-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 5 - 2

  رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب
الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق



رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

تابع قراءة الفصل الخامس 2

ج٢–٥-" حلم طال إنتظاره "


العودة للصفحة السابقة


ستبدأ بإسماعه عبارات التذمر ، حتى تجعله يشعر بالذنب كونه أتى بها لهنا وهى لا تتحدث الإنجليزية أو الفرنسية ، وربما تلك حيلة منها ، لتجعله بالأخير يوافق على العودة لديارهم ، ولكنه لم يجعلها تسترسل بحديثها ، إذا أقترب من مجلس ساندرا وإبنته 


جلس على المقعد وأسرعت سجود بالجلوس على ساقيه ، فقبل رأسها ونظر لساندرا قائلاً بإهتمام :

– ما الأمر ساندرا ، هل كنتِ تريدين شيئاً من والدتى ؟


حركت ساندرا رأسها بالنفى وردت قائلة بإبتسامة ودية :

– لا أريد شيئاً ، فأنا أردت التعرف عليها وعلى الصغيرة ، ولكن والدتك لا تتحدث الفرنسية ، وعلى الرغم من ذلك ، فهى إمرأة لطيفة ، بل أنها أعدت لى طبقاً من تلك الحلوى ، فأنا أحببتها كثيراً 


نظر راسل للطبق ، فعاد ونظر لوفاء قائلاً وهو يحاول إلجام ضحكته :

– أكلتيها رز بلبن يا ماما ، معملتلهاش شوية كشرى بالمرة


ضحكت وفاء وردت قائلة بإطمئنان كون ساندرا لن تفهم مغزى حديثهما :

– دا عجبها أوى ما شاء الله عليها كلت طبقين بحالهم يلا بالهنا والشفا ، بس معرفتش برضه القطة مشرفانا ليه يا دكتور 


رفع راسل حاجبه ونظر إليها نظرة ماكرة ورد قائلاً وهو يكز على أسنانه :

– قصدك إيه يا وفاء ، هى جاية بس علشان تتعرف عليكى أنتى وسجود ، أقوم أطردها يعنى 


قضمت وفاء شـ ـفتها السفلى ، ولم تجد رداً مناسباً ، فهى لا تريد لتلك الفتاة أن تزيد من تعقيد أموره ، ولكن على الرغم من ذلك ، أعدت طعام العشاء ، لعلمها بأنه ربما يشعر بالجوع بعد عودته من عمله ، ولم تجد مفر من دعوة ساندرا لتناول العشاء معهم ، فقبلت ساندرا دعوتها بترحيب ، كأنها لا تريد  مغادرة  البيت ، فجلسوا حول مائدة الطعام ، وبدأت ساندرا تثرثر معهم ، وتكفل راسل بترجمة حديثها لوفاء ، فعلى الرغم من أنها يبدو عليها أنها عدائية ، إلا أنها متحدثة لبقة ومثقفة ، ولم تجد جهد بتجاذب أطراف الحديث مع راسل ، الذى راح يجيبها على كل ما تسأله بهدوء ، وما أن أنتهت جلستها معهم غادرت البيت وعادت لمنزلها ، بعد فشلها بالحصول على موافقته بأن تصطحب سجود ووفاء بنزهة لإحدى البحيرات ، وما أن رحلت صعد راسل لغرفته وأغتسل وذهب لفراشه وهو يفكر فى أسباب إصرار تلك الفتاة على التقرب منه ومن إبنته وخالته 

❈-❈-❈

 جاء بعد الفراق ليلٌ مُظلم أضاع قَمرهُ على العشاق، فلم ينسى أحداً منهم أن يبحث عن القمر في أرض الضلوع والتى تسكنها أفئدة عانت من مرارته ، فإن كانت الجروح هناك أشد وضوحاً، فهم يعلمون أنّ القمر هناك مختبأً بين حنايا القلب ، وظنوا أن بعد الفراق ستأتى سنوات الغيث ، لتروى الورود الذابلة لتصبح جنة الحب خضراء بعدما إستطونها الخريف ، ولكن كأن روح المغامرة لم تعد تفيد ، فبعد الفراق لا شيء يجدي.


بعد مرور عامين 


أنتهى دوامها بالعمل ، فنهضت عن مقعدها خلف ذلك المكتب الخشبى الكبير ، ووضعت بعض الأوراق بالحقيبة الجلدية السوداء ، لتأخذها معها للمنزل من أجل أن تسهر عليها لمراجعتها ودراستها ، قبل توقيع عقود تلك الصفقة المتفق عليها بين تلك الشركة وشركة أخرى ، فبعد أن أنتهت نظرت لتلك المرآة الطويلة المثبتة على أحد الجدران ، فها هى بذاتها "حياء " تلك الفتاة التى هجرها زوجها منذ عامان ، ومنذ ذلك الحين لم تراه أو تعلم عنه شيئًا ، فوالده يأس من البحث عنه وإيجاده 


 أقتربت أكثر من المرآة تمعن النظر بصورتها المنعكسة بها ، ورفعت يـ ـديها تمررهما على وجـ ـهها ، فهى صارت أكثر نضجًا ، وأكتسبت جمال من نوع أخر ، ولما لا وهى بعد بضعة أشهر ستحتفل بذكرى ميلادها الخامس والعشرون ، فهى ودعت تلك الملامح الطفولية بعدما غاب عنها من كان يجعلها تشعر بأنها ستظل طفلته لما تبقى من عمرها ، ولكن الآن لم يعد لديها سوى العمل ، الذى ترهق نفسها به ، فرياض هو من أقترح عليها أن تشغل أوقاتها بالعمل وأن لا تترك نفسها لليأس ، فخلال هذان العامين ، أكتسبت خبرة كبيرة من رياض وعاصم ، وساهم بذلك ذكاءها وسرعة بديهتها فى فهم الأشياء 


تنهدت بخفوت وعادت تقف أمام المكتب لتأخذ حقيبتها الصغيرة والحقيبة السوداء ، فألقت نظرة حالمة على تلك الصورة الموضوعة على سطح المكتب ، والتى لم تكن سوى صورة جمعت بين زو جها والصغيرة 


أخذتها بين يـ ـديها ومررت أناملها عليها ، فقالت بصوت ملتاع من شدة شوقها إليه :

– كل ده يا راسل ، سنتين بحالهم مشوفكش أنت ولا بنتنا ، بقى قلبك يقسى عليا أنا بالشكل ده ، طب كل المدة دى محستش بوجع فى قلبك على فراقنا ، بقيت عايشة زى الأموات وأنا مستنياك ترجع يا حبيبى


أعادت الصورة مكانها وأخذت متعلقاتها وخرجت سريعاً من المكتب ، قبل أن تبدأ بنوبة جديدة من نوبات بكاءها ونحيبها ، فما أن وصلت لتلك السيارة الفارهة ، أسرعت السائق بأخذ الحقيبة منها وفتح لها باب الخلفى للسيارة ، فأتخذت مجلسها بالمقعد الوثير ، وأخرجت هاتفها لتطمئن على مربيتها الحنون ، التى تذهب لها من وقت لأخر من أجل أن تفضى لها بمكنون قلبها 


فقبل أن يتحرك السائق بالسيارة ، هتفت به حياء :

–أنا مش راجعة البيت ، هروح لبيرى فى نادى .... علشان هتنظم حفل غنائى هناك


أسرع السائق بقيادة السيارة حتى وصلا للنادى ،فبيرى بعد موت أبيها ظلت تعمل بمهنة تنظيم الحفلات ، وتذهب حياء لتساعدها من وقت لأخر ، فهى أخبرتها بأن تحضر اليوم من أجل تنظيم حفل غنائى لمغنى فرنسى ، تلك هى زيارته الأولى لمصر وللإسكندرية 


دلفت حياء للنادى وألقت على الحاضرين التحية ، فأسرعت بيرى قائلة وهى تمد يـ ـدها لها بحقيبة بها ثوب أشترته من أجلها :

– يلا يا حياء بسرعة غيرى هدومك ده فستان إشتريته علشانك ويلا بسرعة مفيش وقت خالص 


أخذت حياء منها الثوب وردت قائلة بهدوء:

– حاضر يا ستى ثوانى وهكون جاهزة 


ذهبت للمرحاض الخاص بالسيدات وأبدلت ثيابها العملية وخرجت ، وجدت بيرى تقف خلف كواليس المسرح الخشبى ، حتى يتم الإعلان عن بدأ الحفل 


فأشارت لها بيرى بالإقتراب وهى تقول بإبتسامة :

– تعالى يا حياء ده المغنى الفرنسى " أدم جوزيف " ، ممكن تكونى سمعتى عنه هو مشهور أوى فى فرنسا


أماءت حياء برأسها وألقت عليه التحية باللغة الفرنسية ، فوجدته يبتسم قائلاً بإعجاب ولغة عربية يبدو أنه تعلمها منذ وقت ليس ببعيد ولم يكتفى بذلك بل غمـ ـزها بإحدى عيناه الجريئتان:

– أهلاً حياء ، اسمك حلو يا مليكتى 


عقدت حياء حاجبيها كونه أنه بدأ إطرائها ومغازلتها بوقت مبكر ، فهى ما أن أخبرتها بيرى بشأن مطرب ذلك الحفل ، علمت  أنه مغنى ذائع الصيت بالعلاقات الغرامية ، وأحياناً تضج مواقع التواصل الاجتماعي بأخباره العاطفية ، فحتى وإن كان وسيماً ومطرب مشهور ، ولكنه لا يعلم أنها أخذت مناعة ضد الإطراء أو الغزل ، بل الأصح أنها لا يوجد رجل بعالمها بإمكانه أن يجعلها تستحب الغزل والإطراء بل وتجنح بأحلامها سوى زو جها الغائب 


إبتسمت بإقتضاب وهى تقول ببرود :

– شكراً


أسرعت بالابتعاد وبدأت تنجز ما أخبرتها به بيرى وبعد مرور ربع ساعة تقريباً ، أعتلى أدم المسرح وهو ممسكاً بجيتاره ، فظل يشدو بصوته ، الذى لم تنكر حياء أنه جذاب ومميز بالغناء  ، فبدأ بأغنية باعثة على الشجن والحنين ، ولكن سرعان ما انتهت تلك الأغنية وبدأ بأغنية أخرى حماسية تفاعل معها الجمهور ، الذى تكون معظمه من الشباب بسن المراهقة


أنزوت حياء بأحد الأماكن تستمع للموسيقى والغناء ولكنها بعالم أخر ، حتى وجدت أدم يقترب منها وهو يعزف على الجيتار ، فأتجهت أنظار الجميع إليهما ، بل لم ينتهى الأمر لهذا الحد ، بل مد أدم يـ ـده لها بوردة ألتقطها من إحدى المعجبات 


فأدنى برأ سه منها هامساً :

– حتى نلتقى ثانية يا مليكتى


عاد أدم للمسرح ليكمل باقى غناءه ، فنظرت حياء للوردة ، وسرعان ما ألقتها من يـ ـدها ، وبحثت عن بيرى لتخبرها بشأن عودتها للمنزل لشعورها بالإرهاق ، إلا أن بيرى رفضت ذهابها قبل إنتهاء الحفل 


فهتفت بها برجاء :

– بليز يا حياء خليكى معايا ، أنا الفترة الأخيرة دى مشوفتكيش إلا كام مرة بس ، غرقانة فى الشغل ونسيانى 


إبتسمت بيرى بعد إنتهاءها من قولها ، فمسدت حياء على ذراعها وهى تقول بحنان :

– متزعليش منى ، كان عندى ضغط شغل جامد الفترة اللى فاتت حتى والله فى صفقة هتم قريب وعايزة أدرسها كويس ، بس بالرغم من كده سيبت كل حاجة وجتلك أهو 


تأبطت بيرى ذراعها وسارتا عدة خطوات ، فتوقفت فجأة عن السير وقالت بحذر :

– لسه برضه مفيش أخبار عن جو زك 


هزت حياء رأسها بضعف ، وردت قائلة بقلة حيلة:

– مفيش ، تقوليش الأرض أنشقت وبلعته ، دا باباه دور عليه كتير لحد مازهق أو بمعنى أصح لحد ما قولتله أنا خلاص كفاية ، لو كان عايز يرجع كان رجع ، مش بقاله سنتين مسألش فيا ولا فى حد ، زى ما يكون نسينا أو مبقناش فى حساباته 


حدقت بها بيرى بنظرة ذات مغزى ، فرفعت وجهها له وتساءلت :

– كرهتيه يا حياء ؟


لم تكن الكراهية يوماً إحدى أجوبتها التى تفسر سبب هدوءها ، أو لم تبدو للرائى أنها لم يعد يعنيها إذا عاد زو جها أم لا ، ولكن لا أحد يعلم حجم تلك المعاناة التى تعانيها أو تمارسها على أعصابها لتظهر بمظهر القوة 


فأجابت وهى تشيح بوجهها عن مرمى بصر بيرى :

– ياريتنى أقدر أكرهه يا بيرى ، دا أنا حاسة أن كتر البعد خلانى أحبه وأشتاقله أكتر ، مع أن أوقات كتير بعاتب نفسى على إشتياقى ليه بعد ما سابنى ، حتى تصدقى أن باباه عرض عليا أنى أطلق منه غيابى وأتجـ ـوز حد تانى ، وأن مضيعش عمرى وشبابى وأنا قاعدة مستنياه يرجع ، وقالى برضه أن هفضل زى بنته ومش هيفرط فيا ، بس أنا مجرد ما سمعت الإقتراح حسيت بوجع فى قلبى ، حتى لو مش هيرجع هفضل مدام حياء راسل النعمانى 


أسرعت بمحو تلك الدمعة التى فرت من عينيها ، فهى لا تريد العودة لنقطة البداية من جديد ، وأن تظل تبكى وتنعى حظها التعيس ، فرآت ذلك الشاب المدعو أدم يقترب منهما 


وقف على مقربة منها وقال بإعجاب :

– شكراً ، الحفلة كانت متنظمة كويس جدا ، شكراً أنسة حياء 


إبتسمت حياء إبتسامة صفراء وهى تقول بإقتضاب:

– بيرى هى اللى منظمة الحفلة أنا تقريباً معملتش حاجة أشكرها هى ، وأنا مدام مش أنسة ، يعنى متحاولش تتعب نفسك بمعاكستى


رفعت حياء كف يدها الأيسر وأشارت لخاتم زواجها الماسى ، لعله ذلك الشاب يعلم بأن محاولاته ستذهب سدى ، أو أنه يلقى طابته بالمرمى الخاطئ ، فهى لم يخفى عليها أفعاله ، التى تبدو ظاهرة للعيان بأنه يحاول مغازلتها أو إستمالتها ، ولكنه لا يبدو عليه أنه شعر بالضيق لتصريحها بأنها متزو جة ، فهو مازال يبتسم لها ويرمقها بهدوء 


فقال وهو يشير لها بالجلوس :

– أنتى فهمتى غلط مليكتى ، يعنى إيه أعاكسك 


– معنديش وقت أقعد معاك ولا أشرحلك عن إذنك ، بيرى أنا ماشية سلام 

قالت حياء عبارتها وغادرت قبل أن تسمع رد أحد منهما ، فهى تريد العوة للمنزل وحسب ، ولكن بعد عودتها لسيارتها ، طلبت من السائق إيصالها لمنزل زو جها القديم ، ولم تعلم سر رغـ ـبتها فى الذهاب إليه الآن ، كأنها بذهابها لهناك ستجده بإنتظارها ، أو ستقضى بعض الوقت تستأنس بالذكريات ، خاصة أن ذلك المنزل إختزن بين جدرانه ذكريات عشقهما 


 توقفت السيارة أمام البيت ، فترجلت منها حياء وولجت للداخل بالمفتاح الذى تحمله معها دائماً ، فهى عندما كان يغلبها الشوق إليه ، كانت تأتى لهنا مسرعة وتقضى بضع ساعات ومن ثم تعود لقصر النعمانى ، صعدت الدرج حتى وصلت لتلك الغرفة التى كانت غرفة نومهما ، فضغطت على زر المصباح الكهربائي وأنتشر الضوء بالغرفة ، ولكنها ذهبت رأساً لغرفة الثياب التى خلت من كل شئ ولا يوجد سوى الأرفف الخشبية الخالية ومرآة موضوعة بأحد الأركان


وقفت أمام تلك المرآة الطويلة ، التى كانت دائماً تقف أمامها لتطمئن لحسن مظهرها قبل خروجها للغرفة ، فأغمضت عينيها لتدع نشوة الذكرى تلفحها ، عندما كان يقف خلفها ويمرر يـ ـده على شعرها ، ويرسل أنفـ ـاسه لتداعب وجنتيها ، فكأنها باتت تسمع صوته الدافئ وهو يهمـ ـس بأ ذنها :

– وحشتينى يا حياء 


إبتسمت شـ ـفتيها وقالت و هى سابحة ببحر الخيال والذكرى :

– وأنت وحشتنى أوى يا حبيبى 


أسرعت بفتح عينيها ، كأنه يقف خلفها وما أن تستدير إليه سيأسرها بين ذراعيه القويتين ، ولكن ما أن إستدارت ورفعت يديها حتى هرب منها طيفه كالسراب ، فطوت أجنحتها المنكسرة ، ولفت ذراعيها حول نفسها ، كأنها تقى جسدها من لفحات الخيبة والأمال الكاذبة ، وبعد إكتفاءها من حلو الذكرى ومرها ، خرجت من المنزل وعادت للسيارة لتعود لمنزل والد زو جها ، فربما السائق صار متعجباً من تصرفها اليوم ، فهى كلما تستقل السيارة تخبره بأن يذهب بها لمكان أخر ، كأنها تخشى عودتها للمنزل ، ولكنها تفعل ذلك لتأخير جلسة سهادها والتى ستبدأ ما أن تطأ البيت بقدميها 



ولكن كان هناك مفاجئة أخرى بإنتظارها ، إذ وجدت عربة إسعاف أمام باب القصر ،فترجلت من السيارة بفزع ، ووجدت إثنان من الممرضين يحملون السرير الخاص بالإسعاف مستلقياً عليه رياض بوجه شاحب وفاقد الوعى ، فنضبت الدماء من وجهها وأقتربت من ميس وتساءلت بخوف :

– ميس فى إيه جدك ماله


ردت ميس بصوت باكى :

– تعب مرة واحدة وأغمى عليه يا حياء 


تبعت سيارة الإسعاف كل سيارات قاطنى القصر ، حتى وصلوا لذلك المشفى الذى كان لراسل وتديره حالياً ميس ، فبعد الفحص الطبي لرياض خرجت ميس واخبرتهم بضرورة إجراء جراحة عاجلة لجدها ولكنها تحتاج لجراح ماهر ، لذلك أقترح عاصم بإستدعاء جراح بريطانى شهير من أجل إجراء الجراحة لعمه


 أدنت سوزانا من إبنتها وهى تجفف عينيها بمحرمة ورقية وتساءلت باهتمام وخوف :

– ميس قوليلى الحقيقة ، فى خطورة على حياة جدك 


لم تستطع ميس الإنكار وردت قائلة بصدق :

– للأسف أيوة يا ماما علشان كده العملية محتاجة جراح شاطر ، يعنى لو راسل كان هنا كان ممكن نكون مطمنين ، بس هنجيبه منين دلوقتى مقدمناش حل غير اللى قال عليه خالوه أن نجيب جراح بريطانى 


سمعت حياء إسم زو جها ، وإلتفتت برأسها لميس ، التى بادلتها النظرات تحمل رجاءًا وتمنى وإحتياج لوجود راسل ، فحتى وإن كان غائباً ، فهم بحاجة إليه ، ولكن لا أحد منهم يملك حيلة لإعادته 


نظرت غزل لزوجها ومن ثم نظرت لميس وتساءلت :

– طب أنتى يا ميس مش تقدرى تعملى العملية دى لجدك


زاغت عينى ميس بعدم إتزان ، فهى لم تضع بعقلها التفكير بذلك الأمر ، ليس لشئ سوى أنها لن تتمكن من أن ترى نفسها ومبضعها يعمل على شق جـ ـسد جدها ، حتى لو كان ذلك سيتم كسبيل لإنقاذه 


فقطبت حاجبيها وردت قائلة برفض :

– مش هقدر أعمل كده أعصابى متستحملش أشوف جدو فى العمليات أو ألاقى إيدى غرقانة بدمه مستحيل 


لم يتشدد أحد منهم برأيه لعلمهم بمدى حسها المرهف ، فأحياناً كانوا يتعجبون من إنها رغبت فى دراسة الطب وخاصة الجراحة ، نظراً لرقتها ومدى خوفها من أن تخفق بإنقاذ مريض 


وضع عاصم ذراعه حول كتفى غزل ونظر لإبنة شقيقته قائلاً بهدوء :

– خلاص يا ميس أنا هبعت أجيب الدكتور اللى هيعمل العملية بس يارب ييجى على طول 


نفخت ميس وردت قائلة بتمنى :

– يارب الموضوع يخلص على طول لأن أكيد أى دكتور هييجى من برا هياخد وقته على ما يوصل ، ولو جده كانت صحته تستحمل كنا إحنا سفرناه بس مش هينفع دلوقتى ، حتى لو كانت حالته مستقرة حالياً ، بس مش لازم يتعرض لإجهاد من أى نوع 


عادوا لصمتهم ، وكل منهم يبتهل بداخله على أن يمر الأمر بسلام ، خاصة أن الجميع لا يستطيعون تخيل حياتهم من دون كبيرهم ، فرياض كان دائماً الدرع الحامى وحامل لواء تلك العائلة منذ أن تولى تدبير شئونها خلفاً لأبيه ، حتى حياء التى لا يربط بينها وبينه سوى أنها زو جة ولده ، إلا أنها باتت كأنها تقاسمت دماءها مع دماء أفراد عائلة النعمانى ، حتى وإن لم يحالفها الحظ بإنجاب حفيد أخر لرياض ، ولكن يكفيها أن طوال العامين الماضيين ، عاشت مطمئنة بكنفه ، فدائماً ما كانت كنية عائلة زو جها ، تفرض على الجميع إحترامها 


فغمغمت حياء بصوت خافت وعيناها مغرورقتان بالدموع :

– يارب إشفيه يارب ويقوم بالسلامة ، اللهم إشفه شفاء لا يغادر سقماً يارب


ظلت تدعو وتبتهل بالدعاء لله ، ووقفت أمام غرفة العناية الفائقة ونظرت لوالد زو جها عبر الزجاح الفاصل بينهما ، ولم تمنع سريان الدموع على وجنتيها وهى تشعر بذلك الخوف الذى راح ينخر بقلبها خشية أن يصيب رياض مكروه ، فيكفيها ما خسرته من أحبابها ، فرياض هو من ساهم بأن تصبح ماهى عليه الآن ،وأن تكتسب تلك الشخصية التى تبدو للجميع أنها ستتخطى الصعاب مهما بلغت صعوبتها ، على الرغم من أن خلف قناع شجاعتها فؤاد ممـ ـزق وروح تغص بالشكوى ، ولكنها بهذان العامان إستطاعت التعلم كيفية السير قدماً بحياتها ، وأن لا تجعل رياح الخيبة والخذلان تعيث فساداً بهدوءها الظاهرى 

❈-❈-❈

على صعيد أخر ، كان هو جالساً على الأريكة ومنحنياً بجزعه العلوى وهو ينظر بشاشة حاسوبه الشخصى ، فرفع يـ ـده وعدل من وضعية نظارته الطبية الأنيقة ، ومسد على شعره برفق ومن ثم لحيته التى تخللتها بعض الشعيرات البيضاء ، على الرغم من أن شعره مازال حالك السواد ، ومن ثم عاد لإنهاء ذلك التقرير الطبى ، الذى حرص على إنهاءه بالمنزل بعد عودته من ذلك المشفى الذى يعمل به ، فبخضم إنهماكه بإنهاء التقرير ، رآى يـ ـد صغيرة بيضاء ملساء مكتنزة راحت تضرب على لوحة المفاتيح والشاشة ، رافقها ذلك الصوت الطفولى المهمهم بحروف غير مفهومة سوى أن المتحدث بها يعلن عن وجوده محاولاً نطق كلمة " بابا " ، بل لم يكتفى بذلك بل أنحنى برأسه الصغير ، وراح يلعق الحاسوب بلسانه الذى ترك أثار لعابه على مفاتيح الكتابة والشاشة 


فضحك راسل وحمل الصغير ووضعه على ساقه قائلاً بمداعبة :

– أنت بتعمل إيه أنت دلوقتى ، حلو كده هى أسنانك مضيقاك أوى كده 


قهقه الصغير ذو الحادية عشر شهراً ، فأقترب من ذقن راسل وقضمها بأسنانه ، فقال راسل متأوهاً :

– ااه ، سنانك زى الموس ساندرا ساندرا تعالى خدى ساجد عايز أخلص شغلى 


تركت ساندرا ما بيدها وخرجت من المطبخ ووصلت للصالة فحملت الصغير وقـ ـبلته على وجنته وهى تقول بمداعبة :

– بتعمل إيه ساجد ، سفاح أنت 


لم تجد ساندرا صعوبة بتعلم اللغة العربية ، فبالعامين الماضيين إستطاعت تعلمها من راسل ووفاء وسجود ، حتى إستطاعت أن تنطق بها بمهارة ، حتى أنها لم تعد تستخدم لغتها الفرنسية إلا إذا كانت خارج المنزل ، فأخذت الصغير معها للمطبخ لتترك راسل ينهى عمله ولكن ما كاد يعود لإنهاء التقرير ، حتى وجد سجود تهبط الدرج وهى تصيح بإبتسامة :

– بابى أنا خلصت الواجب ومذاكرتى كلها ، يلا بقى علشان نخرج زى ما وعدتنى 


فتح لها راسل ذراعيه يدعوها للإقتراب ، فهرولت إليه وأندست بين أحضانه ، طبع قـ ـبلة حنونة على رأ سها ، وإبتسم لها بمحبة ، فصغيرته أكتسب طولاً عن ذى قبل وزاد حسنها وجمالها ، وكأن عمرها الذى يقترب الأن من السابعة ، وضعها على أول خطى الهدوء ، فهى لم تعد تبكى كالسابق ، بل كأنها أكتسبت الكثير من هدوءه وبروده ، على الرغم من كونها مازالت طفلة


وضع شعرها خلف أذ نيها وقال بطاعة لا يظهرها إلا لها هى فقط :

– حاضر يا روح بابى ، بس أخلص شغلى ده وهنخرج كلنا هى فين تيتة وفاء 


رفعت سجود سبابتها تشير للطابق الثانى وردت قائلة بصوت خافت :

– تيتة فى أوضتها فوق ، بس مش أنت يابابى قولتى هخرج أنا وأنت بس ، أنا مش عايزة حد ييجى معانا


رآى راسل ملامح الحزن على وجهها ، فعلم أنها كانت تريد الإستئثار به بعض الوقت ، ولا يخفى عليه أنها حتى الآن لم تتقبل وجود ساندرا أو الصغير ، كونها تراهما أنهما أخذوا منها أباها ، الذى تعتبره ملكية خاصة بها 


ربت راسل على وجنتها ورد متسائلاً بحب :

– أنتى مش عيزانا نخرج كلنا سوا وناخد ساجد معانا يا سيجو ؟


أشاحت بوجهها عنه ونظرت حيث تقف ساندرا بالمطبخ وتضع الصغير على المقعد الخاص به ، وعلى الرغم من أنها لا تكره الصغير ، إلا أنها ترى أن دلال أبيها يجب أن يكون خاص بها وحدها مثلما اعتادت دائماً


فردت قائلة بنبرة مفعمة بالصدق :

– أنا بحب ساجد يا بابى ، بس عيزاك أنت ليا لوحدى ، وأنا مش عايزة ساندرا ، أنا عايزة مامى ، هى وحشتنى أوى يا بابى


فالوحيدة التى ستسمح لها بالإقتراب منه هى حياء أو والدتها حسب إعتقادها ، فهى لم تنساها مطلقاً ، بل كلما كانت تشتاق إليها ، ترى صورها أو تشاهد الفيديوهات التى جمعتهما سوياً ، ولم تسمح لأحد بأن يملأ هذا الفراغ الذى تركته حياء 


أراد راسل فض ذلك النقاش ، الذى سيجعل إبنته تبكى بالأخير ، فمسد على خصيلاتها الحريرية الطويلة قائلاً بإبتسامة :

– طب يلا روحى جهزى نفسك أكون أنا خلصت التقرير ونخرج أنا وأنتى بس المرة دى 


صفقت سجود وركضت على الدرج ، فى حين أن ساندرا ظلت تنظر إليه بصمت ، ولكنه لم يجد ما يقوله أو يفعله سوى أن يعود لإنهاء عمله 


انتهى من كتابة التقرير ، فحرك رأسه ودلك عنقه ، وأخذ هاتفه ليستطلع أحوال من ظل يراقبهم على مواقع التواصل الاجتماعي طوال فترة غيابه عنهم ، فبدأ أولاً بحياء ولكنه لم يجد شيئاً جديداً ، ولكن وجد بحساب الفيسبوك الخاص بميس منشوراً عن كونها تشعر بالحزن لمرض جدها وتطلب من الجميع الدعاء له 

أصفر وجهه على الفور ، فمعنى ذلك أن والده مريض ، ويبدو أن الأمر ليس هيناً وإلا ما كانت ميس فعلت ذلك ، فلم ينتظر دقيقة أخرى ، إذ ترك مكانه وخرج للحديقة وبحث عن رقم هاتف إبنة شقيقه ، ولم يتردد بالاتصال بها وهو يدعو أن تجيب على الهاتف 


فسمع صوت ميس وهى تقول بدهشة :

– ألو مين معايا


رد راسل قائلاً باهتمام وجدية :

– أنا راسل يا ميس قوليلى ماله جدك فى إيه وإيه اللى حصله 


تتابعت أنفاس ميس بعد سماعها صوته ، فدمعت عيناها رغماً عنها وردت قائلة بغصة :

– راسل أنت كنت فين وسيبتنا ، أنا كنت محتجالك أوى ليه تعمل فينا كده 


وصل لأذنيه صوت نهنهتها وشهقاتها ، فرد قائلاً بشعور غريب من الندم :

– حبيبتى إهدى بس وقوليلى فى إيه ، وجدك عامل ايه دلوقتى


قالت ميس بشعر من الخوف :

– جده تعبان أوى يا راسل وكمان محتاج تدخل جراحى ، وإحنا كلمنا دكتور بريطانى علشان ييجى ويعمل العملية ، لو أنت كنت هنا مكنش هيبقى فى مشكلة لأنك أنت كان ممكن تعملهاله 


ضغط راسل بأنامله على عيناه ، كأنه شعر بألم مفاجئ بهما ، علاوة على أنه أخذ يدور حول نفسه بتيه وتفكير ، ولكن سرعان ما رد قائلاً بهدوء ظاهرى :

– أنا راجع إسكندرية يا ميس ، راجع على أول طيارة إن شاء الله 


يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية




رواياتنا الحصرية كاملة