رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 36 بالعامية - 2
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
تابع قراءة الفصل السادس والثلاثون
النسخة العامية
بعد مرور بعض الوقت..
تابع تلك الورود التي تحمل لون واحد وهو يحاول أن يقوم بعدها بتركيز وقام
بتنظيم أنفاسه قدر المستطاع ليسيطر على تلك النوبة الشديدة من الغضب وحاول أن
يُفكر في حل لما يمر به بمنتهى المنطقية أولًا قبل أن يلتفت إلى ما فعله معها أو
ما حدث بينه وبين والده.
لو ذهب وأقر بما حدث إلى "مريم" ستخبره بأن يبتعد عن
المحفزات، وهو مجبر على أن يتعامل مع كل شيء، فالابتعاد عن والده أو
"روان" نفسها ليس باختيار، وستقوم بالطبع بإعطائه مهدئ ما أو ستُغير تلك
التركيبة الكيميائية اللعينة التي قد تجعله يسقط في نوبة اكتئاب أو تُفسد نومه
ليُصاب بالأرق، تبًا.. لقد تذكر شيء، ليلة أمس وصباح اليوم نسى تناول عقاقيره!
زفر بضيق ثم قسى فكي أسنانه على بعضهما البعض في حرب مُدمرة بينما
حاول أن يترك نفسه جانبًا ليُفكر في ذلك الحديث بينه وبين والده، هو يعرف أنه لا
يريد سوى أن يراه الرجل الأفضل والأنجح وكل تلك الترهات ولكن من وجهة نظره الشخصية
البحتة، فهو لم يفعل مع "عُدي" نفس ما فعله معه، وبالطبع لطالما كان هو
الوحيد الذي تُجاب طلباته من والده، ما الذي عليه فعله معه؟ أن يكتسب منه عدو بدل
من صديق لن ينجو منه مهما فعل، هو لا يحتاج سوى الوقت، الوقت سيقوم بحل كل شيء
معه، الوقت وخطه محكمة بأن يتفهم أن عودته وزواجه مرة أخرى من "روان"
تُفسد حياته حقًا!
ولكن بعد ما حدث وبتلك الطريقة التي تحدث له بها لن يكون هناك سوى حل
وحيد، السمع والطاعة ثم تكرار المحاولة، وربما عليه أن يعتذر له، لن يُفيد أن
يتحداه على الإطلاق!
بحث عن هاتفه ليتذكر أنه قد تهشم بالكامل ولم يقوم بإحضار غيره ليتجه
نحو البوابة ثم تحدث لواحدًا من الرجال الذي حياه برسمية ونهض من مقعده:
- شوفلي محمود خليه يروح يشتريلي موبايل
جديد بسرعة وميتأخرش..
الفت ليعود مرة ثانية متجهًا إلى مقعده وهو يحاول أن يقوم بترتيب تلك
الأفكار برأسه ليرى كلًا من "فينوس" و "أوفيد" مقبلان نحوه من
جديد ليتوقفا عن العدو واقتربا منه بحذر ليضيق عينيه نحوهما ثم ابتسم لكلاهما وهو
يشير لهما:
- تعالو..
اندفع نحوهما ليداعبهما كما فعلا هما المثل ليبدأ ثلاثتهم بجولة من
اللعب حتى اسقطاه أرضًا وبات على يقين تام بعد كل تلك الشهور وهذه القراءة
المتواصلة أن كل ما يمر على المرء ليس من ذنب المحيطين به أن يتحملوا اثاره، فكل
إنسان مسئول عن تصرفاته وقراراته في النهاية، وخصوصًا هذان المشاغبان ليس لهما ذنب
بأي مما يحدث على الإطلاق ولقد اشتاق حقًا لعناقهما وتلك اللهفة التي لطالما لم
يبخلان بها عليه!
❈-❈-❈
حدقت بهذا الإبريق الزجاجي بغيظ وهي تتذكر كل ما حدث سواء بالأمس أو
منذ أن اتجه خارج الغرفة وأزعجها صوت اغلاق الباب لتستيقظ وتستمع لذلك النقاش بينه
وبين والده، لن تتملك تلك الكلمات سلطانًا عليها، حتى ولو أخبر الكون بأكمله بأممه
السابقة وأجياله القادمة أنه أخطأ في حقها!
اغمضت عينيها وهي تعاني من ألم رأسها بشدة حيث لم يُفلح ذلك المُسكن
الذي تناولته ولا حتى تلك المهدئات التي قامت بدسها بحقيبتها بعض أن قامت بزيارة
والدتها وأخيها بالأمس ثم فتحت عينيها لترى هذا العصير البارد فسكبت كوب لنفسها
وأخذت ترتشف منه وجلست على مقعد بالمطبخ وهي تُفكر بما ستفعله لاحقًا معه، يقتلها
قهرًا بأنها في لمح البصر عادت لتلك الضعيفة الخائفة التي ترتجف رعبًا فقط من عدة
نظرات أطلقها نحوها!
تناولت جرعة كبيرة من هذا الكوب فهي تعلم أنها تحتاج للسوائل بكثرة
بعد كل ما تناولته ليلة أمس وبمجرد تسليط نظرها على ركن بعيد عادت من جديد أحداث لعينة
حدثت منذ ساعات لتتضح لها أكثر.
-
عمر، كفاية.. مش قادرة استحمل، خلاص.. تعالى.. كفاية كده!
حاولت أن تخفض أنظارها نحوه وهي بالكاد ترى خصلات شعره الظاهرة من
رأسه بين ملتقى سا قيـ ـها وهو لا يستجيب لها على الاطلاق بينما استمر فيما يفعله
لتتمسك بتلك الشراشف وهي تصرخ بشدة حيث ارتجفت وأصبحت لا تستطيع السيطرة على
تحركاتها بينما لا تتوقف اصا بعه ولا فـ ـمه بدفعها للخلاص!
هذا الاسترخاء الشديد وكل أنملة بها تمتن لهذه الراحة التي لم تشعر
بها منذ الكثير من الوقت، حتى عينيها لا تريد النظر حولها لاستكشاف ما يحدث،
الشعور كان كفيل بأن يُنسيها ما اسمها ولم تعد تريد سوى الغرق بالكامل في خضم هذه
اللحظة بكل ما تحتويه، لماذا لا يعا نقها الآن مثلما اعتاد أن يفعل دائمًا؟
همست إليه بنبرة ناعسة وصوت لا يود التخلي عن هذا الاسترخاء:
- عمر، متبعدش.. خليك معايا
النهاردة!
حاولت أن تنظر له ولكنها
لم تستطع التحرك، لم تره وهو يرفع رأسه نحوها ويبتسم وهو يجفف فمه ثم أحـ ـست به يعدل
من جـ ــسدها على الفراش وهو يُدثرها بالأغطية لتُمسك بذر اعه بتلقائية وفتحت
عيناها الناعستان بصعوبة شديدة تملكت كل ذرة من الطاقة بداخلها لتهمس له:
- خليك جنبي!
وجدت استجابته وهو يهز رأسه بالموافقة لتشعر به يتجه ثم استقر بجا نبها
أسـ ـفل تلك الأغطية ثم اصطدمت بتلقائية بجـ ـسده الذي ما زال يتضح عليه اثار
الرغـ ـبة المتقدة وكادت أن تسأله لماذا لم يفعلها ولكن ذلك الإنهاك الشديد كان
أقوى من قدرتها على التحدث لتغمض عينيها واستجابت لذلك الاسترخاء الذي يُغريها بأن
تسقط به للأبد!
تبًا لها ولنفسها التي لطالما استجابت لتأثره، وتبًا للخمر وما فعلته
بها، كيف سمحت له بذلك؟ بل كانت تطالب به، لو كان توقف للحظة لا تستبعد أنها كانت
ستتوسل له بأنها تُريده، هذا الوغد الرائع في الفراش، لطالما كان لطالما سيكون..
ولكنها لن تصمت على هذا!
منعت يـ ـدها عن الإطاحة بهذا الكوب في اللحظة الأخيرة لتبتسم بخبث
وهي تتذكر أنه من طلب منها أن تقوم بتحضيره له لتنهض لتنفذ أوامره اللعينة على
الفور، هو من طالب بهذا فليتناول ما أراده منذ قليل إذن!
❈-❈-❈
وقف على مسافة وهو يلاعب كلاهما بالكرة وابتسم وهو يتابعهما ليهز رأسه
بإنكار على ما يراه، ربما تبدو "فينوس" أقل من "أوفيد" حجمًا
ولكنها لطالما كانت أكثر منه شراسة، لو لن تتفهم تلك العنيدة بالداخل ما قد يقوله وتأخذه
على محمل الخطأ لذهب إليها وهو يُريها نُسخة أخرى من نفسها تتجسد على أرض الواقع،
دائمًا ما تقوم بالتغلب عليه ودائمًا ما تبعها "أوفيد" وهو في غاية
السعادة فقط لتواجدها بجانبه، مثله هو نفسه، تبًا، حتى المفر منها وهو يحاول أن
يُلهي عقله قليلًا بسواها لا يُذكرها سوى به!
تابعهما وهي تهرول نحوه بلهفة لتناوله الكُرة فأخذها منها وكاد أن
يُلقيها من جديد ليُفاجئ بقدوم "روان" وهي تناوله هذا العصير ليلمحها
بطرف عينيه ثم قال وهو يُلقي الكرة من جديد:
- شكرًا..
تناول الكوب منها وهو يُتابع كلبيه لتتسع ابتسامته عندما استطاع
"أوفيد" أن يحصل على الكرة هذه المرة بينما قال بداخل نفسه:
- هتطين عيشتك النهاردة!
وجده يعود نحوهما من جديد بينما تفاجئ بذهابه نحو "روان"
وهو ينظر لها بود وأراد أن تُلقي هي له الكرة هذه المرة ليجدها تخطو للخلف وهي
تشير بكلتا يـ ـديها بأن يبتعد ثم قالت:
- لا لا ابعد مبلعبش أنا!
ابتسم بسخرية على حاله وحال "أوفيد" نفسه، يبدو أن كلاهما
يعشقان نفس المرأة التي لا تريد التعامل مع أي منهما ليتحدث دون أن ينظر لها:
- بيحبك على فكرة، عايز يلعب معاكي،
أوفيد أهدى بكتير من فينوس وخلاص استحالة حد فيهم يعملك حاجة، عايزة تمشيه خدي
الكورة منه واحدفيها بعيد!
أومأت بالرفض ثم توجهت لتعود للداخل لتجد "أوفيد" يتبعها مهرولًا
ليتوقف أمامها وهو يُمسك بالكرة بفمه لتزفر بضيق وهي لا تريد أبدًا التعامل معه
بأي طريقة كانت ليبتسم الآخر خلفها على ما يراه بينما تأهبت "فينوس"
الواقفة بجانبه وهي تتابعهما في انتار أن تحصل على الكرة عندما تُلقى ليجدها تنصاع
أخيرًا له ثم أمسكت بأطراف اناملها بالكرة على حذر والقتها بعيدًا ليذهب
"أوفيد" لكي يصل عليها ولكن "فينوس" سبقته إليها لقرب مسافة
الكرة منها ليغمغم قبل أن يتناول من العصير:
- غبي زيي بالظبط..
انطلق العصير من فمه وهو يبخه بأكمله للخارج وانكمشت ملامحه وهو لا
يستطيع تحمل هذا المذاق المالح اللعين ليراها تلتفت إليه وهي تتفقده بانتصار قبل
أن تدخل من باب المنزل وتركته خلفها ليتذوق ما ود أن يتناوله!
ذهب بغيظ خلفها وهو ما زال يُمسك بالكوب ولم يستجب لكلبيه المنتظرين
للعبه معهما من جديد وسارع بخطواته ليمنعهما من الدخول خلفه ليدخل وهو يبحث عنها فرأى
أنها لتوها أخذت آخر درجة على السُلم الداخلي ليضيق عينيه وهو يصعد خلفها ليستمع
لباب الغرفة يُغلق فوقف أمامه ثم نادى من خلفه:
- هتفتحي ولا هنضيع اليوم في تكسير
الأبواب وتصليحها.. افتحي بالذوق بدل ما أنتِ عارفة ممكن يحصل إيه ولا نسيتي الباب
اللي كسرته قبل كده؟!
اتسعت عينيها بتوتر لتبتلع وهي تحاول أن تبتعد بمخيلتها عن تلك
الذكريات المخزية وتصنعت التلقائية وهي ترد عليه من خلف الباب:
- أنا بس قفلت الباب عشان هاخد شاور
واغير هدومي!
ابتسم بغيظ وهو يستطيع سماع الكذب بصوتها بمنتهى الوضوح فحاول إخفاء
غيظه قائلًا:
- طيب افتحي قبل ما تعملي أي حاجة بدل
ما نعيد اللي حصل من شوية تاني!
هذا السلطان الملعون المتغطرس الذي لا يقبل سوى أن تُطاع أوامره،
لماذا عليها أن توافق؟ بالطبع لأنها لا تريد أن تعايش نفس الجحيم مرة أخرى..
حاولت أن تتمالك نفسها لثواني ثم تناولت نفسًا مطولًا وزفرته بتريث
لتقوم بفتح الباب ثم ابتعدت سريعًا وهي تعقد ذر اعيها لتسأله مُدعية الثبات:
- افندم، عايز إيه؟
اتسعت ابتسامته وهو ينظر نحو كوب العصير واجابها بسخرية:
- كنت عايز اقولك تسلم ايدك على أحلى
عصير دوقته في حياتي!
رفعت احدى حاجبيها في تحدي لتعقب باقتضاب:
- أوك.
اقترب حاجبيه بنظرة مُفكرة وهو يتحاشى النظر إليها ليخبرها بتهكم:
- مرضتش ابقا أناني، لازم تشربي منه
معايا!
رفعت حاجبيها باندهاش بينما تمنعت برفض قاطع:
- لا أنا شربت، متشكرة مش عايزة حاجة
رفع عينيه بنظرة مصممة نحوها وابتسم بخبث ليقول:
- لا يمكن، لازم تشربيه معايا!
اتجه نحوها مسرعًا لتفر هي للمرحاض سريعًا وقبل أن تغلق الباب وضع سا
قه سريعًا لكي يمنعها ونادى بهدوء:
- بلاش لأني ممكن اكسره زي ما كنت هاكسر
باب الأوضة، اتعاملي بهدوء عشان ابقا حلو معاكي.
صاحت باستغاثة وهي تحاول دفع الباب لتغلقه بينما دفعه هو للخلف:
- مش عايزة اشرب حاجة، مش بالعافية!
أخذ يدفع الباب إلى أن قارب بالنجاح وهو يستخدم كامل وزنه وحاول الحفاظ
على عدم سكب ما في الكوب ليستمع لزفراتها اثناء محاولاتها التي قاربت على أن تفشل
بالكامل ثم قال بتهكم:
- عشان تبقي تستغفليني تاني، زي الـ sea food
مش كده!
تذكرت هذا الموقف لتخبره من خلف الباب وهي تحاول بصعوبة أن تغلقه بكل قوتها:
- انت اللي غبي، كلامي كان واضح، قولت
أنا عايزة آكل sea food مقولتش هم عايزين ياكلو ايه!
نظر لها بانتصار وهي تتقهقر للخلف وتنظر له بتأهب ليشير إليها بالكوب لتهز
رأسها بالرفض لتلك النظرة بعينيه وهي تدعوها للشرب منه ليحدثها محذرًا:
- هتيجي بالذوق تشربي عمايل أيـ ـديكي
الحلوة ولا اشربهولك بالعافية ونخاف ونترعش بقا ونقلبها دراما، كده هتشربيه وكده
هتشربيه!
ابتلعت وهي تنظر نحو الكوب ثم إليه واستغاثت ملامحها لتقول باستسلام:
- طعمه هيبقا وحش اوي بكل الملح اللي
حطيته فيه.. خلاص مش هاعملها تاني.. الرسالة وصلت!
تفقدها متفحصًا وهو يتجه نحوها بخطوات بطيئة لتتعالى نبرتها وهي
تتوسل:
- خلاص قولتلك مش هاعمل كده تاني..
لم تختلف نظراته المصممة لتضرب الأرض بقدمها وصاحت به:
- قولتلك مش هاشربه ومش هاعمل كده تاني،
ليه مصمم بقا!
اقترب أكثر حتى أنهى تلك المسافة الفاصلة بينهما لتحاول الابتعاد حتى
ارتطمت بالسطح الرخامي المحيط بالحوض وهي تنظر له لتجده يضع الكوب بجانبها بهدوء
ولكن يـ ـده ما زالت تتمسك به ليفاوضها متكلمًا:
- هتشربيه ولا هتيجي تتكلمي معايا
بهدوء؟
- نتكلم أحسن!
اجابت على الفور ليفسح لها الطريق نحو الخارج وأشار بحركة من رأسه
لتبتلع وهي تخرج ليتبعها وهي تتجه لتجلس على المقعد الجانبي الموضوع بالقرب من
الشرفة حيث جلس والده صباحًا ليتكلم متسائلًا وهو ينظر لها في طريقه للجلوس على
الفراش:
- كنتي حاطة فيه ايه ده؟ استحالة يكون
ملح بس!
نظرت له بضيق لتتنهد وهي تجيبه:
- حطيت ملح و dish washer powder
(مسحوق غسالة اطباق)
لم يصدق ما فعلته ليتنهد بضيق ليغمغم:
- صدقيني مش ناقص مستشفيات تاني!
لم يكترث بهذا الأمر الذي سرعان ما تعداه وتحدث سريعًا فيما يريد
الوصول إليه:
- دلوقتي أنتِ ناوية على إيه؟ هنتعامل
مع بعض ازاي؟ هتكملي في الشرب وحركاتك دي اديكي شوفتي هنوصل لفين، وقبل ما تتعصبي
وتتجنني أنا معنديش مانع ارمي عليكي يمين الطلاق حالًا، بس المرة الجاية اللي
هتسكري فيها هتبقي نمـ ـتي مع طليقك، ويا عالم أنا هاعرف امسك نفسي لغاية فين..
فانتي شايفة الحل إيه لكل ده؟ عايزة إيه وأنا اعملهولك؟
كادت أن ترد بنفس غضبها الثائر المعهود بالأيام الماضية ليبادر هو
بنبرة مُحذرة قبل أن تبدأ متحدثة بالترهات:
- فكري كويس في اجابتك، انا بقولك عايزة
ايه مؤقتًا لغاية ما نتطلق ونشوف حل لبابا، وبلاش نفتح في كلام ملوش لازمة، انا
عارف إني غلطان وعندي استعداد لأي حاجة انتي عايزاها.. قولي اللي عندك باختصار
وبعد ما تفكري فيه كويس.. ولو حتى مش عايزة تردي دلوقتي فبراحتك، بس الأسلوب ده لو
كمل احنا هنعمل في بعض مصايب.. وامبارح مش بعيد واديكي شوفتي اللي حصل بنفسك..
ترددت وهي تستمع لكلماته ليباغتها بما اضافه في النهاية بجدية شديدة
تتضح على ملامحه:
- وأنا آخر حاجة ممكن اخترها إني أعيش ليلة
زي اللي عشتها معاكي امبارح.. انا مبقتش أقدر ولا عايز أعيش معاكي تحت أي مسمى!
لا تعرف هل عليها أن تشعر بالإهانة من كلماته أم بالغضب أم هو يحاول
أن يتحايل عليها بكلماته وخبثه الذي لا نهاية له فتابعها بتفحص ليرها تستجيب
بالفعل لكلماته وتفكر حقًا بعسليتين غارقتين في البحث عن حل لكل هذا وقبل أن
ينبهها لأمر إضافي آخر بأنه يُمكنه أن ينتظر إلى أن تحكم قرارها ويمكنها أن تجيبه
وقتما يحلو لها وجدها تنظر له بثقة وتحدي ثم اجابته بما لم يتوقعه:
- أنا عايزة اوضة زي اللي كانت في بيتك
القديم بكل اللي فيها واعيشك نفس اللي أنت عيشتهوني فيها لغاية كل العذاب اللي
عذبتهوني قبل ما تحاول تمموت نفسك..
تثبتت نظراته عليها بعدم تصديق لتصحح مما قالته:
- اقصد بيتي.. مش بيتك!
استرخت بجلستها وهي تتابعه بارتباك تجاهد أن تخفيه بينما حاول أن
يحتوي صدمته سريعًا ليجيبها متسائل:
- واللي يرجع في كلامه؟
سرعان ما اجابته بثقة شديدة:
- مش هارجع!
وضعت قدمًا فوق الأخرى بغطرستها الفطرية المعتادة التي لا تصطنعها على
الاطلاق ليهز رأسه بتفهم وسألها من جديد:
- متأكدة إن ده الحل لكل اللي احنا فيه؟
ترددت عسليتيها وهي لا تستطيع أن تتخيل "عمر الجندي" الرجل
الذي يخيفها بمجرد نظرة ورضت بكل أفعاله الغريبة فقط ظنًا منها أنه قد يتوقف عنها
في يوم من الأيام وسيفعل ما يُرضيها ويبتعد عن كل ما لا تتقبله من أجل عشق ظنت أنه
قد يدوم للأبد سيركع على ركـ ـبتيه عا ريًا أسـ ـفل قد ميها مثلما كانت تفعل هي
لتجيبه بهزة رأس مقتضبه لتلتوي شـ ـفتيه بسخرية ليقول بجدية في النهاية:
- تمام، أفك الجبس ده وابقي اعملي اللي
أنتِ عايزاه، مفتكرش كنت بعمل حاجة فيكي وأنتِ تعبانة!
تحاشت النظر إليه وهي تعقب باقتضاب:
- أوك..
لم يُصدق أنها تستطيع فعلها ليلاحقها
بسؤاله الساخر:
- وهتعرفي؟
رفعت عينيها نحوه بتحدي كما ارتفع احدى حاجبيها بثقة شديدة لتجيبه:
- تعليمك.. يا ترى كنت مدرس شاطر ولا
لأ؟
ابتسم بغيظ ثم هز رأسه وهو حتى لا يستطيع أن يتخيل الأمر ليغير مجرى
الحديث وكلمها بجدية بعيدًا عن اقتراحها السخيف:
- بابا كان هنا الصبح و
- ما انا سمعتكو!
قاطعته ليضيق عينيه نحوها لوهلة بتفحص ليتنهد في النهاية ثم تابع
حديثه حتى يصل لما يريده دون أن يبتز أي من مشاعرها له ولا يجعل من مشاعره مُزحة
أكثر مما هي بالفعل:
- كويس، كده اختصرتي عليا.. بما إنك
سمعتينا، بابا عايزنا نسافر وبعد اللي حصل ده لو قولنا لأ على حاجة أنا مش عارف
ممكن يتصرف ازاي! أنا فعلًا بكلمك بمنتهى الصراحة من غير لا لف ولا دوران!
نهضت من مقعدها ثم قالت بانزعاج:
- سفر إيه اللي اسافره معاك، ابقا روح
قوله إني مشغولة..
هز رأسه وهو يتنهد بإرهاق بعد أن تأكد من أن محاولة الفرار من والده
لن تكون هينة لتتابع متسائلة بضيق:
- اعتقد كفاية كلام كده عشان مش فاضية،
عندك حاجة تانية عايز تقولها؟
نظرت إليه باحتقار لتجد على ملامحه نظرة من التشتت ليجيبها بهزة رأس وهو
يقول:
- مفيش حاجة تانية غير إني عايز كل ده
يخلص من غير ما يحصلك حاجة..
لم تصدق حرف مما يقوله لينهض وهي تغادر متجهة لغرفة الملابس ليضيف
بمصداقية:
- صدقيني هاعملك كل اللي أنتِ عايزاه
بأقل الخساير الممكنة.. حتى مش عايزك تخسري نفسك أكتر من كده.. اديني وقت بس
واصبري وكل حاجة هتتحل!
التفتت له بنظرة تهكمية بحتة وافقت قولها:
- معتقدش بقا فيه حاجة ممكن اخسرها اكتر
من اللي خسرته، معرفتك كانت أكبر خسارة ليا يا عمر..
كاد أن يتبعها وهي تختفي بداخل غرفة الملابس ليتوقف من تلقاء نفسه، لن
يفيد المزيد من الحديث معها وهي في الأساس لا تريد أن تملك بعضًا من المنطقية في
تصرفاتها ولا أفعالها ليستمع لذلك الجرس فتوجه ظنًا منه أن سائقه أحضر له الهاتف
ليجده بينما تعجب من نظراته ليسأله فورًا:
- في ايه يا محمود؟
حاول أن يحدثه برسمية قدر المستطاع وهو يبلغه بهذه الأنباء التي ليست
بمطمئنة على الإطلاق:
- سواق مدام روان برا، والدتها، بيدورو
على أخوها بقالهم تلت ساعات عند كل أصحابه وفي الجامعة بس محدش عارف يوصله
وموبايله اتقفل وهدى بعتت السواق عشان يبلغ المدام عشان موبايلها مقفول ومبتردش!
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية