-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 38 بالعامية - 2

  رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

تابع قراءة الفصل الثامن والثلاثون

النسخة العامية 


 

العودة للصفحة السابقة



 

همهم بتفهم وفهم ما تفعله، هو يستحيل أن يتحدث لوالدته التي لم يتحدث معها منذ سنوات سوى بعبارات الترحيب المقتضبة الزائفة التي يتبادلها كلاهما من باب العادة ليس إلا!

 

رأى أنها صمتت وصمت هو الآخر فظن أنه أخيرًا سيستطيع التركيز في كتابه ليحاول العودة من جديد لتلك السطور وقرر أن يُعيدها منذ البداية ليستحضر كامل التفاصيل وللمرة الرابعة أفسدت عليه الأمر وهي تسأله ببرود:

-       مش ناوي تشوف جايين ولا لأ؟

 

رمى بلمحة سريعة نحو الساعة ليجيبها بنفاذ صبر:

-       الساعة لسه مجاتش سبعة الصبح، اصبري شوية!

 

بمجرد لمحها إياه يحاول التركيز من جديد أعطت له دقيقتان ليظن أنه سيستمتع بتلك السطور ثم من جديد تابعت ما تفعله:

-       ما هم لو مسافرين زينا زمانهم في الطريق و

-       ما خلاص بقا، مش هتزفت أكلم حد فيهم يجوا ولا ميجوش مش مهم، اسكتي!

 

قاطعها وهو يصرخ بوجهها بينما لم تفقد هي هدوئها واللذة تسير بدمائها لتخبره بجدية زيفتها ببراعة:

-       هو مش أنت واختك بقيتو حبايب وعملتلها بيت واقنعت باباك بخطوبتها ليونس، ما تكلمها، زمانها حتى صحيت عشان جامعتها حتى لو هي مش هتسافر، ولا أنت متعرفش حاجة عن أختك خالص!

 

زفر بضيق بينما استجاب لوجهة نظرها تلك ليترك الكتاب بمكان التخزين الجانبي للسيارة واخرج هاتفه على مضض لينتهي من مقاطعاتها المستمرة له واتصل بها يُفعل مكبر الصوت ليأتي صوتها المجيب بعد عدد رنات قليل:

-       آلو.

-       صباح الخير يا عنود، بقولك هو انتو جايين الفرح؟

-       صباح النور، ماما وعدي وبابا، أنا عندي امتحانات مش هاقدر اضيع بصراحة أيام عشان خاطر فرح يعني.

-       تمام.

 

كاد أن ينهي المكالمة بينما وجدها تسأله:

-       هي روان كويسة؟

 

التفت لينظر إليها فلمحته بلمحة سريعة بينما سلطت نظرها على الطريق ليجيبها باقتضاب:

-       هي كويسة آه.

 

استمع لحمحمتها عبر الهاتف لتتابع تساؤلاتها:

-       هو الكلام اللي قالته امبارح ده حصل فعلًا؟

 

لم يعرف بما يجيب ولكنه جعلها تسترسل في تساؤلاتها بخبث لكي يجد الإجابة على سؤاله الذي سأله منذ قليل:

-       أظن قالت حاجات كتيرة، ايه بالظبط اللي عايزة تعرفي إن كان حصل ولا محصلش؟

 

تريثت قليلًا قبل أن تدخل فيما لا يعنيها ولكنها لم تستطع نسيان ملامحها ليلة أمس ولا تلك الكلمات التي لم يتجرأ أحد في الحياة على المناداة بها صراحةً لتندفع بفضول ولكن بارتباك في نفس الوقت:

-       لما قالت إنك ضربتها وإنك كنت في المستشفى وأنت صغير تلت شهور ولما انتحرت ولما بابا هددها وخطف اخوها، كل ده حصل فعلًا؟

 

التفت ببرود قاتل نحوها بينما التفتت هي الأخرى وهي تنظر له بجسارة وتبادلا النظرات فيما بينهما لبرهة بينما أعادت عينيها للطريق ولم يتوقف عن متابعتها ليأتي صوت "عنود" منبهًا إياه:

-       آلو! أنت قفلت.

-       هبقا اكلمك تاني!

 

أنهى المكالمة ثم وضع الهاتف بسترته غير الرسمية وتملك منه الغضب بما علمه للتو وأخذ يُحدق بها للحظات متتالية ومنذ أن رآها بخطبة أخته إلى الآن لم تكن تصرفاتها بمثل هذه القسوة المدمرة بنفس مقدار أن تخبر والدته بما لم يُرد أن يخبرها به طوال حياته!

 

أمسك بكتابه بغلٍ شديد وحدق به وتلك السطور تبدو مبهمة أمامه وكأنه لم يتعلم القراءة ولا الكتابة في حياته قط وبعد دقيقة وجدها تتحدث من جديد:

-       ادينا اهو وصـ

-       اخرسي بقا!

 

قاطعها بعصبية شديدة بينما لم تكترث هي لما يفعله لتتكلم بمنتهى الهدوء:

-       احنا وصلنا البنزينة عشان تفطر زي ما كنت عايز!

 

لم يجد أفضل من ذلك مهرب ليخرج من السيارة في أقل من ثانية واحدة ثم ترك الكتاب خلفه لتتنهد بهمهمة ثم غمغمت بتوعد:

-       بكرة تدفع تمن كل اللي انت وهو عملتوه فيا وهيبقا غالي اوي عليكم!

--

حاول أن يُصفي ذهنه الذي تبعثر لأشلاء بفعل تلك القنبلة المدمرة التي القتها منذ ليلة أمس وعقله لا يود أن يتخيل ما الذي قد يحدث بين والده ووالدته بفعل ما أخبرتها به ليتنهد بإرهاق وهي يُجبر نفسه على تناول هذا الطعام الذي لابد له من تناوله رغمًا عن أنفه وشعر أنه يحتاج للمزيد من القهوة فقرر أن يبتاعها بعد أن يُنهي طعامه بينما لا ينفك عقله عن التفكير بهمجية هائلة في جميع الاتجاهات، ما الذي تريده ومتى سيتوقف والده وما الذي قد حدث منذ أن علمت والدته بما علمته، يعرف كيف يُصبح الأمر بينهما، ثرثرة من والدته بلومٍ شديد لوالده ومن ثم يرد "يزيد الجندي" بما يراه مناسبًا وينقلب الأمر لمشادة وجدال تنتهي به والدته صريعة بطش والده، لم يمر بهذا منذ الكثير من الوقت، ولا يريد المرور بنفس تلك الأجواء المشحونة التي لطالما عاش بها منذ أن كان طفل صغير.

 

تنبه عندما وضعت كوبان ورقيان من القهوة فرفع عينيه نحوها بلوم وسألها بتلقائية شديدة:

-       أنتِ عايزة إيه؟

 

تصنعت عدم معرفة ما يقصده واستمتعت للغاية بتلك الحسرة المصاحبة للألم بعينيه لترد باستفسار وهي تقلب شفتيها:

-       في إيه بالظبط؟

 

التوت شـ ـفتيه بسخرية شديدة ليواصل تعجبه:

-       ليه قولتيلها كل حاجة امبارح؟

 

تنهدت وهي تنظر له بعسليتين صادقتين واجابت بمصداقية شديدة لتجعله متيقنًا بأنها لا تخفي شيئًا وأضافت القليل من تلك الثرثرة التي تعلمتها منه ببراعة:

-       كنت خايفة على بسام ومتعصبة وهي بصراحة عمرها ما فرق معاها أنت مين ولا أنا مين ولا عمرها سألت عليا وفجأة حركاتها دي عصبتني اكتر بالعصير وإنها بتحاول تهديني كأنها بالظبط بتقول لواحد بيموت شم وردة ريحتها حلوة قبل ما روحك تطلع، فمعلش أنا آسفة جدًا على اللي عملته، ولما هديت عرفت إني غلطت ومن نفسي كنت بقولك اعتذرلها، بس اللي كنت فيه امبارح مكانش سهل عليا..

 

القى ما بيـ ـده على تلك الطاولة الصغيرة أمامه وحدثها بملامح ممتعضة بانزعاج:

-       وهو زي ما أنتي ما بتقولي عمرها ما فرق معاها، بتكلميها أصلًا ليه ولا توجهيلها كلام هي عمرها ما هتفهمه؟

 

بدأت في تمهيد افساد حياة "يزيد الجندي" قبل أن تتخذ أولى خطواتها وهي تستخدمه هو نفسه لتحقيق هدفها ورؤية المزيد من المعاناة على وجهه فأجابته مطنبة:

-       قولت يمكن تبدأ تحس بيا ولا بيك ولا أشوف أي حد في العيلة دي بيدافع عن الحق، هي أصلًا ازاي مستحملة واحد زي باباك لغاية دلوقتي؟ وازاي سايباك طول السنين دي؟ مفكرتش في مرة تهتم بيك أو تسأل عليك ولا حتى تحاول تخلص من كل الظلم اللي هي فيه ده؟ كون انها حاولت تهديني امبارح وهي اكتر واحدة ست ملهاش شخصية في الدنيا ده لواحده استفزني وساعتها مقدرتش استحمل! الكلام خرج مني غصب عني.. صدقني أنا لو كنت مركزة كنت قولت كلام تاني خالص يخصها هي لوحدها ميخصنيش!

 

تنهد بإرهاق وهو يستمع لكل هذا دفعة واحدة منها ليحاول أن ينهي هذا الحديث بأي طريقة وتكلم بعفوية:

-       بصي، متكلميهاش تاني، تجنبيها وخلاص، هي وبابا وحتى أنا، اتجنبينا لغاية ما تخلصي من الجوازة دي.

 

امسكت بكوب قهوتها وهي تتحـ ــسس هذا الدفء الذي ينبعث منه بأصابعها لتعقب متعجبة بمنتهى الهدوء:

-       ممكن اتجنبه واتجنبها بس هتجنبك أنت ازاي وانت قدامي ليل ونهار بعد كل اللي حصل ما بيني وبينك واحنا الاتنين مجبورين على جوازة غصب ووصلنا لمرحلة من الدمار محدش وصلها؟

 

 استغرب كلماتها واستطاعت بمنتهى السهولة أن تقرأ هذا على ملامحه لتنظر بغير اتجاه عينيه لتتحدث موضحة لريبته التي بدت عليه:

-       اللي حصل امبارح خلاني افوق على حاجات كتيرة مكونتش واخدة بالي منها، أو يمكن مكونتش مصدقة إنها هتحصل، مش معنى إني هقول الكلام ده اننا بقينا خلاص زي زمان بس أنت كان معاك حق في كل اللي حذرتني منه، مبقاش قدامي غير إني اصدق أنك هتقدر توصل لحل ونطلق في الآخر من غير مشاكل أكبر من كده

 

تنهدت ثم أعادت عسليتيها نحوه لتسأله:

-       ولا أنت شايف إن فيه حل تاني؟

 

ترقبت رد منه بينما وجدت الارتياب جليًا بمقلتيه لتقول بنبرة غير مُكترثة:

-       لو عايز تصدق صدق، لو مش عايز أنت حُر، بس أنا تقريبًا معنديش غير شغلي ومامي وبسام في حياتي، ومش ناقصة يحصلهم حاجة أكتر من كده بسبب اللي أنت ابتديته، يا ريت بس متبقاش بتكدب في إنك هتلاقي حل مع باباك، يالا عشان منتأخرش، أنا هجيب مياه وهستناك في العربية.  

 

نهضت وتركته دون أن تسمح له بفرصة أخرى من ارتيابه الذي سيُلزمها وقت طويل أن تقنعه بأنها صادقة، أو تخدعه بهذا، سيكون طريق شاق ولكن لن يؤلم رجال مثل "يزيد الجندي" وابنه شيء أكثر من أن يكونا ألد أعداء.. كان عليها أن تتعامل مع من تعرفه وتفهمه أسهل من أن تسلك طريق القانون الذي تجهل كل ما به بالرغم من كراهيتها الشديدة لكل هذا الخبث!

--

بعد مرور ساعة..

تثاءبت من جديد وهي تجفف تلك الدموع التي هبطت من عينيها بسبب عدم نومها طوال الليلة الماضية وشعرت أن عنـ ـقها تؤلمها بشدة ليلاحظ ما تمر به فحدثها مقترحًا:

-       تحبي اسوق أنا؟

 

التفتت نحو يـ ـديه بنظرة مُستهجنة وهزت رأسها باستنكار ثم سلطت نظرتها على الطريق في صمت تام بينما شعرت بأن جهازها العصبي قارب على الانهيار.

لم يتوقع قط تلك الفظاظة التي باتت تتعامل بها حتى من أجل شيء تافه كهذا ليعيد انظاره نحو تلك السطور بتركيز شديد وحاول أن يُلهي عقله عن كل تلك الحقائق التي تدور حوله ولم تمر سوى ثواني ليجدها تقوم بتشغيل بعض المحطات الاذاعية إلى أن استقرت على أغنية ما!

 

ازداد نفوره بشدة مما تفعله فاكتفى بإغلاق هذه الضوضاء ثم سلط تركيزه على كتابه مرة ثانية فلم يتبق له الكثير حتى ينتهي منه على كل حال بينما استفزته بتشغيل المذياع مرة أخرى ليلتفت نحوها بانزعاج ثم سألها بنبرة مُهيئة للخوض في جدال:

-       أنتِ مش ناوية تبطلي حركاتك دي؟

 

ردت مجيبة بمنتهى البرود دون أن تنظر له:

-       مليت، وزهقت من طول الطريق، وكفاية إني معايا اكتر إنسان بكرهه في حياتي، على الأقل اتسلى في كل حاجة!

-       انتي بقيتي مستفزة اوي!

 

التفتت نحوه بابتسامة تشفي وأخبرته:

-       تعليمك، تحب نفتكر كام مرة كنت بتستفزني؟

 

همهمت ثم أخذت تتذكر تلك المواقف التي لم تكن هينة عليها على الاطلاق:

-       انتِ غبية، انتِ مبتعرفيش غير تصلحي، بوسي رجلي، بوسي أيـ ـدي.. انا اتجوز واحدة واتنين وتلاتة ولا يفرق معايا، انتي زيك زي الـ

-       خلاص!

 

اوقفها عن الحديث وهو يُغلق كتابه ووضعه بمكان التخزين الجانبي بالباب بجانبه وحدق بالطريق أمامه وهو ينزعج من تلك الأصوات فهو لم يكن قط محبًا للأغاني وعاد رأسه ليتذكر الكثير مما تحدثت به ولوهلة اقتنع بأن لها أن تفعل ذلك ولكن بمجرد أن صرخ ذلك الصوت الأنثوي قام بغلق المذياع مرة ثانية لتتأفف هي ليسألها بانزعاج:

-       بقا ده صوت؟

 

قلبت عينيها وهي تتنهد لتحدثه بسخرية قائلة:

-       خلاص غنيلنا أنت لغاية ما نوصل.

 

القى برأسه للخلف وهو يُغمض عينيه بإرهاق ثم غمغم:

-       أول مرة اعرف الرجالة بيقولوا الجواز مقرف ليه.

 

استطاعت أذناها التقاط ما غمغم به لترد بسخرية وهي تبتسم:

-       ما كان حلو قبل كده لدرجة إنك كنت رافض الطلاق.

 

لماذا لا تضعه أسفل إطارات هذه السيارة وهي تمر من فوقه بأعلى سرعة يمكن الوصول لها لعله ينتهي من الحياة بأكملها؟!

التفت نحوها ثم ناشدها بتوسل:

-       أرجوكِ ارحميني، أنا مش هاستحمل اللي أنتِ بقيتي بتعمليه ده، حاولي تفهمي إن كلمة واحدة من اللي بتقوليهم ممكن يغيروا كل اللي بحاول اعمله.

 

همهمت وهي تتفقد الطريق بعينيها ثم تثاءبت وردت مُعقبة:

-       تقصد يعني هيجبلك اكتئاب؟ طب ما كلامك قبل كده وعمايلك كانت بتخليني مرعوبة طول الوقت، ليه مش قابل اللي أنا قبلته؟

 

نظر نحوها بقلة حيلة ثم أعاد نظره للطريق أمامه وأدرك أن كل صمتها ليلة أمس لم يُسفر عنه سوى المزيد من تصرفاتها التي لا تنوي أن تحرمه منها بأي وقت قريب كما كان على يقين أنه لا يملك حيلة أمام ما تفعله ولن يستطيع أبدًا أن يمنعها عن ذلك.

--

بعد قرابة ساعتان..

نزلت من السيارة التي لم يرغب سابقًا في حياته قط شيء مثلما رغب وتمنى أن يفر منها لتجد نفسها تنظر نحو هذا المنزل وهي ترى رجل وامرأة يتقدمان نحو سيارتهما وألقا التحية عليهما لتهز رأسها لهما وتكلمت لنفسها مُفكرة:

-       واضح إنها هتبقا سفرية مُسلية جدًا.

 

التفت نحوها وهو ينظر إليها بجدية ليخبرها منبهًا:

-       أرجوكِ بلاش تعملي حاجة تستفز بابا وخلينا نمشي من هنا على خير. أظن كده اتأكدتي إنه غيري خالص.

 

تفقدت عسليتيها هذا المنزل الضخم لتعقب باقتضاب قبل أن تتقدم للأمام:

-       متقلقش.

 

بمجرد اقترابها وجدت وجهان تألفهما يبدو أنهما آتيا ليُرحبا بقدومهما لترسم ابتسامة صغيرة رسمية على وجهها وهي تصافحها:

-       حمد الله على سلامتكم، عاملة ايه؟

 

عقبت على كلمات "رضوى" بالقليل من الكلمات المعتادة التي قد تُقال في لقاء كهذا:

-       شكرًا، أنا تمام، وأنتِ عاملة إيه؟

-       كله حلو الحمد لله.

-       ازيك يا أنس؟

 

قدمت يـ ـدها لتصافح زوجها "أنس" فبادلها بمصافحة سريعة وحدثها ببشاشته الدائمة:

-       الحمد لله، كنت فاكر إني مش هاشوفكم بس لينا نصيب نتقابل في المناسبة الحلوة دي، أخيرًا يا عم شوفناك..

 

توجه نحو "عمر" بجملته الأخيرة ليبتسم له باقتضاب وصافحه ببروده المعتاد بينما حدثتها "رضوى" قائلة:

-       ما تيجي اعرفك على الناس جوا وبعدين اوريكي الأوضة بتاعتكم..

 

ذهبت معها على الفور لتقوم بجولة لا تنتهي من وجوه أنساء كثيرات لا تظن أنها حفظت اسمائهن، هذه بأكملها عائلته، ويبقى من حظها الأسوأ على الاطلاق أن يتركها بالكامل ليلتقي بها هي؟ ما الذنب الذي اقترفته لتُعاقب به مدى الحياة؟!

 

-       خلاص خلصنا اهو والحمد لله فيه ناس كتيرة مشغولين ابقى اعرفك عليهم بعدين، أنا حاسة إنك توهتي والله بس هتفتكريهم متخافيش ويوم ما تتزنقي أنا موجودة..

التفتت لها وهي تبتسم وأخبرتها بأعين توسعت باستغراب:

-       بصراحة آه، شكلي كده مش هاخد خطوة في البيت ده من غيرك.

-       متقلقيش، اعتبريني صاحبتك الكام يوم اللي هتقعديهم هنا وأي مساعدة هتلاقيني جانبك.

 

ابتسمت لها باقتضاب وقالت من باب اللباقة:

-       شكرًا يا رضوى

-       العفو، على ايه بس.. ودي بقا اوضتكم، زمانهم طلعوا الشنط كمان..

 

قامت بفتح باب هذه الغرفة لتتفقد هذا الطراز الغريب عليها فهي لم تملك قط غرفة كهذه ويبدو الأثاث بعيد كل البُعد عن الطراز الحديث الذي عهدته وتعجبت لتلك الرائحة الغريبة التي تنتشر بالمنزل أكمله وذهبت نحو الشرفة لتجدها تطل على مساحة مزروعة كبيرة لا تستطيع أن ترى نهايتها لتعبأ رئتيها من هذه الأنفاس التي لم تختبرها قط لتنبهها الأخرى من شرودها وهي تتساءل بصوت هادئ:

-       عجبتك الأوضة، ولا الـ view هو اللي عجبك اكتر؟

 

التفتت نحوها بملامح تلقائية وهزت كتفيها وهي تجيبها:

-       أنا عمري ما سافرت بلد كده، أول مرة اشوف المناظر المزروعة دي، يمكن زرت الريف الأوروبي كذا مرة بس الموضوع هنا مختلف أكيد.. الجو حلو اوي.

 

ضحكت بود على هذا التشبيه وهي تحدثها قائلة:

-       ريف أوروبي ايه بس، أكيد برا مش زي هنا.. بس لو حابة ممكن نبقا ننزل نتمشى شوية، ممكن افرجك على المكان كله برا.

 

أومأت لها بالموافقة وعقبت باقتضاب:

-       أوك، أنا معنديش مشكلة.

 

لانت ابتسامتها إليها ثم سألتها بجدية لا تفتقر لودها:

-       ممكن بقا تطمنيني عليكي؟ بقيتي عاملة ايه دلوقتي؟ أنتِ وعمر بقيتو كويسين؟

 

كام كانت لتود أن تضحك بتواصل لعام بأكمله فقط لمجرد كل إجابة على سؤال من اسئلتها، ولكن لو فعلت هذا يعني حرب جديدة مع "يزيد الجندي" وهي ليست مستعدة لذلك على الإطلاق!

 

أحيانًا يضطر المرء للكذب، ليس لديها حل آخر:

-       كل حاجة بقت كويسة.

 

تفحصتها لوهلة لترى أن اجابتها المقتضبة غير منطقية لتلك الملامح التي تتذكرها من حوالي عام بأكمله فأخبرتها بما لا يدع مجال لفضولها:

-       حابة نتكلم سوا شوية وتحكيلي.. ولا بلاش اسيبك تريحي شوية بعد السفر؟

 

هزت رأسها مُدعية العفوية واجابتها إجابة مُزيفة:

-       مش حكاية حابة أو لأ، فعلًا كل حاجة بقت تمام.. يعني اتقابلنا في خطوبة عنود وبعدها رجعنا لبعض وبس كده..

 

تفقدتها بأعين غير مُصدقة لحديثها ولكنها لن تدخل في مزيد من التفاصيل حيث شعرت وكأن حديثها غير مُرحب به فقالت:

-       ربنا يسعدكم إن شاء الله ميجبش حاجة وحشة ما بينكم تاني.. أكيد عمر بيحبك اوي عشان يفكر يموت نفسه وانتي كمان أنا شوفتك وانتي منهارة وكنتي بتقولي إنك عايزاه يكون كويس.. كل المتجوزين بيعدي عليهم فترات صعبة وفي الآخر بيحلو مشاكلهم..

 

كم تمنت لو أنها تستطيع أن تُصدق ما تسمعه، لو حدث ورأت حلم واحد جيد من بين كل تلك الكوابيس التي ما زالت تراها، لن تملك رفاهية التخيل أن تُصبح هي وهو بخير، ربما عليها أن تغير مجرى الحديث قبل أن تبكي أو تتوتر بما مر بالسابق ونوبة قلق جديدة لن تُفيدها فيما تريد أن تفعله:

-       قوليلي صحيح، هي طنط مها فين؟ أنا مشوفتهاش قاعدة معاهم تحت.. وحتى أنكل يزيد وعُدي، متعرفيش هم فين؟  

 

اجابتها بابتسامة ولم تغفل عن طريقتها في تغير مجرى الحديث لتجيبها:

-       أولًا عمو يزيد هو والناس الكبيرة مبيعدوش مع البنات الصغيرة والستات وزمانهم عمالين بيتكلمو في خطة تحرير فلسطين وأوضاع الشرق الأوسط.. وطنط مها هتلاقيها مع مامتي.. تعالي نروحلهم لو حابة..

 

أومأت لها بالموافقة ثم أخبرتها وكلتاهما تغادران الشرفة:

-       يالا بينا. 



يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة