رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 3 -1
رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب
الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق
رواية لا يليق بك إلا العشق
الفصل الثالث 1
" عيناكِ مرآة أوجاعى"
مازال فاغرًا فاه وهو يحملق بوجه تلك الحسناء ، يسأل ذاته من أين أتت ؟ فهل هى من تقا تل معها منذ برهة ؟ ولكن لم يكن العراك بينهما يوحى بأن خصمه فتاة ، فتلك المهارة الفائقة بالقـ ـتال ، ظن أن من يملكها رجل خبير بالفنون والمهارات القـ ـتالية ، لينكشف الأمر سريعاً ويعلم أن الخصم أو اللص ، لم يكن سوى فتاة جميلة ، عيناها تطالعه بوحـ ـشية ، كأنه هو من سطا على منزلها وليس العكس مثلما حدث منها ، فهى من تسللت لمنزله ويبدو عليها أنها كانت تبحث عن شئ بعينه ، وعندما أنكشف أمرها ، شعرت بالإنزعاج ، كأنه لا يحق له أن يعيقها عن أداء مهمتها التى جاءت من أجلها ، فما أن رآها تترك مكانها وتستقيم بوقفتها ، سريعاً أخذ سلا حه النارى ، الذى سقط من يده بجانب أحد الأرائك
فرفع يـ ـده به مزمجراً:
–قفِ مكانكِ ، من أنتِ ماذا تفعلِ هنا؟
زفرت بخفوت ورفعت أناملها وتحـ ـسست وجنتها ، التى لكمها بقوة ، كاد على إثرها تفقد أسنانها ، فغمغمت بضيق وصوت خافت :
–اللعـ ـنة عليك يا رجل ، لقد كدت أن تكسر فكي بيدك الثقيلة
قطب راسل حاجبيه بتعجب من سماع صوتها وهى تتحدث باللغة الفرنسية بطلاقة ، فأرتخت يـ ـده قليلاً ورمقها بشك ، وما لبث أن سألها بإلحاح :
–سالت من أنتِ وماذا كنتِ تفعلِ في المطبخ ، هيا قولي ، أو سأطلق عليك النار في الحال
أزاحت غطاء الرأس الخاص بكنزتها ، ووضعت يـ ـديها بجيبى الكنزة ، وظلت على صمتها ، كأنها سعيدة بأن تصل به لأقصى درجات الغضب والفضول ، ولكنها لم تمنع عيناها من تأمله ، خاصة بعد أن عملت على تمزيق ثيابه من الأعلى ، ولا تعلم سر إندفاعها بأن تقـ ـاتله بشـ ـراسة ، فالمطبخ والصالة كانا كحلبة للقـ ـتال ، ودل على ذلك تلك الفوضى ، التى حدثت أثناء عراكهما
وضعت شعرها خلف أذنها وردت قائلة بإبتسامة جافة بعض الشئ :
– كان هذا المنزل ملكي من قبل ، لقد استأجرته منذ حوالي عام ، لكن ذلك المالك اللعـ ـين لمكتب العقارات ، طردني لتأخري في دفع الإيجار وباع المنزل عندما كنت في فرنسا لحضور زفاف أحد أقاربى ولم يهتم لإخباري بذلك ، لذلك جئت لأخذ الأشياء التي تركتها هنا في أحد أدراج المطبخ الخشبية ، وأردت استعادتها ، هذا كل شيء
لم يبدو عليه أى مظهر من مظاهر الإقتناع بحديثها ، بل مازال مصوباً سلا حه قريباً من وجهها وأصابعه مشدودة على الزناد ، وعروقه النافرة بعنقه باتت مرئية لها بوضوح ، فلم تستطع إنكار خوفها الذى دل عليه قدميها المرتجفتين وهى تحاول أن ترتد بخطواتها للخلف بعيداً عن فوهة سلا حه
فهتف بها راسل بصوت جهورى :
–لا تتحركِ خطوة أخرى ، أنا لا أصدقك ، سأتصل بالشرطة على الفور ، إذا كان ما قلته صحيحًا ، كان يمكنك أن تأتي إلي وتسألني ولا تقتحمى المنزل مثل اللصوص
أتسعت حدقتيها وهى ترى جديته بالإتصال بالشرطة ، فلو حدث هذا ستقع بمأزق هى بغنى عنه ، يكفى أن قسم الشرطة القريب من تلك المقاطعة بات كل الضباط به على علم ودراية بشجارها المتكرر مع جيرانها ، وأفتعالها الضوضاء والصخب وإزعاج الجيران بحفلات السمر الصا خبة التى كانت تقيمها هى وأصدقائها
فما أن وضع راسل يـ ـده على الهاتف ، أسرعت بوضع يـ ـدها على يـ ـده وهى ترجوه بصوتها الناعم:
– من فضلك لا تحتاج إلى الاتصال بالشرطة ، سأرحل الآن ، وسآخذ ما جئت أبحث عنه وسأذهب بسرعة ، أعدك
نفض راسل يـ ـدها عنه وحدق بوجهها لبرهة وهو عاقدًا حاجبيه ، و لا يعلم سر هدوءه المفاجئ وأن يجعلها تنصرف دون إيذ اءها ، فخفض سلا حه أرضاً ، فأشار للمطبخ قائلاً بهدوء :
–هذا هو المطبخ أمامك ، خذِ ما تريدِ واتركه في الحال ، كفى من الفوضى التي حدثت
إبتسمت فجأة فبانت غمازتيها الغائرتان بوجنتيها ، فأسرعت بالذهاب للمطبخ وفتحت أحد الأدراج السرية وأخرجت منها جزدان جلدى ، فتحته على الفور ونظرت للنقود الموضوعة به
فبسرعة أقترب منها راسل وأنتشله من يـ ـدها قائلاً بريبة :
– هل هذه الأموال ملكك حقًا أم أنك سرقتها من شخص ما؟ إذا كان يخصك ، فلماذا لم تدفع ما تدينِ به من الإيجار كما أخبرتني؟
أختـ ـطفت الجزدان من يـ ـده وهى تقول بإمتعاض :
–وماذا عليك أن تفعل ، هل أنت محقق شرطة ، هذا المال ملكي وقد أتيت لاستعادته ، وسأغادر ، والبيت لك ، تصبح على خير.
أتجهت صوب النافذة ، التى تسللت منها للمطبخ ، فقبل أن تقفز منها ، كان راسل قابضاً على ذراعها بقسوة ، حتى كادت أن تسقط أرضاً ، فما أن إستقامت بوقفتها حتى صاحت بوجهه وهى تقول بصوت عالى :
– ماذا تريد ؟ سأرحل كما أخبرتني لماذا منعتني من إكمال مشي؟
ندت عنه زفرة خافتة ورد قائلاً بإقتضاب :
– ما الحاجة للخروج من النافذة ، فبإمكانك الخروج من باب المنزل ، والدم يتدفق من فمك ، انتظرِ ، سأحضر لك منديل ورقي أو دواء ، ما اسمك يا فتاة؟
وضعت يديها بجيبىّ بنطالها وردت قائلة بإبتسامة هادئة:
– ساندرا إستيفن ، وما إسمك أنت ؟
رد راسل قائلاً وهو يوليها ظهره ليفتش عن صندوق الإسعافات الأولية:
– راسل النعمانى
رفعت ساندرا حاجبيها بعد سماع إسمه ، فوقع كنيته على أذنيها كان ذو وقع غريب ، فهى لم تتكهن بشأن إنه رجل شرقى وعربى ، فالمقاطعة معظم ساكنيها من أمريكا أو فرنسا
فقالت بدهشة وهى عاقدة حاجبيها :
– هل انت رجل عربي ؟
وجد راسل ما يبحث عنه فتقدم منها يشير لها بالجلوس وهو يقول بنفاذ صبر :
– نعم انا عربي. هل لديك مشكلة مع ذلك؟
أتسعت طاقتى أنفها ورفضت الجلوس ، فرفعت يـ ـدها وأشاحت بها وهى تقول بنزق :
– لا تقل لي أنك مسلم أيضًا
وضع راسل صندوق الإسعافات الأولية من يـ ـده ، فرد قائلاً ببرود:
– نعم أنا مسلم ولا علاقة لك بذلك
وكأن التصريح عن عقيدته ومعتقده سكب المزيد من الغضب على وجهها ، فأحمر وجهها من سريان دماءها الغاضبة به ، بل إلتفتت حولها حتى وجدت سكـ ـيناً ، فرفعته بوجه راسل قائلة وعيناها معبأة بالعبرات :
– إذن أنت من تلك الطائفة الإرهابية التي قتـ ـلت عائلتي منذ سنوات وتركتني وحيدة ، اللعنة عليكم جميعًا
مد راسل سلاحه النارى حتى لمس نصل السكـ ـين الحاد ، وظلا هكذا كل منهما يتربص للأخر ، إلا أنه لم يشأ أن يتطور الأمر بينهما ويسفر عن خسارة أحد منهما لحياته
فرمقها بهدوء وسرعان ما وضع السلاح من يـ ـده ، دلالة على أنه بوضع الإستسلام لعلهما يتحدثان سويًا بهدوء ، فما تلك الليلة العجيبة التي لن تنتهى
فزفر قائلاً بلين :
– اهدئى ، لا المسلمون ولا العرب إرهابيون. تلك السخافات والحماقات التي تُرتكب باسم الإسلام لا علاقة لها بنا. فهم يريدون تشويه إيماننا وعقيدتنا ، لا أكثر. نحن مسالمون ولا نسفك دماء أحد. ديننا دين التسامح ، ومن قـ ـتل إنساناً ظلماً ليس مسلماً. والدين الاسلامي بريء من تلك الأعمال والافعال لولا ذلك كنت قـ ـتلك على الفور لا ادعوك لعلاج جروح شفتيكِ.
أنصتت ساندرا لحديثه باهتمام ، حتى بدأ مفعول حديثه يسرى على وجهها ، فتركت السـ ـكين من يـ ـدها ، وأقتربت من ذلك المقعد الذى أشار إليه سابقاً ، فجلست هادئة وناولها راسل صندوق الإسعافات الأولية ، وضعته على ساقيها وبدأت بمـ ـسح الدماء ، بينما ذهب راسل للمطبخ ليعد له مشروب دافئ ، فبعد خمس دقائق وجدها تنهض من مكانها وهى تقول بإمتنان :
– شكرًا لك ، لقد انتهيت وسأغادر ، شكرًا لك مرة أخرى
حمل راسل كوب مشروبه الدافئ ورد قائلاً بإبتسامة هادئة:
– لا داعي للشكر وإذا كان هناك شيء آخر لك في المنزل ، فيمكنك أخذه قبل المغادرة
هزت رأسها نافية وهى تقول ممازحة :
– لم يكن لدي شيء في المنزل سوى النقود وحقيبة ملابسي كانت معي أثناء رحلتي إلى فرنسا ، لأنني عادة لا أمتلك أشياء كثيرة ، حتى تلك المتعلقات الشخصية ، يبدو أن مكتب العقارات يحتفظ بها ، حتى أدفع متأخرات الإيجار
إبتسم راسل إبتسامة لم تتجاوز شفتيه ولم تصل لعيناه ، فأتجه صوب باب المنزل وفتحه يشير لها بالخروج ، فوضعت يديها بجيبى كنزتها وإبتسمت له ومن ثم خرجت من المنزل ، فأغلق الباب خلفها بحدة ، وعاد ينظر لتلك الفوضى بالصالة والمطبخ ، فبدأ يعيد ترتيب كل شئ بمكانه ، وبعد إنتهاءه نظر لثيابه الممز قة وهو يصعد الدرج وما أن وصل لغرفته خلعها عنه وأرتدى ثياب أخرى وأرتمى على الفراش ، وما أن وضع رأسه على الوسادة حتى غط بنوم عميق
فما كاد يمر يومان ، وأثناء تجوله بأحد الشوارع ، بعد شراءه العديد من الأغراض اللازمة للبيت ، حتى رآى تلك الفتاة المسماه " ساندرا " تتشاجر مع صاحب أحد المتاجر ، فيبدو عليها أنها فتاة تثـ ـير عد اء كل من تقابله ، فنظر إليها راسل بسخط وأراد إكمال سيره ، فما كاد يبتعد عدة خطوات ، حتى سمعها تناديه :
– راسل
توقف عن الحركة ونفخ بضيق ، فلم هى تناديه ؟ وماذا تريد منه ؟ فهو لم يلعن سوى ذلك الحظ الذى جعله يقابلها أو يسكن بذلك المنزل الذى سكنته هى من قبل
قلب راسل عيناه بملل ورد قائلاً بإمتعاض :
– لم ناديتنى وماذا تريدين ، أنك حقاً فتاة مزعجة
ضمت ساندرا شفتيها فما لبثت أن قالت بخجل :
– لم أنت مستاء منى هكذا ؟ فأنا أردت فقط إلقاء التحية لا أكثر
فهى لا تعلم أنها تثـ ـير بنفسه السخط والنقم لكونها تذكره بزو جته حياء ، على الرغم من أنهما لا تشبهان بعضهما البعض بأى شئ ، إلا أنه لا يعلم سر أن كلما رآها أو سمع صوتها ، يرى وجه حياء وكأن عينيها تعاتبه على هجرانه لها ، فهل ذلك عائدًا لكونها ربما بمثل عمر زو جته ، حتى قامتهما المعتدلة ورشاقتهما متشابهتان إلى حد كبير ، وربما عيناها اللامعتان تذكره كيف كانت حياء تنظر إليه بشـ ـرر يتطاير منهما ببداية مقابلتهما ، فسـ ـحقًا لتلك الخفقات المعـ ـذبة والتى ما أن يفتأ يذكرها ، حتى يدوى صداها فى صـ ـدره بصخب قادراً على جعله أن يشعر بأن قلب سيتفـ ـتت من شدة شوقه إليها
فإبتسم بعفوية حتى ظنت ساندرا أنه يبتسم لها ، فتجر أت بمطلبها وهى تشير لأحد المقاهى وهى تقول بدعوة لطيفة :
– هل بإمكانى دعوتك لإحتساء القهوة إمتناناً لما فعلته معى
لا يعلم عن إى إمتنان تتحدث ، فهو لم يفعل شيئاً ، بل أنه ترك أثار جرح طفيف بجانب فمها أثناء عراكه معها ، فأعتذر قائلاً بكياسة :
– شكراً لك ، ولكن ليس لدى الوقت الكافى لإحتساء القهوة معك ربما بوقت اخر ، اعذرينى
تركها راسل واقفة مكانها وأكمل سيره حتى وصل لمنزله ، ولج للداخل وجد وفاء تطهو الطعام بالمطبخ ، فوضع الأكياس البلاستيكية من يـ ـده وقبلها على وجنتها ، ورآى صغيرته مستلقية على بطنها على الأريكة وتشاهد مقاطع فيديو كرتونية على الهاتف الخاص بها ، فحملها وجلس هو على الاريكة وأخذها بين ذراعيه يشاهدان سوياً ما تشاهده ، فإستكانت سجود بين أحـ ـضانه الدافئة ، فظل يقـ ـبل رأسها بين الفينة والأخرى وهو شاردًا ، ولكن لم يخرج من شروده إلا بعدما وقعت عيناه على تلك الصور التى رآها على هاتف سجود ، بل لم تكتفى بذلك بل بدأت بتشغيل مقاطع فيديو تظهر بها حياء والصغيرة ، فسرت رجفة وقشعريرة بعموده الفقرى بعد سماع صوتها وهى تنادى سجود وتركض خلفها ، فأبت عيناه أن ينتصر عقله الصارخ بها أن تكف عن مشاهدتها ، وأن تجعل الحنين يلتهم قلبه بدون هوادة ، فما أن وصل لحد الإكتفاء من ضربات الحنين والشوق ، وضع صغيرته على الأريكة ونهض تاركاً مكانه ، فخرج للحديقة ولكن رآى ساندرا تقف أمام الباب الخارجى للمنزل ولا يعلم لما جاءت وماذا تريد منه تلك الفتاة الحمقاء والمزعجة ؟
❈-❈-❈
صوت إحتـ ـكاك عجلات القطار بالقضبان الحديدية ، كاد صوت دقات قلبها يعلو ضجيجاً عنه ، فعينيها تطوف بين صفحات تلك المجلة ، التى أتخذتها وسيلة لإلهاء نفسها ، حتى يصلا لوجهتهما ، وساقها الأيمن الموضوع على ساقها الأيسر ، راحت تهزه بعصبية طفيفة ، فهى تحمد الله ، على أن زو جها إستأجر لهما غرفة خاصة مريحة بذلك القطار المتجه إلى الأقصر ، فما أن طاف وجهه وإسمه بعقلها ، أزاحت المجلة من أمام وجهها ونظرت إليه ، ولكن وجدته جالساً مغمض العينين ، فمن يراه سيظن أنه نائماً ، ولكنها تعلم بأنه مستيقظًا ، ودل على ذلك حركة بؤبؤ عينيه من خلف جفنيه المطبقين على رماديتيه الآسرة لقلبها وجوارحها ، فهى لم تكن تعلم بأنها ستقع بغرامه هكذا ، وتصبح هائمة بعشقه وتتمنى منه لفتة أو إبتسامة ، فالأدوار بينهما تبدلت ، فالعاشق صار معشوقًا ، والمعشوقة صارت عاشقة تحـ ـترق بنيران الصبر والإنتظار
– كرم حبيبى أنت نمت
قالتها هند وألقت المجلة من يـ ـدها وأدنت بوجهها منه ، فإبتسمت بمكر ، وهى ترى ذلك التوتر ، الذى سكن محياه ، ودل عليه حركة صـ ـدره صعوداً وهبوطاً ، وإختلاج تلك العضلة قرب فمه ، فإن كان واعيًا لمدى قربها منه ، وإنها بصدد أن تعانقه ، لما يصر على أن يجعلها تتوهم بأنه نائماً
ولكنه أراد إكمال دوره للنهاية ، لعلها تسأم من مناداته ، فما أن تشعر بجفاءه وبروده ، ستعود لمكانها ثانية ، ولكنه كان واهمًا ، فهى لم تقتنع بأفعاله ، بل أنها صارت قريبة منه كضلع أخر من ضلوعه ، فتلك الخصوصية التى تتمتع بها المقصورة بالقطار ، جعلتها تأخذ راحتها بالتقرب منه ، طالما أن الباب مغلق بإحكام ، فهى كل ما تريده أن تشعر بإقترابه منها ، أو أن يجعلها تتيقن من أنه متلهفاً لأن يصلا لمنزلهما
فبالأيام الفائتة كان لديها أسبابها بالإبتعاد عنه ، إذ بعد إنتهاء حفل زفافهما وصعودهما لغرفتها ، داهمتها آلام الطمث ، التى لم تحسب له حساباً بأن يأتيها هكذا بوقت مبكر ، ولكن ربما إنغماسها بسعادتها كونها ستصبح زوجة كرم جعلها تغفل عن ذلك الأمر ، وما أن أفصحت عن أسبابها لعدم إتمام زواجهما بليلة عرسهما ، حتى رآت إنفراج أسارير وجه كرم ، كأنه كان بإنتظار ذلك ، بل أنه خلد للنوم على الأريكة وأستطاع إيهامها بأنه يتخذ الحيطة حتى لا يتسبب بإفزاعها أثناء نومها لإفراطه بالحركة أثناء نومه ، بل أنه رفض دعوة أبيها للسفر لقضاء شهر العسل ، وقرر العودة للأقصر ، فبعد إلحاح من والديها مكث معهم بالمنزل حتى حان وقت سفرهما
ولكنها اليوم باتت على أتم الاستعداد لتصير له زوجة ، فأرادت إخباره بذلك العناق أن أمرها صار على ما يرام ، فباتت تهذى بإسمه وسط عناقهما ، فلم يكن لديه حل أخر سوى أن يبادلها العناق ، الذى تلهفت نفسه له هو الآخر حتى لو حاول الإنكار
فدمدم قائلاً بضعف عذب :
– هند أنا بحبك
فلو تقلدت بوسام لن تكون أكثر فخراً بحالها كالآن وهو يطرب أذنيها بكلماته الرقيقة والعاطفية المفعمة بحر ارة الشوق ، ولكن لم يدم الحال طويلاً ، إذ أعلنت وقوف عجلات القطار أنهما وصلا لوجهتهما ، فعلى مضض إبتعدت عنه ، ولكن لديها كل الوقت بل كل عمرها لتنعم بحبه ، فلملم شتات عقله الذى بعـ ـثرته هى بدون جهد يذكر ، فخرجا من المقصورة بل من القطار بأكمله ، وبعد صعودهما لإحدى سيارات الأجرة ، أخبر كرم السائق بالعنوان ، فانطلق السائق بالسيارة حتى وصلا لذلك المنزل الذى يقيم به
فترجلت هند من السيارة وأخرج كرم الحقائب وأنصرف السائق وإبتسم كرم لذلك الطفل الذى جاء راكضاً وأرتمى بين ذراعيه ، فحمله عن الأرض وهو ينظر إليها قائلاً بإبتسامة :
– ده سويلم يا هند يبقى حفيد الحاج سويلم يبقى قريب والدى وكمان اللى مأجر منه البيت اللى هنعيش فيه
أقتربت منهما هند وقـ ـبـلت الصغير ، الذى إصطبغ وجهه بحمرة قانية من شعوره بالخجل ، وسرعان ما رآت إمرأة جميلة أنيقة ومعها رجل شاب ورجل أخر عجوز ، فتقدمت منها المرأة مرحبة بقدومها :
– أهلا بيكى يا عروسة نورتى الأقصر والصعيد كله أنا مامت سويلم وده جوزى وده الحاج سويلم باباه
صافحتها هند وألقت عليهم التحية ، فتقدم الحاج سويلم من كرم وأحتضنه مهنأ له بزفافه وكذلك أيضاً إبنه ، الذى ربما عاد من سفره ، فهو يعلم بشأن أنه يعمل مهندساً بأحد مواقع إستخراج البترول بالصحراء ، فأخذت والدة سويلم هند حتى وصلت بها للمنزل الذى ستسكنه برفقة كرم ، فوجدته نظيفاً مرتباً بل عملت تلك المرأة الجميلة على تزيينه ترحيباً بقدوم العروس
فما أن ولج كرم المنزل خرجت والدة سويلم ، فإبتسمت له هند وهى تقول بإعجاب :
– باين على مامت سويلم أنها ست جميلة وشيك ولبقة أوى فى كلامها
رد كرم قائلاً وهو يضع الحقائب من يده :
– اللى عرفته أنها من أكبر عائلات الصعيد هنا حتى كمان هى دكتورة أطفال ، قابلت جوزها وحبيته وصممت تتجوزه على الرغم انه عيلته مش غنية أوى زى عيلتها
– يعنى حكاية حبهم زى حكايتنا يا كرم
قالت هند بصوت خافت ولكن وصل لمسامعه ، فأزدرد لعابه ولا يعلم سر شعوره بالظمأ فجأة ، فأشار إليها بأن تستريح بغرفة النوم وذهب للمطبخ ، فأخذت حقيبتها وولجت للغرفة
فتحت سحاب حقيبة الثياب وأخرجت منها ذلك الثوب ، الذى لم يحالفها الحظ بإرتداءه ليلة زفافهما ، فوضعت الثوب عليها وأطلقت خصيلاتها من معتقلها الذى تمثل بمشبك للشعر ، فسمعت وقع أقدام كرم وألتفتت خلفها وجدته واقفاً على عتبة الباب يحدق بها بذهول ، فهى جميلة فاتنة بل فتنته التى خلقها الله من أجل أن تفتن قلبه وعقله ، فإن كانت تلك الدقائق التى قضاها بالمطبخ محاولاً زرع الهدوء بنفسه والبحث عن حجة مناسبة لتنتهى تلك الليلة كسابقيها ، لم يعد لذلك الهدوء مكان ولم يعد عقله محط طلب منه ، لم يعد هناك شعور متملك منه سوى أن يشعر بها قريبة منه ، بل وأن تصير ملكاً له ، حتى وإن لم يحسن نسيان ماحدث لها من قبل ، وأن غيره إستحل قربها وودها
وهذا ما كان ، فلمـ ـس أطراف شعرها قائلاً بصوت أجش مفعم بالعاطفة :
– أنتى حلوة أوى ياهند ، أجمل واحدة شفتها عينيا
ظل صوت العناق يلهب قلبيهما بسوط من لهيب الشوق ، حتى دنت تلك اللحظة التى أكتشف بها حقيقة أمرها ، من أنها مازالت فتاة بكر وعذراء ولم يمـ ـسها أحدًا قبله ، فظل محدقاً بها بذهول ، فى حين أنها ظلت تحملق بسقف الغرفة وكأن العالم يتساقط من حولها كالشظايا ، بل لم تنسى أن تعطى عينيها حصتها من الدموع من ذلك الشعور الصاخب بالألم والسعادة كونها صارت ملك له وحده
فثبت عينيها أمام عيناه متسائلاً بصدمة :
– هند ، هو إزاى ...
لم يجد كلمات مناسبة يستطيع بها إكمال عبارته ، بل أنها غطت وجهها بكفيها وأجهشت بالبكاء ، فسرعان ما أخذها بين ذراعيه مربتاً عليها بلطف وحنان وهدوء ، فى حين أن عقله وقلبه بعيدان كل البعد عن الهدوء
فبعد أن أكتفت من البكاء ، رفعت وجهها ونظرت إليه قائلة بنهنهة :
– هى دى الحقيقة يا كرم أنا محدش لمـ ـسنى والفيديو اللى أنت شوفته كان متفبرك والشاب اللى عمل كده اعترفلى بنفسه قبل ما يموت ويوم ما كنت هجيلك الاقصر علشان اقولك لقيتك أنت جيت عندنا البيت علشان تقولى هنطلق وهتخطب واحدة تانية فسكت ولما رجعنا لبعض حبيت أعملهالك مفاجئة علشان تعرف أنك أنت بس الوحيد اللى هتبقى جوزى وحبيبى ، أقسملك أن دى كل الحقيقة
لا حاجة لها أن تقسم أو تحاول إقناعه بصحة أقوالها فهو رآى ما يجعله يصدقها ، فيكفى صيحتها وصرختها التى كادت تصيبه بالصمم منذ دقائق ، بعدما صار الوصال بينهما حتمياً ، فقبل رأسها قائلاً بحنان:
– أنا مصدقك يا هند والصراحة دى أحلى مفاجئة ، أنك بقيتى ليا زى ما أتمنيتك دايما يا حبيبتى
فإن كان من قبل حاول إقناع قلبه وعقله بأن يتقبلاها بخطأها الفادح ، فما سيكون حاله الآن بعدما علم الحقيقة كاملة ، فربما لن يكتفى من ودها ووصالها ، حتى يصيب قلبه بالتخمة من ذلك الشعور المتدفق به من سريان الدماء كأنها معبأة بمخدر جعله يشعر بالإنتشاء ، كأنه أحتسى من خمر عينيها المسكرتين ما أصابه بالثمالة ، بل أراد المزيد ، ولم تبخل عليه بدلالها وحسنها ، بل علمت الآن مدلول أن تصبح كالوردة الندية التى لن يقتطفها وينعم بأريح عطرها إلا من يستحق ، فما أن يناديها همساً ، تجيبه بأنها قريبة منه بل رفيقته بجنة العشق ، فما عليه إلا أن يظهر لها تلهفه إليها وبجدها تأتيه سعياً ، فهى لم تمتن لشئ بحياتها إلا لسوء الفهم الذى جعل أمرها بالأخير يؤول إليه ، وجعلها تراه من منظور آخر ، تراه زو جًا وحبيبًا ، ولا أحد غيره يستحق أن تهبه كل ما يمكن أن يجعله يشعر بالبهجة كونه يمتلكها زو جة له
❈-❈-❈
سأمت ياسمين من الجلوس بغرفتها ، فقررت أن تخرج للشرفة المتصلة بالغرفة ، لعل رؤيتها للعصافير ،تجعلها تشعر بالبهجة ، وأن تزيح ذلك الضيق الجاثم على صـ ـدرها ولا تعلم له سبباً ، ولجت للشرفة وأقتربت من القفص المعدنى الموضوع به العصافير ، فراحت تداعبها وهى تنشد لهما بصوتها الناعم ، غير واعية لتلك السيارة المصفوفة بمكان ليس ببعيد ، ويمكث بها ديفيد ، الذى لا يمل من المجئ ومراقبتها كلما خرجت للشرفة ، فكلما نهر ذاته وألجمها عن الخضوع لسحر تلك الفتاة ، يعود من جديد ويعلن قلبه التمرد على تلك القيود ، التى يحاول فرضها عليه ، فلو يخبره أحد كيف يتخلص من تلك اللعنة ، لكافئه بسخاء ، ولكن يبدو أنها لن تمد له يـ ـد الرحمة ، وتطفئ نيرانه ، بل ستجعله يحـ ـترق حتى الرمق الأخير
أسندت ياسمين رأسها على القفص المعدنى وقالت بحيرة :
– نفسى أعرف أنا ليه حاسة كإن أنا تايهة ، وزى ما يكون فى هم على قلبى ومش عرفاله سبب ، تفتكروا يكون في إيه ؟ ولا أنا اللى اتجننت وبكلم العصافير ومستنياها تقولى على حل