-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 39 بالعامية

    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

الفصل التاسع والثلاثون

النسخة العامية 




مشى بجانبه بعد أن اختار أكثر الحلول السلمية بمصاحبة "أنس" بدلًا من أن يجتمع بوجوه أخرى لا يحبذ أن يراها بثرثرتهم المزعجة عن الأحوال والتباهي بأشياء لا يكترث لها على الاطلاق ولا يظن أنها مفخرة لكي يتباهون بها، سيظل "أنس" دائمًا وأبدًا اختياره السلمي كلما آتى إلى هنا.

 

-       مالها ايدك، إيه اللي حصلها؟

 

حسنًا، هذا أمر لا يود التحدث عنه حتى لا يتذكر كم هو فاشل في الفشل نفسه، فلقد اختار حل سلبي وقرر أن يُنهي حياته وفشل بهذا، أمر يستحق الشفقة حقًا.

 

-       كنت سايق بسرعة وحصلي حادثة، كويس إنها جت على قد كده!

 

توقف "أنس" مما جعل "عمر" يتوقف هو الآخر بينما نظر له بجدية ليُكلمه بحرص:

-       عمر أنا عارف إنك مش قريب من أي حد في العيلة، وعارف إني ياما حاولت أقرب منك كصاحبي وأخويا الصغير بس أنت دايمًا كنت بترفض، بس أنت ايه اللي وصلك لكده؟ إيه اللي حصل ما بينك وبين مراتك؟ أنا آسف إني بتدخل بس أنا عمري ما عاملتك غير بكل خير وحتى لما اختفيت انت وهي كنت بحاول ادور عليك أنا وعدي ومتأخرتش عنك.. غصب عني أنا هموت من الفضول وصدقني عمري ما هاحبلك غير الخير، سواء من زمان ولا حتى دلوقتي.. ولولا محاولاتك في إنك تصد أي مرة حاولت اعتبرك زي أخويا الصغير فيها كان زماننا أحسن من كده بكتير!

 

يا لها من مقدمة طويلة ستنتهي بكلمات مقتضبة يستطيع أن يصده بها من جديد ليقول بعفوية:

-       محدش طـ..

 

توقف من تلقاء نفسه بينما تحولت نظرات "أنس" للانزعاج فبدلًا من أن يمتن له ولو بكلمة صغيرة يريد الآن أن يتبع نفس أسلوبه الفظ معه ولكنه هدأ عندما تكلم مرة أخرى:

-       محدش طبعه زيي وهيبقى سهل تتعامل معاه.

 

تراجع بكلمته وتصنع صعوبة البوح التي سرعان ما تحولت لتلقائية لمشقة الأمر عليه صدقًا وهو يتذكر مناشدة "مريم" له بكل جلسة لعينة وهي تخبره بأنه عليه اصلاح علاقاته التي ليست بكثيرة من الأساس وتابع قائلًا بالرغم من المشقة التي يشعر بها:

-       أنا عارف إنك ساعدت عدي وانتو بتدوروا علينا، غصب عني فهمت عنها حاجة غلط ورد فعلي مكنش سهل أبدًا..

 

تنهد وهو يشيح بنظره عنه ليُتابع باقتضاب:

-       أنا لو كان بابا موصلناش واحد فينا كان هيموت.. كويس إنها جت على قد كده، فترة وعدت..

 

أعاد انظاره له من جديد ليحدثه بابتسامة مقتضبة كانت أقصى ما يمكن اجباره على ملامحه:

-       مش هنسالك وقفتك معايا يا أنس ولما كمان جيتوا المستشفى وروحتوا اتطمنتوا على روان.

 

 

ضيق ما بين حاجبيه وامتلأت ملامحه بالرفض ليخبره:

-       أنا مبقولكش كده عشان تقولي شكرًا، أنا بسألك عشان اتطمن عليك بعد ما شوفت بعيني اللي كنت فيه.

 

حمحم وهو ينظر له ودفع نفسه للابتعاد عن الكذب بمشقة ليتنهد قائلًا:

-       اكتر واحدة حبيتها وبحبها في حياتي كانت هتموت على أيـ ـدي وجربت اموت نفسي ومنفعش وبابا مصمم ارجع لشغلي بأي طريقة في عز كل اللي أنا فيه، تقريبًا ده تفسير كويس لو عايز تطمن عليا.

 

رأى حالة اليأس الشديدة التي يتحدث بها ليُحاول أن يُنفي هذه السلبية التي يرى الأمور بها:

-       ايه يا عم هتمطر نكد كده ليه، ما انتو رجعتوا لبعض وشغلك بكرة تفوقله وترجعله، ربنا كبير، أنت مبهدل نفسك كده ليه! اعتبرها مجرد فترة وحشة وعدت وهون على نفسك كده.

 

ابتسم بسخرية ليعقب بمزيد من اليأس:

-       ربنا! ده أنا عار على البشرية، أنا على كل اللي عملته ده مش كفاية عليا اتعذب دُنيا وآخرة!

 

هز رأسه بالرفض القاطع على لهجته القانطة بشدة وحاول أن يبعث به بعض الأمل:

-       ليه يعني، ده قتالين القُتلة بيتوبوا، وربنا مبيصدش حد، وبعدين أنت من أكتر الناس اللي في حالهم ومبيعملوش مشاكل وشغلك ده لواحده لو عملته لوجه الله هتقدر تساعد بيه ناس كتيرة، أهدى على نفسك يا عُمر، مفيش حاجة بتبقى نهاية الدنيا، أنت محترم وشاطر وكمان خد من رجوعك لروان حافز ما دام بتحبها كده وواحدة واحدة كل حاجة هتبقى أحسن من الأول كمان، بطل أنت بس حالة اليأس اللي أنت فيها دي وربك كريم.

 

زفر بضحكة متهكمة وهو لا يعرف حقًا ما الذي يتحدث عنه ليجذبه بكلماته حتى يرى مدى ما توغل بداخله لسنوات:

-       يا أنس أنت متعرفش حاجة عني، يمكن من بعيد أبان كويس بس الحقيقة إني ياما عملت مصايب، قضايا شمال وجبت براءة لناس المفروض كان يتعدموا وستات اتـ

-       بس بس بس، أنت هتحكيلي قصة حياتك!

 

قاطعه ليوقفه عن الكلام ثم حدثه بنبرة ناصحة:

-       بص، إنك تكون إنسان كويس وتلحق نفسك إن شالله لو ناقصلك أسبوع في حياتك عمره ما كان عيب ولا غلط، متفضحش نفسك وتقول أنا عملت وعملت، استر كده على نفسك وارمي القديم كله ورا ضهرك وابدأ من أول وجديد، وبعدين أنت راجل اللي زيه أب وكبير، وأنت شاطر ومن زمان وأنت فيك حاجة كويسة مش زي الناس التانية، يعني مش هتبتدي من الصفر ولا حاجة، أنت عارف الصح من الغلط وكويس اوي إنك جواك لوم على اللي عملته زمان، واديك أنت ومراتك رجعتوا لبعض وصفيتوا مشاكلكم، أبدأ بقا ابعد عن الغلط ومتقعدش تسند أيـ ـدك على خدك وتفضل عايش في هم ونكد.. ده أنت شكلك النهاردة عامل زي اللي عجز وبقا عنده تسعين سنة، مش فاهم كل ده على إيه، مش نهاية الدنيا يعني، روق كده وصلي على النبي.

 

لوهلة تبدو كلماته مفعمة بالأمل، حديثه كان مُقنع نوعًا ما، لم يفت الأوان بعد لتغيير، قد تكون "مريم" فخورة به للغاية لو استمعت له، ولكنه لا يقتنع بحرف من تلك الأمنيات الزائفة ليرد عليه محبطًا كل ما قاله:

-       كلامك حلو ونظريًا صح، إنما عمليًا تقدر تقولي ازاي راجل مريض ومراته رجعلته بالغصب هينفذ كل الكلام الحلو ده ازاي؟

 

تفقده مستغربًا بعقدة حاجبان مستفهمان ليسأله:

-       ازاي يعني بالغصب؟ ومريض فيك إيه بالظبط؟

 

تعقدت نظراته إليه وهو يتفقده كما انعقد لسانه وشعر بشدة ضعفه تزداد بينما ازداد شعور هذا الاختناق كلما فكر في كل ما مر وما يمر به لينبهه "أنس" بإلحاح:

-       أنت هتفضل تبصلي، ما احنا كنا بنتكلم والدنيا ماشية حلو، ما ترد على سؤالي، إيه اللي حصل؟

--

 

وقفت أمامها بمنتهى الثقة بعد أن اقنعت "رضوى" بأن تتركهما هي ووالدتها وتغادران للخارج ورفضت عرضها بتناول الطعام ولو وجبة خفيفة بينما تيقنت أن البداية في تحقيق انتقامها لن يمكنها أن تحدث سوى بتصحيح البداية الفعلية لكل هذه العائلة المضطربة وتكلمت بلباقة مخبرة إياها:

-       أنا آسفة، مكنش يصح أبدًا اللي عملته امبارح، بس غصب عني، مكناش لاقيين بسام ومامي كانت منهارة وأعصابي كانت على آخرها.. الكلام اللي طلع مني طلع في وقت عصبية، متزعليش مني.

 

تفقدتها وردت بسلبيتها المعهودة، فامرأة مثلها قبلت بطش زوجها ومن بعده ابنها لن تخاطر أبدًا بمعاداة زوجته إن كانت تريد أن تتجنب المُشكلات لن تتعامل سوى بتهاون شديد مع الأمر خوفًا وليس غفرانًا:

-       محصلش حاجة، مش أهم حاجة إنك اتطمنتي على أهلك الحمد لله؟

 

أومأت إليها بالموافقة واجابتها بحرص دون تفاصيل كثيرة لكي تُنفي كل ما قالته أمس:

-       آه ده نام عند واحد صاحبه وموبايله كان فاصل، احنا بس اللي قلقنا عليه أوي وانا دماغي راحت في حتة تانية خالص.

 

همهمت لها ثم أخبرتها بما كاد أن يجعلها تصرخ بالدهشة:

-       الحمد لله ربنا يطمنكم عليه، يعني مش يزيد اللي خطفه، أنا قلقت اوي امبارح من كلامك.

 

هل هذه المرأة المختلة تُنفي تُهمة عن زوجها الباطش؟ ما الذي يحدث بعقل تلك المرأة الغبية؟ هل تعرف أن زوجها كان يقوم بخيانتها مثلما استمعت إلى ابنها وهو يتكلم بهذا بمنتهى الأريحية؟ هذه الغبية لو صرخت بوجهها الآن سيكون أقل مما تستحقه ولكن لو فعلتها ستدمر كل ما تحاول أن تفعله:

-       لا مش أنكل يزيد، أنا بس قولت كده عشان هو السبب في إنه رجعني لعمر، كنت فاكرة إن هو اللي عمل كده. ممكن اقعد؟

 

تنهدت وهي تنظر لها وتُرثي على حالها بينها وبين نفسها واجابتها بتلقائية:

-       آه طبعًا يا حبيبتي.

 

ابتسمت لها ثم استجمعت كل ما فكرت به لتكلمها بلباقة متصنعة البراءة الشديدة وكأنها لا تريد أن تقلب حياتها المثيرة للشفقة رأسًا على عقب:

-       أنا بجد مكونتش اقصد أتكلم بالأسلوب ده، وبالرغم من كل اللي عمر عمله فيا إلا إنه بيصعب عليا اوي، على فكرة ده بيحبك جدًا يا طنط، كان دايمًا بيبقا مستني إنك تكلميه ولا تسألي عليه ولا تطمني على احواله، أنا عارفة إن عمر مش بيتكلم بسهولة بس هو فعلًا بيحبك اوي.

زفرة مطولة غادرت صـ ـدرها وهي تعقب بهوان:

-       والله ياما حاولت، إنما يزيد عامل حصار حواليه، لو في يوم عِرف إن أنا وعمر كويسين هيقلب الدنيا، ياما حصلت زمان، أنتِ بس اللي مشوفتيش اللي كان بيحصل طول السنين اللي فاتت.

 

يا لها من متخلفة ببراعة، لماذا عليها تحملها؟ حسنًا، من أجل كل ما يفعله زوجها الباطش معها بداية من تسميم عقل ابنه بز واجهما في السابق وبسبب اجبارها من جديد على الزو اج بعد أن كاد يُدمر عملها ويقوم باختطاف أخيها.

 

حاولت العودة لهدفها الرئيسي على مضض لم يظهر على ملامحها لتحدثها بمؤازرة وهمية:

-       أنا عارفة هو شديد قد إيه، بس ابقي حاولي تطمني على عمر، بمكالمة كده ولا لما يكون أنكل يزيد مش موجود، حضرتك متعرفيش هو عانى قد إيه الفترة اللي فاتت، حصله كذا حادثة وكان تعبان اوي وايده لسه متجبسة وطول الوقت ادويا وحتى من كتر التعب مش عارف يروح شغله. أكيد محتاجك أوي جنبه.

 

التوت شـ ـفتيها بحسرة لتخبرها بهوان:

-       ياما حاولت، قولتله بلاش المدرسة الهباب دي اللي ودهاله مرضاش، أقوله سيب الواد في حاله مرضاش، سيبه يعمل اللي بيحبه وعلى هواه مرضاش، ولو كنت بس رفعت صوتي مكنتش بسلم من بهدلته، يالا الله يسامحه، واديني اهو لسه عارفة منك امبارح إنه راح مستشفى وهو صغير من ورايا، ده انا يومها قولت ليزيد يستنى بس نطمن على عدي عن الدكتور واسافر معاهم وهو اللي رفض، حسبي الله ونعم الوكيل، بكرة ربنا ياخدلي حقي منه على الظلم اللي ظلمهولي ده أنا وولادي كلهم.

 

كادت أن تنفجر على ذلك الضعف الذي تراه أمامه وقمة السلبية الشديدة التي لن تأتي حتى من والدتها، هي تتذكر لقد كانت تتخذ مواقف عدة من والدها، كانت تستطيع أن تلين قلبه في ثواني وتقنعه بالتوقف عن أي شيء لا تريده أن يفعله، أما هذه المرأة لا يمكن أن تكون موجودة في هذا العالم حتى الآن.

 

نظرت لها بتعاطف زيفته بسهولة شديدة بعد أن استمعت لما قالته لتحدثها بهدوء:

-       ربنا يسامحه، بس عمر لو جربتي تتكلمي معاه هتلاقيه أحن واحد في الدنيا عليكي، وهو محتاج اوي في الفترة دي إن حضرتك تكوني جنبه، مهما كنا أنا وهو بنحب بعض حبي ليه مش هيساوي وجود أمه في حياته، يمكن كده في الأول يبان إنه مش عايز يتكلم وبيرد على القد لكن بعد كده بيبقا عامل زي البيبي الصغير، حاولي معاه شوية يا طنط ده مهما كان هو ابنك الكبير برضو، ولو على أنكل يزيد مش ضروري يعرف يعني. وبعدين حضرتك عارفة إن عمر عمره ما كسفني في أي حاجة بطلبها منه عشان بس بكبره؟ لو في يوم مثلًا زعلتي أنتِ وعمو يزيد شوية هتلاقي عمر هو اللي بيدافع عنك لأنه من جواه عمره ما كان راضي عن اللي بيحصل ما بينكم.

 

أطلقت زفرة مطولة دون أن تظهرها لها وهي تضرع بينها وبين نفسها أن يكون رأسها الغبي هذا استجاب لكلماتها لتجدها تتفقدها بطريقة غريبة للغاية لتقول باستهجان:

-       والله يا حبيبتي انتِ متعرفيش عمر وأبوه زيي، عِشرة سنين بقا وأنا عارفاهم كويس، وبعدين هو مش أنتِ كنتِ بتقولي امبارح إنه مبهدلك وبتشتكي منه ومديكي كلمتين في جنابك وأنتو ماشين امبارح من البيت؟ غريبة يعني إنك أنتِ اللي جاية تقولي إنه حنين وغلبان!

 

هذا لم يغفل عن خطتها بالطبع، وأن تقنع جميع البشر حولها بأنه أفضل رجل في الحياة ليس بأمر صعب، وخصوصًا امرأة مثلها لن تعترض على كل ما ستستمع له حيث أن حظها كان سيء للغاية مع الرجال، فبمجرد قول عدة كلمات ستقتنع بالنقيض في لمح البصر:

-       مانا قولت لحضرتك هو عمر صعب شوية في الأول وعشان بس عليت صوتي امبارح وأنا خايفة على أخويا اتضايق مني ومكانش قابل أبدًا أسلوبي ده مع حضرتك لأنه بيحبك، وبعدين عمر بامام عملي حاجات حلوة في شغلي ومع أهلي وهو حنين وبيحبني وبيخاف عليا، ساعة العصبية بس بنبقا مش عارفين احنا بنقول إيه، لكن بعد ما بنتصالح كل حاجة بتبقى حلوة، يمكن كنت زعلانة منه بس دلوقتي خلاص.. طبعه الحنين وطيبته بتخليني اسامحه على كل حاجة وحشة..

 

تحسرت على ما تسمعها تقوله ورثت على حظها السيء لتتفقدها بغيظ وغيرة هائلة دفنتهما بداخلها وهي لا تدري ما الذي ينقص امرأة مثلها لتشكو وتصرخ وتغضب وهي لديها كل ما قد تتمناه امرأة لتتنهد وهي تلفظ كلماتها بشق الأنفس:

-       ربنا يهنيكم ويسعدكم

 

ابتسمت لها بينما كانت تحترق بداخلها على عدم نطقها ولو بكلمة واحدة منطقية تدل على اكتراثها لابنها أو حتى لحياتها المُدمرة لتجبر نفسها في النهاية أن ترد بلباقة:

-       يارب يا طنط، متنسيش بس ابقي اسألي عليه وحتى لو من ورا أنكل يزيد، هيفرق معاه اوي لأن عمر من ساعة ما رجعنا لبعض وهو نفسيته تعبانة جدًا وأنا بس وجودي جنبه مش كفاية ولازم كلنا نهتم بيه.

 

ملؤها الغيظ الهائل بينما قالت باقتضاب:

-       ربنا يسهل.  

 

شعرت بأنها إن لم تغادر هذه المرأة ستفقد عقلها عما قريب فسألتها وهي تنهض:

-       هو صحيح عُدي فين؟ هو مجاش معاكم؟

 

اجابتها باستهجان استفساري بحت واختلفت ملامحها للاهتمام الشديد:

-       خير، ناوية تكملي خناقتك معاه هو كمان؟

 

تندم أشد الندم أنها قامت بالاعتذار صراحةً لتلك الغبية، تقسم أنها أضاعت وقتها ليس إلا، وبالطبع ستكترث لكل ما يلحق بمدللها الصغير، لأول مرة تشعر كام كان "عمر" مُحقًا بكل ما قاله عنه لترد مجيبة بابتسامة مقتضبة لم تصل لعينيها:

-       لا طبعا، أنا طول عمري بعتبر عُدي زي أخويا، وعارفة إنه أكيد اتضايق من ردي فرايحة عشان اعتذرله.

 

التوت شـ ـفتيها وهي ترمقها من أعلى رأسها لأخمص قدميها زفرت مجيبة:

-       تلاقيه يا حبيبي قاعد بيشتغل في اوضته من كتر اللي وراه ربنا يعينه، مش عارفة هيجيب وقت منين ولا منين يلاحق على كل اللي عنده ده.

 

تبًا على تفكيرها هذا، إن لم تبتعد عن هذه المرأة ستُصاب بالجنون:

-       متقلقيش يا طنط مش هاشغله، بعد اذن حضرتك!

 

اتسعت عينيها بمجرد أن التفت وغادرتها وكأنها تهرب من جحيم بملامح امتعضت فورًا من ذلك النقاش الذي اختبرته لتوها معها، ربما "عمر" محق بعدم رغبته في التحدث لها، لعل فقط ما أخبرتها به يُلين قلبها قليلًا ولو أنها لم تر لمحة من اكتراث قط لكل ما قالته!

 

مشت تبحث عن "رضوى" فلابد أنها من تعرف أين هي غرفة "عُدي" وحاولت أن تهدأ وتتناسى نقاشها معها وهيئت نفسها أنها لابد لها من الوصول لحل آخر.

--

-       يعني عمي يزيد هو اللي غصبكم انتو الاتنين ترجعوا لبعض؟

 

هز رأسه بالموافقة على ما يقوله عد أن حكى له ما حدث دون التدخل في الكثير من التفاصيل وعلى حالة الانهيار الشديدة التي باتت هي بها ليقلب الآخر شـ ـفتاه وتحولت ملامحه ثم تكلم بأسى:

-       لا بصراحة ملوش حق يعمل كده. بس بُص، كل حاجة وليها حل إن شاء الله.

 

هز رأسه وهو ينهض من مقعده وهو يحدثه قائلًا:

-       أنس أنا عارف رأيك في بابا من زمان، بس صدقني إن الموضوع كده كبر اوي واللي بيعمله ده بقا ملوش حل، متبقاش بس تجيب سيرة لحد.

 

نظر له بلوم ورد معقبًا:

-       عيب عليك، احنا رجالة كبار مش عيال صغيرة، بس أنت ناوي تعمل ايه معاها بعد كل اللي حصل ده؟

 

هز كتفيه وهو يحملق بملامحه ولأول مرة شعر وكأنه يتنفس ويستطيع التحدث بصراحة:

-       أنا مش ناوي غير على اللي هي عايزاه، أطلقها وابعد عنها بمشاكلي دي، ولو عرفت اجيبلها حقها هبقا اجيبهولها مع إن مفيش حاجة في الدنيا ممكن تعوضها عن اللي حصلها.

 

نهض ليقترب منه وحاول أن يخفف عنه ولو بالقليل من الكلمات ليخبره:

-       متقلقش، كل حاجة وليها حل، الموضوع بس عايز يتحل بالهدوء وكله هيبقا تمام.

 

أومأ له باقتضاب متنهدًا ثم أخبره:

-       أنا هاروح اشوفها بدل ما تولع البيت ده كمان، احنا مش ناقصين!

 

تبادلا الابتسامة باقتضاب ليلاحقه بمحاولة للمرح والمزيد من التخفيف عنه:

-       بطل الهم ده وهتتحل، فوق كده عشان تعرف تعمل حاجة، وابقا تعالى نشرب قهوة على العصر كده ونقعد نتكلم يمكن نلاقي حل.  






تابع قراءة الفصل