رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 3 - 2
رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثانيمن قصص وروايات الكاتبة سماح نجيبالجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
الفصل الثالث 2
زفرت بقوة ودفعت القفص بخفة متأرجحاً يميناً ويساراً ، فأسندت ذراعيها على سور الشرفة وأنحنت تنظر للمارة بالشارع ، أراد ديفيد الخروج من سيارته وأن يذهب إليها ، ليقف أسفل شرفتها كالعاشق المستجدى لمحة من العطف من معشوقته ، أو كروميو الذى جاء خلسة كالعاشق السرى لرؤية جولييت ، فحقاً عشقه لها مستحيل ، كقصص العشق التى تنتهى عادة بالفراق أو موت أحد العاشقان
ولكن ما أن مد يـ ـده لباب السيارة ، حتى تراجع باللحظة الأخيرة ، وعنف ذاته قائلاً بغيظ :
– إيه اللى أنت بتعمله ده ، ده إسمه جنان ، أنتوا الاتنين عمركم ما هيكون فى بينكم حاجة أبداً ، أعقل بقى يا مجنون
ما أن أنتهى من توبيخ ذاته ، رآى ذلك الشاب ، الذى من المفترض أنه خطيبها وبالقريب العاجل سيصير زو جاً لها ، فعادت إليه نيران غيرته ، وما همس به لنفسه من برهة ، صار بطى النسيان ، ولم يعد يتذكر شئ ، سوى أن ياسمين لا يمكن أن تكون لأحد غيره
نظر بمرأة السيارة الجانبية ، فرآى تلك السيارة السوداء التى تقف على بعد عدة أمتار منه ، فما أن أمعن نظره بالمرآة وحدق بها جيداً حتى علم أن تلك السيارة تابعة لأحد رجال عمه أدريانو ، فتلقائياً إتسعت حدقتيه ما أن جال بخاطره ، أن عمه صار يعلم بأمر ياسمين ، فقاد سيارته وغادر بها من الحى الذى نبت به عشقه المستحيل
وما أن وصل لمنزل أدريانو وولج للداخل ، حتى سمع صوت عمه يصدح بغرفة المعيشة وهو يناديه بأمر :
– أهلا يا ديفيد بيه تعال ، مش عوايدك ترجع بدرى يعنى خير إنت عيان ولا الخمرة خلصت من البار
وضع ديفيد يـ ـديه بجيبه وولج منكساً رأسه كطفل مذنب ، إلا أنه حاول أن يخرج صوته هادئاً:
– هو غريبة يعنى يا عمى إن أرجع البيت ، أنا رجعت وكنت بفكر أسافر صقلية اليومين دول
وضع أدريانو كأس النبيذ من يـ ـده ورد قائلاً بإبتسامة ماكرة :
– وعايز ترجع صقلية ليه يا ديفيد ، ومعقول تسيب أختك فى ظروفها دى بعد جوزها ما سابها وسافر ومش باينله رجوع ، مش لازم نفكر هنعمل معاها إيه
زفر ديفيد عدة زفرات حانقة ، خاصة أن عمه أدريانو جعله يشترك معه بتلك الحيلة التى هدمت حياة شقيقته بدون أن يعلم ، فهو منذ أن وعى على مدى إنغماسه هو الآخر بالعشق ، لم يعد يفكر بشأن تخر يب حياة شقيقته حياء ، بل أنه نسى الأمر برمته ولم يعد يفكر سوى فى أن يجعل ياسمين تشعر به وبحبه
فصاح ديفيد قائلاً بإستياء :
– وهو كان مين السبب فى اللى حصل مش أنت ، وأنا غبى ومأخدتش بالى أن راسل سمع كلامنا مع بعض ، وحاولت تبينله أن حياء رجعتله علشان تنتقم منه وكمان ممكن تأذيه وتأذى بنته ، فطبيعى كان لازم يسيب البلد ويسافر طالما مفكر أن مراته عايزة تنتقم منه ، وأدى أختى هتموت من كتر زعلها وحزنها عليه
رفع أدريانو حاجبه من هجوم ديفيد الضارى بحديثه ، فتيقن من أسباب دفاعه المستميتة الآن عن حياة شقيقته ، فترك أدريانو مكانه وأقترب منه ووقف قبالته يرمقه بنظرات متفحصة سرعان ما تبعها بصفعة مدوية على وجهه ، وقبض على تلابيب ثيابه وهو يصرخ به بجماع صوته:
– دلوقتى أتأكدت من سر دفاعك عن اللى حصل ، علشان أنت كمان دوقت العشق يا روميو مش كده ، وحبيت مين بنت ومسلمة ومش بس كده مخطوبة وقربت تتجوز وأبوها شيخ وإمام مسجد ، لاء بجد برافو يا ديفيد
ما أن سمع ديفيد حديث أدريانو ، حتى صار الخوف يتسابق مع دماءه فى السريان بعروقه ، فليس هناك شك من أن طالما عمه بات يعلم بما كان يخفيه ، سيحاول إيذاءها مثلما تسبب بإيذاء ذلك الشاب الذى وقعت بيرى بعشقه ، ولكن لا فهو لن يسمح له المـ ـساس بها ، حتى وإن كان هو عمه ومن رباه منذ صغره
فرفع ديفيد سبابته يشير لعمه بتهديد ووعيد :
– ياسمين لو جرالها حاجة يا عمى أنا هو لع فى الكل ، كله إلا هى ماشى
دفعه أدريانو حتى كاد يترنح بوقفته ، وصاح به قائلاً وهو يشير لباب الغرفة :
– اتفضل روح على أوضتك ومش عايز أشوف وشك النهاردة خالص أنت فاهم
أمتعض ديفيد من صرفه له بتلك الطريقة ، كأنه طفل وأذنب وحان وقت عقابه ، إلا أن ذلك لم يمنعه من الخروج من غرفة المعيشة وذهب لغرفته وهو يفكر بحل لحماية ياسمين
بينما ذهب أدريانو لتلك الغرفة التى كانت فيما مضى لشقيقه دانيال والد ديفيد وحياء ،ولج الغرفة وأغلق الباب خلفه ، ووقف أمام صورة شقيقه واضعاً يديه بجيبى بنطاله قائلاً بنظرة شاردة :
– وبعدين فى ولادك دول يا دانيال ، هم ليه مصرين يخرجونى عن شعورى ولولا بس أنهم مهمين ، كان زمانى أرتاحت منهم من زمان ، ما هو محدش منهم يعرف أن كل أملاك إسكندر شمعون دى بإسم ديفيد وبنتك إنچيل قصدى حياء ، ماهو أنت متعرفش أن بنتك بقت مسلمة ، لاء وتتجوز أخو وجدى النعمانى ، اللى اتسبب هو ومراد الزناتى ، فى قـ ـتلك أنت ومراتك وولادك وانا وقفت عاجز قدام قرار الجبابرة اللى أصدروا حكم بقـ ـتلك ، لأن حياتك كانت قصاد حياتى ، أنا مكنتش حابب ده يحصلك ، بس مقدرتش أتكلم ولا أعمل حاجة ، لأن اللى بيدخل" جحر الشيطان " مبيعرفش يخرج منه يا دانيال إلا ميت
داهمته ذكرى مقـ ـتل شقيقه بذلك اليوم ، الذى كان على وشك الإحتفال بذكرى زواجه ، فبعد إكتشاف الشرطة أمر تلك الشحنة من المواد المخدرة المندسة بإحدى شحنات الإستيراد الخاصة بشركة النعمانى والزناتى ، وتسبب ذلك بخسائر فادحة لتجار تلك السموم ، تم تدبير حادث مقـ ـتل دانيال ووجدى ومراد من قبل هؤلاء الأشخاص ، الذين يعمل تحت إمرتهم أدريانو ، فكانت فاجعة له بأن يرى إسم شقيقه مدرج على لائحة القـ ـتلى من قبلهم، وتم إجباره على أن يتقبل الأمر رغماً عنه ، فتم ترتيب الحادث الخاص بشقيقه بتخريب مكابح السيارة بل لم ينتهى الأمر لهذا الحد بل تم زرع إحدى المتفجرات بالمحرك ، ولم ينجو من الحادث سوى حياء ، التى إستطاعت خالته مارجريت الهروب بها ووضعها بإحدى دور رعاية الأطفال ، وديفيد الذى إستطاع هو إنقاذه وظل بغيبوبة لمدة إسبوع كامل من أثر الحادث ، وما أن إستعاد وعيه حتى بدأ أدريانو بإخباره أن من تسبب بمقـ ـتل عائلته هما وجدى النعمانى ومراد الزناتى ، فشب ديفيد على كراهيتهم لاعتقاده بأنهم هم من تسببا بمقـ ـتل عائلته ، فطمأنه بأنه سيثأر له ودبر حادث وجدى ، ومن ثم قـ ـتل عائلة الزناتى ، بعد تخريب أواصر المودة بينهما وساعده بذلك فواز ، ولكن مازال يكن الكراهية لهاتان العائلتان كون إثنان من رجالها تسببا بمقـ ـتل شقيقه الأكبر ، حتى وإن لم يكونا مذنبان بذلك ، بل الذنب يقع على عاتقه هو، لإتباعه طريق الشيطان من البداية
❈-❈-❈
خالفت حياء تلك الأوامر ، التى أصدرها والد زو جها ، بعدم تركها لغرفتها ، حتى تتماثل للشفاء بصورة نهائية ، فهى لم يعد لديها الصبر الكافى للإنتظار أن ترى تلك الفتاة ، التى أدعت إنها إيلين النعمانى ، وساهمت بتحريض زو جها على تركها وترك المنزل ، فرياض أخبرها بشأن أنه إستطاع إستخلاص بعض المعلومات من تلك الفتاة بعد جهد ، ومنذ ذلك الحين ، وحياء تشعر بأنها تريد تمز يقها أرباً أرباً ، ألا يكفيها أنها كانت ستأخذ منها زو جها ، وجعلت نيران الغيرة تفتك بها ، لتأتى الآن وتسمم أذنيه ضدها ، مما جعله يرحل عنها ، غير عابئ بألا مها وأوجـ ـاعها ، فما الذى أخبرته به تلك اللعينة ، جعله يتصرف على هذا النحو القا سى والمؤ لم ؟ فرياض لم يخبرها إلا اليسير ، وريما نبع ذلك من خوفه أن تشتد حالتها النفسية سوءاً
تركت غرفتها وهبطت الدرج بخطوات تكاد لا تسمع ، فالوقت متأخراً وكل من بالمنزل خلدوا للنوم ، خرجت من المنزل حتى وصلت لذلك المبنى السكنى بالحديقة ، وجدت إثنان من الرجال يحرسان ويراقبان المبنى ومن تسكنه حالياً ، فخطت تجاههما بخطوات هادئة
فرفعت يـ ـدها وأشارت للباب وهى تقول بما يشبه الأمر:
– أفتحوا الباب ده علشان عايزة أدخل
نظر الحارسان لبعضهما البعض ، ورد أحدهما قائلاً بإحترام :
– متأسفين يا مدام حياء ، بس رياض باشا مشدد أوامره محدش يدخل ولا يخرج من هنا غيره هو بس ، ومعندناش أوامر ندخل حد تانى ، فأنا أسف
صاحت حياء بوجه الحارس قائلة بأمر ونفاذ صبر :
– بقولك أفتح الباب ده ومش عايزة كلام كتير
بصياحها بوجهه أمتثل الحارس لقول زو جة إبن سيده ، ففتح لها الباب وسرعان ما ولجت للداخل ، وجدت تلك الفتاة مستلقية على الفراش المتهالك ، فلم تمهلها فرصة لقول شئ ، إذ جذبتها من خصيلاتها وهى تهدر بصوت عالى :
– قوليلى عملتى إيه ولا قولتى إيه خلتيه سابنى وسافر إنطقى
حاولت جاهدة تخليص شعرها من بين يـ ـديى حياء القابضتان عليه بقوة كادت تقتلعه من جذوره ، فلم يكن أمامها حل سوى دفع حياء عنها
فصرخت قائلة وهى تدفعها عنها بعـ ـنف :
– أبعدى عنى وسيبينى
ظلتا تنظران لبعضهما البعض كهرتان شرستان على وشك بدأ عراك دامى وحامى بينهما ، فألتوى ثغر تلك الفتاة وهى تقول بشماتة :
– متتخيليش يا حياء أنا مبسوطة قد إيه بقهرتك وأن راسل سابك وسافر وهتتعذبى فى بعده عنك علشان عارفة أنك بتحبيه ومتقدريش تعيشى من غيره ، ولما جالى قبل ما يسافر وقالى انه عارف إن أنا مش إيلين كان لازم أهدم حياتك قبل ما أمشى ، لأن أنا كمان حبيته وأتمنيت التمثيلية تطول وأبقى مراته بجد ، بس هو عينيه مش عارفة تشوف حد غيرك مع أن أنا أحلى منك ، فكان لازم أطفى النار اللى فى قلبى وأشوفك أنتى كمان محرومة منه زى ما كنت هتحرم أنا كمان منه ، بس الصراحة متوقعتش أنه هو اللى يسافر ، اتوقعت يطلقك أو يطردك برا قصر النعمانى ، خصوصاً لما قولتله أن اللى بعتنى هنا ديفيد أخوكى وأنهم عايزين يقتلوه ويقتلوا بنته لأن أنا عارفة كل اللى بيخططله ديفيد وأنك بتساعديهم على كده ، يعنى أن وجودك فى قصر النعمانى ، كان علشان تدمريه ، وأن كل حبك ليه ده مزيف وطبعاً هو صدق بسبب تصرفاتك معاه اللى مكانش فاهمها ، وشكله كده كان على أخره وما صدق وساب البلد كلها ، فمبروك عليكى وجع القلب يا حياء
لم تنتظر حياء سماع كلمة أخرى منها ، فغرزت أظافرها بوجه تلك الفتاة ذات النظرات الشامتة ، فبدأ العراك بينهما ودلفا الحارسان بعد سماع صوت صراخهما ، فحاول أحد الحراس ، فض ذلك الشجار الأنثوى ، الذى أسفر عن بعض الخدوش بوجه حياء ، فكلما حاول الحارس سحبها من ذراعها ، تعود وتصفع تلك الفتاة وهى تصرخ بصوت هيستيرى :
– أنا هـقـ ـتلك أنتى واللى كان السبب
ما أن إستطاع أحد الحارسان إبعاد حياء عن تلك الفتاة ، حتى إستطاعت إيلين سحب ذلك السلاح النارى من خصر الحارس ، فإستقامت بوقفتها وجذبت حياء إليها ولفت ذراعها حول عنقها ووضعت فوهة المسدس بجانب رأسها قائلة بتهديد :
– محدش يقرب خطوة واحدة وإلا هفجر دماغها مفهوم ، أبعدوا عن الباب علشان أخرج
رفع الحارسان إيـ ـديهما وتنحيان جانباً ليسمحا بمرورهما ، فلو أصاب حياء مكروه لن يبقى عليهما رياض النعمانى ، فياليتهما لم يخالفا أوامره ، فحتى الحارس الآخر عاجزًا عن إخراج سلا حه النارى ، خشية أن تتأذى سيدة القصر الصغيرة
خرجتا للحديقة وحياء تكاد تشعر بنفاذ الهواء من رئتيها من إحكام ذراع تلك الفتاة حول عنقها حتى كادت تخنقها ،ولكنها لم تجد مفر من المجازفة ، فلكمتها بمرفقها بمنتصف بطنها ، فأرخت إيلين يـ ـدها عنها ، وما أن إبتعدت حياء عن مرماها حتى رفعت يـ ـدها وكادت تصيبها بعيار نارى ، لولا إسراع أحد الحراس بإطلاق النار على تلك الفتاة التى سقطت صريعة على الفور ، لإختراق تلك الرصاص جـ ـسدها ، فصُدمت حياء من رؤيتها لجـ ـسد تلك الفتاة التى سال دماءها وأيقنت أنها فارقت الحياة
❈-❈-❈
غرز أصابعه بين خصيلاته وهو منكفأ على مطالعة تلك الأوراق الموضوعة أمامه على المكتب ، فداهمته ألام شديدة بالرأس ، من كثرة قراءته لتلك الأرقام والتقارير الخاصة بإحدى المصانع التابعة له ، فإن كان أنهى تحصيله الدراسي بإدارة الأعمال ، فليس هذا معناه أنه كان يريد أن يقضى معظم أوقاته بين الأوراق والأرقام ومتابعة خط سير العمل بالشركات والمصانع ، التى آلت إليه إرثاً من أبيه ، مد يـ ـده لأخذ قدح القهوة ، التى لا يعلم منذ متى وهو أمامه ، ولكن ربما تخطى الوقت الذى يمكنه من إحتساءه دافئاً ، فالقهوة باردة كالماء ولم تعد تغريه على إحتساءها ، لذلك أعاده مكانه وهو يهم بالضـ ـغط على الزر الخاص بإستدعاء السكرتيرة من أجل أن تجعل العامل يعد له قدحًا أخر ، ولكن سمع صوت طرق على الباب ولجت على آثره السكرتيرة
فأقتربت من المكتب وهى تقول بإحترام جم :
– عمرو بيه فى أنسة عايزة تقابلك برا ضرورى
تلاحما حاجبيه متسائلاً بدهشة:
– أنسة مين دى خليها تدخل
وقفت السكرتيرة على عتبة الغرفة ، ودعت سهى للدخول ، فما أن ولجت للغرفة ، خرجت وأغلقت الباب خلفها ، وظل عمرو جالساً مكانه بإنتظارها أن تبدأ الحديث ، فما أن اطمئنت سهى أنهما بمفردهما ، حتى صاحت بوجهه وعروقها نافرة :
– إيه اللى أنت عملته ده ، يعنى قولت هتساعدنى رايح توقعنى فى مصيبة أكبر ، رايح تطلب إيدى من بابا أنت أتجننت
ترك عمرو مقعده. ودار حول المكتب الخشبى قائلاً ببرود :
– مش تقولى السلام عليكم الأول داخلة تعلى صوتك وتزعقى دا جزائى أن أنا عايز أخلصك من مصيبتك اللى هتقعى فيها
ألتوى ثغر سهى بإبتسامة ساخرة وردت قائلة بإمتعاض :
– وأنت شايف أن الحل بتاعك ده هو اللى هيخلصنى من مصيبتى ، يعنى متجوزش ابن عمى ، اقوم اتجوز واحد شغال فى عصابة وكمان شمام ومدمن ، دا الموت أرحملى من البهدلة دى
فإن كان الصداع نخر رأسه بدون رحمة ، فحديث تلك الفتاة جعله يصل لأقصى درجات الغضب والألم ، خاصة أنها لم تحاول بمرة أن تنمق حديثها ، بل تقذفه بالحقيقة مجردة من أى تزييف ، ولكنه حاول ضبط أعصابه فالغضب والعصبية لن يساهمان بحل الأمر بل سيزيدان من تعقيد الأمور
فرفع يده يشير لها بالجلوس قائلاً برفق :
– طب اتفضلى اقعدى خلينا نتكلم بهدوء وياريت تهدى وتوطى صوتك انا مصدع لوحدى ومش ناقص وجع دماغ ، اقعدى وهفهمك أنا عملت ليه كده
جلست سهى على المقعد بإستياء وضمت ذراعيها ونظرت إليه بوجوم ، فجلس عمرو قبالتها على المقعد الآخر ، فأنحنى قليلاً للأمام وشبك يديه ببعضهما وقال بهدوء :
– أولاً أنا عايزك تعرفى أنا لا هتجوزك ولا حاجة ولا أنا أصلاً حابب أتجوز ، أنا طلبت من باباكى ان اتجوزك على اساس نتخطب سنة أو أكتر تكونى خلصتى الثانوية ودخلتى الجامعة وساعتها بس هنفسخ الخطوبة ، يعنى الموضوع مجرد خطوبة بس حتى ممكن متشوفنيش فترة الخطوبة لأن هبقى مشغول يعنى هنمثل إن إحنا مخطوبين مش أكتر ، وأهو تكونى خلصتى من جوازة ابن عمك وفى نفس الوقت دخلتى الجامعة ، لأن هطلب من باباكى مش هنتجوز إلا لما تخلصى على الاقل سنة أولى كلية ، يعنى هماطل مع باباكى فى فترة الخطوبة فهمتى وأنتى مش هتخسرى حاجة ، دبلة هتحطيها فى ايدك وخلاص وعلى حـ ـس الخطوبة دى هتعملى اللى أنتى عيزاه فهمتينى
بعد أن أنهى عمرو حديثه ، حدق بها وأنتظر ردها ، ولكنها ظلت صامتة تنظر أمامها بشرود ، كأنها تحاول العثور على رد مناسب لما اقترحه لتوه ، ولكنها لم تجد ما تقوله ، فمنحت ذاتها وقت إضافى للتفكير ، تمثل ببضع دقائق أخرى ، فوضع عمرو رأسه بين يديه ريثما تنتهى من التفكير بإقتراحه
فنظرت إليه سهى وهى تقول بتوجس :
– يعنى أنا لو وافقت على إقتراحك ده مش هتحاول تستغل الظروف وتتجو زنى بجد ، ثم لو اتخطبنا ما اكيد اهلى هيتوقعوا أنك تيجى تزورنا وتسأل عليا بحكم إن خطيبتك هقولهم إيه
رفع عمرو وجهه لها ورد قائلاً بكذب وهو ينقر بأصابعه على حافة المكتب :
– باباكى عارف حجم المسئولية اللى عليا ، وهيبقى عارف أن معظم وقتى مشغول بالشغل ، ووقت ما تحسى ان ممكن يشكوا فى حاجة ، هبقى أجى ازورك واسأل عليكى ، وأنتى ابقى قوليله أن بكلمك كل يوم فى التليفون ، و متخافيش لا هستغل الظروف ولا حاجة ، علشان أنا أصلاً بحب واحدة فى أمريكا ومرتبط بيها وإحتمال نتجوز كمان ، فأطمنى خالص من ناحية الموضوع ده ، مجرد ما تبقى اطمنتى من ناحية دارستك فى الكلية ، خلاص مش هتشوفى وشى تانى
هزت سهى رأسها بهدوء ، دلالة على إقتناعها بحديثه ، فكل ما يعنيها بهذا الأمر ، أن يتركها والدها تنهى تحصيلها الدراسى بالجامعة وبالكلية التى تريد الدراسة بها ، فتركت مقعدها وإستأذنته بالمغادرة ، خرجت وأغلقت الباب خلفها ، تتمنى أن تسير الأمور مثلما أخبرها عمرو ، فهى حتى الآن لم تعرف قرار أباها النهائى بشأن تلك الزيـ ـجة
دار عمرو حول المكتب فأخذ سترته الموضوعة على ظهر المقعد وتأهب للعودة للمنزل ، فخرج من الشركة وأخذ سيارته فقادها بهدوء وهو يفكر فيما يحدث معه بتلك الآونة ، ومنذ متى وهو يرغب بمساعده الآخرين ، ولما ذلك الإصرار والعزيمة اللذان تملكا من حواسه فجأة جعلاه يريد التوقف عن تعاطى المخدرات والاقلاع عن تلك الموبيقات التى كان يفعلها ، ولكن ما كاد يمر برهة قصيرة حتى نفض عن ذهنه ما اعتراه ، وعادت نفسه توسوس له بأن الدرب سيكون وعرًا محفوف بالألم الذى يرى أنه بغنى عنه بوقته الحالى
ما أن وصل للمنزل نادى الخادمة التى جاءت إليه مهرولة ، فنظر إليها متسائلاً:
– هى ماما وجو زها فين مش شايف حد فيهم
ردت الخادمة قائلة وهى تحنى رأسها إحترامها لسيدها :
– خرجوا يا عمرو بيه من بدرى ، الهانم قالت انهم هينزلوا يتمشوا شوية وهيرجعوا
تمنى عمرو ألا يعود ذلك الرجل المسمى زو ج والدته ، فصعد لغرفته وولج للمرحاض وهو يخلع عنه ثيابه لشعوره الشديد بالضيق ، فبعد أن أنتهى من الإغتسال ، وقف أمام تلك المرآة بالمرحاض ، وجفف خصيلات شعره الطويلة عن الطول المعتاد لشعر الرجال ، فدائمًا ما يترك خصيلاته من الأمام طويلة إلى حد ما ، ومن الخلف يتركها قصيرة ، فما أن غرز أصابعه بين طيات شعره ، تذكر قول سهى له ذات مرة ، من أن يحتفظ بنقوده من أجل قص شعره ، الذى يجعله شبيهاً بالإناث ، فما أن تذكر هذا الحديث ، إعتلت ملامح التجهم قسمات وجهه ، وأتجهت عيناه تلقائياً لماكينة قص الشعر
بتردد بدأ بتشغيلها ووضعها على مقدمة شعره ، فأغمض عينيه وترك يـ ـده تتجول بالماكينة على رأسه من الأمام للخلف ، حتى أزال خصيلاته كاملة ، ولم يتبقى سوى شعر قصير ، كأنه نبت حديثًا برأسه ، نظر بخواء للشعر الملقى على أرضية المرحاض ، فعاد ونظر بالمرآة ، وتعجب من مظهره الجديد ، الباعث على إثارة الدهشة ، ولكن ذلك لم يكن يجعله يشعر بالسوء ، بل أنه أغتسل مرة أخرى وخرج من المرحاض وهو يطلق صفيرًا بصوت عالى ، كأنه سعيد بما فعله
ولكن ما أن خرج من المرحاض ، رآى زو ج والدته يقف على عتبة باب الغرفة واضعاً يـ ـديه بجيبى بنطاله ، ويلوى فمه بإبتسامة ماكرة ، فقال بصوته الباعث على الضيق والنفور بصـ ـدر عمرو :
– إيه ده أنت حلقت شعرك يا عمرو ، تصدق أتفاجئت بشكلك ده
أطـ ـاح عمرو بالمنشفة التى كان يجفف بها وجهه ، فصاح بوجهه بإنفعال :
– أنت إيه اللى جابك هنا لحد أوضتى وعايز إيه ، أنت مكانك بس فى الأوضة اللى سمحتلك تقعد فيها ، فأمشى من قدامى دلوقتى أحسن لك
تمنى عمرو لو يأخذ زو ج والدته بحديثه ويخرج من الغرفة ، فتلك القطعة المعدنية التى تمثلت بسلاح نارى من الطراز الحديث ، أغرت نفسه بأن يفرغ كامل طلقاتها بصـ ـدر هذا الرجل القمئ ، ولكن هذا لن يكون كافياً لإخماد نيران ثأره ، فهو يريد أن ينتـ ـزع أنفاسه الواحد تلو الأخر ، حتى يستجديه بأن يقـ ـتله لكى ينول راحته من العذ اب ، فزو ج والدته ظن سكوته وصمته على إقامته بالمنزل ، على أنه مازال يخشاه ويرهبه مثلما كان طفل صغير ، ولكنه لا يعلم أنه بمدة زمنية قصيرة ، أصبح عمرو أكثر خطورة وخاصة بعدما إستلم إرث والده المشروع والغير مشروع
ولكن زو ج والدته لم يستمع لحرف واحد من تهديده له ، بل أنه أكمل سيره حتى وصل إليه بمنتصف الغرفة ، فوضع طرف سبابته أسفل ذقن عمرو قائلاً بشماتة :
– هو أنت فاكر أنك لما تحلق شعرك هتبقى راجل يا عمرو يا حبيبى ، ولا ده تأثير العروسة الجديدة ، خايف لتعرف حاجة عن ماضيك
لم ينفعل عمرو وربما ساهمت جرعة المخدر ، التى تناولها منذ ساعة تقريباً ، بأن تتبلد حواسه ، علاوة على إحكامه سيطرته على ردود أفعاله ، لكى لا يحقق زوج والدته مراده بأن يخرجه عن طوره ، مثلما كان يفعل معه سابقاً ، مهدداً بمعاقبته بأسوء أنواع العقاب
أزاح عمرو يـ ـد زو ج والدته ورد قائلاً بإبتسامة إجتمعت بها كل نوايا الشـ ـر :
– أنا مبقتش أخاف ، لأن معنديش حاجة أخسرها أكتر من اللى خسرته فى حياتى ، وإن كان على العروسة الجديدة ، فيمكن أن هى دى اللى هتخلينى أحط كل واحد بالمكان اللى يستحقه
لم يفهم زو ج والدته شيئًا من حديثه المبهم والغامض ، ولكنه ظن أنه يقول ذلك من أجل إظهار تلك الشخصية الجديدة التى إكتسبها مؤخراً ، أى منذ مجيئه للإسكندرية ، ولكنه لا يعلم ما يخبأه له من مفاجئة ، حتماً ستصيبه بصاعقة وربما تفقده الإدراك السليم وستفلت من يـ ـده كل زمام الأمور
فأرتد خطوة للخلف وقال بإبتسامة هازئة :
– فعلاً كل واحد هيبقى فى المكان اللى يستحقه ، أنا الكلام أخدنى وكنت هنسى أقولك أن فى ضيف جه تحت بيسأل عليك وعايز يشوفك ضرورى
تلاحم حاجبىّ عمرو بتقطيبة عميقة ، فحدق بوجهه متسائلاً بريبة :
– مين ده اللى جه تحت ؟
رفع زو ج والدته يـ ـده يشير تجاه باب الغرفة وهو يقول بدهاء :
– أنزل بنفسك لأوضة الصالون هتلاقيه مستنيك هناك
لم يزد حرف واحد ، بل أنه خرج من الغرفة على وجه السرعة ، فذهب عمرو لغرفة الثياب وإرتدى ما قابله ، ليذهب ويرى من يكون هذا الزائر ، فهبط الدرج بخطوات سريعة حتى وصل لغرفة المعيشة ، ولكن ما أن خطى عمرو خطوتين بداخل الغرفة ووجد ذلك الزائر جالساً مع والدته وزو جها ، ويبدو عليهم أنهم منهمكين بحديثهم ، حتى فغر فاه وصُدم من رؤيته
فتحشرج صوته وهو يقول بإندهاش مخلوطًا بحروفه المتلعثمة :
– مـ معقولة ، طـ طب إزاى
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية