-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 38 بالعامية

       رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

الفصل الثامن والثلاثون

النسخة العامية 



منذ عامان والقليل من الشهور، لم تكن تلك حياته على الإطلاق، لم يكن ليتخيل ما وصل إليه، لا مثل هذا العشق، ولا الزواج، وبالطبع ليس اضطراب بهذه البشاعة، ولا إقلاع عن العمل للأبد، ولو كان يرى كابوس بمنامه لما تخيل قط أنه قد يرى والده ألد أعداء زوجته.. ماذا حدث؟ وكيف حدث هذا؟ وأين كان هو؟!

 

حدق بسقف تلك الغرفة التي لم ينم بها قط من قبل وتأمل تفاصيله بنعاس شديد لينتبه عندما وصله إشعار بعد منتصف الليل بقليل على هاتفه الذي استطاع استلامه أخيرًا من سائقه بعد احضاره له ليجد أنها إجابة "مريم" على ما أفسده، لابد من تغير العلاج، جيد، المزيد من تلك الخلطات الكيمائية، هل يذهب قبل سفره لإحضاره أم يخاطر ويبتاعه من هُناك؟ يُخاطر، يا لها من فكرة جيدة، وينسى، أو لا يجد نوع من تلك الأنواع، فيرسل إلى "مريم" وإلى حين ردها سيتأخر ويضيف يوم جديد ليوم ونصف سابقان ثم نوبة اكتئاب حادة بكل ما يجري حوله، جيد للغاية، هو ليس لديه تلك الرفاهية!

 

أرسل بكل الأصناف المذكورة لرقم واحدة من الصيدليات التي باتت ضيف جديد في قائمة اتصالاته ونهض لينتظر قدوم عامل التوصيل بالرغم من شدة رغبته بالنوم الشديد، لو ظل هنا سيقع في النوم فورًا وقد يحمل له الصباح المزيد من المصائب وسينسى تلك الخلطة الجديدة.  

 

توجه للأسفل وهو يتثاءب وفكر بالتوجه للخارج قبل أن يقع في النوم بفعل كل تلك الارائك المُغرية التي لو جلس على واحدة منها لن يشعر بنفسه.

 

بالطبع لن يكمل أي منهما نومه بمجرد رؤيته، لديهما طاقة للعب أربعة وعشرون ساعة باليوم لا يدري من أين لهما بها:

-       أرجوكم أنا مش ناقص، هدوء، عايز هدوء..

 

زجر كلاهما وهو بطريقة للخارج ليجدهما يتبعاه ليتنهد بإرهاق وبمجرد تواجده رآها تجلس على نفس المقعد الذي كان يقصده، لابد أن يكف قدره عن المزاح معه.

 

سمعت تلك الحركة خلفها ولكنها تظاهرت بالشرود وهي تحاول أن تُفكر في حل لكل ما يحدث، هي لم تنس معاناتها معه ومع والده ولا كيف انقلبت حياتها رأسًا على عقب بسببه، لا يمكنها نسيان كيف تحولت من مجرد فتاة لا يُمكنها التفكير بكل هذا الخبث والدناءة فقط من أجل تحصل على حقوقها المشروعة، وربما ما فعله "عمر" بها جعلها تنسى من هي عليه ولكن ما فعله والده ذكرها بمن هي!

 

-       أنا آسف على اللي حصل النهاردة.

 

هزت رأسها للحظة واحدة بعد أن استمعت لما قاله جيدًا ولكنها لم تُفكر بالنظر نحوه وواصلت صمتها لتجده يُحدثها بتوسل تستطيع الشعور به بسهولة خلال نبرته:

-       أنا محتاج وقت، محتاج شوية هدوء مع بابا وهحل كل حاجة.. أنا عارف إن مالكيش ذنب في كل اللي بيحصل، ولا بسام ليه ذنب، بس بابا عمره ما هيقبل اللي أنتِ بتعمليه، أنا هاقبل، أنا مستعد استحمل منك أي حاجة إنما هو مش زيي..

 

من جديد أعادت نفس هزة الرأس ولم تنظر نحوه وعقلها لا يُفكر سوى بطريقة لتؤلم كلاهما، هو ووالده، هذا الرجل لابد من أن يضع له أحد حد واضح وصريح لا يتجرأ على تعديه!

 

لم يفهم ما الذي يحدث لها وإلى متى ستستمر في هذا الصمت، ربما كان كل ما تفعله بالأيام الماضية أفضل بكثير من دوام صمتها بهذه الطريقة، ما الذي يمكنه فعله ليراها ولو مرة وحيدة بخير؟

 

تنهد وهو يتابعها بعينيه وشعر ما الذي يعنيه الفشل، أن تكون عاجزًا فيما لا يمكن لغيرك فعله شعور لا يُمكن أن يتحمله، مجرد التواجد بجانبها أصبح كدوامة لا تتركه إلا بقيعان العجز، بالرغم من تلك الألفة التي لم ولن يشعر بها سوى معها هي وحدها..

 

قرر أن يغادر إلى أن يحضر عامل التوصيل ووجد ما يستطيع أن يضيع به وقته ليسألها:

-       ممكن أدخل اوضة النوم وأحضر شنطي بدل ما أحضرها الصبح؟

 

بسطت كفها كإشارة بأن يفعل ما يحلو له بينما لم تهاجر عينيها تلك الخضرة المعتمة التي تحدق بها بأرضية الحديقة وهي تُفكر مليًا، ما الشيء الوحيد الذي سيردع "يزيد الجندي" عن كل ما يفعله؟ أهي سُلطة ما عليها الوصول لها؟ وكيف ستصل؟ ماذا عن نقاط ضعفه؟ هل يملك نقطة ضعف وحيدة فضلًا عن نقاط؟ ستعكف صمتًا إلى أن يمكنها الفرار من هذا البطش للأبد!

 

مر الوقت وهي تحاول أن تتذكر كل ما يظهر عنه من تصرفات، كل كلمة سمعتها من هذا الرجل، اتهامها بالقتل، ما فعله بعملها، ومنذ قليل اختطافه لأخيها، منذ بداية زواجهما هو لا يطيقها، لطالما حدث "عمر" عن عودته للعمل! ماذا أيضًا؟ أراده أن يكون رجل صلبًا وقاسيًا، ماذا أيضًا؟

 

التفتت حيث تذكرت لقائها به هُنا في هذه الحديقة لتحاول الحصول من هذا اللقاء على المزيد من المعلومات!



- انكل يزيد..

توقف والتفت لها بابتسامة لم تلـ ـمس عينيه:

- ماشي بسرعة كده ليه، ملحقناش نقعد مع حضرتك.. خليك حتى معانا لغاية وقت الغدا ونتغدا سوا وممكن كمان أكلم عنود وعدي وطنط ونقضي اليوم سوا، احنا مبنقعدش مع حضرتك خالص





ابتسمت له بعد أن تصافحا بينما التفت له لوهلة واعاد نظره لها بنفس الابتسامة الدبلوماسية وحدثها قائلًا:

- زي ما انتي عارفة عمر اجل السفر علشان مشغول، فرصة كويسة اشتغل انا كمان اكتر، زي ما انتي عارفة بقى المحامي الشاطر مبيبطلش قضايا مهمة وصعبة..



توقف لبرهة ورمق "عمر" بنظرة لم تفهمها ثم واصل حديثه:

- اظنك ابتديتي تتعودي خلاص، جوازك من محامي ناجح مثال على ده، واظنك ملاحظة هو بيتعب في شغله قد ايه!!



لم تفهم ما يقصده بتلك الكلمات بينما اتسعت ابتسامته ليودعها:

- هاجيلكم تاني اكيد، ونخلي الغدا مرة تانية.. سلام!

قامت هي الأخرى بتوديعه وهي تستغرب للغاية من رسميته الشديدة وذلك الفتور الذي عاملها به ولكن سرعان ما تراجعت بينها وبين نفسها، فلو كان ابنه نفسه كان بمثل هذه الفظاظة في يومٍ من الأيام، لم عليها أن تستغرب الأمر الآن؟

هذا الرجل اللعين، لقد كان يستهجن ويسخر منها، أو من كلاهما، وبالطبع لم تكن هي لتتفهم ذلك وقتها، هل حقًا كل ما يهتم به هو العمل ليس إلا؟

 

لقد كان هذا اللقاء بينهما بعد فترة طويلة كانا بها بخير، ربما كانت الفترة الأطول في حياتهما دون شجار ودون مصائب وكوارث.. بعد ثمالته، هي تتذكر هذا اليوم جيدًا!





امتنع عن اقترابها بخوفٍ جلي كسى ملامحه وهيئته وتناول خطوات متقهقرة وهو يرمقها هاززًا رأسه بالنفي مراتٍ متتالية ثم نهاها قائلًا:

- متقربيش، لو قربتي صدقيني هدمر كل اللي بحاول اعمله معاكي، ابعدي ارجوكي!



وقفت وهي تلمحه بتحديقات مشتتة بين حيرتها فيما عرفته عنه باعترافاته إليها بخطابه الأخير وبين فضولها المندفع بتعاطفها لرؤيته بهذه الثمالة بصحبة تلك الكلمات التي لم تفهم منها شيئًا ثم سألته بنبرة معتدلة وهي تشعر وكأنها كالمُقيدة لا تقوى على فعل شيء:

- ايه اللي حصل مخليك منهار كده؟

ضيقت ما بين حاجبيها تأثرًا بملامحه ودموعه تنهمر ووجدته يبتسم بين بُكائه ووقفته منحنية بانكسار وكأنه بالكاد يستطيع الوقوف بثبات وهذا هو حاله بالفعل الذي أدت إليه الخمر التي تجرعها بكميات كان عليها تُنسيه تفكيره الصارخ به ولكنه باء بالفشل ثم غمغم بانكسار:

- بابا حصل.. هو ده كل اللي حصل!



زفر بسخرية بين ابتسامته واضاف هاكمًا:

- بابا دايمًا هو الحاجة اللي بتحصل ومفيش حاجة غيره بتحصل في حياتي!



بحثت عسليتيها بملامحه التي اذابت تأثر قلبها به بالرغم كل ما يصرخ بها بمنتهى العنف أن هذا الرجل لا يستحق المزيد من المحاولات وهي تحاول معرفة ما الذي حدث ثم تذكرت أن أخته اخبرتها عن جلوسه بصحبة والده لساعات فسألته وهي تقترب منه بحذر:

- باباك عمل ايه؟

اشتد نحيبه وهو ينظر لها باستغاثة وفحميتين باهتتين اسفل غمامة عبراته ثم مط شفتاه وهمس بقهر:

- عايزني اسافر معاه تاني، عايزك تكرهيني.. هو معاه حق! دايمًا بيبقى صح! لازم كل ششوية يفكرني بزمان وقد ايه أنا ضعيف، ولطالما كان محق!



لم تستطع أن تفهم ماهية كلماته التي لا توضح أي شيء سوى رؤوس الأقلام ولكنها لا تزال مليئة بالألغاز اللعينة لتتوقف مكانها وهي نفسها تشعر بالشتات وعدم استطاعتها ايجاد إجابة واضحة إلى الآن واخبرته بهدوء:

- أهدا يا عُمر.. ممكن بس نقعد ونتكلم في كل حاجة..



ظل على وقفته وحدق بها ودموعه تأبى التوقف ثم همس لها بتهكم:

- وايه لازمة الكلام لما أكون بعمل معاكي كل حاجة غلط وفاشل فيها ومستمر في الفشل؟



ضيقت ما بين حاجبيها وهي تشعر بالاستغراب جراء حديثه بأكمله ثم حاولت أن تضيق عليه الخناق بالأسئلة عله يُجيبها بكل شيء اثناء ثمالته ووضحت اكثر:

- باباك قالك ايه؟



تفقدها بإحباطٍ انقشع فيه الشتات ونبرة نادت بخفاء أن كل ما سيقوله خاطئ:

- قال أنك مش كويسة، عايزة تتحكمي فيا وفي الكل وتمشينا، قال أني لازم أساعد أنس، قال إني لازم اخلف، تاني بيفكرني اكون زيه، تاني بيفكرني إني ضعيف وفاشل في كل حاجة.. وخايف اوي لأنه دايمًا بيكون معاه حق يا روان، دايمًا صح في كل حاجة..



اشتد نحيبه وهو يُكمل المزيد من الثرثرة المنطلقة منه دون وعي:

- يُمنى، القوي هو اللي الكل بيعمله آلف حساب، ومرعوب لا كلامه عنك يكون صح.. أنا خايف يا روان، مش عارف اسمع مين ولا اصدق مين ولا اعمل ايه! انا تعبت كل السنين دي وأنا طفل ضايع بين الأطفال اللي زيي، وانا ولد متختفي عن عين الكل وانا شاب خانته حبيبته وراجل حقير ميستحقش كل اللي وصل له! مبقاش قدامي حل غير أني اقتل نفسي وارتاح من الحياة الزفت دي!



حسنًا هذا لا يُفسر لها سوى أنهما تحدثا بالكثير ولا تزال كل كلماته المنطوقة لا تُعطيها معنى مُفيد تستطيع فهمه لتجده يُباغتها بالمزيد من الحديث ولكنه هذه المرة صاح بحرقة واستطاعت رؤية الغضب بين عبراته التي لم تتوقف بعد:

- لو عاملتك زي ما بعامل الستات وكنت سادي معاكي هتكرهيني، ولو سيبتك تعملي اللي يعجبك هكون راجل ضعيف قدام ابويا، المعادلة صعبة اوي يا روان وأنا بحاول، والله بحاول، بحاول في شغلي ومعاكي وفي كل حاجة حتى مع بابا وبعد كل السنين دي لسه بيشوفني ضعيف وجبان وفاشل مش قادر على حاجة في حياتي.. شايفني خايب وانا تعبت من كتر اثباتي ليه وللكل أني راجل يُعتمد عليه..




- .. روان، مدام روان!

انتبهت من شرودها بتذكرها لكل ذلك بفعل من يناديها وحدقت بوجه هذا الرجل الذي يبدو أنه حارس البوابة فحدثته باقتضاب:

- ايوة فيه ايه؟



أشار نحو كيس بلاستيكي لم تعرف ما الذي بداخله ثم اجابها:

- الصيدلية جت وعايزين الحساب!



عقدت حاجبيها وهي تقدم له يـ ـدها لتتناول هذا الكيس فناولها إياه لتتفقد ما بداخله وكادت أن تجيبه بأنها لم تطلب شيئًا ولكنها توقفت لوهلة حيث أدركت أن لابد من أن تكون له هو وليست هي!

- هو الحساب كام؟

- خمسمية وستين!



أومأت له وهي تنهض لتبحث بجيب هذه الكنزة التي لم تبدلها منذ أن آتت من منزل أسرتها فلم تجد بها سوى جزء من المبلغ فناولته إياه وحدثته قائلة:

- كملو وحاسبوه على ما اجبلكم الباقي من فوق.



أخذت تتفقد تلك الأسماء جيدًا المطبوعة لتبحث عنها لاحقًا بينما ذهبت نحو الغرفة لتحضر النقود من حقيبتها فوجدته ما زال بغرفة الملابس ما زال يقوم بطوي بعض الملابس فتركت أمامه ذلك الكيس وجذبت حقيبتها بينما شعرت بالسخرية من حرصه على ترتيب الملابس وكأنها ستُعرض خلف زجاج احدى العلامات التجارية الشهيرة بالشانزليزيه لتستمع لصوته يتحدث بتردد:

- أنا اللي طلبت الدوا، شكرًا، أنا هنزل عشان احاسب الصيدلية

- خلاص!



رمته بكلمتها المقتضبة وهي تعاود طريقها نزولًا نحو الأسفل ثم سارت قليلًا لتُعطي نفس الرجل باقي المبلغ ليحدثها برسمية:

- شكرًا يا مدام.



أومأت له باقتضاب وأخذت تتجول بخطوات بطيئة وهي تعيد تفكيرها في كل ما تذكرته ثم قامت بربطه بالوضع الراهن، ربما هي تعرف جيدًا ما هي نقطة ضعف "يزيد الجندي" الأكبر.. محال أن تكون أي شيء على وجه الأرض سوى الفضيحة و "عمر" نفسه!



سيكون من السهل للغاية أن تتعامل مع من تعرفه جيدًا وباتت توقع كل تصرفاته بدلًا من البحث في طريق مجهول عن سُلطة ما أو أعداء لابد من أنه ينتبه لهم جيدًا.. لتكون الحرب على كلاهما إذن، ولكن الغبي من لا يتعلم مما حدث له، مُحال أن تستخدم نفس طريقتها السابقة، ولو خُيرت بين أخيها وبين أن تتوقف عن الثمالة والانتقام العبثي هذا، ستختار الأول دون شك!!



عادت من جديد لتصعد نحو الغرفة بينما اتجهت للمرحاض الملحق بها لتفرش أسنانها ثم غسلت وجهها وجففته بمنشفة قطنية لتضع القليل من المرطب الليلي لبشرتها وعاودت أدراجها لتقوم بغلق الأنوار واتجهت نحو غرفة الملابس لتجده ما زال بالداخل لتجذب احدى منامتها فلاحظ ما يحدث لتكلم قائلًا قبل أن تذهب للخارج:

- أنا خلاص خلصت..


أومأت له دون اكتراث فأوقفها وهو لا يريد سوى ردة فعل منها تجاه أي شيء يحدث ليحدثها بالمزيد:

-       أنا اخدتلك حاجات زيادة من اللي أنتِ جبتيها من بيتكم.

 

التفتت دون أن ترفع عيناها نحوه وتفقدت حقيبتها لتعيد فتحها لتراها منظمة بشكل مزعج ليواصل حديثه:

-       حاولي وأنتِ هناك تلبسي حاجة من دول فوق هدومك.

 

نظرت حيث اشار إلى ثلاثة من الرداءات الرائجة مؤخرًا حيث قامت بابتياعهم من الخارج قبل أن تعود من أمريكا لتهز رأسها في صمت لتتجه إلى الخارج فأوقفها مُجددًا متعجبًا بانزعاج:

-       انتِ فيه ايه مالك، هتفضلي ساكتة كده؟ عايزة تقنعيني إن بعد كل اللي حصل ده كأن كل حاجة بقت تمام؟

 

التفتت نحوه بينما وجدته ينظر لها مباشرة لتجيبه بالقليل وبمنتهى الهدوء:

-       كنت بفكر في كل حاجة وفي كلامك، هو الذنب ذنبي فعلًا، دي آخرة اللي بتجري ورا سراب الحب، فلو حد غلطان في كل ده هو أنا! ولو سمحت أنا عايزة انام لو كنا هنسافر بكرة..

 

تفقدها وهي تلتفت من جديد لتعود بداخل الغرفة آخذة خطوات نحو الحمام الذي أغلقت بابه ليزفر بإرهاق وهو لا يدري ما الذي ستفاجئه به هذه المرة، إن لم تكن ثمالة وحريق هذا المنزل، ما الذي ستفعله هذه المرة؟!

--

السادسة صباحًا..

طرقت بنهاية أظافرها على السطح الرخامي للمطبخ وهي تعانق كوب القهوة الضخم بين يـ ـديها وكأنه سينجح في افاقتها من عدم نوم ليلة أمس بينما نظرت نحو زجاجة الشراب التي تغريها بشدة للاحتساء منها ولكن كلما تذكرت ملامحه ليلة أمس وهو يُبلغها باختفاء أخيها نفضت الفكرة تمامًا بعيدًا عن رأسها وأجبرت نفسها على احتساء المزيد من القهوة لتحدق بساعة يـ ـدها الرقمية وشعرت بالتوتر بات يتحكم في كل ذرة بها ولم تُفد تلك الأقراص المُهدئة في إيقاف تفكيرها بخطواتها التالية!

 

تفاجئ بوجودها وهي ترتدي كامل ملابسها وهو لتوه يحاول أن يسيطر على هذا النُعاس الذي يغريه للعودة من جديد للفراش لينام للأبد ولا يذهب لأي لعنة.

 

-       صباح الخير.

-       صباح النور.

 

ردت باقتضاب لترفع عينيها نحوه حيث اقترب ليرى الإرهاق جلي على ملامحها الفاتنة التي لم يعشق أكثر منها وعسليتيها باهتتين فسألها بتلقائية:

-       انتي منمتيش من امبارح؟

 

تجاهلت الرد على سؤاله وأخبرته بفتور:

-       الشنط في العربية وقولت للسواق يروح وهسوق أنا، ياريت تخلص عشان نلحق نوصل!

 

امتعضت ملامحه بيأس وهو لم يبدأ يومه بعد بمثل هذه الطاقة التي لديها بافتعال الجدال في الصباح الباكر ليخبرها بهدوء:

-       افوق طيب وأفطر واشرب قهوة ونمشي.

 

استمع لتنهيدتها المرتفعة من على مسافة ليراها تنهض وتناوله كوب قهوتها ثم قالت باقتضاب:

-       نبقا نفطر في الطريق من أي بنزينة.

 

تركته وغادرت للخارج ليتابعها بعينيه إلى أن اختفت وابتسم وهو ينظر لهذا الكوب الذي كانت تحتسي منه، وبالرغم من جفائها واقتضابها وحالة النشاط التي يفتقر إليها، لا يبدو أن اليوم سيكون سيء لو بدأه بتذوق بقايا اثار شـ ـفتيها..

 

رفع هذا الكوب ليرتشف منه وهو يتجه لأقرب نافذة ليستطيع تبين إلى أين ذهبت ليجدها واقفة بالقرب من البوابة الخارجية وهي تتمدد بجـ ـسدها وكأنها ستبدأ بممارسة بعض تمارين اليوغا ليتذكر تلك المرات التي رآها بها بالمصحة منذ قرابة العشرة شهور ليبتسم بحسرة وبدأ يفقد الأمل بأن تعود يومًا لما كانت عليه بفعل كل ما حدث لها بسببه ليعاود أدراجه مبتعدًا في النهاية بيقين أنه ليس له هذا الحق، حتى ولو مشاهدتها من على مسافة.

--

بعد مرور أكثر من نصف ساعة..

مررت أصابع يدها بخصلاتها بعد أن حررته وجلست في انتظار تحرك هذا الباب اللعين، كيف كان يتمكن من الجلوس وانتظارها؟ على ما يبدو أنه قطعة من الجماد لا تقتله تلك التفاصيل التي تقتلها لتجد تحرك الباب أخيرًا بعد نفاذ صبرها لتنهض سريعًا واتجهت نحو السيارة لتجلس بمقعد السائق فلم تمر سوى ثواني معدودة حتى جلس بجانبها وفاح عطره الهادئ بالسيارة لتنزعج بداخلها والتفتت نحوه وهي تسأله باقتضاب:

-       الطريق ازاي؟

 

وجدته قام بتقصير شعره عما كان عليه لتشعر بالسخرية بينها وبين نفسها فبالطبع لن يليق أن يذهب رجل بخصلاته الطويلة المعقودة برباط شعر لمحافظة ريفية، قد يقتله والده بنفسه لو فعلها!

 

-       الدائري، وبعدين هبقا اقولك في الطريق.

 

شرعت بالتحرك بعد أن اجابها باقتضاب دون أن ينظر إليها وسرعان ما انشغل بقراءة كتاب كان يُمسك به لتنتشله من صمته مستفسرة:

-       هو باباك ومامتك رايحين ولا احنا بس؟

 

استغرب سؤالها ليُفكر قليلًا قبل أن يجيبها متنهدًا:

-       تقريبًا رايحين، فرح ابن عمي وكلهم بيتجمعوا في المناسبات اللي زي دي.

 

همهمت بتفهم وهي تُفكر مليًا لتُعيد ترتيب كل ما فكرت به طوال اليل بينما عاد من جديد ليقرأ تلك السطور بتركيز شديد فلم تترك له سوى دقيقة واحدة لتنتشل انتباهه مرة ثانية:

-       عنود وعدي رايحين؟

 

بدأ يشعر بالانزعاج لتشتيتها إياه للمرة الثانية ليرد باقتضاب:

-       معرفش.

 

عقبت بتلقائية شديدة بنفس أسلوبه المقتضب:

-       طب ما تعرف.

 

هذه المرة الثالثة التي تمنعه عن مواصلة القراءة ليغلق الكتاب الذي بيـ ـده ليتكلم بهدوء وهو يتمنى ألا يتحول الأمر لجدال:

-       من امتى بعرف حاجة عنهم، ومظنش إني بتكلم اصلًا مع حد منهم، وبعدين الموضوع فارق معاكي كده ليه سواء هم رايحين أو لأ؟

 

سلطت نظرها على الطريق وتنهدت لتقول:

-       بصراحة انا زودتها امبارح، عدي وطنط ملهومش ذنب، فأحسن لو كانوا هناك هبقا اعتذرلهم على الكلام اللي قولته في ساعة عصبية.

 

عقد حاجباه بينما تعجب ما قد يجعلها تود الاعتذار فسألها:

-       هو أنتِ قولتلها إيه بالظبط؟

 

اجابته باقتضاب وهي تشعر بالانتصار بداخلها:

-       ابقا اسألها! 





تابع قراءة الفصل