رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 6 - 2
رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب
الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
تابع قراءة الفصل السادس
الجزء الثاني
❈-❈-❈
خرجت ميس من غرفة جدها تشعر بالإنهاك ، بعدما أنتهت من فحصه اليوم ، وتناول أدويته وخلد للنوم ، إستندت بظهرها على الجدار ، كأن قدميها لن تستطيع حملها للذهاب لغرفة مكتبها ، والتى كانت سابقاً لراسل ، فبعد أن إلتقطت أنفاسها تحركت من أمام الغرفة ، تتثاقل مشيتها فى رواق المشفى المؤدى لغرفة المكتب ، وضعت يديها بجيبىّ رداءها الطبى ، تومئ برأسها بخفة لكل من يلقى عليها التحية من الأطباء والعاملين بالمشفى ، وصلت إلى وجهتها ، ففتحت الباب وولجت للداخل ، ولكن ما كادت تمر دقيقتان حتى سمعت طرق على باب الغرفة ، فأذنت للطارق بالدخول ، بعدما هتفت بصوتها المرهق ، ولكن ذلك لم يمنعها بأن تجلس بشموخ معتاد على مقعدها ، تنتظر دخول الطارق
أنفتح الباب وولجت منه ولاء وصغيرها ، فهبت ميس من مقعدها وهى تصيح باسمة :
- إيه ده ولاء ومراد إيه المفاجئة الجميلة دى
أقتربت منها ولاء وقبـ ـلتها على وجنتيها وقالت بإبتسامة وهى تداعب رأس صغيرها :
- كنا فى مشوار قريب هنا ، قولنا نيجى نسلم عليكى وكمان عرفت أن جدك تعبان وهنا فى المستشفى فقولت أجى ازوره ، هو لسه هنا ولا رجع البيت
أنحنت ميس وحملت الصغير وقبـ ـلته على وجنته بحب ، فدعت ولاء للجلوس وجلست على المقعد المقابل لها ووضعت الصغير على ساقيها ، فداعبت وجنته المكتنزة وقالت بصوت غلب عليه التأثر والحزن :
- لاء جدو لسه هنا ، علشان محتاج يعمل عملية
أنحنت ولاء قليلاً للأمام وربتت على سا قها وهى تقول بمواساة :
- إن شاء الله هيبقى كويس وهيقوم بالسلامة يا ميس ، باين عليكى الإرهاق جامد
دمعت عيني ميس رغماً عنها وقالت بصوت متحشرج من الخوف :
- خايفة على جدو أوى يا ولاء ، دا لو جراله حاجة أنا ممكن أموت فيها دا مش بس جدى دا كل دنيتى ، فتحت عينى فى الدنيا عليه هو وراسل وخالو عاصم ، مقدرش أتصور حياتى من غير حد منهم
على ذكر إسم راسل ، تغشى الحزن عين ولاء هى الأخرى ، فكم كانت تتمنى وجوده عندما وضعت صغيرها ، ربتت على ساق ميس وحاولت الإبتسام لعلها تردع تلك الدمعات التى باتت تحرق جفنيها ، فقالت بتفاؤل وأمل :
- إن شاء الله يا ميس جدك هيقوم بالسلامة ، وأبيه راسل يرجع هو كمان ، أنا مش عارف قلبه طاوعه يسيب حبايبه كل الوقت ده إزاى
جففت ميس دموعها ، ونظرت لولاء قائلة بحذر :
- ولاء أنا هقولك على حاجة بس بالله عليكى ما تقولى لحد ، أبيه راسل هيرجع قريب لما عرف أن جدو تعبان كلمنى وقال أنه راجع على أول طيارة ، بس كان موصينى مقولش لحد ولا حتى حياء
رنين هاتف ولاء ، ساهم بإخراجها من تلك الحالة التى تغشتها فجأة بعد سماع ما قالته ميس ، حتى أنها لم يكن لديها الوقت لمنحها رداً على ما سمعته منها ، إذ وجدت إتصال مُلح من زو جها معتصم ، ففتحت الهاتف على الفور ، وحاولت أن يخرج صوتها طبيعياً :
- أيوة يا معتصم ، أنا هنا فى المستشفى فى أوضة المكتب بتاعة ميس ، تمام تعالوا مستنياكم
صيغة الجمع التى قالتها ولاء تنافت مع فكرة أن معتصم جاء بمفرده ، لذلك فطنت ميس على الفور بأن ربما يرافقه عمران ، فسحبت محرمة ورقية وراحت تجفف عينيها ، لتمحى عنها أثر البكاء ، وقبل أن تفه أى منهما بكلمة كانتا تسمعان طرق على باب الغرفة ، فولج معتصم وتباطئ عنه عمران قليلاً ، ولكن ترك الصغير مجلسه على ساقىّ ميس ، وهرول تجاه عمه ، الذى أنحنى إليه وحمله عن الأرض يقبـ ـله وهو يقول باسماً:
- البطل بتاعى عامل إيه النهاردة
بعدما ألقى معتصم التحية على ميس ، أشار لصغيره وهو يقول ممازحاً :
- شوفوا الواد عدا من جمبى ولا كأنه شايفنى وجرى على عمه ، هو أنا شفاف للدرجة دى
ضحكت ولاء على قول زو جها ، لعلمها بأن صغيرها ربما بات يميل لعمه عمران أكثر من أبيه ، فعمران يزيد بتدليله لمراد ، حتى أنه يشاركه غرفته ، فقالت ولاء وهى تشير لبطنها بإستحياء :
- خلاص يا حبيبى ، التانى لما ييجى إن شاء الله هييجرى عليك أنت
أتجهت أنظار الجميع إليها ، وحملق بها زو جها وهو فاغرًا فاه يكاد فكه السفلى يصل للأرض قائلاً بدهشة :
- أنتى حامل يا ولاء ، بتتكلمى جد
فهو لا يعلم بشأن أنها حامل مرة أخرى ،ولم يعلم بالأمر إلا الآن ، فقالت ميس بإبتسامة :
- ألف مبروك يا ولاء تقومى بالسلامة إن شاء الله
ردت ولاء قائلة بإبتسامة بشوشة :
- الله يبارك فيكى يا حبيبتى ، وأنا والله ما عرفت إلا النهاردة الصبح ولما جيت المستشفى أطمن على جدك قولت أعمل تحليل دم يعنى لسه مش متأكدة من الموضوع أوى
تابع معتصم نظرات شقيقه لزو جته ، فجذب يـ ـد ولاء قائلاً :
- طب تعالى بقى نتأكد يا أم العيال
وأقترب من شقيقه وحمل صغيره يقبـ ـله وأستطرد قائلاً وهو يقضم وجنة الصغير :
- وتعال أنت كمان علشان أفكرك أن أنا أبوك
أخذ معتصم زو جته وطفله وخرج من الغرفة ، فجلست ميس على مقعدها خلف المكتب وإنتظرت أن ترى عمران يرافقهم ، وضعت رأ سها بين راحتيها وخفضت وجهها وأغلقت عيـ ـنيها كأنها غير قادرة على فتحهما ، وبسماعها صوت إغلاق الباب ، ظنت أن عمران خرج هو الأخر ، فأسندت ظهرها للمقعد وهى مازالت على حالها من إغلاق خضراوتيها ، كأنها ستتأذى من الضوء إذا عملت على فتحهما ، ولكن بداخل عقلها كانت تسترجع تلك اللحظات منذ رؤيتها لعمران وهو يلج الغرفة ، وكيف كان يحتضن إبن شقيقه ، فمما لا شك فيه أن عمران كان سيكون أب حنون ورائع ، وعلى الرغم من شعورها بالسعادة من أجل ولاء ، إلا أنها شعرت بالحزن ، ما أن طاف بعقلها تلك الذكرى المُرة التى خسرت بها جنينها الأول ، فإنسابت دموعها وهى تمسد بيـ ـدها على بطنها ، تشعر بالحيرة من كونها لم تقوى حتى الآن على مسامحة عمران لفعلته ، ولكن وجدت دفء مفاجئ يغمر وجنتها ، فإرتعبت وفتحت عيـ ـنيها على الفور ، وجدت عمران منحنياً إليها ، يكاد لا يفصل بينهما سوى تلك المسافة التى تسمح بأن يرى كل منهما الأخر بوضوح
إتسعت حدقتيها وهى تنظر إليه نظرات مرتبكة لم تحسن إخفاء خوفها من شعورها بأنه قريباً منها لهذا الحد وبذات الوقت كأنها بعيدة عنه ألاف الأميال ، فمدت يـ ـدها وأزاحت كفه بشئ من الجفاء وهى تقول بهدوء مدروس :
- أنت مخرجتش معاهم ليه
جلس على حافة المكتب بالقرب منها ، وقال ببرود متعمداً إغاظتها :
- قولت أقعد معاكى نتكلم شوية على معتصم وولاء ومراد يرجعوا ، محبتش أسيبك لوحدك
عاد يكمل حديثه ، بعدما سكت لبرهة ، فقال بصوت تخلله الحزن :
- مش عايز أبقى متطفل على حياة أخويا ، بالرغم من أن إبنه متعلق بيا ، أنتى عارفة أنا اللى سميته مراد وحبيته أوى ، لأن كنت دايما أحلم أن إسم مراد الزناتى يرجع للحياة تانى ، وكنت أتمنى أن يكون مراد ده إبنى أنا
إلتوى ثغر ميس بإبتسامة ساخرة و مقهورة بالوقت ذاته وقالت بعتاب قاسٍ :
- وهو كان مين السبب فى ضياع حلمك ده يا عمران مش أنت برضه ، وأنا قولتلك بالنسبة ليا خلاص حياتنا أنتهت مع بعض ، فياريت تشوف حياتك ولسه بإمكانك تخلف ويبقى عندك أولاد بس أنا مش هكون أمهم
أخذ رأ سها بين راحتيه بعدما جن جنونه من تكرار حديثها بأنها لن تعود إليه ، فهزها بشئ من القهر ، وهو يكبح جمـ ـاح نفسه بأن ينقض عليها ويثأر لقلبه الملتاع ،
فهتف بها بشئ من الحدة :
- لسه مزهقتيش من الإسطوانة دى بقى ، هفضل مستنيكى لحد أمتى علشان تسامحينى ، غلطت وأعترفت بغلطى عايزة إيه تااانى
صاح بأخر كلماته مما جعلها ترتعد بين يـ ـديه ، فكلما مارس الهدوء ، تعود وتسلبه إياه بعنادها ، ولم تفلح محاولتها بالتملص من بين يـ ـديه ، لذلك إستقامت بوقفتها لعله يفلتها ، ولكن كانت له الغلبة كالعادة ، بل صار الموقف بينهما أكثر سوءاً ، إذ راحت تقذفه بكل ما تطاله يـ ـدها من تلك الأشياء الموجودة على سطح مكتبها ، كأنها تريد إفراغ كامل غضبها ويأسها وخوفها وكل ما تشعر به بتلك الآونة ، ولم تجد غيره يتلقى ثورتها العارمة ، ولكنه أحكم سيطرته على يـ ـديها ، وقبض عليهما من خلف ظهرها بأحد كفيه ، لعل ذلك يسهل أمر إنقيادها إليه
تصاعدت دقات قلبها بسخط وقالت بأمر :
- سيب إيدى يا عمران وأطلع برا أنا مش عايزة أشوف وشك ، أنا بس أطمن على جدو وهرفع عليك قضية طلاق ، أو هخلعك يا ابن الزناتى
كلمتها الأخيرة ، كانت كفيلة بالقضاء على ما تبقى من هدوءه ، فرفع حاجبه قائلاً بذهول :
- تخلعينى أنا يا ميس ، لو تقدرى أعمليها يا بنت النعمانى علشان يبقى أخر يوم فى عمرك
تركها فجأة بشئ من القسوة ، فرفعت ذرا عيها تدلك معصميها وقالت بغضب :
- هتفضل طول عمرك همجى و...
رآى أنها ثرثرت للحد الذى يأمن سلامتها ، لذلك وضع حداً لذلك السيل من الشتائم والسباب ، الذى علم أنه بطريقه إليه ، فكم كان الأمر ممتعاً له وهو يجعلها تبتلع تلك الإهانات التى كانت على وشك قذفها بوجـ ـهه ، بل تخبطها بين ذرا عيه بذلك العناق المحمـ ـوم المشوب بالجنون ، جعل عناقه لها يحمل طابع الهيمنة ، لعلها تعلم مع من تريد العبث ، ولكن لم تدوم هيمنته وسيطرته طويلاً ، خاصة بعدما سمعها تلفظ إسمه برجاء من أن يتركها ، فإن كان فصل العناق بينهما وأعطاها الحرية بأن تلتقط أنفاسها ، إلا أنه مازال فارضاً حصاره حولها .ولكن بدأ يلعن نفسه ما أن رآها تنخرط بالبكاء ، بل أن قدميها بدأتا تتهاوى ، حتى كادت تسقط ، لولا ذراعاه الممتدتان لها ، فضمها إليه ضمة قوية دون إيلام ، وردد على أذنها عبارات الأسف والندم ، التى يعلم أنها لن تزيدها سوى شعور بالنفور منه ، خاصة بعد عناقه القاسى لها ، الذى جاءها ليرسخ بذهنها أنه مازال قادراً على إيذاءها بخضم شعوره بالغضب منها
❈-❈-❈
مرت الدقائق كأنها دهر بأكمله ، فمنذ أن وطأت قدميه أرض الإسكندرية ، وكأن الوقت يمارس عليه إحدى الألعاب المنهكة للأعصاب ، وجاء ذلك ضمن أن تلك السيارة التى ستقلهم لقصر النعمانى ، أصيب أحد إطارتها بثقب ، إستلزم إستبداله ، علاوة على أن خزان الوقود نفذ ، لذلك توقفوا ثانية بإحدى محطات الوقود ، فلم تفيد حيلته بنقر أصابعه ببعضهما البعض ، لكى يلجم لسانه عن أن يصبح بوجه السائق ، الذى لم يتأكد من قدرة سيارته على نقلهم لوجهتهم ، ولكن حاول هو الإستفادة من ذلك التأخير ، بأن يمنح ذاته فرصة للسيطرة على تلك الأفكار التى راحت تعصف بعقله ، بل عصفت بكيانه بأكمله ، من تفكيره فى كيفية إستقبال قاطنى قصر النعمانى له بعد غيابه كل تلك المدة ، ولكن لم يكن يعنيه إستقبال أحد منهم ، قدر إهتمامه بالتفكير فى رد فعل زو جته حياء بعد رؤيته ، إذا كانت ما تزال تقطن بمنزل والده ولم ترحل منه ، فساهم الصغير الجالس بالمقعد الخلفى على ساق والدته ، أن يخلق جو من المرح بعدما شب واقفاً على ساقىّ ساندرا وجذب شعر راسل الجالس بالمقعد المجاور للسائق
إلتفت راسل له ونظر إليه باسماً:
- أنت وبعدين معاك أنت فى شقاوتك دى
لبط الصغير بيـ ـديه كأنه يمنحه الأمر بأن يأخذه ويجلسه على ساقيه ، فإستجاب له على الفور ، وبعد عدة دقائق قضاها بجذب إنتباه راسل له بأفعاله ، داهم النعاس عينيه الصغيرتين ، فنام هانئاً مطمئناً قرير العين ، وماهى إلا دقائق معدودة حتى وجد السيارة تقف أمام ذلك القصر المنيف ، والذى راح أحد حارسى البوابة الكبيرة يقترب منها ليعلم لمن تعود ، وما أن رآى إبن سيده يجلس بالمقعد الأمامى ، حتى تهلل وجه وصاح للحارس الأخر بأن يفتح البوابة ، فأكملت السيارة طريقها حتى وقفت أمام الباب الداخلى للمنزل
فترجل راسل من السيارة وهو يحمل الصغير الغافى بين ذراعيه ، بعدما أعطى للسائق نقوده ، وتوافد عدد من الحراس بعد علمهم بعودته ، فهتف بهم قائلاً بهدوء:
- دخلوا الشنط اللى فى العربية على جوا
لم يستطع أحداً منهم من أن ينبس ببنت شفة ، خاصة بعدما رآوا راسل يحمل طفل صغير ويرافقه إمرأة لم يراها أحد منهم من قبل ، فهم ليس لديهم الصلاحية بأن يعلق أحدهم منهم على تصرفات أحد من أصحاب المنزل ، لذلك أسرعوا بتفيذ ما قاله
توقفت قدماه على عتبة الباب لهنيهة ، كأن يخشى أن يطأ للداخل بقدميه وتتخطفه ملائكة العذاب ، ورغم ذلك ما أن أمر ساقيه بالتحرك أطاعته على الفور وولج للداخل بخطوات ثابتة هادئة لا يفسد هدوءها سوى صوت حذاء ساندرا ذو الكعب العالى الذى راح يصدر رنيناً على الأرضية اللامعة التى تشبه قوارير الزجاج ، فأكملوا سيرهم حتى وصلوا لغرفة المعيشة الكبيرة
وجد سجود تمر من جواره وهى تصيح بسعادة :
- مااامى
ساعدت سجود بصيحتها المنادية لحياء ، بأن تجعله يعى بأى موقف سئ سيصبح هو الآن ، خاصة أنه رآها جالسة بغرفة المعيشة مع باقى أفراد العائلة ، فجميعهم موجودون كأنهم كانوا بإنتظاره ولا ينقص سوى وجود والده ، فإن لم يكن رآى تلك الملامح المشدوهة ، لكان ظن أن ميس أفشت أمر عودته
إرتجفت شفتىّ حياء وهى تهمس بإسم الصغيرة بنبرة مفعمة بالحب لم تخلو من الخوف خشية أن ما تراه سراباً أو وهماً كتلك الأمنيات التى لم تكف عن نسجها طوال الشهور الماضية ، ولكن ذلك لم يمنعها من أن تخطو نحو الصغيرة بلهفة وتلقتها بين ذراعيها وهى دامعة العينين :
- سجود حبيبة ماما وحشتينى أوى
طوقت سجود عنقها وقاسمتها سعادة اللقاء بأن هتفت بها بصدق :
- وأنتى كمان وحشتينى أوى يا مامى ، أنا كنت بعيط كل يوم علشان كنت عايزة أشوفك
ظنت حياء أن ما تراه وتسمعه حلماً ، فعلى الرغم من أنها إستقبلت الصغيرة بين ذراعيها وراحت تقبلها بنهم ودموع سخية ، إلا أنها تشعر بأن بالدقيقة التالية سيأتى أحد ويوقظها وتعلم أن ما تراه ما هو إلا حلم مجنون ومستحيل بالوقت ذاته ، ولكن حتى وإن كان هذا حلماً جميلاً ، فهى لا تريد أن تستيقظ ، ويكفيها أن قلبها عاد ينبض بتلك اللهفة من ضم جـ ـسد الصغيرة المتعلقة بعنقها ، لعلمها بأن إذا كانت سجود بين يـ ـديها الآن ، فإنه هو الآخر هنا ، قريباً منها ، وربما ستحين اللحظة من أن تكون بين ذرا عيه وتسمع خفقات قلبه أسفل أذ نيها ، بل سيحتويها بين ساعـ ـديه القويتين وتنعم بدفئهما ، ستخبره بما عانته منذ أن تركها ورحل ، حتى وإن كان سيأتى كل هذا من باب عتاب المغرمين ، ولكن يكفى أنه قد عاد
ولكن ما أن حانت منها إلتفاتة إليه ورآته يحمل طفل صغير وتقف بجواره إمرأة لا تعلم من تكون ، حتى تكونت الدهشة على وجهها من عقدها لحاجبيها ، ومن تنقلها ببصرها بينهما ، بإنتظاره أن يقول شيئاً ، ولكن ظل الصمت سيد الموقف حتى إستطاعت سجود كسر حاجزه ببراءتها وهى تقول بعفوية:
- ماما إحنا رجعنا خلاص شوفتى ساجد أخويا هيقعد معانا هنا
شهق الجميع بصدمة إلا هى ، كون أن دماءها التى جفت من مجراها ، أختطفت معها صوتها ، بل كأن أحدهم سحب أنفاسها وتركها شاحبة باردة أقرب للموتى منها للأحياء
وما أن عاد إليها صوتها تمتمت بصدمة :
- ساجد أخوكى ! راسل أنت أتجوزت عليا وخلفت كمان
لم تزد كلمة أخرى ، ولم تسمع شيئاً سوى صيحته الخائفة بإسمها بعدما سقطت على الأرض :
- حياااء
ولكنها قد فقدت وعيها بشكل تام ، ولم يعد بإمكانها سماع صوت أحد ، كأنها منحت كامل موافقتها بأن تسحبها تلك الهوة السوداء وتغرق بحالة من فقدان الوعى ، تتمنى أن لا تستيقظ منها وتجد ذلك الواقع المرير ، الذى حاولت الهرب منه بإغماءها
تأرجح رأ سها المثقل بهول تلك المفاجئة ، التى أستقطتها بتلك الحالة من الإغماء ، بين رغبـ ـتها فى أن تفيق وترى من صاحب تلك الأنفاس ، التى كادت تذيب بشرتها اللدنة ، وبين أن تظل بتلك الحالة من اللاوعى ، حتى لا ترى تلك الحقيقة ، التى مزقت روحها وقلبها مما سمعته فور وصوله للبيت ، فكلما شعرت بذلك الملمـ ـس الخشن لتلك اليـ ـد ، التى تجرى على قسمات وجـ ـهها بلهفة لا تخلو من الخوف ، تقطب حاجبيها كأنها لا تشعر بالراحة ، وتريد إزاحة جفنيها ، لترى من يهمس لها بهذا الصوت القوى
ولكن هل هى حقاً لا تعلم لمن يكون ملمـ ـس تلك اليـ ـد وذلك الصوت ؟ أم أنها تتدعى الجهل ، حتى لا تفتح عيناها وتراه أمامها ، فهى لم تراه إلا بلمحة خاطفة ، قبـ ـل سقوطها مغشياً عليها ، ولكن كأنه لا يشبه زو جها راسل ، الذى تعرفه عن ظهر قلب ، أم أن صدمتها بما سمعته ، جعلتها تحاول الإنكار بين ذلك الرجل الذى رآته فور وصوله ، وبين حبيبها الغائب
- حياء فوقى أنتى سمعانى
خرج إسمها من بين شـ ـفتيه بلوعة كادت تحرق جنبات فؤاده، بعدما كان حريصاً على عدم نطقه أمام أحد إلا بخلوته مع ذكرياته بالعامين الماضيين ، إستقرت أنا مله قريباً من ثغـ ـرها ، بعد جولة تفقدية لقسماتها ، التى نهش الشوق قلبه لرؤيتها ، فأزاح تلك النظارة الطبية من على وجـ ـهه ، كأنه لا يريد عائقاً يمنعه من أن يدنو منها ، ولكن قبل أن يحصل على مراده من لهفته بأن يشعر بدفء أنفاسها إزاء وجـ ـهه ، كانت حياء تنتفض من مكانها ، مسببة بذلك صدام بينهما ، أدى لإرتداده عنها ، وربما كان أختل توازنه وسقط أرضاً ، لولا تداركه نفسه وقبض على ذرا عيها ، كمن يتخذها مرساة من الغرق
- أبعد إيـ ـدك عنى
صرخت حياء فى وجـ ـهه بجماع صوتها الحانق ، بل ضمت ذرا عيها وزحفت بجـ ـسدها حتى انكمشت على ذاتها بجوار الوسائد ، وعادت الدموع تغرق وجـ ـهها من جديد ، أغمضت عيـ ـنيها وأطلقت العنان لشهقاتها وصوت أنينها ونواحها ، فهذا ما لم تكن بإنتظاره ، من أنه يعود إليها وهو يحمل بين ذرا عيه طفل من إمرأة أخرى ، ولم يشفق عليها من هول تلك الصدمة ، من أن تراه برفقتها وتشهد على سعادته وأنه لم يتأثر بفراقه عنها ، بل أسرع فى البحث عن من أخذت مكانها وأنجبت له طفل ، ولم يكتفى فى قسـ ـوة عقابه لهذا الحد ، بل إنه أسماه " ساجد " وهى من كانت تريد أن تنجب طفلاً يحمل هذا الإسم
توقفت عن البكاء فجأة وتركت الفراش ، وبنيتها الخروج من الغرفة ولكنه قبض على ذرا عها ومنع تحركها فهتف بها أمراً إياها بإلتزام الهدوء :
- إهدى وبطلى حركة كتير ، لأن ممكن يجرالك حاجة
نفضت يـ ـده عنها بحدة وقالت بصوت مقهور وهى تضرب صـ ـدره بكفيها :
- متحاولش تلمـ ـسنى تانى أنت فاااهم ، حققت إنتقامك منى يا راسل ، رجعت دلوقتى وأنت متجـ ـوز ، وكمان عندك إبن و سميته ساجد ، وده الإسم اللى كان نفسى أسميه لإبننا ، قدرت تعمل كده فيا إزااااى
تتابعت أنفاسها المتلاحقة كأنها خارجة من عراك دامى ، بعدما أمتلأ قلبها من ذلك الشعور بأنها حمقاء وسخيفة لمنحه قلبها وعشقها طوال تلك المدة ، فعادت تضرب صـ ـدره من جديد تود لو كان بإمكانها تحطيم ضلوعه لترى إذا كان يحمل بداخلها قلبًا كباقى البشر أم أن هناك تجويف فارغ مكان قلبه
حملقت به بعينان متسعتان وهى تقول بنبرة صوتها التى بدت غريبة على مسامعها :
-بس أنا بعتب عليك ليه ماهو أنت راسل ، اللى بيحب يقهر اللى حواليه بتصرفاته ، إنسان بارد وقلبك زى الحجر ، بس على قد الحب اللى أنا حبتهولك حاسة دلوقتى أن بكرهك زى ما كرهتك زمان من أول مرة شوفتك فيها ، أنا بكرهك يا دكتور راسل
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية