-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 37 بالعامية - 2

 رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

تابع قراءة الفصل السابع والثلاثون

النسخة العامية 


 

العودة للصفحة السابقة

 



 

-       يا بابا أنا مش فارق معايا اللي بنيته، أنا اللي فارق معايا إني أعيش مرتاح، ومن يوم ما رجعتلها وأنا مش مرتاح، كل اللي بتعمله ده صدقني بيضايقني أنا مش هي

 

اتسعت ابتسامته بسخرية ليرد بهدوء:

-       عارف هترتاح امتى لو عرفت ترتب حياتك بدل ما هي متبعتره كده، فين عمر المحامي الشاطر اللي حياته كانت ماشية تمام وكلمته محدش بيقدر يكسرها، تقدر تقولي ايه اللي اتغير غير وجودها جنبك، ده حتى البنت القديمة مكنتش بتعمل فيك كده

 

ليته يستطيع أن يحدثه بما تغير ولكنه لن يستجيب، لن يُصدق من هذا شيئًا، كيف له أن يخبره بأنها من غيرت به كل شيء، من دفعته على أن يتخلص من كل ما يؤلمه، وفي لمح البصر هو من جدد كل آلامه بفعلته الشنيعة!

 

تنهد وهو يحاول أن يصل لأرض سلمية فيما بينهما ليخبره باستسلام:

-       أنا عارف إن اللي هي عملته لما كانت هتقدم الأوراق اللي معاها حاجة مش سهلة، والغلطة في الأول وفي الآخر غلطتي

-       يبقا تصلح غلطك.. تتصرف زي الرجالة، مش تروح تعيط وتسيبها تولع في بيتك وتخربلك حياتك أكتر.. توقفها عند حدها وتشيل من دماغها خيالاتها التافهة دي اللي مفيش حاجة بتيجي من وراها غير وجع الدماغ!

 

قاطع كلماته قبل أن يُكمل تفسيرات لن يقتنع بها لينظر له الآخر بعتاب لوهلة وسأله بهوان:

-       يمكن عندك حق، بس توصل يا بابا إنك تعمل كل ده عشان مش عايز تسبني أعيش زي ما أحب؟ الموضوع وصل إنك حتى مش عاملي خاطر إن ده ممكن يضايقني؟ للدرجة دي خلاص بعد سنين حاولت فيهم أكون راجل زي ما بتحب من وجهة نظرك نسيت كل حاجة كنت بعملها زي ما بتقولي؟

 

غضب والده من كلماته ولكنه تماسك لكي لا يُفسد هذا الهدوء الذي يتحلى به ويُصبح هو من انتصر عليه بهذا النقاش كما فعل منذ ساعات:

-       كنت عايز تكون راجل ولسه عايز ده عشان مصلحتك، وبعد تعبي وتربيتي ليك عمري ما هشوفك بتدمر حياتك وأقف اتفرج وأنا ساكت!

 

لم يُصدق كلمة واحدة مما قاله ليعقب بعفوية وملامح الحزن تعتري وجهه:

-       عشان مصلحتي، تروح تتهمها بالقتل وبعدها تجبرها تتجوزني وتدبسني في قضية وتدخل عليا اوضة نومي وتروح تخطف أخوها عشان تهددها بيه.. بابا أنت بتكسرني أكتر باللي بتعمله فيها!

 

وصله احدى الاشعارات على هاتفه فتفقده بلمحه سريعة ليرد عليه ببرود بالرغم من هذا الاحتراق بداخله وهو يرى ابنه مصمم على تدمير نفسه باكتراثه الشديد لتلك الفتاة:

-       لو كنت من الأول عارف تلمها مكنش كل ده حصل!

 

رمقه بلوم بينما حدق به والده بنظرات زجاجية ليضيف ببرود:

-       متنساش بكرة تكونوا في البلد عشان فرح ابن عمك، وروح قولها إني عرفت أوصل لأخوها.. وسيبني أخلص الشغل اللي ورايا، مش هابقا أنا وأنت!

--

في نفس الوقت..

حدقت بالفراغ وهي جالسة تهز قدميها وحاولت التماسك وهي من حين لآخر تُسلط نظراتها على ساعة مُعلقة بالجدار وهي لا تدري متى ستنتهي هذه الورطة وخيالها لا ينفك يُرسل بحقيقتين لعقلها، أخيها لن تراه من جديد، ووالدتها قد تفارق الحياة بفعل اختفاء "بسام" إلى الأبد!

 

-       خدي يا حبيبتي اشربي ده واهدي وإن شاء الله كل حاجة هتكون كويسة. قوليلي بس فيه ايه وكل حاجة وليها حل!

 

انتبهت ورفعت عيناها نحوها عندما حاولت من جديد أن تتحدث لها وعلى ما يبدو هذه العائلة الغبية لا تفهم أي شيء مما يحدث لها، هذه المرأة الحقيرة لا تعرف ما الذي يفعله زوجها وابنه، يبدو وكأنها تعيش في كوكب آخر موازيًا لكوكب رجال عائلة "الجندي" ولا تفهم أي شيء مما يحدث أو حدث لأنها وببساطة منعدمة الشعور، العائلة بأكملها ولدوا بجينات البرود وعدم الاكتراث..

 

-       خلاص سيبيها يا ماما تهدى بس وأكيد لما تروق شوية هتقولنا فيه ايه.

 

تدخلت "عنود" بعد أن رأت تلك النظرة الغريبة التي لم ترها قط على وجه "روان" حتى شعرت بأن مصيبة ستقع حتمًا خصوصًا بعد توقف بكائها واحتراق عسليتيها وتحول ملامحها للغضب الشديد لتتحدث بسخرية لاذعة قائلة:

-       لا وتسبني ليه، المفروض تكمل اللي بدأته من سنين.. يا ريت، يمكن تلاقي حل للي أنا فيه!

 

استغربت "مها" من تلك الكلمات التي استمعت لها لتنفجر الأخرى باسترسال غير مسبوق لم تُحدث به أحد قط في حياتها:

-       انا هقولك فيه ايه، ابن حضرتك اللي مربتيهوش ولا تعرفي عنه حاجة كان بيعاملني زي ما يكون جايب واحدة من الشارع عشان ينام معاها، بيضرب وبيشتم وبيبهدل، لأن طبعًا ماما معلمتهوش ازاي يحترمها أو يقدر الست اللي معاه، ومسكني شهر فضل يعذب فيا زي بتوع المعتقلات لغاية ما كنت هموت اكتر من مرة، ولما عرف انه ظلمني راح يموت نفسه، ولما أهلي كانوا بيدوروا عليا وشافوني في الآخر مامتي وقعت من طولها بسبب عمايل ابنك، وطبعًا عشان مفيش ماما تطبطب عليه بقا بيموت نفسه مرة واتنين وعشرة وبقا واخدها مزاج، فبابا حبيبه لقا إن انسب حل يرجعني ليه بالإجبار، مرة بقا يبعتلي عملا عشان يفسخوا العقود معايا ومرة يخطف اخويا ومن شوية يدخل علينا البيت ويهددنا، بس أكيد طبعًا حضرتك معندكيش أي علم بالكلام ده لأنك مش موجودة، تقريبًا وجودك زي عدمه، فلما تيجي تطبطبي عليا وتعمليلي عصير عشان أنا بس وشي في وشك وتبقي عايزة تعرفي مالي يبقى تفكري ألف مرة أنتِ مين في حياة ابنك اللي أنا مراته، أنتِ ولا ربتيه ولا علمتيه ازاي يحترم واحدة ست ولا ازاي يكون حنين معاها ولا حتى ازاي يعاملها بالمعروف ولا حتى تعرفي حاجة عنه، قبل ما تيجي تكلمي مرات ابنك روحي شوفي ابنك الأول واللي متعرفيهوش عنه، أنتِ مش أم ولا حتى إنسانة كبيرة تستحق تعرف اللي بيحصل حواليها عشان الكل يحكيلها وهي تساعدهم، من باب أولى كنتي عرفتي إن ابنك وهو طفل قعد تلت شهور في المستشفى لوحده وماما الحنينة على عدي بس متعرفش هو فين..

 

لهثت بغضب بعد أن تكلمت بكل هذا لتضيف في النهاية:

-       أظن إن دلوقتي عرفتي يالا حليها بقا.. مستنية المعجزة اللي هتعرفي تدخلي بيها عشان تحلي كل ده..  

 

نظرت لها "مها" بصدمة شديدة بينما اندهشت "عنود" من كل ما سمعته وهي تراها في تلك الثورة الهائلة لتنتبه ثلاثتهن بتدخل "عدي" الذي استمع لكل ما دار من حديث:

-       لغاية هنا ولأ، أنتِ تعتذري حالًا على كل كلمة طلعت منك وتحترمي إنها أصلًا بتحاول تطمن عليكي وأنتِ في بيتها وكلمة كمان مالهاش لازمة أنتِ هتطردي من هنا!

 

التفتت باندهاش والغضب يتآكل دمائها لتتحدث له بسخرية:

-       أهلًا وسهلًا.. عدي، أخيرًا، مبتظهرش غير في أوقات معينة بس.. يا ترى ليه، طالع بدور ضيف الشرف اللي لازم يحط اللمـ ـسة السحرية والكل المفروض يصقفله عشان عمل اللي البطل مقدرش يعمله؟ مستني الكل يقوله شكرًا، وأهم حاجة ماما طبعًا، عشان هي حبيبتك وملكش غيرها ونسمة الهوا الطاير مش هتستحملها عليها، وبابا جوا مع عمر حبيبه، يمكن ياخد باله عدي بطل قد ايه.. ها وبعدين، الحلقة الأخيرة امتى؟

 

وقفت بثقة وهي ترمقه بغيظ ليرد عليها بغضب غير مكترثًا لأي مما مر ولا لأي مما يعرفه بالفعل:

-       لآخر مرة هحذرك، احترمي نفسك ومتنسيش إنك في بيتنا!

 

لو كان يُمكن لأحد أن يُصفق فستكون "عنود" التي تابعت تلك الجسارة وهي تواجه الجميع بما لا يجرأ أحد أن ينادي به في هذا المنزل وصمتت تمامًا وهي لا تصدق ما يحدث بينما رمقته بغضب هائل غير واعية بكل ما قالته ولا بما ستقوله بعد أن حاولت كتم كل مشاعرها بالدقائق الماضية لتنفجر في حالة عدم إدراك كامل بتصرفاتها:

-       وهو أنا من امتى بدخل بيتكم ده إلا لو كان فيه مصيبة، بابا اللي مش سائل في حد غير عمر حبيبه راح يخطف أخويا وللأسف مضطرة استحمل ابص في وشوشكم عشان خاطر أخويا ومامتي اللي ممكن تموت لو ملقناهوش.. من امتى أصلًا بتكلم مع حد فيكم غير لو فيه كارثة، صدقني أنا منستش إني في بيتكم ولا حتى هنسى أسوأ يوم في حياتي وأنا قاعدة مستنية القاضي يحكم إن بقا من حقي اشوف أخويا عشان والد حضرتك بيلوي دراعي وبيهددني بيه، عشان عايزني ابقا نسخة من ماما حبيبتك اللي مبتستحملش الهوا الطاير عليك وناسية ابنها التاني، لو بتقولي احترم نفسي فالأحسن إنكم انتو اللي تحترمو نفسكم، لو أهلك محترمين مكنتوش وصلتو لكده ولو انت واخوك واختك محترمين مكنتوش وصلتو لانكم اخوات متعرفوش عن بعض حاجة.. قبل ما تشاور عليا وتلومني روح لوم نفسك أنت وأهلك، ولو على البيت أنا مش عايزة اقعد فيه لحظة، ولو عليكم مش عايزة اصلًا أكلم حد فيكم!

 

حدقها وهو يلهث بغضب شديد ليتدخل صوت "عمر" الذي آتى لتوه على كلماتها التي ادهشته ليحاول أن يُنهي هذا الجدال الذي لا يريد له التفاقم وجذبها ليتجها نحو الخارج لتنفض ذراعها ثم التفتت لتلطمه ثم صرخت به في حالة من الجنون:

-       قولتلك متلمـ ـسنيش، فين أخويا؟! أخويا جراله إيه؟!

 

اندهشت كلتاهما بما فعلته عدا "عُدي" الذي أخذ يرمقها بغضب شديد متمنيًا لو تخرج هذه المرأة للأبد من حياتهم ولتأخذ أخيه بعيدًا عن أعينه وتريح الجميع منه ليقترب من والدته ليضمها إليه ليحدثها "عمر" بلهجة آمرة والغضب ينهمر من عينيه:

-       قدامي!  

 

وقفت بجسارة تحدج ملامحه بغضب ولم تتقبل ترهاته لتصرخ به:

-       أنا مش هاخد خطوة واحدة برا البيت ده غير لما اعرف أخويا فين، خلي عندك دم بقا أنت واللي ربـ

-       اخرسي ويالا قدامي عشان نروح نجيبه، أنا عرفت هو فين، كلمة واحدة زيادة وهجرجرك من شعرك لغاية العربية!

--

دفعها نحو السيارة بعد أن جذبها للخارج وألقى بالهاتف إليها ثم اتجه لمقعد السائق ليدخل وأشعل المحرك ثم انطلق سريعًا حتى لا يعرف إن كان سيتمكن من القيادة بيد وحيدة ولا إلى أين سيذهبان، ولكن ما كان على يقين منه أنهما لابد من أن يذهبان وبسرعة من هذا المنزل قبل أن يعلم والده بما حدث وقد يتخذ خطوة أخرى لا يعرف ما قد تكون عواقبها!

 

لمح ذلك التلهف بملامحها وهي تحاول أن تستخرج رقم هاتف أخيها وانتظرت أن يُجيبها فلم يفعل سوى بعد المحاولة الرابعة لها لتتكلم بلهفة:

-       بسام، أنت كويس، طمني عليك يا حبيبي، أنت فين؟

 

آتاها صوته ليبدو ناعسًا بشدة:

-       أيوة يا روري أنا كويس، مش عارف بس دماغي تِقلت ونمت في عربية واحد صاحبي محستش بنفسي، لسه صاحي والظاهر الموبايل كان فاصل!

 

سألته بعفوية وهي لا تصدق حرفًا مما يقوله وتناثرت الحروف من بين شـ ـفتيها:

-       ازاي يعني نمت في عربية واحد صاحبك واحنا قالبين عليك الدنيا ومامي كانت هتروح فيها، ايه كده دخلت العربية وانت مش حاسس بنفسك.. ايه اللي حصلك؟ وازاي متقولش للسواق أنت رايح فين ولا حتى لهدى أو مامي؟

 

تعجب مما حدث له وفي نفس الوقت تعجب من كلماتها المتوالية دون انقطاع واجابها بتلقائية:

-       فيه إيه يا روان أنا كويس بجد، انتي مكبرة الموضوع ليه، أنا كنت قاعد مع اصحابي في كافيه جوا الجامعة وبعدين قولنا هنخرج، يادوب دخلت العربية مع واحد من اصحابي ومحستش بنفسي ونمت غصب عني، محصلش حاجة يعني عشان الاقيكي انتي ومامي وهدى مكلمني مليون مرة

 

بدأت أعصابها في الارتخاء من الغضب للخوف وبالكاد تماسكت لكي تمنع صوت بُكائها من الوصول إلى أذني أخيها وسألته:

-       صاحبك ده مين اللي ركبت معاه العربية؟

 

استغرب من سؤالها هذا بينما هي شعرت بأن جـ ـسدها بالكامل على حافة الانهيار وأجابها بعفوية:

-       آدم، بتسألي ليه؟ أنتِ تعرفي يعني كل اصحابي؟

 

قضمت شـ ـفتيها عندما أوشكت احدى شهقاتها على الانفلات منها ثم صاحت به بحزن:

-       متعرفوش تاني، ومتتحركش حركة غير لما تعرفنا، أنا جايالك حالًا، ومتقلقنيش كده تاني عليك.. حرام بقا اللي بيحصل ده!

 

وجدت نفسها تُنهي المكالمة ثم ألقت بالهاتف وهي تجهش بالبكاء الذي لم تستطع أن توقفه وهي تشعر بأن كل ما كانت عليه يومًا ينهار بصحبة حياتها بأكملها وحتى الشخصان الوحيدان اللذان يمكنها أن تدعوهما بأُسرتها كادا أن يذهبان للأبد!

 

صف السيارة وهو لا يدري ماذا عليه أن يقول أو كيف بإمكانه أن يُصلح ما حدث وهي ترتجف بشدة ورغمًا عنه لم يستطع سوى أن يلمـ ـسها لكي يُربت عليها لترفع عسليتيها نحوه بصحبة ذلك السيل الذي لا يتوقف عن الانهمار من كلتاهما لتكلمه بلوم من بين بُكائها:

-       أنت السبب في كل ده، يا ريتني ما شوفتك ولا عرفتك في يوم.. ليه كل ده؟ ليه أنا عملت إيه؟ ليه توصل حياتي لكده؟ ابعد عني بقا.. ابعد عني مبقتش قادرة ابصلك حتى ولا اشوفك بعيني..

 

جنح لتلك العاصفة المدمرة منها، إن لم تره لم تكن لتصل إلى هذه اللحظة تحديدًا، وعلى ما يبدو أن الرجل الذي عمل والده على بنائه لسنوات لن يملك حيلة أمام من علمه كل ما كان عليه ليجدها تصرخ به باكية:

-       سيبني وامشي بقا، اخرج من حياتي.. لسه قاعد عندك بتعمل إيه!

 

ترك السيارة وخرج في منتصف الطريق وهو لا يدري إلى أين ستأخذه قدماه وهو يُفكر كيف عليه أن يجد مخرج من كل هذا بأقل الخسائر، يا ليت موته كان ليُساعدها، يقسم أنه على أتم استعداد أن يفعلها من جديد ولكن لن يرأف بها والده لو حدث هذا!

--

الحادية عشر مساءًا..

وقفت في تحفز بعد أن استطاعت الانفراد معه بالحديقة المُلحقة بمنزل أُسرتها ثم حدثته بجدية:

-       أنا بقا عايزاك تسيبك من كل الكلام اللي قولته قدام مامي وتفهمني اللي حصل بالحرف من ساعة ما دخلت الكافيه الزفت ده لغاية ما خرجت!

 

قلب عينيه وهو يزفر بضيق ثم أجابها حانقًا:

-       دي المرة المليون اللي هحكيلك فيها اللي حصل، فيه إيه بجد لكل ده؟!

 

كادت أن تصرخ بوجهه بالحقيقة التي تمنعها عنه ولكنها اختارت ألا تفعل حتى لا تزيد من هذه المصائب مصيبة جديدة، فيكفي أن تعيش هي بهذا القهر الذي يصف كل ما قد يفعله "يزيد الجندي" بها وبكامل أُسرتها، ليس هناك داعي لفقدان واحدًا منهما بعد أن يعرفان أنه هو السبب بكل ما حدث لتزجره بمزيد من الجدية:

-       بسام انا بتكلم بجد، إيه اللي حصل بالظبط، جاوبني ومتتعبنيش أكتر من كده!

 

تأفف من تصميمها على أمر تافه من وجهة نظره ليخبرها ما تريد معرفته واختتم حديثه بسؤال جاد للغاية:

-       خلصنا اللي ورانا، قعدنا في الكافيه حتى رُبى وباقي اصحابنا كانوا معانا، اتغدينا سوا وبعدين قولنا يالا سينما فقولت اركب العربية مع صاحبي بدل ما اركب مع السواق، روحت مع آدم اللي حكيتلك عنه، وبعد كده نمت من غير ما أحس، وصحيت لقيت الدُنيا مقلوبة.. ممكن افهم بقا أنتِ مصممة تعرفي التفاصيل أوي كده ليه؟ أنتِ افتكرتِ إن حد خاطفني ولا إيه مش فاهم؟!

 

ارتبكت لوهلة وسرعان ما أخفت توترها حتى لا يُلاحظه وسرعان ما حدثته بنبرة آمرة:

-       لا طبعًا مين اللي هيخطفك بس، بس لو سمحت متاكلش حاجة برا يمكن الأكل كان فيه حاجة، وابقا اعزم اصحابك هنا وخلو هدى تعملكم اللي انتو عايزينه، وآدم ده ازاي يسيبك كده نايم من غير ما يصحيك؟

 

رفع حاجبيه باندهاش ليعقب برفض لكلماتها التي لم تكن تملك أدنى تفسير من وجهة نظره:

-       وهو أنا بقا هيبقا ممنوع عليا اخرج مع اصحابي عشان نمت غصب عني، وبعدين آدم فضل يصحي فيا لقاني نايم فسابني في العربية ودخل عشان يلحقو السينما، مش حوار يعني يا روان.. ولا هو أنتِ بقيتي بتتعصبي على كل حاجة وقولتي بالمرة تتعصبي عليا؟!

 

حدقته بغيظٍ شديد ثم هتفت به مجادلة إياه:

-       لما السواق يجيلي البيت ويقولي مش لاقين بسام وموبايله مقفول ومامي منهاره، يبقا بس كل اللي بعمله إني بتعصب عليك؟ لما نفضل نكلم اصحابك اللي نعرفهم نلاقيهم مبيردوش ويقولوا منعرفش حاجة عنه يبقا اللي أنا فيه عصبية مش اكتر بالنسبالك؟ أنت بقا تبعتلي كل الـ contact list اللي في موبايلك عشان من الواضح إنك مش مقدر خوفنا عليك واللي ممكن تعمله حركة زي دي فيا أنا ومامي.. اتفضل ابعتهالي حالًا!

 

قاطع جدالهما صوت "هدى" التي لم يلاحظ أيًا منهما قدومها وهي تقول:

-       أستاذ عمر مستنيكي برا يا حبيبتي، تحبي احضرلكم عشا أو اعملكم حاجة تشربوها؟

 

أومأت لها بالإنكار لتخبرها بتنهيدة:

-       لا شكرًا يا هدى أنا هروحله!

 

لم تتوقف عن النظر لأخيها بجدية في انتظار أن يفعل ما طالبت به لتجد الرفض القاطع على وجهه ليُحدثها بمزيد من الجدال الذي ود أن يُنهيه بأي طريقة:

-       أنا مبقتش صغير عشان اللي أنتِ بتعمليه ده، بصي يا روان أنا طول عمري بقدر خوفك وجبك ليا بس أنا مبقتش صغير، وأنتِ في سني كنتي ابتديتي تشتغلي ويبقالك كلمة في شركتنا ومكنش حد بيمنعك من حاجة، وأنا مقدر اللي مريتي بيه، إنما إنك تحاسبيني بالمنظر ده كأني طفل صغير فده أنا مش هاقبله أنا آسف..

 

تركها وغادر لتتابعه بعينيها بغيظ شديد وتملك منها الغضب لتتنهد بإرهاق حيث أنه لا يتفهم ما الذي يحدث ولا حقيقة أن كل ما حدث له كان بسببها هي فلولا أنه أخيها لما كان تعرض لكل هذا!

 

حاولت تمالك أعصابها بشتى الطرق المتاحة وهي تتجه عائدة لترى الذي ينتظرها وتتمنى أنه ليس هناك مصيبة جديدة ستأتي بحضوره لتذهب فرأته جالس على واحد من المقاعد ينظر إلى الفراغ وأمامه كوب من المياه لتسأله بنبرة فارغة من المشاعر مقتضبة للغاية ولكنها ليست متحفزة كما عهد منها مؤخرًا:

-       خير؟

 

رأته يتردد كالواقع في ورطة ثم وقعت كلماته المترددة على مسامعها وهو يجيبها:

-       أنا عارف إنك بعد الموقف اللي حصل مش عايزة أكتر من إنك متشوفنيش لا أنا ولا أهلي، بس احنا هنسافر بكرة البلد عشان فرح ابن عمي ومش هنطول وهنرجع على طول!

 

دهشته بردها الذي كان في غاية الاقتضاب:

-       أوك..

 

أجبر نفسه على النظر إليها ليتفحصها بغير تصديق ليجدها تسأله:

-       هنسافر امتى والساعة كام عشان اجهز حاجتي؟

 

عقد حاجباه باستغراب ليجيبها بنبرة مستغرقة في التفكير:

-       هنتحرك بكرة الصبح..

 

ردة فعلها اثارت المزيد من اندهاشه:

-       أوك، أغلب هدومي هنا، استنى نص ساعة احضر شنطي وهنروح!

 

تابعها بريبة شديدة وهي تتجه للطابق الأعلى من منزل أُسرتها وهو لا يفهم كيف لتلك المرأة التي كانت لا تطيقه منذ قليل تتبدل الآن مائة وثمانون درجة وتعامله بمنتهى الهدوء، على ما يبدو أن تلك الصدمة التي عايشتها بفعل والده قد آتت بآثارها على الفور، ولكنه لن يقبل قط بهذا التحول الذي سيتركها كبقايا امرأة لو استجابت له بعد كل ما حدث لها بسببه، لم يكن يعرف حقيقة ما أخفته له، فهي لن تتنازل قط أمام ما فعله والدها، ولترى من الكاذب الأفضل، والده، هو أم هي!



 

يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة