-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 43 بالعامية - 2

      رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

تابع قراءة الفصل الثالث والأربعون

النسخة العامية 


 

العودة للصفحة السابقة



الخامسة صباحًا..

ذعر أصابها لجزء قليل من لحظة ظنت أنها ما زالت في نفس العذاب وكأنه لن يتوقف أبدًا، كل ما أرادته كان الطلاق، خوفها يزداد وتظن أن قلبها ستوقف لا محالة لو استمر فيما يفعله بها، لقد رأت نفس الثعبان، ولكن صوت المواء لا يتوقف، لقد توقف ولقد تغير الكثير من الأشياء، أين هي؟ فتحت عيناها وإذا بها ترى هذا الهر الصغير يعبث بوجهها لتنتشل نفسها من تلك الذكريات الأليمة.

-       خضتني، كفاية دوشة بقا، وبعدين أنت طلعت هنا ازاي؟ انت سريرك تحت مش هنا!!

التفتت نحو هاتفها لتتفقد الوقت فوجدتها الخامسة صباحًا لتغمغم:

-       بدري اوي كده، سيبني أنام شوية، النهاردة إجازة حرام عليك.

 

حاولت النوم من جديد بكسل وبعد أن هدأت وتوسلت للنعاس أن يعيدها حيثما كانت منذ لحظات ولكنها فشلت، وساعد على فشلها صوت هذا المواء الذي لا ينقطع!

 

جلست على الفراش وهي تنظر له لتسأله:

-       عايز ايه على الصبح أوي كده؟

 

تأففت وهي تنهض من فوق الفراش ثم اتجهت لترتدي رداء ثقيل فوق منامتها وجرت أقدامها نحو الأسفل لتجد من يتبعها وهو لا يتوقف عن المواء فالتفتت نحوه وتفقدته للحظة بينما اقتربت منه لتحمله بين ملابسها وحدثته قائلة:

-       هتمشي النهاردة، متتخيلش إنك هتفضل معايا!

 

أتت له ببعض الطعام من تلك الخزانة التي تخصه وسخرت بداخلها، منذ متى وستحتفظ بخزانة لهذا الكائن الصغير المزعج الذي لا يتوقف عن المواء.

وضعت له طعامه بطبقه في نفس المكان بغرفة الجلوس ثم توجهت لتصنع بعض القهوة لها وقامت بتسخين بقايا طعام ليلة أمس وتناولت الدواء من حقيبتها ثم جلست بالمطبخ لتتناول إفطارها بمفردها وهي تحاول استلهام بعض الاستيقاظ فاليوم عُطلة ولا تظن أن لديها الكثير لتفعله.

لم تمر سوى دقائق حتى وجدته أمامها يرفع عينيها نحوها وأخذ يعبث بحذائها المنزلي وهو بالكاد يقف على قدماه الصغيرة للغاية لتزفر بضيق وتوجهت لتقوم بالبحث عن كيفية التعامل مع القطط وهو لا يكف عن عبثه بحذائها إلى أن خلعته وتركته أمامه ظنًا منها أن هذا ما يُريده ولكن بعد قليل تلمـ ـسها بيـ ـديه واظافره فانزعجت من تلك الخدوش الطفيفة التي سببها لها فصاحت به بنبرة زاجرة:

-       لأ لو عملت كده تاني أنا هطردك في الشارع.

 

ارتدع قليلًا على صوتها المُرتفع لتعيد تركيزها إلى تلك النتائج التي وجدتها ورأت واحدًا من الفيديوهات وبمجرد أن قامت بتشغيله لم تحصل منها سوى على بعض المواقف المضحكة للقطط ورغمًا عن أنفها وجدت نفسها تستجيب وتضحك على ما تراه.

احــ ـسـت به متعلق بأظافره الصغيرة بنهاية بنطالها لتتنهد وهي تخفض بصرها نحوه فرفعته إليها وهي تتفقده بتفكير وسرعان ما وجدت يـ ـده تعبث بخصلاتها ومنها إلى عنـ ـقها التي خُدشت لتُكلمه بزجر:

-       أنت ضوافرك دي لازم نشوف حل فيها!

 

نظرت له بحيرة لتواصل كلماتها بتردد:

-       لو كنت يعني هتقعد معايا.

 

نهضت وهي ترفعه للأعلى لتجده يريد أن يتمـ ـسك بها خوفًا من هذا الارتفاع لتخبره:

-       تعالى أنت لسه واكل.

 

صعدت به ثم تركته بجانب المرحاض واتجهت لواحدة من الغرف لم تملك كل الوقت لتتفقدها ليلة أمس ووجدت أنها غرفة للضيوف وأعجبها كل ما بها من محتويات واتجهت لتتفقد غرفتان فارغتان بالكامل بُناء على طلبها.

 

استمعت لجلبة فتفقدت لماذا ينبح كلباه بهذا الصباح الباكر لتجده يلاعبهما بينما اندفعت "فينوس" لتقف وهي تعانـ ـقه بين يـ ـديها بينما "أوفيد" ينظر لكلاهما ولا يتوقف عن النباح!

 

اتجهت سريعًا نحو الأسفل بينما شعرت بمن يتبعها فحملته معها للخارج وبدون مقدمات وجدت "أوفيد" و "فينوس" يتجهون نحوها بشراسة وهما ينبحان ليعدو هو سريعًا وهو ينادي كلاهما قبل أن تقع مصيبة وهما يحاولان الوصول له بين يـ ـديها.

-       انتي ازاي تخرجي بيه قدامهم كده!

 

وقف ليحول بينهما وهي تشعر بالفزع مثل هذا الكائن الصغير المرتجف بين يـ ـديها لترد بصوت متردد:

-       أنا قولت هكلمك عادي مكونتش فاكرة إن ده هيحصل.

-       طيب ادخلي بسرعة البيت وأنا هجيلك.

 

مشت سريعًا واستمعت له وهو يصرخ بكلاهما ونباحهما لا يتوقف، وكأنهما ثلاثة من المجانين يتشاجرون معًا، فأدركت أن المواء المستمر لا يُقارن أبدًا بهذا النباح المُزعج.

 

لم يمر سوى القليل حتى استمعت لصوت الجرس فقامت بفتح الباب لتجده ينظر لها وهو يُكلمها بنبرة هادئة:

-       أنتِ فاهمة دول لو عضوه هيجراله إيه، لو كانوا متربين مع بعض من وهم صغيرين كان ماشي، إنما مينفعش اللي بتعمليه ده.

 

تفقدته بانزعاج لتشعر بالإهانة المندسة بكلماته وكأنها ليست على دراية بالصراع الأبدي بين الكلاب والقطط لتضيق ما بين حاجبيها وأخبرته وهي تعقد ذراعيها:

-       أنت اللي جبته يعني هوديه فين، وبعدين ابقا احبس كلابك في بيتك عشان اعرف اخرج أنا وهو براحتي..

 

ابتسم على ما يراه لتشعر بالغضب وواصلت بغيظ:

-       انت بتضحك على ايه؟ وبعدين اصلًا انا هودي القط ده أي حتة.

-       لحق يخربشك بسرعة كده.

 

تحـ ــسست عنـ ـقها ورمقته بمضض لتغير مجرى الحديث وسألته:

-       أنت دفعت كام في البيت؟ وليه مبعتليش الفواتير على الشركة؟

 

نظر إليها بجدية ليجيب متهكمًا:

-       وهو أنتِ هتدفعي الفلوس ليه؟ مش قادر ادفعها أنا مثلًا؟

 

زفرت بضيق وأجبرت نفسها على الإجابة دون التطرق لتفاصيل:

-       أنا اللي حرقته وهو كان بيتي فأنا اللي ادفع مش أنت.

-       وأنا اللي خليتك تحرقيه فأنا اللي ادفع مش أنتِ!

 

عقد ذراعيه مثلها وتفقدها بتساؤل لتحدثه بتساؤل:

-       والفلوس اللي أنت حولتها للشركة؟ دي كمان مش هتاخدها؟!

 

لوهلة كاد أن يتساءل عن تلك الأموال التي تقصدها ليتذكر سريعًا أن هذا كان اثناء نوبة هوسه وهما متزوجان بالسابق فأجابها:

-       لا، مش هاخد حاجة!

-       ده احسان يعني ولا تبرع ولا ايه بالظبط؟

 

تحاشى الرد عليها وغير مجرى الحديث ليقول مُنبهًا:

-       أولًا القط ده مش هيمشي، وشوفيله اسم بقا، ثانيًا انتي شوفتي الأوضة اللي جوا الـ dressing room؟

 

لم تفهم ما يتحدث عنه ليحدثها وهو يتفقد ساعة يـ ـده:

-       ابقي شوفيها ودي كده مؤقتًا عشان لو حد جه البيت هبقا أنام فيها، أنا ماشي عشان اتأخرت.

 

تبعته وهو يتجه للخارج فأوقفته بنبرة اعتراضية:

-       استنى هنا أنا بكلمك، وايه اللي اتأخرت عليه قبل ما تيجي ستة الصبح؟

 

التفت نحوها واجابها:

-       بروح الـ gym، تحبي تيجي معايا؟

 

هزت رأسها باستهجان واجابته بتحفز:

-       لا، والفلوس دي أنا مش هاخدها، هحولهالك في حسابك!

-       تمام وانا هرجعهم لحسابك. سلام..

 

حاولت أن توقفه من جديد لتصيح به:

-       استنى هنا، يعني ايه ترجعهم حسابي؟

 

لم يستجب لكلماتها وهرب سريعًا بعد تفلت مقدرته على البقاء أمامها والنظر إليها وكل ما يُفكر به لا يخلو من ملامـ ـستها بأي طريقة كانت، يبدو وأنها ستكون معاناة جديدة عليه أن يتحملها حتى يتخلص كلاهما من هذا الزو اج.

--

الثامنة والنصف صباحًا..

انتقلت مقلتيه على الحروف في توالي روتيني بحت بعد أن أنهى روتينه الرياضي واغتسل وبدل ملابسه وأخذ يتابع تلك السطور وهو يقوم بقلب الصفحة وابتلع ما بفمه وارتشف القليل من هذا العصير ومد يـ ـده بتلقائية حيث موضع دوائه وتناوله ببعض المياه ولم تبتعد عيناه عما أمامه ليجد نفس الصوت الأنثوي يُداهمه مرة أخرى:

-       اخواتي الاتنين كانوا بياخدو نفس الدوا، أنت bipolar ولا اكتئاب بس؟

 

رفع عيناه نحوها لتواصل كلماتها:

-       أكيد مش وراك حاجة تانية النهاردة، المرة اللي فاتت مشيت بسرعة بعد ما سلمت عليا وقولتلي إنك اسمك عمر.

 

هز رأسه بالموافقة ليجيبها باقتضاب:

-       كنت مشغول فعلًا.

-       والنهاردة؟

 

سألته وهي تقوم بحل رباط شعرها لتجمع البعض منه للأعلى وتركت باقي خصلاتها مُنسدلة فلم يدر ما الذي تريده منه هذه المرأة ليقول وهو يتفحصها:

-       إجازة.

 

همهمت وهي تُشير إلى كتابه ليحتل الاستغراب ملامحها وهي ترتدي سترتها الرياضية:

-       أنت بتقرا حاجات غريبة اوي، وقليل لما الاقي حد بيقرا أصلًا، المكان هنا كله مركز على العضلات وبس، بتقرا ايه النهاردة؟

 

أغلق الكتاب مما جعلها تقرأ عنوانه بوضوح فتحدثت متعجبة بابتسامة:

-       أنت مناصر لحقوق المرأة ولا إيه؟ ما كنت بتقرا عن الشعر والتاريخ، إيه اللي حصل فجأة؟

 

مناصر لحقوق المرأة، التعبير وحده دفعه للسخرية، لو كانت رأت غُرفته بكل ما فيها لكان اختلف سؤالها هذا كثيرًا:

-       لا أنا محامي، براجع كده شوية قوانين مش اكتر.

 

همهمت بتفهم وهي تجلس بالمقعد المجاور له وأخبرته:

-       يمكن ابان فضولية شوية بس شغلتي بقا، أنا صحفية.

 

هز رأسه إليها دون أن يقول مزيد من الكلمات لتواصل هي الحديث:

-       قعدتك لواحدك ووقتك اللي بتقضيه هنا من غير حتى أي music أو أي حد بتيجي معاه حسسني كده إن وراك حكاية. ايه حكايتك بقا؟

-       حكايتي!

 

اشتق من كلماتها وهو يبتسم بتهكم فلقد سألت عما لا تريد أن تعرفه على الاطلاق فتكلم دون أن يُعطيها تفاصيل:

-       لا مفيش حكاية ولا حاجة، مجرد واحد عادي بيجي يقضي وقته في الـ gym وبعدين بيمشي.

 

ضيقت عيناها نحوه بابتسامة ثم بدأت تنظر نحو الجميع من استطاعت أن تراهم وبدأت في الحديث:

-       الاتنين اللي بيضحكوا اوي هناك أصحاب من زمان ومتجوزين اتنين اخوات، تسمع عن شركة ***.. دول بقا شركا فيها.. واللي هناك ده وهيدخل اهو بطل كمال اجسام السنة اللي فاتت، اعرف حكاية كل واحد، أنت بقا حكايتك ايه؟ مالكش أصحاب وبتيجي لواحدك ومبتكلمش حد بقالك شهرين، متجوز وبتحب القراية ومحامي وايه كمان؟

 

عقد حاجباه ليرد بابتسامة وهو ينهض ويجمع اشياءه:

-       ممكن تكوني صحفية شاطرة، بس فعلًا معنديش حكاية احكيهالك.

 

اتجه ليأخذ هاتفه بعد أن تركه بتلك الخزانة المخصصة لشحن الهواتف ليجد ثلاث مكالمات فائتة من "عنود" فقام بالاتصال بها وعندما اجابته أخبرها قائلًا:

-       الموبايل كان بعيد عني، فيه حاجة عايزة تقوليها؟

 

تريثت لبرهة لتتنهد قائلة:

-       بابا مش عايز كتب الكتاب يكون الاجازة دي، ولو كنت هتجوز في إجازة الصيف الجاي يبقا ازاي هاقدر اختار عفشي وحاجتي ونرتب كل حاجة من غير ما نكتب الكتاب، أنا مش فاهمة بيعمل كده ليه.

-       هو قالك إيه بالظبط؟

-       أنا روحت عشان أخد منه فلوس الفستان والحاجات بتاعت كتب الكتاب الصبح قبل ما اليوم يضيع لأن الأسبوع الجاي لسه عندي امتحانات لقيته بيقولي مفيش كتب كتاب وانه هيأجله، مقالش حاجة تانية.

 

همهم متفهمًا ليسألها:

-       أنتِ فين دلوقتي؟

-       لسه في البيت، كنت فاكرة إني هالحق أخلص الحاجة النهاردة في يوم الاجازة.

-       هتنزلي بعربيتك ولا السواق؟

-       لا مع السواق عشان بابا مركز اوي معايا اليومين دول وانا بصراحة مش عايزة مشاكل، كفاية إنه عايز يأجل كتب الكتاب وحتى روحت صحيت عدي قالي سيبيني أنام، وماما نفس الكلام وقالتلي متصحنيش بدري، أنا مش فاهمه كلهم بيعملو كده ليه!

 

أغلق باب السيارة بعد أن وضع حقيبته بالخلف ليخبرها قائلًا:

-       أنا هتصرف مع بابا.

 

خطر بباله فكرة ثم سألها:

-       أنتِ عايزة تنزلي الساعة كام؟

-       على حداشر مثلًا تكون الناس بدأت تفتح.

-       طيب متروحيش مع السواق، أنا هجيلك!

 

أنهى المكالمة بينما تعجبت الأخرى من هدوئه الشديد، منذ متى وهو يكترث بأن يوصلها لأي مكان، هو لم يأتِ قط ليصحبها تحت أي ظرف من الظروف، هل يعرف إلى أين ستذهب؟ ما هذه الغرابة التي يتصرف بها؟

على كل حال هذا ليس من شأنها، المهم الآن هو أن تغادر هذا المنزل في أقرب فرصة بأقل الخسائر الممكنة!

--

 وقف بمنتصف البوابة ثم أشار لهذا الحارس ليسأله:

-       مدام روان مشيت أو فيه حد جه؟

-       آه حضرتك، أخوها عندها جوا.

 

هز رأسه بالتفهم وتظاهر أن كل شيء على ما يُرام واتجه مباشرةً إلى منزلها وادعى وكأنهم بأفضل حال، أو قد كانت هذه نيته، هو حتى لا يملك مفتاح للدخول.

 

قام برن الجرس وانتظر قليلًا حتى وجد "بسام" هو الذي يقوم بفتح الباب وحدثه متسائلًا:

-       نسيت المفتاح ولا إيه؟

 

صافحه وهو يجيب سؤاله:

-       فعلًا نسيته، المفاتيح حتى لسه موزعنهاش، ازيك عامل إيه؟

-       أنا تمام، أنت اخبارك إيه؟

-       كويس.

 

دلف للداخل ليرها جالسة أرضًا وهي تلاعب هذا القط الذي أحضره ليضيق عينيه نحوها بينما حدثه الآخر:

-       من ساعة ما عرفتها ازاي تلعب معاه وهي عمالة تلاعبه، كانت مش موافقة تخليه اصلًا وعايزة تدبسني فيه، بس خلاص اقنعتها وسمته tiny

-       مين يا بسام؟

 

سألته دون أن ترفع عيناها عنه ولم يرد هو فنهضت لتتفقد من الطارق لتجده بجانبه ليبادر هو بالكلام سريعًا:

-       أنا نسيت المفتاح، هاغير هدومي بس وهاروح أخد عنود عشان نشتري شوية حاجات.

 

كادت أن تسخر من كلماته بينما رمق "بسام" بلمحة جانبية ليجده يتساءل:

-       أنا كنت فاكرك هتقضي اليوم معانا وهنتغدا سوا، أنت هترجع امتى طيب؟

 

هز كتفيه وهو يجيبه بتلقائية:

-       مش عارف، بس أظن متأخر، خلينا نقضي يوم تاني سوا ونرتبه من قبلها.

 

ابتسم له باقتضاب وتوجه نحو الأعلى بينما ارتابت بكلماته لتخبر أخيها قبل أن تصعد للأعلى:

-       استنى ثواني وهجيلك.

 

صعدت سريعًا لتلحق به وتحدثت له:

-       مش لازم تكدب يعني عشان بسام موجود، خليك واقعد اعمل أي حاجة لغاية ما يمشي، وبعدين هو لو سألني أقوله ايه على البيت بتاعك؟  

 

اتجه لداخل غرفة الملابس ومنها قام بفتح الباب الذي يقود لغرفة صغيرة تحتوي على فراش صغير وخزانة ملابس صغيرة أيضًا:

-       قوليله عاملين البيت ده للسواق ولا للضيوف، وانا مش بكدب، هروح اشتري فعلًا حاجات أنا وعنود عشان كتب كتابها، لولا إنك مش بتكلميها كنت قولتلك تعالي معانا.

 

ترددت قليلًا وهي تتذكر آخر مرة تحدثت لها بها فتنهدت لتجده يواصل:

-       اعملي حسابك إن كتب كتابها هيكون أول شهر اتنين، هأكد عليكي هيبقا امتى بالظبط وأظن إنك لازم تيجي.

 

هزت رأسها باقتضاب بينما تعجبت ولا تدري لماذا لا تصدق ما يقوله:

-       وهو اشمعنى أنت رايح معاها مش مامتكم مثلًا ولا عدي؟

 

أطلق زفرة متهكمة وهو يُخرج ملابس أخرى له وخلـ ــع سترته وأجاب سؤالها بنبرة ساخرة:

-       معلش أصلهم نايمين!  

 

ضيقت ما بين حاجبيها وتعجبت منه مرة ثانية:

-       ليه حـ ـساك بتكدب؟

 

زفر بعمق وهو يتخلص من حذاءه الرياضي لينظر لها مجيبًا:

-       عشان بابا مش موافق على كتب الكتاب وعايز يأجله فجأة كده، فلسه هروح ويا اقنعه يا نتخانق وبعدين اخد عنود ونروح نجيبلها فستان وشوية الحاجات اللي هي عايزاها.

 

ضرب التقزز دمائها وشعرت بالأسى من أجلها وسألته:

-       ازاي اصلًا مامتك تسيبها في يوم زي ده؟  

 

تفحصها بنظرات مُطولة ليجيبها باقتضاب:

-       بتوفر مجهودها لعُدي.

 

أشار بملابسه نحوها ليسألها:

-       حابة تتفرجي ولا هتخرجي عشان اغير؟

 

امتعضت ملامحها من مزاحه السخيف واتجهت للخارج ولكنها توقفت عند الباب لتخبره بتساؤل:

-       أنا ممكن اجي معاها اكيد هتبقا عايزة تاخد رأي حد، بس هاعمل ايه مع بسام؟

 

تنهد وهو يجيبها:

-       بالنسبة لعنود أنا شايف إنك تكلميها الأول قبل ما نروح، آخر مرة انتي طردتيها من بيتك، ولو على بسام هاتيه معانا، لو الدنيا بقت بينكم كويسة ممكن اقعد انا وهو وانتي هي خلصوا الحاجات اللي عايزة تشتريها!

 

تريث لبرهة بينما وافقته هي بهزة رأس ليُصحح ما قاله تفاديًا لمزيد من المُشكلات مع والده:

-       أو أحسن خلينا اخدها الأول ونتقابل برا أو أعدي عليكي أنتِ وهو، وبردو يبقا فيه فرصة تسأليه إذا كان عايز يجي ولا لأ!

--

العاشرة والنصف صباحًا..

وقفت تحاول الاستماع لما يجري بينهما وهي تبتلع في خوف من أن يفشل "عمر" في إقناعه وتصاعدت ضربات قلبها وهي تسمع صوت والدها الغاضب:

-       لا، أنا العيلة دي مش موافق عليها من الأول، يفسخوا الخطوبة وآلف واحد يتمنى يتجوز بنت يزيد الجندي ويناسبني.

 

سقط قلبها بقدميها عندما استمعت له وكادت أن تبكي وبالكاد استمعت لصوت "عمر" الخافت:

-       مالهم العيلة، ناس محترمة والولد كويس، أنت بنفسك سألت عنه قبل الخطوبة، ولا يا بابا هو عِند وخلاص عشان روان؟

-       وهي مين دي اللي تخليني اعند، البنت اللي أنت اتجوزتها المفروض ليها راجل يلمها، انما بنتي أنا متروحش تتجوز واحد وبعدين يجي يـ

-       معتقدش إن يونس بالجرأة إنه يعمل في عنود حاجة، مفيش راجل أصلًا يقدر يعملها حاجة ولا يطلقها وأنت أبوها وأنا أخوها..

-       الجوازة دي من الأول كلها غلط، والولد ده كلها يومين وهيرميها، ده مش بتاع جواز وبكرة هتفهم إن كلامي صح.

-       ماشي يا بابا، أنا واثق إن كلامك صح، بس يوم ما حاجة تحصل أنا هاتحمل المسئولية، اعتبر إن موضوع جواز عنود ده كله أنا اللي مسئول عنه.

 

امتلأت عيناها بالدموع بدون وعي منها وهي تشعر وكأن الأمر بأكمله لن ينجح على الإطلاق لتستمع له:

-       اعمل اللي أنت عايزه، بس لو اتجوزت الولد ده أنا مش عايز اشوف وشها تاني في البيت، تنسى بقا انها بقت من عيلة الجندي!

-       ليه يا بابا مكبر الموضوع كده، مهما كانت دي بنتك قدام الناس، أنا آه ممكن اجوز اختي بس في الآخر منظرك ومنظرنا قدام الناس مش هايبقا كويس، عايز الناس تشاور علينا وتقول هو فين أبوها بعد ما عملنا الخطوبة وكل الناس كانت موجودة!

 

لم تستمع للمزيد من الكلمات فيما بينهما وشعرت بخوفها يزداد لتجد "عمر" يواصل كلماته:

-       وبعدين عنود بنت كويسة، لا هي فاشلة زيي ولا هي زي عدي، أنت ليه مش عايز تعملها حاجة نفسها فيها زيها زي أي بنت؟ هي مغلطتش في حاجة، بالعكس راحت صارحتنا وحتى يونس جه طلبها مننا!

-       اطلع برا وروح اعمل اللي أنت عايزه، ولو على كتب الكتاب هابقا موجود فيه، بعد ما الناس بقا تمشي وتبقا هي تروح بيت جوزها في إجازة الصيف الجاية ابقا بلغها متدخليش بيت تاني!



يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة