رواية رومانسية جديدة كاملة بين دروب قسو ته بقلم ندا حسن - الفصل 3 - 2
رواية رومانسية جديدة بين دروب قسو ته
من روايات و قصص الكاتبة ندا حسن
رواية رومانسية جديدة
بين دروب قسو ته
❈-❈-❈
تابع قراءة الفصل الثالث
"بعد مرور يومين"
يومين!. كمثل عامين مضوا عليهم في بعد تام..
الإبتعاد عن من تحب وهو أمامك يمثل إليك الموت البطيء، تعرف أنه موت حتمي ولكنه بطيء
منذ آخر مشادة حدثت بينهم جعلته يهتف بحديث بغيض على قلب كل من يسمعه، وعليها هي بالاحتراق، ابتعدت عنه تمامًا تاركه له كامل الحرية في النظر إليها من بعيد كما ستفعل في الأيام القادمة..
تحاول أن تهيأ له ما سيحدث عن قريب، ستكون مُبتعدة عنه كامل الإبتعاد..
بعد أن نامت في منزلها خائفة والذي من المفترض أن يكون هو المكان الوحيد الذي تشعر فيه بالأمان، قررت أنها لن تبقى هنا لمدة طويلة وعلمت أن القرار الصائب حقًا هو الإبتعاد..
إن بقيت واستمعت إلى حديثه ستكون مضطرة إلى الزو'اج منه رغمًا عنها وهذا لن يحدث، ستدعس قلبها أسفل قدمها بكل قوة لديها حتى يصمت عن الصراخ داخل قفصها الصدري مطالبًا بالعودة إليه..
مضوا اليومين عليها وهي تأخذ جانب وحدها بعيدة عن الجميع وعنه هو بالأخص، تراه يدلف عائدًا من عمله من نافذة غرفتها وهو يراها تنظر إليه يحاول الصعود إليها ليتحدث معها يجد أنها تغلق الباب من الداخل.. يحاول إرسال الرسائل إليها تقرأها ولا تُجيب عليه فلم يفهم ما الذي تفكر به..
عيناها تطالب بالقرب منه وقلبها يطالب بعناق أبدي من قلبه، تشعر بفراغ مُميت وقع في حياتها منذ أن نشب ذلك الشجار المشؤوم بينهم، تبكي كل ليلة بضعف وقلة حيلة لأجل ابتعادها عنه وترك حياتها التي اعتادت عليها لأربعة وعشرون عام..
أن تترك حب عمرها والرجـ ـل الوحيد الذي وقعت عينيها عليه منذ الصغر إلى الكبر، تدريجيًا عام بعد عام تكبر وهو يكبر أمامها وبينهم ذلك العشق الأبدي..
تظهر القوة وداخلها هشة ضعيفة من مجرد هواء مار أمامها تميل معه وتترك له حرية اختيار طريقها..
كان يراها هو في الصباح تهبط إلى الأسفل بعد أن يتناول فطوره مع الجميع.. يحاول معها ولكنها ترفض، أبعدته عنها بطريقة بشعة جعلته يفتقد حتى النظر إلى زيتون عينيها، جعلته يفتقد النظر إلى خصلاتها الغريبة ووجها الممتلئ..
جعلت قلبه يشتاق لكل همسة تصدر منها بعد أن كان كل ما بها له ويتمتع به في أي وقت وأي لحظة تخطر على فكره..
جعلته يشتاق إلى لمـ ـسة واحدة منها تؤكد له أنها مازالت هنا حبيبته وملكه الوحيد الذي خرج به من حرب كانت خاسرة لا محالة وبها أصبح القائد المشهور بالفوز العظيم..
كم يحبها وكم يشتاق إليها وإلى حديثها، متملك ومغرور، عنيف وقاسي ومتهور وبه كل الصفات الكريهة ولكن هناك صفة واحدة يهوى بها الغفران إلا وهي أنه يحبها إلى الممات..
الجميع بعد الذي حدث باغض الحديث معه حتى عمه الذي كان يأخذ دور والده في حياته، لم يكن هناك أحد يشجعه على فعل شيء سوى عمه وهو من وافق على زو'اجه من ابنته قبل أي أحد..
على عكس والده الذي رآه أصبح مُتهور بما يكفي وحاول معه أن يعود عما يفعل ولكنه لم يعود فابتعد والده وأصبح يعلم نتائج كل ما يفعله ابنه..
أصبح قاسي بالنسبة إليهم أكثر من السابق، أصبح شخص آخر غير الذي يعرفونه..
دلف من بوابة الفيلا في منتصف اليوم على غير العادة، نظر أمامه ليجد مشهد غريب على عينيه، الجميع في ردهة المنزل، هناك حقائب سفر موضوعة في الطريق، ابنة عمه في أحضان والده تبكي! والحزن مُرتسم على ملامحهم جميعًا..
ستذهب!.. أيعقل ذلك؟
نظروا إليه عند لحظة دخوله، وهي من بينهم، ولم ينظر بعيناه على أي شخص سواها، نظرة خائبة حزينة لكن لن تدوم كثيرًا..
أقترب بهدوء وبخطوات محسوبة، عينيه عليها بقوة، قلبه يدق بعنـ ـف داخل قفصه خوفًا مما قد يحدث في ذلك الموقف:
-أنتي ماشية
كانت تبكي وازداد البكاء أكثر برؤيته وسؤاله الذي خرج من بين شفتـ ـيه بحزن وضعف ظهر لها وحدها من بين الجميع.. لم تُجيب ولن تُجيب.. الآن تندب حظها الذي اوقعها به وحظها الذي جعله يخونها بتلك السهولة..
أردف بقسو'ة وتحولت عيناه إلى سواد قاتم معتم إلى أبعد درجة ممكنة:
-مش هتمشي يا سلمى
عاندته مُجيبة بحدة وهي تمسح تلك الدموع المتناثرة على وجنتيها المُكتنزة:
-همشي يا عامر
أقترب منها في خطوة وحيدة واسعة على حين غرة مُمسكًا بذراعيها الاثنين بكفي يـ ـده بحدة وقسو'ة عنيفة صارخًا أمام وجهها:
-مش هيحصل.. على جثتي سامعه ولا لأ
تقدم شقيقها "ياسين" سريعًا منهما وجذبه من ذراعيه الاثنين الذي يُمسك بها دافعًا إياه بعيدًا عنها يهتف بنبرة حادة:
-أنت اتجننت ولا ايه سيبها.. هي قالت مش عايزاك يا عامر خلصنا بلاش نعمل مشاكل وتخرب البيت ده
أبصره بقوة ونفيٰ رافضًا ما قاله مهما كانت نسبة حدوثه عالية، فالأمر الوحيد الهام في تلك اللحظة، أنها سترحل وتتركه وحده!:
-البيت ده هيتخرب لو مشيت وده مش هيحصل.. وبعدين ايه مش عايزاك دي؟ عدا عليها أربعة وعشرين سنة وهي معايا جاية دلوقتي تقول مش عايزاني
هذه المرة استمع إلى صوت شقيقته "هدى" تعنفه بضراوة لأنها قد وضعت نفسها في موضع ابنة عمها ووجدت أن ما حدث لا تتحمله إمرأة:
-وهو اللي أنت عملته شوية.. مافيش واحدة ممكن تستحملك كده يا عامر حاول تفوق لنفسك
اخرسها بصوته الحاد الصارخ في وسط المنزل وعروقه أصبحت بارزة وجـ ـسده بالكامل متشنج:
-مالكيش دعوة أنتي
أقتربت منه "سلمى" ناظرة إليه بعينين ضائعة في وسط كل هذا الحديث، مُحبة إلى وجودها معه، تريد البقاء والتمتع بقربه وأحضانه:
-عندها حق أنت مافيش واحدة تستحملك ومش هتلاقي واحدة بعدي يا عامر.. كان قدامك فرص كتير تتغير وأنا معاك لكن ده محصلش بالعكس بتزيد في الغلط وأنا تعبت
ضيق ما بين حاجبيه وعينيه عليها بدقة عالية مُتحدثًا بكلمات تجعلها تبقى لأجله:
-قولتلك خلاص مش هيحصل تاني.. خلاص أنا آسف أموت نفسي.. عايزاني أموت نفسي يا سلمى؟
الموت! هل وصلت معه إلى هنا؟ إلى الموت؟. لم تكن تريد هذا ولن تريده مهما حدث مجرد الاستماع إلى كلمة منه كهذه جعلت قلبها ينتفض داخل أضلعها:
-لأ متموتش نفسك سيبني أمشي
أطال النظر على وجهها دون حديث والجميع بهذه الفيلا يستمع لما يدور بينهم ثم في غفلة منهم شعر أنه يريد أن يسألها:
-أنتي بتحبيني؟
خرجت الدموع من عينيها مرة أخرى، ارتعشت شفتـ ـيها الوردية أمام عيناه، وبقى ينظر إليها مُنتظر منها إجابة على سؤاله البسيط ولكنها لم تُجيب:
-جاوبي.. بتحبيني ولا لأ؟
تنهدت بعمق من بين بكائها المُمزق قلبه إلى أشلاء وجعل روحه فانية، واستمع إلى صوتها الرقيق الخافت الخالي من كل شيء سوى حبه:
-بحبك
أقترب أكثر وأمـ ـسك بكف يـ ـدها بين يـ ـده الاثنين مُتناسيًا كل من يقف هنا، لا يهمه أي أحد من بينهم، هي الوحيدة المهمة له:
-اومال ايه يا سلمى... ايه؟ أرجوكي كفاية كده وعد مني هعمل كل اللي أنتي عايزاه
أردفت ببكاء أشتد عليها وضعف انتاب قلبها، كلمة واحدة أخرى من شفتيه ستكون بين أحضانه وتطالب بالزواج الفوري منه:
-أنا أخدت وعود كتير وعلى فكرة بقى الحب مش كل حاجه.. الحب ولا حاجه جنب حاجات تانية
ضغط على يـ ـدها من دون أن يلاحظ أحد ذلك ووقف أمامها شامخًا بعد أن نفذ منه كل الحديث الذي من المفترض قوله وهتف هذه المرة بنبرة جادة عائدًا إلى أصله:
-مش هتمشي
أجابت بنفس تلك النبرة الصادرة منه وعينيها لم تتأرجح من على عيناه:
-همشي
دفع يد'ها الذي كان يُمسكها بقوة صارخًا بوجهها بصوتٍ عالٍ ولم يكن هام بالنسبة إليه وجود أهلها هنا:
-هتخليني اتغابى عليكي بلاش عِند
عادت للخلف خطوة بعد صراخه عليها بهذه الطريقة وأقترب "ياسين" منه بطريقة هجومية واضحة ولكن والده قد سبقه في فعل ذلك..
أبعد ابنته للخلف ووقف أمامه رافعًا رأسه ليكن بنفس طوله حيث أن "عامر" كان الأطول بينهم جميعًا، نظر إليه بقوة وعنف ولأول مرة يفعلها، نظر إليه بعينين تهتف بتهديد صريح إن أقترب من ابنته:
-ايه البجاحه اللي أنت فيها دي... أنت مفكر نفسك مين.. رد عليا مفكر نفسك مين؟.. دي بنتي وأنا اللي وافقت على جوازها منك ودلوقتي حتى لو هي رجعت في كلامها أنا رافض.. سامع
لم يكن متوقعًا من عمه هذا الحديث ولا حتى ردة الفعل هذه، أيعقل أن عمه من وقف جواره طوال حياته الآن يقف أمامه!.. الآن بالتحديد، لما الجميع يريد سرقتها منه؟:
-يا عمي...
قاطعه عن الحديث بحدة صارخًا به يسرد عليه ما حدث وكأنه لا يعرفه.. كأنه ليس معضلة يغفى ويستفيق بها:
-اخرس خالص.. أنت عارف والكل عارف أن أبوك أول واحد عارض جوازك من سلمى وقال إنك غبي والبنت مش هتستحملك وسلمى خالفت كل التوقعات واستحملت كتير بس أنت فعلًا اللي غبي وبنتي غلطت لما فضلت معاك من أول مرة عرفت فيها إنك وسـ*
أغمض "عامر" عينيه بقوة مُستنكرًا كل شيء من حوله، يحاول التماسك أمامهم، يحاول أن يكون شخص عاقل غير متهور كي يعلموا أنه يحاول التغير لأنه معروف في مثل تلك المواقف:
-أنا لما وافقت قولت يا أحمد، عامر طيب وجواه حد كويس هو بس اللي متهور وعصبي حبتين وجو روميو اللي كان عايش فيه مع بنات الكباريهات ده هيبعد عنه لما تبقى سلمى معاه لكن أنت طلعت غبي
كان يتحدث والآخر مازال مغلق عيناه ولكنه فتحمها على وسعيهما عندما استمع إلى حديثه الجاد الواثق منه:
-سلمى هتمشي ابقى وريني هتمنعها إزاي
صرخ بوجه عمه لأول مرة وأمام الجميع أيضّا، رافضًا ما قاله وما سيُقيل بعد ذلك، رافضًا كل شيء بحياته سواها:
-مش هتمشي.. وديني ما هتمشي
استدار ليذهب إلى خارج الفيلا مُقرر فعل شيء ما يجعلها تبقى دون الرحيل، استدار لهم برأسه يهتف مرة أخرى بقوة وصوت عالي صارخ في وسط الفيلا:
-سامعين كلكم.. مش هتطلع من البلد دي
نظرت إليه وهو يبتعد ووجوه الجميع مصدومة مما يفعله وما توصل إليه.. هو المخطئ الوحيد وهو من أضاعها، هو من تسبب في كل ذلك وعليه تحمل النتيجة.. أيعقل أن يفعل الحب كل ذلك؟
لم يتدخل والده مانعًا نفسه عن فعل ذلك بالقوة، لا يريد أن يكبر الأمر بينهم أكثر من ذلك ويعود ليقول أن والده هو من يُعيق زواجه وسعادته..
خرجت "سلمى" ركضًا إلى الخارج بعد لحظات استوعبت بها أنه سيرحل وهي الأخرى سترحل ولا تعلم متى من الممكن أن تراه مرة أخرى..
خرجت إلى البوابة وجدته صعد إلى سيارته وكاد أن يرحل بها، ناداته بصوتٍ عالٍ وهي تركض إليه بعينين باكية:
-عامر.. عامر
وقفت أمام نافذة السيارة ومالت عليه برأسها ولم تكاد أن تتحدث حتى ألقى عليها الكلمات القاسية المودعة إياها:
-ابعدي عن وشي ويلا روحي شوفي أنتي رايحه فين
بنبرة هادئة خافتة قتلت روحه داخله طلبت منه الخروج للحديث معه:
-أنزل لحظة
خرج من السيارة وأغلق الباب بعد الاستماع إلى نبرتها المُرهقة للأعصاب، وقف أمامها شامخًا يهتف بكل ما خطر على عقله أنها تريد الحديث به:
-نعم عايزة ايه.. عايزة تقولي إنك هتمشي وتبعدي عني وفركش للجوازة وفركش لحبي ليكي.. هقولك مش هتسافري يا سلمى
أمـ ـسكت وجهه بيـ ـدها الاثنين، وضعته بين كفيها بحنان بالغ ونظرة حزينة احتلت ملامح وجهها، بكائها ازداد وتركت قوتها في الداخل وخرجت له مجردة من كل شيء سوى حبه:
-أنا بحبك بس أنت اللي ضيعتني من ايدك.. اتغير عايزة اسمع إنك اتغيرت وأنا هرجع في لحظتها ومش هستنى دقيقة واحدة تعدي عليا وأنا بعيدة عنك
وضع يـ ـده الاثنين فوق كفيها على وجهه، وأقترب منها بنظرة عينيه التي تعلقت بأمل جديد بعد حديثها المُمزق لقلبه، قال بحب مُطالبًا منها البقاء فلو ابتعدت روحه إلى الأعلى أفضل من ابتعادها هي:
-طب وليه.. وليه يابنت الحلال ما أنتي أهو خليكي.. خليكي يا سلمى أنتي عارفه إني ماليش غيرك وسطهم.. أنا عايزك
بكت بقوة في تلك اللحظة، وبعد ذلك الحديث منه، كطفل صغير يريد بقاء والدته معه، يريدها هي فقط ولا يريد أي أحد آخر من أفراد العائلة ولكنها مضطرة لفعل ذلك:
-مش هقدر صدقني.. مش هقدر أقعد معاك كأن مفيش حاجه حصلت.. أنا بنام وأقوم على صورتك وأنت في حضنها.. بنام وأقوم على صورتك وأنت بتبوسها.. مش هقدر يا عامر لأ
نظر إلى شفتـ ـيها المُكتنزة التي ترتعش بفعل بكائها، علم في تلك اللحظة أنها لن تنصت إليه إذًا سيصمت هو الآخر، أبعد يـ ـده من فوق يـ ـدها الاثنين واضعًا إياهم على وجنتيها كما فعلت معه وتبادلوا النظرات الصامتة، ثم أقترب منها بهدوء تام واضعًا شفتـ ـيه على خاصتها في قبـ ـله حانية غريبة..
قبـ ـلها كما لو أنه لم يفعلها من قبل، بطريقة بريئة إلى أبعد حد، حانية رقيقة، قبلها إلى أن شعر بأنه عليه الإبتعاد وقد فعل..
أبتعد بشفتـ ـيه وبقى على وضعه معها فاستمع إلى صوتها الضائع بعد قبلـ ـته الشغوفة الحانية:
-لو عايزني اتغير وهرجع.. ولو فضلت على حالك شرب وسهر وستات مش هرجع أبدًا وهعرف إنك مش عايزني يا عامر
عقب بنفس تلك النبرة الضائعة، نبرة متعطشة للمزيد منها وتتروى لفعل ذلك بالهدوء ولكنه يقتلها:
-لأخر يوم في عمري أنا عايزك وأنتي ليا وبردو مش هتسافري
عاد للخلف وأخفض يـ ـدها الاثنين من على وجنتيه دافعًا إياها للخلف بخفه وتروي لتبتعد عن السيارة، ثم نظر إليها نظرة أخيرة لا تنم عن الخير أبدًا ودلف إلى السيارة وأشعل المقود ثم رحل وتركها تقف في مكانها وحيدة.. وحيدة تنتظر تغيره..
البكاء ليس حل في هذه اللحظات، لقد قالت ما عندها وفعل المثل، لقد ودعها بشيء لم تكن تحلم به، وضعت يد'ها على شفتـ ـيها وخرجت الدموع تتهاوى خلف بعضها..
لقد ودعها بقـ ـبلة الوداع..
❈-❈-❈
جلست في المقعد الأمامي للسيارة جوار مقعد السائق والذي كان شقيقها "ياسين" وفي المقعد الخلفي جلست والدتها ووالدها..
كانت تستند على نافذة السيارة تنظر إلى الخارج بشرود واضح، لم تكن معهم من الأساس بل كانت تسبح في ذكريات جمعتها بذلك الحبيب الذي تركته..
استمعت إلى صوت شقيقها يناديها بنبرة جادة وكأنها ليست المرة الأولى:
-سلمى
اعتدلت في جلستها ونظرت إليه باستغراب منتظرة منه الحديث فقال بمرح وابتسامه:
-فينك يابنتي بكلمك.. بتفكري في امريكا من دلوقتي
ابتسمت إليه هي الأخرى بهدوء، ابتسامة مصطنعة ذائفة وأجابته قائلة:
-ومفكرش فيها ليه.. دي بلد الدولار يابني
ابتسم أكثر يصيح بقوة وهو ينظر إلى الأمام على الطريق:
-يا ولا
قالت بنبرة حانية وهي تنظر إليه:
-خلي بالك من نفسك ومن هدى
نظر إليها ثم أبعد نظرة سريعًا من عليها ليبقى على الطريق وعقب قائلًا:
-متقلقيش علينا أنتي خلي بالك من نفسك
استدارت إلى والدها تنظر إليه نظرة طويلة، تريد قول الكثير ولكنها بالتوصية عليه، اكتفت به هو وكأنها ترحل عن مولود رضيع ليس له غيرها، ترقرقت الدموع بعينيها وقالت:
-خلي بالك من عامر يا بابا.. أنت عارف إنه مالوش غيرك.. عمي مش زيك وهو مش بيعرف يتعامل معاه بلاش تزعل منه بسبب اللي حصل خليك معاه وفي ضهره
ابتسم إليها بهدوء وقد تفهم أن ابنته لن تبقى هناك طويلًا ستعود راكضه لتبقى مع من يهواه قلبها، أنها حتى لا تستطيع إيقاف التفكير به ولو لحظة ومن المفترض أنها ذاهبة لأنها تبغضة:
-متقلقيش عليه يا سلمى عامر ابني زيكم بالظبط وأنا مش هسيبه
نظر إليها شقيقها بقوة، كيف لها أن تكون هكذا؟ بعد كل ما فعله تفكر به وتريد من الجميع الاعتناء به من بعد رحيلها.. كيف لها أن تكون تلك الفتاة الناضجة الذي أحبته وتحبه ومع ذلك استطاعت أن تأخذ قرار الإبتعاد عنه جاعلة قلبها يفتر من الحزن..
عادت برأسها للخلف بعد أن جعلتها والدتها تطمئن وبعد أن نظرت إلى الأمام من خلال زجاج السيارة صرخت بعنـ ـف وقوة كبيرة جاعلة شقيقها ينتبه لتلك الشاحنة:
-حاسب يا ياسين
لم يستطع فعل شيء فقد فات الأوان، أتت عليهم شاحنة كبيرة الحجم بقوة أكبر من اللازم تصادمت معهم وكأن بالفعل سائقها يريد فعل ذلك بهم، دعست السيارة بفعل الشاحنة وانقلبت أكثر من مرة وتلك العائلة الصغيرة بها..
ومن بعد نطقها باسم شقيقها لم تنطق بحرف أخر..
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ندا حسن من رواية بين دروب قسو ته، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية