رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 40 بالعامية - 2
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
تابع قراءة الفصل الأربعون
النسخة العامية
-
أوك!
ارتاب بردها المقتضب ليعقد حاجباه ناظرًا لها باستفسار
لتجيب عينيه:
-
هاكلم مريم، بس متتخيلش إن معاها العصاية السحرية!
تركته ودخلت للسيارة ليغادر صـ ـدره تلك الزفرة المعبأة
بثقل يتحرق شوقًا للهروب والتلاشي ليدخل السيارة بجانبها مستعدًا للعودة في نفس الطريق
معها ثم سألها بتردد دون أن ينظر لها:
-
وعد إنك هتكلميها في أقرب فُرصة؟
تريثت لبرهة قبل أن تُجيبه بعد أن زفرت بعمق ثم اجابته
باقتضاب:
-
وعد..
تردد لبُرهة قبل أن يتكلم بصوت مختنق شاعرًا بالخجل من
اقراره بهذا:
-
أنا مفيش حد في حياتي كان صريح معايا غيرك، فيا ريت يبقا
كلامك صح!
-
ماشي!
انطلق مُغادرًا بينما لم تجد بداخلها السبب الحقيقي
لاستجابتها لقوله هذه المرة، هل خوفًا على نفسها، خوفًا على ما قد يُصيب والدتها
وأخيها، أم من أجل ما اختبرته منذ قليل، أو ربما هو ما زال يستطيع أن يستغل عقلها
بإقناعها بكل ما يُريده مستغلًا نقاط ضعفها، أو قد يكون خليط من كل هذه الأسباب
مجتمعة! لم تعد تستطيع تبين تفسير أي شيء على الإطلاق!
❈-❈-❈
بعد قليل..
طرقت بنهاية سبابتها على شاشة الهاتف وهي تحاول أن تتخلص
من ترددها تجاه كل ما تخفيه عن الجميع ولم تستطع النطق به صراحةً، لا أخيها ولا
لوالدتها ولا لأي معالج ولا له هو نفسه، حسنًا، "مريم" لديها فكرة عن كل
ما حدث الآن، هي تعرف تمامًا تاريخها معه، بدايةً من الوهلة الأولى في هذا الزواج
ونهاية بطلاقهما، وربما لديها فكرة عما أصبحت عليه، لابد من أنه يذكر لها كيف
أصبحت.. أو ربما هي لا تدري وهو يتظاهر، وربما ستعرف تمامًا ما في عقله وما يُريده
وقد تبوح لها بهذا وربما لا، هي حقًا لا تعرف!
لمـ ـست ذلك الرقم وازداد توترها لتتابع الشاشة وفعلت
مكبر الصوت لتخاف بشدة مما قد تستمع له أكثر مما ستقوله وشعرت بالذعر الكامل بمجرد
المواجهة بهذا الأمر وحده!
شعرت بأن ما تفعله فكرة غبية ولم يكن عليها أن تستجيب
لأي شيء من كلماته وكادت أن تغلق بينما آتى صوت "مريم" لتعتصر عينيها وهي
تستمع لها عبر الهاتف:
-
ازيك يا روان عاملة ايه؟
تريث لبرهة قبل أن تجيب لتخرج الكلمات منها باقتضاب:
-
تمام.. كله كويس.
استشعرت هذا الارتباك بصوتها وخصوصًا عندما تابعت:
-
هو يعني اكيد عندك session دلوقتي، أكيد مش فاضية، أنا بس اتصلت عشان اعرف فاضية امتى.. ممكن
حضرتك تبعتيلي، أو تخلي حسناء تبعتلي المواعيد، أصل رقمها ضاع من معايا!
أغلقت مكبر الصوت ثم وضعت الهاتف على أذنها وأخذت تحدق
بتلك المزروعات أمامها بينا آتاها الرد الصادم:
-
لا أنا فاضية، لسه قدامي ساعة وشوية على الميعاد الجاي،
قوليلي، عاملة ايه دلوقتي؟
قلبت عينيها لتتنهد باستسلام وعرفت أنه لا مفر من الأمر
لتحدثها بتردد بعد أن صمتت لبرهة وهي تستجمع شجاعتها للنطق:
-
طبعًا أنتي عارفة كل حاجة من ساعة ما اتجوزت وبعدين لما
عمر حكالك، أنا آسفة اليوم ده كنت متعصبة اوي، غصب عني.. قولت كلام كتير غلط، أنا
بس متضايقة منه مش من حضرتك يا دكتور..
-
أنا فاهمة، ساعات بيجي علينا أوقات مشاعرنا هي اللي
بتتحكم فينا، المهم بس منسبهاش تتحكم فينا على طول من غير ما نحسب حساب لكل حاجة
بتحصل..
همهمت بتفهم وزفرت نفس مطول لتنطق بحروف متتالية دفعة
واحدة:
-
عمر اللي خلاني اكلمك، يعني هو اللي قالي..
سكتت لبرهة لتهز رأسها وهي غامضة العينين وسرعان ما صححت
قولها:
-
أقنعني يعني إن لازم اكلمك..
فتحت عينيها من جديد وهي تنظر لذلك اللون الأخضر بشرود
بينما تركيزها بأكمله مُسلط على ما ستنطق به وارتفعت سرعة ضربات قلبها وهي لا تريد
ولو لمحة من حكم عليها فيما ستقوله لذلك رفضت بتلك السنة الماضية قول كل مشاعرها
بصراحة أمام أعين أحد لتسمعها تقول:
-
أهم حاجة بس تكوني عايزة ده، مش عشان هو قالك أكيد، يا
إما كده كأن بالظبط عمر كان جه عشانك مش عشان هو مقتنع.. مش كده ولا إيه؟
-
آه أكيد، أنا عارفة إني كان لازم اعمل كده بس..
لم تر ذلك التوتر الهائل عليها وهي تعتصر أصا بعها
ببعضها البعض وحاولت أن تهدأ من تلك الحالة ولكنها لم تفلح لتلقي ما بجعبتها مرة
واحدة:
-
أنا عارفة اللي هقوله هيخليكي تبُصيلي بصة تانية خالص،
بس دكتور أنتِ عارفة إني من زمان وأنا فيا حتة سطحية، على جزء مشاعر مكتومة جوايا،
كمان إني أخاف من الفشل ونظرة الناس ليا، وعارفة إنك مش هتوافقيني على كل حاجة، بس
أرجوكي اسمعيني للآخر، أنا مش هاعرف أكلم حد غيرك لأنك أنتي الوحيدة اللي تعرف كل
حاجة من الأول..
-
روان احنا من امتى فيه المقدمات دي ما بينا، طبعًا
هاسمعك للآخر.. قولي وحتى لو مش عايزة رد دلوقتي ممكن نأجله لبعدين لما تكوني
مستعدة لحاجة زي دي..
شعرت أن جـ ـسدها بأكمله يرتجف، تعلم أنه أمر تافه
للغاية ولا يستحق أن تكترث إلى هذه الدرجة، ولكنها ظنت أنه لم يكن هناك مجالًا
بالسابق لتنطق بهذا فحدثتها قائلة وسا قيها لا تتوقفان عن الاهتزاز في توتر:
-
أنا يمكن لما جيتلك قولتلك على مشاكلي على طول، قولتلك
على اللي ملاحظاه غريب فيه، بس محكتلكيش كل حاجة من الأول..
منذ أكثر من عامين..
-
علا اسبقيني على العربية واستنيني انا هجيلك..
أخبرتها وعيناها معلقتان بكل خطوة يتخذها لتهرول خلفه لتلاحقه
قبل أن يذهب ويدخل سيارته لتنادي لعله يتوقف:
-
عمر، ثانية ممكن..
توقف والتفت لها ليطلق همهمة في انتظار أن تتكلم بما
تريده لتشعر بالارتباك من عينيه الفحميتين وهو ينظر لها بتلك الملامح لتتلعثم حتى
قبل أن تبدأ بحديثها وشعرت وكأنما انعدم الهواء حولهما لتنطق بما وجدته مناسب لبدأ
الحديث معه:
-
هو كده خلاص، يعني، أنا كسبت القضية؟
ابتلعت وهي تترقب اجابته لتجده يضيق عينيه بتلك الطريقة
الغريبة التي لا تصيبها سوى بمزيد من الارتباك كلما رأته لتجد اجابته تحمل جفاف
شديد للغاية:
-
انتِ مش سمعتِ إن القضية اتأجلت عشان هيراجعوا المستندات
والحكم هيكون بعد أسبوعين؟
تفقدته لوهلة وقبل أن تنطق بشيء وجدته يتركها ويغادر متجهًا
لسيارته فمشت سريعًا لتلحق به بينما لم يتوقف هذه المرة ولم تلحظ حتى أنها تهرول
لتلحق به فسألته:
-
أنت أكيد فاهم ده معناه ايه، يعني، أنت شايف إن كده
هنكسب القضية؟
لمحها بطرف عينيه ولم يتضح على ملامحه أي مشاعر بينما
استمتع بشدة وهي تحاول أن توافق خطواته المُسرعة ليرد عليها ببرود لا تدري كيف له
به ولا حتى كيف يمتلك هذه النبرة الثلجية:
-
أنتِ شوفتِ أنا عملت إيه في الجلسة؟
همهمت لتجلي حلقها وقالت بتردد:
-
كويس جدًا، يعني كل الكلام اللي قولته أقنعني اوي واظن
كل الناس اقتنعت.. بس..
-
مفيش بس، استني الأسبوعين لغاية ما الحكم يظهر!
لم تفهم لماذا يتعامل بهذه الطريقة الغريبة وهو لتوه
طالبها بالزواج منذ أيام قليلة، هل هذه هي طريقته دائمًا أم هناك شيئًا آخر يجعله
يعاملها بهذه الفظاظة!
تابعته وهو يخلع رداءه بعد أن ناول حقيبته لسائقه
لتتفقده وأنفاسها مسلوبة بالكامل لا تعرف لماذا لتجده قارب على الدخول للسيارة
لتوقفه بنبرة جادة:
-
أنا عايزة اتطمن، مش عايزة تقولي نفس الكلام اللي أي حد
سمعه، أنا هكسب القضية ولا لأ؟
التفت نحوها ورأت انزعاج طفيف يكاد لا يُذكر يتضح على
ملامحه واكتفى بالرد باقتضاب وهو يشدد على نطقه للحروف:
-
اطمني.. هنكسب القضية!
تنفست بعمق وحاولت أن ترسم ابتسامة على شفتيها بالرغم من
توترها الشديد الذي تشعر به لا تدري ما السبب هل تواجده أمامها ما يوترها أم تلك
القضية هي ما تجعلها تشعر بالخوف لو أن كل ما عملت عليه هي ووالدها سيضيع إن لم
ينتهي الأمر؟
رأته يوشك على الدخول للسيارة فأوقفته مرة ثانية وهي
تقول:
-
عمر، استنى.
التفت لها مرة ثانية ورأت انعكاس احتكاك فكيه فلم تفهم
هل هو غاضب؟ ولماذا يتفقدها بهذه الطريقة؟ لماذا لا يتحدث معها بأي شيء سوى تفاصيل
القضية هذا إن تحدث من الأساس!!
-
أنا كنت عايزة اقولك شكرًا، يعني طول الجلسة أنا اخدت
بالي إن المحامي اللي جاي مع أنكل نادر مش شاطر زيك.. وأظن إن اكيد القضية هتخلص،
أنا بس ..
ارتبكت لبرهة وهي تحاول أن تتابع كلماتها فرأته يتفقدها
بتلك النظرات الغريبة لتجلي حلقها وواصلت في النهاية:
-
كنت خايفة، وانت طمنتني.. عموما شكرًا
هز رأسه باقتضاب بينما لم يستطع أن يزحزح عينيه عن شـ ـفتيها
فلم تفهم لماذا يثبت مقلتيه الداكنتين عليها بمثل هذه الطريقة لتحدثه مستفسرة بابتسامة
مُرتبكة:
-
هو احنا ممكن نخرج نتعشا سوا النهاردة؟
-
مش فاضي..
وكأنه قد أعد رده الجامد سابقًا فاتسعت ابتسامتها وهي
تنظر بعينيه ولا تدري لماذا يُعاملها بهذا الجفاف الشديد لتعاود محاولتها:
-
طيب ممكن بكرة او حتى في الـ weekend؟
رفع عينيه لعسليتيها التي لم يجدهما قط بامرأة وأجاب
بنفس نبرته:
-
معنديش وقت، مفيش weekend أصلًا..
هزت رأسها بلمحة حزن بعينيها وهي لا تفهم لماذا من الصعب
مجرد أن يتعامل معها وكأنهما سيتزوجان عما قريب ثم حدثته قائلة:
-
تمام، أكيد مشغول طبعًا، أنا فاهمة.. أوك، نخليها بعدين.
قام بفتح باب السيارة فتابعته بقليل من الحسرة، كانت
تتمنى بشدة لو أن نفس الرجل بالداخل الذي لم يتوقف عن اقناع الجميع بأن هذا حقها،
وأن ادعاء عمها باطل تمامًا وهو يقدم كل الحُجج والتفسيرات ولم يتوقف عن مراوغته
مع الدفاع الآخر حتى رفع راية استسلامه، لو أنه فقط يُعطيها القليل من هذه
الثرثرة، لو يجالسها فقط ويتعرف عليها، أو حتى ليتحدث عن نفسه لتعرف عنه أي شيء
قبل الزواج، ولكن رجل مثله سيستطيع أن يجعلها تشعر بالأمان للأبد، لن يتعرض لها
أحد، لن تتعرض لأي طامع من جديد، هو ناجح، ويبدو رجل مسئول، كما أنه جذاب للغاية!
ليس هناك رجل مثالي أو حتى امرأة على كل حال!
ظنت أنه سيذهب ولكنها تعجبت عندما فتح الباب من جديد ثم
ناولها صندوق مخملي أسود اللون لتقلب شـ ـفتيها لتجده يُشير برأسه أن تقوم بتفقد
ما فيه ففعلت لتحتبس أنفاسها وهي ترى هذا الطقم من الألماس الذي يلتمع بشدة وكأنه
صُنع لواحدة من الملكات خصيصًا دونًا عن سائر النساء لتشعر بقشعريرة بجـ ـسدها،
ربما كان يُفكر في ابهارها إذن وهو لا يُفضل الكلمات.. حسنًا، هذا نوع من
الاهتمام!
تفقدته بابتسامة بينما وجدته بنفس جموده ليخبرها ببرود:
-
شبكتك!
ابتسمت له وهي تعبر عن رأيها فيما تراه لتقول:
-
حلوة اوي، merci
أومأ لها باقتضاب ثم تكلم آمرًا قبل أن يغلق الباب الخلفي
لسيارته وينطلق السائق به:
-
متوقفيش في الشارع كتير، يالا على عربيتك!
❈-❈-❈
في نفس الوقت..
حك ذقنه بسبابته وهو يستمع لتلك النصائح التي
يعلم أنها لن تفيد قط في حل تلك المُشكلة العويصة مع والده، حتى ولو عاد لعمله،
وحتى ولو أصبح محاميًا أفضل، لن يطمئن قلبه ولن تعود علاقتهما جيدة سوى برؤيتها
نسخة أخرى من والدته، ولكنه تركه يتحدث حتى النهاية حتى يصل لما أراد أن يُحدثه به
منذ أن عاد معها..
هز رأسه إليه متصنعًا الموافقة بينما رد
معقبًا:
-
أنا هكلمه وهعرف اتعامل معاه.. الموضوع بس جه
في ساعة عصبية..
أكمل كلاهما السير حيث اللا مكان ليتابع
"أنس" بالمزيد:
-
مهما كان يا عمر ده أبوك، وبعدين عمي يزيد
مبيحبش حد في الدنيا قدك، كل ما بيتكلم بيبقا فخور بيك والفرحة بتبقا في عينيه لما
بتيجي سيرتك، هو بس لو يبطل عصبية على خالتي مها الدنيا هتبقا زي الفل..
أومأ له بالموافقة ولم يعد يتحمل التحدث عن
الأمر بينما سأله مُغيرًا مجرى الحديث:
-
أنس أنا كنت عايز أسألك على حاجة، كان فيه من
فترة واحدة اسمها مش قادر افتكره، بس هي قدمت مشروع في مجلس النواب، بتاع العنف ضد
المرأة، كان ده اسمه مش كده؟
ضيق عينيه نحوه وتريث لبرهة ثم اجابه بعد
محاولة منه للتذكر:
-
آه صح، كان اسمها نشوى، وفعلًا قدمت المشروع
ده ولسه بيتناقش، فيه كذا عضو كمان كان مقدمه معاها..
همهم وهو يلمحه بنظرة جانبية ليسأله اثناء
سيرهما:
-
ومفيش اخبار مثلًا هيتوافق عليه امتى، أو
ناويين على إيه؟
ابتسم بسخرية وهو يجيبه:
-
ده فيه ولا يجي خمسين مادة، ومناقشات وحوارات
وجلسات وبعدين انت عارف يومهم بسنة، لو طلع على خير من مجلس النواب بعد الأغلبية ما
توافق عليه نبدأ بقا في إجراءات، لجان نوعية ورئيس لجنة وامين سر لجنة وأعضاء اللجنة
يووه ده حوار وعلى ما تخلص المناقشة يروح مجلس شيوخ وبعدها يا يقولو محتاج تعديل
يا يتوافق عليه واكيد طبعًا هيتعدل فيرجع مجلس النواب تاني وإذا حصلت وتمت على خير
يتحال لرئاسة الجمهورية عشان يتوافق عليه.. يديني ويديك طولة العمر بقا.. الموضوع
ده بيتناقش بقاله كتير اهو!
وقف لوهلة عندما لمح خصلاتها تتطاير من على
بُعد وهي بتلك الشرفة التابعة لغرفتهما ليسأله وهو يشرد نحوها:
-
طيب ممكن تجبلي المواد بالظبط زي ما هي
متقدمة؟
التفت نحوه لينظر حيث ينظر هو ليجيبه:
-
سهلة، يومين وتبقى عندك..
عقد حاجباه وهو ينظر نحو "روان" ثم
سلط نظراته عليه ليضيف سائلًا:
-
هو انت عايز تعمل ايه بالظبط؟
لم يستطع أن يزحزح عيناه لتذهب إلى أي مكان
آخر واجابه بنبرة مُفكرة:
-
هبقا اقولك، لو لقيت حل هبقا اقولك..
قلب شـ ـفتيه باستغراب ليسأله مرة ثانية:
-
طيب مش ناوي تروح لعمي بقا وتصفي الدنيا ما
بينكم ولا إيه؟
التفت نحوه ثم أخبره سائلًا:
-
مش كان فيه عزومة قهوة على العصر، ولا رجعت
في العزومة؟
ابتسم له ثم اجابه:
-
هروح اقولهم، ونشرب القهوة وبعدين نروح
لعمي.. واهدى كده وروق وكل حاجة هتبقا تمام.
-
انا هتمشى شوية على ما تيجي..
أخبره ثم أخذ خطوات وعيناه لا تفارقها، تريد
قانون ليحميها، قانون ليُعطي لها هذا الحق الذي سُلب منها، يبدو طريق وعر للغاية
أن يضيف قانون من أجلها ولكن القوانين تتغير، لم يعد هناك مستحيل، لو كان اقتنع هو
بفكرة العلاج لماذا لا تقتنع الدولة بقانون كامل؟
مشى متجهًا نحوها وهو يراها مولية ظهرها له،
تعبث بشعرها بين الحين والآخر لتزيحه بعد أن يتطاير على وجهها، وكلما اقترب استمع
لصوت همهمات منها فلم يستطع منع نفسه عن الاقتراب أكثر إلى أن توقف أمامًا أسفل
الشرفة ليُصاب باليأس التام بعد أن ظن أنه امتلك ولو شعاع منكسر من الأمل بعد أن
استمع لكلماتها:
-
عمر بالنسبالي كان حماية، أمان، كنت بحبه
اوي، وبعد كل اللي حصل ده، أنا مش عارفة أقول إنه غلطان عشان فاهمة كويس إنه كان
تعبان، بس أنا زعلانة منه، متعصبة، عايزة اكلمه طول الوقت وألومه واعاتبه على اللي
عمله معايا، أنا بعد كل اللي كان ما بينا مستاهلش ده، وهو جاي دلوقتي بعد كل اللي
حصل بقا نسخة من الراجل اللي أنا كنت عايزاه، لا عارفة أسامحه، ولا عارفة ابطل
احبه، أنا حاولت أبص لأي راجل تاني واحنا متطلقين، دكتور ولا في الشغل ولا حتى في
المصحة.. مقدرتش..
ازداد بُكائها ليشعر بانقباض صـ ـدره مما
يستمع له بعد أن توقفت وهي تحاول أن تسيطر على شهقاتها المتوالية لتتابع بحرقة:
-
أنا مش عايزاه لا هو ولا باباه ولا أي حد
يفتكر إني معنديش كرامة، أنا عمري ما قبلت اللي بيعمله فيا، ولا عمري هقبل ده عليا
أو على أي انسان في الدنيا، بس هو احنا بعد كل ده، بعد ما حطيت أملي عليه في إنه
الانسان الوحيد اللي بحبه وهيفضل جنبي طول عمري وقبلته بعيوبه زي ما هو، دي هتبقى
نهايتنا؟ أنا مش قادرة اقبل إن كده خلاص كل حاجة خلصت.. مش عارفة افهم الفكرة او
استوعبها، أنا كل اللي بخاف أقوله لمامي لا تتعب وكل اللي كنت بخبيه على بسام عشان
هو صغير كنت عايزة اقولهوله هو، كنت مستنياه يعوضني عن عدم وجود بابي، ومستنية
يسمعني بدل مامي، أنا معنديش حتى أصحاب ولا عمري اتكلمت مع حد غيره، أنا مكونتش
طالبة منه حاجات كتيرة، كنت مستنياه يحبني ويسمع كلامي زي ما بسمع كلامه.. أنا مش
عارفة استوعب أي حاجة، كأن آخر سنة دي كابوس وحش اوي.. نفسي اصحى منه بس مش
عارفة.. نفسي نرجع لأيام ما كنا مسافرين، أو للفترات الحلوة اللي ما بينا.. مش
عارفة، مش مصدقة أصلًا إنه مش هيبقا جوزي وحبيبي.. مش عارفة استوعب ده.. ولا حتى
عارفة استوعب إني لسه بحبه.. وكل حاجة بيعملها دلوقتي بقت زي ما أنا عايزة بالظبط..
شرد أمامه بالفراغ وصوتها الباكي بتلك
الكلمات التي كانت يستحيل أن تنطقها أمام عينيه، هل ما تقوله صحيح وهو لا يُفكر
سوى بأن يُسجن نفسه من أجلها؟ وحتى لو كان صحيح، كلاهما لن يجتمعان من جديد، لن
تستمر علاقتهما وهو لا يستحق ذلك؟ هذه الكلمات من فعل خياله، لابد من أن عقله يصور
له هذا ليس إلا، حتى أنه يشعر بدوار شديد.. صوتها لابد من أن يتوقف حتى يتوقف هذا
الآلم بـ ـصدره:
-
أنا مش عارفة أقول لحد غيرك إني لسه بحبه، بس
زعلانة منه اوي، زعلانة إنه عمل فيا كل ده، أنا مكونتش استاهل أي حاجة من اللي
حصلت دي وخصوصًا من أكتر حد أنا بحبه في الدنيا، ومش شايفة إني زعلي ده يقدر عليه،
حاسة إني هافضل طول عمري عايشة كده!
استند بيـ ـده على هذا الحائط أسفل الشرفة ثم
حاول أن يفهم ما الذي يحدث له، كلماتها تجعله يعود لنقطة الصفر، هل هذا هو شعورها
الحقيقي نحوه بعد كل ما فعله؟ وهو من ارتكب كل هذا؟ لماذا أظلم كل شيء أمامه؟
ولماذا لم تعد قدماه قادرة على تحمل جـ ـسده؟ قواه تخور بالكامل، لم يعد يستطيع
الشعور بأي شيء، حتى صوتها ذهب بلا رجعة!
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية