-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 36 بالعامية

    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

الفصل السادس والثلاثون

النسخة العامية 



لو على الخطأ فلقد اعترف به ولو على ذنب لا يستطيع أن يكفر عنه فقد اعترف بذلك آلاف المرات، أما عن خطأه تجاه نفسه بما اضاعه لسنوات، فهو أيضا يدرك ذلك رأسه، يقر بهذا الخليط المزمن وهو لا يشك ولا يطالب بالغفران من أجل أي شيء، ولكن لن يقبل رجل لم يتصالح مع بعد مع اضطرابه السادي كل ما بات يتعرض له مؤخرا سواء منها أو من والده، هذه الحالة من الغضب الشديد لا يستطيع أن يصدها بعد، ولو كان على يقين تام بأنه كان يحاول قتلها وليس مجرد تبادل المتعة بأسلوبه السادي معها، فإنه أيضًا على يقين راسخ بأنه لم يخطأ معها ولو لمرة واحدة منذ أن قتل نفسه أمام عينيها!

 

-       أنت إزاي تعمل إللي عملته معايا ده هتفضل إنسان خبيث واستغلالي لغاية امتى!

 

 

أطلقت كلماتها كالقذائف المدفعية كما أتت لطمتها منذ قليل ولكن بمجرد رؤية هذا البركان الذي تظن أنه أنها تستمع لغليانه ومقلتيه تحتدم بشدة كلما مر جزء من الثانية حتى كادت أن تشعر بأن هذه النيران ستصيبها لا محالة فارتدعت نوعًا ما بداخلها خصوصًا عندما تحولت ملامحه لذلك الرجل الذي شاهدته ببداية زواجهما، نفس الشخص الذي كانت تشعر معه بالرعب من قبل!

-       عملت إيه؟

 

ابتلعت وهي تُفكر في هذا السؤال الذي لا يحتاج لإجابه ولكن تلك النظرة منه التي تنتظر إجابة جعلتها ترتبك قليلًا، بالرغم من عدم قبولها لأي شيء مما حدث ورغـ ـبتها المُلحة في الانتقام منه، ولكن نبرته الهادئة التي لا تتلاءم مع ملامحه جعلتها تخشى من أن يقوم بإعادة نفس أفعاله بالسابق!

 

ولماذا عليها أن تشعر بالخوف بعد كل ما فعله بها؟ لم يتبق شيء وحيد لم يفعله، حسنًا فليحدث ما يحدث:

-       مش فاهم عملت إيه! لا بجد، عشان بس سكرانة ومش حاسة باللي بيحصل قربت مني واستغليت إني مش في وعيي!

 

اقترب منها لتتسع عينيها للحظة واحدة بوجلٍ مما قد يتبع ملامحه ولكنها حاولت الثبات قدر المُستطاع أمّا عنه فهو كاد أن يفقد إدراكه بما يفعله بعد هذا الغضب الشديد الذي أصابه ليهمس متسائلًا:

-       يعني افتكرتي إني استغليتك ومش فاكرة انتِ عملتي إيه؟

 

تفقدته وهي تظن أنها تتذكر كل ما حدث بالفعل ليقرأ هذه الحيرة اللحظية على وجهها ولكنه كان نافذ للصبر بطريقة لم يشعر بها منذ الكثير من الوقت ليُنهي حيرتها تلك التي ليس لديه المقدرة على انتظار أن تحسمها بنفسها ليصرخ بها غاضبًا على النقيض من هدوئه الذي كان الأخير قبيل العاصفة التي ماجت بوجهها:

-       أنت هتسبني كده، دايمًا بهون عليك عادي، مش قادرة يا عمر، متبعدش يا عمر، نسيتي كل ده انتِ اللي كنتي بتقوليه ولو كنت عايز فعلًا استغلك ما كنت اتزفت كملت ونمـ ـت معاكي زي ما أي راجل سكران كان هيعمل لو كان في مكاني، لو بتتكلمي على الخبث بجد فخبث بخبث اوعدك المرة الجاية هتعامل بيه ولما تبقي تصحي هابقا اقولك اصلك كنتي سكرانة وانا كمان سكران ووحشتيني وكلمتين من دول وابقي وريني هتعملي ايه ساعتها!

 

حسنًا، لا مفر من الخوف وهي تراه بهذه الملامح، ولكنه يتذكر ما حدث مثلها، لم يعطب عقله بالكامل بعد، هذا مؤشر جيد، ولكن اقترابه بهيئته تلك ستصيبها بالموت ذعرًا إن لم يتوقف..

 

حاولت الابتعاد عنه بهدوء بينما وجدته يتابع بعد أن تفقدها مليًا بلهاث وغضبه يزداد في التهامها هي خوفًا وفي التهام ملامح وجهه:

-       زعلانة ومتضايقة عشان لمسـ ـتك؟ ولا عشان حـ ـسيتي بنفس احسـ ـاس زمان ومش قادرة تقبلي الواقع اللي حواليكي، بعد اللي عملته فيكي لسه بتحـ ـسي معايا زي زمان، لو كنتي فايقة لتصرفاتك من غير شُرب وسُكر الهبل اللي أنتِ بتعمليه مكنش حصل أي حاجة من دي!

 

ارتبكت أنفاسها واضطربت وتيرتها وعسليتاها تبحثان عن ملجأ من غضبه الذي ربما لن ينتهي بأي وقت قريب ولكنها آبت بشدة أن تتركه ليلوذ بالفرار بفعل عدة نظرات ليس إلا لتواجهه بصياح قبل أن تحاول النجاة بنفسها:

-       وأنت لو كنت إنسان مش خبيث مكنتش أصلًا لمـ ـستني ولا جيت جنبي مهما كان اللي قولته في لحظة أنا مش حاسة فيها بتصرفاتي، بطل تفسر كل حاجة زي ما أنت عايز، واسمعني كويس وافتكر الكلام ده ولا ابقا اكتبه عشان متنساهوش، لو لمـ ـستني تاني أيًا كان الموقف اللي احنا فيه صدقني هحول حياتك دي جحيم!

 

تهربت سريعًا منه لتغادر تلك الملامح التي أعادت الكثير من الماضي ليُصبح أمام عينيها وهي تتذكر الكثير من غضبه وخصوصًا ذلك اليوم الذي سألته فيه عن "يُمنى" لأول مرة!

 

نهض بهرجلة شديدة أدت إلى سقوط الكرسي خلفه وهو يرمقها بنظرات مُخيفة ورأت السواد بعينيه يزداد وصـ ـدره الذي يرتفع وينخفض بسرعة بسبب لهاثه من شدة غضبه وناقض مظهره تلك الطريقة الهادئة التي سألها بها:

-       مين قالك؟

 

عقدت حاجبيها وهي تتفقده وشعرت من جديد بالخوف منه ولكن عليها أن تتحلى بالثبات أمامه ولو لمرة واحدة فأجابته سائلة:

-       مش مهم مين قال ايه، جاوبني هي مين؟

 

لاحظت أنه يستشيط غضبًا ثم كور يـ ـداه ونظر إليها نظرة حادة جعلتها تندم أنها سألته وبالرغم من ملامحه التي تُسبب الارتباك لها ابتلعت وحاولت الصمود ليتساءل لاهثًا بغضب:

-       عُدي؟ ولا بابا؟ انتي اتكلمتي مع مين بالظبط؟ أنا عارف عدي كويس.. هو الوحيد اللي يعملها! جاوبي وقولي مين حالًا؟

 

كررت أسئلته بينها وبين نفسها للحظة من الحيرة لتقضم شفتاها في تفكير ثم نهضت هي الأخرى لتواجهه:

-       أنا مكلمتش عدي ولا باباك.. ارجوك جاوب سؤالي يا عمر، مين هي؟!

 

رمقها ثم أطلق بعد النظرات المستنفرة بينما اجابها بهمس تفلت من بين أسنانه:

-       دي صفحة من حياتي وقفلتها، متسأليش عنها تاني وإلا اجابتي المرة الجاية مش هتعجبك

 

التفت ليغادرها لتتابعه بعينيها وعلمت أن هناك شيئًا ما وراء تلك الكلمات المصحوبة بغضبه الممتزج بالألم الذي وضح على ملامحه، ولكنها قد سأمت منه ومن صمته ومن عدم معرفة أي شيء عن الرجل الذي من المفترض ستُكمل معه بقية حياتها فتبعته وهي تهرول خلفه للخارج وصاحت:

-       عمر استنى.. أنا مكنتش اقصد..

 

أوقفته مُتلمـ ـسة ظهره بعفوية وتحدثت ظنًا منها بأنها تحاول التقرب منه:

-       انا بس كنت عايزانا نتكلم في كل حاجة ونعرف بعض

 

التفت لها بجمرات جحيمية تتدفق من عينيه وقبض على يدها بقوة ثم هدر صوته الغاضب:

-       انت غبية ولا ايه؟ مش امبارح قولت متلمـ ــسنيش..  ومن شوية قولتلك متتكلميش في الموضوع! ايه اللي مش فاهماه في كلامي؟ انتي متخلفة ولا زيك زي أي حيوان معندوش عقل ولا بيميز كلامي اللي بقوله!!

 

شعرت بالانكسار بداخلها وهو يذيقها بتلك الكلمات لتنظر له بخيبة أمل ولكنها صممت على ما تُريده وصاحت به:

-       تمام.. مش عايز تقولي مين يُمنى.. اعرف بقى اني مقتنعتش بحرف من اللي قولته لما قولتلي انت اختارتني ليه، وعمري ما هاثق في واحد خبيث زيك بيعرف يجمل كلامه.. ومتأكدة إنك هتبدأ ترغي بكلام ملوش أي داعٍي ولا معنى.. بس تعرف!!

 

توقفت وهي تنظر له بغضبٍ هي الأخرى ثم تابعت بجرأة:

-       خلينا نتكلم في اي حاجة بين أي اتنين طبيعيين متجوزين، ممكن تقولي ليه مقدرش المـ ـسك ولو بعفوية مع إنك بتلمـ ـسني وبتقرب مني في الوقت اللي بتحبه وبمزاجك؟ يالا.. جاوب أي سؤال من أسألتي؟ قولي اي حاجة عنك، أنا زهقت من وجودي معاك وانت ساكت ومصمم متتكلمش حتى ابسط الأمور بينا بقى كلها اسرار وسكوت وتشتيت! أنت ليه غريب كده؟ ليه حياتك شكلها مش طبيعية؟

 

اشتد غضبه من كلماتها وقويت قبضته على يـ ــدها ولم تكترث هي لما يفعله فلقد اكتفت من تصرفاته الغريبة وصرخت به من جديد:

-       ليه مبتعتذرش؟ ليه مش بتتعامل بأسلوب محترم وفيه تحضر شوية؟ ليه مهووس بأن أنفذ لك كل اللي تقوله وكأن كلامك كتاب سماوي وجريمة مني لو خالفت تعليماتك وهتحرمني من الجنة لو عملت كده وكأني هشوف على ايدك عذاب الآخرة طول حياتي معاك؟ ما ترد عليا بإجابة زفت منطقية من غير ما تشتتني بكلامك ورغيك اللي مالوش لازمة! ليه كل حاجة بتعملها مش منطقية، ولا قريب من اهلك ولا عندك اصحاب؟ ليه مش حريص على شغلك ومش بتتابعه ولو لمرة واحدة من ساعة ما اتجوزنا؟ منين كل فلوسك دي اللي تخليك يبقى عندك طيارة private، وبيت زي ده غير البيت اللي جهزته لجوازنا؟ ازاي قدرت توصل لكل ده وانت عندك تلاتة وتلاتين سنة وأنت مجرد محامي حتى لو شاطر بس ازاي؟ قولي اي حاجة.. حاجة واحدة بس أقدر اقبلها بعقلي!

 

تعالت حرب النظرات بينهما فهي قاربت على فقد عقلها:

-       هي دي بقى حياتك.. واحدة ست اسمها يمنى وشوية الكُتب وحصان وبيت بعيد وطيارة خاصة وسكوت وانعزال وافعالك الغريبة؟ ليه بتعاقب الستات؟ ليه بتقود العلاقة زي ما قولتلي؟ ليه كل الحاجات دي؟ انت مخبي ايه بالظبط؟ مثلًا تجارة غير مشروعة؟ ولا، ولا، الأوضة الغريبة دي بتتاجر فيها بالأعضاء؟ انت ايه حكايتك بالظبط؟ ليه مبتجاوبش ولو سؤال واحد بإجابة واضحة؟ لغاية امتى هنفضل في الدوامة دي؟ وليه مش عايز تسبني في حالي لما بقولك ننفصل؟ و..

 

قاطعها وصرخ بها بصوتٍ هادر جعلها تُصاب بالذعر ولكن ما كان له وطأة أشد عليها هو كلماته المُهينة:

-       بقولك ايه، ما تتلمي في ليلتك دي، انت فاكرة علشان اتجوزتك يبقى ليكي حق تتكلمي وتسألي.. أنتي واحدة زبالة بتتفنن تعصبني وقت ما تحب، والجدال والعند عندها مزاج، فكراني هاجي اقولك على كل حاجة بطريقتك دي وانتي بتكسري كلامي كل شوية، فكراني هثق فيكي بسهولة، مش رادد على ولا سؤال ما دام هي بالأسلوب ده! ولو على الجواز فأنا اتجوز اتنين وتلاتة وأربعة ولا يفرق معايا..

 

أمـ ـسك بذرا عيها في عنف ثم ارغم ظهـ ـرها على الاصطدام بإحدى الحوائط ثم استطرد لتُفزع من ملامحه التي شابهت ملامح رجل مجنون:

-       تعرفي مين اللي يستحق إني اثق فيها، واحدة بتقول طيب وحاضر ونعم واللي اقولها عليه يتنفذ وتقدر عصبيتي ومتنرفزنيش طول الوقت مش أنتي!!.. قولتلك من الأول وانتي رفضتي.. وحذرتك برضو من البداية وأنتي بتفنني تكسري كلامي وتعصيه.. اتلمي وإياكي تنطقي اسمها مرة تانية! وإياكي تسألي عن حاجة تاني.. انتي يا حلوة قبلتي الجواز وخلصنا.. فكري كده ولو مرة واحدة إنك تخلصي مني ووقتها هجاوب كل اسئلتك بس بطريقة هتوجعك اوي! مش هارحمك ساعتها..

 

تحجرت الدمعات المكتومة بمقلتيها من تحوله أمامها مرة أخرى لتجده يتحول لشخص مخيف لم ترى مثله قبل وندمت بسؤالها، ندمت بقرارها الذي اتخذته، لم يكن صادقًا ولن يتغير ولقد كانت بقدرٍ كافٍ من الغباء كي تحاول معه منذ البداية!

 

نفس الموقف يُعاد بعد أن كثرت الفواجع، نفس طريقته، بنفس خبثه وثرثرته، بنفس الإجابات منذ عامان، نفس كل شيء، هو ليس مخطئ بأي شيء مما حدث، الخطأ هو خطئها هي وليس هو، لم يكن عليها قط أن تحاول مع رجل لا يستحق على الإطلاق!

 

أُصيبت بالرعب عندما وجدته يُمـ ـسك ساعدها ليوقفها عن التوجه بعيدًا وأفاقها من تلك الأفكار التي احتلت عقلها وجعلتها تذهب لتمكث بماضي لا تنفك تتذكره معه لتجده يد فعها لجدار خلفها لتتعالى أنفاسها في خوف من نفس تلك الملامح التي كانت لتوها تتذكرها بينما وجدته يتحدث بنبرة هادئة جعلت بد نها يقشعر:

-       اسمعيني كويس وركزي أنتِ في كل كلمة هقولها، أنا بعاملك كويس من يوم ما شوفتك في الخطوبة، وبعدها من يوم ما رجعنا لبعض وأنا بتعامل معاكي كويس، بحاول ولا اجرحك ولا افرض عليكي حاجة لغاية امبارح وأنا بطاوعك على تصرفاتك المتخلفة بلبسك وسُكرك والرقص وآخر حاجة لما طلبتي مني مبعدش عنك، كل حاجة وكل اللي أنتِ عايزاه بيتنفذ.. بس خدي بالك من حاجة عشان تفهميها ولو عندك شك في كلامي روحي اسألي أي حد تختاريه حتى لو كان ابن خالتك نفسه..

 

ازدادت سرعة أنفاسها وهي ترى ملامحه المُخيفة ولم تكترث لجملته الأخيرة الساخره لتخبره بتلعثم:

-       ابعد عني وبطل تلمـ ـسني!

 

لم يكترث بقولها بينما تابع ما يُريد الوصول له وهو يُقوي من قبضـ ـته التي احتوت سا عدها:

-       أنا وأنتِ كان فيه بينا حاجات كتير أوي تستاهل إنك تكرهيني عشانها، بس عمرها ما كانت علاقتنا، أنا لو كنت مش طايقك وقربت منك كنت بنسى أي حاجة، وأنتِ نفس الكلام، وكل اللي حصلك قبل ما أطلقك مكنش فيه لمـ ـسة مني ليكي، ولا اجبرتك تنا مي معايا ولا خوفتك خالص من إني ممكن أقرب منك.. وكل ما هنبقا مش في وعينا كل ما ده هيحصل، سواء مني أو منك.. فوقي بقا وبطلي شُرب وشوفيلك أي زفت يعالجك بدل ما اعالجك أنا بطريقتي!

 

امتعضت ملامحها بعدم تصديق لكلماته لتهتف به:

-       لا بجد أنت بتفسر وبتبرر ومصدق نفسك، أنت مش هتتغير أبدًا وكـ..

-       اخرسي!

 

قاطعها وهو يد فعها لترتطم بالجدار بقوة بينما لم يُدرك ما الذي يفعله بوطأة غضبه الشديد وحاول أن يختار أفضل الحلول سلمية ومنطقية ليصرخ بها:

-       أنا كلمة واحدة تانية منك النهاردة هتخليني اتجنن، تمسكي لسانك جوا بُقك لغاية ما اتزفت أهدي وبعدين ابقي قولي كل اللي أنتِ عايزاه!

 

نفضها من قبضته وهو يلتفت لكي يتجه للخارج وهو لا يرى أمامه سوى نيران مُهلكة تحرضه على فعل الكثير مما سيقلب كل حياته رأسًا على عقب وحاول أن يلتقط أنفاسه لكي لا يفسد كل شيء بموجة غضبه الشديد لتقع الطامة الكُبرى بكلماتها التي دفعته لغضب لم يشعر به قط وهي تصرخ به بمجرد أن قام بفتح الباب الذي يؤدي إلى الحديقة مباشرة:

-       تتعصب وقت ما تحب، وتغتصـ ـبني وقت ما تحب عشان مش فاهم أنت بتعمل إيه، وبعدين تعيط وقت ما تحب وتقول كلام حلو وتبقا حنين بمزاجك، لا أنا مش هاقبل بكده، أنت توقف وتكمل كلامك معايا ومش مهم تبقا متعصب ولا حتى فيك إيه مبقاش يخصني!

 

دفع الباب ليرتطم خلفه بالحائط وسرعان ما اندفع كلًا من "فينوس" و "أوفيد" للداخل بينما تجمدت الدماء بعروقها واحتبست أنفاسها وهي تراه يتجه نحوها قاصدًا إياها لتحاول الهرولة مبتعدة عنه ليتبعها إلى أن قام بحصارها وأمـ ـسك بذراعها بيـ ـده اليُسرى لتحدثه بخوف تجلى بنبرتها:

-       أنا قولت تتكلم معايا مش تقرب مني!

 

صرخ بها وهو لم يعد يرى ما الذي يفعله من شدة غضبه:

-       أنتِ عايزة إيه؟ عايزة تتكلمي، مش متزفت متكلم، فيه حل حلو اوي هيعجبك لو اتعاملتي معايا دلوقتي..

 

التفت وهو ينظر نحو كلبيه ونباحهما الذي لم يتوقف ليصرخ بهما بشدة:

-       اخرسو مش عايز اسمع صوت!

 

سقطت في حالة من الذعر الكامل وشعرت أن قلبها قد قارب على التوقف من شدة سرعة ضرباته المتلاحقة لينظر لها من جديد فحاولت محاولتها الأخيرة بأن تدفعه عنه وتشجعت قليلًا لتواجد ذر اعه بالجص فهو لا يملك سوى يـ ـد وحيدة يستطيع أن يستخدمها واستغلت انشغاله اللحظي بكلبيه الجالسين في خنوع بعد أن زجرهما ولكنها شعرت بأن ذر اعها أوشكت على التهشم من شدة قبضته بمجرد محاولتها في التملص منه ليحدج بعينيها بمقلتين فازعتين جعلتها تلقائيًا تحاول أن تخفض من صوت تأوهاتها:

-       بابا لسه ماشي ومتخانق معاه بسببك ومش شايف قدامي من كتر ما متعصب، يا إما تهدي وتعقلي وتسكتي شوية يا إما كملي في اللي أنتِ بتعمليه ده لغاية ما اموتك في أيـ ـديا يا إما فيه حلين تانين هيشيلو خالص من دماغي كل اللي بيحصل ده وهيشتتوني كويس اوي!

 

تحركت سوداويتيه في تنقل عبثي بالرغـ ـبة المحتدمة وهو يتفقد ملامحها مرورًا بمفا تن جـ ـسدها ليتحدث بنبرة مُحذرة أكثر منها را غبة:

-       اخدك ونطلع ندخل الأوضة وأنام معا كي مرة واتنين وعشرة لغاية ما أنسي كل اللي أنا فيه، ويولع الشغل على اللي بنتخانق بسببه على الدنيا كلها.. تحبي افكرك لما كنت ببقا مش عايز أتكلم خالص كنت بعمل معاكي إيه؟! ولا اروح أسكر من أول وجديد بعصبيتي دي وساعتها كمان هبقا سكران ومش هتعرفي تسيطري عليا في حاجة ومش بعيد إني أنسى كل اللي هيحصل، ها تحبي ايه؟!

 

ترك لها عدة لحظات لتتذكر ما يعنيه وجمع أعينهما لقاء عابر لتتسع عينيها بذعر وحاولت ملاحقة أنفاسها لتهز رأسها بالموافقة ثم قالت بهدوء:

-       هاسكت..

 

اقترب منها أكثر بنفس نظراته وكل ما به يحرضه على الاستجابة لهذا الاشتهاء المدمر الذي يكنه إليها لتتوسع عينيها بمزيد من الفزع عندما شعرت بما انعكس على جـ ـسدها أسفل خصـ ـره ليحدثها بهدوء لن يكون من المناسب سوى الاستسلام له حتى ينقضي غضبه سريعًا:

-       شاطرة، روحي بقا اعمليلي أي زفت اشربه وسيبيني أهدي ونبقا نتكلم في كل اللي أنتِ عايزاه.. ولا تحبي نعيده تاني؟  

 

هزت رأسها بإنكار ليبعد قبضته عن ذر اعها لتفر هي سريعًا بعيد عنه ليصيح حتى تستطيع سماعه:

-       متنسيش تحطي فيه سم عشان نخلص من القرف ده!

 

تنهد بضيق وهو يتابعها بينما شعر أن غضبه ما زال كما هو لم يتغير على الإطلاق فعبر سريعًا من أمام كلبيه وكلاهما يُطلقان تلك الأصوات التي تدل على حزنهما ولكنه لم يتملك ذرة من شفقة على أي منهما وتوجه نحو الخارج قبل أن يصيب أحد بما سيندم عليه لاحقًا.. 




تابع قراءة الفصل