رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 46 بالعامية - 2
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
تابع قراءة الفصل السادس والأربعون
النسخة العامية
بعد مرور ساعتان..
عادت من جديد إلى المنزل بعد أن تناولت بعض
القهوة في طريقها وأخذت تنقل كل ما ابتاعته له بالداخل بمفردها بعد أن تركته
بالسيارة لتجد كلبيه يهرولان نحوها فشعرت بالخوف الشديد مما قد يحدث وشعرت وكأنها
بورطة ولن تستطيع أن تقوم بنقله بسلام من السيارة حتى المنزل بالداخل وأخذ كلاهما
بالنباح لتبتلع وصاحت بهما كما يفعل هو ورفعت سبابتها وهي تشير لهما:
-
اللي مش هايسكت ويحترم نفسه فيكم هاطرده برا
البيت!
أخذت تُفكر في شيء من دوره سينهاهما عن تلك
الحالة المُرعبة التي تحيط بها هي و "تايني" وهي تُحدق بملامحهما
المُرعبة فتوجهت لتحضر مفاتيح منزله وحاولت أن تفعل مثل الذي رأته اليوم وهي تشعر
بالخوف منهما ولكن بمجرد أن وضعت لهما الطعام أمام منزله انشغلا به في غضون ثواني
لتزفر براحة واتجهت بهدوء لسيارتها لتحمله لتهرول في لمح البصر إلى داخل منزلها وأغلقت
الباب.
وجدت نفسها تضـ ـمه بقوة لتخفضه أرضًا بغرفة
الجلوس وأخذت تُخرج له كل تلك الألعاب التي ابتاعتها له ووضعت له الطعام ولم تلحظ
أن عكـ ـس توقعاتها قد تملك وقتها بالكامل لدرجة أنها لا تريد تركه وفعل أي شيء
سوى البقاء معه، ولا تريد حتى أن تذهب لتتفقد من قامت باحتجازه ومنعته من تناول
دواءه، وشيئًا فشيئًا لا تعلم كيف سيُصبح هذا الصغير أقرب لها من الجميع.
❈-❈-❈
اعادت تلك الصحون إلى المطبخ وعادت بطريقها
لتعيد المزيد لتجد من يجذبها من يـ ـدها ويدفعها لركن منزوي لتفزع مما يفعله وهو
يحاو طها باقترابه وكل ما تخيلته هو رؤية والدها لها في مثل هذا الموقف لتدرك أنها
ميتة لا محالة!
-
من ساعة ما جيت مفكرتيش تقعدي معايا خمس دقايق؟
ابتلعت بذعر شديد وارتبكت والكلمات تتخبط من
بين شـ ـفتيها:
-
يونس لو سمحت ابعد، مينفعش حد يشوفنا كده في
البيت، لو بابا جه أو ماما شافتنا، أرجوك ابعد بسرعة قبل ما حد يشوفنا
اقترب لها أكثر لتشعر بدمائها تتجمد بعروقها
وهي تنظر له كالجثة التي غادرتها الروح فسألها:
-
تخرجي معايا بليل؟
سرعان ما أومأت بالرفض واجابته بخوف واضح
بنبرتها:
-
لا بابا مش هيوافق، ابعد بقا أرجوك!
أمسك بسـ ـاعدها بلطف وحدثها متسائلًا:
-
ولو جبتلك الموافقة منه؟
أومأت بالموافقة من أجل أن تتخلص منه ليس إلا
ليبتسم لها وهو ما زال يحاوطها لكي لا تفل منه وقبل أن تُلقي على مسامعه المزيد من
عبارات الرفض اقترب نحوها لتفزع هي واحتبست أنفاسها بارتباك قبل أن يغادرها وهو يطبع
قُبـ ـلة نا عمة على وجنتها بدلًا من أن يباغتها بها في موضع آخر سيدفعها لحالة إغماء
من ملامحها المرتعدة تلك بفعل اقترابه!
توجه للخارج ثم اقترب من "عدي"
ليسأله:
-
هو عمو بيرجع البيت امتى؟
اجابه بزفرة ساخرة وهو منشغل بأمر ما بهاتفه:
-
لا مالوش مواعيد.
همهم الآخر بتفهم ثم حدثه متسائلًا:
-
طيب أكلمه واقوله إني عايز أنا وعنود نخرج،
كنت جبتلها هدية وعايز اوريهالها وهتفرح اوي بيها، وبالمرة نقعد مع بعض شوية، ايه
رأيك؟ شايف أحسن استناه ولا أكلمه؟
رفع عيناه نحوه بانتباه ثم تجعد جبينه وهو
يُفكر أن هذه الفكرة أو حتى مجرد التخيل سيكون خطرًا فأجابه قائلًا:
-
بص، أنا هخليكم تتقابلوا برا، مش مهم خالص
تحط بابا في حساباتك!
ابتسم له باقتضاب ولكن بداخله شعر بالضيق، ما
الذي يُمكنه فعله أكثر حتى يُنهي على تلك الحالة الغريبة التي يُصاب بها الجميع
عندما يذكرون حروف اسمه بجُملة مُفيدة، متى سينتهي من هذا الشبح الذي يعكر حياته
معها بعد أن أصبح زوجها منذ ليلة أمس أسفل أعين الجميع؟!
❈-❈-❈
بعد مرور ساعتان..
حاول أن يتحاشى ذلك الشعور الخانق بوضع رأسه
بداخل قميصه المنزلي لكي يمنع عقله من الاستجابة للمزيد من تلك الحالة البشعة بفعل
ذلك اللون اللعين الذي لو استمر تأثيره سيجذب عقله بعيدًا ليُلغي كل ما به ويذهب
به دون رجعة.
أغمض عيناه وهو يحاول الهروب لذكرى جيدة
واحدة في حياته فلم يجد سواها، هي بكل تفاصيلها، بابتسامتها وعنا قها الدافئ
ورائحتها التي أدرك الآن أنها رائحة الأمان والطمأنينة، ربما يجد بعقله هذا ليلوذ
إليه، ما الذي وجدته هي بمفردها بعد كل الرعب الذي سببه لها دون توقف؟
عواء استمر بصحبة نباح ليعلم الفرق بين صوتيهما
فنهض ليتجه لتلك الغرفة الصغيرة ووقف خلف هذا العازل المعدني الذي يغطي النافذة
ليبتسم بحزن، أخيرًا هناك من يكترث لأجله، هل يشعران بما يمر به؟
فجأة استمع لصوتها وهي تصيح بهما:
-
اتفضلوا امشوا من هنا يالا، انتو عايزين ايه؟
اتسعت ابتسامته على ما سمعه منها ونبرتها
تبدو حائرة وهناك بعض الخوف بصوتها لن يتفهمه سواه، بينما لم يتوقف أي منهما عما
يفعلاه لتستمر "فينوس" بعواء متواصل بينما أكمل "أوفيد" نباحه
الهادئ وكأنه يناديه لتعيد زجرهما من جديد:
-
اسكتوا بقا وامشوا
هز رأسه بإنكار وكأنهما سيتوقفان بفعل
كلماتها وفجأة وجدهما يتوقفان وهو لا يدري كيف فعلتها، ولكنها دائمًا ما كانت تجد
طريقة ما للنجاح في كل ما تُريده، هذا ليس بجديد على تلك الفتاة بداخلها، هي تحتاج
للوقت ليس إلا!
جلس أرضًا وهو يغمض عيناه ويتساءل بينه وبين
نفسه، ما الوقت اللازم لكي تستطيع النجاح في تخطي ما حدث بينهما؟ لقد مر عام
وثلاثة شهور وبموضعه هذا بات على يقين أنها لن تتخطى أي مما حدث! إلى أي درجة من
الدمار وصلت بفعل يـ ـده؟ ما الذي سيُكفي ليراها تتخطى جريمته اللعينة؟! خمسة
أعوام من السجن، عشرة، مؤبد؟!
ذهبت رأسه لتهرب بذكرى بعيدة يتمنى لو كانت
أقرب وهو يسألها عما تُريده للانتقام منه:
- مين الكلب اللي
عمل فيكي كده؟
اخفضت عينيها نحوه بغير تصديق في البداية لقوله هذا عن نفسه، وغابت
عسليتيها خلف جفنيها المتقاربين على الانغلاق وهي تضيقهما نحوه كمحاولة لمعرفة ما
يعتريه، لقد كانت عيناها رائعتان تنبضان بالعشق، ربما كانت تتساءل من الرجل السادي
الذي يُلقب نفسه بهذا؟ هذا يُعتبر انفصام في شخصيته وليس مجرد مزاج رائق بعد أن
استيقظ من نوبة هوسه!
رطبت شـ ـفـتيها عندما همهم مرة ثانية يحثها على الإجابة اثناء
مواصلته معا نقة بشرتها الناعمة المتضررة من افتراسه الشره أمس بقبـ ـلات مواسية
فابتسمت وهي تُجيبه بنبرة ذات مغزى:
- أظن ده مش سؤال،
أنا وأنت عارفين كويس مين الهمجي ده!
ارتفع وهو يُحدقها بتعجب مُصطنع كما تعجب بحروفه المستفهمة:
- وهتجيبي حقك منه
ازاي؟
نهضت جالسة وابتسامتها تتوسع من ملامحه المرحة واستندت على الوسادة
خلفها لتتنهد ثم اجابته مُداعبة إياه:
- اعتقد محامي
زيك، ممم، نكتبله قانون بحاله عشان اعرف اجيب حقي منه!
قلب شـ ـفتيه وهز رأسه بإعجاب ليقترب منها مُقبلًا إياها قبلات
متتالية مرحة وهو يعتليها ثم همس بأذنها:
- بس ده هياخد
وقت، وقت طويل اوي، شوفيلك حل تاني..
يا ليتها اختارت يومها أمر آخر، لماذا عليها
أن تُدهشه دائمًا بأصعب الحلول؟ لماذا تختار أصعب ما لا يُمكنه فعله وتباغته بأن
هذا ما تريده؟ يعرف أنه يتوغل باكتئاب لن ينتهي عما قريب على الاطلاق وتأثير هذه
الغرفة اللعينة عندما يزداد ستسوء حالته أكثر، ولقد فسد نظام دوائه مرة ثانية،
ولكن لو كان هذا ما تريده سيفعله دون تردد، سيجد حل لكل شيء فقط ليراها في النهاية
بخير بعيد عنه بمأمن من كل ما هو عليه!
❈-❈-❈
دخلت لمنزله الصغير لتقوم باحتجاز كلبيه
بالداخل وهي تشعر بالخوف منهما واتجهت لدولاب ملابسه لتقوم باختيار ملابس بيضاء
مطوية وتفقدت تلك الدفاتر التي تنازعت معه من أجل واحد منهم في يوم ما فاتجهت لتقوم
بجذب واحد منهما وجلست فوق فراشه لتقوم بتفقد أولى الصفحات لتجدها ليست بالإنجليزية
فقلبت الدفتر للجهة الأخرى وبدأت بالقراءة:
الدفتر الرابع، هل تصدقين ذلك؟!
الرسالة رقم 350 لكِ
اليوم رقم 300 منذ رؤيتكِ
اليوم رقم 238 منذ عودتي
"صغيرتي"
لقد اشتقت لتلك الفتاة الصغيرة، صغيرتي أنا،
بخصلاتها البنية وشـ ـفتاها المرسومتان بما لم يستطع الإغريق نسبه لأفروديت،
صغيرتي التي بفعل نبرتها وعيناها تنتشلني من الجحيم إلى الجنة..
أنت تعرفين بالفعل من صفحاتي السابقة أنني
بمزاج جيد لتخلصي من نوبة الهوس الماضية على يـ ـديكِ صغيرتي، أنت دائمًا من
يجعلني أشعر.. انتشلتِ عقلي الخرف من الهاوية لتعيدي تهيئته مرة أخرى وتصعدي به
إلى القمة من جديد.
أشعر بالخجل الشديد منكِ وأنتِ مجبرة على الزواج
من مجنون مثلي لا يستحق اسمه أن يُطبع بهويتك، ربما شعرت بالخجل وأنت تقومين
بإجباري على الركوع لكِ عا ريًا متذللًا أسـ ـفل قدميكِ لأتوسل كما كنت أفعلها معكِ
بالسابق، حسنًا..
دعيني أفكر أنا، دون تأثيرك الساحر عليّ،
ماذا لو حدث هذا؟ أن أشعر بعسليتيكِ الفاتنتين وأنتِ ترمقينني بنظرة واحدة وحتى لو
لم أستطع أنا مبادلتك إياها، هذا أكثر مما استحق، فقط طالبي بها مُجددًا وسأفعلها
من أجلك روان إن كان هذا ما يحلو لكِ.. لا أدري لماذا لم أوافق وقتها وتركتك
وذهبت!
يا لي من مختل!
ألقت الدفتر فورًا من يـ ـدها وهي تشعر
بالخوف والتخبط الشديد، لا يُمكنها أن تقرأ كلماته، هذه الكلمات اللعينة التي تُؤمن
بكل ما بها بصحبة خط يـ ـده الذي بات أكثر خط تستطيع التعرف عليه من بين آلاف
الخطوط، محال أن تترك نفسها لتقع بنفس الفخ بفعل كلماته الرائعة!
هل كل هذه الدفاتر يتحدث لها بها؟! مجرد
التساؤل جعلها تنهض بارتباك وأمسكت بتلك الملابس وتجمدت بمكانها وهي تشرد بمحتويات
منزله الصغير لتهرول للخارج بعد أن قامت بترك الكلبان بالداخل لعلهما يتوقفان عن
الازعاج!
❈-❈-❈
في مساء نفس اليوم..
صف سيارته أسفل واحد من المباني لترتبك هي
ولم تكن تقتنع بالذهاب معه بمفردها منذ البداية، ليت "عُدي" لم يضعها
بهذا المأزق معه، تقسم أن لو كان "عمر" مكانه بعد كل ما فعله معها
الأيام الماضية، لما كان تركهما بمفرديهما أبدًا.
-
هو احنا رايحين فين؟
تفحصها بغيظ من تصرفاتها معه وكأنها تفعل شيء
خاطئ بمجرد التحدث له ليحدثها بهدوء مبتسمًا:
-
انزلي يا حبيبتي، متخافيش مش هاخطفك دلوقتي
بعد كل المرمطة معاكي دي.
ابتلعت وتوجهت لخارج السيارة ليفعل هو الآخر
وانتظرته إلى أن آتى نحوها فطالعته بنظرات مستفهمة لتجده يُمسك بيـ ـدها فجذبتها
بحركة عفوية منها ليتنهد بضيق ثم سألها بجدية:
-
تحبي نفركش الجوازة دي؟
وجدت ملامحه لأول مرة تختلف منذ أن آتى اليوم
لتجيبه بتردد متسائلة:
-
ليه بتقول كده؟
امتعضت ملامحه بالسخرية وأجابها بتهكم واضح:
-
مش عارف، حاسس إنك بتحبيني زيادة عن اللزوم
لغاية ما اتخنقت من كتر الحب والمعاملة الحلوة فبدور على أي مُشكلة وخلاص.
أغمضت عيناها بنفاذ صبر ليواصل كلماته
بانزعاج:
-
هو أنتي فيه حد غصـ ـبك عليا يا عنود؟ مش
فاهم ايه الحاجة الغلط اللي بعملها معاكي عشان تعامليني بالشكل ده؟
-
يا يونس مش كده والله
لم يستطع أن يجد المزيد من القدرة بداخله على
التحمل لترتفع نبرته قليلًا بعفوية لم يقصدها:
-
امال فيه ايه؟ في الأول كان مفيش بيني وبينك
ارتباط رسمي، وبعد ما بقا فيه عدي جاي كده free
على الـ package قولت يمكن الموضوع يختلف لما
نكتب كتابنا بس انتي زي ما انتي معايا، لما بتكلميني كأننا بنسرق، وممنوع اشوفك أو
اهزر معاكي، ولما جيتلك البيت كأنك شوفتي عفريت، كان ناقص تطرديني أنا ويارا، اخدت
الموضوع عادي وفضلت اهزر واضحك، قولت معلش لسه مش متعودة إن زمان كان حاجة ودلوقتي
بقا اسمنا متجوزين، افتكرت إنك مكسوفة عشان في بيت أهلك، قولت لما هنخرج الموضوع
هيختلف، إنما انتي بتردي عليا زي ما تكوني مش طايقاني، كل ما اقرب منك أو اهزر
معاكي بتقفليني، أنا اتخنقت بصراحة، فنفركش الجوازة دي اللي مبقتش فاهمها عشان أنا
مش فاهم أنا بالنسبالك مجرد جوازة وخلاص وقولتي يالا تتجوزي، ولا أنتي عايزة تبعدي
عن قرف بيتكم ولا ايه بالظبط أنا مبقتش فاهم!
تجلى الغضب على ملامحه واستطاعت أن تميزه
بوضوح ولكنها شعرت بالإهانة من كلماته لتطالعه بصدمة مما قاله لترد قائلة:
-
لا أنا هرجع لقرف بيتنا بكرامتي وفعلًا الصح
اننا نفركش الجوازة.
اتجهت وهي تمشي بعيدًا عنه لا تدري إلى أين
ستذهب ليستعيد ما قاله فأدرك أن كلماته كانت قاسية ليتبعها مهرولًا خلفها فأوقفها
جاذبًا إياها برفق وبمجرد التفاتها نحوه وجدها تبكي ليشعر بسوء ما فعله وسرعان ما
اعتذر لها:
-
أنا آسف، مكونتش اقصد كلامي يبقا كده.
انتزعت ذرا عها من يـ ـده ليتركها تتصرف كما
يحلو لها وانبعث به الحُزن بفعل ما يراه ما بُكاء على وجهها لتعقب بحزم:
-
ابعد عني ومتعرفنيش تاني لو سمحت.
التفتت لتذهب من جديد فهرول سريعًا ليقف أمامها
واعتذر منها محاولًا أن يُبرر ما حدث:
-
أنا آسف، أنا بس اتعصبت غصب عني، عنود أنا
مبسمعش منك كلمة حلوة ولا حاسس إني فارق معاكي، مش عارف أنا غلطان في ايه وأسلوبك
ده ضايقني وزعلني، غصب عني اتكلمت وقت عصبية بس مقصدش حاجة والله.
عقبت بين بُكائها وهي ترمقه بغضب:
-
ولا تقصد، مبقتش فارقة خلاص
زفر بإرهاق ثم توسل مخبرًا إياها:
-
خلاص بقا أرجوكي متعيطيش، أنا كان نفسي نتبسط
ونخرج مرتين تلاتة قبل ما ترجعي دراستك، أنا جاي أصلًا أخد رأيك في شقة لو عجبتك هشتريها
عشان تبقا عيادتك، تفتكري اللي بيحاول يرضيكي في كل حاجة ده هيبقا عايزك تزعلي،
بطلي حركاتك دي بجد عشان تعبت وأنتي بتقفليني بردك الدبش كل شوية، ومش عايز اشوفك
زعلانة، أنا عايزك تبقي فرحانة!
تفقدته بطرف عيناها لتعقد ذرا عيها وتحاشت
النظر له لتعقب باقتضاب:
-
معلش روح شوف واحدة تانية مش دبش ومش عايزة
تخلص من قرف أهلها، وابعد من قدامي لو سمحت عشان امشي
قلب عينيه بضيق وهو لا يعرف إلى متى سيستمر
تصلب رأسها ليطالعها للحظات وتنفس بعمق ليضع يـ ـداه ممسكًا بذرا عيها لتنتبه
لفعلته وزجرته وهي تتلفت نحوها:
-
يونس احنا في الشارع ومينفعش اللي بتعمله ده!
حاولت التخلص منه ليجذب يـ ـدها وهو يعود من
جديد أمام العقار مرغمًا إياها على أن تتبعه ليحدثها قائلًا:
-
خلاص هحب الدبش والقرف وانتي فكيها شوية
وكفاية نكد ولو زعلتك فأنا آسف بس تبطلي دبش مبالغ فيه، ممكن يبقا نص نص معنديش
مشكلة!
-
هو ايه اللي دبش وهتحب وهتكره، بقولك إيه أنا
مش هروح معاك في حتة و
اوقفها بقبـ ـلة مباغتة على وجنتـ ـها وهما
أمام المصعد الذي قام بطلبه لتتجمد بسبب فعلته وتفقدته بذهول لتزجره وهي تحاول
انتزاع يـ ـدها لكي تذهب:
-
أنت متخلف ولا مجنون عشان تعمل كده واحنا في
وسط الناس و
-
مراتي! هبقا اطلعلهم القسيمة.
-
أنا لسه مبقتش مراتك و
-
اسكتي بقا شوية وبطلي خناق.
قاطعها ليوقفها عن التفوه بتلك الترهات ودفعها
للداخل بعد أن قام بفتح الباب ومنعها من الخروج ليقوم بضغط الزر للطابق الذاهبان
إليه ليحدقها بغيظ ثم قال بمرح:
-
بصي بقا الطوبة ببوسة من الدبش بتاعك ده بعد
كده عشان أنتِ مبتسكتيش غير بالأسلوب ده لغاية ما تتعودي تتكلمي عِدل، نشوف الشقة ولو
عجبتك كلمي أخوكي وعرفيه عشان نمضي العقود والإجراءات دي، وبعدين نكمل خروجتنا
عشان الحق ارجعك قبل الساعة عشرة، هتهدي شوية ولا تحبي نقضيها بوس؟!
❈-❈-❈
قامت بإغلاق القدر الذي صنعت به نفس هذا
الأرز الأبيض الذي كان يُطعمه لها بتلك الأيام البشعة وقامت بنثر منوم قوي فوقه
كانت لا تتناوله سوى منذ عام ليُساعدها على طرد هذه الكوابيس لتنام لعدة ساعات ثم
اتجهت للأعلى ووضعت الطبق أرضًا لتدفعه بهدوء بقدمها وهي تُمسك بهاتفها وتطالعه
على الجهة الأخرى من الباب لتجده جالس فوق هذا الفراش واستمعت له وهو يقول:
-
شكرًا!
لم تُجبه وانتظرت أن يتحرك ويذهب نحوه بينما
لم يفعل لعدة دقائق لتقضم شـ ـفتيها وحدثته بتردد:
-
لما تاكل طلع الطبق برا.
وجدته ينهض وهو يدفع الطبق لها وانخفض ليقدمه
بيـ ـده للخارج وأجاب بصوت مسموع:
-
مش عايز، الطبق اهو
-
مفيش غيره على فكرة، خليك بقا من غير أكل
-
ماشي!
دفعت بالطبق من جديد بقدمها بغيظ لتتابع ما
يفعله لتجده يقوم بدفعه بقدمه هذه المرة فدفعته هي الأخرى بمزيد من الغيظ وصاحت
به:
-
عرفت إنك إنسان كداب ومتستاهلش، مش هو ده
اللي عندك استعداد يتعمل فيك زي ما اتعمل فيا، ولا نسيت كلامك؟
لم يرد على كلماتها لتشعر بالغضب وكأن كل ما
تفعله لا يؤثر عليه على الطلاق فصاحت وهي تنظر بشاشة هاتفها التي تعرض صورة من تلك
الكاميرات التي ثُبتت بسقف الغرفة:
-
كل الأكل ده وكمل كلامك بتاع امبارح، مريم
قالتلك إيه تاني؟
محاولة
جديدة منها لتحاول أن تُصيبه بنفس الألم الذي أصابها به، ولكنها لن تفلح، لأنه
وببساطة يعرف أين هو، ويعرف ما الذي يُعاني منه وتقبله واقتنع به بالكامل، يعرف
جيدًا ما الذي سيحدث له، ويملك حل سريع لكل هذا، هو ليس بسجن فعلي مثلها، بل يستطيع
أحيانًا اللهو مع قطها الصغير الذي قام بزيارته مرتان وعلى الأقل هو يستمع لنبرة
صوتها التي لا يعشق أكثر منها، أيًا كان ما ستفعله لن يساوي ما فعله معها، لن تكون
بمثل تلك المشاعر المؤلمة التي واجهتها هي، كما أنه على دراية تامة ببعض الحيل
التي يُمكنه أن يحتال بها ليمنع هذا التأثير البشع الذي ستصيبه به هذه الغرفة، على
الأقل سيُقلل من وطأته، والتحدث معها سيُفيد في تحمل المشقة، لأول مرة يندم على
عدم حديثه لأحد طوال حياته، ليته حدثها وقتها وهي جالسة بمفردها بهذه الغرفة!
-
عايزة تعرفي ايه بالظبط؟
-
كل اللي قالتهولك، كل تبرير منطقي للي أنت
عملته فيا!
جلس بالقرب من هذا الصحن واستند على الباب
خلفه ثم تكلم بتنهيدة:
-
حاضر.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية