قراءة رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 2 - 2
رواية مواسم الفرح (ست الحسن)
بقلم الكاتبة أمل نصر
تابع قراءة الفصل الثاني
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
-يعنى ايه انا مالى ؟ يعنى ايه انا مالى هه ؟؟
اجفلها فعله الغريب، وهي تشعر بكفها تعتصر بين يده، فقالت ببعض المهادنة،
لأن وضعها وانظار الناس التي كانت مصوبة نحوها، جعلها تود فعل اي شئ لتذهب من امام
هذا المعتوه الذي ينقدها بغير حق بملاحظاته الوقحة عما ترتديه أو تتزين به:
- انا مغلطتش فيك على فكرة، سيب أيدي.
- مدحت :
هتف بها ياسين يومئ له بعيناه حتى انتبه، فنزع كفه عنها، يتمتم
بالاستغفار، ليقول بخشونة ليُخفي حرجه:
- معلش مكنتش واخد بالى، بس انتى استفزتينى لما جولتيلى انت مالك،
سمعت منه والتفت نحو جدها تدلك كفها المتألم، وهي تطالعه بأعين التمعت
بالدموع وكأنها تعاتبه لسكوته عن فعل هذا المجنون، التقط ياسين بفراسته، ما تفكر
به، فقال يراضيها:
معلش يابتى واد عمك بس بجالوا سنين بعيد عن البلد وميعرفش ان البلد
اتطورت والبنته بتلبس ع الموضة دلوك
انتفضت نهال لتسدير قائلة قبل أن تغادر من أمامهم بعصبية:
- حتى لو كان انا محدش ليه حكم عليا غير ابويا ثم انا مش
عيله صغيرة، انا بكره هبجى دكتورة زيه واحسن كمان
قالتها وذهبت سريعًا من أمامم، هم مدحت لملاحقتها ، ولكن ياسين أوقفه
بأن جذبه من كفه، ليجلسه عنوة، فقال مدحت يخاطب جده بغضب:
- عاجبك كدة يا جدى جلة ادبها عليا ولا اللى عملاه فى وشها
والفستان اللي هي لابساه؟
شدد ياسين على كفه يقول بحكمة:
-براحة يا ولدي، بلاش طبعك الشديد ده مع بت عمك،
البت فرحانة باختها والبنته بتعمل اكتر من كده دلوك.
رد مدحت بحدة:
- والفرحانه تهبب دا كله فى وشها، ليه بجى كانت العروسه هى.
قال ياسين بلوم:
- يا ولدى مش كده انت ماخدتش بالك وانت جارص على يدها، انت الدكتور
المتعلم عمرك ماكنت عصبى كده يا مدحت !
نفض رأسه مدحت ليغير دفة الحديث بقوله:
- طيب انت جاعد لوحدك ليه يا جدى ؟ ابويا وامى راحوا فين ؟
ربت ياسين على كتفه بحنان يجيبه:
- راحوا يباركوا للعرسان فى الكوشه ياولدى
عجبالك ياحبيبى هى دى اللى هاتبجى الفرحة الكبيرة ليا
- جريب ياجدى ان شاء الله جريب
قالها مدحت وكأنه يؤكد الكلام لنفسه!
❈-❈-❈
نهال والتي كانت تغمغم بالكلمات الحانقة، وهي تدلك كفها التي فقدت
الاحساس بها بعد عصرها من قبل ابن عمها المعتوه، اصطدمت بفتاة لتجدها نوها
صديقتها، والتي خاطبتها باستغراب:
- انتي كنتي فين؟ ومال يدك؟ ماسكها كدة ووشك مقلوب
تمتمت نهال بعصبية ودون أن تفكر:
- رجعى، متخلف لا وعاملى فيها دكتور.
سألتها نوها بعدم فهم:
- مين دا يا بنتى اللى بتتكلمى عنه؟
وكأنها لم تسمعها، رفعت نهال رأسها إلى صديقتها تقول:
- طيب وانا هزعل نفسى ليه ؟ وهو مالو بيا اصلا !!
بت يا نوها تعالى معايا هروح اظبط مكياجى فى الحمام
قالتها لتسحب نوها، من يدها، ثم تأخذها نحو حمامات القاعة، اطاعتها
نوها رغم استغراب حالة صديقتها
وكلماتها الغير مفهومة، بغرض الإستفهام بعد ذلك.
❈-❈-❈
بعد قليل وأمام المراَة، كانت نهال تعيد على زينة وجهها الخفيفة،
ونوها من خلفها لا تكف عن البكاء.
- بجى الدكتور مدحت اللى بجالك سنين وانتى مصدعانى بيه ومش شايفه
فى الدنيا حد غيره دلوكتى بجى رجعى ومتخلف ياشيخه دا انتى دخلتى الطب مخصوص عشانه
!!!
ردت نهال بعصبية:
- ايوه صح كلامك واكتشفت انى كنت حماره عشان كنت معميه على عينى
وبحبه بس من ساعة ما اتجدم لاختى الصغيره وانا بجيت شايفاه زين و انا دلوكتى
مش هابص غير لمستجبلى وبس .
❈-❈-❈
وعلى كرسيها بجوار خطيبها المزعوم ، كانت بدور وكأنها في دوامة، لا
تستطيع ترجمتها لهذا الإحساس، لا تشعر بفرحة العرس كأي عروس، ولا حتى هذه الشبكة
الغالية التي وضعت على يديها، كلمات الغزل التي كان يلقيها على اسماعها ليثني على
جمالها، كانت ترد عليها بحساب، ومعظم الوقت لا تجيب،
خرجت من حالة الشرود التي تلبستها من اول اليوم، على هذا المشهد
الغريب، حينما وجدت معتصم خطيبها ، يشعل سيجارة يدخنها بجوارها وأمام أعين الجميع،
فخاطبته مستنكرة:
- ايه اللى انت بتشربه دا يا معتصم؟ ارمى السيجارة دى من يدك حتى
عشان منظرك فى الكوشة
رد معتصم، وهو ينفث دخان السيجارة بعدم اكتراث:
- منظر ايه اللى بتتكلمى عنه؟ انا اجدر اعمل اى حاجة وفى اى وجت
ومحدش يجدر يبصلى حتى مش يكلمنى.
اغتاظت بدور من لهجته المتعالية، وهذه الغرور، فعقبت على قوله
باستهجان:
- طيب سيبك من كلام الناس مش خايف على صحتك انت يدوبك ٢٠ سنه دى
كده غلط جدا عليك؟ انت امتى لحجت تشربها اساسا؟
ضحك معتصم حتى ظهرت جميع أسنانه، ليزيد من استفزازها بقوله:
-تجدري تقولي إني من ساعة ما تولدت وانا السيجارة فى يدى ههههه .
اشمأزت بدور من ضحكاته الغير مبررة، وهي ترا أسنانه الصفراء عن قرب،
لتشيح بوجهه عنه بقرف، فاصطدمت عينيها، بهذا الذي كان واقفًا في أول القاعة،
يطالعها بنظرات غامضة وليست مفهومة.
❈-❈-❈
وإلى عاصم والذي غلبه الشوق ف أتى رغم تصميمه على ألا يأتي، حتى لا
يراها بحوار أحد غيره، ولكنه لم يقوى على ان يتحكم في نفسه، واقدامه التي
قادته،حتى دلف للقاعة ، كي يراها، يقهره العجز وقلبه من الوجع يعتصر وينزف ولا أحد
يشعر به
وفي الجهة القريبة كان مدحت قد انتهى من تحية احد اصدقائه، وفي طريقه
للعودة إلى طاولة عائلته، ولكنه انتبه على دخول عاصم، بهيئة مزرية لا تخفى على رجل
مثله، يقف متسمرًا، وأنظاره مثبتة على العروسين، وكأنه في عالم اَخر.
اقترب منه من أجل أن يصافحه، ويتحدث معه، ولكن الاخر كان قد انتبه
إليه، فرمقه بنظرة كارهة واستدار ليخرج، لحقه مدحت يمسك بمرفقه وهو يقول له:
- اجف استنى عندك يا عاصم، أنا عايز اسلم عليك.
توقف مدحت على هذه المنظرة المذبــ وحة من ابن عمه، ليكمل سائلًا نحوه
بجزع:
- انت مالك يا عاصم؟ ايه اللى حصل يا واد عمى ؟
نفض عاصم ذراعه عنه بعنف قبل أن يجيبه بحدة:
- عمرى ما هسامحكم لا انت ولا واد عمك حربى، عشان انتوا السبب في
كل اللي وصلنا ليه، لو مكنتوش ادخلتوا في نفس اللحظة اللي انا اتقدمت فيها، مكنش
حصل دا كله.
تنهد مدحت يعقب على قوله باستخفاف:
- يعنى انت عامل فى نفسك كده عشان متجوزتش بدور، يا عم هو ايه اللى
حصل يعنى؟ بكره تتجوز احلى منها كمان، روق نفسك يا واد عمى هو اللى خلقها مخلجش
غيرها .
رد عاصم بشبه ابتسامة وهو يربت على ذراع مدحت بخفة:
-ساهل جوى الكلام منك يا واد عمى عشان انت مجربتش .
توقف قليلًا، ليضيف بحرقة
- عشان انت لو حبيت بجد، أكيد يعني مش هتتحمل تشوف حبيبك فى الكوشه
مع حد تانى غيرك، سيبنى ياواد عمى خلينى امشى.
قالها واتجه للخارج على الفور، يعود بسيارته التي أتى بها، في سكون،
ويترك مدحت وكلمات عاصم تطن بعقله، وتوجع قلبه حزنًا على ابن عمه والذي شارك
بغباءه هو فيما وصل إليه.
❈-❈-❈
وفي جانب وحدهم وعلى قرب انتهاء حفل الخطبة، تجمع نساء العائلة تقريبا
جميعهم على طاولة وحدهم، ليتسامروا مع الحج ياسين:
فقالت هدية:
- خلاص ياعمى، انت مدام مبسوط جوى كده يبجى احنا كمان نعمل فرح
حربى فى القاعه يعنى هو احنا اقل من العمد ولا ايه؟
نعمات بحسن نيه؛
- وماله ياحبيبتى يارب يكرم حربى بالعروسه هو كمان
قالت هديه بتلميح :
- شدى حيلك انتى ياحبيبتى معانا واحنا نخلى الفرحة فرحتين
تطلعت إليها نعمات تسألها باستفهام:
- اشد حيلى! جصدك يعنى ادور معاكى على عروسه؟
تدخلت سميحة تخاطب هدية وهي ترمي على نعمات:
- اللحجى يا هديه دى عامله نفسها مش عارفه
- عيب يا سميحه بلاش تلجيح الكلام ده.
هدر بها الجد ياسين هامسًا بحدة يوقف الاثنتان، ولكن نعمات اصرت على
المعرفة
- يعنى ايه؟ ما تخليهم يتكلموا، انا مش فاهمه حاجة يا عمى .
ردت راضية بخبث هي الآخرى:
- افهمك انا ياغاليه اصل هديه وولدها حربى النهاردة حاطين عينهم
على نهال من أول الفرح ولا انتي مخدتيش بالك؟
- نعم؟ إيه اللي انتو بتجولوه ده؟
قالتها نهال باستغراب، والتي وصلت وقتها وسمعت حديثهم، صمتت نعمات
كالعادة حينما تشعر بانفعال بسري بداخل نحو موقف ما، حتى لا يخرج من فمها الخطأ،
وتكفلت راضية بالرد على نهال :
- زى ماسمعتى كده ياحبيبتى حربى واد عمك عينه ماتشلش من عليكى
النهاردة بس سيبك منه انتى خلاص هتبجى عروسة ولدى الدكتور هو اللى يستاهلك.
تملك نهال الغيظ وهذه النبرة المستهينة بها وباختيارها، لترد باندفاع:
- حيلكم حيلكم هو بلاها سوسو خد توتو، لا بجى انا هبجى دكتوره يعنى
ما يلزمتيش اتجوز الدكتور ولا غيره
- شدى حيلك وورينا شطارتك
قالها مدحت اللى وصل على حظها في هذا الوقت، حالا ليتفاجأ من طريقة
حديثها عنه، لتجفل وتلتف برأسها إليه، فترى هذا الاشتعال بعينيه، ليخيم الصمت على
الجميع وتسود ذبذبات توتر في الهواء حولهم غير مريحة، ثم قال مخاطبًا والدته
وعيناه على نهال:
- مش يا للا بجى يا امى عشان اوصلك انا شايف ان الخطوبه قربت
تختم وملهاش لازمه الجعدة اكتر من كده
نهضت راضية عن محلها تطيعه دون صوت، وتحركت لتسبقه بخطواته البطيئة،
اما هو ف أبى ان يترك الحفل دون أن يرد، ف اقترب من نهال يهمس لها بغضب، جعل قلبها
ينتفض
اما نشوف شطارتك ياست الدكتورة.
❈-❈-❈
بداخل السيارة وفي طريقهم للعودة، كان مدحت يقود السيارة بعقل شارد مع
هذه المتمردة، يعتريه الغيظ بشدة منها ومن رفضها له، دون تقدير بمكانته، وكأنه شخص
بلا قيمة، كلماتها كانت تتكرر على أسماعه، حتى انه لم يكن منتبهًا لحديث والدته
وشقيقته، حتى نفسه لتخرج افكاره بصوت مسموع:
- ماشى، ان ما كنت ربيتك مبقاش انا .
- مين دى اللي هتربيها ؟!
هتف بها رائف من خلفه وهو جالس على الكنبة الخلفية، لينتظر الإجابة من
مدحت الذي لفه الأرتباك، وزاد من حرجه بأن سُمعت أفكاره .
ردت راضية بذكائها المعهود وهي جالسة في الامام بجوار ابنها،
- متخدتش على خاطرك وتزعل يا حبيبي، ما انا جولتلك من الاول البت
دى محدش مالى عينها
- مين دى ؟
هتف بها رائف من الخلف، وعيناه تتنقل ما بين والدته وشقيقه الذي كان
يقود بوجه متجهم، والذي تجاهله ليقول بغضب واستياء:
- امى الله يخليكي، انا مش عايز افتح كلام لأن انتى اللى غلطانه من
الاول .
ردت راضيه بملامح حزينة:
- انا يا ولدى ليه؟ عملت ايه بس ؟
رد مدحت وعيناه ارتكزت نحو الطريق، دون ان يلتف بنظره نحوها:
- يعنى مش عارفه عملتى ايه؟! انتى خدتى رأيى جبل ماتعرضى عليها
الجواز ياما؟
صاحت ترد بدفاعية:
- يعنى الحق عليا يا ولدى، دا انا مكنتش عايزاها من الاول عشان
راسها الناشفة وعقلها الشاطح في التعليم والكلام الفاضي، لكن لما شوفتها عجباك
جولت اجوزهالك.
ضرب بقبضته على المقود بعصبية وهو يهدر كازًا على أسنانه:
-تاني برضوا بتنفذي اللي في دماغك من غير ما تشوريني، تمام زي ما
عملتي المرة اللي فاتت وخليتني اتحط في موقف محرج مع عيال عمي، طب انتي عرفتى منين
انها عجبانى؟ انا جولتلك؟
صاح رائف من الخلف:
- لا بجى افهم مين دى اللى بتتكلموا عليها انا مش هجعد على طول كده
زى الاطرش فى الزفة،
لم تلتفت إليه راضية ولكنها واصلت الحديث مع مدحت بحنان الأم :
- يا ولدى انا شوفتها فى عينك مين غير ما تجول، فقولت اللحق قبل ما
تروح لحد تاني زي اللي راحت.
هم مدحت لقطع حديثها ولكنها سبقته بتصميم
- ماتحاولش تنكر ياواد بطنى، نظرتك ليها كانت فضحاك الليله وانت
عينك مانزلتش من عليها، دا انت ولدي اللي انا حفظاه اكتر من نفسه.
كلماتها القوية أجبرته على الصمت مع تفكيره الذي عاد إلى هذه المتمردة
التي شغلته طوال الأيام الماضية، من وقت ان رأها ببيت جده، حتى شجاره معها الليلة،
بعد ان شعر بتوقف دقات قلبه عن النبض مع رؤيتها بهذا الجمال الساحر، وعيون البشر
التي تتاَكلها من حوله، حتى نسي اتزانه وكاد ان يفضح نفسه بانفعاله عليها، انتفض
من شروده فزعًا على صوت رائف شقيقه من الخلف:
- وبعدين يعنى معاكم انتو هاتفضلوا كده كتير تتكلموا بالالغاز انا
عايز اعرف الكلام دا كله على مين؟
صاحت بدورها راضية عليه ترد بعصبية نحوه:
- يخرب مطنك يا شيخ، خبر ايه يا واد؟ انت ايه اللى جابك معانا
اساساً ماكنت جيت مع ابوك وعمامك فى عربية الرجاله، هاتبيض وتعرف مين هى؟ .... ما
بنجيبش سيرة حد غريب، احنا بنتكلم على بت عمك المحروسة نهال يا سيدى، ست الحسن
والجمال اللى شايفه نفسها ومحدش مالى عينها.
سمع منها رائف ليعود بظهره للخلف مسترخيًا يقول:
- اااه يعني انتوا بيتكلموا على نهال، جولو كده عشان ابقى معاكم في
الحديت، طب وهي نهال شايفه نفسها ياما؟ دى عسل ودمها سكر كمان.
قالها وهو يبتسم ببلاهة، غافلًا بغباء عن نظرات شقيقه التي كان يحدجه
بها بعنف في المراَة الأمامية، فقالت راضية تغير دفة الحديث:
- طب انت برضك هتوصلنا وتمشى فى الليلالى يا ولدى؟ مش ناوي تبيبت،
حتى عشان تقضى الجمعة معانا، دا انت بجالك سنين ماخدتش اجازه .
هم ان يرد بالرفض ولكن سبقه رائف بقوله:
- ايوه صح يا دكتور، دا حتى الجمعه بكره اول الشهر، يعنى العيله كلها
هتتجمع عند جدى واهى فرصه تغير جو وتفتكر زكرياتك مع الحصان العالى بتاع جدى
ولا كمان اكل عمتى صباح انت عارفه بجى مش هاجولك
رد مدحت بتفكير:
- العيله كلها، طب اما اشوف وجتى يسمح ولا لأ.
يُتبع..