-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 37 بالعامية

      رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

الفصل السابع والثلاثون

النسخة العامية 



الكذب لرجل مثله قضى أعوام ككاذب مخضرم ويستطيع التصنع بأن كل شيء بخير سهل للغاية أن يفعله، فكل الظروف متاحة بأن يتظاهر أنه لم يسمع شيء ولم يعرف بالأمر، ولكنه ليس مستعدًا بوضع المزيد من العراقيل في الطريق المدمر بينه وبينها!

 

 

خرجت من الحمام الملحق بالغرفة فتابعها وهي تجفف شعرها بمنشفة وبمجرد أن وقعت عينيها على كل ما به فقد وجدته قد بدل ملابسه التي كان يرتديها من قليل ووجهه وملامحه التي تعرفها جيدا، أخبرها كل هذا المزيج أنه هناك شيء هام قد دفعه للتغير هكذا في ثواني فاستشعرت الريبة الهائلة لتسأله بتوتر:

-       في حاجة حصلت؟

 

حدقت به لوهلة وتوقفت عما تفعله ليحاول انتقاء كلماته مليًا وهو يقول:

-       مرضتش اخبي عليكي بس عايزك تهدي وأنا هتصرف في كل حاجة

 

كلماته ايقنتها بأن الريبة التي أحست بها كانت حقيقية وصائبة، لابد من أن هناك شيء قد حدث حتى يخبرها بهذا. ازداد توترها لينتشر الخوف بدمائها وهي تسأله من جديد بأنفاس احتبست خوفًا:

-       ايه اللي حصل؟

 

تردد لجزء من الثانية واضطربت ملامحه لتأهب بالحزن مما سيقع على مسامعها:

-       بسام بيدوروا عليه، ووالدتك قلقانة بس عايزك تهدي وأنا ها ..

-       بسام فين وإيه إللي حصل بالظبط؟

 

قاطعته بلهفة ثم هرولت لكي تبحث عن هاتفها الذي بمجرد أن وجدته تذكرت الآن أنه ليس به شريحة اتصال لتجن على غبائها وتقاعسها بإحضار واحدة جديدة ثم شعرت بحالة غريبة وكأن جـ ـسدها غير قادر على الثبات أو التنفس وحتى ضربات قلبها تبدو وكأنها توقفت عن العمل تماما فكلما أدركت حقيقة ما قاله وتخيل عقلها ما يحدث، كلما ساء وضعها ولم تستمع جيدًا لما قاله وكأن صوته بدا كهمهمات في خلفية ما تعانيه لا تستطيع فهم أي من كلماته جيدًا:

 

ممكن بس تهدي وتروحي لمامتك وتطمني عليها وتخليكي جنبها وأنا هتصرف وهاعرف اوصله! 

 

تجمدت عيناها في صدمة وهي تحاول أن تواكب حقيقة ما يخبرها به، ربما قد استمعت له آلاف المرات وهو يقوم بتهديدها بشأن والدتها وأخيها ولكن أن يتعدى الأمر مجرد كلمات ويصبح واقع هذا لم تتخيل حدوثه أو ربما ما تخيلته بالسابق لا يشابه هذا الشعور الذي يُسيطر عليها الآن!

 

تفقدها بحسرة وهي بالكاد تستطيع التحدث بينما مسكت هاتفها بقلة حيلة وبدت كالتائهة لا تعرف ما الذي عليها أن تفعله لترفع عينيها نحوه فحاول أن يساعدها في التغلب على تلك الحالة التي وقعت بها فكلمها بنبرة هادئة قائلا:

-       اهدي، أكيد هنلاقيه، متقلقيش، غيري بس هدومك وروحي طمني مامتك وأنا هكلمك أول ما أوصل لحاجة 

 

تذهب لوالدتها لكي تخبرها بأنهم لا يستطيعون أن يجدوا أخيها؟ قد تدخل بأزمة مدى الحياة؟ هذه المرة لن تستطيع أن تجد اعذار، لا تملك أن تخبرها بشيء آخر، كأنه مثلًا ذهب في سفر ما دون أن يبلغهم كما تفعل هي!! وبسام، إلى أين ذهب؟ هل هذا يعني أنها لن تراه مجددًا في حياتها؟ هل هذه كانت النهاية بينهما؟ متى كانت آخر مرة رأته أو تحدثا بها؟ إن لم تجده وتعود معه لتقف أمام عيني والدتها لتراهما لا تضمن ما الذي قد يحدث لها أو لنفسها، هل حقًا لا يستطيع أحد أن يجده؟! 

 

سرعان ما وقعت صريعة لتلك التخيلات التي لم تنتهي بأكملها سوى برؤية فقدانها لكي شيء في الحياة، والدتها وأخيها ومنذ قريب كادت أن تفقد عملها، وخسرت نفسها، هل يمكنها أن تفقد "بسام" للأبد؟ هذا كابوس، لابد من أنه حلم مزعج ليس إلا!  

 

-       بسام فين؟

 

صرخت وعيناها غارقتان في الصدمة ثم تابعت بهتافٍ وهي تنظر له:

-       ازاي، السواق سابه يعني؟ ولا هو خرج مع أصحابه؟ أكيد فيه حاجة حصلت وهو هيتكلم! بسام مبيروحش في مكان غير لما بيقولنا وهو شوية وهتلاقيه بيكلم مامي، أكيد هيكلم السواق وهيقوله يروح ياخده، يعني ايه مش لاقينه؟! رد عليا أنا أخويا راح فين؟! 

 

ملامحها وتلك النظرات بعسليتيها المنهزمتين بفعل تلك العبرات التي كبلتهما في ظلام الخوف وذعرها الذي ينعكس على كل ما بها بصحبة تشنجات متلاحقة تسيطر عليها جعلته يشعر بالكراهية تجاه والده، ليس هناك من سيفعلها سواه، أما عن هذا المشهد الذي أجبره على رؤيته سينطبع بعقله للأبد، لن ينساه قط ولن يغفر لوالده دفعه ليرى ما يراه بعينيه الآن إلى أن تفنى الأرض ومن عليها!

 

-       اهدي أرجوكِ، هنلاقيه وهنوصله وهتطمني عليه، اسمعي بس كلامي، ادخلي غيري هدومك وروحي لمامتك عشان يبقا فيه حد جنبها!

 

أومأت بالإنكار وملامحها يعتريها الذعر ثم أخبرته:

-       أنا لو رجعت لمامي مش هارعف اقولها حاجة، واحدة فينا هتموت من الخوف، أنا مش هارجعلها غير لما الاقي بسام!

--

بعد مرور نصف ساعة..

-       ممكن بالراحة شوية بدل ما نعمل حادثة.

 

لم تكترث لما قاله بينما سلطت عينيها على الطريق، لم تملك كلمات أخرى لتنطق بها، لا ترى أمامها سوى وجه والده وهي تُمسك بمطرقة وتضربه بها مرات متتالية إلى أن تختفي ملامح وجهه ويختفي هو من الحياة.. ربما هذا هو الحل الوحيد لها لكي تُنهي هذا الزواج وهذا الخوف الذي باتت لا تعيش سوى به!

 

انتهى من وضع شريحة الاتصال الخاصة به في هاتفها الذي لم تبتع له شريحة بعد ولوهلة شعر بغبائه الشديد ليخبرها بكل ما يدور بعقله، ربما لم يكن عليه أن يخبرها بشأن ارتيابه بأن هذا من صنع والده، هو ليس ارتياب بل يقين تام بأنه هو الوحيد الذي يستطيع فعل شيء كهذا!

 

-       طيب ممكن تفهميني ناوية تعملي ايه؟

 

وكأنها ستستجيب لسؤاله هذا الذي حاول أن يسأله بكل الحيل التي تعلمها بينما اتبعت نفس النهج بالصمت التام وهي تسرع من قيادتها للسيارة في طريقهما لمنزل والده وكل ما تراه أمام عينيها هو حياة مدمرة بالكامل بصنع هذا الرفيق الكريه الذي كُتب عليها أن تتحمله للأبد على ما يبدو!

تحملت تلك الكيلومترات بفارغ الصبر وبمجرد ما وصلت انطلقت من السيارة للخارج وهي تهرول نحو بوابة المنزل وهي لا تتوقف عن الضغط على الجرس فحاول أن يوقف كل ما يخشى حدوثه:

-       ممكن طيب تسيبيني أتكلم معاه؟

 

ليتوسل أو ليبكي متوسلًا أو حتى يُمكنه أن يصنع المعجزات لو كان يملك المقدرة على فعلها، ولكن لقد تعلمت شيئًا هامًا خلال عام كامل من الزواج وعام آخر من الألم، هذا الرجل لا يمكن أن تثق بحرفٍ مما ينطق به!

 

قامت "عنود" بفتح الباب وبمجرد رؤيتها لهما قالت على مضض حاولت أن تُخفيه:

-       ازيكم عــ

 

لم تنتظر لسماع حرف واحد من هذا الترحيب التافه من هذه العائلة التي لا تكره أكثر منها واندفعت للداخل وهي تبحث بعينيها يمينًا ويسارًا لتجد والدته جالسة على احدى الارائك بغرفة الجلوس المتواجدة بالقرب من صالة الاستقبال لتتفقدها "روان" بلهاث ثم هتفت بها متسائلة قبل أن تبادرها بترحيب مزيف:

-       بابا عمر فين؟

 

اعطتها نظرات استغراب بحتة ثم ردت مجيبة:

-       طيب سلمي الأول، يزيد في مكتبه..

 

لم تهتم لأي مما استمعت له ولا بتلك النظرات منها واتجهت نحو غرفة المكتب لتجد "عمر" يتبعها فنادته لتوقفه بتساؤلها:

-       عمر يا حبيبي ازيك عامل إيه؟ مال ايدك آلف سلامة عليك؟ حصلك إيه؟

 

تريث لبرهة وهو لا يدري هل عليه أن يجيب سؤالها أم يذهب خلف الأخرى ليوقف مصيبة ستحدث عما قريب ليحسم أمره بعدم الاكتراث لما سألته به واتجه مُكملًا طريقه ليجد الباب مُغلق بالفعل ولا يستطيع الدخول بينما استمع لهمس أخته ووالدته:

-       هو فيه ايه؟ مالهم داخلين بيجرو كده؟

-       معرفش حاجة، محدش فيهم قالي كلمة، حد فيهم قالك حاجة؟

-       دي دخلت مقالتش حتى سلام عليكم يا دوب سألت عليه وراحت جري على المكتب، هي مال مرات اخوكي بيزيد؟

 

هزت "عنود" كتفيها كدلالة على عدم المعرفة لتحدثها قائلة:

-       روحي هاتي الموبايل بتاعي عشان أقول لعدي يجي يشوف فيه ايه، اكيد فيه حاجة مش طبيعية بتحصل!

 

أغمض عينيه ثم تنهد بإرهاق وهو يحاول التحلي بالصبر، الأفضل الآن هو ادعاء الاستسلام التام وعدم القيام بأي تصرف متسرع قد يجعله يندم ندم لم يختبره قط لو فعل بها والده المزيد!

--

-       بسام فين؟

كان هذا سؤالها الوحيد وهي تتابعه بغيظ ودمائها تغلي بداخلها ووقفت بثبات أمامه وهي تنتظر أي رد منه كما كانت على استعداد أن تتفاوض معه حتى لو كان الثمن أن تفعل المستحيل ولكنها لن تتقبل أن يُصاب أخوها بمكروه بسببها!

 

قلب شفتيه بمنتهى البرود الذي لطالما قتلها بملامح ابنه لتجد أن حقًا هي لا ترى سوى انعكاس لذلك الحقير الذي ألقاه القدر بطريقها لتدرك أنهما ليسا سوى وجهان لعملة واحدة وسلطت كامل تركيزها على أي حرف سينطق به:

-       معرفش، وأنا المفروض أعرف منين؟

 

سخرية وبرود وكذب تام ليست مستعدة لأي منهما، دقيقة واحدة وقد تدخل والدتها بأزمة حقيقية لا تعرف هل ستصمد خلالها أم لا لتحدثه بثقة هشة كادت أن تنهار في لحظة واحدة:

-       ده اسلوبك، أسلوب عمر بالظبط، التهديد وبعدين التنفيذ.. مفيش حد غيرك هيعرف أخويا فين ولا هيعمل كده غيرك عشان انفذلك كل اللي أنت عايزه، لآخر مرة هسأل بالهدوء، أخويا فين؟ جاوب سؤالي، وأنا مستعدة اعملك كل اللي أنت عايزه!

 

تفحصها ليستشعر صدقها بكل ما تنطق به ليقاطع تفكيره تلك الطرقات على الباب ليستمع كلاهما لصوته المتكلم بهدوء:

-       ممكن تفتحو الباب!

 

لكم آلمه هذا الذل الذي أصبح عليه رجل لا يكترث سوى لرؤيته نسخة أفضل من نفسه، لابد هي من تعايش هذا الذل، هذه الفتاة ذكية، تملك ما لم يستطع هو أن يملكه، يتيقن ويثق بشدة بأنها هي الوحيدة التي تستطيع إصلاح كل هذا الفساد الذي بات يلحق به فقط لو أرادت هذا، لتتوسل قليلًا وليقتلها صمتًا، من تظن نفسها، هل ترى أنها لتملكها بعض الحُسن والذكاء ستتمكن من تدمير كل ما عمل عليه منذ سنوات؟!

 

ابتلعت وهي ترمقه وشعرت وكأنها قاربت من تدمير رأسه مستخدمة تلك المنفضة الزجاجية التي عجت ببقايا سيجاره الضخم الذي تمنت لو يحرقه ولكنها ناضلت لتتحلى ببعض التماسك فالثمن لفعل ما تتخيله هو والدتها وأخيها على حد سواء لتبحث بعقلها بكل الوسائل التي قد يُمكنها أن تتفاوض معه خلالها وعادت لتلك الكلمات التي استمعت إليها منذ ساعات بينه وبين "عمر" لتتحدث بثبات على الرغم من ذلك التشنج الطفيف بجـ ـسدها:

-       قولي إيه المطلوب واللي أنت عايزه وأنا هاعمله، بس عرفني بسام فين؟!

 

تفقدها بنظرات جعلتها قاربت على الاحتراق بينما هو كاد أن يصل لكل ما أراده منذ البداية، هذه الفتاة كان لابد لها من درس قاسي، وعلى ما يبدو أن فقدانها لعملها لم يكن بمثل قسوة فقدانها لأخيها فتريث بصمته حيث استمتع كثيرًا بتلك المعاناة وسمح لها بأن تتابع ذلك التلهف وعدم الانضباط المصابة به بفعل خوفها، يعرف أن ستتحدث بكل ما يُريد سماعه وستتوسل فقط من أجل أن تصل لما تريده!

 

ولقد كان تخمينه يقينًا عندما اتجهت من تلقاء نفسها لما أراده:

-       أنا فاهمة إنك بتعمل كل ده عشان عايز عمر يشتغل ويرجع زي ما كان زمان وشايف إن أنا السبب في كل اللي بيحصله، تمام، لو ده المطلوب أنا هارجعه زي زمان.. مش هاعمله أي مشاكل تاني، هيشتغل وهيبقى أحسن من الأول وهيرجع يسمع كلامك في كل حاجة.. هتشوف بنفسك.. ممكن بقا تقولي أخويا فين؟

 

تابعها بنفس البرود ثم رد بهدوء قاتل لا يمكنها تصديق كيف يُمكنه أن يفعلها بينما هي تحترق أمامه:

-       هو أنا صحيح أحب أشوف ابني إنسان ناجح، بس أنا مالي بموضوع اخوكي؟ وليه فاكرة إنك أنتِ اللي تقدري تعملي كده؟! أنا مُشكلتي مع عمر مش معاكي!

 

وكأنه يُرتل كتاب سماوي من شدة ادعائه المصداقية، هذا الرجل سيقتلها لو استمر في تضيع تلك الدقائق!

 

اقتربت نحوه ولم تشعر بتلك الدموع التي انهمرت منها قهرًا لتتحدث بحرقة:

-       أنت اذكى واحد أنا شوفته في حياتي، وأنت عارف كويس إني بقدر على عمر بسهولة، هخليهولك زي ما أنت عايزه، هاعمل كل حاجة، بس بلاش أخويا أرجوك، صدقني مفيش حاجة هتبقا زي زمان.. خليني بس اعرف هو فين وهتشوف بنفسك!

 

تنهد وهو يشعر بالفرحة الشديدة ليستمع لتلك الطرقات على الباب من جديد بينما حاولت أن تثبت على قدميها بأعجوبة ليرد بمنتهى البرود:

-       انتي مرات ابني وأنا لازم اساعدك.. متقلقيش.. أنا بصراحة معرفش حاجة عن أخوكي، بس هاعمل كام مكالمة وهيرجعلكم إن شاء الله وهتطمنوا عليه!

 

كادت أن تذهب لتفصل رأسه عن جسده وهو يتحدث وكأنه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب وقبل أن تهتف بالمزيد حدثها قائلًا:

-       اطلعي استني برا وأنا لم أوصل لحاجة هبقا اعرفك!

 

لا تريد أكثر من أن ترى هذا السقف ساقطًا على رأسه وهو يتوسل أن تنقذه ولن تفعل، لا تتمنى سوى رؤيته ميتًا لعلها تصل للراحة الأبدية من هذا الكائن الكريه!

 

تحاملت على تلك النيران التي تحرق كل ما بها ولم تتمكن سوى من الانصياع لما يُريده وهي على تمام الثقة أنه ليس هناك من سيفعلها غيره، كل هذا البرود والهدوء واستفزازه الشديد لها لن يُقنعها بأنه لا يكذب بخصوص الأمر، فهي تعلم أن وجهه الكاذب مثل وجه ابنه تمامًا.. لقد بات لديها الخبرة الكافية بما يخص كلاهما!

 

فتحت الباب وهي تنطلق للخارج شاردة في صمت لا تنظر لوجهه ولا لوجه سواه وارتمت على أقرب مقعد استطاعت الوصول له لتستمع له يسألها:

-       فهميني ايه اللي حصل؟

 

لم تُجبه بينما سألتها "عنود" بشفقة وهي ترى دموعها لا تتوقف عن الانهمار في حالة من القهر الشديد وملامحها وحدها جعلتها كفيلة بنسيان كل ما حدث بينهما منذ أيام:

-       روان أنتِ كويسة؟ فيه ايه عرفينا؟!  

 

كادت أن تتحدث والدته بينما استمع ثلاثتهم لصوت "يزيد" المنادي:

-       عمر، تعالى عايزك!

 

زفر بقلة حيلة بينما تراجع وعينيه لا تتوقف عن متابعة ملامحها، فيبدو أنها انقطعت عن الكلام حتى أن ينتهي هذا الكابوس بكل ما فيه ويقسم أنه لن يترك حياتها لتدمر بسببه بعد أن دُمرت بالفعل!

--

-       ليه عملت فيها كل ده؟ ليه بتعمل كده؟ لحقت أصلًا تعمل كل ده امتى وانت لسه سايب البيت عندي مكملتش ساعات؟

 

تقارب حاجبيه بنظرة مستفهمة مُدعيًا الاستغراب وألقى ما تبقى من سيجاره في منفضته الزجاجية ليُجيبه بما لا يعد إجابة شافية على سؤاله:

-       هو لو على العمايل فالراجل الصاحي لدنيته وعارف يرتب حياته وجاهز لأي حاجة ممكن تحصل هيقدر يعمل اكتر من كده، بس أنا معملتش حاجة خالص!

-       بابا مفيش حد غيرك هيعمل ده، روان مفيش أي حد في الدنيا عايز يؤذيها غيرك.

 

أطلق زفرة ساخرة وهو يُرسل بكلمة مقتضبة برسالة على هاتفه ثم أغلق الشاشة ليوجه له انتباهه وعقب بمنتهى الهدوء:

-       وأنا هاعمل ليه كده في مرات ابني؟

 

ابتسم بسخرية وهو يعرف أنه عليه أن يُعيد نفس كلماته من جديد التي حدثه بها منذ ساعات ليتكلم بمصداقية لعله يستجيب له:

-       يا بابا قولتلك مليون مرة هي ملهاش علاقة باللي بيحصل ده، أنا اللي مش عايز اشتغل، وبعدين حتى لما رجعت الشغل حصل اللي حصلي.. ممكن بقا تشيل من دماغك فكرة إنها هي السبب في كل اللي بيحصل ده!

 

حدقه ببرود هائل وعينيه تخبرانه بأنه لا يُصدق حرف مما يستمع إليه ليتكلم بمنتهى الهدوء:

-       بتموت نفسك عشانها، وبتقعد جنبها بالسنة وسنة تانية تعيط عليها، البنت دي هي اللي بتدمرك، وأنت مبسوط باللي بيحصل، عملتلك غسيل مُخ وعايزة تكمل في عمايلها، كنت فاكر إنها لما ترجعلك هتفهم كويس توقفها عند حدها وتربيها بعد ما كانت هتفضحك أنت وأنا والعيلة كلها.. ولا مقدرتش تفهم لو كانت عملت اللي عملته ده كانت هتودينا في داهية

 

زفر بضيق وهو يتمسك بكل ما أوتي من قوة ألا يستفزه كما فعل منذ ساعات حتى يتجنب مما قد ينتج عن غضبه وبالطبع لن تسلم هي منه بل من الواضح أنه سيستغلها كنقطة ضعفه حتى يتحقق له ما يُريده ليلتزم الصمت الكامل فوجد يلاحقه بالمزيد من الكلمات التي لن يستمع لها على الاطلاق:

-       لو طاوعتها في عمايلها دي صدقني كل اللي بنيته في سنين هيضيع في لحظة ده إن مكانش ضاع أصلًا!

 

لم يتحمل تلك الكلمات وتفلت منه رده بعفوية:

-       يا بابا أنا مش فارق معايا اللي بنيته، أنا اللي فارق معايا إني أعيش مرتاح، ومن يوم ما رجعتلها وأنا مش مرتاح، كل اللي بتعمله ده صدقني بيضايقني أنا مش هي.




تابع قراءة الفصل