-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 34 بالعامية - 2

     رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

تابع قراءة الفصل الرابع والثلاثون

النسخة العامية 


العودة للصفحة السابقة

 

تشتت عقلها وهي تتفقد ملامحه لتضل كل سبُل الواقعية وزين لها الشراب ذلك الحُلم البعيد الذي ظنت أنها تناسته للأبد، لماذا لم يكن معها في فرنسا؟ لماذا أفسد عليهما كل هذه المُتعة التي يختبراها الآن؟

 

مشت خلفه تتبعه بخطوات مترنحة لا تختلف عنه حالًا ليُجلسها بالسيارة أولًا وقبل أن يذهب كما جرت العادة للمقعد الأمامي رفعت له عينيها بنظرات نعست بتأثير الكحول ثم نادته بتثاقل لسانها بابتسامة اندفعت منها عفويًا:

-       عمر، مش هتقعد جنبي؟

 

تبًا، هذه الليلة لن تنتهي على خير قط، ولماذا يصد نفسه عن الاستجابة لكل ما تطالب به نظراتها؟ فليجلس بجانبها وليفعل كل ما يحلو لها، ربما لو استسلم لها الآن مثل ما كان عليه أن يرفع تلك الرايات البيضاء لكان كل شيء بينهما أفضل بكثير!

--


لمحها بنظرة خاطفة وهي تقف مستندة على بوابة المنزل جانبًا حتى يستطيع أن يجد هذا المفتاح وصعب عليه الأمر كثيرًا وهو يبحث بهذه الثمالة الشديدة بيـ ـد وحيدة لترمقه هي بنظارتها الناعسة المتلاعبة لتترك ذلك الكيس الورقي بتلك الزجاجات الموضوعة بداخله أرضًا وكادت أن تقع من شدة الدوار المصابة به لتستمع له يضحك على تحركاتها التي كادت أن تسقط فالتفتت نحوه بانزعاج عندما استمعت لضحكته ليختل توازنها بالكامل ووقعت أرضًا لتتصاعد ضحكته أكثر لتهتف به بثمالة شديدة:

-       أنا غلطانة عشان كنت هساعدك تطلع المفتاح، طلعه لواحدك!

 

حاول التحكم في ضحكته بينما قال باستسلام وهو يرفع يـ ـده كإشارة على استسلامه:

-       خلاص مش هاضحك..

 

لم تكترث لضحكته وأخرجت واحدة من تلك الزجاجات وهي تحاول أن تتبينها في ذلك الضوء البسيط الأمامي لبوابة المنزل ثم استاءت ملامحها وهي تقلب شفتيها لتتحدث بانزعاج:

-       ملقاش غير النوع ده..

 

زفرت بضيق وهي تقوم بفتح الزجاجة بأعين تكاد تتبين ما تفعله لتفشل في فعلها بينما تابعها أسفل قدميه ليصدح بضحكته مرة أخرى ليكلمها بين ضحكاته:

-       هاتيها دي أنا هاعرف افتحها

 

رفعت يدها بسخرية شديدة لتعقب بانزعاج ونبرتها لم تتخل عن الثمالة:

-       مش لما تعرف تلاقي المفتاح، وبعدين أنت ايدك مكسورة.. عمرك ما هتعرف تفتحها

 

انخفض قليلًا ليحاول تناول الزجاجة منها بينما لم ينجح في فعلها وهي تبعدها عنه ليختل توازنه بعد عدة محاولات ليسقط بجانبها جالسًا أرضًا وسقط في نوبة من الضحك شديدة على ما يحدث له ليقول بعقل غير واعي:

-       أول مرة يحصلي كده، قاعد في الشارع وسكران وايدي مكسورة.. هو الموبايل فين؟

 

سلطت أنظارها على الزجاجة وهي تحاول النظر لها من جميع الجهات ظنًا من أن تلك القطعة البلاستيكية السوداء ستتحرك من تلقاء نفسها ثم أخذت تلمسها بنهاية اظافرها لتبتعد عنها وتتركها وأخذت تكرر الأمر ليستكمل نوبة ضحكته على ما تفعله لتلتفت له باستياء ثم صاحت به متذمرة من ضحكته التي لا تتوقف:

-       أنت بتضحك على إيه؟

 

حاول أن يخبرها بين ضحكاته وهو ينظر نحو الزجاجة:

-       ما هي عمرها ما هتتفتح كده

 

القت برأسها للخلف لتستقر على البوابة وهي تغمض عينيها بمزيد من التذمر بينما تشبثت بالزجاجة لتثبتها بين ساقيها وهي تقوم ببسطهما للأمام ثم تحدثت باستياء:

-       عشان كده مبحبش النوع ده، مقرف أوي في فتحه

 

ضيق عينيه وهو يحاول أن يُسلط تركيزه على الزجاجة ليهمهم وهو يستند بجانبها أرضًا باسترخاء وعقب قائلًا:

-       عندك حق..

 

انزعجت بشدة مما يحدث بينما لم تُجرب أن تفتح عينيها وتابعت بنفس نبرتها:

-       اندهلنا حد يفتح الازازة دي، عشان عايزة أنام بسرعة

 

رفع حاجبيه باستغراب وهو ينظر نحو الزجاجة بتركيز شديد ثم سألها:

-       انتي بتنامي على ازايز الويسكي دلوقتي؟

 

نفخت بضيق ثم أطلقت تأتأة لتجيبه بلسان متثاقل قائلة:

-       لا أنا مش بعرف أنام من غير ما اشرب، النهاردة بالذات مش هاعرف أنام غير كده..

 

انطلقت همهمة مطولة بالتفهم ليُمسك بالزجاجة وبتلقائية شديدة أخرج سلسلة المفاتيح من جيبه دون أن يُدرك ما يفعله ثم قام بتمزيق الغلاف البلاستيكي الأسود بطرف المفتاح وحاول فتح غطاء الزجاجة ليناولها إياها وهو يُنبهها بقوله:

-       خدي يا قطتي فتحتها خلاص..

 

فتحت عينيها لتتفقدها بارتياب اثناء استعادتها منه ثم قامت برفعها نحو الضوء لتتفقد إن كان الغطاء ما زال عليها لتحتسي منها مباشرة جرعة كبيرة لتشعر بهذا المذاق الحارق بحنجرتها ثم ناولته الزجاجة وهي تتقزز من مذاقها لتتساءل بامتعاض:

-       زي الزفت، أنت دفعت كام في القرف ده؟

 

قلب شفتيه ليتناول جرعة صغيرة ثم اجابها بثمالة:

-       محمود اللي جابها معرفش!

 

هزت رأسها ثم تناولت منه الزجاجة لتستنكر هذا المذاق مرة أخرى وهي تهز رأسها بالامتعاض وقالت بصوت مبحوح من اثار الكحول:

-       يع، لا ده وحش اوي بجد، احنا نروح نرجعه

 

القى برأسه للخلف وهو يغمغم بصعوبة:

-       مش معايا الـ receipt (فاتورة)

 

حاولت تذكر كيف ابتاعا هذه اللعنة كريهة المذاق لترد معقبة بعد أن تناولت جرعة أخرى:

-       لا معاك..

 

فتح عينيه ثم التفت لجانبه ناظرًا لها وهو يخبرها بنظرة متعجبة:

-       بجد؟

 

همهمت وهي تومأ بالإيجاب ثم احتست مرة أخرى وانتقلت بحركات غير مدركة لما تفعله لتجيبه:

-       استنى هوريهولك

 

عاكست بساقيها موضعه وهي ترتفع قليلًا لتنتهي في النهاية جا لسة أمامه وجهًا لوجه فوق قدميه وأخذت تبحث بجيبي بنطاله الخلـ ـفيين مما جعلها تقترب منه للغاية وكأنها تعا نقه وبمجرد لمس أناملها لبطاقة صلبة وورقة ناعمة أخرجتهما ثم رفعتهما أمام عينيه لتخبره بانتصار:

-       اهو، لقيتهم..

 

رفع عينيه لوجهها ثم ابتسم لها وهو بالكاد يتبين ملامحها ليهمس لها وهو يهز رأسه باستحسان على ما فعلته ليحدثها وهو يتفقدها:

-       شطورة يا بنوتي

 

ابتسمت بفخر بينما تمعنت مليًا بتلك الحروف الصغيرة التي كُتب بها التفاصيل:

-       استنى أنا بتأكد إنها صح..

 

تابعها وهو لا يستطيع منع ابتسامته ليرفع تلك الخصلات التي أخفت وجهها عنه فهو لا يريد أن تبتعد عنه مرة ثانية ليجد ملامحها تسخر مما تراه لتقول:

-       أنا مش مصدقة إنك اشتريت التلت ازايز دول بتسعتلاف جنيه، لما كنت في باريس الأسعار كانت احسن بكتير!

 

قلب شفتيه وهو غارقًا بتفاصيلها ليعقب قائلًا:

-       مش مهم، المهم إني جبتلك اللي أنتِ عايزاه..

 

رفعت عينيها نحوه لتبتسم له ورفعت هذا الايصال لتخبره:

-       شكرًا، بس طعمهم وحش، تعالى نرجعهم!

 

شعر بتحركاتها في محاولة منها للوقوف فمنعها وهو يُمسك بيدها التي تحتوي هذا الايصال ثم توسلها مناشدًا إياها:

-       بلاش تقومي، خليكي كده..

 

تقارب حاجبيها بتعجب ثم سألته بعفوية:

-       طيب مين هيرجعهم؟

 

هز كتفيه وهو يجيبها:

-       مش مهم، معندناش غيرهم أصلًا، اشربيهم وخلاص بس خليكي جنبي..

 

هزت رأسها بالموافقة ثم عدلت من جلستها لتثني ساقيها ثم امسكت بالزجاجة لتحتسي منها من جديد واغمضت عينيها تعصرهما لتحاملها على هذا المذاق البشع الذي يحرق حنجرتها فأردف بابتسامة وتوسلها مرة ثانية:

-       أنتِ شربتي كتير اوي النهاردة، كفاية كده عشان متتعبيش..

 

هزت رأسها بالرفض ثم أخبرته:

-       النهاردة كان يوم وحش اوي، لو كنت حاولت أنام مكونتش هاعرف، ولو شربت كاسين بس كنت هاصحى على كوابيس، فالحل اني اشرب كتير وفي الاخر هرجع وهنام بقا للصبح!

 

سبحت عينيه في ملامحها بلهفة ليهمس بحزن متسائلًا وهو يتلمـ ـس وجنتها:

-       ليه اليوم كان وحش؟ مين زعل بنوتي؟

 

قلبت شفتيها وهي تنظر نحو الزجاجة بيـ ـديها لتجيبه باقتضاب:

-       أنت..

 

تحركت أنامله لأ سفل ذقـ ـنها لينظر لها بتساؤل فنظرت له بحزن وهي تجيب هذا الاستفسار بعينيه:

-       وأنت بتتكلم النهاردة افتكرت كل حاجة.. الأيام دي وحشة اوي يا عمر!

 

هز رأسه بالموافقة وتحولت ملامحه تلقائيًا للحزن ليتوافق مع هذه الملامح التي يراها وهو ما زال يتلمـ ـس ذقنها بأنامله:

-       خلاص مش هجيب سيرة الكلام ده تاني..

 

اغرورقت عينيها بالدموع في جزء من الثانية لتنطلق العبرات بصحبة كلماتها كالقذائف المهلكة لهما على حد سواء:

-       أنا خوفت اوي منك، وخوفت لا تعرف إني بمثل عليك إني مبعرفش اتكلم، وبعدين خوفت عليك، شكل الدم وانت بتضرب نفسك بالنار، وبعدين كنت خايفة وانا سايقة العربية والـ security مش عايز يدخلني، وخوفت لا مامي تموت، وخوفت تاني لما باباك قال إني قتلتك، وبعدين كنت خايفة اوي متصحاش، لو كنت مصحيتش أنا كنت هتجنن، أنا كنت عايزاك تبقا كويس، بس مكنتش عايزة إنك تموت، أنا مش هموت حد أبدًا، مش هموتك أنت.. أنا عشت تلت شهور في خوف، طول الوقت خايفة ولازم اشرب كتير عشان اعرف أنام، كنت بخاف من شكل التعابين والعقارب كل ما أنام، وبخاف من شكل الوشوش البيضا اللي بشوفها.. كنت بسمع صوت الناس كلهم اللي اعرفهم بس مكنش ليهم وش، مفيش ملامح، كنت بشوفك وأنت بتحبسني وبتمشي.. كنت بفتكر كل حاجة حصلت وأنا بتحايل عليك متسبنيش لوحدي، بس أنت طلعت مبتحبنيش وكنت بتسبني دايمًا، ليه كده؟ ليه عملت كده؟! ليه بتعمل دايمًا الحاجات اللي مش بحبها وأنت عارف إني مبحبش اقعد لواحدي!

 

تحولت تلك العبرات المتساقطة بصحبة نظرات خيبة أملها فيه لنوبة من بكاء جعل أنفاسه تحتبس بداخله ليتمنى لو مات وفارق هذه الحياة ليقربها له وهو يُعانقها وتحدث لها بنبرة ندم لن تصلح أبدًا ما أفسده:

-       خلاص متعيطيش، مش هاعمل كده تاني، وأنتِ كمان مش هتخافي تاني.. مبقاش فيه حاجة تخوف خلاص، لا بابا هيبقا موجود وهيفضل دايمًا معاكي ناس، وأنا كمان مش هبقا موجود..

 

توقفت عن بكائها وهي تعود للخلف قليلًا حتى تتمكن من النظر له وسألته:

-       أنت هتروح فين تاني؟

 

نظر إليها وهو يقلب شفتيه ليجيبها:

-       مش عارف، أنا هاعمل اللي أنتِ عايزاه وخلاص.. مش أنتي عايزاني أطلقك وابعد عنك؟

 

هزت رأسها له بالموافقة ليجفف بقايا دموعها وتابع مُردفًا:

-       حاضر، هاعمل أي حاجة أنتِ عايزاها..

 

تناولت أنفاسها بصعوبة بعد بكائها ثم توجهت لهذه الزجاجة لتحتسي منها وأغمضت عينيها بشدة ليتوسل إليها من جديد:

-       كفاية بقا شُرب.. أرجوكِ كفاية

 

فتحت عينيها وهي تسعل بخفة وابتلعت وهي تحاول التغلب على هذا المذاق عينيها على البوابة خلفه لتندهش مما تراه ثم سألته:

-       هو احنا ايه اللي جابنا قدام الباب؟

 

قلب شفتيه وهو يهز رأسه بإنكار وملامحه يعتليها الحزن وكاد أن يبكي على ما يراه منها ثم همس بصعوبة:

-       مش عارف.. مبقتش عارف حاجة

 

لم يمر سوى جزء من الثانية لتهبط دموعه فنظرت له بحزن وتنهدت وهي تتابعه لعدة لحظات لتقول في النهاية بيأس:

-       خلاص بقا متعيطش، احنا هنتطلق وبعدين كل واحد يبقا يشوف حياته وخلاص!

 

هز رأسه بالموافقة ليحاول كتم بكائه ولكنه بالطبع لم ينجح ليفشل في كل شيء كما هي عادته دائمًا لتحاول هي أن تجفف دموعه بيـ ـدها وتجنب النظر لها مباشرة وهو يعاني من هذا الخجل اللعين الذي لا يعرف هل هو بسبب ما فعله أم بسبب أنها تراه يبكي كالفتيات، لطالما أخبره والده أن الرجال لا يبكون، لا يستطيع التوقف عن هذه العادة اللعينة!

 

-       عمر!

 

نادته لينتبه لها بلمحة سريعة بينما وجدها تنظر بتركيز بملامح وجهه ليشعر بأناملها التي تمر على وجنتـ ـيه ليجدها تقول باستياء:

-       دقنك طولت اوي، مبحبش دقنك التقيلة دي!

 

التقط أنفاسه وهو يحاول فهم ما تقوله أو ربما يحاول أن يتذكر ما قالته ليجدها تتابع:

-       أنت ايدك مكسورة، تعالى أنا هساعدك..

 

لم يفهم ما الذي تقصده بهذا وأخذ يتابعها حيث امتدت يـ ــديها لتعـبث ببنطا له ليراها تتجه بين مُلتقى ساقيه ليبتسم بخبث على ما تفعله ثم سألها بنبرة لم يفارقها الحزن ولكنها غرقت بمعانٍ مناقضة تمامًا لما كانا يتحدثان به منذ قليل:

-       هي بنوتي بتعمل إيه؟   

 

تفقدته بابتسامة واثقة لتجيبه وهي تحاول النهوض:

-       كنت بجيب المفتاح عشان ندخل جوا ونحلق دقنك دي..

  

يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة