رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 8 - 2
رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب
الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
الفصل الثامن
الجزء الثاني
❈-❈-❈
خرج أدم من غرفة الثياب ،
ورمقه بنظرة لا مبالية ، ووقف أمام المرآة وقام بثنى أكمام قميصه ومشط شعره ونثر
عطره وأخذ متعلقاته وأشار له بأن يتقدمه بالسير ليذهبان حيث يقام الحفل الغنائى
وصلا لتلك القاعة المقام
بها الحفل ، وجد أدم بيرى بإنتظاره ، فأقتربت منه على وجه السرعة وهى تقول بعملية :
– أدم أنت أتأخرت على
الميعاد اللى متفقين عليه ، أنا طلبت منك أنك تيجى قبل الحفلة بنص ساعة تقريباً بس
أنت وصلت دلوقتى وتقريباً فاضل عشر دقايق بس قبل ما تدخل القاعة
لم ينتبه أدم لما تقوله
بل راحت عيناه تتجول بالمكان ليرى هل هى هنا أم لا ، ولكنه لم يكن يملك الوقت
الكافى لسؤال بيرى عنها ، بل جذبته من ذراعه ووصلا حيث ذلك المكان الذى سيخرج منه
للقاعة ، وما أن عاد ينظر خلفه حتى دفعه صديقه برفق ليدخل ويبدأ الغناء
بدأ أدم الغناء بفتور على
غير العادة ، رغم حماس الجمهور بالتهليل والتصفيق ، ولكن أختفى كل هذا ما أن
أبصرها قادمة من مكان بأخر تلك القاعة ووقفت بجوار بيرى ، فعاد إليه حماسه وبدأ
يشدو بنغمات أغنيته الجديدة حتى فرغ منها وعلا صوت التصفيق الحار من الجمهور
ترك أدم مكانه ووصل حيث
وقف كل من صديقه وحياء وبيرى ، بعد أخذه تلك الإستراحة القصيرة على أن يعود ويكمل
باقى فقرات الحفل الغنائى ، فإبتسم لحياء قائلاً بصوت ودود :
– فرحان إنك جيتى النهاردة
مليكتى
إبتسمت حياء إبتسامة
خالية من المرح ، إلا أنها لم تنكر شعورها بالإنزعاج كلما ناداها بتلك الكلمة
المتوددة ، فنظرت إليه قائلة بجدية :
– أدم أرجوك بلاش كلمة
مليكتى دى إذا سمحت مش عايزة حد يسمعك كده ويفتكر حاجة مش كويسة
رآى بوادر الإنزعاج
والضيق بوضوح على وجهها ، فأسرع بتقديم إعتذاره وهو يقول بلباقة:
– أسف يا حياء ، بس منكرش
أن أنا فرحان إنك جيتى النهاردة
– شكراً يا أدم وأظن وقت
إستراحتك خلص يلا علشان تدخل تغنى تانى
قالت حياء وهى تشير بيدها
بأن يسرع بدخول القاعة ، فأطاعها على الفور ، ولم يفوتها تلك النظرات التى حملت
علامات الإستفهام من صديق أدم وبيرى ، إلا أنها حقاً لم تكن راغبة فى الحديث ، فهى
لم تأتى لهنا إلا للترويح عن نفسها ، عوضاً عن جلوسها بالمنزل وترى زو جها ، الذى
بدا أن السُبل والدروب تقطعت بينهما من غير رجعة
بعد إنقضاء ساعات الحفل
جلسوا حول إحدى الطاولات بذلك المطعم التابع للفندق الذى أقيم الحفل بإحدى قاعاته
، وبعد تناول العشاء وثرثرتهم ، أخرج أدم تلك القنينة ووضعها أمام حياء
نظرت لها حياء بتفحص وما
لبثت أن عقدت حاجبيها وتساءلت:
– إيه ده يا أدم ، بتدينى
البيريفيوم ده ليه
إبتسم أدم وهو يشير إليها
قائلاً برجاء :
– دا أخر نوع بريفيوم ماما
كانت عملاه قبل ما تموت ، حبيت أدهولك هدية ، علشان لما أسافر تفتكرينى ، إعتبريها
هدية بسيطة وإعتذار عن لو كنت ضايقتك فى أى مرة شوفتك فيها
رفعتها حياء ونظرت لإسمها
فإبتسمت بمرارة كون أن ذلك الإسم ، كان يدللها به راسل زو جها ، ورغم ذلك الشعور
الذى إجتاحها من أنها لا تريد أن تتذكره أو تتذكر أوقاتهما سوياً ، إلا أنها قبلت
أخذ الهدية ، فوضعتها بحقيبتها وشكرت أدم ، ولكنها ألحت على بيرى بضرورة الإنصراف
، فنهضت بيرى من مقعدها ولكن قبل أن تصل كل منهما لسيارتها رآتا ديفيد قادماً
برفقة فتاة تتأبط ذراعه بدلال أنثوى صارخ ، ولكن يبدو على وجهه أنه يشعر بالإستياء
تقدمت منه حياء ونظرت
للفتاة وتساءلت بصوت خفيض :
– مين دى يا ديفيد أنت رجعت
تلعب بديلك تانى
قلب ديفيد شفتيه ورد
قائلاً بسخط :
– ديلى إيه ومصيبة إيه ، دى
بلوة اتحدفت عليا ومعرفتش أخلص منها تبقى بنت شريكى فى صقلية ووصلت إسكندرية
النهاردة ، فجبتها احجزلها فى الفندق هنا ، لأن دى ما أضمنهاش لو قعدت معايا فى
البيت
فهمتا حياء وبيرى مغزى
حديثه ، فضحكتا بصوت عالى ، فإبتسمت الفتاة على الرغم من عدم فهمها لما يقولونه
كونها لا تتحدث العربية ، بادلها ديفيد إبتسامتها بإبتسامة صفراء ، قادرة على أن
تجعلها تعلم مدى شعوره بالإنزعاج من وجودها ، ولكنها لم تبالى بسخطه ، بل جل ما
فعلته بأن ربتت على وجنته بدلال
رمق ديفيد شقيقته وإبنة
عمه ممازحاً:
– أستنونى هنا هشوفلها أى
أوضة تقعد فيها وأجيلكم ولو اتأخرت تعالوا خدونى ، متسبونيش معاها لوحدى ، وأنا
أساساً تاريخى مفيش أسود منه ماشى
جلستا حياء وبيرى
بالحديقة التابعة للفندق ريثما ينتهى ديفيد من تسكين ضيفته الشابة بإحدى غرف
الفندق ، مالت حياء برأسها للخلف ونظرت للسماء ، التى ظهرت بها النجوم كنقاط بيضاء
وسط سواد حالك ، ولكن لم ترى آثرًا للقمر ، كأنه الليلة ظل مختبأ بمكان بعيد ، حتى
لا تراه ، وتعود من جديد تسأله عن تلك الوعود والعهود التى تقاسمتها هى وحبيبها
بأيام زواجهما الأولى ، فهى ظلت حافظة الوعد والعهد وظلت باقية على الود لأيام
وشهور ، ولكن تبخر كل شئ بلحظة واحدة ، كانت كفيلة بقـ ـتلها حتى وإن كانت أنفاسها
مازالت تجرى برئتيها ، ولكن ليس كل القـ ـتل ترى آثاره متمثلة بدماء وروح تزهق ،
بل هناك قـ ـتل من نوع أخر ، وهو المتمثل بذلك البرود والخواء اللذان إستطاع زرعهما
بقلبها ، مررت يـ ـدها ببطئ حتى وصلت موضع قلبها ، شعرت بتلك الخفقات المؤلمة
والتى يدوى صوتها بين أضلعها ، فإن نجحت بتلك الأيام القليلة الماضية بأن لا تراه
حتى تأخذ وقتها الكافى بترتيب حياتها ، وإعداد أول خطة لتلك الحرب الباردة بينهما
، فقريباً ستصبح المواجهة بينهما حتمية ، وستقدم كبرياءه المهدور قربان لقلبها
الجريح
❈-❈-❈
أنتهى عمران من إرتداء
ثيابه تأهباً للذهاب للمشفى للإطمئنان على الأحوال الصحية لرياض بعد علمه بنجاح
تلك الجراحة التى خضع لها ، فنظر لصورة إبن شقيقه المنعكسة بالمرآة وهو جالساً على
فراشه ، يلهو ببعض الدمى والألعاب ، إبتسم له بمحبة وسرعان ما أنطفأت معالم
السعادة من وجهه عندما تذكر بمرارة أنه ربما كان سيرى صبيان جالسان يلهوان مع
بعضهما البعض أحدهما إبن شقيقه والأخر إبنه هو من ماسته العنيدة ، فإن كان أحياناً
ينفذ صبره من تشددها برأيها بعدم عودتها إليه ، إلا أنه من داخله يعلم أنها محقة
بخوفها ورهبتها منه ، وكيف تأمن جانبه بعدما تركها كالجثة الهامدة بعدما فرغ من
إعتـ ـداءه النفسى والجـ ـسدى عليها ، وهو من يعلم جيداً مدى رقتها ونعومتها منذ
نعومة أظافرها ، ولكن ما أن غلبه الكبرياء والغرور ، ظن أن فرض سيطرته عليها
بالقوة سيجعلها منصاعة ومنقادة له تحت سياق أن ما حدث لها أتاها من زو جها ولم
يأتيها من رجل غريب ، وتفكيره اللعين هذا هو ما يجعله دائماً يخطئ بصرف خوفها منه
ترك الصغير مكانه على
الفراش ووصل بجوار عمه ، فرفعه عمران عن الأرض وقـ ـبل وجنته قائلاً بحب :
– إيه يا بطل زهقت من اللعب
، يلا علشان أوديك لباباك ومامتك علشان عندى مشوار مهم وهرجع على طول
هز مراد رأسه بقوة ،
دلالة على أنه لن يتركه يخرج من المنزل بدونه ، بل حاول إستعطافه بأن وضع رأسه على
كتف عمران وأحاط عنقه بذراعيه ، فمسد عمران على ظهره وضمه إليه أكثر وهو يغمغم :
– أنت عايز تيجى مع عمو ،
ماشى يا حبيبى يلا بينا
جلجلت ضحكة مراد بعد
حصوله على وعد بمرافقة عمه ، فخرج عمران وهو يحمله على ذراعه وأخبر شقيقه وزو جته
بإصطحاب الصغير معه ، وضعه بالمقعد المجاور له بالسيارة وقادها بهدوء حتى وصل
للمشفى ، ترجل من السيارة وحمل مراد وولج للداخل ، وقبل وصوله لتلك الغرفة التى
يقيم بها جد زو جته ، وجدها واقفة تتحدث مع أحد الأطباء ، ولكن ما جعله يشعر
بالإنزعاج هو أنها تبتسم كأنها تمزح معه ، فقبل أن يتقدم خطوة أخرى ، وجد غزل تقبض
بيـ ـدها على ذراعه
نظر إليها قائلاً بغرابة :
– فى إيه يا غزل فى حاجة
إبتسمت غزل وقالت بدعابة :
– لاء ، هو فى حاجة هتحصل،
شامة ريحة خناقة جديدة جاى فى السكة صح يا عمران
إغتاظ عمران من كشفها له
بسهولة فوضع مراد بين ذراعيها وهو يقول بسماجة :
– مراد يا حبيبى أنا عارف
أن تيتة غزل وحشاك أديها بوسة وحضن على ما أرجعلكم
باغتها عمران بوضع الصغير
بأحضانها ، ربما ليعرقلها عن منعه من أن يتقدم من زو جته ، فعدلت من وضعية حملها
لمراد وقـ ـبلته من وجنتيه بحب ، كاد ينسيها ما سيفعله عمران ، إلا أنها ما أن
أنتبهت على حالها ، هرولت بخطواتها لتصل إليهما ، ولكن ميس تركت مكانها ودلفت
لغرفة المكتب بعد رؤيتها لزو جها يتقدم منها بخطوات واسعة ، وتحمل قسماته طابع
الضيق وربما سيثار شجار جديد بينهما
وضع عمران يـ ـده بشق
الباب قبل أن تقوم بإغلاقه ، فإرتدت ميس بخطواتها للخلف وعقدت ذراعيها بإنتظاره أن
يقول ما لديه ويرحل
رمقها عمران من رأسها
لأخمص قدميها وهو يقول بإستياء :
– يعنى حضرتك شوفتينى جريتى
على مكتبك مع إنك كنتى واقفة تتكلمى من شوية وبتبتسمى ، ولا هو الوش الخشب
والتكشيرة بتاعتك ليا أنا بس
– عمران يا ريت توطى صوتك
أنت هنا فى مستشفى ملوش لازمة شغل الهمجية بتاعتك دى وأتفضل أخرج برا عندى شغل
نطقت بها ميس ببرود ،
وحلت ذراعيها ورفعت يدها تشير له بالخروج ، ولكن قبل أن يثور ويطلق العنان للسانه
جذبته غزل من ذراعه حتى خرجا من غرفة المكتب ، فهى سأمت حقاً من شجارهما المعتاد ،
والذى يجعل الأمور تتخذ منحنى أسوء بعلاقتهما ، إصطحبته حتى وصل لتلك الغرفة التى
يرقد بها رياض بعد إفاقته ، فبعد أن أنتهى عمران من زيارته ، أخذ الصغير ورحل من
المشفى بعدما أخذ عهداً بأنه لن يأتى لهنا مرة أخرى ، حتى وإن كانت ميس تحمل بيـ
ـدها ترياق الحياة
عادت غزل للمنزل تتثاقل
مشيتها ، تسير بشرود غير منتبهة لتلك الترتيبات التى تعدها سوزانا من أجل عودة
رياض للمنزل بعد بضعة أيام ، بعدما صرح راسل أنه بالإمكان أن يعود والده للبيت بعد
إستقرار حالته الصحية وزوال الخطر عنه ، ولجت لغرفتها وذهبت للمرحاض وأغتسلت وبعد
خروجها وقفت أمام المرآة لتمشط شعرها
إنتبه عاصم على شرودها
وهى تقف أمام المرآة لا تفعل شئ ، سوى أنها تحملق بصورتها المنعكسة أمامها ، ولا
يعلم ما أصابها ، ولكنه ظن أنها ربما تشعر بالحزن من أجل عمران إبن شقيقها ، خاصة
إذا شهدت على مشاجرة جديدة بينه وبين ميس ، فالإثنان من ذوات الرآس اليابس
والكبرياء المفعم بالغرور ، وكلما حاول أحد من العائلتان إصلاح الأمور بينهما ، يتفاقم
الأمر أكثر ، خاصة عندما تعلن ميس عن رغبتها فى أن يمنحها عمران الطلاق ، وكأن
العامين الماضيين لم يكونا كافيين لجعلها تنسى ما حدث منه بحقها ، والذى علم به
الجميع فيما بعد ، عندما طالبها عمران بالعودة لمنزله ورفضت ميس مطلبه ، فبوقتها
صرحت عن أسبابها بالإمتناع عن العودة لمنزل الزو جية ، خشية أن تحيا مع زوج يتخلى
عن كل معالم الإنسانية ، إذا بلغ منه الغضب مبلغاً كبيراً ، وأنه تسبب لها بإيذاء
جـ ـسدى ونفسى بليغ ، خاصة بفقدان طفلهما
أدنى عاصم برأسه منها
وطوقها بذراعيه قائلاً بإبتسامة :
– الجميل سرحان فى إيه
ردت غزل إبتسامته ولكنها
لم تكن بالود المطلوب والمنتظر منها عندما يكون هو قريباً منها ، فقالت بعدما زفرت
بقوة مشوبة بالتيه وعدم القدرة على التفكير :
– حاسة أن أنا ملغبطة خالص
يا عاصم ، عمران وميس قربوا يجنونى ، مش عارفة أمتى ينتهى الخصام بينهم ، عارفة أن
ممكن تكون ميس مش قادرة تنسى اللى حصلها منه ، بس هو فعلاً بيحبها جدا ، هو عمران
عصبى مش هنكر بس برضه حنين ، وحرام يعنى عمرهم اللى هيضيع ده بسبب دماغهم النشفة
مش عيزاهم يغلطوا غلطتنا يا عاصم
فرغت من حديثها ووضعت
رأسها على صـ ـدره ، ودمعت عيناها رغماً عنها بتذكرها تلك السنوات التى قضتها
بعيدة عنه ، مما تسبب الآن فى حرمانهما من وجود أطفال لهما ، فحتى إن لم يكن
لديهما ما يمنعهما من الإنجاب ، إلا أن حدوث الحمل عندها بهذا التوقيت يحمل طابع
الصعوبة بعد الشئ
ربت عاصم عليها ولكنه ظل
صامتاً لايجد ما يقوله ، خاصة أنه حاول مراراً وتكراراً بأن يجعل إبنة شقيقته تلين
برأيها المتصلب فى عدم عودتها لزو جها ، ولكن باءت محاولات الجميع بالفشل ، فأصر
عمه أن يتركها وشأنها ، كونه لم يريد إجبارها على العودة لعمران ، كما أجبرها على
الزواج منه فى البداية
أطلق عاصم نهدة عميقة ورد
قائلاً بهدوء:
– إن شاء الله ربنا يهديهم
قريب ، أن مش عارف إيه اللى حصل للكل فجأة كده فى السنتين دول ولسه المصيبة
الكبيرة لما عمى رياض يرجع البيت ويعرف اللى عمله راسل فى مراته ، إحنا لحد دلوقتى
مخبيين عليه ، حتى حياء لما بتزوره فى المستشفى مبتجبش سيرة عن اللى حصل ،
والصراحة مستغرب هدوءها وسكوتها ده
رفعت غزل رأسها عن صـ
ـدره ونظرت إليه قائلة بحيرة :
– حاجة فعلاً تجنن يا عاصم
، مش عارفة قدر يعمل فيها كده إزاى دا الكل كان شايف هم الاتنين بيحبوا بعض قد إيه
، وأنه كان متعلق بيها لدرجة يعنى كنت بلاحظ عليه انه قدامها هى بيبقى حاجة تانية
خالص ، إذا كان أنا أهو لما عرفت إتصدمت ماحال هى حالها إزاى لما تشوف جوزها
وحبيبها بقى عنده زو جة تانية وطفل كمان ، دا موتها بالحيا ، ومتستهونش بسكوتها
وهدوءها ده ، ده شكله الهدوء قبل العاصفة
ملأ بريق الغضب عينىّ
عاصم بتذكره ما حدث من راسل بحق حياء ، لعلمه أن الأمر لن يقتصر على إنكار الجميع
لفعلته ، بل لما سيحدث بعد علم عمه رياض ، خاصة أنه كان مفرط برعايته لحياء أثناء
غياب زووجها ، بل وأحترمها هو الآخر بعدما أخبرهم رياض بالحقيقة كاملة
فغمغم عاصم بضيق :
– راسل طول عمره محدش يتوقع
تصرفاته ، بس على الرغم من عمايله كان عمى بيعديهاله ، بس المرة دى مظنش ، خصوصاً
أنه بيعز حياء جدا ، ومش هو بس كلنا أتعلقنا بوجودها واحترمناها بعد ما عمى قالنا
على كل حاجة وانها ازاى كانت على استعداد تضحى بنفسها علشان تحمى جو زها وعيلته ضد
عمها ومؤمراته ، صدقينى لو حياء طلعت عينه هنعذرها لأن ميبقاش ده جزاءها فى الآخر
على اللى عملته معاه
نقرت غزل بيدها على شـ
ـفتيها ، كأنها تفكر بقول زو جها ، فهى خير من تعلم ذلك الشعور الذى ربما تغلغل
بقلب وعقل حياء حالياً بعد وقوع تلك الكارثة والتى لم تأتيها إلا من زو جها ، فهى
متيقنة من أن حياء لابد أنها تفكر الآن فى كيفية الثأر لقلبها وكبرياءها ، وكيف لا
وهى من أنتهجت ذلك الطريق من قبلها ، عندما ظنت بزو جها السوء
زفرت غزل زفرة مطولة وردت
قائلة بصدق :
– أنا كمان عذراها ، دا
زمان قلبها فيه نار وحاسة أن حياتها كلها وقفت وأحلامها ضاعت ، أنا مجربة الإحساس
ده وعرفاه ، دا انا كنت أوقات بفكر أن لو كنت شوفتك وقتها يا عاصم مش هرتاح إلا
لما أخلص عليك
مط عاصم شـ ـفتيه وأتسعت
حدقتيه ، خاصة بعد سماع تلك الرنة بصوتها دلالة على أنها كانت تريد الثأر منه
بأبشع الطرق التى يعجز عقله عن إستيعابها ، فلمـ ـس طرف أنفها وهو يقول بغيظ مكبوت :
– ما أنتى هربتى ودورت
عليكى ومقدرتش ألاقيكى ، ومش عارف إزاى كنتى فى اليونان وأنا معرفش بالرغم من أن
دورت عليكى هناك
إبتسمت غزل وردت قائلة
بهدوء وأسف فى آن واحد:
– كنت عارفة أنك وصلت
اليونان بس فى واحد من اللى أنت وصتهم يدوروا عليا ، كان فى صداقة بينه وبين مراد
أخويا جالى وقالى أنك موجود وبتدور علينا ، بس أنا اللى قولتله يقولك أنه ملقناش
وأستخبيت لحد ما اتأكدت أنك رجعت إسكندرية تانى ، لأن فى الوقت ده كنت خايفة منك
وخايفة أقابلك
عادت تشعر بالأسف لضياع
تلك السنوات هباءًا ، متذرعة بحجة الإنتقام منه عندما يحين الوقت الملائم
خرجا من الغرفة وجدا
سوزانا أنتهت مما كانت تفعله بل أوصت الخادمات بوضع طعام العشاء على المائدة
الكبيرة ، جلس الجميع عدا حياء ، التى يبدو عليها أنها لم تعود من الخارج ، جلس
راسل يبحث عنها بعينيه وسط الجالسين ، ولكنه لم يجدها
فرفع رأسه واضعاً يديه
أسفل ذقنه متسائلاً:
– هى حياء فين ؟
لم يجيبه أحد من الجالسين
، بل بدوا كأنهم لم يستمعوا لسؤاله اللجوج عن زو جته ، التى ما أن ألقت بتهديدها
ليه بذلك اليوم بالمشفى وهو لم يعد يراها على الرغم من أنها مازالت تقيم هنا
بالمنزل
مضغت ميس طعامها وردت
قائلة بهدوء لا يخلو من نظرات الإستياء لراسل :
– حياء شكلها راحت تزور بنت
عمها ، بس بتسأل عليها ليه يا راسل ؟
فإن كان الجميع فور وصوله
للمنزل حتى إنتهاءه من تلك الجراحة لأبيه لم ينبس أحد منهم ببنت شفة على تلك
المفاجئة التى أعدها لهم ، إلا ما أن إستقرت الأمور به فى المنزل وإستقرار أحوال
والده الصحية ، راح القاطنين بالمنزل يرشقونه بالنظرات المستاءة والتى ضجت بالحنق
من أفعاله ، التى لم يتقبلها أحداً منهم ، على الرغم من عدم تصريحهم بذلك
رد راسل نظرات ميس له وهو
يقول ببرود :
– بسأل عليها يا ميس ، حرام
اسأل على مراتى
لوت ميس ثغرها وقالت
بتهكم :
– ما مراتك قاعدة جمبك أهى
، لسه بتقول على حياء مراتك بعد ما دبحتها يا راسل
ضرب راسل المائدة بقبضته
، مما أدى لإهتزاز الطبق والكوب الزجاجى الموضوعان أمامه ، فكانت الضربة خير دليل
على أن تلتزم ميس الصمت وألا تتدخل فيما لا يعنيها ، شدت وفاء على يـ ـده لكى
يلتزم الهدوء ، كونها حذرته منذ البداية لما يمكن أن يحدث ، فهى منذ أن وطأت هذا
المنزل وهى صامتة ، كأنها تخشى أن تتحدث مع أحد وتجدهم يلومنها على أنها تركت راسل
يفعل ذلك دون محاولة منها أن تثنيه عن رآيه
وضعت سوزانا الملعقة من
يـ ـدها وقالت وهى تنظر لإبنتها :
– ميس متدخليش فى حياة حد
كل واحد حر فى حياته وهو من أمتى عمك راسل بيخاف على مشاعر حد علشان تلوميه دلوقتى
أنه جرح مشاعر مراته
قضى حديث سوزانا على ما
تبقى لديه من هدوء ، فصاح قائلاً بصوت عالى أفزع الصغير :
– ياريت كل واحد فيكم يخليه
فى حاله مش عايز حكم ومواعظ من حد ، وأنا حر أعمل اللى أعمله ماشى يا مرات أخويا
دائماً ما كانت الأمور
بينه وبين عاصم وسوزانا يشوبها التوتر والمشادات ، إلا أنه لم يكن بمزاج يسمح له
بأن يبدأ الشجار مع أحد منهم ، لذلك ترك المائدة ولم يضع شئ من الطعام بفمه ، فخرج
إلى الحديقة ، وجلس بجانب المسبح الكبير ، ولكنه رآى تلك السيارة السوداء التى مرت
من الحديقة حتى وصلت أمام باب المنزل الداخلى وترجلت منها حياء ، وأخرجت منها عدة
حقائب ربما خاصة بالثياب أو ما شابه ، وما أن ولجت للداخل وصعدت لغرفتها ، حتى
تبعها فقبل أن تغلق الباب نهائياً وجدته واقفاً أمامها
أسندت كتفها لإطار الباب
وعقدت ذراعيها وقالت بصوت كالصقيع :
– أفندم فى حاجة
– كنتى فين ده كله يا حياء
؟
سألها راسل بإلحاح ، ولم
يكتفى بذلك بل تقدم بخطواته منها مما جعلها ترتد هى للخلف ، وأكمل سيره حتى وصل
للفراش الموضوع عليه الحقائب
ولكن قبل أن يمد يـ ـده
ليرى محتوياتها ، جذبت هى ذراعه بشئ من الحدة وهى تقول بوجوم :
– أنت عايز إيه بالظبط وإيه
اللى جابك هنا ، هو أنا قولتلك أدخل وفتش فى حاجتى ، أتفضل أطلع برا ، وأوضتى دى
متدخلهاش تانى أنت فاهم
إلتفت برأسه إليها فأنتصب
بقامته ورمقها بهدوء ، محاولاً تفسير هجومها المفاجئ بحديثها ، كأنها تضع بالحقائب
أشياء ثمينة ، وستحفظها بمنأى عن عيناه ، نظر للحقائب ومن ثم عاد ينظر لها
متسائلاً:
– هو فى إيه فى الشنط دى
خايفة إن أشوفه
نفخت حياء بملل وردت
قائلة بسماجة :
– أظن حاجة متخصكش يعنى يا
دكتور ، أنا حرة وأعمل اللى أعمله وأشترى اللى يعجبنى ولا عندك مانع
حاول الحد من ذلك الغضب
الأعمى المتدفق بشراينه تزامناً مع ذلك الشعور العارم بأنه يرغـ ـب فى أن يضمها
إليه ، لعل وجيب قلبه يهدأ عوضاً عن ذلك الصخب ، الذى لا يجعله يهدأ ولا يمنحه
الراحة
رفع يـ ـده ولمس إطار
نظارته وعيناه منصبة النظرات على وجهها المحتقن بدماء غضبها :
– متنسيش أنك لسه تخصينى يا
حياء وهنا بيت جوزك يعنى لازم دخولك وخروجك يبقى بإذنى
ضحكت حياء فجأة كأنه ألقى
عليها إحدى النكات ، بل ظلت تضحك بصوت عالى حتى أثارت ريبته من ضحكها الغير مبرر
لقوله ، وضعت يـ ـدها على فمها لتلجم باقى ضحكتها ، حتى لا تدمع عيناها أكثر
فحمحمت لتجلى صوتها ليخرج
متزناً ، فقالت بتشفى وشماتة :
– أدخل وأخرج بإذنك ، ما
أنا بقالى سنتين بدخل وأخرج وأنت هناك عايش حياتك ، أفتكرت دلوقتى أن مراتك وده
بيتك ، بس يا خسارة أنا نسيت أقولك أن باباك كان موزع ثروته بينك وبين ميس
والأملاك الخاصة بيك هو كتبلى منها جزء وكان معايا توكيل عام بإدارة أملاكك ، فأنا
حولتها كلها بإسمى وبقيت أنا المالكة ليها يعنى حضرتك مبقتش تملك أى حاجة من أملاك
عيلة النعمانى ، يعنى أنت دلوقتى اللى ضيف عندى أنت ومامتك ومراتك وولادك
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية