رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 33 بالعامية - 2
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
تابع قراءة الفصل الثالث والثلاثون
النسخة العامية
-
انا اللي حقنتك بالمصل بعد ما العقرب لدغك، بس منظرك
قدامي وانتي في حمى وشوفت إنك ممكن تموتي فعلًا بعد التجويع اللي جوعتهولك، سمعت
صوت دوايا بيقولي أكمل اللي بعمله بس مكونتش عايز، كان جوايا خناقة، كان جوايا وجع
مش عايز يخلص وانا بقول لو كنت عملت كل اللي بابا علمهوني في يوم مكونتش وصلت إني
احب ستات خاينة مرة واتنين، لكن لما قربت وشوفتك مبتتحركيش فعلًا ابتديت أفهم كويس
أنا بعمل ايه، بس لما اتأكدت إنك مهما عملتي يستحيل أعيش من غيرك حتى لو كنتي
خاينة مكونتش مصدق نفسي، مش أنا اللي دايمًا كنت بقولك إن الحب بيخلينا نعمل كل
اللي مبنصدقهوش!
-
الحب! ايه الحب ده اللي يخلينا نموت اللي بنحبه؟
-
حب راجل مجنون، زيي!!
-
دلوقتي اتأكدت إنك مجنون؟!
هز كتفيه بين بكائه وانطلق اللوم من لسانه دون أن يعي إلى
أين يتجه بكلماته:
-
صدقيني لو كنتي صبرتي عليا أيام بس كان زمان مفيش أي
حاجة من دي حصلت، يمكن لو كان الموضوع موضوع ابن خالتك بس كنت اتصرفت تصرف تاني،
بس أنا لقيت مليون دليل إنك كنتي بتحاولي تستغفليني وتخونيني.. لدرجة إني صدقت إن
الأيام اللي مش قادر افتكرها لغاية النهاردة كنتي بتخدريني أو بتحطيلي حاجة في
الأكل!
انطلقت زفرات سخرية محضة منها ثم صرخت به:
-
ايوة، هرب من الموضوع الأصلي ولوم وعاتب وقول إن الغلط
غلطي وإن أنا السبب!
-
أنا مبهربش ولا اقدر اهرب منك!
تحول البوح والاعتراف لجدال صريح لتنهض "مريم"
وهي تتدخل بينهما لتوقف هذا الشجار الذي لن تسمح بحدوثه:
-
ممكن بعد اذنكم تــ
-
متدخليش!
قاطعها كلاهما بشراسة وكأنهما ليسا غارقان بحزن قد يُسبب
له نوبة شديدة وقد تجعلها تفقد الوعي لو تصاعد توترها ودخلت بنوبة، وكأن كلاهما
يلومانها ويرانها هي المُذنبة بكل ما يحدث بينها لترفع حاجبيها بانزعاج وقررت أن
تُعطي لهما فُرصة أخيرة فما تستمع له منه اليوم حاولت بشتى الطرق الحصول عليه خلال
كل تلك الجلسات الماضية ولكنه فشلت، لم تكن تعرف أن تواجدها قد يدفعه للتحلي بهذه
الشجاعة للاعتراف فصمتت من جديد بينما تحدث هو من تلقاء نفسه:
-
في خلال أسبوعين شوفت بعيني يعني ايه ممكن تموتي قدامي،
وده دخلني في اكتئاب، مكونتش بتحرك، مكونتش بدخل الحمام، كنت زيي زيك، بس انتي
مجبرة، أنا اللي كنت بجبر نفسي، بموت نفسي وبموتك، ولما صحيتي من الحمى بعد ما
الدكاترة عالجوكي وقولتيلي إني هندم كان عندك حق في كل اللي حصل! يمكن أنا مكونتش
واعي لكل اللي بعمله، ويمكن كنت فاهم أنا بعمل إيه، سواء ده أو ده، أنا كنت بموتك!
كنت مصمم اوجعك زي ما أنا موجوع.. كنت بتحرق من جوايا وأنا عارف إنك كنتي بتحاولي
تستغفليني وتكدبي عليا عشان راجل تاني..
رمقته بقهر اختلط بلهاثها المتعالي قهرًا وكراهية له
ولكل ما فعله بها بل ولكل ما حدث لها بتلك الأيام المشؤومة معه ليقول بين بكائه:
-
عارفة لما سيبتك في الأوضة اللي كانت عبارة عن تلج كنت
بفكر في ايه، إن كل اللي بعمله ده هيخلص وهيخليكي متقوليليش غير نعم وحاضر، لأني
بعد كل العذاب اللي وريتهولك وفي الآخر لو كنت أنا اللي انقذتك كنتي هتسمعي
كلامي.. علم النفس هو اللي بيقول كده لإنسان اتعرض لعذاب بشع وفجأة إنه يوقف حتى
لو الجاني هو اللي عمل كده في الضحية يبقا الضحية تحت ظروف معينة هتوافق للجاني
على كل حاجة..
-
فلسفتك اللي مبتخلصش!!
-
مكونتش قادر حتى أقوم أوصل لغاية عندك..
-
ياريتك سبتني أموت!
الهواء لم يعد يُفلح في التنفس، وذلك البكاء اللعين
سيوقف قلبيهما معًا إن لم يصل للنهاية سريعًا، مجادلتها لن تُفلح، والتبرير لن يفلح،
عليه الوصول حتمًا للنهاية قبل أن يحدث ما لا يُحمد عقباه:
-
التعبان اللي جبتهولك ونفس تجربة العقرب، بس وقتها أنا كنت
تايه، وانتي بتتحايلي عليا مسبكيش لواحدك، كنت متأكد إنك في مرحلة هتتحامي فيا حتى
لو كنت أنا السبب في كل اللي بتمري بيه، كنت قاسي ومعنديش رحمة، شوفتك والتعبان
بيسممك، مكونتيش عارفة أنا بعمل كل ده فيكي غير عشان الورق اللي اخدتيه.. تخيلي
إني كنت بشع للدرجة دي؟ أسوأ حاجة في الدنيا إنك تتعاقبي على حاجة أنتِ مش عارفة
إيه هي..
ذُهلت "مريم" بتلك التفاصيل التي لابد أنها
أصابت "روان" بحالة بشعة، هل الأمر يتوقف فقط على نوبات قلق؟ كيف وصلت
لهذا؟ كيف لم تفقد عقلها؟ كيف ما زالت تستمع لكل هذه التفاصيل منه؟
تساقطت دموعها وهي ترمقه بغلٍ بينما حاول التحدث بآخر ما
تبقى لديه من قدرة على التحمل:
-
المهدئات لوحدها مكنتش كفاية إنها تمنعك عن الانتحار، كنت
بشوفك وانتي بتحاولي تنتحري وكنت بتوه اكتر وانا مش عارف اعمل ايه، ويوم ما ضربتك
كنت قربت خلاص أوصل لحالة انتحار، أنا مش ناسي منظرك يومها ولا احساسي، أنا كل
اللي عملته فيكي مكنش ليه علاقة بأي حاجة كانت بتحسسني بمتعة، أنا كنت بموتك وبموت
نفسي معاكي..
تعالت شهقاته بينما احترقت بداخلها على ما تستمع له منه
وهو يغادر شفتيه وشعرت بالحقد الشديد لتمكنه من قول ما لم تستطع قوله هي ليتحدث
بكلمات شبه مفهومة وهو ينظر إليها بذعر:
-
كنتي قدامي وهدومك مليانة دم بسبب الضرب اللي ضربتهولك
بالكرباج، حاولت أعمل الأبشع بس مقدرتش، كانت روحي بتخرج مني بالبطيء، لما فوقتك
وابتديت اواجهك ولقيتك مش عارفة تتكلمي ابتديت أخاف إنك اتجننتي بجد، لو كان حصل
كان عمرك ما هتفتكري أنا مين ولا إيه اللي حصل بيني وبيك، كان لازم أحاول افوقك
وفشلت.. ولما كلمت يونس وعرفت إنه عايز يتقدم لعنود، بعد ما لومتك وعاتبتك وواجهتك
بكل حاجة، شكيت للحظة إنك بتمثلي في سكوتك وإنك مش قادرة تتكلمي بس اللي عملته
فيكي يصدم أي حد ويوصله للي اكتر من كده.. كان الحل إني اموت نفسي زي ما كنت بموتك
شهر كامل.. أنا كنت بموتك مش بجننك بس!
حاول أن ينظر لها وهو يتخلص من تلك العبرات المتوالية ولحيته
الكثيفة يتساقط منها الدموع في حالة من الانهيار التام ثم تماسك ليصل لما يُريده
منذ البداية وتحدث بلهاثٍ متتابع:
-
أنا مستحقش تسامحيني ولا مستني تسامحي، مش هقولك آسف
لأنها مش هتصلح اللي عملته ولا ليها لازمة ومتسواش حاجة قدام كل اللي حصل، أنا كنت
بحاول اموتك، حقك إني اموت بنفس الطريقة أو يمكن أبشع.. من حقك تعملي كل اللي أنتِ
عايزاه، بس مالكيش حق في إنك تدمري نفسك.. مينفعش وجعي يبقا وجعين.. عايزاني ارجع
لنفس البيت عشان تعملي فيا نفس اللي عملته فيكي لو ده هيريحك أنا موافق.. مش بعد
ما قدرتي تعدي بكل ده هتيجي تموتي نفسك بحريقة في البيت ولا بأدوية ولا بسُكر، بس
اللي بتعمليه ده هيوصلك للدمار، لدرجة إنك حتى مش هتعرفي تاخدي حقك مني.. وصلتي
للإدمان ونوبات واكتئاب، خديها من واحد عارف يعني إيه اكتئاب كويس وقتها مش هتعرفي
تاخدي حقك مني أبدًا، وكل اللي بتعمليه ده مش هيوصلك للراحة، بالعكس.. هيؤذيكي
أكتر!
وصل لمرحلة لا يستطيع خلالها أن يتناول أنفاسه فتدخلت
"مريم" سريعًا لكي تضع نهاية لكل ما يحدث فوجدت كيف تساعده على تنظيم
أنفاسه وهي تناوله كوب من المياه وكذلك قدمت البعض لها فنظرت للكوب بعينيها باحتقار
وكأن هذا ما سيُساعدها حقًا فيما واجهته اليوم من استعادة نفس الآلام التي كانت
تتجنب كل ما يُذكرها بها لقرابة عام بأكمله ثم ابتسمت وهي تجفف وجهها ونظرت
لكلاهما ولكن النصيب الأكبر كان نحو "مريم" التي تلقت وابل من النظرات
غير العادلة على الإطلاق:
-
بما إنك كده وصلت للنهاية فخليني أقولكم المفاجأة، إني
كنت بمثل إني مش قادرة أتكلم.. شكك فيا كان صح.. برافو عليك، بس حتى دي أنا نجحت
فيها وأنت فشلت..
وقفت بثبات ثم هزت رأسها باستنكار لتطنب بتحليل لم تتقبل
سواه وهي تصيب كلاهما بوابل من النظرات الغاضبة:
-
أنا بقا فاهماه اكتر ما هو فاهم نفسه زي ما قال بالظبط،
هو جه النهاردة وعمل show هايل وفاكر نفسه قدام قاضي عايز يكسب
تعاطفه، اعترف إنه غلطان وميستحقش المسامحة بس في نفس الوقت قال إيه خايف عليا من
إني ادمر نفسي، هو ده عمر الجندي بالظبط، ومع احترامي ليكي سواء مقتنعة إنه قبل
فكرة العلاج ولا لأ ولا يتعالج أو ميتعالجش فده مش مهم، المهم انه دلوقتي طلع نفسه
غلطان وإني كمان غلطانة، بيلف بطريقة غير مباشرة عشان يتحكم فيا تاني، عايز يفرض
عليا كل حاجة بس المسمى مش حب ولا جواز لا المسمى إنه يستحق إنه يتعذب وأنا يا
حرام بعذبنا احنا الاتنين، فالمفروض أنا استجيب واتأثر بكل اللي سمعته النهاردة
منه واتعاطف معاه واصدقه واخد مع نفسي واقفة وافوق من اللي أنا فيه عشان شوية كلام
سمعت منه كتير!
التقطت أنفاسها ولم تسمح لأي منهما بالتحدث قبل أن تنهي
ما لديها:
-
عايزة تعرفي أنتِ بتعالجي مين، أنا اقولك عشان أنا عشت
معاه سنة كاملة، ده عمر الجندي المحامي اللي بيقنع أي حد وكل حد بوجهة نظره، بيقول
كل الحقيقة بين سطور كلامه الكتير، رغي رغي رغي لغاية ما تزهقي أو لغاية ما ينسيكي
أصلًا أنتِ هدفك إيه، بيشوش عقلك، بيعمل mix عجيب بين الكدب والحقيقة ويقدمهولك على طبق من
دهب وهتقومي مقتنعة إنه ندمان وزعلان وإن معاه حق وإنه مش كداب، بس مع الوقت
هتلاقي إنه كان بيخبي تفاصيل معينة، والسبب إنه بيخبيها عشانك يا حرام أو عشان إن
شكله ميبقاش اوحش من كده قدامك، بس النهاردة هو مكدبش، عارفة ليه، عشان خايف.. عمر
لما بيخاف بيقول الحقيقة كلها..
اتجهت لتُمسك بحقيبتها وهي تُكمل حديثها:
-
هو كان خايف إني اطلعه كداب قدامك، ما أنتِ الوحيدة اللي
بقياله بعد ما كل علاقاته فشلت، مبقاش فيه غيرك ممكن يسمعه ويستحمله.. انتي و..
رمقت كلاهما وثبتت نظرتها عليه وهي تقول:
-
الكلاب بتاعته!
ابتسمت بسخرية وهي تهز رأسها باستنكار لتتابع:
-
هو رجعلي بالاجبار زي ما اتجوزني أول مرة بالاجبار، زمان
كان بيقول إن هو الراجل ولازم يكون مسيطر وكلمته تمشي إنما النهاردة بيقول إن لازم
كلمته تمشي عشاني وعشان مدمرش نفسي، زمان كان حابسني في بيته عشان هو كده واذا كان
عاجبني أو مش عاجبني، مش مهم، انما النهاردة حابسني في بيته عشان امبارح ولعت في
بيته التاني وبقيت خطر على نفسي وممكن اموت نفسي في أي لحظة، وطبعًا زمان كان ضد
العلاج بكل طرقه والنهاردة بيلومني في نص الكلام وبيقولي مقدرتيش تستني عليا أيام
بعد ما اتحايلت عليه شهور إنه يتعالج.. والصبح كان عايزني أتكلم عن اللي حصل ويعرف
تفاصيل من الشهور اللي فاتت حصل فيها ايه فلما الخطة بتاعت إنه يحرمني من كل حاجة
في حياتي فشلت معاه عمل الفيلم بتاع إنه جايبني هنا عشان مش هيعرف يتكلم غير
قدامي.. وعشان عايزني اسمع، ومعالجته تسمع، وبكده يبقا هو بريء في عين الكل ويبقا
بيحاول يتعالج ويعمل كل حاجة صح.. كل حاجة بتتكرر صدقيني بس بشوية احداث مختلفة مش
أكتر.. ويكون في عِلمك..
نظرت له باحتقار لتُكمل:
-
وعِلمك أنت كمان..
ضحكت على ما ستقوله وفكرت به واقتنعت به تمام الاقتناع:
-
أنا اتعلمت منه كويس جدًا ازاي استحمل أكون تحت ضغط، إني
اواجه حاجات مكونتش اتخيل إنها موجودة، إني استحمل العذاب النفسي والعقلي قبل
الجـ ـسدي، يمكن ده اللي خلاني استحمل كل
اللي عمله فيا.. واتعلمت منه ازاي اكدب واخدع اللي قدامي وامثل عليه عشان عملها
معايا بدل المرة ألف، وده اللي خلاه في النهاية يقتنع باللي عنده وده اللي خلاني أقدر
احطله الدوا في الأكل واللي خلاني أوصل لكل اللي وصلتله معاه.. واتعلمت منه ابقا
باردة لما يبقا اللي قدامي بيحاول عشاني وبيبذل أقصى ما عنده عشان يساعدني ولا
كأني شايفاه ولا مقدرة اللي بيعمله عشاني! سواء عايزة تعالجيه أو لأ إذا كان عندك
ذرة ثقة فيه فبقولك خدي بالك لأن اللي زي ده ممكن يضحك على الشياطين عادي خالص من
غير ما يتهز ليه شعره أو يبان عليه..
تنهدت براحة شديدة وهي تنظر لكلاهما لتنهي كلماتها
بسخرية:
-
نسي يقولك حاجة مهمة، إنه لما كلم يونس يومها واكتشف إنه
بيحب أخته مش بيحبني أنا وصدق فعلًا إنه اتقدملها لما كلم أخوه وأتأكد منه طلع
المسدس اللي كان هيقتلني بيه واخر حاجة قالهالي بالحرف، ابقي حاولي تتعالجي انتِ
لأن اللي عملته فيكي يجنن بجد، وقام بعدها ضارب نفسه بالنار، واضح يا حرام إن
النوبة اللي كان فيها كانت مطيرة عقله خالص لدرجة إنه نسي أنا اتعلمت منه ايه، دي
مُشكلته، عمر بيحس وبشوف نفسه وبس ومبيقدرش اللي قدامه.. يمكن بيحاول يقدر شوية
أنا بمر بإيه عشان بيحبني، والمِتر بيحب الخيالات والقصص الرومانسية، أنا بقا لا
بقيت اعرف أحب ولا كنت موهومة بالقصص الرومانسية، أنا كل اللي كان نفسي فيه حب
وتفاهم بالعقل، وأنا لا بقا عندي رصيد حب اديه لحد والعقل اعتقد إنه اتمسح من
أفعاله..
اعطته نظرة أخيرة متشفية ثم نطقت بنبرة هادئة مُستفزة:
-
ملعبتهاش المرادي صح، واضح إن بُعدك عن شغلك سنتين خليك
تفشل في دي كمان.. محتاج تدرب تاني، أعرف محامي شاطر ممكن يساعدك هبقا ابعتلك
رقمه!
❈-❈-❈
لا يدري المرء بما يحدث له ولا يستطيع تفسيره سوى بعد أن
يُصبح خارج الموقف، وهي لم تترك تلك الدوامة بعد، لم تستطع التخلص منها، ولكن ما
حدث صباح اليوم بالإضافة مما حدث منذ دقيقة واحدة أعطى لها القدرة على التخلص من
تلك الأحجار المقيدة بقدميها التي تدفعها للأسفل، بالطبع ليس تحول جذري، ولكنه نوع
من أنواع النجاة من عائق عدم البوح، لم تدرك أنها نطقت بكلماته، لا تعي بعد أنها
استمعت لتلك التفاصيل مرتان بيوم واحد ووطأة ما تُصاب به باتت أقل نوعًا ما بالمرة
الثانية، هذا ألم وذاك ألم، ولكن الألم الذي نشعر به في حالة تامة من الإدراك
والوعي البعيد عن الصدمة يبقى في النهاية ألم نستطيع مواجهته بقليل من الأمل أننا
سنتخطاه يومًا ما، أم ذاك الألم الذي يغمرنا بداخل العذاب لن نستطيع التخلص منه
بسهولة!
حادث واحد، نفس السيارة، وكلاهما بنفس الطريق، ذاهبان
لرحلة الخلاص، ما يختلف هو ذلك الارتجاج الذي حدث لكلاهما من شدة ما عايشه
الاثنان، فهو أُصاب بارتجاج قوي نبهه قليلًا على ما كان يرتكبه، أما نفس الارتجاج
عرض عقلها للفساد المؤقت، غريب ما يفعله العقل عندما يتعرض لمثل تلك الحوادث!
تبعته "مريم" إلى المصعد بعد أن ناول
"حسناء" هاتفها من جديد فلقد هاتفها صباح اليوم من هاتف سائقه وهذه هي
الطريقة الوحيدة ليمنعها عن الذهاب حتى يلحق بها، فلقد غادرت في لمح البصر ولا
يستطيع الوصول إلى ما قد يجعلها تستيقظ مما هي فيه، وأمر وحيد أدركه عن تلك النظرة
بعينيها قبل مغادرتها، ستذهب لفعل شيء مجنون لا يمت للعقل ولا للواقع بأي صلة..
-
سيبها شوية تاخد حريتها وراحتها، مكنش ينفع إنك تجيبا
لهنا بالإجبار!
لم تفهمها مثلما يفعل هو، لن يفهمها أحد مثله، وليس لديه
الوقت ليغامر بهذا:
-
امبارح بليل حرقت البيت وهي جواه، ودلوقتي أكيد رايحة
تعمل حاجة مش منطقية، لو ملحقتهاش مش عارف ممكن يحصل إيه تاني..
اندهشت من تلك الكلمات ولكنها علمت تمامًا ما تمر به
طبقًا لحالتها النفسية التي لابد من أنها تضررت بشدة بعد ما سمعته وما رأته من
كلاهما بالداخل ولكنها تعجبت بداخلها، من كانت تحاول الوصول لطريق الخلاص أصبحت هي
التي تشرد بطريق مجهول ومن كان يريد أن يظل هائمًا طوال حياته أصبح مما يتراءى لها
منه أمام عينيها وأمام وعيه الشديد هو الذي يسير في طريق الصواب!
اندفع من المصعد للخارج مهرولًا حتى يلحق بها قبل ذهابها
ليجدها تتشاجر مع سائقه:
-
بقولك اديني مفاتيح العربية، يعني إيه ما ينفعش امشي من
غيره؟
رفع سبابته ليمنعه من اتخاذ أي حركة تدل على وجوده ثم
أومأ له بالموافقة ليُخرج المفتاح الخاص بالسيارة لتقوم بالدخول دون الاكتراث بما
حولها وفي خلال ثانية واحدة كان بجانبها على المقعد المقابل للسائق لتقلب عينيها
وبدأت نبرتها في التحدث بالهدوء لتنتهي كلماتها بالصراخ:
-
لا بقا دي مريم اللي بعتاك ورايا ولا أنت مصمم تفضل
معيشني في سجن لغاية ما اموت، كنت سبتني اتزفت امبارح وكان زماننا خلصنا..
رد معقبًا وهو ينتقي كلماته:
-
ولا مريم ولا مصمم على حاجة، أنا هاعمل اللي أنتِ
عايزاه، أيًا كان هو إيه.. تعالي نروح مكان ما انتي عايزة، نعمل اللي تحبيه، وأنا
مش هاعترض!
كادت أن تصرخ بمزيد من الكلمات الغاضبة وهي تغمض عينيها ولم
تر كيف قست يـ ـدها على المقود ولكنها رأت أمامها عدة مشاهد حاولت كثيرًا أن
تتناساها لتُدرك أن هذا سيدمره بشكل أو آخر لتلتفت ناظرة له لتقول باقتضاب:
-
ماشي، هنشوف!
❈-❈-❈
ابتسمت لكلًا من والدتها وأخيها بعد تبادل تلك الكلمات
الرتيبة للاطمئنان عليها بينما وجدت تلك النظرات المستفسرة من "بسام"
والقلق يتجلى بمقلتيه فتحدثت ببرود:
-
انا محبتش اقلقكم امبارح بس البيت ولع باللي فيه!
اتسعت أعينهما في خوف ثم تواترت اسئلتهم:
-
حبيبتي انتي كويسة؟ مقولتلناش ليه؟
-
ازاي ده حصل؟ ليه مكلمتنياش!
تعاملت مع الأمر وكأنه شيء لم يكن واجابتهما بمنتهى الهدوء:
-
أصل الموضوع حصل بليل
-
أنا اللي نسيت النار مفتوحة، هي كانت نايمة قبل مني، وصحينا
على الدخان بس احنا كويسين!
بادر سريعًا بإكمال القصة قبل أن تتفوه بأي شيء يدعو
للريبة لتبتسم بداخلها ليرمقه "بسام" بارتياب وتسائل باستنكار:
-
وهو ايدك اتكسرت عشان وقعت ولا عشان الحريقة بتاعت
امبارح؟
نظرت إليه والدته بقليل من الزجر فلا يصح أن يتحدث له
بمثل هذه النبرة التي تنص على كذبه لتدخل "روان" بدلًا منه واجابته:
-
لا هو فعلًا وقع وقعة وحشة اوي، فجأة كان ماشي واتكعبل
وقع على السلم، أصله كان مش مركز خالص، هو طول عمره كده يبقا بيفكر في حاجة واخدة
كل تفكيره وفجأة يكتشف إنه عمل مصيبة..
حسنًا، لن يترك تلك الجملة لتمر مرور الكرام، وأمّا عن
"بسام" فهو لم يقتنع بحرف مما يراه:
-
اهم حاجة إنكم كويسين، وابقا خد بالك يا عمر، ياريت بس
لو تجيبو أي حد معاكم في البيت ياخد باله من التنضيف والمطبخ والكلام ده!
تحدثت والدتها بينما ازدادت السخرية بداخل "روان"
التي نهضت وهي تربت عليها:
-
مامي احنا مرتاحين كده.. حاجة حصلت مرة في العمر يعني،
مش بنولع في البيت بقالنا سنة مثلًا، متقلقيش
أعطت له نظرة ذات مغزى ليفهم ما تُرمي إليه بعسليتيها،
الضرر الذي الحقته بالمنزل لا يساوي مقدار ضرر عام كامل معه، هذا تمامًا ما
تُعنيه:
-
أنا هاروح اغير لأننا هنروح نتغدا برا وهاخلي هدى تحضرلي
الشنط وخلو السواق يبعتهوملي على القطامية..
هذه كانت كلماتها الأخيرة قبل أن تتركهم وتتجه للأعلى،
ألا يُريد أن يذهبان سويًا لكل مكان ويمكثان في منزل واحد من أجل والده اللعين، له
هذا!!
❈-❈-❈
انتهت من هذا الصحن الذي تبقى به القليل من الطعام بينما
تابع هو ما تريد الوصول إليه بتصرفها الذي قد يبدو تلقائيًا وعفويًا ولكن تلك
النظرات المتوعدة بلمحة من التشفي منذ أن كانا بالسيارة حتى أن غادرا منزل عائلتها
لابد من أنها يقبع خلفها شيء ما، لن يطمئن حتى يفهم ما الذي ستفعله، البداية لم
تكن مُبشرة خصوصًا بعد اختيارها لهذا المظهر الصاخب وأنوثتها تظهر بكل ذرة بها!
شعر بأنها هادئة على غير العادة مما جعله يرتاب فلمحها لمحة
سريعة ليجد أنها مثبتة نظرها عليه مما دفعه للنظر لها بعينيها مباشرة ليتردد
قليلًا لماذا تضيق عينيها هكذا نحوه فعقد حاجباه ناظرًا لها باستفسار لتجيب تساؤله
بسؤال لم يكن ليتوقعه:
-
معاك سجايرك مش كده؟
رفع حاجباه مندهشًا ليتردد قبل اجابته فرأى كيف تحولت
ملامحها للانزعاج ليرد باقتضاب:
-
اه معايا!
قلبت شـ ـفتيها وادعت التلقائية:
-
طيب طلعها مستني ايه؟
لوهلة تردد في فعل ما تُريده، منذ متى وأصبحت تُدخن؟ ما
الذي يتبقى لتدمر نفسها به ولم تفعله؟ إدمان للخمر، اضطرابات نفسية، انتقام غير
واعي على الاطلاق، التدخين، حرق منزل بأكمله والبقاء بداخله، ولم يستطع عقله أن
يُحصي ما تفعله لمقاطعتها له:
-
متستغربش، دي كلوديا هي اللي عرضت عليا.. مفيش حاجة
بتحصل بسببك وبتبقا خير أبدًا.. فياريت متدنيش محاضرة واعمل اللي عايزاه بدل ما
اعمل حاجة تانية مش هتعجبك..
اقترب النادل الذي اشارت له ليرف تلك الأطباق ثم حدثته بابتسامة:
-
عايزة كاسين ويسكي!
اللعنة، هي لا تريد سوى أن تدفعه للجنون بما تفعله وبمجرد
مغادرة النادل وجدها تتفقده بنظرات وقحة لتنتقل عسليتيها له وهي تنظر له بتحدي وهي
تقول:
-
كلها نص ساعة بالظبط والمكان هنا هيبقا حاجة تانية، أنا
مش عايزة قرف، عايزة اتبسط، ارقص واشرب واقضي وقت حلو، عايز تكون معايا اهلًا
وسهلًا، هتقومني بقا وتجرني من أيـ ـدي وتعمل نفسك خايف عليا والفيلم بتاعك ده
يبقا قوم امشي من أولها، من شوية كنت بتقول إنك هتعمل اللي أنا عايزاه أظن..
الاختيار ليك!
اتكأت للخلف وهي تستند بذراعها على نهاية ظهر المقعد
خلفها وتفقدت أظافرها لتتركه يتعامل مع تلك الصدمات البسيطة التافهة التي لن تكون
بمقدار ذرة في بحر عندما اكتشفت حقيقة أنها قد تزوجت من رجل سادي مريض، لقد خيرها بذلك
العشاء في هاواي، أظهر لها جانب أخفاه عنها ثم تركها تظن أن لها الاختيار، لتنقلب
الأدوار بتغير بسيط، ها هو يكتشف الآن أنه تزوج من فتاة سيئة بكل شيء، بداية
بالأخلاق اللائقة ونهاية بتدمير نفسها ومن حولها كما يدعي، لتتركه يختار ما يُريد
فعله، أمّا عن الخطة البديلة لو قبل بما أصبحت عليه ولم يعترض على شيء، تقسم أنها لن
تتوقف حتى تراه مخمورًا ليدخل بنوبة هوس أو اكتئاب أو أي لعنة لتجعله يُعاني، لطالما
أثر عليه الخمر وأفسد عقله بالكامل، وهذا كل ما تهدف لتحقيقه معه!
رفعت احدى قدميها فوق الأخرى لتبتسم له ابتسامة لم تـ
ـمس عينيها ثم قالت:
-
بس لو هتمشي متنساش تسيبلي السجاير والسواق!
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية