-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 40 بالعامية

    رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

الفصل الأربعون

النسخة العامية 




أسرع ليدفن تلك الآلام المنبعثة بكل ذرة دماء تجري بعروقه ثم اجابه قائلًا:

-       مخدتش بالي كنت في الحمام وبعدين طلعت اشرب القهوة.

 

تفحصه مليًا ولم يقتنع بكلماته وكل ما يسيطر على تفكيره هو تلك الملامح التي يراها على وجه كلاهما ليخبره بنبرة جافة:

-       طيب تعالى عشان عايزك.

 

نظر إليه ولم يُرد أن يقاطع تلك الكلمات التي أخيرًا تحدثت بها صراحةً فرد عليه بهدوء:

-       ماشي يا بابا، بس كنت عايز اغير واريح شوية وعندي مشوار وهنقعد مع بعض أكيد.

 

انزعج من رده فلم يتقبله ليصرح بهذا:

-       ابقا اعمل ده بعدين وتعالى عشان عايزك في موضوع مهم.

 

شعر بنفس العبء يُثقل كاهليه من جديد لتحتد نبرته قليلًا ورد بتلقائية:

-       بابا أنا منمتش كويس من امبارح وفعلًا محتاج اريح شوية، ممكن تديني ساعتين تلاتة وهتلاقيني عندك!

 

تفقده بغيظ هائل ولم يكن ليقبل تبريره الواهي حيث أنه ليس بغبي، تلك الفناجين وتبغه وملامحها الباكية، لابد من أنهما كانا يتحدثان، هل التحدث معها أهم من أن يريد التحدث معه هو؟!

 

-       أنت مش قادر تضغط شوية على نفسك زي أي راجل بيبذل مجهود عشان شغله وحياته، ناوي تكمل في الخيبة دي كتير؟!

 

زفر بضيق بينما رد سؤاله المستهجن بعصبية شديدة:

-       بابا بُص، أنا مبقتش صغير على اللي بيحصل ده، ايه الصعب في إني جاي من طريق سواقة تلت ساعات ومحتاج اريح شوية. ايه المهم اوي اللي عايزني عشانه؟ قوله دلوقتي ما دام هو مهم كده!

-       وأنا عمري قد عمرك مرتين وراجل ومستحمل وجيت في نفس الطريق اللي أنت جيته وشوفت أهلي ومصالحنا ورايح اشوف ابني وحياته اللي خربها بايـ ـده، واحترم نفسك وأنت بتكلمني ولا نسيت إنك بتكلم أبوك. آخر سنتين دول في حياتك نسوك أنا مين ولا إيه؟

 

بالطبع لن يترك الفرصة لتمر دون اتهامها بأي طريقة كانت ليغضب من قوله ليعقب بصوتٍ ارتفع قليلًا:

-       أنا بحترمك وبقدرك وبعمل كل اللي في طاقتي عشان ارضيك واسمع كلامك، جو از اولاني واتجو زت، جوا ز تاني وبرضو سمعت كلامك، ادخل كُلية مش اختياري رضيت ومفتحتش بوقي، شغل بالغصب مسكت القضية بتاعت شهاب ومراته، إنما أكتر من كده أعمل إيه؟ أنا مش هواصل الليل بالنهار عشان ارضيك يا بابا، اطمن واتأكد إني مش زيك، يمكن مر عليا فترة حاولت أكون زيك وفشلت، آه أنا فاشل وآه أنا مش زيك بس صدقني اتخنقت، اتخنقت ومبقتش قادر أواصل اللي بيحصل ده!

--

فُرصتها وقد آتت حتى قدماها دون حتى أن تبحث عنها، هكذا فكرت وهي تبحث عن والدته التي وجدتها جالسة مع أختها لتحدثها باستغاثة:

-       طنط الحقي عمر وأنكل يزيد بيتخانقو وأنا مش عارفة اعمل إيه!

 

تفقدتها بدهشة ولكنها تراجعت قليلًا قبل أن تذهب لهما خوفًا من بطشه حيث نهضت وهي تقول:

-       ليه بس ايه اللي حصل ما كانوا كويسين امبارح، مشوفتيش عدي فين يحاول يهدي الدنيا ما بينهم؟

 

اللعنة على هذه المرأة التي تضطر أن تتعامل معها، لقد كان مُحق بكل حرف خطه بتلك الرسائل عنها، كلما تعاملت معها كلما تيقنت أنه كان معه كامل الحق فيما يقوله، ولكن هذا ليس بهدفها على الاطلاق:

-       مش عارفة يا طنط، ممكن بس تيجي بسرعة، أنا خايفة الموضوع يكبر ما بينهم وأنا مش عايزة مشاكل تحصل قدام الناس في البيت.

 

تعاملت بخبث بينما زفرت الأخرى بضيق وتوجهت بتلكؤ وهي تستهجن بداخلها بينما تمنت لو أن عند وصولها سيكون كل شيء قد انتهى فيما بينهما، فهي تعلم أنه محال أن يتدخل أحد بين "عمر" و "يزيد" كما لا يستطيع أحد التدخل بينها وبين "عدي" عندما يختلفان على أمر ما.

 

-       يا بابا ارحمني شوية، أنا عايش في ضغط أنت متعرفوش!

-       ضغط ايه ده؟ هو أنت بتعمل حاجة غير النوم والاجازات؟ هاتلي انجاز واحد عملته طول السنتين اللي فاتت دي؟

 

تأفف وهو يقلب عينيه ولم يتحمل المزيد من الجدال معه لتصل رأسه لحالة من الانغلاق التام أمام كلمات والده وأسر العناد طيات عقله ليرد بثبات:

-       طيب أنا فاشل، وأنا مش عايز اشتغل، وأنا مقضيها نوم واجازات، ما دام أنت مش عايز تقدر اللي بقولهولك يبقا أنت كلامك صح!

-       أنت يا ولد بتكلمني أنا كده؟

-       آه يا بابا ما دام أنت مش قابل أي حاجة أنا بعملها، كل اللي طلبته منك هو تقدير لفترة صعبة في حياتي بمر بيها، أنا في سنة واحدة بس طلقت وكنت هموت بدل المرة مرات!

-       وهو مين اللي عمل فيك كده؟ أنت ولا هي؟

 

التوت شـ ـفتيها وهي تبتلع بتردد ثم تدخل صوتها المهتز:

-       خلاص يا يزيد الله يكرمك بلاش خناق وابن سعيد فرحه بعد بكرة.

 

التفت نحوها بنظرات قاسية ثم زجرها قائلًا:

-       اخرسي أنتِ ومتدخليش، عايزاني اسيبه عشان يفشل زي ابنك مش كده وتتساوى الروس!

 

التفت نحوه مُجددًا بينما لم تتقبل "مها" ما قاله لتعقب بحرقة:

-       وهو كان ماله عدي، عمال تقول بس فاشل فاشل من تلاتين سنة وهو بيعمل كل طاقته وشغله ماشي وبيكبر من غير ما تساعده ولو مرة زي ما ساعدت عمر، ما كفاياك بقا ظلم فيه!

 

نظر إليها ثم اتجه نحوها وصاح بها غاضبًا:

-       انتي بتقاوحي وبتردي عليا يا مها

-       اه بقاوح عشان أنت ظالم، عمر عمر عمر طول السنين دي كان عمل ايه، حتى ربايتك ليه منفعتش واديك اهو لسه واقف وبتقوله شغلك زي ما كنت بتقوله دراستك، لو عايز تعرف الفاشل هو مين فهو ابنك اللي مدلعه ومخلي كلمته تمشي علينا!

 

كادت أسنانه أن تتهشم من شدة غضبه بينما رأت "روان" لأول مرة ذلك الجدال الذي لم تظن أنه يمكن أن يحدث أمام الأبناء فهي لم تمر بمثل هذا الشعور المُزر قط بحياتها وخصوصًا عندما تطايرت عسليتيها نحوه لتشعر بالشفقة الشديدة لأول مرة منذ أن رأته بحفل خطبة أخته وندمت على ما فعلته وتمنت لو تستطيع أن تعود لتقف في صمت دون الذهاب لإحضار والدته لتتابع بقية جدالهما عندما تحدث بنبرة قاسية مُحذرة:

-       طب إن ملمتيش لسانك أنا هفرج عليكي البيت كله يا مها النهاردة!

-       وهو أنا بقول حاجة غلط، ولا أنت بس شاطر في إنك تستقوى عليا..

 

استاءت ملامحها مما يحدث ولم تعد تستطيع تحمل الموقف لتحاول أن تهدأ كلاهما لعلها توقف هذا الصراخ:

-       خلاص يا أنكل، خلاص يا طنط، كل حاجة هتبقا كويسة إن شاء الله..

-       اخرسي أنتِ كمان ومتدخليش في اللي ملكيش فيه!

 

بمجرد أن وجه والده الحديث إليها اقترب "عمر" من ثلاثتهم لتتكلم "مها" بما تستطيع فعله فقط، الثرثرة بما لم يُفدها وبما جعل أبناءها يكرهون حياتهم بأكملها وانفجرت بصوتٍ مرتفع:

-       ايوة ما أنت كل اللي عايزه تسكتنا وخلاص ومش مهم أنت بتعمل إيه، لو حد خرب حياة عمر ولا عدي فهو أنت، أنت السبب في حياة ولادي اللي ضاعت دي.. واحد معرفتش عنه حاجة من ساعة ما كان عيل والتاني دايمًا كاسر نفسه مع إنه احسن من الدلوع بتاعك و..

 

رُفعت يـ ـده في لمح البصر ليلطمها بينما احتبست أنفاس "روان" وشهقت شاعرة بالقهر من أجلها بأعين متسعة لكل ما يحدث ووجدته يشرع في ضر بها لتحول بينهما حيث كانت أقرب لهما من "عمر" وهي تقول:

-       خلاص يا أنكل هي أكيد متقصدش!

-       اخرسي وابعدي أنتِ كمان!

 

كاد أن يقوم بلطمها بينما انطلق "عمر" كالرصاصة التي استقرت بينهما وملامحه ارتجفت غضبًا ليصيح به:

-       ناوي تضربها هي كمان وأنا واقف، ترضى حد يعملها في مراتك.. ولا الرجولة مش موجودة في الحتة دي كمان..

 

لأول مرة تحتمي خلفه وهي تلمح ملامح "يزيد" التي لا تقارن ولو في خيالها بملامح "عمر" نفسه وهو غاضب لتبدأ أنفاسها في التعالي ولم يشعر أي منهم بمن اجتمع حولهم في الغرفة ليرد والده بغضب قائلًا:

-       البنت دي عايزة تتأدب، لو كانت محترمة مكنتش اتدخلت بيني وبينا أمك!

-       أنا مراتي محترمة غصب عن الكل!

 

لم يدر ما تلك الكلمات التي تغادر شـ ـفتيه ولم يعي ما يحدث حيث تحكم غضبه به ليُتابع بلهاث وحُرقة:

-       هي عملت ايه؟ دي كانت بتحوش بينك وبينها، بس ازاي طبعًا؟ أنت عايز الكل يبقا نسخة من مها الجندي وعشان ابقى راجل لازم أكون نسخة منك..

 

هرول "أنس" للداخل وهو يجذب "عمر" بعيدًا وحاول أن يحتوي الموقف سريعًا:

-       خلاص يا عمر ميصحش تعلي صوتك على عمي كده..

 

لم ينجح في منعه بينما بدأت "روان" في الارتجاف بفعل كل ما تراه ولم تستطع سوى التشبث به ولأول مرة تشعر بأن كل ما كان يفعله معها لم يصل أبدًا لتلك الإهانة أمام الجميع بصوت صراخ والدته وهي تبكي قهرًا جعل ضربات قلبها تتصاعد بوتيرة جنونية وانكمشت على نفسها بخوف وازداد توترها عندما تابع "عمر" صراخه:

-       أنا مش أنت، قولتهالك مليون مرة حاولت أكون أنت وفشلت، شوف بقا أي حد غيري اجبره يبقا نسخة منك، ومراتي لو جيت ناحيتها أنا مش هاسكت يا بابا، عايز المرة الجاية تعمل حاجة فيها ابقا خدني في سكتك، مراتي مش مراتك وعمرها ما هتكون، الأم اللي متعرفش يعني ايه حب ولا يفرق معاها ولادها وكل اللي يفرق معاها هو إنها تخلص من الرعب اللي أنت عاملهولها عمرها ما هتكون زي مراتي، لو أمي مقدرتش تغير راجل عشان مش عارفة تحب فأنا وصلت للي عمرك انت وهي ما وصلتوله ولا فهمتوه في حياتكم..

 

نفض يـ ـد "أنس" من فوق ذراعه ثم اتجه للخارج وهو يجذبها خلفه وبكل ما استطاع عقلها مواكبته التواجد معه أفضل آلاف المرات من التواجد مع رجل وامرأة كأمه وأبيه!

--

لم تشعر بنفسها سوى بجانبه على المقعد المقابل لمقعد السائق وهو يقود مستخدمًا يـ ـده اليُسرى فقط متجهًا إلى طريق غير معلوم له ولكنه سيظل أفضل آلاف المرات من أن يبقى بنفس تلك الحياة القديمة التي ظن أنه ودعها للأبد!

التفتت نحوه بملامح يتجلى عليها العديد من المشاعر المختلطة من الخوف والدهشة والشفقة عليه وشعرت أن كل ما حدث كان خطأها بالكامل لتتلعثم قائلة:

-       أنا مقـ

-       اسكتي!

 

قاطعها عما كادت أن تقوله فهو لا يريد التحدث عن الأمر، لا يريد أن يتكلم بما هرب منه لسنوات، لقد اعتاد أن بض الأمور لا يُمكنها أن تتغير أبدًا ومنها علاقة والده ووالدته، لن تتغير إلى الأبد!

 

أعادت النظر أمامها وحاولت أن تهدأ من ذلك الارتجاف الذي يُسيطر عليها وذلك المشهد لا يود أن يغادر رأسها بعد أن قام بلطم زو جته ثم كاد أن يفعل بها المثل، إلى أي حد يُمك لهذا الرجل أن يصل؟

 

تفاقمت المرارة عندما ابلعت لتشعر بأن هذه الحياة بأكملها خاطئة ولم يُمكنها أن تتحمل ما رأته لتلتفت نحوه قائلة:

-       كل اللي حصل ده غلط..

-       اسكتي!

-       مش المفروض يحصل كده، وحتى لو بينهم ميبقاش لا قدامي ولا قدامك!

-       اسكتي.. متكمليش كلام!

 

حاول أن يوقفها وهو يلهث محاولًا استلهام الصبر والقليل من الهدوء ليفشل بالكامل عندما تابعت:

-       أنا افتكرت إنها لو اتدخلت هتقدر تهدي المشاكل شوية بينـ

-       دي مش هاتعمل حاجة، مبتعرفش تعمل حاجة، هي أقصى حاجة ممكن تعملها إنها تطمن على عدي اتعشا ولا لأ وتعيط وتتفرج على التلفزيون، بس كده، هو ده اللي تقدر عليه!

 

قاطعها صارخًا بغضب بعد أن أوقف السيارة بهمجية بمنتصف الطريق وتفقدها ليُتابع:

-       هي مش زيك، مش دي الست اللي هتعرف تغير راجل ولا هيفرق معاها صح من غلط، مش هتعرف تدافع لا عني ولا عن غيري، أنتِ روحتي قولتلها ليه اصلًا؟ ليه دخلتيها ما بيني وبينه؟ ليه عملتي كده؟ أنتِ عايزة توصلي لإيه بالظبط؟ عايزة تشوفني في وضع أسوأ من كده؟ اعمل ايه تاني عشان اريحك بيه؟ ارحميني بقا!

 

تلك الملامح التي يتحدث بها وتلك الأصوات المنبعثة من المارة وقائدي السيارات الأخرى وشعورها بالذنب تجاه كل ما حدث جعلها ترتبك أكثر لتحدثه بتردد:

-       أنا مكنتش اقصد، ممكن بس تركن على جنب.. أنا..

 

لوح لها بيـ ـده أن تتوقف عن الكلام ثم صف السيارة على جانب الطريق بعد أن لاحظ ما فعله بينما عانقت جـ ـسدها بذرا عيها وهي تنكس رأسها للأسفل ليشرد هو بالطريق وهو يحاول الهدوء وبعد مرور بعض الدقائق ورؤيته للون أسود حالك يعج بكل شيء أمامه أقر ادراكه بأنه لن يستطيع أن يغير حياته مهما فعل وسيطر عليه اليأس التام ليعود لنقطة الصفر وكأن كل ما يحاول فعله لن ينتهي أبدًا، ولكن بالرغم من كل شيء لا ينفك يتذكر تلك القنبلة الموقوتة التي ستنفجر بأي لحظة ما عما قريب والتي صنعها هو نفسه!

 

فرك جبهته ليبحث عن ها تفه فلم يجده ليتذكر أنه تركه على تلك الطاولة بالشرفة ليتأفف من كل ما يحدث ثم قام بلكم مقود السيارة وفر للخارج.

 

تابعته بعينيها وهو يتجه إلى الأمام وتساءلت بينها وبين نفسها إلى أين سيذهب ويتركها؟ هي لا تملك هاتف ولا نقود ولا حتى أي شيء يدل على من هي وأخذت تتابعه إلى أن رأته يتحدث إلى واحد من المارة ليعاود ادراجه من جديد لتزفر في راحة بعودته من جديد ثم وجدته دخل السيارة وبدأ في القيادة من جديد.

 

لزمت الصمت لدقائق قليلة وهو يُكمل في طريق وكأنه يعلمه جيدًا مما جعلها تتساءل:

-       هو احنا رايحين فين؟

 

اجابها دون أن ينظر نحوها بنبرة فارغة من المشاعر:

-       مش كنتي عايزة تجيبي خط

-       ايوة بس أنا مش معايا بطاقتي ولا أي حاجة تانية.

 

زفر بضيق وهو يشعر أن عسليتاها لا تتوقف عن تفقده فرد معقبًا:

-       أنا هتصرف!

 

لم تمر سوى دقيقتان ليصف السيارة أمام هذا الفرع لشركة الاتصالات ثم توجه للخارج قبل أن يقول:

-       خليكي هنا على ما اجي.

 

تابعته باستغراب بينما أخذت تُفكر فيما فعلته منذ حوالي ساعة، لا تدري هل عليها أن تشعر بالسعادة بما حدث ولقد كان هذا مناسب تمامًا لما خططته وتريد النجاح في تنفيذه، أم تشعر بالذنب الشديد من أجل الموقف، نعم هي تريد أن تزعزع استقرار هذا اللعين، ولكنها لن تتحمل أن ترى كل هذا بعينيها وتختبره وتعيش خلاله!

 

حاولت أن تهدأ قليلًا وهي تُفكر، هذا وحده موقف هام للغاية فيما تريد فعله، هذه أولى الخطوات، عليها أن تسلط تركيزها على الأمر الأكبر، وما حدث قد حدث ولن يعود:

-       انزلي.

 

شهقت بخوف بعد أن كانت شاردة وهي تفكر عندما قاطع هو تفكيرها ثم ناولها ورقة بها نسخة مصورة من بطاقتها لا تدري من أين آتى بها لتمر معه للداخل ووجدت رجل يطالبها بأن توقع في ورقة ما تحمل اسمها ورقم هاتفها ففعلت ليناولها حقيبة صغير تحتوي شريحة الاتصال الجديدة لتتفقده باستغراب وهما عائدان للسيارة وبمجرد دخولهما وجدته يضع هاتف جديد بمساحة تخزين السيارة ثم شرع بالقيادة لتتساءل بينها وبين نفسها:

-       انت اشتريت موبايل جديد بدل من إنك ترجع وتاخد موبايلك؟

-       عندي استعداد اعمل أي حاجة ولا إني ارجع البيت دلوقتي.

 

اندهشت عندما استمعت لرده حيث كانت تظن أنها مجرد كلمات تدور بينها وبين نفسها ولكنها أدركت أنها نطقت بتلك الكلمات بصوت مسموع لتتعجب مرة ثانية:

-       أنت جبت صورة بطاقتي ازاي؟

 

لمحها بطرف عينيه ثم سلط نظره على الطريق وشعر بالغباء الشديد بسؤالها ليرد مفسرًا:

-       ورقك كله عندي من ساعة القضية، انا بشيل الحاجات دي مش برميها يعني.

 

اقتنعت بوجهة نظره نوعًا ما لتلزم الصمت لبرهة تصاعدت لتصبح لحظات حتى وجدت كلاهما بطريق سريع لا يحاوطه سوى المزروعات يمينًا ويسارًا ليصف السيارة بجانب الطريق ثم ترجل للخارج وذهب نحو باب مقعدها وهي تتابعه بأعين مستغربة كل ما يحدث ولكنها توجهت للخارج عندما قام بفتح الباب لتجده يتركها وهو يستند على السيارة وقام بعقد ذراعيه لتتفقده هي في صمت منتظرة تفسير لكل ما يفعله حتى بدأ في الكلام دون أن ينظر لها مباشرة:

-       قبل ما يحصل اللي حصل من شوية أنا لسه فاكر كلامك كله، لو عايزة طريقة قانونية تاخدي بيها حقك هتاخديه، ولو على بابا سيبهولي، أمَا بقا إنك تتكلمي مع حد وتقولي ايه ومتقوليش ايه فأنا مش شايف حل عندك غير "مريم" على الأقل هي أكتر إنسانة عارفة وفاهمة انتي كنتي مين وبقيتي مين وايه اللي حصلك، لو مقدرتيش تحكي كل حاجة فأنا اللي هاحكي واكيد بقا عندها فكرة عن جزء ولو بسيط من كل حاجة تخصك، إنما إنك تكملي في اللي بتعمليه في نفسك ده مش حل!

 

تفقدته وهي لا تدري أتشفق عليه أم تشفق على نفسها لتتنهد وهي تُخبره بإرهاق من كل ما بات يحدث:

-       احنا مش واقفين بجد في نص الطريق عشان تديني نصايح عن حياتي وتقولي شوية وعود و

-       ومين قالك إني بتكلم عن حياتي؟

 

نظر لها مباشرة لترمقه بتساؤل ليُكلمها بجدية متابعًا:

-       دي حياتي أنا، لو أنتِ هديتي يوم بابا مبيهداش، ولو بابا سكت يوم الاقيكي انتي بتبهدلي كل حاجة، لغاية امتى هافضل في كل ده وأنتِ متوقعة إن اخلصك من كل اللي بقيتي فيه؟ هاعمل ده امتى؟ وازاي وانا كل خمس دقايق في يومي مش عارف اتعامل معاكي ولا معاه، أنا عارف وفاهم إنك بكل اللي بتعمليه متصورة إنك هتاخدي حقك، بس أنتِ مش شايفة اللي بيحصل، أنا خلاص بقيت ماشي بشنطة أدويا، مش عايز اكلمك، مش قادر ابُصلك، ولو بس فكرت إني أكون كويس من ناحية ناحية تانية تبوظ، أنا حياتي كلها بقت ماشية زي ما أنتِ عايزة بالظبط، فيه ايه تاني أقدر أقدمه او اعمله او اغيره عشان تبقي مرتاحة؟ ايه الانتقام المناسب من وجهة نظرك عشان تنتقمي بيه وأنا حياتي كلها متشقلبة واتشقلبت اكتر في الكام يوم اللي رجعنا فيهم لبعض، مش شهر ولا سنة ولا اتنين.. دول بالظبط أسبوعين وحصل فيهم كوارث محصلتش في حياتي كلها بالمنظر ده!

 

أخذت نبرته في التصاعد بصوت مرتفع إلى أن صرخ بكلماته الأخيرة بينما تفقدته هي في ثبات وبات لديها ثقة أنه لن يفعل ما فعله والده ورأت أنهما مختلفان للغاية ولكنها انزعجت من صوت صراخه ولن تنكر أنه أصابها بالتوتر لتأخذ خطوة للخف ونظرتها تحمل الاعتراض الممتزج باللوم على طريقة حديثه لها ليتنهد وهو يهدأن من صوته ليتابع مطنبًا بكل ما يُمكنه أن يوضحه لعلها تقتنع:

-       أرجوكِ، انا مش هاعرف أعمل أي حاجة أنتِ عايزة توصليلها بالأسلوب ده، اللي أنتِ فيه وبتعمليه ده هيخلينا احنا الاتنين أسوأ، هيخلي أهلك يتضايقو ويخافو عليكي، مش بعيد تخسري شغلك لو كملتي في اللي أنتِ فيه ده، ولو كان هدفك هو الطلاق والإجراءات القانونية اللي هتاخدي حقك بيها فده عمره ما هيحصل طول ما أنا كده، ومش شايف أي فرصة مناسبة ليكي اكتر من مريم عشان تحاولي على الأقل تتعاملي مع اللي حصل، أنا لا بطلب منك تسامحي ولا تنسي ولا حتى بقولك هنرجع، أنا بقولك اتعاملي مع ده عشان تقدري توصلي لطريقة وأسلوب يخلصك مني طول عمرك، أنتِ خلاص بقيتي اللي بتدمري نفسك مش أنا بس، مبقولش إني بريء من اللي حصل بس اللي بتعمليه ميبرأكيش أنتِ كمان، هتقدري ازاي تدافعي عن نفسك وحقك وانتي سكرانة ولا وانتي مش نايمة كويس ولا واني مولعة في بيت وقربتي تتخنقي وتموتي فيه، انتي عاملة زي اللي اتهموه زور بجريمة وبدل ما تقولي انا معملتش ده، انتي قفلتي على نفسك سجن وعايشة في رعب وقلق لا يسجنوكي، بس لو بصيتي حواليكي هتلاقي إن القاتل الحقيقي بياخد عقابه، ارجوكِ فوقي بقا من اللي أنتِ فيه!

 

 المحامي البارع اللعين بحججه التي لا تتوقف وببراهينه وباكتسابه تعاطفها دائمًا وأبدًا، ما حدث منذ قليل لم يكن بيـ ـده بل هي من فعلت ذلك، وما حدث منذ أن طلقها بعد عذاب دام لشهر كامل هو يتحمل جزء منه، وبكل ما يفعله هي تعرف أنه يتجنبها بكل الطرق، ليتها لا تعرفه ولا تفهم تلك النظرات من عينيه لكانت استطاعت أن تفعل المزيد وهي تبرأ نفسها وتدينه هو، ليته لا يفهمها ولا يعرفها أكثر من أي شخص بهذه الحياة.. ليته مثل والده أو أخيه أو حتى والدته.. تبًا لقد اقتنعت بكل ما قاله ولقد توسلها أن تكف عن كل ما تفعله في غضون أيام قليلة!

-       أوك! 





تابع قراءة الفصل