-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 30 بالعامية

 رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

الفصل الثلاثون

النسخة العامية 



الارتباك الجلي على ملامحها وبعينيها كان يؤلمه هو نفسه، اجبار كل ما به أن ينظر لها بتلك النظرات التي يعلم كيف تجعل وجهه وملامحه تتغير مائة وثمانون درجة، طيف من الذعر بات يقبع بعسليتيها ولكن ما زال بها تلك الفتاة التي اقتحمت مكتبه في يوم من الأيام لتحركه كبيدق بين أصابعها ويعرف أنه في نهاية كل الأمور سيُذعن إليها ولكل ما يحلو لها..

 

حاولت الثبات في منتصف دوامتها التي لا تنتهي كلما اقترب منها تكلمت مُدعية عدم الخوف منه:

-       لا أنا عارفة مين عمر الجندي كويس مش محتاج تعرفني، بس شكلك أنت اللي مبقتش تعرفني كويس.. لو مبعدتش ايدك عني وسبتني امشي من هنا أنا مش هاسكت!

 

تفقدها بمقلتين زجاجيتين لا تظهر بهما سوى انعكاس ملامحها لينظر لها وعينيه غارقتان بتفقد مظهرها ثم كلمها ببرود:

-       ناوية تروحي فين بمنظرك المبهدل ده، وأنتِ من غير موبايل ولا سواق ولا حتى فلوس.. واضح إن جنانك مبقاش سايب فيكي ذرة عقل تفكري بيها!

 

ابتسمت بسخرية وهي تنتشل ذراعها منه بالقوة ثم قالت بنبرة مستفزة:

-       عمايلك!

 

قولها لا يُنكره، ولكن تلك الحالة التي باتت عليها ستدفع بها نحو هاوية الانتحار، ومنش شخص جرب فعل الأمر لمرات هو لا يريد لها نفس المصير، فالحقيقة التي يدركها هو ذلك الفرق الواضح بينهما منذ أن عرف من هي "روان صادق" التي اقتحمت مكتبه، وكل ما كانت عليه لا يستحق الاندثار ليحل محله امرأة أخرى تمامًا لا تفعل شيء بحياتها سوى الانتقام، الثمالة، ومؤخرًا بات الانتحار لها اختيار!

 

-       ادخلي اقعدي على السرير لغاية ما الهدوم اللي بعت اجيبها توصل..

 

تكلم وهو يقف أمام الباب مباشرة ليمنعها من الخروج بينما رمقته بسخرية ثم حدثته:

-       فاكرني هفضل قاعدة مستنية ومش ورايا مثلًا شغلي وحـ

-       شغلك أنتِ واخدة منه إجازة، أول معاد عندك يجي بعد شهر، بطلي تكدبي!

 

قاطعها لتتردد لوهلة واحترقت غيظًا لمعرفته بأمر عملها، لابد من أن "علا" قد أخبرته، سيكون لها حساب عسير لتتوقف عن الثرثرة بلسانها!

 

لم تتقبل أفعاله التي فجرت بداخلها أحداث متوالية من بداية زواجهما عندما كان يقف بينها وبين عملها وضيعت الكثير من الوقت مع رجل مثله لا يستحق لتشعر بغيظها يزداد بداخلها فتوجهت لتُطبق على ذلك الزر الموضوع بجانب السرير لاستدعاء أي شخص من طاقم التمريض!

 

لاحظ بطرف عينيه ما تفعله ووقف بثبات غير مُكترثًا بما تفعله إلى أن استمع لطرقات على الباب تبعه صوت نسائي:

-       ممكن تفتحوا الباب بعد اذنكم عشان أقدر اساعد لو فيه حاجة محتاجينها

 

اتجه بأعين مُحذرة مُقتربًا منها بينما ابتعدت هي عنه ليتكلم بصوت مُرتفع يصل لمن يقف خلف الباب:

-       محتاجين مياه وقهوة!

 

رفع احدى حاجباه بتحذير بينما وجدها تنظر له بتشفي ثم أطلقت حبالها الصوتية بصراخ فتوجه نحوها لكي يُسيطر على صوتها فوجدها تتحرك كالطفلة وهي تقف فوق الفراش وتحاول أن تنتقل للجهة الأخرى لكي تهرب من الباب ليرغم نفسه على جذب قدمها بقوة ثم وضع يـ ـده فوق شفتيها وهو يعتلـ ـيها ليمنعها بفعل وزنه من الهروب ليستمع لصوت تلك الممرضة المضطرب بسبب صوت صراخها:

-       افتح بعد إذنك عشان لو فيه مشكلة نقدر نساعد المدام!

 

أطبق عليها بقوة أكبر وشعر بتألم ذراعه وهي تحاول الإفلات من أسفـ ــله بأعينها المختلطة بالذعر والتحدي في آن واحد ليصيح لتلك الممرضة قائلًا:

-       متقلقيش، هي بس رجليها اتخبطت في طرف السرير، هاتي المياه والقهوة وانا هافتح الباب!

 

ضيق عينيه نحوها بلوم بينما لم يستمع للمزيد من تلك الممرضة ليحدثها بهمس بين أسنانه المُطبقة بغضب وهو يحاول أن يلجأ لأكثر الحلول السلمية معها:

-       عاجبك اللي احنا وصلناله ده.. لآخر مرة بقولك لو متعدلتيش لغاية ما نمشي هنا من المستشفى صدقيني حسابك معايا مش هايبقى سهل!

 

حاولت من جديد الإفلات منه ليتركها ثم اعتدل بوقفته وهو يشعر أنه سيفقد وعيه وكأن كل ما حوله يتحرك بطريقة غريبة ليلتقط بعض الأنفاس واتجه ليجلس على واحد من المقاعد ثم أشار لها بيـ ـده:

-       روحي المكان اللي أنتِ عايزاه، بس متبقيش تزعلي من اللي هيحصل بعد كده!

 

استمع كلاهما في نفس الوقت لطرقات على الباب بينما تكلم صوت رجولي بحزم:

-       افتح لو سمحت، احنا أمن المستشفى!

 

تفقدها بنظرات ثاقبة مُحذرة ثم كلمها بهمس:

-       روحي افتحي، بس متنسيش تطلعي قدامهم والناس كلها تشوفك بمنظرك ده عشان تبقا سيدة الأعمال المحترمة ماشية عر يـ ـانة في وسط الكُل، يالا بالمرة ياخدوا فكرة، اقولك ابقي خليهم يصوروا كمان!

 

انتقلت مُقلتيه لتتفحص جـ ـسدها فتابعت ما ينظر إليه لتجد تلك الملابس الشفافة الخاصة بالمشفى والتي لا يتواجد أسفـ ـلها سوى ملابسها التحـ ـتية فابتلعت باضطراب واتجهت نحو الباب بعنف وأخفت أغلب جـ ـسدها لتنظر برأسها فقط ثم أخرجت كل هذا الغيظ على الرجل الذي أمامها:

-       افندم، أنا مطلبتش الأمن!

 

وجد الرجل طريقتها غير المُرحبة ليُحدثها برسمية:

-       حضرتك سمعنا صريخ من الأوضة وكانت مقفولة فجينا نطمن مش اكتر.

 

تفقدتها بعصبية شديدة لتحدثه بعجرفة:

-       أنا كل اللي طلبته كان مياه وقهوة، مش ممكن الازعاج اللي في المستشفى دي بجد، staff زي الزفت، ايه مفيش خصوصية أبدًا هنا، أنا هاشتكي لوزير الصحة يتصرف معاكم!

 

صفعت الباب بوجه الرجل بينما كتم هو ابتسامته الضئيلة وهو يتذكر نفس الموقف بالطائرة وكلاهما عائدان من هاواي ببداية زواجهما عندما اتضحت نفس طريقتها المتغطرسة على تلك المُضيفة وهي كانت في نفس الموقف، هو يُرغمها على شيء ولكنها لا تقبل أبدًا الظهور بمظهر غير جيد أمام أعين الناس، ولكن هذه المرة هو حقًا لا يريد سوى أن يراها بخير، فما تفعله سيصلها لهوة سحيقة لن تستطيع النجاة منها أبدًا!

 

وجدها تلتفت له فادعى الجدية على ملامحه المُرهقة ليجدها تتوعده بغيظ:

-       أنا هندمك على كل اللي بيحصلي بسببك ده!

 

حاول ألا يبتسم بأعجوبة وأشاح بنظره بعيدًا عن وجهها ثم جلس منتظرًا إلى استمع لطرقات على الباب فنهض هو هذه المرة ليقوم بتفقد من القادم ليجد أنه سائقه قد آتى وأحضر معه حقيبة من الملابس فتناولها منه ثم عاد للداخل بعد أن أغلق الباب ووضع الحقيبة على المقعد ليخرج منها بعض الملابس له بعد تلك الملابس التي تضررت وأخبرها متكلمًا بهدوء:

-       بعد ما رجعتلك كل هدومك اللي كانت في بيت القطامية بعد الطلاق مكنش فيه أي هدوم اجيبهالك غير من بينكم فكلمت هُدى ومن غير ما اقلق حد باللي حصل فهمتها إننا اضطرينا نسافر فجأة عشان عندك اجتماع في اسكندرية خرجتي من شغلك على السفر على طول وهترجعي كمان يومين، مكنش قدامي حل تاني، لو عايزة تعرفيهم اللي حصل خدي الموبايل وعرفيهم.. ادخلي غيري هدومك على ما نتيجة التحاليل تطلع!

 

كانت تنظر عبر النافذة وهي تسمعه بينما كلماته بصحبة هؤلاء الناس الذين يتحركون خلال هذا الصباح الباكر عززت تلك الرغبة بعقلها وهي تتمنى لو يمكنها الإفلات من حياتها الواقعية لحياة أخرى تملك خلالها قصة أخرى عن قصتها المخجلة، لم يعد هناك بها مقدرة أن تتشبث أو تحاول، منذ أن رحل والدها وكل شيء ينقلب رأسًا على عقب، ربما احتمت من أن تستمتع بالكثير من نواحي الحياة من أجل العمل والدراسة وظنت أنها ستعوض كل شيء لاحقًا، ولكن بعد ما آلت له الأوضاع بات من المستحيل أن تملك حياة طبيعية مثل سائر النساء في مثل عمرها.

 

هناك تلك النساء التي تملك أصدقاء وأطفال وأزواج يحبونهن وعائلة كبيرة، أمّا هي فهي لا تدري ما الذنب الذي ارتكبته لتشعر بهذه الوحدة الشديدة واليأس الذي لا ينتهي، حياتها أصبحت مثيرة للشفقة، هل ذنبها أنها قامت بالتأخر؟ هل كان من الخطأ أن تهتم بشغفها بالعمل في مجال البرمجيات؟ هل هذا هو ذنبها الوحيد؟ حتى النجاح أمر خاطئ؟!

 

لم تستطع السيطرة على دموعها التي هوت وهي ترى امرأة تغادر مستندة على زوجها بصحبة طفلين وعلى ما يبدو أن قدمها قد وضعت بالجص لتوها، لابد من أنها تتألم جـ ـسديًا، ولكنها سعيدة وتلاطف أبناءها بصحبة زوج يكترث لها وأسرة صغيرة اطمئنوا عليها أولًا بجلوسها في السيارة قبل أي أحد منهم!

 

شردت فيما تراه إلى أن تحركت تلك الأسرة الصغيرة بالسيارة التي اختفت في نهاية الطريق لمغادرة المشفى ليقتلها هذا الشعور بداخلها بأنها في النهاية لم تكسب شيء سوى البراعة في البرمجة وبعض العقود الدولية الجديدة وربما قد تموت عند هذا الحد مثلما اقتربت من الموت اختناقًا منذ ساعات بعد أن أدركت أن الموت هو الراحة لكل ما هي فيه، هي لم تعد تطيق العمل بكل ما به وبات لا يمثل لها مهرب مثل السابق!

 

-       سمعتيني..

 

التفتت دون أن تنظر له وهي تجفف دموعها في هوان يعتصر قلبها ثم تناولت تلك الحقيبة واتجهت نحو الحمام المُلحق بالغرفة ولم تكترث بالنظر له ولو بلمحة عابرة!

--

جلست طوال الطريق في صمت تام وهي شاردة بتلك الشوارع عبر نافذة نفس السيارة التي كانت منذ عامين تُنشأ بها ذكريات لم تكن تُدرك أنها ستكون وبال عليها بمجرد الجلوس بها مرة أخرى وانبعثت نفس تلك الرائحة التي جعلت الكثير من الأحداث تتجدد بمخيلتها من جديد!

 

تثبتت نظرتها على ما يتضح منه حيث جلس على المقعد الجانبي للسائق وهي ما تزال تسأل نفسها الآلاف من الأسئلة التي لا تجد إجابة عليها، ما الذي أخطأت به حقًا حتى تتحول حياتها من دائرة لا نهائية من رتابة كانت سعيدة بها وفي غاية الرضاء عنها إلى ثمالة وآلم ومهدئات ثم حريق كادت أن تلفظ أثناءه أنفاسها الأخيرة؟!

 

لا تدري ما الخيبة الأكبر، رضائها بما كانت عليه بالسابق، أم اختيارها له، أم ما فعلته لاحقًا لتفلت منه، أم ما تفعله بحق نفسها قبل أن تفعل أي شيء بحق الجميع؟ هل اختارته أم أُجبرت؟ هي حتى لا تجد إجابة على هذا السؤال بداخلها!

 

ابتلعت تلك الغُصة بحلقها التي تجبر عبراتها على التهرب وحاولت الصمود طوال هذا الطريق الذي لم تدرك متى سينتهي ولا حتى أدرك عقلها أنه نفس الطريق الذي سلكته لأكثر من مرة بالسابق ولكن عندما تراءى لها ملامح ذلك المنزل الذي ظنت أنها ستعيش به للأبد بصحبة زوج جيد وسيكون لها أطفال وأسرة صغيرة ستكونها في يوم من الأيام به لم تستطع المحاربة أكثر وهبطت دموعها في استسلام تام منها.

 

حاولت إبعاد تلك العبرات المتوالية بأطراف اصابعها ونكست رأسها للأسفل متمنية لو يُمكنها التواري عن العالم بأكمله وعبرت الثواني كسنوات إلى أن توقفت السيارة فانطلقت منها للخارج ووقفت أمام الباب فوجدته موصد فعقدت ذراعيها وهي تنظر للأرض أسفلها بنفاذ صبر وهي لا تريد سوى أن تغمض عينيها ثم تبصر من جديد لتجد نفسها امرأة أخرى باسم آخر وتملك حياة أخرى تمامًا غير نفسها.

 

لو نطق بحرفٍ واحد وتبعه بملايين لن يواسيها، لن يُصلح الأمر هذه المرة بنقاش أو وعد منه، لا يريد أن يجعلها تستمع لصوته الذي لابد من أنها لا تبغض أكثر منه بالحياة، يعرف أن كل ما فعله بالسابق لم يعد يترك له المزيد من الاعذار أو المحاولات لتتقبله كمجرد شخص عابر بحياتها، وأما ما ارتكبه منذ قليل حينما كانا بالمشفى لابد من أنه ذكرها بكثير مما تريد نسيانه، لو تبادل أي منهما كلمة واحدة الآن سيؤدي لانهياره أو انهيارها، إن لم ينهارا معًا أكثر في هذه الحلقة المفرغة من الألم!

 

اقترب وهو يقوم بفتح الباب دون أن يتجرأ أو يسمح لنفسه بالنظر إليها حتى بلمحة عابرة تفاديًا لما سيشعر به كل منهما واتخذ خطوة للخلف لتتقدم هي للداخل وبمجرد رؤية هذان الكائنان المرعبان المختلط سوادهما بالقليل من اللون الأبيض تحدثت بصراخ:

-       طلع الكلاب برا، أنا مش هاقعد معاهم في بيت واحد!

 

دخل سريعًا ليحول بينها وبينهما عندما هرع كلًا من "فينوس" و "أوفيد" نحوه في حالة من السعادة الشديدة ولكنه تعجب من صوتها المبحوح ونبرتها الغريبة، فما صرخت به لم يغادر حنجرتها سوى بما يُشابه الهمهمة ليشعر بالقلق مما يحدث لها ليتابع اقدامها التي ابتعدت سريعًا لتصعد للأعلى وهي كل هدفها أن تتخلص من كل ما حولها وبكل ذرة بهذا المنزل الذي لم يُذكرها سوى بلعنة غبائها الشديد.

 

شعرت بكل ما حولها يدور بشدة وكأن كل محتويات هذا المنزل تتحرك من تلقاء نفسها بعد أن دخلت هذه الغرفة ووجدت هذا الفراش الذي فقدت جنينها فوقه بيوم من الأيام لتتوجه عينيها نحو باب غرفة الملابس وتذكرت تلك المرة التي وجدت بها صورة "يُمنى" كما تفجر بعقلها نفس الليلة التي عاد بها مخمور يثرثر ويبكي لترى نفسها تواسيه ثم أخذت خطوات بطيئة حتى السرير لشدة هذا الدوار الذي لم تعد تتحمله وأغمضت عينيها حتى لم تستطع فتحهما مرة أخرى!

--

أخرج هاتفه بعد أن جلس من شدة الإرهاق وتغير نظام الحماية لهاتفه وكذلك للمنزل بأكمله واخباره لسائقه بإحضار رجال أمن لهذا المنزل وعدم السماح لها بالمغادرة ليطلق زفرة مطولة استعدادًا لآخر ما يتبقى عليه عمله فهذه المكالمة يتمنى أن تمر كما مرت تلك التفاصيل بالسابق بينه وبين والده بالأيام السابقة ثم قام بالاتصال به ليجيبه بنبرة منشغلة:

-       صباح الخير، اخبارك ايه النهاردة؟

 

وكأنه سيستطيع قول الحقيقة ليجيبه عن سؤاله، يبدو أنه قد كُتب عليه أن يعيش كاذبًا طوال حياته ولا مفر له من التظاهر بأن كل شيء بخير:

-       كله تمام، خلصت البيت في القطامية عشان نرجع هنا تاني وكنت شغال على القضية الكام يوم اللي فاتو، ولسه داخلين حالًا، بس امبارح بليل روحنا البيت عندي وباين نسيت حاجة على النار وحصل تسريب غاز البيت كله ولع.. زي ما أكون بجهز البيت هنا عشان التاني هيولع!  

-       حصل امتى ده، ازاي متكلمنيش وتعرفني؟

 

صاح به والده متأهبًا ليُنهي غضبه سريعًا بنبرة هادئة:

-       متقلقش يا بابا، احنا كويسين، مردتش اقلقك بليل، احنا صحينا على الدخان في البيت وروان تعبت اكتر مني، وملقتش حل غير إني انط من البلكونة فدراعي اتكسرت.. كويس إنها جت على قد كده!

 

سرعان ما ألقى والده اللوم دون الخوض في تفاصيل:

-       أنت ازاي تعمل كده؟ وهي نامت وسابت البيت يولع من غير ما تتمم عليه؟

 

قلب عينيه وهو يحاول أن يكتم غضبه بأعجوبة ليعقب قائلًا:

-       بابا أنا اللي سبت النار مش هي، وبعدين روان كانت تعبانة امبارح ونامت قبل مني، أنا بس حبيت اعرفك عشان متسمعش من حد غريب، والدكاترة طمنونا اننا احنا الاتنين كويسين.. ايدي بس هتاخدلها فترة على ما ترجع كويسة

 

استمع لزفرة والده الساخرة التي سبقت كلماته:

-       ما طبعًا لازم تدافع عنها وتطلعها ملاك قدامي، وأكيد هتقولي إنك تعبان وتاخدلك أسبوعين نوم ومش مهم الجلسة بتاعت القضية.. ماشي يا عمر خليك مكمل في خيبتك دي!

 

أنهى والده المكالمة دون أن يستمع منه لما ود أن يخبره به ليغمض عينيه بإرهاق وهو يزفر بمشقة ليدفع نفسه بصعوبة وهو غير قادر على التفكير في أي شيء سوى أن يحصل على قسط من الراحة وجر قدميه للأعلى لكي يبدل ملابسه فتبعه كلبيه ليلتفت إليهما بزجر ونبرة جادة:

-       اللي رجليه هتعدي السلمة دي هيتبهدل..

 

أشار بسبابته بمزيد من التحذير ليرتجع كلاهما اثر تلك النظرة الصارمة بعينيه ثم جلسا لا يحركان ساكنًا وتابعاه إلى أن غاب عنهما بخطواته البطيئة إلى أن دخل نفس الغرفة التي دخلتها هي منذ قليل ليجدها مُلقاة بطريقة غريبة على الفراش ليتردد لبُرهة قبل أن يقترب منها ولكنه تذكر تلك الطريقة التي تحدثت بها منذ قليل ليتوتر قبل أن يقدم على الاقتراب ليحسم جدل رأسه بعد لحظات وتوجه ليُعدل من وضعها ودثرها ببعض الغطاء ليجدها لا تستجيب على الإطلاق وملامح الإرهاق بادية على وجهها فتفقدها بيأس هائل لدقائق وشعر بالخيبة تنهش كل كيانه على ما آلت إليه الأمور معها.

 

نهض بمقلتين غائبتين خلف عبرات مكتومة ليُبدل ملابسه لأخرى مُريحة ثم اقترب متفقدًا إياها مرة أخرى وهو لا يعرف ما الذي سيحدث بينهما بالأيام القادمة واتجه للباب ليقوم بغلقه واخفاء المفتاح واحضر بعض الغطاء ليُلقيه على الأريكة ثم تناول قرص واحد لا يعرف إذا كان من المناسب أن يتناوله الآن بهذا الوقت من اليوم ولكن موعده قبل النوم على كل حال فتناوله دون اكتراث وقام بتحديد ثلاث ساعات من الآن فستكون كفيلة بالحصول على بعض الراحة دون أن يفسد نظام نومه وتضرع بداخله أن تكون هدنة ولو بسيطة له قبل الحرب التي ستندلع بينها وبينه!


تابع قراءة الفصل