشهور وقد احتسبت منها المدة التي قضاها في سجنه أثناء المحاكمة، وها هو الآن يأتي بشهود اَخرين في قضيته مع التافه محروس، فقلبت الأوضاع بالأقوال الجديدة التي شككت في صحة اعترافات الصبي الذي كان السبب في سجن المحروس وبعد ذلك وبمساعدة من جاسر كان السبب في برائته أيضًا باعترافه، والذي اصبح لا قيمة له بما يراه الاَن بقول الشهود الجدد، والتي شككت حتى في عقلية الولد، كما أنه ادخل أشخاص جدد ليعترفوا على الشاب وعلى أنفسهم أيضًا انهم مشتركين معه في الإتجار واللعبة التي لعبها على محروس، وبراءة العم فهمي صنارة من هذا الفعل الشنيع. 


ابتسامة بلهاء كانت تعلو قسماته وهو يتابع دارمية الرجل الذي أخذته الجلالة في الدفاع عنه وعن الظلم الذي تعرض له والإتهام الباطل له بأنه تاجر مخــ درات، لم يراها في حياته بل أنه تفاجأ بها كغيره، بعد أن لفقت له القضية كما يذكر الرجل.


رفقي نحاس هذا هو الشئ الوحيد الذي يعلمه عنه وهو إسمه، والذي اصبح مصدر فخر له بين اقرنائه في المحبس، وذلك لمكانة الرجل وشهرته الذائعة الصيت في هذا المجال، بالإضافة إلى الإشاعات التي تتواتر على أسماعها بشأن الأجر الخيالي الذي يتلقاه في كل قضية يتولاها، وهو لم يدفع هو منهم شئ، منذ أن هبط عليه وتولى جميع قضياه، إلا أنه كلما يسأله عن أجره او من هذا الذي تطوع وأتى به إليه، يفاجئه الرجل بقوله:

- إنتظر حتى ننتهي من كل شئ، وستعلم كل ما تريد معرفته وقتها. 

ومهما ألح عليه لا يعطيه قول مفيد، فلا يملك سوى الأنتظار، بالظبط كما ينتظر الاَن لقرار القاضي الحاسم بعد انتهاء المرافعة وشهادة الشهود، ينتظر هذه الأوقات القليلة مع نظرة مطمئنة يرسلها إليه الرجل، قبل أن يلتهي عنه بمكالمة تليفونية ليخرج بهاتفه إلى خارج قاعة المحكمة، فلا يدخل إلا بعد عودة انعقاد الجلسة بعودة المستشارين والقاضي الذي عقدها، ليردف ببعض الكلمات الثقيلة على إستيعاب عقله المتواضع، ثم يبدأ في إصدار أحكامه على عدد من الافراد معه في القفص،  حتى إذا وصل لإسمه ذكر بعض الكلمات باللغة الفصحى لم يعرف منها هو شيئًا، لكنه رأى التهليل والمباركات على وجوه صبيانه وابتسامة واثقة رمقها بها هذا الرجل المدعو رفقي، جعلته هو يشعر ببعض الإطمئتان رغم عدم فهمه لشئ، ليظل على فضوله حتى انتهت جلسة الحكم، ف أتأه هذا الرجل المغتر مع عدد من صبيانه الذي التفوا حوله للتهنئة والمباركة، تجاهلهم جميعًا ليسأل الرجل على الفور:

-مقولتليش يا سيدنا، هو انا اخدت إيه بالظبط؟ العيال بتباركلي وانا مسمعتش البراءة دي خالص!

تبسم يجيبه الرجل بمكر:

-القاضي احتار يديك إيه بعد وزعنا القضية على كذا اتجاه، إنت خدت سنة مع وقف التنفيذ يا فهمي ههه.

ضحك فهمي يبادل الرجل المرح، ليسأله مرة أخرى بإلحاح:

-يعني كدة براءة يا سيدنا، ولا برضوا السنة دي هتفضل معلقة في قفايا ولا إيه يعني انا مش فاهم؟

كظم رفقي غيظه من غباء الآخر، فقال على عجالة وهو يتحرك للذهاب من امامه:

-تقدر تحسبها براءة، المهم انك هتطلع من السجن، وابقى راعي لنفسك بقى عشان ما توقعش تاني ويتجمع عليك القديم والجديد، يالا بقى سلام. 

- طبعا امال ايه نراعي نفسنا، هي دي شغلانة.

تفوه بالكلمات فهمي وهو يتابع الرجل وهو يغادر من أمامه نحو باب القاعة المكتظة بالاعداد الضخمة من البشر، مع الصخب الدائر بأصواتهم، فالتف إلى احد صبيانه يتابع حديث نفسه المبتهجة قبل ان يتلقطه حارس القفص ليخرج به:

-ولله وهترجع امجادك يا فهمي، ونخرج للبشر اللي مستنيانا ، حلاوته. 


❈-❈-❈ 


بجوار تختها الطبي المستلقي عليه جسدها الهزيل بعد عودتها من جلسة العلاج الكيميائي الصعبة، كانت كاميليا جالسة وتدلك بأناملها على كفها تنقل إليها الدعم والمؤازرة، وهي تبتسم إليها بحب وامتنان، لا تصدق ان برغم كل ما فعلته من خطأ، لم تتركها ابنتها او تتخلى عنها كما فعلت هي سابقَا.

-جرا إيه يا جماعة، بلاش الحزن دا بقى وفرفشي كدة يا طنت نبيلة، خلي البت دي تفك خلقتها المقلوبة كدة بدل ما اطفش منها، انا راجل فرفوش ومحبش النكد .

هتف بالكلمات طارق لتشيعه المرأة بنظرة مرحة مع قولها:

-تسيب مين يا ولا؟ هو انت تقدر توارب حتى عنها، طب اعملها كدة وخليني اشوف .

هلل يجيبها بتراجع على الفور وهو يجلس على الكرسي بجوار كاميليا:

-لا لا تشوفي إيه؟ قلبك ابيض يا ستي، هو انا اقدر افكر حتى في غيرها، دي حبيتي وربنا ما يحرمني منها دي.

قال الأخيرة وهو يتناول كف يدها ويقبلها، اشرق وجه  نبيلة بالضحكات رغم الشحوب، وهي تشاهد تجعد وجه  ابنتها بالضيق لمشاكسة خطيبها الدائمة لها بجراته المعهودة، لتهتف بوجهه:

-يعني هي خلاص ضاقت عليك يا طارق مش لاقي مكان تقعد فيه غير الكرسي اللي انا قاعدة عليه؟ الأوضة فيها اتنين تاني غير الكنبة. 

عقب هو على قولها ببساطة:

-اه يا حبيبتي في، بس انا هلاقي راحتي فين؟ انا بقعد في المكان اللي برتاح فيه.

- والله.

قالتها وهمت لتلتف بجذعها فمنعها ضيق، لتكمل بغيظ:

-وهي الحشرة دي فيها راحة برضوا يا طارق؟

مال بجسده يلف ذراعه حول كتفيها ليرد بغبطة:

-اوي، تعرفي المسرحية القديمة دي بتاعة الأبيض والأسود لما الممثل دا اللي اسمه أمين الهنيدي لما يكون بيقولها كدة بالفم المليان:

- انا مبسوط كدة، انا مستريح كدة.

على قوله لم تقوي كاميليا على منع ابتسامتها، ازدادت ضحكات نبيلة لتردف إليهما:

-طب ولما هو كدة يا عم انت، ما تتــ جوزوا بقى، مستنين إيه. 

شهق طارق بصوت كوميدى جعل كاميليا تنفجر في الضحك المكتوم ليهتف بمسكنة:

- انتي بتقولي لمين يا ست انتي الكلام ده؟ انا لو عليا اتــ جوز امبارح مش النهاردة، بنتك المفترية اللي لازقة جمبي دي هي السبب، هي اللي حاطة العقدة في المنشار، انا سألت واتأكدت ان ملهاش عدة وينفع نتــ جوز على طول، إنما هي بقى مأجلة ليه؟ أسأليها كدة يا حماتي والنبي، شوفي كدة هتقولك إيه؟

سمعت منه نبيلة لتتوجه سائلة نحو ابنتها:

-إيه يا كاميليا؟ إيه اللي مخليكي مأجلة حبيبتي؟

ظلت على وضعها المذكورة لعدة لحظات تحاول وقف الضحك حتى تتمكن من الإجابة، ووجها اصبح قطعة حمراء،  لتردف اخيرًا بصعوبة:

-عدة احترازية. 

-إيه؟

تفوهت بها نبيلة سائلة ليشير لها طارق بطريقة كوميدية جعلت كاميليا ترد بدفاعية رغم الضحك المكتوم:

-عدة احترازية يا جماعة الله، انا اصريت عليها قاصدة عشان ع الأقل نعمل فترة خطوبة، خلاص الوقت راح يعني؟ دول كام شهر قليلين مش مستاهله 

ردد خلفها ساخرًا:

-كام شهر ومش مستهله! خدتي بالك يا حماتي، بتقولك مش مستاهله بكل بساطة، عشان لما اقولك عنها انها مفترية تصدقيني. 

-صدقتك يا حبيبي، وعذراك من زمان والله. 

قالتها نبيلة برقة لتدعمه، ليرسم على وجهه البراءة والمسكنة، فلا تستطيع الأخرى التوقف عن ضحكاتها وهو يناكفها باستمتاع يدخل في قلب المرأة البهجة، حتى تحول كل ذلك مع استدركها لوضعها، فقالت بجدية خلت من العبث:

-حاولي يا حبيبتي تقربي الميعاد، عايزة اللحق افرح بيكي، لميعادي يسبق قبل ميعادك.

انتفضت كاميليا بارتياع لتهتف بعدم احتمال:

-إيه اللي انتي بتقوليه دا يا ماما؟ حرام عليكي ماتوقفيش قلبي من الخوف، انتي هتعيشي وتشيلي ولادي وولاد اخواتي كمان، بلاش التشاؤم دا، لأنه غلط على فكرة.

أكمل على قولها طارق:

-فعلًا يا حماتي، انا اعرف ان الإرادة في الحياة عليها اكبر جزء في محاربة المرض وهزيمته، انتي تقدري أكيد، ما هو مش معقول يعني اللي جمبي دي، تكون جايبة قوتها وإصرارها دا من الهوا كدة. 

استجابت لمزاحه نبيلة لتعود ابتسامتها مع القول:

-كاميليا دي خدت أحلى الصفات مني وسابت اوحشها، ربنا يحرسها، والدها كمان كان لو فضل كبير في زرع الطيبة والجدعنة في شخصيتها، على رغم كل هدوئه ده لكنه ابدًا ما كان ضعيف.

قالتها بنبرة تفيض بالندم، ليخرجها طارق بقوله:

-طب معلش يعني يا جماعة في دا السؤال، بس انتوا يعني ليه مصممين إنكم متقولوش لحد؟ ومخلين الأمر وكأنه سر ما بينكم؟

أطرقت كاميليا برأسها صامتة وتكفلت بالرد نبيلة:

-السر فيا انا يا طارق، عشان انا اللي رافضة ان حد يعرف، مش عايزة اشوف الشفقة في عيون حد، او اشوف الشماتة في عيون اللي هيقولوا كدة بالفم المليان، دي خدت جزاءها، رغم اني هديهم الحق وقتها على فكرة، زي ما انا عارفة ومتأكدة كمان إن والد كاميليا عمره ما هيسبني لو عرف عشان اصله الطيب وكرم أخلاقه، بس انا برضوا مش هرضهالوا.

أوقفت لتختم بتنهيدة طويلة خرجت من العمق، وخيم الصمت على ثلاثتهم بتأثر، قبل ان يقطعه طارق، بقوله:

-بس انتي مهما اختفيتي ولا خبيتي نفسك عن الناس، أكيد هتحضري فرحنا، مش كدة برضوا.

مرة أخرى نجح في نزعها من الكاَبة لتندمج معه في مرحه، وقالت بعيون تلألات بالقلوب الحمراء:

-دا هيبقى أحلى يوم في حياتي، واوعى تفتكر إني هحضر كدة بلبس عادي ولا أي كلام، لا يا حبيبي،  دا انا لازم البس وابقى قمر، عشان اغلب البنت دي اللي قاعدة جمبك، او ع الأقل يقولوا إن العروسة طالعة لامها.

- يا ولد.

هتف بها طارق بإعجاب شديد ليتابع:

-اقسم بالله انتي قمر من غير مكياج يا شيخة، دا إيه اللذاذة دي. 

سمعت منه لتحرك اكتافها بدلال مع ابتسامة رائعة، ارتدت على ابنتها بالفرح، وعلق طارق:

-وكمان دلوعة يا ناس دا أنتي عسل....

توقف ليقترب منها هامسًا:

- بقولك إيه، ما تعلمي البت اللي جمبي دي ينوبك ثواب يا شيخة.

قالت كاميليا من خلفه متصنعة الغضب:

-سمعاك على فكرة 

التف إليها يغيظها بنظرته، فردت نبيلة بمكر:

- ومين قالك بقى إن البت دي مش دلوعة يا حبيبي؟ دي بلوة مسيحة.

-ماما.

هتفت بها كاميليا بنظرة محذرة، لم تعيرها نبيلة اهتمامًا لتكمل لهذا الذي كان يستمع إليها بشغف:

-هي بس تلاقيها مكسوفة منك، عشان كدة مصدرالك الوش الخشب، إنما استني انت كدة على ما تتجــ وزها، وانت تشوف الهنا كله.

- يا ماما.

صاحت بها لتوقفها، بوجه تلون بالخجل الشديد، فالتف برأسهِ إليها الاَخر يناظرها بأعين تفيض بالعبث وهو يقول:

-ما تسيبي الحجة تقول وتتكلم، دي بتقول حكم .والله حكم.

ضحكت على قوله نبيلة ورد فعل ابنتها التي فاض بها منهما فهتفت حانقة وهي تتناول هاتفها لتجيب عن الاتصال الذي ورد إليها نجدة:

- انا غلطانة اني لمتكم على بعض...

تبادل طارق ونبيلة نظرات خبيثة وهم يتابعون حديثها المقتضب في الهاتف بعد أن نهضت من جوارهم، لتنهي المكالمة سريعًا وتقول بلهفة:

- طارق احنا لازم نمشي بسرعة، زهرة بتولد .


❈-❈-❈ 


يتحامل ويقسو بقوة على الجهاز الذي يُدرب عليه قدمه المصابة لكي يستطيع السير عليها بشكلٍ طبيعي كالسابق فلا يقدر، لقد مر شهر منذ أن توقف عن العلاج العادي بعد العمليات الجراحية، وهو الآن يواظب في التمرينات بشكل دوري، وبإرادة ترفض الإستسلام، حتى لو كان هذا شئ غير مضمون كما اخبره أكثر من طبيب تفحص حالته، يرفض هذا النقص الذي يشعر به حينما يسير على أقدامهِ وهذا العرج الحديث، لذلك هو يجعل خطوات السير على أقدامه دون السيارة في أضيق الحدود، لن يتواني أو يتوقف عن المحاولة حتى العودة إلى السابق.

- ربنا يقويك. 

عقد حاجبيه بعد سماعها من نبرة الصوت المعروفة إليه،  فالتف برأسه إليها ليصدق تخمينه وهو يراها واقفة بابتسامتها الناعمة دائمًا، وترتدي ملابس الرياضة، فرد بخشونة رافعًا حاجبًا واحدًا:

- ويقويكي يا ستي ألف شكر.

قالها ليعود لوضعه السابق، ليتفاجأ بها تلتف لتقف أمامه وتقول:

- انا كنت في الصالة جوا لما شوفتك وانت داخل على صالة الرجالة، مقدرتش أمنع نفسي إني ادخل واكلمك عشان اطمن. 

-هذا يعني انها رأته وهو يعرج بقدمه.

غمغم بها داخله لتفور الدماء برأسهِ، فحاول التماسك، ليكتفي بالإيماء برأسهِ إليها، ف تابعت هي:

-بس انا شايفاك ما شاء الله يا كارم، ربنا يتم شفاك على خير.

فعل نفس الأمر يومئ بعينيه دون صوت، ف اقتربت تسأله بجرأة:

- انا أسفة في السؤال يا كارم ومش عايزاك تزعل مني، هو انت انفصالك عن كاميليا؟ كان قبل الإصابة ولا بعدها؟

توقف عما يفعله ليرمقها بأعين مشتعلة لم تؤثر فيها، وتابعت بعدم اكتراث:

-بصراحة لو كانت الإصابة هي سبب إنفصالكم، تبقى صاحبتك قليلة الأصل ومتستهلش النعمة اللي كانت في إيديها، وعلى إيه بقى؟...... ما هي لقت البديل أصلًا.

قالت الأخيرة وهي تشيح بوجهها عنه بلؤم تداري خوفها من غضبه والذي حدث على الفور بصيحته:

-عايزة إيه يا ميرفت؟

انتفضت لتلتف إليه فتواجه هذا الوجه المظلم والنظرة القادرة على إحراق من أمامها، فعبس وجهها هي أيضًا، لتقول بلهجة حاقدة:

-انا بس عايزة افكرك إن جاسر الريان معندهوش عزيز، غير صاحبه واللي يجي من ناحية مراته وبس، يعني بذمتك، إنت لو ليك عنده ذرة كرامة، كان قبل بالوضع ده، وانت كنت إيده اليمين واللي شايل المجموعة على اكتافك؟ انا بجد حزينة عليك وع اللي حصلك، إنت ابن أصول وعيلتك مشهورة في البلد كلها، أنا حزينة بجد عليك يا كارم، عشان حقيقي مكنتش أتصور إن دا يحصلك في يوم من الأيام أو إنك تلاقي الخيانة بالشكل المزدوج ده.

قالت كلماتها وتحركت لتغادر من أمامه على الفور، حتى تزيد من إحتراقه وغضبه، ليتوقف هو عن كل شى ويشرد بعينيه في نقطة ما في الفراغ، وقد إستطاعت بدهائها النبش في هذه النقطة الحساسة إليه، لتذكره حتى لا ينسى أبدًا، أو يندم فيما يود فعله!


❈-❈-❈ 


في المشفى الذي امتلأ بعدد الأفراد من العائلتين، خطى الإثنان بداخل الرواق الطويل المؤدي في طريقه نحو القسم المقصود، أوقف طارق إحدى الممرضات وما ان هم بسؤالها، حتى هتفت به كاميليا لتنبهيه:

-غادة وخطيبها اهم هناك يا طارق.

قالتها لتسرع نحو المذكورين الذين كانا في اَخر الرواق من الناحية الأخرى، تبعها طارق حتى تقابلا أربعتهم في نصف المسافة:

-إيه الأخبار؟

سألت كاميليا بعد المصافحة والترحيب، وكان رد غادة:

-الحمد لله، ربنا قوم زهرة بالسلامة وجابت نونو زي القمر.

-يا مشاء الله.

تمتم بها طارق مع كاميليا التي تابعت سؤالها الاَخر بلهفة:

-طب هي عاملة إيه دلوقتي؟ 

اجابتها الأخرى بابتسامة مشرقة:

- كويسة والحمد لله، بس هما شوية التعب دول اللي بعد الولادة، لكن هو انتوا كنتوا غايبين فين؟ دي احنا من الصبح معاها هنا.

تحمحم طارق يجيب وهو يخفي ارتباكه:

-لا ما احنا كنا في مناقصة مهمة برا العاصمة. ومعرفناش غير بعد ما انتهت.

تدخل إمام بقوله المرح:

- ولا يهمك يا باشا، القسم أساسًا كانت مليان النهاردة، بالحبايب، ربنا يوعدكم انتو كمان .

-يارب يا إمام يارب.

رددها طارق بتمني من القلب وهو يتبادل النظر مع محبوبته قبل أن يسأل بلهفة

-طب هما فين دلوقتي؟ عايزين نلحق ونبارك 

اشار لهم إمام على الناحية المؤدية للغرفة،  قبل ان يعود لخطيبته ليقول بحب هو الاَخر:

- وعقبالنا إحنا كمان يا غدودتي.

استجابت له بابتسامة خجلة تبدلت فور أن أكمل لها:

-ويجازي اللي في بالي. 

لكزته بقبضتها على ساعده الضخم تنهره محذرة: