رواية رومانسية جديدة كاملة بين دروب قسو ته بقلم ندا حسن - الفصل 3
رواية رومانسية جديدة بين دروب قسو ته
من روايات و قصص الكاتبة ندا حسن
رواية رومانسية جديدة
بين دروب قسو ته
قراءة الفصل الثالث
"كان الفراق فراق مسافات، الآن أصبح فراق أرواح"
❈-❈-❈
بقيت بنظراتها المصدومة عليه، عينيها الواسعة اتسعت أكثر برفض تام لما تحدث به، بقيت تنظر إلى عينيه بعمق وذهول غريب، تتسأل في نظرتها كيف استطاع أن يهتف بتلك الكلمات؟ كيف هان على قلبه أن يفكر بتلك الفعلة الدنـ ـيئة بها، فقط لكي تكون زو'جته ومعه سيفعل أي شيء!.. هي بالأساس كانت معه وهو من أضاعها من بين يـ ـده.. هو من خان قلبها وروحها معًا..
من يرى نظرتها إليه الآن يعتقد أنه ضر'بها بنصل حاد غرز داخل قلبها المفتور ألمًا وحده، يرى كم الخذلان الذي تعرضت له على يـ ـده.. يرى كل شيء مؤلم لا يستطيع أحد تحمله أبدًا ولكنها تحملت..
نفضت يـ ـدها بقسو'ة ونظرتها نحوه تحمل اشمئزاز وتقزز لأ نهائي ولكنها تسائلت بعتابٍ واضح:
-قدرت تنطقها!.. قدرت تفكر كده بعقلك؟
أطال النظر عليها، على ملامح وجهها التي تزف الصدمة الكاملة إليه، إنه تحدث بكلمات فقط، ولن يتراجع عنها لأنه ليس مُستعد أبدًا لخسارتها، أجابها بنظرة جادة قاسية:
-آه قدرت وهقدر أعملها وأنتي عارفه كده كويس
حركت عينيها ذات اللون الزيتوني عليه، عقلها لا يستوعب أنه يهتف بنبرة جادة هذا الحديث، كيف لشخص عاشق أن يُخيل له فعل ذلك:
-ده مش حب
نفى ما قالته مؤكدًا بقوة أنه يحبها ساردًا عليها كل ما حدث ربما تكون نسيت ما فعلته وما فعله هو، أترى بعد كل ذلك أنه ليس حب؟:
-لأ حب، حب مُميت كمان.. أنتي عارفه إن في بينا قصة من وإحنا عيال بس إحنا كبرنا خلاص جيت أطلبك للجواز قولتي لأ عندي دراسة وجامعة وعملتي فيها الإنسانة الجامعية وأنتي كنتي فاشلة أصلًا عملت نفسي عبيط وقولت مش مهم محصلش حاجه... خلصتي الجامعة وخلاص الحمدلله نيجي نتجوز بقى لأ نعمل خطوبة على أساس مش عارفين بعض مش كده؟..
لم تخفض بصرها من عليه بل كانت تعمق النظر به وبكل حركة بسيطة تصدر منه، تدور بالكلمات الذي يهتف بها داخل عقلها وحقًا إلى الآن لا تستوعب ما الذي يحدث
أكمل مُشيرًا بيـ ـده وعينيه عليها بقوة:
-عامر استحمل الهبل اللي بيحصل وقال ماشي يجي معاد الفرح تقوم الهانم مأجلة الفرح قال ايه بيكلم واحدة عليا.. مستنية مني ايه بعد كل العذاب ده.. إني أقولك ماشي يا حبيبتي مش مهم فركش!.. لأ مش فركش يا سلمى أنتي ليا مهما حصل غصب عن عين الكل
تسائلت بذهول غير مصدقة أنه يرى الأمر هكذا؟ ألا يرى كم المعاناة التي تمر بها معه؟:
-أنت واعي للي بتقوله؟
أومأ إليها برأسه بتأكيد مُكملًا بتوضيح أعمى وكأنه يبرر لنفسه ما فعله:
-آه واعي للي بقوله.. ده طيش شباب استحمليه وبعدين غلطة وأنا اعترفت بيها وقولت مش هتحصل تاني
ضغطت على أسنانها بقوة وهي تعقب على كلماته الغير صائبة، يرى نفسه شاب طائش؟. ولو كان هكذا حقًا أليس هناك إمرأة بحياته وهناك عرس يخطط له:
-ده مش طيش شباب ماشي.. أنت راجـ ـل كبير وفاهم وواعي لكل اللي بتعمله متقولش طيش شباب
حاول أن يجاريها في حديثها بنظرة ثاقبة وعينين حادة، حرك شفتـ ـيه الرفيعة قائلًا بنبرة مُتهكمة:
-ماشي مش طيش شباب.. غلطة راجـ ـل كبير وواعي ايه مافيش حد بيغلط؟..
اختلفت نبرتها عن السابق وأصبحت خافتة مُرهقة لأبعد حد ووجهها يقص مع ملامحها للأعمى أنها اكتفت من ذلك:
-كلنا بنغلط.. بس بنتعلم من الغلط أنت بتكرره ولا كأني موجودة، ليه مش مكتفي بيا يا عامر ليه؟
أقترب خطوة بملامح مرهقة انتقلت له هو الآخر بعد الاستماع إلى نبرتها الخافتة الحزينة وأجاب بعمق وتأكيد:
-وديني مكتفي بيكي بس أنا غبي وبضعف قدام الشرب ومن هنا بتبدأ المشاكل
نظرت للبعيد ثم عادت عينيها إليه مرة أخرى غير قادرة على مجابهته لأنه من الأساس لا يترك لها فرصة يحاول باللين والقوة معًا ولكنها مهما حدث لن تعود عن قرارها:
-بس أنا تعبت ومش مستعدة أكمل كده.. أنا مستحملاك من زمان أوي تملك وغيرة، عصبية بسبب ومن غير سبب قسو'ة الصبح وبالليل حد تاني، أنا تعبت بجد وطاقتي خلصت
وضع كف يـ ـده الأيمن على وجنتها المُكتنزة مُردفًا بهدوء ونبرة رخيمة هادئة لعلها تعود عما في رأسها:
-اوعدك هتغير علشانك.. علشان نبني بيت سوا مش ده كلامك
أمسكت بيده وأبعدتها عن وجنتها مُعقبة بضعف شديد أمام رجـ ـل أحبته بكل جوارها ويصعب عليها الفراق هكذا في لحظة خاطفة:
-بس ده مش أول وعد أخده منك ومش بتعمل بيه
مرة أخرى يحاول باللين، ضيق عينيه عليها مُردفًا بتأكيد وتلك النبرة الخافتة مازالت موجودة في النقاش بينهم:
-هحاول صدقيني
يأخذها من القوة إلى الضعف ومن اللين إلى الشدة، يتلاعب بها بقسو'ة شديدة ويفهم الأمر جيدًا وهي تفهمه أكثر من نفسه، ولن تسمح له أن يفعل بها هكذا، ستكون هي الغصة العالقة بحلقه..
تنهدت بضيق وانزعاج اعتبارًا أنها ستستمع لحديثه وتفكر به جيدًا، لحظة وأخرى خلفها ثم أردفت بنبرة جادة بها القليل من اللين والهدوء:
-طب أنا عايزة أسافر أغير جو وهرجع
تهكم داخله بشدة، المعضلة الأكبر بحياتهم أنهم بتفهمون بعضهم جيدًا أكثر من أي شخص آخر وهو الآن يعلم أنها تقول ذلك الحديث فقط ليسمح لها بالخروج من البلدة ثم من بعدها لن يراها مرة أخرى..
رفض بقوة وتأكيد وأكمل بطريقة أخرى تأخذها ناحية السعادة ربما يغريها ما يتحدث به:
-مافيش سفر يا سلمى لو عايزة تغيري جو بصحيح كلها شهر وهاخدك وهنسافر وهيبقى أحلى جو وحاجه متتخيليهاش
تفهمت حديثه الخبـ ـيث ونظرته الو'قحة الماكرة، تعلم ما الذي يفكر به وما الذي يريده منها أكثر شيء ولم يخجل في أي لحظة ولا حتى الآن بل يقول ما يريد دون حتى التفكير:
-الحاجه دي تخصك أنت وتغير جو ليك مش ليا
أخذ نفسٍ عميق وأخرجه من فمه بوجهها متسائلًا بحدة:
-قصدك ايه
حركت عينيها عليه وأردفت مُجيبة إياه بقوة وحدة مثله بما أن الأمر لا ينجح عندما يمثلون الهدوء على بعضهم:
-اللي فهمته.. وعن اذنك بقى
استدارت ترحل وتتركه ولكنه أمـ ـسك بيد'ها مرة أخرى فنظرت إليه ثانيةً بقوة كبيرة منتظرة منه أي ردة فعل بعد تلك القبضة، ومن هنا هو تحدث بقوة وضراوة بعينين سوداء لامعة قاسية لأبعد حد:
-أنا قولتلك اللي عندي يا سلمى وأنتي فهمتيه كويس أوي.. بلاش شغل العِند ولعب العيال بتاعك ده علشان هيعك عليكي في الآخر ومحدش هيخسر غيرك
بادلته النظرات الحادة المُنبعثة من عيناه ولكنها وللحق الكبير والبالغ.. خائفة، خائفة للغاية مما يقول ويفعل وللأسف الشديد هي تعرفه جيدًا وتعرف ما الذي يستطع فعله دون أن يرف له جفن..
ترك يد'ها بهدوء وتحرك بعنجهية وثبات عائدًا لسيارته التي ترك بابها مفتوح وخرج منها على عجلة من أمره، بقيت عينيها عليه تنظر بقوة ووضوح عليه مذهولة من كل ما يحدث حولها ومنه هو بالأخص..
رأته وهو داخل السيارة يعبث بأشياء بالداخل ثم خرج منها وأغلق الباب بقوة، رفع عينيه عليها ليراها كما هي تقف في مكانها وعينيها لا تتركه..
ربما صدمت مما تحدث به.. تعرف أنه قاسي عنيد متملك لن يترك حقه بها بهذه السهولة ولكن أيضًا ليس بهذه القوة والضراوة... ليس بهذه القسو'ة والأفعال الدنـ ـيئة..
مر من جوارها ودلف إلى داخل الفيلا دون أن يتحرك عضو بداخله لأي مشاعر أخرى سوى التملك والقوة، الحب في جانب وحده وقد أغلق عليه لأنه موجود في كل الحالات..
عادت هي مرة أخرى إلى مكانها تجر خيباتها خلفها، لم تكن تتوقع بيوم من الأيام أن من احتمت به من الجميع في الخارج والداخل سيمارس قوته عليها..
سيمارس القسو'ة عليها!. حبيبته من أخذها في أحضانه في كثير من الأوقات مُبتعدًا بها عن البشر!..
تعود إليه؟ وتتناسى كل ما فعله ويفعله وسيفعله، تتناسى أنه خانها لثلاث مرات؟. أم تتناسى قسو'ته معها وحديثه البغيض الحاد؟ والأهم من كل هذا تتناسى أنه رجل شهـ ـواني للغاية!..
أم تصمم على موقفها الرافض له وتبتعد عن هنا قاتلة قلبها المُحب له مرحبة بحياة ليس بها سوى أفكار العقل وقراراته!..
❈-❈-❈
"بعد منتصف الليل"
خرجت من المرحاض بعد أن استحمت مُرتدية منامة بيتية مكونة من بنطال رصاصي اللون وقميص بنصف كم لونه أبيض مخطط بنفس لون البنطال، خصلاتها متناثرة على جانبي وجهها وجبينها من الأمام تغطيه خصلات قصيرة، ظهرت قصيرة أكثر مما هي عليه مختلطة الألوان الرائعة كالأسود والبُني..
ألقت المنشفة على مقعد المرآة وتقدمت تأخذ مرطب الشفاه تضع منه بدلال على شفتيها المُكتنزة، ضمتهم على بعضهم رافعة حاجبيها الاثنين أمام المرآة بطريقة مضحكة..
تركته على المرآة وكادت أن تأخذ مرطب البشرة ولكنها وجدت باب الغرفة يفتح دون إذن الطارق بالدخول، استدارت تنظر على الباب لتراه هو يبتسم بخبث ووقاحة ناظرًا إليها بعمق..
دلف "عامر" إليها بخطوة واحدة وأغلق الباب من خلفه يتقدم منها بطريقة غريبة، ينظر بثبات وعينيه بُنية لامعة بمظهر رائع خلاب يخطف أنفاسها المسلوبة منها من الأساس..
وقف أمامها مباشرة ولم يفصل بينهم شيء، وضع يـ ـده الاثنين على خصـ ـرها بطريقة وقحة قائلًا بحنين وشغف:
-وحشتيني
عقبت على كلمة الغزل بحدة دامجة بها الدلال والرقة الحانية كالمُعتاد منها:
-بذمة أهلك في حد يدخل كده؟.. أفرض بعمل حاجه خاصة.. الله
ابتسم بخبثٍ وعبث معها غامزًا بعينيه الوقحة الجر'يئة والتي اعتادت هي عليها:
-ده المطلوب وحياتك
وضعت يد'ها الاثنين على يد'ه التي تجذب خصر'ها تقربها إليه أكثر مما هي عليه، ابتسمت بخبثٍ هي الأخرى وحاولت دفعة قائلة:
-طب اوعى كده وأمشي يلا لو حد شافك هنا هتبقى مشكلة
أردف بقوة وثقة وكأن حديثه جاد بالفعل ليس مجرد مزح رافعًا رأسه:
-محدش ليه عندي حاجه مش مراتي
ضحكت بصوتٍ عالٍ بعد رؤيته وهو يردف بتلك الكلمات الواثقة، مع أنه وقح للغاية:
-لا والله وده حصل امتى وإزاي؟
نظر إلى وجهها بالكامل مُمرًا عينيه عليه بقوة يحفره داخل عقله وقد أغرته ضحكتها الجر'يئة الصاخبة وبقوة، أقترب أكثر ضاغطًا على خصر'ها بيـ ـده القوية يهتف بنبرة خافتة:
-سيبك من امتى وإزاي المهم دلوقتي إن أنتي وحشاني جامد أوي
جذبت يـ ـده بقوة وأبعدته عنها ثم سارت مُبتعدة ووقفت أمام الفراش قائلة بدلال وهي تعطيه ظهرها:
-أنت بقى موحشتنيش
استدار معها بكامل جـ ـسده ينظر عليها من الخلف من الأسفل إلى الأعلى بعينين جائعة وتتوق لأي فعله تصدر منها:
-يا بت؟
استدارت تنظر إليه نظرة دلال ورقة بالغة وهناك كم من الحب المكون داخل عينيها لا نهاية له:
-آه.. وبعدين أنا أصلًا زعلانة منك جدًا.. مش كان المفروض نتعشى بره النهاردة ايه نسيت؟.. لأ وكمان من امبارح بره البيت ولا كلمتني ثانية حتى
تذكر يوم أمس الشاق، واليوم أيضًا كان كذلك، منذ صباح الأمس وهو في الخارج ولم يعد إلا في هذه اللحظات، عقب على حديثها يسرد ما الذي حدث حتى تغفر له نسيانه لموعدهم الغرامي:
-طب بذمة أهلك أنتي أنا كنت فاضي وقولت لأ؟ تقدري تسألي أخوكي هو عارف أنا كنت بعمل ايه وكان المفروض يبقى معايا بره من امبارح بس أنا بعته علشان هو واحد متجوز لكن أنا واحد غلبان حبيبتي مش عايزة تحن عليا
تسائلت بحنان أم قلبها يرق ناحية طفلها الذي اعتبرته بالفعل جائع منذ أمس بسبب عمله:
-اتعشيت طيب؟
في لحظة خاطفة بعد استماعه لسؤالها الحاني ورؤيته لذلك الحب داخل عينيها الساحرة أقترب منها بخطوة واحدة يقف أمامها كما كان منذ لحظة ويد'ه الاثنين خلف خصر'ها يهتف بنبرة خبيثة:
-لأ أنا مش جعان أكل أنا جعان نوم.. نـــوم واخده بالك؟
حرك أنفه فوق أنفها بحدة مقتربًا منها أكثر فدفعته بقوة كبيرة في صد'ره ليعود للخلف وجلست هي على الفـ ـراش:
-أبعد كده يا مجنون ويلا بره كده عيب
ضغط على شفتـ ـيه بأسنانه بقوة ناظرًا بعمق إلى شفتـ ـيها المُكتنزة المغرية للغاية والشهية بالنسبة إلى رجـ ـل عاشق مثله:
-أنتي خليتي فيها عيب.. دا في نار قايده جوايا وحياتك
وقفت على قدميها بسرعة تدفعه في صـ ـدره مرة أخرى لكي يذهب إلى الخارج ويتركها فحديثه ونظراته خبيثة للغاية:
-طب ياعم الوالع يلا بره بقى
سار معها بخفه وهي تدفعه ولكنه أكمل في مشاكستها بمرح ومزاح لا يُجيد فعله إلا معها:
-هقولك طيب استني
تصنعت الضيق ومن داخلها تود الابتسام والضحك واستمرت في دفعة بخفة للخارج:
-مش عايزاك تقول يلا بره
أردف بصوتٍ خافت متصنع الحزن لأجل ما تفعله وهو الذي ترك كل شيء فقط لأجل رؤية عيناها والتمتع بالنظر إليها:
-بقى كده.. يعنى أنا جاي من بره عليكي وسايب كل اللي ورايا علشانك وفي الآخر تطرديني؟
أومأت إليه بتأكيد وبقوة:
-آه يلا بقى
وقف أمام باب الغرفة وتحدث بحرارة تحرق داخلة بقوة وضراوة:
-ماشي يا بطل بس خليكي فاكرة بقى اللي بتعمليه
فتحت الباب بيد'ها ودفعته للخارج بالأخرى مُبتسمة بقوة لأجل أفعاله الصبيانية:
-فاكرة يلا أمشي
أعاق غلق الباب برأسه حيث أنه كان في الخارج بجـ ـسده وأدخل رأسه إليها يهتف بمرح وعينيه على شفتـ ـيها:
-بو'سة طيب!
وجدها صامتة تنظر إليه وصمتها يعبر عن أنها حقًا بدأت في الضجر وبقوة، ابتسم أكثر وأغاظها قائلًا بنظرة من عينيه البُنية البريئة:
-طب حضـ ـن بريء
دفعته بقوة للخارج صارخة به بعنف ثم دفعت الباب في وجهه مرة واحدة دون سابق إنذار:
-بره يا عامر
وقفت خلف الباب من بعد غلقه تضحك بصوت عالي صاخب وسعادة كبيرة تجعلها كوردة مُتفتحة في حقل بساتين ليس به إلا الزهور السعيدة، وهي كانت من ضمنهم بفعل حبيب عمرها..
استمع إلى صوت ضحكاتها الصاخب قبل رحيله فاقترب من باب الغرفة مرة أخرى متيقن من أنها تجلس خلف الباب وصاح قائلًا بنبرة لعوب:
-بطل بطل يعني مش أي كلام
ارتسمت الابتسامه الواسعة على ثغرها الوردي، وضعت كف يـ ـدها على شفتـ ـيها وهي تبتسم بمرح، يا الله كم تحبه!.. قلبها يدق بعنف عند النظر إليه، عينيها تشتاق إلى رؤيته وتلمع عند النظر إلى هيئته الر'جولية..
تتوق شفتـ ـيها للرد على حديث يصدر منه وتمتع أذنها بالاستماع إلى صوته، كثير من المشاعر والأشياء الصاخبة التي تمر بها في وجوده وكأنه حقيقة سعيدة لا تود زوالها أبدًا..
استفاقت من تلك اللحظات السعيدة جالسة على الفـ ـراش بعد أن كانت عينيها غفت، جلست تنظر حولها في الغرفة المظلمة ليس بها إلا ضوء خفيف للغاية مريح للنوم..
ما الذي حدث! كانت نائمة أو كانت تود النوم فجلست على الفـ ـراش تتمدد عليه لتخلد للنوم ولكن رأسها وعقلها أخذ يذكرها بكل ما بينهم ويبدو أنها غفت وهي تتذكر تلك الأشياء الماضية!..
لم يكن هذا إلا موقف جمعهم من بين ألاف المواقف الجميلة الرائعة، التي تستخدم الآن كذكريات فقط!..
الآن لو دلف إلى غرفتها لن تكون سعيدة بذلك القدر التي كانت به، لن تشعر بالأمان من الأساس بعد تهديده الواضح والصريح لها..
الآن وغد وبعد غد لن تشعر بالأمان بوجوده معها مهما حدث بينهم، سيكون ذلك من المستحيلات أن تترك له نفسها دون خوف كما السابق سيكون من أصعب ما يكون..
في السابق كان يدلف إلى غرفتها في أي وقت وتذهب معه إلى أي مكان دون خوف، الآن الرهبة تعبث بقلبها بسبب وجوده وتشعر أن نهايتها ستكون على يده إن بقيت على وضعها وذلك القرار الذي اتخذته.. الشعور بالأمان في منزلها أصبح صعب للغاية..
وقفت على قدميها وتقدمت من باب الغرفة ثم أغلقته بالمفتاح من الداخل لتحاول كسب القليل من الراحة في تلك الفترة المرهقة..
عادت مرة أخرى إلى الفـ ـراش تجلس عليه بعد أن ذهب النوم بعيد عنها تفكر بأفعاله وحديثه الواثق وكأنه لم يفعل شيء.. هل لأنها صمتت في المرات السابقة وجعلت الأمر يمر أعتاد على ذلك وأعتقد أنها لن تتحدث مهما فعل وستكون موجودة معه..
أعتقد أن حبها له سيجعلها تدوم دون رحيل ولكنها لن تجعل الحب يؤثر عليها بهذه الطريقة مهما كانت مكانته بحياتها، ستحاول الآن أن تحافظ على كرامتها وتعز نفسها أمامه أكثر من ذلك ليتفهم جيدًا أنها إمرأة تستطيع أن تكفي رجـ ـل وأن يكتفي بها..
الخطأ منه والخيانة من قِبله وقلبها خائن أكثر منه مهما فعل يريد القرب والرحيل بالنسبة إليه موت
❈-❈-❈
جلست صديقتها "إيناس" جوارها على الفـ ـراش تحاول أن تواسيها بكلمات لينة تجعلها تخفف من ضراوة الحزن التي قبعت داخلها منذ أن علمت بما فعله "عامر":
-خلاص يا سلمى يا حبيبتي متعمليش في نفسك كده
رفعت رأسها إليها تنظر بعمق والدموع تسير على وجنتيها المُكتنزة في خطوط ثابتة تردف بحرقة:
-معملش ايه في نفسي؟.. معملش ايه هو اللي أنا فيه ده سهل.. ده عامر
أبعدت "إيناس" بصرها عنها وجعلته إلى الأمام وقالت بقوة وجدية:
-بصراحة بقى أنتي اللي غلطانه.. أنا كتير حذرتك منه وقولتلك خدي بالك عامر مش سهل وبتاع ستات وأنتي عارفه كده كويس
شعرت بأنها تنظر إليها بغرابة وعينيها مثبتة عليها ففعلت المثل واستدارات برأسها وجـ ـسدها إليها قائلة بقوة مؤكدة حديثها:
-آه يا سلمي ياما قولتلك عامر مش ليكي
وضعت وجهها بين كفيها الاثنين وأخذت في البكاء بقوة وبصوتٍ عالٍ، قلبها يحترق والنيران لأ تنطفئ بداخله، منذ تلك اللحظة وهي مشتعلة وتعذبها أشد عذاب وهي الآن تزيد البنزين عليها بقولها أنه ليس لها..
لم تعد تستطيع أن تتحمل المكوث هنا في هذا المنزل، لأ تطيق النظر إلى وجهه ولا حتى تذكره، لقد جعلها تخجل من نفسها أمام الجميع وأمام نفسها قبلهم.. لما قد تفعل هذا؟.. لما تحكم على الغرام الذي بينكم بالموت!..
أقتربت منها الأخرى أكثر ووضعت يد'ها الاثنين على أكتافها تحتضنها قائلة بصوت ناعم يبدو متأثر:
-اهدي يا سلمى متعمليش في نفسك كده
بعد لحظات من المواساة والكلمات الحنونة رفعت رأسها ومسحت على وجهها بقوة تزيل دمعاتها من عليه ثم هتفت بجدية:
-أنا هسافر يا إيناس.. هسافر ومش راجعة دلوقتي أبدًا
يالا الفرحة التي شعرت بها، كل ذلك البكاء التي استمعت إليه وهذه الشفقة التي كانت توزعها عليها لم تجعل قلبها يدق هكذا.. لم يجعل أي شيء قلبها يدق بهذه الطريقة العنيفة الفرحة للغاية بما استمعت إليه ولكنها تحكمت بنفسها قائلة بحزن:
-للأسف ده الحل الوحيد يا سلمى علشان تنسي
أومأت إليها "سلمى" البريئة معها للغاية.. والتي جعلتها الأقرب إليها على الرغم من كلمات "عامر" الدائمة لها عن كونها ليس فتاة صالحة لتكون صديقتها.. والأخرى قد دقت طبول السعادة والفرح داخلها..
الانتقام منه ليس شيء سهل أبدًا، لقد جعلها تشعر بخذلان لا مثيل له، جعلها تبكي ليالي بقهر وحرقة وضياع نفس.. جعلها تتعايش مع مرارة الأيام وحدها بعد الذي فعله معها منذ سنوات..
لقد دمر كل ما كان بها، جعلها أخرى أصبحت لا تعرف نفسها.. وكان عليها الانتقام منه.. الانتقام الشديد الذي استغرقت كثيرًا وصبرت أكثر لكي تقوم به على أكمل وجه ولتكون الضربة القاضية له.. ولم تكن إلا عن طريق روحه "سلمى" وصديقتها الزائفة..
تعلم أنه يفرط من شرب الكحـ ـول، ولحسن حظها رأته في ذلك المكان التي لا تحب الذهاب إليه "سلمى"، ورأته في حالة ثمالة لن تتكرر لأنه لا يمثل أكثر من هذا.. ولحسن حظها مرة أخرى كان هذا الوقت المناسب بالتحديد...
جعلت الفتاة تقترب منه للغاية وهي تأخذ اللقطات المناسبة، لم يمنعها عن الإقتراب ولكنه أيضًا لم يقترب.. وفعلت ما كانت تريد فعله.. إنه برئ ولم يفعل شيء.. لم يخونها، ولم يقـ ـبل الفتاة.. لم يحتضنها ولم يفعل أي شيء حتى اللمسة لم يفعلها بإرادته هي من كانت تحركه وتفعل ما يحلو لها لتأخذ الأخرى ما تريد وهو الأحمق لا يدري بكل هذا وأصبح أمام نفسه قبل الجميع جا'ني وقد خانها حقًا ويلوم نفسه لأنه أقترب منها..
نظرت إلى "سلمى" بعينين ثاقبة ونظرة حادة حاقدة، عليها أن تقاسمه العذاب، هي الأخرى مثله عليها أن تنال جزء من الانتقام..