رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 43 بالعامية
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
الفصل الثالث والأربعون
النسخة العامية
الحياة تستمر، كلمتان لا ثالث لهما، كلمتان تصف بمنتهى
الدقة ما تراه بعد دقائق من تواجدها خلف الباب الرئيسي للمنزل، الحياة لطالما عجت
بالأحداث الجديدة والمفاجئات، كهذا المنزل تمامًا، ككل ما تقع عليه عينيها، وبعد لحظات
جعلتها تتردد في اكتشاف ما به آتت لحظات أخرى جديدة، أخذت ثواني للتفكير بعمق، لقد
تعلمت كيف تسيطر على خوفها، صدمتها، اليأس، الخوف من المستقبل، الآلام، الذكريات، لقد
باتت تستطيع السيطرة على ذاك الخليط من الحزن والندم على ما أضاعته في علاقة لا
تستحق أن تناضل نضال قاسي من أجلها، ومحاولات لا نهاية لها من أجل رجل بات جزء من
ماضيها، ورغمًا عن أنفها علمها كيف تتوقف عن إضاعة اللحظات الجيدة من حياتها وعدم
التمسك بها، لقد باتت تدرك ما معنى أن تستمتع بحياتها بكل ثانية تجد خلالها فُرصة
للاستمتاع والسعادة..
مشت تتفقد هذه الحياة الجديدة، لطالما مثل لها أي منزل
حياة، تظن أن المنزل يدل على صاحبه، وغرفة الجلوس هذه تجعلها تود البقاء هنا
للأبد، هذا لم يتفقا عليه، لماذا آتى بأشهر وحدتان للألعاب، هي حتى لا تملك وقت للألعاب،
ولكن لابد من أن الأمر سيكون مُسلي للغاية، قد تدعو "بسام" يومًا ما
ليُشاركها، كل شيء يبدو دافئًا، البيت مُرتب ومنظم ولكن ليس بنفس مثل تلك البرودة
التي عهدتها بالسابق.. التفاصيل تبدو رائعة والألوان تليق بها أكثر!
خلعت حذائها واقتربت من تلك الوسادة العصرية وهي تحـ ــسها
بقدميها، وهذه الأريكة التي تظن أنها ستملك لها وقت ما لتجلس عليها وهي تتمدد
وتشاهد فيلم مُسلي ثم تجذب ذلك الغطاء الصوفي لتدثر به، أو عندما تراجع بعض من
اعمالها، مشهد تلك المدفأة، وذلك الجدار الذي تنساب عليه المياه وأسفله بعض من
زروع الزينة الخضراء، ما تراه يماثل التصميم المرسل إليها، ولكن رؤيته بعينيها
حقيقةً أمر مختلف، وهذا المكتب العصري كان أفضل ما يُمكنها أن تحظى به، بعيد كل
البعد عن هذا المظهر الكلاسيكي القديم بكل تلك الكُتب المزعجة، كل شيء تغير، حتى
أماكن الغرف مختلفة، كأن منزله القديم لم يكن، وهذا المطبخ بلونه الأبيض وكل ما به
من تفاصيل فاق تصورها، تظن أن مهندس الديكور يستحق مكافأة على ما فعله!
قامت بالضغط على جزء من وحدات المطبخ لتجده يفتح للأمام
لتجد كمية من التسالي لم تتوقعها، متى ستتمكن من انهاء كل هذا؟ ولكن رؤية تلك الأكياس
البلاستيكية وتلك الصناديق المعدنية جعلها تشعر بالجوع، توجهت لتقوم بتفقد مبرد
الطعام فلم تجد شيء كما أخبرها لتتنهد بإرهاق وعادت لتتناول صندوق يحتوي على
البطاطا المخبوزة ثم اتجهت للأعلى على الدرج الذي اختلف مكانه نفسه وأصبح ذو تصميم
عصري، ستتناسى كل ذكريات الدرج القديم يومًا ما، ستفعل عاجلًا أم آجلًا!!
الغرفة
الرئيسية، غرفتها وليست غرفته، وجهتها الأولى قبل تفقد أي شيء آخر، تبًا، هذه الإضافات
لم تطالب بها، لن يكف عن اغضابها أبدًا بفعل ما يحلو له وله فقط! تقسم أنها ستجعله
يندم على أفعاله!
كادت أن تعود لتصرخ به بهاتفها ولكنه وقفت وهي تمضغ ما
بفمها وهي تتفقد محتويات الغرفة، تبدو رائعة، هو لا يستحق الصراخ من أجل هذا
التصميم الرائع، وكأن الفراش وحده بتلك الأضواء الخافتة تُناديها للاسترخاء والنوم
لمدة عام كامل، ستجد أمر آخر لن يعجبها ووقتها ستكون محقة بأن الأمر يريد بعض
التعديل، ربما بالمرحاض الذي كان مثالي ولم ينقصه أي من المستحضرات التي تستخدمها..
حسنًا، ستكون غرفة الملابس، لم يعد هناك حل آخر!!
اتجهت بخطوات سريعة في تحفز ولكن ما رأته جعلها تبتلع
بقايا تلك البطاطا بصعوبة، كل شيء مثالي، هل آتى بكل هذا؟ متى وكيف؟ هل يظن مثلًا
أن بعد كل هذا سيخبرها بأنه نادم وهيا لنعود معًا، لابد أنه قام باختيار ملابس لن
تعجبها!
تبًا، ها هو ينتصر من جديد بإضافته لشيء رائع مثالي لن
يقبل نقدها، علامات تجارية عالمية لابد من أنها ستُرضي غرور أي امرأة بل أي انثى
ولو بالخامسة من عمرها حتى أن تبلغ المائة، وهذا الثوب، هل هو من اختاره؟ حاولت
استخدام منشفة لكي لا تُفسد الثوب بما كانت تتناوله بينما يـ ـدها الأخرى تمسك
بالصندوق الذي يحمل البطاطا وجذبته قليلًا للأمام لتتنهد بمشقة، الثوب مثالي، متى
سترتدي كل هذه الأثواب؟!
أخذت خطوة للخلف وهي لم تترك الثوب بعد والتفتت نحو
مساحيق التجميل، ساعات الـ ـيد، قسم خاص للحلي، الأحذية، الحقائب، تبًا، كيف
يُمكنها أن تجد أمر لتعترض عليه؟ هذه الغرفة لابد من أنها تُكلف ثروة! نعم تستطيع
أن تبتاع مثلها ولكن أين له من الوقت والترتيب لكل شيء في وقت قصير للغاية؟
كادت أن تتجه لتتفقد كل شيء عن قرب ولكن ما وطأت عليه
بقدمها وذلك الصوت الصارخ جعلها تصرخ واختل توازنها في خوف ثم سقطت أرضًا!
نظرت حولها وهي تشعر بالرهبة فهي ظنت أنها بمفردها
بالكامل لتجد هذا الكائن الصغير الذي أخذ يعبث بما تساقط أرضًا من الصندوق الذي
كانت تحمله وتبعثر أرضًا مع سقوطها:
-
أنت إيه اللي جابك هنا؟ أنت بتعمل إيه هنا أصلًا؟
ابتلعت وهي تنهض ثم نظرت لكم كان صغير الحجم بل والعمر
ولكنه لم يتوقف عن العبث بتلك البطاطا بطرف يده لتحدثه بتنبيه:
-
أنت دخلت هنا ازاي؟
أطلق مواء وهو ينظر لها لتتعجب من هذا التواصل البصري
وانتباهه لها لتحاول أن تقول المزيد ولكن وجدت أنها ستُضيع وقت مع هذا الصغير أم
الصغيرة، هي حقًا لا تعرف كيف آتى إلى هنا!
