-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 25

 

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى





رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 
الفصل الخامس والعشرون



أقل تعبير يمكن أن توصف به حالتها، هو الصدمة البحتة، فنمو جنين آخر في رحمها، يعني كارثة حلت عليها من جميع الأنحاء، فمن آخر المستحيلات أن يقبل "عاصم" بإنجابهما لطفل آخر، ولا هي حتى ستستطيع الإعتناء بطفليها وإعطائهما كامل الرعاية المستحقة، في ظل إجهاد الحمل خاصة في فترته الأولية، وذلك في حالة إن أُكمل ذلك الحمل، ناهيك عن فترة ما بعد الولادة، واهتمامها الذي سيُختزَل بشكل كامل على الرضيع حديث الولادة، حينها ستهمل الطفلين إهمالا شنيعا، وهي غير راغبة في تقليل اهتمامها بهما ولو بقدر بسيط، خاصة في تلك المرحلة الفارقة من عمرهما.


زفرت من رئتيها دفعة من الهواء الساخن؛ المعبأ بالمخاوف التي انبجست بقوة إلى داخلها فور رؤيتها لتلك الشرطتين على شريط اختبار الحمل المنزلي، توجهت بخطوات مهزوزة، نحو سلة المهملات الموضوعة في المرحاض على مقربة منها، ألقت بإهمال الشريط المستهلك بها، ثم سارت نحو الصنبور، وملأت راحتي يديها المياه، وقامت بغسل وجهها، حتى تنعشه وتزيل أمارات الشحوب الذي اعتراه، قامت بتجفيف وجهها، ثم تحركت صوب الخارج، حتى لا يشك زوجها في وجود شيء بها بسبب إطالة مدة بقائها بالداخل.


تفقدت وجوده جينما خرجت من المرحاض، ولكنها لم تجده في أي من غرفة الثياب، أو الشرفة، وبالتأكيد كانت باقي الغرفة فارغة من وجوده، ازدردت ريقها وهي تخطو خطواتها نحو أسفل، وبداخل صدرها يقرع قلبها كالطبول مع كل خطوة تأخذها نزولا فوق الدرج، حاولت بكل طاقتها محو آثار صدمتها من فوق ملامحها الباهتة، وتظاهرت بالتلقائية وهي تتوجه للجلوس بالكرسي المجاور لكرسيه المترأس مائدة الطعام، نظر لها وهو يلوك الطعام بفمه، وتساءل بنبرة عادية:


-اتأخرتي فوق كده ليه؟


رفعت عينيها اللتين كانت منخفضتين لأسفل، في نظرة تكاد تكون متسعة بها هلع واضح، وردت عليه بصوت متلجلج:


-كنت برضع الولدين.


تعجب من حالة الذعر البادية عليها، وسألها باستشفاف بنفس النبرة الجامدة:


-في حاجة حصلت؟


جاوبته فور انتهاء سؤاله، نافية بلهجة باعثة على الشكوك:


-لأ، بتسأل ليه؟


شعر بالريبة من حالتها الغريبة، وأجابها وهو يجول بنظرة فوق وجهها بنظرة متفقدة:


-حسيت شكلك متغير.


ابتلعت ريقها، ورفعت يدها بتوتر ووضعتها فوق جانب رأسها، إيحاءً عن وجود بعض الألم في ذلك الموضع، وأردفت بإنهاك غير مزيف:


-ممكن منمتش كويس بس.


أومأ برأسه في تفهم، ثم أخبرها وهو يشرع في وضع الطعام بفمه:


-طيب يلا افطري.


بهدوء متواريا خلفه خوف شديد، بدأت "داليا" في تناول طعام فطورها، وبداخلها تلعن حظها العثر الذي صادف اكتشافها لذلك الحمل، في اليوم الذي بقى "عاصم" ليتناول فطوره قبل ذهابه للعمل، وهذا لا يحدث إلا نادرا، فهو عادة ما يتناول فطوره في مكتبه في الشركة، بسبب رغبته في عدم تأخره تلك الدقائق عن موعد بدء العمل، كما أنه يحبذ أن يكون أول الحاضرين، علقت اللقمة في حلقها، وخفق قلبها بقوة، حينما صدح صوت "عاصم" بغتة، موجها حديثه الصارم نحو أخيه، الذي جاء لتوه لتناول طعام الفطور:


-الفطار هنا بميعاد، السفرة مش هتتحط كزا مرة عشان جنابك بتصحى متأخر.


توجه "عز الدين" للجلوس بجانب زوجته، التي تركت الكرسي المجاور ل"عاصم" فارغا، تحسبا لمجيء زوجها، وقابل كلمات "عاصم" برد هادئ، يحمل بعض التسلية:


-والله انا بفطر الساعة سبعة زي الناس الطبيعية، إنما فطار الساعة ستة بتاع الفراخ ده مش متعود عليه الحقيقة.


من عادات "عاصم" التي استمرت معه منذ الصغر هو تناول الفطور في تمام السادسة صباحا، فقد كان ذلك الموعد المحدد للفطور في البيت منذ بدأ تناول الطعام مع والديه على مائدة السفرة، وذلك كان راجعا لذهاب والده للعمل باكرا، لقطعه مسافة طويلة من البيت حتى مقر شركته، كانت تستغرق ما يقرب من الساعة والنصف، لذلك بقت تلك الساعة موعدا ثابتا، كما أن "عاصم" رآها مناسبة بعدما أنهى دراسته، وأصبح له عملا خاصا، بسبب ابتعاد شركته هو الآخر عن محل إقامته، سواء ببيت والده، أو شقته المنفردة. نظر له "عاصم" بعينين حانقتين من رده المغيظ، وعلق بشيء من الحدة وعدم التساهل:


-والله لو عايز تعيش في البيت ده، يبقى تتعود على النظام اللي ماشي بيه.


رد عليه "عز الدين" بنفس الأسلوب المستفز، والمتقصد التحدث به معه: 


-والله لو متضايق من وجودي في البيت ده، يبقى اختلاف مواعيد اكلنا هيخلي كل واحد فينا يرتاح من خلقة التاني.


حدجه "عاصم" بنظرة مستشاطة، خاصة عندما وجده بدأ في تناول الطعام مع تجاهل تام لما قاله، نهض عن كرسية بغضب مكتوم، ولكنه واضح مما صدر من احتكاك الكرسي بالأرضية، حينها هتفت "داليا" متسائلة بتلهف:


-رايح فين؟ مكملتش أكلك.


بقت أنظاره الكارهة، والضائقة على وجه الآخر -الذي لا يعيره أي اهتمام- وهو يرد عليها في غليل ناقم:


-معدتش قادر، الأكل وقف في زوري.


ما كاد يشرع في التحرك حتى أخبره "عز الدين" بكلمات تهكمية على شكل نصيحة:


-أشرب مايه يا عاصم، مفيد جدا شرب المايه بعد الاكل وبيسهل عملية الهضم.


اشتعل وجه "عاصم" بحمرته الحانقو، وكز على أسنانه بغضب يحاول كتمه حتى لا تثور ثائرته في وجهه، ثم غمغم وهو يسير في خطا سريعة، منفعلة نحو باب الغرفة:


-اللهم طولك يا روح.


تراقصت بسمة متسلية على شفتيه وهو يتابع سيره، وبعدما اختفى من أمام مرمى بصره، عاد بناظريه إلى الطعام، ولكن حال دون ذلك انتباهه لنظرات والدته الغير راضية، وعبوس وجه زوجته، رفع حاجبيه بحركة زيف تلقائيتها، قائلا بجدية مصطنعة:


-إيه بتبصولي ليه؟ دي معلومات طبية مش جايب حاجة من عندي.


تفاجأ ثلاثتهم من ضحكة "داليا" التي صدحت بغتة، فالشد والجذب الذي دار بين الأخوين جعلها تتاسى الأمر الجلل الذي علمته، وأعجبت بشخصية "عز الدين"، وأسلوبه العابث مع زوجها، مما جعلها تشعر بحالة من الألفة تخيم في المكان في وجوده بالذات، حتى وإن كان وجوده في حد ذاته يثير غضبة "عاصم"، إلا أنها تشعر وبقوة أن أخوتهما سيكون لها تأثير عارم في تغيير مجرى حياة "عاصم" مستقبلا. نظر لها "عز الدين" ومنحها بسمة طيبة، وهو يطري عليها في ود يمتزج بالمرح:


-طب والله شكلك خسارة فيه، في واحدة تعمل في نفسها كده وتتجوز بوز الأخص ده.


عبس وجهها من وصفه له، وهتفت على الفور بضيق:


-متقولش على عاصم كده.


فغر فمه شارعا في التعليق عليها، إلا أن الكلمات حُبست في حلقه حينما جاءهم نداء "عاصم" من الأعلى:


-داليا.


نهضت عن مقعدها على عجالة، وبخطوات سريعة توجهت نحو الخارج، اعتلى عينا "عز الدين" الذهول من حالة الرهبة التي تملكتها من ندائه، ومسارعتها في الذهاب إليه دون حتى أن تكمل طعامها، نظر بعد ذلك إلى كل من زوجته، ووالدته، وقال وهو يشير نحو إثرها، مكررا ما قاله:


-طب والله خسارة فيه بجد.


❈-❈-❈


بدأت علامات الضيق في الظهور على وجهه، فقد تخطى الوقت الساعة المعتاد الخروج بها كل صباح، كما أن عدم إيجاده للملفات التي تركها أمسا فوق الكومود ضاعف من ذلك الضيق، نفخ في سأم عندما لم يجدهم في أي درج من أدراج أحد الكومودين المجاورين للفراش، التفت وكاد ينادي مجددا على زوجته، حتى يعرف منها إن كانت نقلتهم بعد نومه، ولكن منع صوته من الخروج دلوفها المتعجل، أشار نحو الكومود الجانبي لموضع نومه، وسألها بجمود بملامح يتكتل عليها الانزعاج:


-فين الورق اللي سيبته هنا امبارح قبل مانام؟


تنفست الصعداء، فقد ظنت أنه قد وجد شريط اختبار الحمل الملقى في المرحاض، وتوجهت نحو الخزانة الموضوعة في أحد زوايا الغرفة بصمت لا يخلو من الارتياع الذي تملك من كامل أوصالها فور استماعها لندائه، أخرجت منه الملفات خاصته، ثم عادت إليه وهي تتحاشى النظر نحوه عينيه، كأنما تخشى التهام نظراته لها، واحتمالية استنباطه وجود شيء بها، خاصة مع ملاحظته التغيير البادي عليها، حينما نزلت لتناول الفطور، أخذ الورق من يدها، وعيناه تحاول الوصول إلى حدقتيها المنخفضتين لأسفل، تضاعف شكه حول حدوث شيء معها، وسألها بجدية:


-في إيه؟ وشك متغير من ساعة مانزلتي تفطري؟


رفعت بصرها نحو وجهه، ثم حادت بهما في لحظتها عنه في توتر ملحوظ، فركت يديها في تخبط، وتخوف، ولكن عقلها دفعها إلى مصارحته، حتى تعرف ما الذي عليها فعله حيال ذلك الأمر الصادم، كما أنها تخشى من تأخير إخباره عن حملها الغير متوقع، لما سينتح عنه من تضاعف غضبه إن علم بمواريتها عمدا ذلك الأمر عنه، تهدجت أنفاسها، وخرجت الكلكات على شاكلة متلعثمة وهي تقول:


-في حاجة حصلت كده و..


تطايرت الحروف من فوق لسانها، وعجزت عن إكمال عبارتها، بينما ضيق "عاصم" المسافة الفاصلة بين حاجبيه في غرابة مما يراه عليه، ومن توقفها عن الحديث بشيء محدد، وسألها مجددا بترقب:


-حاجة إيه؟


رمشت بأهدابها لعدة مرات، ولم تتحكم في تلعثمها وهي ترد عليها:


-أنا.. أنا من شوية قبل مانزل افطر..


سحب نفسا مطولا ثم زفره دفعة واحدة، قبل أن يسألها في انزعاج من مماطلتها:


-في إيه يا داليا؟ اتكلمي علطول.


نظرت له بتوسل يخالطه خوف يتصاعد بداخلها مع كل ثانية تمر، وهتفت محاولة استعطافه:


-أنا مش عايزك تتعصب بس من اللي هقوله.


سأم من عدم تحدثها مباشرة دون ذلك التمهيد الخانق، وهدر بصبر نافذ:


-إيه اللي عايزه تقوليه؟ اخلصي.


انتفضت من علو صوته المباغت، وأخبرته بنزق دفعة واحدة:


-أنا حامل.


شحب وجهه، وثبتت نظراته المصدومة على وجهها، كأنما يبحث في كلماتها المُقالة عن أي مزاح يخالطها، وسألها بغير استيعاب:


-بتقولي إيه؟


تدفق الأدرينالين في عروقها من هدوئه المقلق، والتي تعلم أنه هدوء ما قبل العاصفة، تراجعت بظهرها للخلف خطوة، وهي تحاول التبرير بصوت مهزوز:


-والله يا عاصم أنا..


انقطع صوتها، ولم يسعفها لسانه لإيجاد كلمات مناسبة، بينما حرك "عاصم" وجهه باستفسار على نفس الهدوء الباعث على الريبة، وسألها بصوت أجوف:


-انتي إيه؟


بللت شفتيها، وبارتجاقة واضحة في صوتها وحركة فمها قالت له بنبرة خرجت مبحوحة:


-أنا مكنش قصدي.


رفع حاجبيه باستنكار لتبريرها الواهي، والذي رآه استخفافا منها له، وعقب بتهكم بصوت بدا فحيحا أكثر منه هدوءً:


-والله؟


انبجس في جسدها ما يشبه الرعدات المتواترة من تزايد خوفها، وتلجلج صوتها وهي تستضيح:


-صدقني أنا باخد الحبوب، بس تقريبا في.. لما كنا متخانقين كنت وقفتها، واتصالحنا فجأة وأنا.. مكنتش اعرف إن ممكن احمل من مرة آآ..


غادر حلقها بدلا من الحروف صرخة متألمة، عندما تهاوت صفعة قاسية على وجهها، أدمت وجنتها في لحظتها، ولم تستفق من صدمتها حتى قام "عاصم" بجذبها نحوه بقبضه على خصلات شعرها، وقال بما يشبه الزئير بالقرب من أذنها:


-أنا مش منبه عليكي تاخديها كل يوم حتى واحنا مش بعض.


اهتز كامل جسدها في رجفات متتالية، ونهنهات بكائها أخذت تعلو شيئا فشيء، ليستشيط غضبا من عدم ردها، وهدر في صوت محتدم:


-حصل ولا محصلش؟


ارتعدت فرائصها، وردت عليه في هلع شديد بنحيب باكٍ:


-حصل، وأنا كنت باخدها، بس اا..


صرخت متألمة من دفعه لها، فقد تسبب ذلك في ازدياد جذب شعرها الذي كان ملتفا حول أصابعه، ولم تكد تحاول أن تتحرك من أمامها حتى حاصرها بينه وبين الحائط، وصاح في استهجان شديد:


-بس إيه؟ هتبرري المرادي بإيه؟


ارتفع صدره وهبط في تكرار ناهج، ينم عن نيران غضب أهوج على وشك أن تثور، إن ترك نفسه عليها مؤكدا لن يتركها غير وهي لافظة آخر أنفاسها، لذا بجهد جهيد أبعد نفسه عنها، وبحركة عصبية انتزع الإطار الكبير المعلق على الحائط لصورته، وألقاه بانفعال شديد أرضا، انكسر وتناثر الزجاج في الأرجاء، مخلفا صوتا صاخبا مخالطا لصوت صراخها الملتاع، لم يكتفِ عند ذلك الحد، بل توجه نحو تسريحة المرآة، ومرر بعصبية ساعديه عليها، ملقيا كل ما فوقها بجوار الإطار المحطم، متهشما كل ما هو زجاج من بينهم، ومتبعثرا باقي الأشياء في أنحاء متفرقة، وبعد كل ذلك لم يرَ أنه تنفيسا كافيا عما يختلج صدره، بل ازداد انفعالا، ورعونة عن ذي قبل، عاد لها ثانية، وقبض على جانب ذراعها، وحركها في يده بعصبية مفرطة، كادت تشعر أن عظام ذراعه تداخلت فوق بعضها من قوة قبضته، وبهياج شديد صرخ بها:


-انتي عايزه توصلي لإيه؟ لقيتيني ساكت بقالي فترة ومش بحاسبك على حاجة ولا بعلق على نمردتك معايا، فقلتي اما اكمل واضغط عليه لحد ماخليه يرجع أسوأ من الأول، عشان وقتها تعيشي في دور المظلومة والضحية ويبقى عاصم ابن ال(...) هو الظالم المفتري.


ضرب الحائط بجانب رأسها وهو ينهي عباراته الهادرة، بينما هي ردت عليه بتخوف شديد ممزوج بنشيج بكائها:


-محصلش والله يا عاصم اا..


في حين كانت ترد عليه، في محاولة بائسة لنفي ما يجول في ذهنه حيالها، كان يدور في مكانه كالثور الهائج، ويديه تضغطان على رأسه، لتسكت ذلك الصخب الذي يحاول دفعه إلى خنقها، وقبل أن تتابع في كلماتها التي لا تزيده سوى انفعالا، انتشل من فوق الطاولة القريبة منهما مزهرية، ألقاها في نفس البقعة الجامعة لكل ما هو ملقى ومتناثر، لتضاف إلى ما تم تحطيمه، صرخة هلعى عبرت بها "داليا" عن مدى خوفها، وما وصلت له من حالة ذعر من الصعب التحكم فيها الإن، أو التوقع بتبعاتها فيما بعد، بينما حول هو عينيه اللتين يتطاير منهما النيران لها، وقد احمرتا إلى حد مخيف، وباعث على الرعب، أدركت أنها باتت الآن قاب قوسين أو أدنى من الهلاك من تلك النظرات الغير متساهلة، اقترب منها في حركة متباطئة وهو يتنفس بتسارع، وعندما أصبح قبالتها، رفعت يديها لتضعهما أمام وجهها، لتشعره بخوفها البالغ من متابعة تعنيفه الجسدي لها، انفرجت شفتيه ببسمة تهكمية، مليئة بالغليل من تسببها في عودته لنقطة الصفر معها مجددا، بقى واقفا لعدة لحظات بهدوء مخيف، متناقض مع عصبيته التي لم تختفِ من فوق وجهه المشدود، أو عضلات جسده المتشنجة، ولا حتى عروقة المنتفخة، وقال أمام وجهها بصوت جامد، غليظ:


-برافو يا داليا، عرفتي صح تطلعي الشيطان اللي جوايا تاني.


رمقته بعينين تفيضان الدمع، وشفتيها لا تنفكان عن الارتجاف؛ مع اهتزاز جسدها الواضح له، منع قلبه من التعاطف معها، بل وأسكت صوت ضميره حتى لا يشعر بالذنب حيالها، وتابع في خشونة:


-بس اعرفي إنك انتي اللي بتحاولي بكل الطرق تجيبي نهاية اللي بينا، عشان لما اطلقك متقوليش إني ظلمتك أو جيت عليكي.


اعتلت الصدمة عينيها المحمرتين، وخفق قلبها في وجل من عبارته الموحية على احتمالية نهاية زواجهما، انهمرت المزيد من الدموع الحارقة، بينما هو لم يكترث لتأثير ما قاله عليها، وبعدما ألقى كلماته الخالية من الرحمة، والعطف، في وجهها، غادر بخطوات متسارعة، ومتعصبة، صافقا الباب بغل من خلفه، انتفض جسدها على إثره، وسقطت على الأرض باكية في انهيار شديد، فقد حطم ما حاولت بناءه في علاقتهما المتزعزعة، وبعد أن نجحت الفترة الماضية في لملمة شتات روحها، بعثر كافة أحلامها، ودعس من جديد كبريائها، جاعلا كل ما بداخلها له في لحظة مشاعر مهشمة.


تابع قراءة الفصل