رواية نعيمي وجحيمها أمل نصر - الفصل السابع والستون 2
رواية نعيمي وجحيمها
بقلم الكاتبة أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها
- تابع قراءة الفصل السابع والستون -
- ما تقولش عليها كدة يا إمام عشان مزعلش منك .
ناظرها بمكر ليسألها:
-طب وانتي عرفتي انا بتكلم على مين؟
صاحت بها تجيبه بفطنة:
- اَه يا حبيبي، قصدك على أمي، عشان هي اللي مطلعة عينك في طلباتها الزيادة.
أومأ لها مضيقًا عينيه يلوح بسبابتيه بطريقة مضحكة:
-أديكي قولتيها بنفسك اهو، طلباتها الزيادة، الزيادة أوي، يعني انا لو كشفت راسي دلوقتي ودعيت عليها من قلبي، يبقى عندي حق.
تبسمت رغم الضيق الذي يعتريها من الداخل لتأكدها من صدق قوله، مع افعال والدتها المبالغ فيها معه، والتي تقصد من خلفها تطفيشه مع تحديها لها بالتمسك به، ف تداركت لتخاطبه بدلال:
-معلش بقى إمام، اتحملها عشان خاطري، ولا انا مليش خاطر عندك.
قالتها لترى تأثير كلماتها عليه، وهو يطالعها بابتسامة مبتهجة مع قوله:
-عشان خاطرك اتحمل، ولو حكمت أشيلها هي كمان بوزنها التقيل يا ستي.
لكزته مرة أخرى لتردف بحزم وابتسامة مستترة:
-مينفعش تكمل جملة بنية صافية، لازم تختمها بغلاسة.
مالك انت بوزنها؟
تطلع إلى ساعده الذي تلقي قبضتها ليقول بزهو ومناكقة:
-انتي كنتي بتزغزغيني صح، أكيد يعني دي مش ضربة.
اومأت برأسها تضحك غير قادرة على مجارته كالعادة.
❈-❈-❈
في الغرفة الكبيرة التي خف الازدحام بها، طرقت كاميليا على بابها الخشبي بخفة قبل أن تدلف بحرج مرددة التحية، لتركض سريعًا نحو صديقتها بلهفة للاطمئنان عليها، وتبعها طارق بكلماته المرحة:
- مساء الفل، جاسر باشا منور
هتف بها بصوته العالي فور أن رأه جالسًا بالقرب من زوجته، ليلج لداخل الغرفة بخطوات مسرعة في الذهاب نحوه، وقف له الاَخر يتقبل عناقه والتهنئة بسعادة لم يستوعبها حتى الاَن:
-الف مبروك يا حبيبي يتربى فى عزك يارب.
-الله يبارك فيكي يا صاحبي، عقبالك
-يارب يا غالي يسمع منك يارب،
صاح بصوت عالي قبل ان يلتفت للأم موجهًا المباركة أيضًا:
-حمد لله ع السلامة يا زهرة.
-الله يسلمك يا طارق، عقبال فرحكم انتو وكاميليا.
رددتها له بوهن، ليجيب برفع كفيه بحركة مسرحية أثارت الابتسامة على وجه الجميع، قبل أن ينفرد مع صديقه بحديثٍ أخوي في جانب وحدهم، وتندمج هي في الحديث مع صديقتها ورقية بجانبها، وقالت تخاطب الأخرى بعتب
- كدة برضوا يا كاميليا، كل الناس في الساعة دي تبقى حواليا إلا انتِ برضو؟
قبلتها اعلى رأسها مرددة بأسف:
-سامحيني يا حبيتي، بس انا والله ما كنت هنا في العاصمة أساسًا.
طالعاتها عاقدة حاجبيها باستفهام لقطته الأخرى بسرعة، ف اقتربت بجوار رأسها لتهمس:
-مش عايزة أعلي صوتي عشان خالتي رقية، انا كنت عند ماما أساسًا.
توقفت لترفع رأسها وتقول بصوت واضح هذه المرة:
-بس انا بصراحة زعلانة اوي، كان نفسي اشوفك يا زهرة واعرف عملتي إيه ساعتها؟
لم تكد تكملها لتفاجئ بقول رقية المتلهف:
- يا ختيي ع اللي عملته، دا انتي فاتك نص عمرك النهاردة
قالتها وكان رد زهرة ان رفعت كفيها لتُخبئ وجهها من الحرج، مغمغمة بحنق:
-يا لهوي عليا، انا عارفة انها مصدقت.
ضحكت كاميليا وهي تتابع قول رقية التي لم تكترث لغضب حفيدتها:
- يا ختي صريخها كان واصل لاَخر المستشفى، البت اللي طول عمرها هادية، لو تشوفيها النهاردة وهي ماسكة وبتشد في جوزها بغيظ وكأنها عايزة تاكله....
قاطعتها على الفور زهرة من تحت كفها:
-والنعمة يا رقية، لو ما بطلتي لازعل منك بجد.
مشهدها أثر الفضول لدى لكاميليا لتعلم ببقية الحديث فسألتها بلهفة:
-لهو انتي دخلتي معاها اوضة الولادة.
أجابتها على الفور لتقص عليها ما حدث:
-اه يا ختي امال إيه؟ ما هو جوزها مستحملش البهدلة بعد ما عضته في إيده، وفضلت انا معاها لحد اما شيلت الولد على إيدي .
شهقت كاميليا بمرح مرددة بمشاعر تفور بداخلها لهذا الإحساس الجميل:
- الله يا رقية، دا انا كدة زعلى حيتحول لقهرة حقيقي عشان مقدرتش أبقى معاكم واشوف الحاجات دي، بس هو فين الطفل وفين بقية البشر؟ انا سمعت ان الجميع كان معاكم النهاردة، فين عامر ولميا، ولا سمية أو والدك ولا خالد صح ونوااال؟
ردت زهرة بوجه عابس:
- الولد لسة بيطمنوا عليه في الحضانة وعامر ولميا معاه هناك، وسمية بقى روحت مع بابا اول اما اطمنت عليا، اما خالي فطلع مع مراته يروحها هي كمان عشان ترتاح، ما انت عارفة ظروفها بقى بعد الحمل هي كمان.
❈-❈-❈
في الغرفة الممتلئة بالأطفال المواليد، كان واقفًا بتأثر افقده النطق وهو يتطلع في الطفل الذي يحمله ببن يديه بعد أن اطمئن عليه الطبيب الذي فحصه جيدًا، ولم يتبقى سوى بعض الإجراءات القليلة حتى يعود به إلى والديه، ولكنه ومنذ خروجه لم يستطع تركه، حتى أنه لا يسمح بأحد بحمله ولا حتى يسمع لإلحاح زوجته، التي كانت تخاطبه بضعف رغم لهفتها هي الأخرى، تقديرًا لحالته:
-يا عامر كفاية بقى حرام عليك، انا نفسي كمان اشيله.
انتبه عليها اَخيرًا، ليرفع رأسه عن التحديق بالطفل، فيرى وجه زوجته المغرق بالدموع، فسألها يدعي عدم الفهم:
-بتعيطي ليه لميا؟
اجابتها وقد اكتسحها القهر:
-عشان انت اناني، ومن ساعة ما شيلت الولد مش راضي تدهوني.
اومأ بمهادنة على الفور قائلًا:
-خلاص بلاش عياط، هدهولك يا قلبي، بس اصبري شوية بس على ما اشبع منه.
دبت بأقدامها على الأرض بغيظ:
-تاني برضوا يا عامر، طب اديني فرصة اشوف ملامحه حتى.
طالعها بإشفاق اشعرها ببدء استجابته ولكنه صدمها بقوله:
-وانا مانعك يا روحي تعالي شوفيه.
زفرت بضيق وهي تجده مصرًا على أنايته، فدنى إلى مستوى طولها، ليقرب وجه الطفل إليها، فترضخ مذعنة لحسن اخلاقه، بعد أن سمح لها بالرؤية أساسًا، وتطلعت في الطفل حتى تتعرف على ملامحه جيدًا بعد الرؤية الخاطفة في أول الأمر، فقال عامر:
-واخدة بالك يا لميا، شكله جميل ازاي؟
ردت بصوت مبحوح يخرج بصعوبة من فرط مشاعرها:
-اه يا حبيبي، دا جميل اوي كمان... يانهار ابيض دا عنده غمازة دقن زي والدته.
قالت باستدراك وهي تخاطب زوجها، والذي رد بابتسامة لها:
-اه فعلا... بس كمان أخد حواجب أبوه، شايفة مقلوبة ازاي يا لميا؟
قالها بضيق جعلها تضحك، لتردف باكتشافها الاَخر:
-وعيونها ملونة يا عامر، دي اكيد عيوني.
ناظرها عامر بانفعال يقول لها:
-فينها عيونك دي؟ هي باينة أساسًا، دا بيغمضها وهي ضيقة أساسًا.
قارعته زوجته بتحدي:
-اه ضيقة بس انا شوفت لونها كويس أوي.
فين شوفتيها؟ دا انا بقالي ساعة ببص ومشوفتش حاجة.
قالها عامر بإصرار، لتهتف زوجته بإصرار أشد:
- عشان انا عندي قوة ملاحظة اقوى منك يا عامر.
هم ليجادلها ولكن منعه صراخ الممرضة التي كانت واقفة بجوارهم منذ فترة:
- يا بهوات الله لا يسيئكم حد فيكم يعبرني بقى؟
سألها عامر مجفلًا:
- عايزة إيه يا بنتي؟ وانتي بتصرخي أساسًا كدة ليه؟
تنهدت الفتاة تجيبه بتعب:
- عشان بقالي ساعة واقفة عايزة اعرف منكم إسم المولود ومحدش فيكم منتبهلي، دا حتى لما روحت لوالدته ووالده قالوا منعرفش.
تبسم عامر بانتشاء لوفاء ابنه وزوجته بوعدهما بترك التسمية لهما، لترد لمياء التي أصابها الزهو هي الأخرى وتجيب الفتاة .
- اكتبي يا بنتي عندك، مجد جاسر عامر الريان.
سألتها الفتاة لتتأكد:
-بتقولي مجد يا هانم؟
أجابها عامر بغبطة تغمره:
-ما قالتلك يا بنتي مجد، لأن دا الأول، وبقية السلالة تيجي بعده ان شاءالله.
❈-❈-❈
-بتعُضيني في كف إيدي يا زهرة؟ هونت عليكي برضوا؟
همس بها جاسر وهو جالس بجوار رأسها على مقعده، مستغلًا غفوة رقية وخلاء الغرفة بعد مغادرة كاميليا وطارق، لتجيبه بابتسامة متسلية:
- وجعتك؟
-أوي، دا انت سنانك لسة معلمة في إيدي، حتى شوفي كدة،
قالها بعد أن رفع الجانب المتأذي أمام عينيها، قربتها إلى فمها تقبلها وتقول برقة:
- سلامتك.
-الله يسلمك
قالها بابتسامة عريضة وقد أرضاه فعلها، لتكمل هي:
- بس انت مدام عارف نفسك مش هتتحمل، مكنتش دخلت معايا يا جاسر.
همس يجيبها بصوت أجش:
- ما انا مهنش عليا اسيبك وقتها، بس بصراحة مكنتش اعرف انها حاجة صعبة أوي كدة، وبرضوا مكنتش اتخيل انك هتبقي شرسة معايا انا بالذات.
ضحكت بخجل تداري وجهها قبل أن تنتبه على دفع الباب مرة واحدة ليلج منه خالد، ف ابتعد جاسر عنها بحركة سريعة، لفتت انتباه المذكور، ليقول بمكر:
-إيه يا جماعة هو انا جيت في وقت غير مناسب ولا إيه؟
غمغم جاسر بالكلمات الحانقة،وهو يشيح بوجهه للناحية الأخرى، ف تبسمت زهرة بخجلها المعتاد، ليصدر الرد من رقية:
-مش تتنحنح يا واد الأول وانت داخل، عشان ياخدوا تنبيه.
قالتها لتنتفض زهرة بالرد:
-ستي إيه اللي انتي بتقوليه ده؟
-إيه يا عيون ستك، مش بقول الصح عشان ميحصلش حرج.
قالتها رقية بخبث وهي تتنقل بعينيها من حفيدتها لجاسر الذي انخطف لون وجهه، ليزيد عليهما خالد بمشاكشته:
-واضح إن الست الولدة كانت مفتحة عيونها معاكم
هتف به جاسر:
-متابعة إيه بالظبط؟ دي كانت نايمة.
ردت على الفور رقية:
-لا دا ماهو كان الأول، قبل ما اصحى على الوشوشة بتاعتكم حتى بأمارة العضة.
شهقت زهرة وضرب جاسر بكفه على سطح وجهه بقلة حيلة، ليهتف خالد بنية غير سوية:
-عضة إيه يا مٌا؟
❈-❈-❈
بعد قليل
عاد عامر بالطفل مع زوجته ليجد نقاشيًا حاميًا بالغرفة، وصوت ابنه المتعصب يغطي على صوت خالد ورقية في الجدال:
-إيه يا جماعة فيه إيه مالكم؟
سأل ٧امر ف سكت ثلاثتهم فخرج صوت زهرة لتُخاطب عامر بلهفة:
-انت جيبت الولد؟ هاته خليني اشوفه دا وحشني أوي.
تبسم عامر وخطا بسرعة ليعطيها الطفل، وتتلقفه هي بحنان واعين زوجها تتابعهما، فسألت لمياء:
-هو انا ليه اتهيألي انكم كنتوا بتتخانقوا؟
ردت رقية منفعلة:
- ربنا ما يجيب خناق ان شاءالله، بس انتي احضرينا وقولي رأيك، هي البت لما تولد بتروح فين؟ مش بتروح عند اهلها برضوا عشان تنفسها امها او اختها او حتى مراة ابوها لو كانت هي البديل.
هزهزت رأسها لمياء تسألها بغباء:
-بنت مين؟ وتتنفس ازاي يعني؟
صاحت رقية:
-زهرة يا ستي.
- مالها زهرة؟
سألتها لمياء ببلاهة، لتردد رقية.
- ييييييي.
عقدت لمياء حاجبيها باستغراب من رد رقية وكلماتها الغير مفهومة، ليهتف لها جاسر مصححًا:
- عايزة تفهمك يا ماما، انها عايزة تاخد زهرة معاهم بيتهم، المدة اللي جاية دي كلها لحد اما تقوم بالسلامة، يعني ع الأقل شهر او أربعين يوم .
شهقت لمياء برعب ليتوهج لون الخضرة بعينيها، وأتي الرد من عامر :
-إيه اللي انتي بتقوليه دا يا رقية؟ ازاي يعني؟
تدخل خالد:
-امي بتتكلم ع الأصول يا عامر باشا، احنا ناس بلدي ونفهم في الحاجات دي، دي بقالها مدة يا راجل بتجهز للحدث.
اضافت رقية:
- ايوة امال ايه؟ دا انا خليت سمية تروح البيت على طول عشان تجهزلها الفرخة اللي هتتقاوت بيها.
-ويعني احنا مش هنعرف نجهز لها فرخة يا رقية؟
هتف بها عامر بحدة ليتبع قوله برفق:
- اصول بقى ولا مش أصول، انا مصدقت لقيت الولد يا رقية، يرضيكي يبات بعيد عني من دلوقتى، ولمدة شهر كمان او أربعين يوم؟
عبس وجه رقية يحزنها إحراجه ويغضبها عدم تنفيد ما كانت تخطط له، فتدخل جاسر يهادنها برفق:
- ويا ستي، تعالي انتي معانا واقعدي معاها براحتك، ولو ع الفراخ اللي جهزتها سمية هاتيها واكلي زهرة منها براحتك برضو.
ارتخت ملامحها وقد بدا انها رضت بالحل الوسط، فهتف عامر ضاحكًا يخاطب زهرة:
- طب وانتو بترغوا كدة وسايبين الأمة وابنها،
رأيك ايه انتي بقى يا ست زهرة:
اجابته بابتسامة رقيقة ترضي جميع الأطراف:
- اللي ترسوا عليه مع بعضكم انا موافقة عليه .
❈-❈-❈
خرجت تلتف يمينًا ويسارًا، بعد أنهت محاضراتها، تبحثُ بعيناها عن السيارة المميزة، حتى إذا لمحتها
من قريب وسط السيارت المصطفة أمام الحرم الجامعي، وقائدها بأناقته التي تخطف الأنفاس، ووسامة جعلته محط انظار جميع المارة من الفتيات، وقد زادته النظارة السوداء غموضًا، خطت بسرعة لتفتح بابها بسرعة وتنضم بداخلها معه، لتلقي التحية وهي تقول بحماس:
-مساء الفل، اتأخرت عليك؟
رفع نظارته عن عينيه يجيبها بابتسامة ساحرة:
-مساء الجمال، هو بصراحة انتي اتأخرتي بس انا زعلي كله راح بمجرد ما شوفت وشك اللي زي القمر ده.
تبسمت بسعادة لغزله، فتابع لها:
- ها تحبي نروح فين بقى يا ست رباب؟
اجابته بنظرة حالمة:
- اختار انت، على أي حتة تختارها انا موافقة يا كارم!
يتبع..