اتجهت للأسفل لتجده يتبعها وتوقف حيث أولى درجات السلم
وجذبت هاتفها لتقوم بالاتصال به وبمجرد اجابته تحدثت له بعصبية:
-
لو سمحت تشوف مين اللي ساب البيت مفتوح، والقطة دي، أكيد
دخلت من الشارع ولا الجنينة، أي حد يجي يطلع القطة دي برا، أو تيجي بنفسك وتتعامل
معاها.. ازاي متراجعش البيت بعد ما استلمته من المهندس اللي خلصه؟
-
أنا راجعته كويس، القط ده مدخلش من الشارع ولا من الجنينة.
انطلق مواءه لتنظر نحوه وهو لا يستطيع النزول عن هذا
الدرج لتُصاب بالتوتر، هو يبدو صغير للغاية، لو سقط من هنا ما الذي ستفعله:
-
تيجي حالًا وتتصرف معاه أو تبعت حد يخرجهولي.
-
ماشي.
نظرت للأعلى نحوه باستياء وهو يستمر في المواء لتشعر
بالشفقة عليه ولكنها لا تستطيع التعامل مع أي حيوان لترمقه مرة ثانية لتهز رأسها بإنكار
لتقوم باستخراج رقم هاتف واحدًا من المطاعم السريعة ثم بدأت بالحديث:
-
أيوة على نفس الرقم، أيوة روان صادق، لا عنوان تاني،
شارع *** البيت رقم 51، بيبروني extra
cheese كبيرة
همهمت وهي تُفكر سريعًا ثم أخبرته:
-
وممكن chicken
ranch، كبيرة
برضو، بس ميتأخرش لو سمحت، أوك، باي..
أنهت مكالمتها وعيناها مُعلقان تجاهه، تشعر بالرعب لو
سقط من تلك الدرجات، هو نفسه يبدو خائفًا، يا لحظها السيء، لماذا لم يأتِ هذا
الغبي؟ وما معنى أنه لم يدخل من الشارع أو الحديقة؟!
استمعت لجرس الباب فاتجهت سريعًا نحوه ولم تُفكر بالنظر
له واكتفت بالإشارة للأعلى وهي تقول بتحفز:
-
واقف فوق على السلم وعمال ينونو وانا مش فاهمة ده عايز
ايه، خرجه من هنا.
اتجه للأعلى وهو ينظر له بابتسامة وأخرج سلسلة المفاتيح
من جيبه ليُشغله بها قليلًا ليجده يثب للأعلى نحوها فأخبره بخفوت:
-
اسيبك معاها نص ساعة تخليها تصوت كده، عملت فيها ايه؟
لم تتبين ما يقوله لتحمحم وهي لا تكترث وعقدت ذراعيها
ووقفت منتظرة بجانب الباب إلى أن لمحت قدميه فوجدته يتوقف أمامها فنظرت له وبادلها
النظرات وهو يقوم بمعا نقته لصـ ـدره ثم سألها باستهجان:
-
بقا بذمتك ده دخل من الشارع أو الجنينة؟ ده دوخني على ما
جبته!
اتسعت عينيها لتكلمه بانزعاج:
-
قط ايه، وانا مالي تدوخ ولا متدوخش، أنا ماليش دعوة
بالقط ده، خده معاك.
-
مفيش في قلبك رحمة أبدًا، بُصيله كده، شبهك أوي.
امتعضت ملامحها على ما يقوله ونظر نحوها مترقبًا ردة فعلها
ولاحظت كيف يُربت عليه لتهز رأسها بالنفي ورفضت أن يكون لها علاقة بهذا الكائن
الصغير:
-
مش مشكلتي، مش انا اللي جبته، رجعه ولا خده ربيه مع
كلابك، أنا معنديش وقت أربي قطط أنا ولا بعرف أصلًا.
تنهد وهو ينظر نحوها بتفحص وتكلم مؤكدًا على كلماتها:
-
أنتي مبتربيش القطط، الكلاب، العصافير، الحصان، دول
يتربوا، إنما القطط هي اللي بتربيكي.
ضيقت عينيها نحوه ثم ابتسمت له بطريقة مستفزة لتخبره
بهدوء:
-
حلو، خده يربيك، أنا مش ناقصة رباية.
أطلق زفرة متهكمة وهو يغمغم:
-
لا مانا اتربيت كويس، ومن قطة شبهه بالظبط!
نظرت نحوه بحقد لتصيح بمزيد من عصبيتها:
-
بقولك ايه، حركاتك وكلامك دول تبطلهم، والقط ده يخرج برا
بيتي حالًا.
حمحم وهو ينظر لها ثم فجأة جذب اصـ ـبعه بعد أن انتبه
لتلك العضات الصغيرة منه وحدثها بجدية:
-
بصي، ممكن أجبرك إنك تخليه هنا، وطبعًا أنا مش عايز اعمل
ده مع إني أقدر عليه، وممكن ترضي إنك تخليه هنا، وممكن تجربي أربعين يوم بالظبط
ولو حسيتي إنك مش عايزاه خلاص اديهوني وأنا هتصرف فيه.
امتعضت ملامحها وهي تنظر له ولا تتقبل أي من كلماته
السخيفة لتحدثه بتحدي:
-
القط ده مش هيبات في بيتي ليلة واحدة، ووريني هتعمل ايه!
لم تفترق اعينهما بينما وجد تلك الأظافر تحتك بلحيته
ليحدثه بزجر وغضب شديد بلهجة قاسية وهو ينظر له قاصدًا أن يفعلها:
-
ما تبس أنت كمان.
نظرت نحوه بشفقة بعد أن رأته يشعر بالخوف منه لينظر لها
قائلًا:
-
أنا هقولك هاعمل إيه.
اتجه نحو المطبخ ليُناديها وهو في طريقه:
-
تعالي إن كنتي عايزة تمشيه من البيت
كادت أن تجادله ولكنها سيطرت على غضبها وتبعته بخطوات متأنية
لتتحول أنفاسها لشهيق وزفير منتظم كما أخبرتها "مريم" وتفقدت ما يفعله
لتجده يقوم بفتح وحدة من وحدات المطبخ وهو يترك القط على السطح الرخامي وقام
بإخراج بعض الأشياء:
-
ده الأكل بتاعه، والرمل بتاعه وبلاش تغيري النوع ده
دلوقتي عشان متعود عليه، وهتلاقي هنا جدول تطعيماته والباسبور ورقم الدكتور.. والاطباق
هنا تحت، والبوكس بتاعه في اوضة الهدوم فوق، يا ريت تدفيه عشان هو لسه صغير وممكن
يجيله برد وتابعي تطعيماته كويس، عنده شهرين وكام يوم، وعلى فكرة بدأ ياخد على
البيت كويس بقاله هنا كام يوم!
نظرت نحوه باستهجان لتتحدث بغضب:
-
هو ايه اللي باسبور ورمل وتطعيمات و
-
جربي مش هتخسري حاجة، أو اقولك، اعتبري يا البيت بالقط
يا البيت من غير الـ
سكت من تلقاء نفسه واتجهت أعينهما نحو تلك العلبة المعدنية
التي سقطت أرضًا فتفقده كلاهما بغضب ليموء بنبرة خافتة وارتد للخلف قليلًا ليلتفت
لها وهو يخبرها بجدية:
-
واضح إنه شقي، وريني هتعملي ايه معاه.
اتجه ليغادر لتتبعه وهي تحدثه بانزعاج:
-
يعني ايه ماشي وسايبه، أنا قولتلك مش عايزاه، هو
بالعافية.
لم يتوقف واستكمل طريقه نحو الخارج:
-
مش عافية أنا كل اللي طالبه إنك تجربي، فيه ليه سرير جنب
سريرك والليتر بوكس بتاعه في الحمام اللي فوق في اخر الطرقه.. يا ريت تنضفيه اول
بأول والجوانتيات والجاروف جنب حاجته.. متنسيش تنقلي الجاروف ونضفيه لما تخلصي.
-
استنى هنا.
-
تصبحي على خير.
-
يا عمر انا مش هاعرف اتعامل معاه.
-
أنا متأكد إنك هتعرفي.
-
بقولك مش هاعرف، أنا مبحبش الحيوانات.
-
هيساعدك جدًا.
-
أنت تكلمني زي ما بكلمك
صرخت بجملتها الأخيرة بعد أن هرولت ووقفت أمامه لتمنعه
من المغادرة ناظرة له بغيظ بينما حافظ هو على هدوئه وتفقد ملامحها ليجدها تتحدث
بهدوء استفزه:
-
ترجع وتاخده هو وحاجته
تقدم خطوة للأمام حتى كادت المسافة أن تنعدم بينهما
وأجاب بنفس هدوئها:
-
لأ!
عقدت ذراعيها وهي تشدد على نطقها للحروف بنبرة تهديدية:
-
طب ابقا اعملها كده ومتاخدش القط ده وشوف أنا هاعمل إيه!
بحثت مقلتيه بملامحها وهو يرى عنادها الدائم بما لا تعرف
عنه شيء، لطالما كانت واحدة من عادتها عندما تكون غاضبة، عليه أن يستخدم بعض
مهارات المحامي بداخله مع القليل من معرفته بها وبتفكيرها حتى يُقنعها:
-
مش هقولك إنه شبهك بنفس لون العيون وشقي زيك، بس هتحبيه
جدًا، اسألي مريم، هيبقا مُفيد للمرحلة اللي أنتِ فيها، أنا لما جبت أوفيد وفينوس
ساعـ
-
وهو أنت مش هتبطل تفرض عليا كل حاجة أنت شايفها كويسة من
وجهة نظرك، قولتلك مليون مرة أنا مش زيك!
قاطعته ولم تتحرك من أمامه ليبدأ عقله في التوقف والتراخي
أمام فتنتها وحُسنها الذي اشتاق له ولرؤية ملامحها بهذا الوضوح والاقتراب المحبب
لقلبه بينما جـ ـسده لم يتراخى على الاطلاق بل كان له رأي آخر للاستجابة لما تقع
عليه عيناه:
-
ما أنتِ مش زيي، أنتِ أحسن مني، وكل اللي طلبته هو إنك
تجربي شوية!
-
مش هاجرب ومش هتفرض حاجة عليا، روح خده ومشيه!
فاضت عسليتاها المُصممتان بالإباء الصلب الذي يأبى اللين
ولو لقليل ليتنهد بعمق وهو يبتلع محاولًا أن يُسيطر على هذا الشعور بداخله لترتد
هي للخلف بعد أن لمـ ـسها بأنفاسه واستطاع رؤية ارتباكها الذي أجبر عقله على عدم
تفسيره لكي لا يؤمن بسبب ارتدادها فلو كان خوف سيتألم ولو كان ارتباك بفعل القليل
من الإ ثارة، حسنًا، هو لا يتمنى التفكير في هذا، كان عليه أن يكلمها مُحذرًا
ويختفي من أمامها بسرعة قبل أن تلاحظ ما يشعر به:
-
البيت بالقط، مفيش بيت من غير قط، والورق اللي معاكي لو
فكرتي تعملي بيه حاجة ابقي بليه واشربي مايته ولسوء حظك أنا رجعت اشتغل تاني وفجأة
افتكرت كل القانون اللي نسيته.. لو عايزة تمشيه ابقي مشيه بعد أربعين يوم!
دفـ ـعها للجانب
وهو يتجه للخارج ليخبرها بطريقه:
-
حطيله اكل عشان مكلش بقاله فترة وثبتيله مواعيد الأكل
وبكميات قليلة وبعد الأكل بعشر دقايق طلعيه جنب الحمام بتاعه.
اتسعت عينها لتطلق صوت مغتاظ ثم قامت بصفع الباب خلفه وهي
تشعر بالغضب الشديد وتصاعدت أنفاسها التي احترقت بداخلها لتتجه نحو هذا القط لتنظر
له بانزعاج فحدقها ببراءة واستمر مواءه لتشير له بأن يكف وحدثته بتلقائية:
-
هشش، اسكت شوية، رغاي زيه!
شعرت أن مقلتيه تتسع نحوها ولم تمر دقيقة واحدة دون
عودته لموائه من جديد فنظرت إليه بحزن وهي تقول بقلة حيلة:
-
أنت عايز ايه بقا، أنا مبعرفش أنا في الحيوانات!
أطلقت تأتأة ثم تنهدت وهي تتفقد هاتفها واتجهت سريعًا لأحدى
محركات البحث وكتبت "نونوة القط باستمرار".
قامت بتفقد النتائج سريعًا لترى أول نتيجة بحث كُتب
عليها " 7 أسباب وراء مواء القطط المستمر"!
-
خلاص مواء يعني مفرقتش!
غمغمت بتهكم وانزعاج بينما لم يتوقف الآخر عن المواء لتلتفت
له وهي تزجره:
-
اسكت بقا، خليني أركز شوية!
وجدته يجلس وهو يُنكس رأسه للأسفل لتقرأ ما كُتب أمامها
وهي تحاول أن تختصر قدر الإمكان:
1 من أسباب مواء القطط المستمر فقدان الاهتمام
2 من أسباب مواء القطط المستمر المرض
3 من أسباب مواء القطط المستمر الجوع
4 من أسباب مواء القطط المستمر الإجهاد
5من أسباب مواء القطط المستمر الشيخوخة
6من أسباب مواء القطط المستمر الرغبة فى التزاوج
7من أسباب مواء القطط المستمر الترحيب
حسنًا لا يبدو مريض أو مجهد، ولا يبدو أنه يُرحب بأحد،
ولن يتزاوج وهو في هذه العمر الصغيرة، وليس طاعن في العمر، يبدو وأنه يُريد تناول
الطعام.
تنهدت وهي تترك هاتفها على السطح الرخامي والتقطت تلك
العلبة المعدنية لتقوم بفتحها لتجد مواءه متواصل بشكل لا يُطاق بينما اقترب منها
لتضع هي هذا الطعام الغريب بطبقه ووقفت لتحدق به، هي لا تستطيع الإمساك به، ولو
تركت هذا الصحن بالأعلى بجانبه قد يسقط مثلما فعل بحاوية الطعام منذ قليل.
فكرت سريعًا وحسمت أمرها لتترك الطبق بالأسفل وتوجهت
لترتدي قفاز لكي تُمسكه به وفي لمح البصر وجدته يقفز من الأعلى دون خوف وأخذ يأكل
بنهم!
تفقدته وهي لا تدري هل هذا خطأ أم لا، كانت فكرة غبية،
هل أصابه شيء ما وهو يقفز هذه المسافة؟ كيف لها أن تعرف هذا!! هذا الغبي، لماذا
آتى لها بهر؟ ما ذنبها هي لتحمل التعامل مع كائن صغير للغاية مثله! هل تقوم بفتح
الباب له ليذهب للحديقة؟
تفقدته مرة ثانية وهي تشفق على مدى ضآلته ورأته وهو
يُنكس رأسه بالطبق وهو يلتهم كل ما به لتمط شـ ـفتيها ثم ارتدت القفاز وقامت بمـ
ـسه بسبابتها بسرعة وابتعدت عنه فورًا لتجد ملمـ ـسه غريب ففعلتها مرة ثانية وهي
تمرر اصبـ ـعها فوق رأسه ومن ثم إلى قدمه وهي تستكشفه لتجد قدمه باردة للغاية!
-
يووه، أنا مبعرفش اتعامل بقا مع الحاجات دي.
همست بها وهي تطلق تأتأة وشعرت وكأنها تائهة في كل هذا
لتحسم أمرها بأن تذهب وتتركه في ملجأ أو لوالدتها وأخيها، هي لن تصمد مع هذا
الكائن الصغير!
تناولت هاتفها وخلعت القفاز وهي تهاتفه وبمجرد اجابته
هتفت به ولكن بتوتر:
-
دلوقتي القط ده سقعان جدًا يبقا لازم يروح لدكتور ولا
اعمل ايه انا، أنا مش عارفة اتعامل معاه خالص.
-
دفيه، وقفيه في مكان دفا شوية وخديه في حضنك وقعديه في
سريره وغطيه.
-
لا مش هاعرف أنا امسكه، وبعدين ده نط من فوق لتحت على
ارض المطبخ وأكيد حصله حاجة.
-
متخافيش، هو ايه اللي خلاه ينط؟
-
لما شاف الأكل على الأرض نزل بسرعة وانا ملحقتش انزله
بنفسي
-
طيب معلش عشان جعان، بعد كده متبقيش تطلعيه مكان عالي
لغاية ما يكبر ومتنسيش تحطيله مياه يشرب.
-
أنت أصلًا اللي طلعته، تعالى وقفه في حتة دافية ولا
اتصرف معاه.
-
الساعة بقت عشرة ونص، أنا بصحى بدري، تصبحي على خير.
هل هذا الوغد أنهى المكالمة معها؟ ما الذي يعنيه بأنه
يستيقظ مبكرًا؟ هل ستقوم هي بحمله؟ هل سيتحمل هذا؟ يبدو صغير للغاية! يا لحظها
اللعين.
أخذت تنظر له بشفقة وتذكرت كيف كان يحمله لتتقزز هي
بينما فكرت لتقوم بحمل الطبق أمامه وهي تتحدث له اثناء اتجاهها لغرفة الجلوس:
-
برافو، تعالى معايا كده، شاطر، كمان شوية معلش.. ايوة،
برافو، كمل اكلك بقا.
زفرت براحة وهي تجلس أمامه على الأريكة وتتابعه بينما
استمعت لجرس الباب فتذكرت الطعام الذي قامت بطلبه فقامت باستلامه ودفعت النقود من
حقيبتها التي ما زالت بجانب الباب واتجهت من جديد لتتابعه وهي تضع الطعام أمامها
وشعرت بالغيرة منه للغاية ولكنها اطمأنت أنه توقف عن المواء فتناولت هي الأخرى طعامها
بنهم شديد فلقد كانت تضور جوعًا واقتنعت أنها عليها أن تتعامل معه فقط حتى الصباح
لترى ما الذي يُمكنها أن تفعله.
انتهى كلاهما من الطعام بينما وجدته لا يتوقف عن المواء
مرة ثانية لتنظر له بقلة حيلة لتسأله بنبرة مُتعبة:
-
أنت عايز ايه تاني بقا؟ مش أكلت؟
حاولت الاعتماد على ذاكرتها في كل ما قاله وكل ما قرأته وهي
تستمر في النظر إليه بانزعاج ممزوج بشفقتها لتتردد قليلًا ثم حملته بعد أن تذكرت أن
عليها وضعه بالقرب من المرحاض بالأعلى ليقضي حاجته!
تصاعدت ضربات قلبها وهي تشعر بشعور غريب لملمـ ـس شعره
وتوجهت بسرعة للأعلى لتتركه ثم قامت بإضاءة المرحاض وسألته:
-
هو ده اللي أنت عايزه؟
وجدته يحاول الدخول لهذا الصندوق الممتلئ بالرمل فرفعت
حاجبيها باندهاش وهي تُفكر، في المرة الأولى كان يريد تناول الطعام والآن يُريد أن
يُقضي حاجته.
تنهدت واتجهت لخارج المرحاض بعد أن نظر لها باستغراب
وعقدت ذراعيها في انتظاره ولم تمر سوى دقيقة لتجده يتجه للخارج ووقف بجانبها ورفع
عينيه نحوها فنظرت له ووجدته يمر من بين قدميها لتتأهب في مكانها خوفًا من أن تطأ
بقدمها عليه من جديد ولكن ما جعلها تتقزز هي تلك الرائحة البشعة التي انسابت
لأنفها! ربما كان معه حق بالتخلص من تلك الفضلات أول بأول!