-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 25 - 2

 

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



تابع قراءة الفصل الخامس والعشرون 

العودة للصفحة السابقة


إن كانت الغلبة ل"عاصم" في الحضور المهيب، والتسلط الشديد، ولكن "عز الدين" امتاز عنه بالطباع اللينة، وحسن المعشر، فقد كانت زوجته تلبي كافة متطلباته طوعا وليس كرها، حيث أنه كان يطلب حاجته بتهذيب ووقار، ولا يلجأ نهائيا إلى السيطرة والإجبار، لذلك اعتادت على القيام بدورها معه دون أن تنتظر قبلا طلبه. تابعته أثناء ارتدائه ثيابه بعينين شقيتين، يعلق بهما مطلب تريد أن تصرح عنه، بحنكة اتسم بها، ولحفظه لكافة إيماءاتها، فطن "عز الدين" وجود شيء تريد مطالبته به، سألها ببسمة طيبة وهو يغلق آخر زر في قميصه:


-عايزه إيه يا زينة؟


دنت منه بخطوات غنجة، ثم التصقت بصدره، بعدما انتهى من غلق أزرار قميصه، وقالت له وهي تمسح فوق جانب صدره بيدها:


-النهارده متابعة الحمل.


لم يفهم المغزى من وراء إبلاغها له بالموعد، وسألها في اهتمام:


-ماما رايحة معاكي، مش كده؟


ابتسمت له بدلال، ثم طلبت منه في رقة:


-بصراحة أنا عايزاك تيجي انت معايا المرادي.


لم تفتر البسمة من فوق شفيته، وعلق بتساؤل يحمل التنبيه:


-طب والشغل؟


ابتعدت عنه قليلا، وهي تهتف في احتجاج مصطنع:


-النهارده مش هتروح العيادة، وهتخلص شغلك في المستشفى الساعة اتنين، وأنا متابعتي الساعة تلاتة.


همهم لعدة لحظات في تفكير، ثم استطرد سائلا بجدية:


-هتسيبي يونس مع ماما؟


عقدت ما بين حاجبيها، ثم سألته بغرابة:


-أيوه بتسأل ليه؟


حاوط خصرها بيديه، وقربها منه المسافة الضئيلة التي كانت قد ابتعدتها، ثم سألها وهو متأكد من الإجابة مسبقا:


-إيه رأيك بعد المتابعة اعزمك على الغدا برا؟


قفزت في مكانها في ابتهاج وهي تقول بموافقة يقطر منها السرور المتلهف:


-انت بتسأل؟ موافقة طبعا.


رفع حاجبيه في صدمة من فعلتها الغير عقلانية لامرأة ما تزال حاملا في شهرها الرابع، وهتف بذهول:


-بالراحة يا هبلة الحمل.


كركرت ضاحكة على انتباهها لفعلتها العفوية، بينما ضمها هو إليه مطولا، ابعدها بعد عدة لحظات وانحنى مقبلا مقدمة رأسها، ثم أخبرها في حنو:


-هخلص شعل وآجي آخدك.


ردت عليه باعتراض هادئ:


-ملهوش لازمة يا عز تتعب نفسك وتيجي لحد هنا وأصلا عيادة الدكتور في نفس مكان المستشفى.


زوى ما بين حاجبيه وهو يسألها باستشفاف:


-يعني هتيجي انتي لواحدك؟


حركت كتفيها في تلقائية، وأجابته بنبرة عادية:


-ايوه وفيها إيه؟ هركب تاكسي، والطريق من هنا لهناك مايتوهش يعني.


ضم شفتيه للحظة، قبل أن يقول بموافقة تحمل بعض القلق:


-خلاص زي ماتحبي، بس خليكي معايا على التليفون.


أومأت له برأسها وقالت بنعومة:


-ماشي.


رمقها بنظرة حنون، ووضع يده فوق وجنتها يتحسسه في رقة وهو يودعها:


-باي يا حبيبتي.


ظلت موضعها تناظره بعينين عاشقتين حتى غادر الغرفة، ثم تحركت بحماس صوب المرحاض، وبداخلها تمني نفسها بقضاء يوم مبهج رفقة زوجة الحبيب، متلهفة لمضي الوقت حتى يحين موعد الذهاب للقاء المتفق عليه بينهما، ويا ليت أمنيتها البسيطة تكتمل على نفس الشاكلة التي رسمتها في مخيلتها، وتمنتها بكل شغف داخلها يتحرق لاستعادة أيام خطبتها.


❈-❈-❈


قاطع سير "عاصم" المنفعل في الرواق الطويل المؤدي إلى الدرج، خروج "عز الدين" من غرفته، تخطاه في سرعة غريبة، هيئته توحي بتحفزه إلى الدخول في عراك ملحمي، لاح التعجب على وجه "عز الدين"، وظن أن انقلاب سحنته هو المتسبب فيه، بسبب عبثه المقصود معه أثناء تناول الفطور، شعر بالضيق داخله من تعكيره صفو أخيه في بداية اليوم، وهو شارع فس الذهاب إلى عمله، لذا رغب في التحدث إليه، لاستشفاف حالته، ولكنه عندما توقع رده في ذهنه، تراجع عن قراره، وسار خلفه في صمت، صعد "عاصم" إلى سيارته الحديثة، وأغلق بابها في عصبية واضحة، ثم أدار المحرك وقادها بسرعة تعجب منها "عز الدين" الذي لم يركب سيارته بعد، مط شفتيه وشعر بوحود خطب به، أكبر من الحوار الذي دار بينهما، ولكنه سريعا ما نفض الأمر عن رأسه، وصعد إلى سيارته، وبدأ في قيادتها.


الاختناق جثم بقوة على صدر "عاصم"، مد يده وفتح أول أزرار قميصه، حتى يسمح للهواء بالمرور إلى صدره، عله يبدد تلك السخونة الخانقة، أنفاسه ما تزال متسارعة، كأنه في سباق ركض منذ ساعات، للمرة الثانية تضعه أمام الأمر الواقع، وبعد أن فرضت عليه طفلين لم يرغب يوما في وجودهما، تخبره بمجيء آخر، وترغب في ألا يغضب وهو يستمع إلى ذلك النبأ، اتعتقد أنه شخص صالح حتى تحمله مسئولية أرواح في رقبته؟ هل تظن أنه سينجح في تربيتهم تربية صحيحة؟ هل تعتقد أنه سيمدهم بالمشاعر الأبوية اللازمة، هل ترى أنه معاملته لهما ستكون لائقة، كيف وهو لم يحصل على كل ذلك من والده؟ كيف وهو لا يعرف حتى كيفية إعطاء ما هو فاقد له؟


هو كوالده، نسخة منه، مطابقا له في أفعاله، لم يكن والده صالحا ليكون والدا، ولا هو كذلك، ولكن الفارق أن والدته أدركت حقيقة الأمر، ورفضت أن تنجب منه طفلا آخرا، لمَ لم تدرك "داليا" ذلك؟ لمَ تجبره أن يزداد عنفا وطغيانا؟ وتجعله يلجأ للأسلوب الوحيد الذي يستخدمه عندما تفعل ما لا يريده، كما فعل والده بالضبط أول مرة عارضته والدته، وكان على مرأى ومسمع منه، عندما كان بالسابعة من عمره، وكان متوجها للجلوس رفقة والدته صباح يوم عطلته الأسبوعية، ولكن للغرابة كانت الحالتين متضادتين، فقد كان والده يرغب في طفل الآخر، وبعد محايلات مستميتة منه، انتهت بشجار حامٍ بينهما، نهض عن جلسته وهتف في عصبية:


-أنا عايز افهم انتي ليه مش عايزه تجيبيلي طفل تاني.


وقف "عاصم" بجوار باب الغرفة، عندما وجد الجو مشحونا بالداخل، خشى أن يدلف في ذلك الوقت، ويلقى تعنيفا من والده، لذا بقى موضعه، وقرر الدخول بعدما يترك الآخر الغرفة، ولكنه أبقى عينيه تختلس النظر لما يدور بالداخل، تظاهرت والدته في انشغالها في ترتيب ملابسها في الخزانة، قائلة بهدوء -رغم الضيق البادي عليها- وهي توليه ظهرها:


-كمال احنا اتكلمنا في الموضوع ده مية مرة، وانت عارف ردي كويس أوي.


نفخ والده في صبر نافذ، وهتف مؤة أخرى باحتجاج من عنادها:


-كل اللي حوالينا معاهم عيل واتنين، اشمعنا احنا.


أغلقت درفة الخزانة، ثم استدارت له وأخبرته بنفس النبرة المتريثة:


-أنا مليش دعوة بكل اللي حوالينا.


توجه ليقف قبالتها، وسألها بانزعاج واضح:


-امال ليكي دعوة بمين؟


ردت عليها وهو تنظر بداخل عينيه بنظرة بائسة:


-ليا دعوة بينا احنا بس يا كمال.


حدجها بنظرة غير راضية، وتساءل بنبرة متجهمة:


-واحنا مالنا؟ إيه اللي يمنع اننا نخلف طفل تاني؟


زفرت بحنق، وقد نفذ صبرها أمام إلحاحه المتزايد، وأجابته ببعض الانفعال الذي ظهر في صوتها وحركات يديها المتفاعلة مع حديثها:


-اللي يمنع إنه مكانش ينفع من الأساس أن يبقى عندنا أطفال، احنا علاقتنا ببعض شبه منتهية من وقت مابدأت، وكل واحد مكمل عشان رغبة خاصة بيه، انت مكمل في الجواز دي عشان بابا بيمولك شغلك، وأنا مكملة عشان للأسف حبيتك وجربت كزا مرة ابعد عنك ومقدرتش، غير كده احنا الاتنين كان زمانا منفصلين من زمان أوي .


بم يتأثر وجهه بما قالته، كأنما يتفق معها في رأيها، وببرود هتق معقبا:


-ومنفصلناش يا نيرة، وبصفتك مراتي اعتقد من حقي إني يبقالي عيل كمان منك.


احتدمت نظراتها، ودمدمت باستهجان:


-أنت مش من حقك أي حاجة يا كمال.


توسعت عينيه من قولها، ودنا منها قابضا على جانب ذراعها، وقال زاجرا إياها بغلظة:


-انتي اتجننتي ولا ايه؟


لم تعبأ بغضبه الذي يتطاير من عينيه، وهتفت بجرأة مضيفة:


-لا ماتجننتش، أنا عاقلة وعارفة أنا بقول إيه كويس أوي، وعشان كده بقولك انت مكانش ينفع أصلا تبقى أب يا كمال.


رفع يده الأخرى وسقط بها على وجهها، صافعا إياه بقوة، إثرا لها مال وجهها إلى الجانب، أغمضت عينيها، وزمت شفتيها محاولة كبح بكائها، ثم عاودت النظر له، ولمعة الدموع ظاهر أمام حدقتيها، وقالت له بكلمات موحية:


-عرفت ليه مكانش ينفع تبقى أب؟


وضع "عاصم" يده فوق فمه، كاتما شهقة خوفه، ولم يستطع متابعة الانصات لما يقولها بعد ذلك، ولكنه عندما لمح تقدم والده نحو باب الغرفة، ركض نحو غرفته، خوفا من أن يكون قد رآه، وينهال عليه بالصفعات التأديبية على تجسسه الغير مقصود عليهما، دلف إلى حجرته، وأنفاسه متهدجه من كثرة رعبه، ومنذ ذلك الحين، وقد ترسخ في رأسه، أن طباع والده، تجعله غير صالحا لأن يكون والدا.


فاق "عاصم" من تلك الذكرى على صوت بوق سيارة من خلفه، تنبهه إلى تغير إشارة المرور، اعتلى الحنق وجهه من ثبات يديه على البوق، مخلفا صوتا مزعجا ضاعف من ضجيج رأسه، تابع قيادة سيارته حتى مقر شركته، وصوت عقله لا يرحمه، ويردد في رأسه مساوئ والده معه، التي ستتكرر عن طريقه مع كافة أولاده.


سار في صرح الشركة، بهيئة مريبة، فقد كان جسده متشنج في سيره، كما أن نظرات عينيه مهيبة، دلف إلى مكتبه، ومن خلفه سكرتيراته، التي وضعت أمامه غلى سطح المكتب بعض الملفات العاجلة، التي تحتاج إلى إمضته، إثرت الصمت وهو يضع إمضته في نهاية كل ورقة، ويعدما انتهى، ترك القلم وأخبرها بجمود:


-الغي أي مقابلات النهارده، ومش عايز أي حد يدخل مكتبي.


قطبت جبينها وهي تتناول الملفات من فوق المكتب، وقالت في تنبيه له:


-بس يا فندم في اجتماع مهم مع عملاء، ولازم حضرتك..


قاطع استرسال كلماتها، بنظرة غاضبة، قائلا في صرامة:


-أنا مباعيدش كلامي مرتين، اللي قلته يتنفذ.


ضمت شفتيها في حرج، وقالت له في انصياع وهي شارعة في التحرك:


-حاضر يا فندم.


ظل جامد الوجه حتى غادرت السكرتيرة، وما إن أغلقت الباب، حتى ألقى بكل الموضوع فوق المكتب أرضا، ثم دفن رأسه في يديه، وأنفاسه إلى الحين متسارعة، كأنما كل ما أحدثه من خراب في بيته، وتعنيفه الجسدي لزوجته، لم ينفس عن واحد في المئة مما يشتعل بداخله، ولكن ما هو متأكد منه، أن محاولته للتغيير الأيام الماضية، باء بفشل ذريع مع أول مشكلة.


❈-❈-❈



سار "عز الدين" في رواق المشفى، بعدما انتهى من دوام عمله، شارعا في المغادرة، وضع الهاتف فوق أذنه، بعدما أجرى اتصالا على زوجته، حتى يعلم منها أين أصبحت، بعد مضي عدة لحظات جاءه ردها، بعد زفرة سريعة، سألها بنبرة عادية، ظاهرا بها بعض الإنهاك:


-ايوه يا حبيبتي، بقتي فين؟


سار بتباطؤ وهو يستمع إلى ردها قائلة:


-أنا خلاص قربت من المستشفى.


سارع في سيره مجددا وهو يخبرها:


-وأنا كمان خلصت اهو ونازل اقابلك، خليكي معايا بقى.


ران الصمت بينهما للحظات، كان يخرج خلالها "عز الدين" من البوابة الداخلية للمشفى، متوجها نحو سيارته، فتح الباب بجهاز التحكم عن بعد، ثم ركب السيارة، وقبل أن يديرها، هتفت "زينة" عبر الهاتف باسمه:


-عز.


همهم لها وهو يبدأ في قيادة السيارة، مستمعا لصوتها العذب وهي تقول:


-أنا بحبك أوي.


انفرجت شفتيه ببسمة محبة، وقال لها بصوت رخيم معبأ بالعاطفة وهو متوجها نحو البوابة الخارجية:


-وأنا بحبك أكتر.


بعدما خرج من البوابة، وقف بسيارته على جانب الطريق، وفتح الباب وهو يسألها، ونظراته تمر على سيارات الأجرة في محيطه:


-انتي فين؟


قالت له بصوت مرح، جعل حدقتيه تذهب نحوها:


-قدامك بالظبط.


اتسعت بسمته عندما وجدها في ذات الهيئة التي سلبت لُبه منذ النظرة الأولى، كانت على الطريق الآخر المقابل له، كانت تقف منتظرة مرور السيارات حتى تعبر الطريق، لذا قال لها بتحفز وهو يبدأ في السير نحوها:


-خليكي وانا جايلك..


لم تستمع إلى صوته من الصخب المحيط، وفي ذات الوقت لم تنتبه إلى السيارة القادمة في اتجاهها، وقعت عينا "عز الدين" مصادفة وهو ينظر في الاتجاه الآخر على تلك السيارة القادمة على سرعة كبيرة، دب الخوف في قلبه وهتف لها عبر الهاتف لينبهها لعدم المرور:


-زينة.


كانت قد أنزلت الهاتف عن أذنها، ونظرها كان منصبا على زوجها، الذي وجدته يشير لها في هلع وراكضا نحوها بغتة، دون أن ينتبه إلى السيارت القادمة في اتجاهه وهو يقول بارتياع بصوت عالٍ وصل إلى سمعها:


-حاسبي.


عندما انتبهت إلى ما يشير له كان الآوان قد فات، حاولت تفادي الاصطدام بها، إلا أنه لسرعة السيارة، واقترابه الشديد منها طالت جانبها الأمامي جسدها، مما تسبب في دفعها، وفي خلال ثانية كان جسدها ملقيا على الأرض، وفي نفس اللحظة كانت سيارة أخرى مصطدمة بزوجها، لعدم تركيزه على شيء سواها، وآخر ما أبصرته عيناها هو جسده الملقى على الطريق المقابل، ولم تمر إلا لحظات قليلة وغابت عما حولها.


يتبع...




إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة شيماء مجدي من رواية مشاعر مهشمة الجزءالثاني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية